معارج الفهم في شرح النظم

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

معارج الفهم في شرح النظم

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: عبدالحليم عوض الحلّي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-397-218-3
الصفحات: ٦٤٤

اللغة (١) ، والولي يطلق على الناصر والمتصرّف ، ولا معنى للأوّل هاهنا (٢) ، لأنّ هذه الآية متخصّصة (٣) ببعض الناس والنصرة عامّة لقوله تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ).

إذا ثبت هذا فنقول (٤) : المراد بالذين آمنوا هاهنا (٥) بعض المؤمنين ، لأنّ الله تعالى وصفهم بإيتاء الزكاة حال ركوعهم ، وليس هذا الوصف ثابتا لكلّ المؤمنين.

وأيضا لو كان المراد كلّ المؤمنين لكان الولي والمولى عليه واحدا وذلك باطل ، وإذا ثبت أنّ المراد بعض المؤمنين كان ذلك البعض عليّا عليه‌السلام لأنّ الامّة أجمعوا على أنّ المراد بها إمّا بعض المؤمنين فهو عليّ ، وإمّا جميع المؤمنين فيدخل عليّ عليه‌السلام فيهم ، وأيضا فإنّ من الناس من قال : إنّ المراد بها بعض المؤمنين ، فهو عليّ عليه‌السلام ومنهم من قال : كلّ المؤمنين ، وقد بيّنّا أنّ المراد هو البعض ، فلو كان غير عليّ عليه‌السلام كان ذلك خارقا للإجماع ولاتّفاق المفسّرين على أنّ المراد بذلك هو عليّ عليه‌السلام (٦) (٧).

قال :

ولقوله : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، وهارون كان خليفته ، إلى غير ذلك

__________________

(١) مغني اللبيب ١ : ٣٩ ، القاموس المحيط ٤ : ١٩٨ ، تاج العروس ٩ : ١٢٩ ، وانظر الاقتصاد للشيخ الطوسي : ١٩٩.

(٢) في «س» : (هنا).

(٣) في «ب» «د» : (مختصّة).

(٤) في «ج» «ر» «ف» زيادة : (إنّ).

(٥) في «س» : (هنا).

(٦) قوله : (كان ذلك) إلى هنا سقط من «ف».

(٧) الاقتصاد للشيخ الطوسي : ١٩٧ ، الرسائل العشر للشيخ الطوسي : ١٢٩ ، إشارة السبق للحلبي : ٥١ ، المسائل العكبريّة للمفيد : ٤٩ ، الإفصاح للمفيد : ١٣٤ ، الإرشاد للمفيد ١ : ٧.

٥٠١

من الأخبار المتواترة لم نطول بذكرها ، وكلّ دليل دلّ على إمامة عليّ عليه‌السلام فهو دالّ على باقي الأئمّة الأحد عشر ، ولقوله عليه‌السلام : هذا ابني إمام (١) ـ يعني الحسين عليه‌السلام ـ أخو إمام ابن إمام (٢) أبو أئمّة تسعة ، تاسعهم قائمهم صلوات الله عليهم.

أقول :

هذا وجه رابع عشر دالّ على إمامة عليّ (٣) عليه‌السلام ، وهو قوله : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي (٤) ، وتقرير هذا يفتقر إلى مقدّمات ثلاث :

الاولى : تصحيح الخبر ، وهو أنّه نقل نقلا متواترا ، وأيضا تلقّته الامّة بالقبول (٥) ، فتأوّله بعضهم ، وبعضهم (٦) اعترف بدلالته على الإمامة.

الثانية : المراد بمنزلة عليّ عليه‌السلام كلّ منازل هارون من موسى ، ويدلّ عليه أنّ المراد بها أكثر من منزلة واحدة ، فيكون المراد جميع المنازل ، أمّا الأوّل فلأنّه استثنى منها

__________________

(١) (إمام) لم ترد في «ج» «س».

(٢) (ابن إمام) سقطت من «ف».

(٣) في «ب» : (إمامته) بدل من : (إمامة عليّ).

(٤) فضائل الصحابة لابن حنبل : ١٣ و ١٤ ، مسند أحمد ٣ : ٣٢ ، صحيح مسلم ٧ : ١٢٠ ، سنن الترمذي ٥ : ٣٠١ / ٣٨٠٨ ، وص ٣٠٤ / ٣٨١٣ ، المستدرك للحاكم ٢ : ٣٣٧ وج ٣ : ١٠٩ و ١٣٣ ، السنن الكبرى ٩ : ٤٠ ، مسند الطيالسي : ٢٨.

(٥) قال الكنجي الشافعي في كفاية الطالب : ٢٨١ ـ ٢٨٧ الباب ٧٠ هذا حديث متّفق على صحّته ، رواه الأئمّة الحفاظ كأبي عبد الله البخاري في صحيحه ومسلم بن الحجاج في صحيحه وأبي داود في سننه ، وأبي عيسى الترمذي في جامعه وأبي عبد الرحمن النسائي في سننه وابن ماجة القزويني في سننه ، واتّفق الجميع على صحّته حتّى صار ذلك إجماعا منهم ، وقال الحاكم النيسابوري في المستدرك ٢ : ٣٣٧ هذا حديث دخل في حدّ التواتر.

(٦) (وبعضهم) لم ترد في «ف».

٥٠٢

منزلة النبوّة ، والواحد بالشخص يستحيل (١) استثناء شيء منه ، وأمّا الثاني فلأنّ الناس قائلان : منهم من يقول : إنّ المراد من هذه المنزلة الواحدة ، وهو كونه خليفته في حياته ، كما كان هارون من موسى ، ومنهم من يقول : إنّ المراد بها (٢) كلّ المنازل ، فلو قلنا : إنّ المراد ليس منزلة واحدة ولا جميع المنازل لزم خرق الإجماع.

الثالثة : أنّ هارون لو (٣) عاش بعد موسى لكان خليفته ، ويدلّ عليه أنّ هارون كان خليفة موسى في حياته إجماعا ، ويدلّ عليه (٤) قوله : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي) (٥) فلو لم يكن خليفة بعد موته لكان معزولا عن هذه المرتبة ، وهو غير لائق بمنصب النبوّة ، وأيضا فإنّ هارون كان شريك موسى في الرسالة ، فلو عاش بعده لكان مفترض الطاعة.

إذا تقرّر هذا فنقول : ثبت (٦) لعليّ عليه‌السلام منزلة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لجميع منازل هارون من موسى ، وقد ثبت لهارون استحقاق الخلافة بعد وفاة موسى لو عاش ، فيكون عليّ عليه‌السلام كذلك ، والأخبار المتواترة كثيرة في هذا المعنى قد (٧) طوّل فيها أصحابنا كالسيّد المرتضى والشيخ أبي جعفر وغيرهما ، ونحن قد (٨) أعرضنا هاهنا عنها (٩)

__________________

(١) (يستحيل) لم ترد في «ف».

(٢) (بها) لم ترد في «ر» «ف».

(٣) في «ف» : (ولو).

(٤) في «ج» «ر» «ف» : (عليها).

(٥) الأعراف : ١٤٢.

(٦) في «ج» «ر» «س» «ف» : (يثبت).

(٧) في «د» : (وقد).

(٨) (قد) لم ترد في «ب» «س».

(٩) في «ب» : (عنها هاهنا) بتقديم وتأخير.

٥٠٣

مخافة (١) التطويل ، وكلّ دليل دلّ (٢) على إمامة عليّ عليه‌السلام فهو دالّ (٣) على إمامة باقي الأئمّة عليهم‌السلام.

وأيضا فإنّه لمّا ثبت أنّه لا يجوز خلوّ الزمان من معصوم كان ذلك دالّا على إمامتهم لانتفاء عصمة غيرهم بالإجماع ، ويدلّ عليه (٤) أيضا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله للحسين صلوات الله وسلامه عليه : هذا ابني إمام أبو إمام ابن إمام أبو أئمّة تسعة ، تاسعهم قائمهم (٥) ، ووردت أخبار كثيرة في هذا المعنى (٦).

__________________

(١) في «ف» : (مخالفة).

(٢) في «س» : (ذكر).

(٣) في «س» : (دليل).

(٤) في «ف» : (عليها).

(٥) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٥٢ ح ١٧ ، كمال الدين ١ : ٢٦٢ ، الخصال ٢ : ٤٧٥ ، الرسائل العشر للشيخ الطوسي : ٩٨ ، الغيبة للنعماني : ١٠٣ ، مقتضب الأثر لابن عياش الجوهري : ٩ ، النكت الاعتقاديّة للشيخ المفيد : ٤٣.

(٦) انظر الباب السابع من منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر.

٥٠٤

قال :

الباب السابع :

في المعاد

٥٠٥
٥٠٦

وفيه مسائل.

مسألة : الجوهر حقّ ، لأنّ الحركة مركّبة من امور متتالية لوجودها في الآن وعدم الباقيين ، والآن لا يقبل القسمة وإلّا فمنه (١) مستقبل فليس بآن ، فالموجود منها إن انقسم انقسم الآن ، وإن لم ينقسم فكذا الجسم وإلّا انقسمت ، هذا خلف.

أقول :

هذه المسألة من أشرف المطالب ويبتني (٢) عليها مباحث كثيرة ، من جملتها إثبات النفس ، ولأجل هذه المسألة قدّم البحث عن الجزء.

[البحث في الجزء]

واعلم أنّ الجسم على قسمين : بسيط ومركّب ، والمركّب إمّا أن يتركّب من مختلفات الطبائع أو من متفقاتها ، وعلى كلا التقديرين فالجزء موجود في المركّب بالفعل ، وأمّا البسيط فلا شكّ في أنّه قابل للقسمة ، والانقسامات المفروضة إمّا أن تكون متناهية أو غير متناهية ، وأيضا فهي إمّا بالفعل أو بالقوّة ، وقد صار إلى كلّ واحد من هذه الأقسام الأربعة جماعة ، لكن المشهور منها ثلاثة :

__________________

(١) في «ف» : (قسمة).

(٢) في «أ» «ف» : (مبني).

٥٠٧

أحدها : تركّب الجسم من أجزاء متناهية.

الثاني : قبول الجسم لانقسامات غير متناهية مع بساطته.

الثالث : تركّب الجسم من أجزاء غير متناهية (١).

والأوّل مذهب جماعة من المتكلّمين وطائفة من (٢) الحكماء ، واحتجّوا عليه بوجوه :

الأوّل : أنّ الزمان مركّب من أجزاء لا تتجزأ ، فالحركة كذلك ، فالجسم كذلك ، أمّا المقدّمة الاولى فلأنّ الزمان موجود قطعا ، فإمّا أن يكون الموجود منه منقسما أو لا يكون ، والأوّل باطل وإلّا لكان بعضه ماضيا أو مستقبلا والآخر حاضرا ، والماضي والمستقبل معدومان فلا (٣) يكون الحاضر حاضرا ، هذا خلف. والثاني هو الآن الذي لا يقبل القسمة.

وأمّا المقدّمة الثانية فلأنّ الحركة الموجودة إنّما تكون موجودة في الآن لعدم الماضي والمستقبل ، والآن لا يقبل القسمة ؛ فالحركة (٤) الموجودة فيه لا يقبلها وإلّا لزم انقسام (٥) الآن لأنّ نصف الحركة تقع في نصف الزمان الذي تقع فيه الحركة.

وأمّا المقدّمة الثالثة فلأنّ الجسم الذي يقع فيه تلك الحركة في ذلك الآن إن كان منقسما كانت الحركة إلى نصفه نصف الحركة إلى كلّه ، لكنّ الحركة لا نصف لها ،

__________________

(١) للاطلاع على الأقوال في مسألة تركّب الأجسام وبساطتها ينظر طبيعيّات النجاة : ١٠٢ ، المباحث المشرقية ٢ : ١٧ ، المطالب العالية في العلم الإلهي ٦ : ٢٩ ، نقد المحصّل : ١٨٤ ، كشف الفوائد : ٨٣ ، شرح المقاصد ٣ : ٢١ ، الأسرار الخفيّة للمصنّف : ٢٢٩ ، نهاية المرام ٢ : ٤١٨.

(٢) (من) لم ترد في «ف».

(٣) في «ف» : (فلأن).

(٤) في «د» : (والحركة).

(٥) في «س» : (الانقسام).

٥٠٨

فذلك القدر (١) المقطوع بها لا نصف له ، فقد ثبت وجود جزء لا يتجزّأ (٢).

قال :

ولأنّ النقطة موجودة لأنّها نهاية الخطّ ولا تنقسم ، فإن انقسم محلّها انقسمت ، وإلّا فالمطلوب حاصل.

أقول :

هذا هو الوجه الثاني على ثبوت الجزء (٣) ، وهو أنّا نقول : النقطة موجودة لأنّها نهاية الخطّ ، ونهاية الخطّ (٤) موجودة ، وهي لا تنقسم ، وإلّا لما كانت نهاية بل كان الطرف الآخر هو النهاية ، هذا خلف ، فهو إمّا أن يكون جوهرا أو عرضا ؛ فإن كان الأوّل ثبت المطلوب ، وإن كان الثاني افتقرت إلى محلّ ، فذلك المحلّ إن انقسم انقسمت النقطة ، هذا خلف ، وإلّا ثبت المطلوب (٥).

قال :

ولأنّ الكرة الموضوعة على سطح تلاقيه بنقطة وإلّا تضلّعت ، فإذا تدحرجت تلاقت بنقط فكانت مركّبة منها.

أقول :

هذا وجه ثالث ، وتقريره : أنّا إذا فرضنا كرة حقيقيّة ، ووضعناها على سطح مستو فإنّها تلاقيه بما لا تنقسم ، وإلّا لكانت مضلّعة ، فإذا أخرجنا من مركزها

__________________

(١) في «ف» : (المقدّر).

(٢) التزم بذلك الرازي في المطالب العالية في العلم الإلهي ٦ : ٢٩.

(٣) في «ج» «ر» «ف» : (الجوهر).

(٤) (ونهاية الخط) لم ترد في «ف».

(٥) تلخيص المحصل : ١٨٤ ، وجعله المصنّف في نهاية المرام ٢ : ٤٣١ الوجه السادس.

٥٠٩

خطّين إلى طرفي موضع الملاقاة وآخر إلى وسطه كان الآخر أقصر من الطرفين لكونه وترا للحادّة ، فلا تكون كرة حقيقيّة ، هذا خلف ، فإذا (١) تدحرجت تلك الكرة لاقت السطح بنقط (٢) فيلزم تركّب السطح من النقط (٣).

لا يقال : نمنع وجود كرة وسطح حقيقيين (٤) ونمنع تلاقيهما ، ومع ذلك فلا نسلّم لزوم التأليف من النقط ، بل كلّ آن نفرضه يكون السطح ملاقيا للكرة بنقطة ، ثمّ بعد ذلك الآن يوجد زمان تلاقي السطح الكرة فيه بخطّ عند حركتها عليه فاندفع المحذور.

لأنّا نقول : أمّا المنع من وجود الكرة فهو غير مستقيم ، فإنّه الشكل الطبيعي للأجسام.

وأمّا المنع من وجود السطح فضعيف أيضا ، لأنّ سبب الخشونة ارتفاع بعض الأجزاء عن بعض ، ويمكن إزالة الجزء المرتفع أو وضع جزء على المنخفض ، فيحصل الاستواء.

والمنع من التلاقي مدفوع أيضا.

وأمّا إيجاب الخطّ فضعيف ، لأنّا إذا فرضنا ملاقاة الكرة للسطح بنقطة زمانا ثمّ حصلت المفارقة بعد ذلك ، فإمّا أن تكون الملاقاة حينئذ بخطّ أو (٥) بنقطة ، والأوّل

__________________

(١) في «ب» : (وإذا).

(٢) في «س» : (بنقطة) بدل من : (بنقط) ، وفي «أ» زيادة : (متتالية).

(٣) استدلّ به الجويني كما في نهاية الإقدام للشهرستاني : ٥٠٧ ، تلخيص المحصل : ١٨٤ ، وجعله المصنّف الوجه الثاني في نهاية المرام ٢ : ٤٢٢.

(٤) في «ب» «س» : (حقيقي).

(٥) في «ف» : (و).

٥١٠

باطل وإلّا لزم تضلّع (١) الكرة ، والثاني هو المطلوب.

لا يقال : إنّها (٢) ملاقية (٣) بنقطة وبين النقطتين خطّ.

لأنّا نقول : الكرة دائما إنّما تلاقي بالنقطة ، فبعد (٤) زوال الملاقاة عن النقطة الاولى (٥) إن حصلت الملاقاة بخطّ لزم التضليع ، وإن حصلت بنقطة لزم تتالي النقط وهو المطلوب ، وإن لم تحصل الملاقاة لزم خلاف الفرض ، هذا خلف.

قال :

ولأنّها لو انقسمت قوّة انقسمت (٦) فعلا لاتّصاف كلّ جانب بالملاقاة إلى غير النهاية ، ولأنّ إمكان (٧) النصفيّة مختصّ بالبعض ، وهكذا ، واختلاف الأعراض يدلّ على الاختلاف فعلا ، والتالي باطل وإلّا لما لحق السريع البطيء ولا زادت (٨) المقادير بزيادتها ، ولا أمكن قطع المتناهي في متناه ، والطفرة (٩) ضروريّة البطلان والتداخل لعدم الامتياز.

__________________

(١) في «ج» «ر» «ف» : (تضليع).

(٢) في «س» : (لأنّها).

(٣) في «ف» : (تلاقيه).

(٤) في «ج» «ر» «ف» : (فعند).

(٥) (الأولى) لم ترد في «س».

(٦) في «ب» : (لانقسمت).

(٧) (إمكان) لم ترد في «ف».

(٨) في «د» «ف» : (ازدادت).

(٩) الطفرة في اللغة : الوثبة ، والمراد هنا انتقال المتحرّك من جزء من المسافة إلى جزء آخر منها من غير أن يحاذي أجزاء ما بينهما ، وقد يعبّر عنها بترك محاذاة الأوسط (شوارق الإلهام ٢ : ١٨ ، شرح المصطلحات الكلاميّة : ٢٠٠).

٥١١

أقول :

هذا هو الوجه الرابع ، وهو يبطل مذهب الحكماء في قولهم : إنّ الجسم واحد ينقسم إلى ما لا يتناهى بالقوّة ، وتقريره أن نقول : لو كانت الانقسامات التي لا تتناهى حاصلة في الأجسام بالقوّة لكانت حاصلة فيها بالفعل ، والتالي باطل فالمقدّم مثله.

بيان الشرطيّة : أنّ كلّ جسم فإنّه قابل للقسمة إلى جزءين ، وكلّ واحد من ذينك الجزءين يكون ملاقيا للآخر بأحد طرفيه دون الآخر ، واختلاف الأعراض يوجب الانقسام الفعلي ، فلمّا صدق على طرفي أحد (١) الجزءين الملاقاة للآخر (٢) ولم يصدق على (٣) الطرف الآخر كان كلّ واحد من الطرفين متميّزا (٤) عن صاحبه بالفعل (٥) فيكون كلّ واحد من الجزءين منقسما بالفعل إلى جزءين ، ويكون أحد جزئي أحد (٦) الجزءين ملاقيا للآخر بأحد طرفيه دون الآخر فيكون منقسما ، وهكذا إلى ما لا يتناهى.

وأيضا فاذا (٧) كان الجسم متّصلا فإنّه قابل للتنصيف (٨) ، ولا شكّ أنّ مقطع

__________________

(١) في «ب» «س» : (أحد طرفي).

(٢) (للآخر) ليست في «ف».

(٣) في «د» : (عليه).

(٤) في «ف» : (مميّزا).

(٥) في «ف» : (بالعقل).

(٦) (أحد) لم ترد في «ب».

(٧) في «ج» «ر» «ف» : (إذا).

(٨) في «ف» : (للنصف).

٥١٢

التنصيف (١) مغاير لمقطع التثليث والتربيع وغير ذلك ، فذلك الموضع يختصّ (٢) عن غيره من الأجزاء ، وكذلك (٣) مقطع التثليث والتربيع إلى ما لا يتناهى ، فيكون مقطع التنصيف وغيره موجودا بالفعل لاتّصافه بعرض لا يوجد للآخر ، فيلزم الانقسام بالفعل إلى ما لا يتناهى.

وأمّا بطلان التالي فيدلّ عليه وجوه ثلاثة :

الأوّل : أنّ الجسم لو اشتمل على ما لا يتناهى لما لحق السريع البطيء ، فإنّ البطيء إذا تحرّك مسافة ثمّ ابتدأ السريع فإنّه لا يمكنه قطع تلك المسافة إلّا بعد قطع (٤) نصفها ، ولا (٥) يمكنه قطع نصفها إلّا بعد قطع ربعها ، وهكذا إلى ما لا يتناهى ، فيلزم أن لا يصل إلى البطيء البتّة.

الثاني : يلزم أن لا يقطع المسافة المتناهية المقدار في زمان متناه لأنّ المتحرّك لا يمكنه قطع تلك المسافة إلّا بعد قطع نصفها ، ولا يمكنه قطع نصفها إلّا بعد قطع ربعها ، وهكذا إلى ما لا يتناهى ، فيجب أن يكون هناك أزمنة لا تتناهى.

وعندي في هذين الوجهين نظر.

الثالث : أنّ زيادة الأجزاء تستلزم زيادة المقدار ، فإنّا نعلم بالضرورة أنّ عشرة أجزاء أزيد من جزء واحد ، فإذا كان الجسم المتناهي لا يتناهى أجزاؤه ، فلنأخذ من تلك الأجزاء عدّة محصورة ونؤلّف بينها في جميع الأقطار حتّى يحصل مقدار

__________________

(١) في «ف» : (النصف).

(٢) في «ب» : (الوضع مختصّ) ، وفي «د» «س» : (الموضع مختصّ) بدل من : (الموضع يختصّ).

(٣) في «س» : (وذلك).

(٤) (قطع) لم ترد في «د».

(٥) (لا) ليست في «ف».

٥١٣

متناه ، ويكون له نسبة إلى ذلك الجسم المتناهي ، وهي (١) نسبة المتناهي في المقدار ، لكن نسبة المقدار إلى المقدار هي نسبة الأجزاء إلى الأجزاء ، فنسبة متناه إلى متناه هي نسبة متناه إلى غير متناه ، هذا خلف ، فيجب أن لا يزيد مقدار الأجزاء على مقدار الجزء الواحد فلا تحصل (٢) النسبة ، لكن هذا باطل بالضرورة.

واعلم أنّ القائلين بهذا (٣) المذهب اعتذروا عن الوجهين الأوّلين بالطفرة ، وعن الثالث بالتداخل (٤) ، وعنوا بالطفرة قطع المسافة من غير المرور على الوسط ، واستدلّوا على صحّتها بوجوه :

أحدها : أنّا (٥) نفرض بيتا طوله ألف ذراع ، وفيه ثقب مسدود ، فإذا فتحناه انتهى ضوء الشمس إلى آخره ، مع أنّا نعلم أنّه من المستبعد قطع تلك (٦) المسافة الطويله في اللحظة الواحدة.

وثانيها : أنّا (٧) نفرض سدّ الثقب المذكور فإنّ الضوء يزول في لحظة واحدة ، فلا بدّ من القول بالطفرة.

وثالثها : أنّا (٨) نفرض بئرا طولها مائة ذراع وفي وسطها خشبة ، وفيها حبل

__________________

(١) في «د» : (وهو).

(٢) في «ج» زيادة : (هذه).

(٣) في «ج» «ر» : (الناقلين لهذا).

(٤) التداخل : دخول شيء في شيء آخر بلا زيادة حجم ومقدار (التعريفات : ٢٤ ، جامع العلوم ١ : ٢٨٢ ، شرح المصطلحات الكلاميّة : ٦٥).

(٥) في «ج» : (أن).

(٦) في «د» : (ذلك).

(٧) في «ج» : (أن).

(٨) في «س» : (أنّ).

٥١٤

طوله خمسون ذراعا ثمّ أخذنا حبلا آخر طوله خمسون ذراعا وفي طرفه حلقة ثمّ (١) أدخلناها في الحبل السفلاني ثمّ جذبناه ، فإنّ الحبل الفوقاني إذا صعد طرفه وهو خمسون ذراعا صعد طرف الحبل الأسفل مائة ذراع وذلك هو (٢) الطفرة.

وأمّا التداخل فإنّهم قالوا : إنّ الجزءين يتّحدان في الحيّز (٣) ، ويكون مساحتهما مساحة جزء واحد فلا يلزم زيادة المقدار لزيادة الأجزاء.

والطفرة باطلة بالضرورة ، فإنّه لا يعقل حركة الجسم من أوّل المسافة إلى آخرها إلّا بعد مروره بالوسط وكذلك التداخل ، وأيضا فالتداخل (٤) يستلزم رفع الامتياز ؛ أمّا الوضعي فظاهر ، وأمّا العقلي فلأنّه إنّما يكون بالتعدّد الذي لا يحصل إلّا باختلاف الأعراض ضرورة تساوي الجزءين في الحقيقة ، لكن الأعراض لا تختلف لتساوي نسبتها إليها.

قال :

ولأنّ معدّل النهار يقطع الافق على نقطة ، فإن (٥) لم يلق اخرى لزم الطفرة وإلّا تتالت النقط.

أقول :

هذا هو الوجه الخامس ، وتقريره : أنّ دائرة معدّل النهار قاطعة للفلك العالي إلى نصفين وتقاطع فلك (٦) البروج على نقطتي الاعتدال إذا وصلت الشمس إليهما

__________________

(١) (ثمّ) لم ترد في «ب».

(٢) في «ب» «د» «س» : (هي).

(٣) في «ب» زيادة : (الواحد).

(٤) في «ج» «ر» : (التداخل).

(٥) في «ر» : (وإن).

(٦) في «س» : (تلك).

٥١٥

اعتدل الليل والنهار ، وتقاطع دائرة الافق على نقطتين مشرقيّة ومغربيّة ، فإذا (١) تحرّكت دائرة المعدّل بعد ملاقاتها لتلك الدائرة بنقطة فإن لم يلق نقطة اخرى لزم الطفرة ، وإن لقيت نقطة اخرى لزم تركّب الخطّ من النقط المتتالية (٢).

[في قابليّة الجسم لما لا يتناهى من الانقسامات]

قال :

احتجّوا بحركة الجزءين أحدهما فوق رابع والآخر تحت أوّل فإنّهما يلتقيان (٣) على مقطع الثالث والثاني فانقسم الجميع.

أقول :

احتجّ الحكماء على كون الجسم قابلا لما لا يتناهى من الانقسامات بوجوه :

أحدها : أنّا نفرض خطّا مركّبا من (٤) أربعة أجزاء ، ونفرض فوق طرفه الأيمن جزءا وتحت طرفه الأيسر جزءا ثمّ نفرض الجزءين متحرّكين دفعة واحدة ، فإنّه لا يمكنهما قطع ذلك الخطّ إلّا بعد تحاذيهما ، فإن كان موضع التحاذي هو الجزء الثاني كان أحد الجزءين قد تحرّك ثلاثة أجزاء والآخر جزءا ، هذا خلف ، وإن كان (٥) هو الجزء الثالث (٦) فكذلك ، فلم يبق موضع التحاذي إلّا مقطع الثاني والثالث ، فيلزم انقسام الجزءين المتحرّكين والثاني والثالث جميعا.

__________________

(١) في «ر» : (وإذا).

(٢) ذكره المصنّف في نهاية المرام ٢ : ٤٣١ بعنوان الوجه الخامس.

(٣) في «د» «س» : (يلقان).

(٤) في «ر» : (في).

(٥) (كان) لم ترد في «د».

(٦) في «س» : (الآخر).

٥١٦

قال :

ولأنّ المربّع المركّب من عشرة يكون قطره عشرة ، فإن تلاقت كان القطر مثل الضلع ، وإن وسع الجزء ساواهما ، وهو محال لشكل (١) الحمار ، وإن كان لأقلّ انقسم.

أقول :

هذا وجه ثان وتقريره : أنّا نفرض مربّعا يكون كلّ واحد من أضلاعه عشرة ، فإنّ قطره يكون أيضا عشرة ، الأوّل (٢) من الخطّ الأوّل ، والثاني من الثاني وهكذا ، فإن كانت أجزاء القطر متلاقية كان القطر مثل الضلع ، وهو محال بالضرورة ، ولأنّه وتر القائمة والضلع وتر الحادّة ، ووتر القائمة أطول من وتر الحادّة ، وإن كانت غير متلاقية كان بينهما (٣) فرج ، فتلك (٤) الفرج إن وسعت للجزء (٥) كان القطر مثل الضلعين وهو محال ، فإنّ اقليدس (٦) بيّن في الشكل المعروف بالحمار (٧) أنّ كلّ خطّ

__________________

(١) في «ب» «د» «س» «ف» : (بشكل) ، وهو الشكل العشرون من الأشكال المسطحة في أصول اقليدس (تحرير اقليدس للخواجة نصير الدين الطوسي : ١٢).

(٢) في «ب» : (والأول).

(٣) في «ب» : (بينها).

(٤) في «د» : (وتلك).

(٥) (للجزء) لم ترد في «د».

(٦) هو حكيم يوناني ، وهو أوّل من تكلّم في الرياضيات وأفرده علما نافعا في العلوم ، له كتاب معروف باسمه ومن أقواله : الخط هندسة روحانيّة ظهرت بآلة جسمانيّة ، وقد هذّب المحقّق الخواجة نصير الطوسي كتابه وسمّاه «تحرير اقليدس» (انظر الملل والنحل للشهرستاني ٢ : ١١٤ ، صوان الحكمة للسجستاني : ٢٠٦).

(٧) في «ب» : (بشكل الحمار) بدل من : (بالحمار).

٥١٧

من أضلاع المثلّث فإنّه أقصر من الخطّين الباقيين وإن لم يسع (١) للجزء لزم انقسام الجزء وهو المطلوب.

قال :

ولأنّ حركة الظلّ أقلّ من حركة الشمس فإذا تحرّكت جزءا تحرّك أقلّ وإلّا تساوى المداران.

أقول :

هذا وجه ثالث وتقريره : أنّا إذا فرضنا شخصا على سطح الأرض ثمّ طلعت الشمس عليه فإنّه يحصل له الظل (٢) وكلّما ارتفعت الشمس نقص الظلّ ، فنقول : إذا تحرّكت الشمس جزءا فإن لم تنقص من الظلّ شيء (٣) جاز أن تتحرّك الشمس جزء (٤) آخر ، فإن لم ينقص الظلّ فحينئذ يصل الشمس إلى خطّ نصف النهار والظلّ باق بحاله ، وذلك باطل بالضرورة ، فيلزم أنّه إذا تحرّكت الشمس أن ينقص (٥) الظلّ ، فإن نقص (٦) جزءا كان مدار الظل مثل مدار الشمس ، هذا خلف ، وإن كان أقلّ لزم الانقسام (٧).

__________________

(١) في «د» : (يتّسع).

(٢) في «ب» «د» «ر» «ف» : (ظل).

(٣) (شيء) من «ج» «ر».

(٤) (جزء) من «ب».

(٥) في «ج» : (ينتقض).

(٦) في «د» زيادة : (الظل).

(٧) انظر نهاية المرام للمصنّف ٣ : ٤٣٨ الوجه الثالث من كلام الأوائل.

٥١٨

قال :

ولأنّ المنطقة أوسع من كلّ الدوائر ، فإذا تحرّكت (١) جزءا تحرّك الباقي أقلّ ، والتفكيك مستبعد ومفروض في الإنسان.

أقول :

المنطقة دائرة مفروضة في الكرة قاطعة لها بعدها من القطبين بعد واحد وهي (٢) أعظم دائرة تفرض في الكرة.

إذا عرفت هذا فنقول : إذا تحرّكت الكرة تحرّكت المنقطة والدوائر الموازية لتلك المنقطة القريبة ، فإذا تحرّكت المنطقة جزءا فإن تحرّكت الدائرة القطبيّة جزءا لزم تساوي المدارين ، وإن (٣) تحرّكت أقلّ من جزء لزم الانقسام.

والمتكلّمون اعتذروا عن هذا بجواز التفكيك (٤) حتّى تتحرّك الدائرة المنطقيّة جزءا والقطبيّة ساكنة (٥) ، وهذا الجواب (٦) في غاية الاستبعاد ، فإنّه لا يعقل حفظ النظام بين أجزاء الرحى على تقدير تجويز وقوع التفكيك ، وأيضا فهذا مفروض في الإنسان ، فإنّه إذا تحرّك على نفسه بالدور حصل له دائرة عظيمة وصغيرة ، مع أنّ وقوع التفكيك فيه معلوم البطلان.

قال :

ولأنّ اقليدس برهن على أنّ كلّ خطّ ينصف فإن كان من مفردات انقسم.

__________________

(١) في «د» : (تحرّك).

(٢) في «ب» : (فهي).

(٣) في «د» : (فإن).

(٤) في «س» : (التفكّك).

(٥) انظر المواقف ٢ : ٣٥٠.

(٦) في «ب» : (الجواز).

٥١٩

أقول :

هذا ظاهر فإنّ اقليدس برهن على أنّ كلّ خطّ فإنّه يمكن تنصيفه ، فإذا فرضنا خطّا مؤلّفا من أجزاء عددها فرد لزم انقسام الجزء (١).

قال :

ولأنّ المربّع إذا كان ضلعه عشرة كان (٢) قطره جذر مأتين بشكل العروس (٣) فانقسم.

أقول :

برهن اقليدس في الشكل المعروف بالعروس على أنّ وتر كلّ قائمة فإنّ مربّعه يساوي مجموع مربّعي الضلعين المحيطين بتلك الزاوية ، فإذا فرضنا مربعا ، كل ضلع منه عشرة فإنّ قطره يكون جذر (٤) مأتين لأنّ مربعي الضلعين مائتان فيجب أن يكون القطر عددا إذا ضرب في نفسه بلغ مائتين ، لكن ليس للمائتين جذر صحيح فوجب انقسام الجزء (٥).

__________________

(١) المباحث المشرقيّة ٢ : ٢٨ ، وحكاه المصنّف في مناهج اليقين : ٨٠ ، وفي طبعة الأنصاري القمي : ٢٨.

(٢) في «ف» زيادة : (حدّ).

(٣) هو الشكل السابع والأربعون من الأشكال المسطّحة في أصول اقليدس ، وهو شكل مركّب من ثلاث مربّعات أطراف أضلاع مثلث قائم الزاوية كما في تحرير اقليدس : ٢٧ ، للخواجة نصير الدين الطوسي.

(٤) جذر الشيء أصله ، وعشرة في حساب الضرب جذر مائة (شرح المواقف ٧ : ٢٩).

(٥) حكاه في المباحث المشرقيّة ٢ : ٢٧ ، والمطالب العالية في العلم الإلهي ٦ : ١٤٩ ، والمصنّف في نهاية المرام ٢ : ٤٨١.

٥٢٠