معارج الفهم في شرح النظم

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

معارج الفهم في شرح النظم

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: عبدالحليم عوض الحلّي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-397-218-3
الصفحات: ٦٤٤

يستسهلون الذمّ وترك المدح في قضاء أوطارهم وتحصيل مآربهم من اللذات القبيحة ، فلا بدّ من مرجّح آخر هو التكليف.

حجّة الأشاعرة أنّ (١) الحاكم هو الشرع ، ولا حكم على (٢) الشرع (٣).

والجواب : أنّ الحكم هاهنا ليس هو الوجوب الشرعي ، بل يكون فاعله بحيث يستحقّ المدح والذم.

قال :

وهو منقطع وإلّا لزم الإلجاء.

أقول :

الدليل على أنّ التكليف منقطع أنّه إمّا أن يصل كلّ مستحقّ إلى ما يستحقّه من الثواب أو لا ، والثاني ظلم وهو قبيح على الله تعالى ، والأوّل يلزم منه الإلجاء وهو قبيح.

[الكلام في اللطف]

قال :

مسألة : اللطف ما كان المكلّف معه أقرب إلى الطاعة وأبعد من المعصية ، ولم يكن له حظّ في التمكين ، ولم يبلغ حدّ (٤) الإلجاء.

أقول :

هذا حدّ اللطف ، فالأوّل كالجنس.

__________________

(١) (أنّ) لم ترد في «د».

(٢) في «س» : (مع).

(٣) كتاب المحصّل للفخر الرازي : ٤٨١.

(٤) (حدّ) لم ترد في «د» «ف».

٤٢١

وبقولنا و (١) «لم يكن له حظّ في التمكين» ليخرج عنه الآلات ، فإنّها وإن كان المكلّف معها أقرب إلى الطاعة وأبعد من المعصية إلّا أنّها لها حظّ في التمكين.

وقولنا : «و (٢) لم يبلغ حدّ الإلجاء» لأنّ الإلجاء (٣) ينافي التكليف بخلاف اللطف.

[في وجوب اللطف عليه تعالى]

قال :

وهو واجب لأنّه متى أراد الطاعة وعلم أنّها تتوقّف على أمر فلو لم يفعله لنقض (٤) غرضه.

أقول :

اختلف الناس في أنّ اللطف هل هو واجب أم لا؟ فذهبت المعتزلة إلى وجوبه (٥) ، وخالفهم في ذلك جماعة الأشاعرة (٦) ، والدليل على ذلك أنّه لو لم يكن واجبا لكان الله تعالى ناقضا لغرضه (٧) ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله.

بيان الشرطيّة : أنّ الله تعالى إذا كلّف العبد بفعل وعلم أنّه لا يفعله إلّا عند حصول أمر يفعله به ، فلو لم يفعله لكان الله تعالى ناقضا لغرضه ، وكلّ من كان كذلك فهو ناقض ، تعالى الله عن ذلك.

__________________

(١) في «ب» : (وبقولنا) ، وفي «ج» «ر» : (وقولنا و) ، وفي «ف» : (وقولنا) بدل من : (وبقولنا و).

(٢) الواو لم ترد في «د».

(٣) (لأنّ الإلجاء) لم ترد في «د».

(٤) في «د» : (انتقض).

(٥) المغني في أبواب العدل والتوحيد (اللطف) : ١١٦.

(٦) كتاب المحصّل للفخر الرازي : ٤٨١ ، مقالات الإسلاميين ١ : ٢٨٧ ، وانظر شرح المواقف للجرجاني ٨ : ١٩٦.

(٧) (لغرضه) من «ج».

٤٢٢

لا يقال : يلزم أن يكون الله تعالى مخلّا بالواجب أو يخرج اللطف عن كونه لطفا ، والتالي بقسميه باطل ، فالمقدّم مثله.

بيان الشرطيّة : أنّ الله تعالى أراد من الكافر الإيمان ، فإمّا أن يكون قد فعل له اللطف أو لا ؛ والأوّل يخرج اللطف عن حقيقته ، لأنّ معنى اللطف هو الذي يحصل معه الفعل الملطوف فيه (١) ، والثاني يلزم منه أن يكون الله تعالى قد أخلّ بالواجب.

وأيضا فما ذكرتموه بيان لوجه الوجوب ، ولا يلزم (٢) منه الوجوب إلّا بعد أن تبيّنوا (٣) انتفاء وجه القبح عنه ، فإنّه لا يلزم من حصول وجه من وجوه الوجوب حصول الوجوب.

لأنّا نجيب عن الأوّل : بأنّ الله تعالى فعل اللطف للكافر ، وليس معنى اللطف هو الذي يحصل معه الفعل ، بل هو الذي يقتضي ترجيح الفعل إذا لم يكن هناك معارض (٤) ، والمعارض هاهنا قد حصل ، وهو اختيار الكافر لنفسه الكفر ورغبته في اللذّة العاجلة وإهمال أحوال آخرته.

وعن الثاني : بأنّ وجوه القبح محصورة معلومة لأنّا كلّفنا بتركها ، فلو لم يكن معلومة (٥) لزم تكليف ما لا يطاق ، ولا شيء من (٦) تلك الجهات حاصل هاهنا.

__________________

(١) (فيه) لم ترد في «ب» «س».

(٢) في «د» زيادة : (من).

(٣) في «ف» : (يثبتوا).

(٤) في «ف» : (عارض).

(٥) في «أ» «د» : (معلوم).

(٦) (من) ليست في «ف».

٤٢٣

[في زيادة شهوة العبد ونقصانها]

قال :

مسألة : إذا علم الله تعالى أنّ مع زيادة الشهوة يعصي العبد ويطيع مع عدمها ، قال أبو عليّ : لا يحسن زيادتها لأنّها تكون مفسدة ، وجوّزها أبو هاشم لزيادة المشقّة وتعريضها للثواب الزائد كالتكليف المبتدأ مع العلم بالعصيان.

أقول :

هذا فرع على وجوب اللطف ، اختلف فيه أبو علي وابنه (١) أبو هاشم ، وكلام أبي عليّ (٢) أوجه لأنّ نقصان الشهوة يكون لطفا فيكون واجبا على الله تعالى.

وقياس أبي هاشم على (٣) التكليف مع العلم بالعصيان باطل لظهور الفرق ، فإنّ التكليف في نفسه حسن ، ولا يمكن أن يقال : إنّ عدم التكليف لطف في التكليف ولا عدم العصيان لطف فيه (٤) بخلاف (٥) المقيس (٦).

قال :

واختلفا في تبقية الكافر إذا علم منه الإيمان. قال (٧) أبو عليّ : تبقيته لطف

__________________

(١) (ابنه) لم ترد في «س» «د».

(٢) في «أ» «ب» «د» زيادة : (على).

(٣) في «ج» «ر» «ف» زيادة : (أنّ).

(٤) (فيه) ليست في «د» «ف».

(٥) في «ب» : (خلاف).

(٦) حكى ذلك القاضي عبد الجبّار في المغني في العدل والتوحيد (اللطف) : ١٨٥ ، والمصنّف في مناهج اليقين : ٣٨٥ ، وفي طبعة الأنصاري القمي : ٢٥٣.

(٧) في «ف» : (وقال).

٤٢٤

فتجب. وقال أبو هاشم : هو تمكين ، وليس بلطف ، فحسن فعله وإن لا يفعل.

ولم يختلفا في عدم وجوب موت المؤمن إذا علم منه الكفر لأنّ تكليفه في المستقبل تعريض للثواب ، فحسن كالمبتدإ المعلوم منه الكفر وأوجبه محمود لأنّه يكون مفسدة (١).

والفرق أنّ المبتدأ لم يحصل منه الغرض ، وهذا حصل منه غرض الثواب (٢) فبقاؤه نقض لغرضه ، وهو حسن.

أقول :

اختلف أبو علي وأبو هاشم في أنّ الله تعالى إذا علم من الكافر أنّه يؤمن إذا بقي إلى وقت هل يجب عليه تبقيته إلى ذلك الوقت أم لا؟ فأوجبه أبو عليّ ونفاه أبو هاشم.

حجّة أبي عليّ أنّ تبقيته لطف فتكون واجبا.

وحجّة أبي هاشم أنّه تمكين ، وليس بلطف ، فلا تكون واجبا (٣).

وكلام أبي هاشم أوجه.

ثمّ اتّفقا على أنّ الله تعالى إذا علم من المؤمن أنّه يكفر إذا بقي ، فإنّه يحسن من الله تعالى إبقاؤه ، وخالفهما في ذلك (٤) محمود الخوارزمي.

__________________

(١) المغني في أبواب العدل والتوحيد (اللطف) : ٢٢٣ و ٢٢٤. حكى ذلك المصنّف في مناهج اليقين : ٣٨٥ ، وفي طبعة الأنصاري القمي : ٢٥٣.

(٢) (الثواب) لم ترد في «د» «ر» «س» «ف».

(٣) المغني في أبواب العدل والتوحيد (اللطف) : ٢٢٥ ، وانظر مناهج اليقين للمصنّف : ٣٨٥ ، وفي طبعة الأنصاري القمي : ٢٥٣.

(٤) (في ذلك) ليست في «ف».

٤٢٥

احتجّا بأنّ تكليفه في المستقبل تعريض للثواب ، فحسن من الله تعالى فعله كالمبتدإ اذا علم الله منه الكفر.

واحتجّ محمود بأنّه مفسدة لا (١) يحسن من الله تعالى فعله.

والفرق بين هذا والتكليف المبتدأ أنّ التكليف (٢) المبتدأ لم (٣) يحصل منه الغرض ، وهو التعريض للثواب ، وهذا قد حصل منه الغرض ، وهو التعريض للثواب ، فلو أبقاه لنقض غرضه ، وفي هذا الكلام بعض القوّة.

[في العوض]

قال :

مسألة : العوض هو النفع المستحقّ الخالي من تعظيم وإجلال (٤).

أقول :

هذا حدّ العوض ، فالنفع كالجنس ، وبقولنا (٥) : «المستحقّ» يخرج عنه النفع التفضّلي (٦) ، وبقولنا : «الخالي من تعظيم وإجلال» يخرج عنه الثواب.

قال :

وهو إمّا أن يكون مساويا للألم ، وهو العوض علينا أو زائدا (٧) وهو عليه ، وإلّا

__________________

(١) في «أ» : (بأنّه يكون مفسدة فلا) ، وفي «ر» : (بأنّه مفسدة ولا) بدل من : (بأنّه مفسدة لا).

(٢) في «ف» : (تكليف).

(٣) في «أ» : (لا).

(٤) شرح الأصول الخمسة : ٨٥ و ٤٩٤ ، رسائل الشريف المرتضى ٣ : ١٤ ، تقريب المعارف : ٩١ ، الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد : ٨٩ و ١٠٩.

(٥) في «ب» : (وقولنا).

(٦) في «د» : (المتفضّل).

(٧) في «ف» : (زائد).

٤٢٦

لقبح إمّا بإيلامه أو بإباحته أو تمكين غير العاقل ، لأنّ الله خلقه ومكّنه مع عدم خلق ما يميّز القبيح. وذهب قوم إلى أنّها لا يستحقّ بها عوض ، وآخرون إلى أنّ (١) العوض عليها.

أقول :

العوض إمّا أن يقع في مقابلة الألم أو العمل ؛ أمّا الثاني فإنّه بالقياس إلينا ، وأمّا بالقياس إليه تعالى فإنّه يكون ثوابا ، وأمّا الأوّل فالألم الصادر إمّا أن يكون منّا أو من الله تعالى ؛ أمّا الصادر منّا فالعوض مساو له ، وأمّا الصادر من الله تعالى سواء كان بفعله أو بإباحته كإباحة دم المرتد التائب أو بتمكين غير العاقل منه فإنّه يجب أن يكون أزيد من الألم وإلّا لكان فعله قبيحا ضرورة خلوّه عن فائدة.

واختلف الناس في تمكين غير العاقل هل يستحقّ بفعلها عوض أم لا؟ و (٢) على من يستحقّ على ثلاثة أقوال :

قال قوم : إنّ العوض عليه تعالى لأنّ الله تعالى مكّنها وخلق فيها ميلا طبيعيّا إلى الإيلام ، ولم يخلق لها عقلا زاجرا عنه ، مع أنّه يمكن أن لا يخلقها أو (٣) لا يخلق فيها ميلا أو يخلق فيها عقلا.

وقال آخرون : إنّ العوض عليها.

وقال آخرون (٤) : إنّه لا عوض عنها (٥).

__________________

(١) (أنّ) ليست في «ف».

(٢) الواو ليست في «ف».

(٣) في «د» : (و).

(٤) (آخرون) سقطت من «س».

(٥) في «ب» : (عليها). شرح الأصول الخمسة : ٤٩٤ ، المواقف : ٣٣٠ ، شرح المواقف ٨ : ١٩٥ ، وحكى هذه الأقوال المصنّف في مناهج اليقين : ٣٩٤.

٤٢٧

والأقرب إلى الصواب الأوّل.

قال :

وهو واجب إذ الألم بدونه ظلم.

أقول :

ذهبت المعتزلة إلى أنّ (١) العوض واجب (٢) خلافا للأشعريّة (٣) ، والدليل عليه أنّه لو لا ذلك لكان ظلما ، وهو قبيح يستحيل صدوره من الله تعالى ، والعلم به ضروريّ.

[هل يمكّن الله الظالم من الظلم أم لا؟]

قال :

وهل يجوز تمكين الله تعالى من الظلم من لا عوض له في الحال يوازي فعله؟ ذهب البلخي وأبو هاشم إلى جوازه ، واختلفا فقال البلخي : يجوز خروجه من الدنيا ولا عوض له بل يتفضّل الله عليه ، ومنعه الجبائي (٤) بأنّ الانتصاف واجب والتفضّل جائز ، فلا يعلّق الواجب بالجائز.

وذهب السيّد المرتضى إلى منعه لأنّ التفضّل والبقاء جائزان ، والانتصاف واجب فلا تعلّق بهما.

__________________

(١) (أنّ) سقطت من «س».

(٢) شرح الأصول الخمسة : ٤٩٤.

(٣) شرح المواقف ٨ : ١٩٦.

(٤) في «ف» : (الخيامي).

٤٢٨

أقول : اختلفت العدليّة في أنّه هل يجوز أن يمكّن الله تعالى الظالم من الظلم ولا عوض له في الحال يوازيه؟ فجوّزه أبو القاسم الكعبي المعروف بالبلخي وأبو هاشم (١) ، ومنعه السيّد المرتضى (٢).

احتجّا بأنّه من المستبعد أن يكون في جنب (٣) الظالم القاهر اليد أعواض توازي ظلمه الواصل إلى كلّ (٤) واحد واحد.

وهذا ضعيف ، فإنّه لا استبعاد في أن يحصل له من الآلام التي يفعلها الله تعالى به ما (٥) يستحقّ بها أعواضا كثيرة توازي ما يفعله من الظلم ، فإنّ العوض المستحقّ عليه مواز لفعله والمستحقّ على الله تعالى أزيد.

ثمّ إنّهما اختلفا فقال البلخي : يجوز خروجه من الدنيا ولا عوض له ، بل يتفضّل الله عليه ، وقال أبو هاشم : لا يصحّ لأنّ التفضّل جائز والعوض واجب ولا يصحّ تعليق (٦) الواجب بالجائز ، فردّ عليهما السيّد المرتضى رحمه‌الله بأنّ الانتصاف واجب ، والتبقية والتفضّل جائزان فلا تعلّق بهما (٧).

__________________

(١) حكاه عنهما السيّد المرتضى في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ١٤ ، والمصنّف في مناهج اليقين : ٣٩٥ ، وفي طبعة الأنصاري القمي : ٢٥٩.

(٢) شرح جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ١٤.

(٣) في «ف» : (حيث).

(٤) (كلّ) ليس في «ف».

(٥) (ما) لم ترد في «د» «ف».

(٦) في «س» : (تعلّق).

(٧) شرح جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ١٦ ، وانظر مناهج اليقين : ٣٩٥ وفي طبعة الأنصاري القمي : ٢٥٩.

٤٢٩

[الكلام في المقتول]

قال :

مسألة : اختلفوا في (١) المقتول لو لم يقتل ، قال قوم : يجوز أن يعيش ، وقال آخرون : يموت قطعا ، وآخرون : يعيش قطعا ، والثاني باطل وإلّا لما ذمّ الذابح غنم غيره بل كان محسنا ، وهو ضعيف لتفويته الأعواض الزائدة على الله تعالى ، والثالث باطل وإلّا لزم الجهل إذ يعلم حياته إلى وقت ، وهو ضعيف لجواز أن يعلم أنّه إن لم يقتل مات في (٢) آخر.

أقول :

اختلف الناس في المقتول ، فقال الجمهور : إنّه قد كان يجوز أن يعيش ويجوز أن يموت (٣) ، وجزم آخرون بموته (٤) ، وآخرون بحياته (٥).

و (٦) احتجّ الأوّلون بأنّه لو لا ذلك لانقلب علم الله تعالى جهلا ، لأنّه إذا كان عالما

__________________

(١) في «س» زيادة : (أنّ).

(٢) في «ج» «ر» زيادة : (وقت).

(٣) التزم بذلك السيّد المرتضى في شرح جمل العلم والعمل : ٢٤٤ حيث قال بعد نقل الأقوال ما نصّه : وذهب المحقّقون منهم ـ وهو الصحيح ـ على أنّه لو لم يقتل لكان يجوز أن يبقى ويجوز أن يموت ، ولا دليل على أحد الأمرين ، وحكاه المصنّف عن البصريين في مناهج اليقين : ٣٩٦ ، وفي طبعة الأنصاري القمي : ٢٥٩.

(٤) حكاه المصنّف عن أبي الهذيل العلّاف وعن المجبرة في مناهج اليقين : ٣٩٦ ، وفي طبعة الأنصاري القمي : ٢٥٩.

(٥) حكاه المصنّف عن البغداديين في مناهج اليقين : ٣٩٦ ، وفي طبعة الأنصاري القمي : ٢٥٩.

(٦) الواو من «ف».

٤٣٠

بأنّه يعيش إلى وقت معلوم ثمّ قتل قبل ذلك (١) لزم الجهل.

وهذا ضعيف لأنّا نقول : إنّه تعالى يعلم أنّه لو لم يقتل لعاش إلى تلك الغاية ، ثمّ ردّوا قول من جزم بالموت بأنّه لو كان كذلك لكان الذابح غنم غيره يستحقّ المدح لكونه محسنا ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله.

وهذا الردّ ضعيف لوجهين :

الأوّل : أنّه لم لا يكون محسنا ، وإنّما لم يعدّه الجمهور محسنا لما ترسّخ في أذهانهم أنّها كانت تجوز أن تعيش وليس كذلك.

الثاني : أنّه لا يكون محسنا من حيث إنّه يفوته الأعواض على الله تعالى بموتها ، ولا شكّ في أنّ العوض عليه أكثر من العوض علينا (٢).

وهذا عندي ضعيف ، فإنّ العقلاء إنّما ذمّوه باعتبار ذبحها وافقادها الحياة لا باعتبار تفويت (٣) الأعواض على الله تعالى.

__________________

(١) في «ب» زيادة : (الوقت).

(٢) في «ف» : (عليه).

(٣) في «ف» : (تقريب).

٤٣١
٤٣٢

قال :

الباب الخامس :

في النبوّة

٤٣٣
٤٣٤

[تعريف النبيّ والمعجز]

محمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأنّه ظهرت على يده المعجزة (١) ، وهو القرآن بالتواتر ، وهو معجزة ، ولإخباره عن الغيب كقوله : (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) (٢) إلى غير ذلك ، ولتواتر معنى الأخبار ينبوع الماء وانشقاق القمر وإشباع الخلق (٣) ، وإن كان كلّ واحد لم يبلغ التواتر ، فمعنى (٤) الكلّ متواتر كشجاعة عليّ ، ولم يعارضه أحد ، وإلّا لنقل لتوفّر الدواعي (٥) إليه.

وأمّا إنّ كلّ (٦) من كان كذلك فهو نبيّ ، لأنّه يقوم مقام التصديق ، كمن ادّعى رسالة ملك وقال : إن كنت صادقا فخالف عادتك فكلّما قال له (٧) ذلك خالفها (٨) حكم الكلّ بتصديقه ، وكلّ من صدّقه فهو صادق لصدقه ، ولأنّه لا يفعل القبيح.

__________________

(١) في «د» «ر» «ف» : (المعجزة على يده) بتقديم وتأخير.

(٢) الروم : ٣.

(٣) حقائق المعرفة في علم الكلام : ٤٢١ ، وانظر كتاب المحصّل : ٤٨٩ ، مناهج اليقين للمصنّف : ٤١١ ، أنوار الملكوت في شرح الياقوت : ١٨٦.

(٤) في «ف» : (بمعنى).

(٥) في «أ» «ج» : (الداعي).

(٦) (كلّ) لم ترد في «س».

(٧) في «د» : (لم).

(٨) في «أ» : (خالفهما).

٤٣٥

أقول :

النبيّ هو الإنسان المخبر عن الله تعالى بغير واسطة أحد من البشر ؛ فب «الإنسان» يخرج الملك ، وب «المخبر عن الله تعالى» يخرج المخبر عن غيره ، وبقولنا : «بغير واسطة أحد من البشر» يخرج العالم الذي يخبر عن الله تعالى بواسطة النبيّ.

والمعجز هو أمر خارق للعادة مقرون بالتحدّي مع عدم المعارضة (١) ، فالأمر يتناول الفعل الخارق والمنع عن الفعل المعتاد و «الخارق للعادة» فصل له. وقولنا : «مقرون بالتحدّي» ليخرج عنه الكرامات والإرهاص (٢) والمدّعي الكاذب إذا أخذ معجزة غيره ، والتحدّي هو المماراة في الفعل والمنازعة في الغلبة.

إذا عرفت هذا فنقول : محمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خلافا للمشركين ، ويدلّ عليه أنّه ظهرت (٣) على يده المعجزة مقرونة بالتحدّي (٤) ، وكلّ من كان كذلك فهو نبيّ حقّا.

أمّا المقدّمة الصغرى فلأنّه ظهر على يده القرآن ، والقرآن معجز.

أمّا الصغرى فبالتواتر.

وأمّا الكبرى فلأنّه تحدّى به في قوله : (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ) (٥) ، (فَأْتُوا بِسُورَةٍ

__________________

(١) أصول الدين للبغدادي : ١٧٠ ، رسائل الشريف المرتضى ٣ : ١٨ ، الحدود والحقائق للمرتضى : ١٧٤ ، تلخيص الشافي ١ : ١٤٢ ، قواعد العقائد : ٣٠ ، وانظر شرح المصطلحات الكلاميّة : ٣٣٣.

(٢) الإرهاص : إحداث معجزات تدلّ على بعثة نبيّ قبل بعثته ، وكأنّه تأسيس لقاعدة نبوّته (تلخيص المحصل : ٣٥٠) ، وهو ظهور الخارق العادة إنذارا بقرب البعثة (اللوامع الإلهيّة : ٢١٥).

(٣) في «أ» «د» : (ظهر).

(٤) في «أ» : (مقرونا بتحدّي).

(٥) هود : ١٣.

٤٣٦

مِنْ مِثْلِهِ) (١) مع (٢) توفّر دواعيهم إلى معارضته وإظهار تكذيبه من غير حاجة إلى القتال.

وأيضا فإنّه أخبر بالغيب في قوله : (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) (٣).

وأيضا فإنّه روي عنه امور كثيرة خارقة للعادة كانشقاق القمر ، وحنين الجذع ، وإحياء الميّت ، وإطعام الخلق الكثير من الزاد القليل ، ونبوع الماء من بين أصابعه وغير ذلك من الوقائع الكثيرة (٤).

وهذه الوقائع الجزئيّة ، وإن كان كلّ واحد منها غير متواتر ، إلّا أنّها قد اشتركت في معنى كلّيّ منقول بالتواتر ، وهو كونها خارقة للعادة ، أو نقول : إنّ كثرة هذه الأخبار توجب صدق أحدها ، وأيّها كان دلّ على الإعجاز كما في شجاعة عليّ عليه‌السلام ، فإنّه لم تنقل الوقائع الجزئيّة بالتواتر ، لكن نقل عنه بالتواتر معنى كلّيّ يشترك (٥) فيه الجزئيّات المنقولة بالآحاد ، فقد ثبت أنّه ظهر على يده المعجزة (٦) ولم يعارضه أحد وإلّا لنقل ، لأنّه من الوقائع المشهورة التي يشتدّ (٧) الدواعي إلى نقلها ، ولمّا لم تنقل دلّ على أنّها لم توجد.

__________________

(١) البقرة : ٢٣.

(٢) (مع) ليست في «ف».

(٣) الروم : ٣.

(٤) حقائق المعرفة في علم الكلام : ٤٢١ ، تقريب المعارف في الكلام للحلبي : ١٠٧ ، كتاب المحصل : ٤٨٩ ، وحكى ذلك المصنّف في مناهج اليقين : ٤١١ ، وأنوار الملكوت في شرح الياقوت : ١٨٦.

(٥) في «س» : (مشترك).

(٦) في «س» : (المعجز).

(٧) في «ف» : (تستند).

٤٣٧

وأمّا أنّ كلّ من كان كذلك فهو نبيّ فلأنّ خلق المعجز من الله تعالى عقيب الدعوى يقوم مقام التصديق ، فإنّ الإنسان إذا ادّعى رسالة الملك وقال : أيّها الملك إن كنت صادقا في دعوى الرسالة فخالف عادتك ، ففعل الملك ذلك وتكرّر السؤال من الرسول والفعل من الملك ، فإنّ العقلاء يجزمون بصدق الرسول ، فكذلك هاهنا.

وأمّا إنّ كلّ من صدّقه الله تعالى فهو صادق فلأنّ الله تعالى صادق فلو صدق الكذّاب لم يكن صادقا ، ولأنّه تعالى لا يفعل القبيح ، وإظهار المعجز على يد الكاذب إغراء بالقبيح فهو قبيح ، ولأنّه يلزم أن لا يقدر الله تعالى على تصديق الرسول الصادق.

[اعتراضات وردود]

قال :

فإن قيل : فإن (١) عنيتم بالتواتر ما حصل به (٢) العلم وأنتم تستدلّون بالتواتر على حصول العلم دار.

أقول :

لمّا فرغ من الاستدلال على ثبوت النبوّة شرع في الاعتراض على الدليل مع الجواب عنه فاستفسر أوّلا عن معنى التواتر ، وقال : إن عنيتم بالتواتر الخبر المفيد للعلم لزم الدور ، لأنّكم الآن في مقام الاستدلال بثبوت الخبر المتواتر على ثبوت العلم بالنبوّة ، فلو كان الخبر المتواتر هو الموجب للعلم لزم إثبات الشيء بنفسه. وإن عنيتم به معنى آخر فلا بدّ من بيانه.

__________________

(١) في «ج» «ر» : (إن).

(٢) في «ف» : (له).

٤٣٨

قال :

سلّمنا ، لكن لا يفيد العلم ، لأنّ كلّ واحد يجوز كذبه ، فكذلك (١) الكلّ كالحوادث ، ولأنّ حصول العلم بكلّ واحد محال ، لجواز كذبه ، فعند الاجتماع إن حصل زائد تسلسل وإلّا لم يفد العلم.

أقول :

لمّا استفسر عن معنى التواتر واعترض عليه سلّم ذلك الاعتراض ، وشرع في بيان أنّ التواتر لا يفيد العلم ، وهذا مذهب لقوم ، واستدلّ عليه بوجهين :

الأوّل : أنّ كلّ واحد من المتواترين (٢) يجوز كذبه فالمجموع كذلك ، كما أنّ كلّ واحد من الحوادث حادث فالمجموع (٣) حادث.

الثاني : أنّ حصول العلم إمّا أن يكون معلّلا بقول كلّ واحد واحد أو بقول المجموع ، والقسمان باطلان :

أمّا الأوّل فلأنّ كلّ واحد يجوز كذبه ، ولأنّا نعلم بالضرورة أنّ خبر (٤) الواحد لا يفيد العلم ، ولأنّه يلزم اجتماع العلل الكثيرة على معلول واحد.

والثاني باطل لأنّ كلّ واحد لمّا لم يكن علّة في حصول العلم فعند الاجتماع إن لم يحصل أمر زائد لم يكن المجموع مفيدا للعلم ، وإن حصل فحصول ذلك الأمر الزائد إمّا أن يكون معلّلا بكلّ واحد أو بالمجموع ، والأوّل باطل وإلّا لكان كلّ واحد علّة

__________________

(١) في «ب» «ف» : (فكذا).

(٢) في «د» : (المتواتر).

(٣) في «د» : (والمجموع).

(٤) في «د» : (الخبر).

٤٣٩

لعلّة العلم وهو باطل لما مضى ، والثاني يلزم منه (١) التسلسل.

قال :

سلّمنا لكن يتوقّف على الإحساس ولا يفيد العلم لجواز خلق شخص مماثل لقوله (وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) (٢).

أقول :

بعد تسليم عدم (٣) ورود الوجهين الدالّين على أنّ خبر التواتر (٤) لا يفيد العلم شرع في بيان أنّه وإن كان يمكن أن يفيد العلم ، لكنّه غير معلوم ، وبيانه : أنّ خبر التواتر شرطه الانتهاء إلى المحسوس ، فإنّ أهل الأرض لو أخبروا بكون الله تعالى موجودا أو قادرا أو عالما لما أفاد إخبارهم العلم.

وإذا كان كذلك فنقول : الحس (٥) قد يكذب ، فإنّه لا يميز (٦) بين الشيء ومثله ، ولهذا إذا توالت الأمثال على الحسّ حسبها شيئا واحدا ، فنقول : لم لا يجوز أن يكون المرئي ليس هو النبيّ ، بل شخص آخر خلقه الله تعالى في الحال مماثل له ، فإنّه ممكن ، والذي يدلّ على تجويز هذا الاحتمال قوله تعالى : (وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) (٧) ، وإذا جاز (٨) ذلك في عيسى عليه‌السلام فلم لا يجوز في سائر الأنبياء.

__________________

(١) (منه) من «س».

(٢) النساء : ١٥٧.

(٣) (عدم) لم ترد في «س».

(٤) في «ب» : (الواحد).

(٥) في «ج» «س» : (الخبر).

(٦) في «ج» : (تميز).

(٧) النساء : ١٥٧.

(٨) في «ف» : (وأخبار) بدل من : (وإذا جاز).

٤٤٠