معارج الفهم في شرح النظم

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

معارج الفهم في شرح النظم

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: عبدالحليم عوض الحلّي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-397-218-3
الصفحات: ٦٤٤

نعرف عدم هذا (١) الناسخ والمخصّص بأنّه لو كان لوصل ، وإنّما (٢) يكون كذلك أن (٣) لو عرفنا أنّ الامّة لا تخلّ بنقل بعض (٤) الشرائع ، وإنّما تكون كذلك أن (٥) لو عرفنا أنّهم معصومون ، فإذن يلزم الدور ، فالحافظ بعض الامّة فيكون معصوما وإلّا تطرّقت إليها الزيادة والنقصان.

أقول :

هذا هو الوجه الثاني الدالّ على وجوب العصمة ، وتقريره أن نقول : الإمام حافظ للشرع فيجب أن يكون معصوما ، أمّا الصغرى فلأنّا مكلّفون بالضرورة ، فلا بدّ من حافظ يحفظ الشرع و (٦) يوصله إلينا (٧) ، والحافظ للشرع إمّا أن يكون هو القرآن أو السنّة أو الإجماع أو بعض الامّة ، والأوّلان باطلان :

أمّا أوّلا : فبالإجماع (٨).

وأمّا ثانيا : فلعدم إحاطتهما بجميع الأحكام الجزئيّة.

والثالث أيضا باطل (٩) وإلّا لزم الدور.

وبيان الملازمة : أنّ الإجماع إنّما يكون حافظا للشرع إذا علمنا كونه حجّة ،

__________________

(١) في «ج» «ر» «ف» : (يعرف عدم) ، وفي «س» : (يعرف عدم هذا) بدل من : (نعرف عدم هذا).

(٢) في «ب» : (فإنّما).

(٣) (أن) لم ترد في «ج» «ر» «ف».

(٤) (بعض) لم ترد في «ب» «ج».

(٥) (أن) لم ترد في «د».

(٦) الواو ليست في «ب» «د» «س».

(٧) في «ف» : (إليه).

(٨) في «د» : (فالإجماع).

(٩) في «س» : (باطل أيضا) بتقديم وتأخير.

٤٨١

وعلمنا بكونه حجّة إمّا أن يكون عقليّا أو نقليّا ؛ والأوّل باطل وإلّا لزم أن يكون كلّ إجماع حجّة فإجماع اليهود والنصارى (١) حجّة ، وهو (٢) محال ، فلم يبق إلّا أن يكون نقليّا ، وهو قوله تعالى : (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) (٣) وقوله عليه‌السلام : «لا تجتمع أمّتي على الخطأ» (٤) إلى غير ذلك من الأدلّة النقليّة.

والامور النقليّة يتطرّق إليها النسخ والتخصيص ، فحينئذ أدلّة الإجماع إنّما توجب العلم إذا علم (٥) نفي الناسخ والمخصّص لها ، وذلك النفي غير معلوم بالضرورة ، بل إنّما (٦) نعرفه بأن نقول : لو وجد لوصل ، وإنّما يتمّ هذا إذا ثبت أنّ الامّة لا تخلّ بنقل شيء من الشرائع ، وإنّما نعلم ذلك إذا علمنا أنّ الامّة معصومون ، فلو استدللنا على كونهم معصومين بالنقل لزم الدور ، فثبت أنّ الحافظ بعض الامّة و (٧) هو الإمام.

وأمّا الكبرى فظاهرة ، فإنّه لو لم يكن كذلك لجاز عليه الخطأ فلا يكون حافظا.

قال :

ولأنّه لو صدر عنه (٨) الذنب فإمّا أن يتّبع وهو محال ، أو لا يتّبع فلا يكون مقبول

__________________

(١) في «ب» : (النصارى واليهود).

(٢) (هو) ليست في «ف».

(٣) النساء : ١١٥.

(٤) مسند أحمد ٦ : ٣٩٦ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٣٠٣ / ٣٩٥٠ ، وقال النووي في شرح مسلم ١٣ : ٦٧ ، وأمّا حديث : «لا تجتمع أمّتي على ضلالة فضعيف ، وفي مجمع الزوائد ٧ : ٢٢١ قال في ذيله : رواه أحمد والطبراني وفيه راو لم يسم ، وانظر عون المعبود ٧ : ١١٧.

(٥) (إذا علم) ليست في «ف».

(٦) (إنّما) ليست في «ف».

(٧) (و) ليست في «ف».

(٨) (عنه) لم ترد في «ج» ، وفي «ف» : (الذنب عنه) بدل من : (عنه الذنب).

٤٨٢

القول. ولأنّه لا يبقى بقوله وثوق (١) ، ولقوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (٢).

أقول :

هذه وجوه اخر دالّة على العصمة :

أحدها : أنّ الذنب لو صدر عن الإمام فإمّا أن يتّبع أو لا يتّبع (٣) ؛ والأوّل باطل قطعا وإلّا لما كان ذنبا ، والثاني باطل ، لأنّه لا يكون قوله مقبولا ولا فعله متّبعا فلا فائدة في وجوده.

وثانيها : أنّه لو صدر عنه الذنب لم يبق وثوق بقوله لجواز أن يكون كذبا ، ولا بفعله (٤) لجواز أن يكون خطأ ، وذلك مناقض للغرض من نصب الإمام.

وثالثها : قوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) أشار بذلك إلى عهد الإمامة ، والفاسق ظالم.

[الإمامة بالنصّ]

قال :

فيكون منصوصا عليه لأنّ العصمة من الامور الباطنة (٥) لا يعرفها إلّا الله تعالى.

أقول :

هذا (٦) نتيجة ما ذكره من الأدلّة ، فإنّه إذا ثبت أنّ الإمام يجب أن يكون معصوما

__________________

(١) في «ب» : (وثوق بقوله) بدل من : (بقوله وثوق).

(٢) البقرة : ١٢٤.

(٣) (يتبع) من «ب».

(٤) في «ف» : (يفعل).

(٥) في «ج» «س» زيادة : (الخفيّة).

(٦) في «ج» «د» «ر» «ف» : (هذه).

٤٨٣

وجب أن يكون طريق العلم بالإمام النصّ ، لأنّ العصمة من الامور الباطنة المجهولة لنا ، والخلاف في ذلك مع الجمهور ، فإنّهم لا يثبتون الإمامة بالنصّ.

[في إمامة أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام]

قال :

فإذن الإمام الحقّ بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو عليّ عليه‌السلام ، لأنّ الناس قائلان إمّا بوجوب العصمة فالإمام علي ، أو بعدمها فغيره ، فالجمع بين العصمة والغير خلاف الإجماع.

أقول :

هذا (١) نتيجة ما مضى ، وقد اختلف الناس فيه على ثلاثة مذاهب :

أحدها : مذهب الإماميّة والزيديّة أنّ الإمام الحقّ بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّ صلوات الله عليهما (٢).

الثاني : مذهب الجمهور أنّ الإمام هو أبو بكر.

الثالث : مذهب جماعة أنّ الإمام هو العبّاس (٣).

والدليل على المذهب الأوّل وجوه :

أحدها : أنّ الإمام (٤) يجب أن يكون معصوما ، وغير عليّ عليه‌السلام ليس بمعصوم ، أمّا

__________________

(١) في «د» : (هذه).

(٢) (عليّ صلوات الله عليهما) ليست في «د» ، وفي «ف» : (عليّ عليه‌السلام).

(٣) اللمع في الردّ على أهل الزيغ : ١٣٣ ، الملل والنحل للشهرستاني ١ : ١٦١ ، وانظر تلخيص المحصّل : ٤٠٨. وانظر تقريب المعارف للحلبي : ١١٧.

(٤) (إنّ الإمام) لم ترد في «س».

٤٨٤

الصغرى فقد مضى بيانها ، وأمّا الكبرى فلأنّ الناس قائلان : قائل يقول : إنّ الإمام يجب أن يكون معصوما فهو عليّ عليه‌السلام ، وقائل يقول : إنّ الإمام لا يجب أن يكون معصوما فهو غير عليّ عليه‌السلام ، فلو قلنا بعصمة غير عليّ من الأئمّة لكان خرقا (١) للإجماع.

قال :

ولأنّ إمامة أبي بكر إن كانت بالنصّ فقوله : أقيلوني (٢) فلست بخيركم (٣) من أعظم المعاصي ، فلا يكون إماما ، وبغيره لا يصلح للتعيين.

أقول :

هذا هو الوجه الثاني ، وتقريره : أنّ أبا بكر ليس بإمام ، فيجب أن يكون عليّ عليه‌السلام هو الإمام ، أمّا المقدّمة الاولى فلأنّ إمامة أبي بكر إمّا أن تكون بالنصّ أو بغيره. والثاني باطل ، لأنّا قد بيّنّا أنّ الإمام لا يتعيّن إلّا بالنصّ ، والأوّل باطل لوجهين :

أمّا أوّلا : فلأنّه خلاف الإجماع.

وأمّا ثانيا : فلأنّ قوله «أقيلوني فلست بخيركم ، وعليّ فيكم» من أعظم المعاصي ، فلا يصلح للإمامة.

وأمّا الكبرى فلأنّ العبّاس ليس بإمام على ما يأتي فتعيّن أن يكون عليّا وإلّا لزم خرق الإجماع.

__________________

(١) في «ف» : (خارقا).

(٢) في «ف» : (اقتلوني).

(٣) شرح كتاب السير الكبير لمحمّد بن الحسن الشيباني ١ : ٣٦ ، الإمامة والسياسة ١ : ٣١ ، وفي طبعة أخرى ١ : ٢٠ ، شرح نهج البلاغة ١ : ١٦٨ و ١٦٩ وج ١٧ : ١٥٥ ، تفسير القرطبي ١ : ٢٧٢ ، وج ٧ : ١٧٢ ، وانظر البحار ٢٨ : ٢٠١.

٤٨٥

قال :

وللتواتر الدالّ على النصّ الجليّ.

أقول :

هذا هو الوجه الثالث ، وتقريره : أنّ الشيعة تواترت كلمتهم خلفا عن سلف في مشارق الأرض ومغاربها مع كثرتهم وانتشارهم على النصّ الجليّ من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عليه بقوله : «أنت الخليفة من بعدي (١) ، واسمعوا له وأطيعوا» (٢) إلى غير ذلك من الأخبار المتواترة الدالّة على إمامته.

لا يقال : إنّ الشيعة في (٣) ابتداء الأمر كانوا قليلين ومن شرط التواتر بلوغ (٤) الطرفين والواسطة في الكثرة حدّا (٥) يمتنع اجتماعهم على الكذب ، وأيضا فإنّه لو كان متواترا لأفادنا العلم كما أفادكم ، والتالي باطل فالمقدّم مثله ، والشرطيّة ظاهرة ، فإنّ الموجب للعلم هو سماع الخبر ، فلا يتفاوت حصوله لبعض دون بعض.

لأنّا نجيب عن الأوّل بالمنع من ذلك ، فإنّ الشيعة الآن كثيرون ، وهم (٦) قد أخبروا عن جماعة متواترة أنّهم قد أخبرهم جماعة متواترة إلى آخر المراتب ، على أنّ الخبر المتواتر لا يشترط فيه العدد الكثير ، فإنّه يجوز أن يحصل العلم بخبر أربعة أو خمسة إذا انضمّ إليه قرائن تفيد العلم فيكون متواترا.

__________________

(١) الرسائل العشر للطوسي : ٩٧ ، جواهر الفقه : ٢٤٩.

(٢) الرسائل العشر للطوسي : ٩٧ ، جواهر الفقه : ٢٤٩.

(٣) (في) لم ترد في «ف».

(٤) في «د» : (بلوغه).

(٥) (حدّا) ليس في «ف».

(٦) في «ف» : (هم و) بدل من : (وهم).

٤٨٦

وعن الثاني ما ذكره السيّد المرتضى رحمه‌الله ، وهو أنّه يشترط (١) في حصول العلم بالخبر أن لا يكون السامع معتقدا خلاف الخبر ، وأيضا فلا يجب من عدم علمك بالخبر (٢) أن لا يكون الخبر (٣) متواترا (٤).

قال :

ويوم الغدير.

أقول :

هذا هو الوجه الرابع ، وهو أنّه قد حصل التواتر بأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا رجع من حجّة الوداع قال في غدير خمّ : معاشر المسلمين ، ألست أولى منكم بأنفسكم؟ قالوا : بلى.

قال : فمن كنت مولاه فهذا عليّ (٥) مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحقّ معه كيفما دار (٦).

وهذا الخبر مع تواتر الشيعة به تلقّته الامّة بالقبول وشرع المخالف في تأويله ، وذلك دليل على صحّته.

__________________

(١) في «أ» «ف» : (شرط).

(٢) في «أ» «د» «ر» : (بالمخبر).

(٣) (أن لا يكون الخبر) ليس في «ف».

(٤) انظر الذريعة للسيّد المرتضى ٢ : ٤٨٣.

(٥) في «ف» : (فعلي) بدل من : (فهذا عليّ).

(٦) نقل هذا الحديث بطرق مختلفة بتفاوت في بعض الألفاظ ، انظر : الهداية للصدوق : ١٥٠ ، المقنعة للمفيد : ٢٠٤ ، رسائل السيّد المرتضى ٣ : ٢٠ وج ٤ : ١٣٠ ، الخلاف للطوسي ٥ : ٣٣٦ ، الاقتصاد للطوسي : ٢١٦ ، الرسائل العشر : ١٣٣ ، مصباح المتهجّد : ٤٠٠ ، مسند زيد بن عليّ : ٤٥٦ ، الأحكام للإمام يحيى بن الحسين ١ : ٣٨.

٤٨٧

إذا عرفت هذا فنقول : لفظة «مولى» يراد بها تارة الأولى بالتصرّف ، وتارة السيّد ، وتارة العبد ، وتارة ابن العمّ ، وتارة الجار ، والمراد بها هاهنا المعنى الأوّل لا غير (١) ، لأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله مهّد للمسلمين قاعدة هي أولويّته بالتصرّف (٢) ، وذكر هذا الكلام عقيب ذلك طالبا منه مساواة عليّ عليه‌السلام له ، ومن المحال أن ينصب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أمتعة (٣) الناس على شكل المنبر ويصعد عليه ثمّ يقول للمسلمين : من كنت ابن عمّه فعليّ ابن عمّه ، أو (٤) من كنت جاره فعليّ جاره (٥) ، وإذا ثبت أنّه أولى بالتصرّف في المسلمين منهم كان إماما لأنّا لا نعني بالإمام إلّا ذلك.

قال :

ولأنّ النصّ متحقّق لأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا خرج من المدينة استخلف على الرعيّة ، فكيف يتركهم بعد موته ، ولأنّه علّمهم الاستنجاء من عظم (٦) شفقته والإمام (٧) من أعظم المصالح وهو (٨) عليّ لاستقالة أبي بكر.

أقول :

هذا وجه خامس ، وتقريره : أنّ النصّ موجود من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومتى كان كذلك

__________________

(١) للشيخ المفيد رسالة خاصّة في بيان معنى المولى ، فراجع.

(٢) في «ب» : (أولويّة التصرّف) بدل من : (أولويّته بالتصرّف).

(٣) في «ف» : (منعة).

(٤) في «ف» : (و).

(٥) (فعليّ جاره) لم ترد في «ر».

(٦) في «ج» «ف» : (عظيم).

(٧) في «ب» : (الإمامة).

(٨) في «ف» : (فهو).

٤٨٨

كان (١) الإمام عليّا عليه‌السلام ، أمّا الصغرى فلأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان في غاية الشفقة على المسلمين ، فإنّه كان (٢) إذا خرج من المدينة إلى بعض (٣) الأسفار والغزوات استخلف عليهم من يرتضيه ، وكان يعلّمهم الاستنجاء وكيفيّته ، وما يجري مجراه من الامور النافعة الجزئيّة ، ومن كان كذلك كيف يعقل تركه للمسلمين بعد موته من غير أن ينصب لهم نائبا عنه.

وأمّا (٤) الكبرى فبالإجماع ، فإنّ الناس قائلان ؛ منهم من يقول بالنصّ فالإمام هو (٥) عليّ عليه‌السلام ، ومنهم من لا يقول به (٦) فيقول بإمامة غيره ، فالجمع بين النصّ وإمامة غيره خارق للاجماع.

وأيضا فلأنّ أبا بكر استقال ، فلو كان منصوصا عليه لكان فاسقا ، فلا يصلح للإمامة ، وفي هذا الوجه من المتانة ما ليس في بعض الأوجه المذكورة ، فإنّه برهان لميّ قاطع ، والأدلّة الباقية فيها براهين إنّيّة.

قال :

ولأنّه أعلم الصحابة وأشجعهم والمقصود من الإمامة هذان.

أقول :

هذا برهان سادس لمّي أيضا ، وتقريره : أنّ عليّا عليه‌السلام كان أعلم الصحابة وأشجعهم فيكون هو الإمام.

__________________

(١) (كذلك كان) ليست في «ف».

(٢) (كان) ليست في «ف».

(٣) (بعض) ليست في «ف».

(٤) (أمّا) لم ترد في «د».

(٥) (هو) لم ترد في «د».

(٦) (به) ليست في «ف».

٤٨٩

أمّا إنّه أعلم الصحابة فلما يأتي.

وأمّا إنّه أشجعهم فبالتواتر (١).

وأمّا الكبرى فلأنّ المقصود من الإمامة (٢) إنّما هو حمل الناس على الحقّ ، وذلك إنّما يكون بتعليمهم (٣) الحقّ وفعلهم له ، وذلك يستدعي العلم ويقهرهم على فعله عند تركهم له ، وذلك إنّما يكون بالشجاعة ، فإذا تمّ هذان الوصفان لشخص استحقّ (٤) منصب الإمامة ، ولا شكّ في بلوغ عليّ عليه‌السلام في هذين الوصفين مبلغا لم (٥) يلحقه أحد من الصحابة فيه ؛ فيكون أولى بالإمامة (٦).

قال :

ولأنّه أفضل الخلق لقوله تعالى : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) (٧) إلى قوله : (وَأَنْفُسَنا) ومحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل الخلق ، فكذا مساويه ، إذ المراد بالنفس المساوي ، ولخبر الطير (٨).

أقول :

هذا برهان سابع من البراهين اللمّيّة ، وتقريره : أنّه أفضل الخلق فيكون مستحقّا للإمامة ، أمّا الأوّل فلوجهين :

__________________

(١) حكاه جماعة منهم الغزالي في المنخول : ٢٩٣ ، المحصول للرازي ٤ : ٩٣.

(٢) في «ج» «ر» «ف» : (الإمام).

(٣) في «س» : (بتبليغهم).

(٤) (استحقّ) ليس في «ف».

(٥) (لم) ليس في «ف».

(٦) في «ف» : (بإمامة).

(٧) آل عمران : ٦١.

(٨) في «ج» «ر» «ف» : (الطائر) وسيأتيك ذكر مصادره.

٤٩٠

أحدهما : قوله تعالى : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) (١) ولا خلاف بين العقلاء أنّ المراد بالنفس هاهنا هو عليّ عليه‌السلام ويستحيل أن تكون نفس عليّ عليه‌السلام هي نفس محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فإذن ليس المراد إلّا (٢) المساواة ، ومحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله كان أفضل الخلق ، فمساويه يجب أن يكون كذلك.

والثاني (٣) : خبر الطير ، وهو أنّه نقل نقلا متواترا أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : اللهمّ آتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي ، فجاء عليّ عليه‌السلام (٤) ، ومحبّة (٥) الله تعالى لا معنى لها إلّا زيادة (٦) الثواب ، وذلك لا يكون إلّا بالعمل ، فيجب أن يكون (٧) عمل عليّ عليه‌السلام أكثر من غيره فهو أفضل من غيره.

قال :

ولأنّه أعلم لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أقضاكم عليّ (٨) ؛ وهو يستدعي العلم ، ولاتّفاق المفسّرين

__________________

(١) آل عمران : ٦١.

(٢) (إلّا) سقطت من «ف».

(٣) في «ر» «ف» : (الثاني).

(٤) تفضيل أمير المؤمنين عليه‌السلام : ٢٦ ، وانظر بحار الأنوار ٣٨ : ٣٤٨ باب خبر الطير وأنّه أحبّ الخلق إلى الله تعالى ، كتاب الأربعين للماحوزي : ٤٤٨ ، تاريخ مدينة دمشق ٢ : ١٠٦ ، تاريخ بغداد ٥ : ٤٧٤ ، التاج الجامع للأصول ٣ : ٣٣٦ ، أسد الغابة ٤ : ٣٠.

(٥) في «ف» : (بمحبّة).

(٦) في «ف» : (الإرادة) بدل من : (إلّا زيادة).

(٧) قوله : (إلّا بالعمل فيجب أن يكون) ليس في «ف».

(٨) دعائم الإسلام ١ : ٩٢ ، وعنه في مستدرك الوسائل ١٧ : ٢٤١ / ٢ ، الإيضاح لابن شاذان : ١٩٣ ، شرح نهج البلاغة ١ : ١٨ وج ٧ : ٢١٩ ، تفسير القرطبي ١٥ : ١٦٢ وص : ٢٣٠ ، دلائل الإمامة : ٢٣٦ شرح الأخبار ١ : ٩١ / ٦.

٤٩١

على أنّ الاذن الواعية (١) هو عليّ عليه‌السلام ، ولأنّ عمر أراد رجم حامل فنهاه ، فقال : لو لا عليّ لهلك عمر ، وأمر برجم امرأة أتت بولد (٢) لستّة أشهر فنهاه بقوله : (وَحَمْلُهُ) (٣) الآية ، فقال : لو لا علي لهلك عمر.

ولأنّه قال في خطبته : من غالى في مهر ابنته جعلته في بيت المال ، فقالت له عجوز أتمنعنا ما أحلّ الله لنا بقوله تعالى : (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً) (٤) فقال : كلّ أفقه من عمر حتّى المخدّرات في البيوت.

فهذا يدلّ على علمه عليه‌السلام ، ولقوله عليه‌السلام : والله لو كسرت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم .. إلى آخره ، ولأنّ فرق المتكلّمين بأجمعهم ينتسبون (٥) إليه ، والنحو وسائر العلوم ، وبالجملة فضائله أشهر من أن تذكر.

أقول :

هذا برهان ثامن ، وتقريره : أنّه عليه‌السلام كان أعلم الصحابة فيكون هو الإمام ، أمّا الصغرى فيدلّ عليها وجوه :

الأوّل : تواتر النقل عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله : أقضاكم عليّ (٦) ، ولا شكّ أنّ القضاء يستدعي العلم ، فلمّا كان (٧) عليه‌السلام أقضى الصحابة وجب أن يكون أعلمهم ، وفيه دلالة على أنّه أدين الصحابة أيضا.

__________________

(١) في «ف» : (الراعية).

(٢) في «ب» : (بالولد).

(٣) الأحقاف : ١٥.

(٤) النساء : ٢٠.

(٥) في «أ» «ف» : (ينسبون).

(٦) تقدّم تخريجه.

(٧) في «ب» زيادة : (علي).

٤٩٢

الثاني : اتّفق المفسّرون على أنّ قوله تعالى : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) (١) المراد بالاذن فيها عليّ عليه‌السلام (٢).

الثالث : ما روي أنّه ردّ على عمر في قضايا كثيرة.

منها : أنّ عمر أراد رجم امرأة قد زنت وهي حامل ، فنهاه وقال : إن كان لك (٣) سلطان عليها (٤) فليس لك على ما في بطنها سلطان ، فأطلقها عمر وقال : لو لا علي لهلك عمر (٥).

ومنها : أنّ عمر اتي إليه بامرأة ولدت لستّة أشهر فأمر برجمها فنهاه عليه‌السلام وقال : ألم تسمع إلى قوله تعالى : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) (٦) ثمّ قال في موضع آخر : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) (٧) فخلّى سبيلها وقال : لو لا عليّ لهلك عمر (٨).

__________________

(١) الحاقّة : ١٢.

(٢) تفسير العيّاشي ١ : ١٤ / ١ ، تفسير فرات الكوفي : ٤٩٩ / ١ و ٢ و ٦ ، التبيان للطوسي ١٠ : ٩٨ ، مجمع البيان ١٠ : ١٠٧ ، خصائص الوحي المبين : ١٧١ ، ورواه جماعة من العامّة مثل حلية الأولياء ١ : ٦٧ ، أسباب النزول للواحدي : ٢٩٤ ، شواهد التنزيل ٢ : ٣٦١ / ٣٧٩ ، الدر المنثور ٦ : ٢٦٠ ، جامع البيان ٢٩ : ٦٥ ، تفسير القرطبي ١٨ : ٢٦٤.

(٣) في «ف» : (كلّ).

(٤) في «ب» : (عليها سلطان).

(٥) الطرائف لابن طاوس : ٥١٦ ، ذخائر العقبى : ٨١.

(٦) الأحقاف : ١٥.

(٧) البقرة : ٢٣٣.

(٨) إرشاد المفيد : ١١٠ وفي طبعة أخرى ١ : ٢٠٦ ، وعنه في وسائل الشيعة ٢١ : ٣٨٢ / ٩ ، الإيضاح للفضل بن شاذان : ١٩١ ، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٢ : ١٩٢ ، شرح مائة كلمة لابن

٤٩٣

الرابع : أنّ عمر قال في خطبة له : من غالى في مهر ابنته جعلته في بيت المال ، فقالت له عجوز : أتمنعنا ما أحلّ الله لنا في قوله : (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) (١) فقال : كلّ أفقه من عمر حتّى المخدّرات في البيوت (٢).

الخامس : قوله عليه‌السلام : والله لو كسرت لي الوسادة و (٣) جلست عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الزبور بزبورهم ، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم (٤) ، وبين أهل الفرقان بفرقانهم (٥) ، وذلك يدلّ على معرفته بجميع الشرائع.

السادس : أنّ العلماء بأسرهم ينتسبون (٦) إليه ؛ أمّا الاصوليّون فلأنّ أخذهم إنّما كان من خطبه عليه‌السلام ، فإنّها قد اشتملت من علوم التوحيد والعدل ومسائل القضاء والقدر والتنزيه وغير ذلك على ما لم يشتمل عليه كلام أحد ، وأيضا فالمعتزلة

__________________

ميثم : ٢٣٥ ، الدر المنثور ١ : ٢٨٨ ، السنن الكبرى ٧ : ٤٤٢ ، الرياض النضرة ٢ : ٢٩٤ ، ذخائر العقبى : ٨٢ ، المصنّف لعبد الرزّاق ٧ : ٣٤٩ / ١٣٤٤٣ ـ ١٣٤٤٦ ، تأويل مختلف الحديث : ١٥٢ ، كنز العمّال ٥ : ٤٥٧ / ١٣٥٩٨ وج ٦ : ٢٠٥ / ١٥٣٦٣.

(١) النساء : ٢٠.

(٢) الطرائف : ٥١٦ ، كشف اليقين : ٦٣ ، شرح ابن أبي الحديد ١٢ : ٢٠٨ ، سنن البيهقي ٧ : ٢٣٣ ، الدر المنثور ٢ : ١٣٣.

(٣) في «ج» «ر» «ف» : (ثمّ).

(٤) في «ب» : (وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الزبور بزبورهم) بتقديم وتأخير.

(٥) أمالي الصدوق : ٤٢٢ / ١ ، التوحيد : ٣٠٥ / ١ ، خصائص الأئمّة : ٥٥ ، روضة الواعظين : ١١٨ ، كتاب سليم بن قيس : ٣٣٢ ، نوادر المعجزات : ٤٨ ، المسترشد : ٨٦ ، شرح الأخبار للنعمان ٢ : ٣١١ / ٦٣٩ وج ٣ : ٣٩٧ / ١٢٧٨ ، شرح نهج البلاغة ٦ : ١٣٦ ، وج ١٢ : ١٩٧ وج ٢٠ : ٢٨٣ ، شواهد التنزيل ١ : ٣٦٦.

(٦) في «ف» : (ينسبون).

٤٩٤

منتسبون (١) إليه ، والأشاعرة منتسبون (٢) إلى أبي الحسن الأشعري ، وهو تلميذ أبي علي الجبّائي ، وهو من مشايخ المعتزلة المنتسبين إلى عليّ عليه‌السلام ، وأمّا النحو والأدب فظاهر ، وكذلك الفقه.

السابع : ما نقل عنه من القضايا الغريبة العجيبة الدالّة على غاية الفضل والعلم ، وهي أشهر من أن تخفى (٣) ، وأمّا الكبرى فسيأتي بيانها.

قال :

ولقصّة (٤) خيبر وهي (٥) أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أعطى الراية أبا بكر فانهزم ، ثمّ عمر فانهزم ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لاعطينّ الراية (٦) رجلا يحبّه الله ورسوله ويحبّ الله ورسوله ، كرّارا غير فرّار ، ثمّ قال : أين عليّ؟ فقيل : رمد العين ، فتفل في عينيه (٧) ثمّ دفعها إليه ، ولتقدّم إسلامه ، ولقوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٨) ، ولقوله : (صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) (٩) والمفسّرون قالوا : هو عليّ ، ولأنّه أخوه وصهره وابن عمّه ، ولقوله : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ) (١٠) فهذه وأمثالها تدلّ على الفضائل ، والأفضل أولى

__________________

(١) في «ب» «ف» : (ينسبون).

(٢) في «ر» : (ينتسبون) ، وفي «ب» «ف» : (ينسبون).

(٣) في «ب» : (تحصى).

(٤) في «ف» : (لقضيّة).

(٥) في «ب» : (وهو) ، وفي «ر» : (فهي).

(٦) في «ج» «ر» «ف» زيادة : (غدا).

(٧) في «ر» «ف» : (عينه).

(٨) الشورى : ٢٣.

(٩) التحريم : ٤.

(١٠) الإنسان : ٨.

٤٩٥

بالإمامة لأنّ تقديم (١) المفضول قبيح عقلا.

أقول :

هذا وجه تاسع ، وتقريره : أنّ عليّا عليه‌السلام كان أفضل الصحابة (٢) فيكون هو الإمام ، أمّا الصغرى فيدلّ عليها وجوه :

الأوّل : قصّة (٣) خيبر ، وهو أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أعطى الراية أبا بكر فانهزم ، ثمّ دفعها في اليوم الثاني إلى عمر فانهزم ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لاعطينّ الراية غدا (٤) رجلا يحبّه الله ورسوله ويحبّ الله ورسوله ، كرّارا غير فرّار ، ثمّ قال : أين عليّ؟ فقيل (٥) : إنّه رمد العين ، فقال : آتوني به ، فتفل في عينيه (٦) ثمّ دفع إليه الراية (٧).

الثاني : أنّ اسلامه كان متقدّما على إسلام الصحابة ، روي عن سلمان الفارسي أنّه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أوّلكم ورودا على الحوض أوّلكم إسلاما عليّ بن أبي طالب (٨).

__________________

(١) في «ب» : (تقدّم).

(٢) (أفضل) سقطت من «ف».

(٣) في «ر» «ف» : (قضيّة).

(٤) (غدا) لم ترد في «ب».

(٥) في «د» «ف» : (قيل).

(٦) في «ر» : (عينه).

(٧) رسائل المرتضى ٤ : ١٠٤ و ١٠٥ ، الدعوات : ٦٤ ، ورواه من العامّة ابن حنبل في فضائل الصحابة : ١٦ ، مسند أحمد ١ : ٩٩ و ١٨٥ وج ٤ : ٥٢ ، صحيح البخاري ٥ : ٧٦ ، صحيح مسلم ٥ : ١٩٥ وج ٧ : ١٢٠ و ١٢٢ ، سنن الترمذي ٥ : ٣٠٢ / ٣٨٠٨ ، السنن الكبرى ٦ : ٣٦٢ وج ٩ : ١٣١.

(٨) مناقب أمير المؤمنين للكوفي ١ : ٢٨٠ / ١٩٥ ، المسترشد للطبري : ٣٥٤ ، كشف الغمّة ١ : ٧٩ ، مناقب ابن المغازلي : ١٥ / ٢٢ ، حلية الأبرار ٢ : ٥١ / ١٩ ، شرح نهج البلاغة ٤ : ١١٧ وج ١٣ : ٢٢٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ٤٠.

٤٩٦

وعن عبد الله بن الحسن أنّه قال : كان عليّ عليه‌السلام يقول : أنا أوّل من صلّى ، وأوّل من آمن بالله ورسوله ، ولم يسبقني بالصلاة إلّا نبيّ الله (١).

وأيضا روي عنه عليه‌السلام أنّه قال على المنبر في مجمع من الصحابة : أنا الصدّيق الأكبر ، أنا (٢) الفاروق الأعظم ، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر ، وأسلمت قبل أن يسلم (٣) ، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ، والمتقدّم في الإسلام متقدّم في الفضيلة لقوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) (٤).

الثالث : أنّ عليّا عليه‌السلام تجب محبّته دون غيره من الصحابة ، أمّا الصغرى فلقوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٥) ، وأمّا الكبرى فظاهرة. ووجوب المحبّة دليل على الفضيلة.

الرابع : اتّفق المفسّرون على أنّ قوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) (٦) المراد فيه بصالح المؤمنين هو عليّ عليه‌السلام (٧) والمراد ناصره فاختصاص عليّ عليه‌السلام بعد الله تعالى وجبرئيل بهذه الخصوصيّة دليل على نهاية الفضيلة.

__________________

(١) ورد هذا المضمون في الأمالي للصدوق : ٤٩١ / ١٠ ، ونقله عنه العلّامة المجلسي في بحار الأنوار ٣٢ : ٦١٥ / ٤٨٢ ، والسيّد هاشم البحراني في غاية المرام ٢ : ٧٨ / ٨.

(٢) (أنا) ليست في «ف».

(٣) الآحاد والمثاني للضحّاك ١ : ١٥١ / ١٨٦ ، شرح نهج البلاغة ١٣ : ٢٢٨ ، كنز العمّال ١٣ : ١٦٤ / ٣٦٤٩٨.

(٤) الواقعة : ١٠ و ١١.

(٥) الشورى : ٢٣.

(٦) التحريم : ٤.

(٧) تفسير القمي ٢ : ٣٧٧ ، تفسير فرات الكوفي : ٤٨٩ / ٦٣٣ ـ ٦٤٢ ، التبيان للطوسي ١٠ : ٤٨ ، مجمع البيان ١٠ : ٥٥ ـ ٥٩ ، خصائص الوحي المبين : ٢٤٩ ، شواهد التنزيل ٢ : ٣٤١ / ٩٨١ ـ ٩٩٦ ، ونقل في تفسير القرطبي ١٨ : ١٨٩ ، بلفظ «قيل».

٤٩٧

الخامس : قرب عليّ عليه‌السلام كان أشدّ من قرب غيره ، فإنّه لمّا آخى بين الصحابة اتّخذه أخا لنفسه ، وذلك يدلّ على الأفضليّة (١).

السادس : ما نقل بالتواتر أنّ عليّا عليه‌السلام وفاطمة عليها‌السلام تصدّقا بقوتهما ثلاثة أيّام مع شدّة حاجتهما إليه ، حتّى أنزل الله تعالى في حقّهم : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) (٢) (٣).

فهذه الوجوه وغيرها ممّا لا يعدّ ولا يحصى دالّة على كونه أفضل الصحابة.

وأمّا الكبرى فلأنّ تقديم المفضول (٤) على الفاضل قبيح عقلا.

قال :

ولقوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٥) فإن كانوا كلّ الامّة كان الشخص مطيعا لنفسه ، فهو بعضها واجب العصمة لعدم الأولويّة فهو عليّ عليه‌السلام.

أقول :

هذا وجه عاشر ، وتقريره : أنّ الله تعالى أمر بطاعة اولي الأمر ، فهذا المطاع إمّا أن يكون كلّ الامّة أو بعضها ، والأوّل باطل ، وإلّا لكان الشخص مطيعا لنفسه ،

__________________

(١) الشافي في الإمامة ٣ : ٨٣ ، اليقين لابن طاوس : ٤٢٨ ، الطرائف : ٥٢ ، بناء المقالة الفاطميّة : ٣٠٩ ، المعيار والموازنة لأبي جعفر الإسكافي : ٢٠٨ و ٢٠٩ ، المصنّف لعبد الرزّاق ٧ : ٥٠٧ / ٧٨.

(٢) في «ب» زيادة : (إلى آخر الآيات ، وهي دالّة على ثبوت عصمتهم أيضا).

(٣) تفسير القمي ٢ : ٣٩٨ ، تفسير فرات الكوفي : ٥٢٧ / ٦٧٧ إلى ٦٨٠ ، التبيان للطبرسي ١٠ : ٢١١ ، مجمع البيان ١٠ : ٢١٦ ، أسباب نزول الآيات للواحدي : ٢٩٦ ، شواهد التنزيل للحسكاني ٢ : ٤٠٣ / ١٠٥٣ و ١٠٥٤ و ١٠٥٧ ، الدر المنثور ٦ : ٢٩٩.

(٤) في «ف» : (المقصود).

(٥) النساء : ٥٩.

٤٩٨

والثاني إمّا أن يكون معصوما (١) أو غيره ، والثاني باطل لأنّ الناس قد اشتركوا في عدم العصمة فالأمر (٢) بطاعة بعضهم مع تجويز الخطأ عليه ترجيح من غير مرجّح ، فيجب أن يكون معصوما فيكون هو عليّا عليه‌السلام لعدم القائل بعصمة غيره.

قال :

و (٣) لأنّ أبا بكر وعبّاسا كانا كافرين قديما فلا يصلحان للإمامة (٤) لقوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (٥).

أقول :

هذا هو الحادي عشر من الوجوه ، وتقريره : أنّ أبا بكر والعبّاس كانا كافرين قبل بعثة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعد بعثته مدّة (٦) ، فلا يصلحان للإمامة لقوله تعالى جوابا لإبراهيم الخليل عليه‌السلام وقد سأله مشاركة بعض ذراريه له في رئاسة الإمامة : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) والكفر أبلغ درجات الظلم ، وإذا انتفت الإمامة عن أبي بكر والعبّاس وجب أن يكون الإمام عليّا (٧) لعدم القائل بالفرق.

__________________

(١) في «ف» زيادة : (فيكون هو عليّا عليه‌السلام).

(٢) في «س» : (والأمر).

(٣) الواو لم ترد في «ف».

(٤) في «ب» : (لها) ولم ترد في «ف».

(٥) البقرة : ١٢٤.

(٦) الرسائل العشر للطوسي : ١٢٣ ، وانظر الصراط المستقيم للعاملي ١ : ٢٦٨ ، بحار الأنوار ٣٦ : ١٨٩ وج ٣٨ : ١٨٧.

(٧) في «ب» : (علي عليه‌السلام).

٤٩٩

قال :

ولقوله تعالى : (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (١) أي مع المعلوم منهم الصدق ولا يكون إلّا المعصوم.

أقول :

هذا ثاني عشر الوجوه ، وهو أنّ الله تعالى أمرنا (٢) بالكون مع الصادقين أي مع المعلوم منهم الصدق ، ولا يعلم الصدق من أحد إلّا من المعصوم ، فيجب أن نكون مأمورين بالكون مع المعصوم ، ولا معصوم إلّا عليّ عليه‌السلام فهو الإمام الذي أمرنا الله بالكون معه.

قال :

ولقوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (٣) والولي بمعنى الناصر والمتصرّف ، والأوّل منتف لتخصيصها بشخص ، والنصرة عامّة بقوله تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) (٤) ومتى كان بمعنى المتصرّف (٥) فهو عليّ عليه‌السلام إذ كلّ من قال بأنّها تدلّ على ذلك صرفها إليه ولاتّفاق أئمّة التفسير.

أقول :

هذا وجه ثالث عشر ، وتقريره : أنّ لفظة «إنّما» تفيد الحصر بالنقل عن أهل

__________________

(١) التوبة : ١١٩.

(٢) في «ر» «ف» : (أمر).

(٣) المائدة : ٥٥.

(٤) التوبة : ٧١.

(٥) في «ب» «ج» : (التصرّف).

٥٠٠