معارج الفهم في شرح النظم

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

معارج الفهم في شرح النظم

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: عبدالحليم عوض الحلّي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-397-218-3
الصفحات: ٦٤٤

الامور وبحسنها ، وهذا لا شكّ فيه ، فإنّ تكليف الأعمى نقط المصحف (١) وتكليف الزمن (٢) الطيران إلى السماء ، وذمّ الإنسان غيره على كون الكواكب في السماء وغير ذلك (٣) معلوم (٤) لكلّ العقلاء.

وثانيا : في أنّ العلم بهذه الأشياء مستفاد من العقل ، وذلك لأنّا نجد أنفسنا خالية من القضايا الشرعيّة والاعتقادات السمعيّة ثمّ نعرض عليها مثل هذه القضايا ، فإنّا نجدها حاكمة بذلك ، بخلاف قبح ترك الصلاة ، فإنّا مع فرض خلوّنا عن الشرع لا نحكم بذلك ، فافترقا.

الثاني : أنّ من ينكر الشرائع يعترف بقبح بعض الأشياء كالبراهمة ، ويستندون في ذلك إلى العقل.

الثالث : أنّه لو لم يقبح (٥) في العقل شيء لارتفع الوعد والوعيد لأنّا حينئذ نجوّز صدور الكذب من الله تعالى لكونه غير قبيح ، وذلك ينفي القول بالشرائع.

الرابع : لو لم يحسن بعض الأشياء ويقبح الآخر لجاز تكذيب النبيّ الصادق وتصديق المتنبي الكاذب ، وهو باطل بالضرورة (٦).

لا يقال : إنّ (٧) العقلاء يجزمون بقبح بعض الأشياء وحسن بعضها ، ولكن ذلك الجزم جاز أن يكون من القضايا الوهميّة ، فإن قلتم : إنّهم يعلمون بذلك ضرورة

__________________

(١) في «ب» : (المصاحف).

(٢) في «أ» «س» : (الزمنى). والزمن : المريض المقعد.

(٣) (وغير ذلك) لم يرد في «ج» «ر» «ف».

(٤) في «ب» زيادة : (قبحه).

(٥) في «س» : (يصحّ).

(٦) حكى هذه الوجوه المصنّف في مناهج اليقين : ٣٥٨ ، وفي طبعة الأنصاري القمي : ٢٣٠.

(٧) (إنّ) من «ج» «ف».

٤٠١

منعناكم ، فإنّ أقصى ما يمكن ادّعاؤه هنا الجزم. وأيضا إن عنيتم بالعلم بالقبح النفرة الطبيعيّة وبالحسن الميل الطبيعي فهو مسلّم ، وإن عنيتم كون الفعل متعلّق المدح والذمّ (١) فهو ممنوع.

لأنّا نقول : السؤال الأوّل يلزم منه تجويز الشكّ في العلوم الضرورية ، والثاني باطل ، فإنّ الحسن والقبح لو كانا عبارتين عن النفرة والميل لوجب (٢) اختلاف العقلاء في ذلك كما اختلفوا فيهما.

[أدلّة الأشاعرة على الحسن والقبح الشرعيين]

وقد احتجّت الأشاعرة على قولهم بوجوه :

الأوّل : أنّ العلم بذلك ليس كالعلم بأنّ الكلّ أعظم من الجزء ، فلا يكون ضروريّا.

الثاني : أنّه (٣) لو كان هناك قبيح لكان إمّا من الله تعالى ، وهو باطل اتّفاقا ، أو من العبد ، وهو باطل ، لأنّ أفعاله مستندة إلى القدرة والداعي ، وعندهما يجب الفعل ، وهما صادران عن الله تعالى ، فالقبيح في الحقيقة مستند إليه.

الثالث : أنّ الكذب قد يحسن إذا تضمّن (٤) تخليص النبيّ ، ولأنّ من قال : لأكذبنّ غدا يحسن منه الكذب ، لأنّه إن وجب عليه الوفاء بهذا كان الكذب حسنا أيضا (٥).

__________________

(١) في «د» : (الذم والمدح).

(٢) في «ف» : (لوجوب).

(٣) (أنّه) لم ترد في «ب».

(٤) في «س» : (إذا نصّ) ، وفي «ف» : (إذ تضمّن).

(٥) الأربعون في أصول الدين للفخر الرازي ١ : ٣٤٦ ، المواقف : ٣٢٣ ، شرح المقاصد للتفتازاني ٤ : ٢٨٢.

٤٠٢

والجواب عن الأوّل بمنع (١) الفرق بين العلمين ، فإنّ العقلاء كما يعلمون أنّ (٢) الكلّ أعظم من الجزء كذلك (٣) يعلمون قبح إيلام الأعمى على ترك نقط المصحف (٤).

وعن الثاني : أنّ وجوب (٥) الفعل بالنظر إلى القدرة والداعي لا ينافي الاختيار ، وقد مضى ذلك.

وعن الثالث بأنّه لا يجوز (٦) له الكذب ، بل يجب عليه التورية.

وما ذكروه في قول القائل : لأكذبنّ غدا فمندفع أيضا ، لأنّ قوله : لأكذبنّ غدا عزم على الكذب ، وليس إخبارا عن الكذب ، بل عن العزم ، فلا يلحقه الكذب لوجود العزم.

و (٧) اعترض بعض المتأخّرين عليه بأنّ الكذب هو الإخبار الذي لا يطابق المخبر عنه ، وهو هاهنا (٨) كذلك ، وليس الإخبار هاهنا عن العزم حتّى يكون صادقا لوجود العزم ، وذكر في الجواب أنّ قوله : لأكذبنّ غدا إخبار عن الكذب وعزم عليه ، وتتميم هذا العزم قبيح وفعل الكذب قبيح (٩) ، فلو كذب في الغد لكان قد

__________________

(١) في «ب» : (منع).

(٢) (أنّ) لم ترد في «ف».

(٣) في «ب» «ج» «د» «ر» «ف» : (كذا).

(٤) في «د» : (المصاحف).

(٥) في «د» : (وجوه).

(٦) في «ج» «ر» «ف» : (أنّه لا يجوز) ، وفي «ب» «د» «س» : (بأنّه يجوز) بدل من : (بأنّه لا يجوز).

(٧) الواو لم ترد في «ج» «ر».

(٨) في «أ» «د» «س» «ف» : (هنا).

(٩) (وفعل الكذب قبيح) سقط من «ف».

٤٠٣

فعل فعلا فيه وجها قبح ، وإذا ترك الكذب يكون قد ترك القبيح وترك تتمّة العزم على القبيح ، وهما وجها حسن ، أقصى ما في الباب أنّه يتضمّن وجها واحدا من وجوه القبح (١) وهو الكذب الماضي ، لكن فعل شيء يتضمّن وجهي حسن ووجه قبح أولى من فعل شيء يتضمّن وجه حسن ووجهي قبح.

[في الحسن والقبح الذاتيان للأشياء]

قال :

وهل الأشياء قبحت (٢) لذاتها أو لصفات؟ البصريّون على الأوّل (٣) ، والبغداديّون على الثاني (٤) ، لأنّ من ظلم أو (٥) منع الوديعة سارعوا إلى ذمّه ، ولا يكون لذواتها كضرب اليتيم للتأديب.

أقول :

هذا يتفرّع على القول بالحسن والقبح العقليّين ، وهو (٦) أنّ الأشياء هل هي حسنة أو قبيحة لذواتها أو لوجوه واعتبارات تقع عليها؟

فالبصريّون قالوا : إنّها لذواتها كذلك ، والبغداديّون قالوا : إنّما هي بالحيثيّات حسنة وقبيحة ، لأنّ من ظلم أو منع الوديعة سارع العقلاء إلى ذمّه ، فإذا سئلوا عن ذلك قالوا : لأنّه ظلم أو منع الوديعة ، فلو لا أن يكون هذان الوصفان يوجبان

__________________

(١) في «ج» «س» : (القبيح).

(٢) في «ج» «ر» «ف» : (قبيحة).

(٣) حكاه عنهم في المواقف ٣ : ٢٦٨.

(٤) حكاه عنهم في المواقف ٣ : ٢٦٨.

(٥) في «ف» : (و).

(٦) في «ج» «ر» «ف» : (وهي).

٤٠٤

القبح وإلّا لما علّلوا ذمّهم له بهما (١).

ولا يكون الفعل حسنا لذاته ولا قبيحا لذاته ، لأنّ ضربه اليتيم إذا قصد بها (٢) التأديب كانت حسنة ، وإن قصد بها الظلم كانت قبيحة ، فلو كان الفعل لذاته حسنا أو قبيحا (٣) لما افترق الحال بالنسبة إلى الوجه الذي وقع عليه الفعل.

[الله لا يفعل القبيح]

قال :

مسألة : الله تعالى لا يفعل القبيح ، لأنّ الصارف موجود ، إذ هو علمه بالقبيح والغنى عنه ، والداعي منتف لأنّه إمّا داعي الحاجة أو الحكمة ، وهما منتفيان (٤).

سؤال : كلّف من لا يؤمن بالإيمان؟ جواب : منع القبح.

أقول :

ذهبت المعتزلة إلى أنّ الله تعالى لا يفعل القبيح ولا يخلّ بالواجب (٥).

وذهبت الأشعريّة إلى أنّه تعالى يفعل القبيح ويخلّ بالواجب (٦) ، تعالى الله عن ذلك.

احتجّت المعتزلة بأنّ الصارف عن القبيح موجود والداعي إليه مفقود ، وكلّ من كان كذلك استحال منه الفعل :

__________________

(١) في «ب» : (به) بدل من : (له بهما) ، و (له بهما) لم ترد في «د».

(٢) في «ب» «د» : (فيها).

(٣) في «أ» زيادة : (لذاته).

(٤) في «ج» «س» : (منفيان).

(٥) المغني في أبواب التوحيد والعدل (التعديل والتجوير) : ١٧٧.

(٦) شرح التجريد للقوشجي : ٣٧٣.

٤٠٥

أمّا إنّ الصارف موجود فلأنّ (١) الصارف عنه هو علمه بالقبيح (٢) والغنى عنه ، والله تعالى عالم بكلّ المعلومات ، غنيّ عن كلّ شيء ، وإنّما كان الصارف ذلك ، لأنّا نعلم بالضرورة أنّ من علم قبح أمر وكان غنيّا عنه استحال وقوعه منه إذا كان حكيما.

وأمّا إنّ الداعي مفقود فلأنّ الداعي إلى الفعل إمّا أن يكون داعي الحاجة أو داعي الحكمة ؛ لأنّ الفعل إن كان قبيحا وفعله العالم به كان محتاجا إليه إذا كان حكيما ، وإن كان (٣) حسنا كان الداعي إليه داعي الحكمة ، ولا شكّ في أنّ الله تعالى ليس بمحتاج ، والحكمة غير موجودة في فعل القبيح فلا داعي له إليه ، وأمّا الكبرى فظاهرة.

وقد احتجّت الأشعريّة بوجوه :

الأوّل : أنّ الله تعالى كلّف بما لا يطاق وهو قبيح ؛ أمّا الأوّل فلأنّه كلّف أبا لهب بالإيمان مع علمه بأنّه لا يؤمن ، وخلاف معلوم الله محال ، وأيضا فقد أخبر عنه بأنّه لا يؤمن ، فلو آمن لزم الكذب ، وأيضا فقد كلّفه بتصديقه في إخباره ، ومن جملة ما أخبر عنه أنّه لا يؤمن فقد كان مكلّفا بأن يؤمن وبأن لا يؤمن.

الثاني : أنّ الله تعالى فعل القدرة والداعي ، وهما يوجبان الفعل ، وفاعل السبب فاعل المسبّب ، وفاعل (٤) القبيح هو الله تعالى.

الثالث : أنّه قد علم من الكافر أنّه لا يؤمن ثمّ كلّفه ، فذلك التكليف إمّا أن يكون

__________________

(١) في «س» : (فإنّ).

(٢) في «س» : (بالقبح).

(٣) (كان) لم ترد في «ف».

(٤) في «ب» «ف» : (ففاعل).

٤٠٦

لفائدة أو لا لفائدة ، والثاني عبث وهو قبيح ، والأوّل تلك الفائدة إمّا النفع أو الضرر ، والثاني قبيح ، والأوّل إن كان عائدا إلى الله تعالى فهو محال ، وإن كان إلى العبد فهو عالم بعدم وصول ذلك إليه فيكون التكليف عبثا ، وهو قبيح ، وإن كان إلى الغير فهو قبيح ، لأنّ إيلام زيد لأجل نفع عمرو قبيح.

والجواب عن الأوّل : (١) لا نسلّم أنّه كلّف ما لا يطاق ، وخلاف المعلوم ممكن من حيث هو هو ، والوجوب أمر لاحق حصل باعتبار العلم ، فلا يؤثّر في القدرة كما في حقّ الله تعالى ، وهذا هو الجواب عن الكذب ، فإنّ الإيمان محال من حيث الإخبار وهو وجوب للعدم (٢) لاحق.

قوله : إنّه مكلّف بتصديق الله تعالى فيما أخبر عنه.

قلنا : لا نسلّم أنّه مكلّف بتصديقه في هذا الخبر ، ولو سلّمنا لكنّه مكلّف به (٣) من حيث القدرة والإخبار وقع من حيث العلم ، والعلم لا ينافي القدرة.

سلّمنا لكنّه مكلّف بالإيمان ومكلّف بتصديق الله تعالى في هذا الخبر لا من حيث إنّه خبر عن عدم إيمانه ، بل من حيث إنّه خبر صدر عن الله تعالى ، ولا شكّ في تغاير الحيثيتين.

وعن الثاني بالمنع في الكبرى.

وعن الثالث أنّ الفائدة تعريضه للثواب على معنى أنّه يجعله متمكّنا من الوصول إلى النفع ، وهذه الفائدة حاصلة.

__________________

(١) في «ج» «ر» «ف» زيادة : (إنّا).

(٢) في «ج» «ف» : (ووجوب العدم) ، وفي «س» : (وهو وجوب المعدوم) بدل من : (وهو وجوب للعدم).

(٣) في «ر» «ف» : (بالإيمان) بدل من : (به) ، و (به) لم ترد في «ب» «د».

٤٠٧

[في أفعال العباد]

قال :

مسألة : ذهب جهم (١) إلى أن لا فاعل إلّا الله تعالى ، والأشعريّة قالوا بالكسب ، وفسّره أبو الحسن بإجراء العادة بخلق الفعل عند الاختيار والقدرة ، وغيره بالطاعة والعصيان ، وغيره بأنّه غير معلوم.

والعدليّة ذهبوا إلى أنّ الفعل للحيوان. فقال أبو الحسين : هو ضروريّ ، والجماهير من المعتزلة والإماميّة إلى اكتسابه ؛ والأوّل الحقّ ، واستدلّوا بأنّ العبد (٢) يذمّ على فعل قبيح اختياريّ ولا يذمّ على ضروريّ ، ولأنّه مأمور فلو لا أنّ له فعلا وإلّا لجاز أمر الجماد ، ولأنّه يلزم الظلم منه تعالى.

أقول :

ذهب جهم بن صفوان إلى أنّ العبد ليس له أثر في إيجاد ولا كسب ، وليس للعبد قدرة ، بل الله تعالى هو الفاعل (٣).

وقالت الأشعريّة والنجاريّة : إنّ الله تعالى يحدث الفعل والعبد يكتسبه ، وأنّ

__________________

(١) في «أ» زيادة : (بن صفوان). هو جهم بن صفوان أبو محرز العبدي السمرقندي من بني راسب رئيس الفرقة الجهمية ، وهو أوّل من قال بالجبر ، كان يقضي في عسكر الحارث بن سويج الخارج على أمراء خراسان ، قبض عليه نصر بن سيّار وأمر بقتله فقتل سنة ١٢٨ هجريّة (الكامل في التاريخ ، حوادث سنة ١٢٨ هجريّة ، ميزان الاعتدال ١ : ١٩٧ ، الأعلام للزركلي ٢ : ١٤١).

(٢) في «ف» : (بالعبد) بدل من : (بأنّ العبد).

(٣) انظر سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون لابن نباتة : ١٦٢.

٤٠٨

للعبد قدرة ، ولكنّها غير مؤثّرة ، بل (١) الله تعالى يخلق الفعل مع القدرة (٢).

ثمّ اختلفوا في تفسير الكسب ، فقال أبو الحسن الأشعري : معنى الكسب أنّ الله تعالى أجرى العادة بأنّ العبد متى اختار الطاعة فعلها الله تعالى فيه وفعل (٣) فيه القدرة ، والعبد متمكّن من الاختيار ، وليس للقدرة في الفعل أثر (٤).

وقال قوم من أصحابه : إنّ معنى الكسب أنّ للقدرة تأثيرا في كون الفعل طاعة أو معصية أو عبثا ، وإنّ (٥) الثواب والعقاب إنّما هما على هذه الصفات (٦).

وقال قوم : إنّ ذلك الكسب غير معلوم (٧).

وأمّا العدليّة فقد أثبتوا للحيوان فعلا.

واختلفوا في مدرك ذلك ، فقال أبو الحسين : إنّه الضرورة ، وهو الحقّ عندي. وقال آخرون : إنّه الاستدلال ، واستدلّوا على ذلك بوجوه :

الأوّل : أنّ العقلاء يذمّون الإنسان على فعل المعصية ، ولا يذمّونه على سواده ، فلو لا أنّهم علموا أنّ العبد فاعل للمعصية وليس فاعلا للسواد لاستحال ذلك.

لا يقال : هذا يلزم منه الدور ، لأنّ العقلاء إنّما يذمّون العبد إذا عرفوا أنّه فاعل ،

__________________

(١) في «ج» «ر» «ف» زيادة : (إنّ).

(٢) اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع للأشعري : ٧٢ ، الملل والنحل للشهرستاني ١ : ٨٩ ، وحكاه المصنّف عنهم في نهج الحق وكشف الصدق : ٩٧.

(٣) في «ج» «ر» «ف» : (وجعل).

(٤) حكاه الفخر الرازي في كتاب المحصّل : ٤٥٥ ، والايجي في المواقف : ٣١٢ ، والمصنّف في مناهج اليقين : ٣٦٦ ، وفي طبعة الأنصاري القمي : ٢٣٥.

(٥) (إنّ) لم ترد في «ف».

(٦) حكاه الفخر الرازي في كتاب المحصّل : ٤٥٥ ، والايجي في المواقف : ٣١٢ ، والمصنّف في مناهج اليقين : ٣٦٦ ، وفي طبعة الأنصاري القمي : ٢٣٥.

(٧) حكاه الفخر الرازي في كتاب المحصّل : ٤٥٥ ، والايجي في المواقف : ٣١٢ ، والمصنّف في مناهج اليقين : ٣٦٦ ، وفي طبعة الأنصاري القمي : ٢٣٥.

٤٠٩

فلو استدللنا على أنّه فاعل بذلك لزم الدور.

لأنّا نقول : إنّما يستدلّ (١) بذلك على علمهم (٢) بكونه فاعلا لا على كونه فاعلا ، وهذا الجواب يتأتّى من أبي الحسين لا من المشايخ.

الثاني : أنّ العبد مأمور بالطاعة ومنهي عن المعصية ، ولو لا أن يكون فاعلا وإلّا لاستحال أمره ونهيه من الحكيم ، ألا ترى أنّه يقبح من أحدنا أمر الأعمى بنقط المصاحف والزمن (٣) بالطيران إلى السماء ويقبح منّا أمر الجماد.

قال أبو الهذيل (٤) : حمار بشر أعقل من بشر ، فإنّ حمار بشر لو أتيت به إلى جدول صغير وضربته لطفره ، ولو أتيت به إلى جدول كبير وضربته فإنّه لا يطفره ويروغ عنه ، لأنّه فرّق بين ما يقدر على طفره وبين ما لا (٥) يقدر عليه ، وبشر لا يفرّق بين المقدور له وغير المقدور (٦).

الثالث : أنّه يلزم منه الظلم من الله تعالى ، فإنّه يخلق فينا المعصية ويعاقبنا عليها.

وأمّا الأدلّة النقليّة فأكثر من أن تحصى.

__________________

(١) في «ب» «ف» : (إنّا نستدلّ) ، وفي «ج» «ر» : (إنّما نستدل).

(٢) في «ب» «س» زيادة : «الضروري».

(٣) أي المريض المقعد.

(٤) هو أبو الهذيل محمّد بن الهذيل العبدي المعروف بالعلاف المتكلّم ، كان شيخ البصريين في الاعتزال ، وكان حسن الجدال ، قوي الحجّة ، كثير الاستعمال للأدلّة ، توفّي سنة ٢٣٥ هجريّة بسر من رأى (تاريخ المعتزلة فكرهم وعقائدهم : ١٠١).

(٥) في «ب» «ر» «ف» : (وما لم) بدل من : (وبين ما لا).

(٦) قواعد المرام : ١١٠ ، وحكاه العلّامة في الرسالة السعدية : ٦٧ ، منهاج الكرامة : ٤٢ ، نهج الحق : ١٠١.

٤١٠

[قول المجبرة وردّه]

قال : احتجّوا بأنّ الله تعالى إن علم الوقوع أو العدم وجب أو امتنع ، ولأنّه إذا أراد العبد شيئا ، والله خلافه ، فإن وقعا لزم المحال وإن عدما لزم أن يقعا أو أحدهما دون الآخر ، ولا (١) أولويّة.

جواب الأوّل : أنّ العلم تابع لا يؤثّر في المعلوم (٢) ، ولأنّه يلزم القدم.

والثاني : أنّ التقدير يجوز استحالته ، سلّمنا لكن نمنع عدم الأولويّة.

أقول : احتجّت المجبّرة على قولهم بوجوه :

الأوّل : أنّ الله تعالى إن علم وقوع الفعل وجب وإلّا انقلب علمه جهلا ، وكذلك إذا علم عدمه امتنع ، والواجب والممتنع لا قدرة عليهما.

الثاني : أنّ الله تعالى إذا أراد شيئا وأراد العبد خلافه ، فإن وقع المرادان لزم اجتماع الضدّين ، هذا خلف ، وإن لم يقعا لزم وقوعهما ، لأنّ كلّ واحد منهما إنّما لم (٣) يقع مراده ، لأنّ الآخر وقع مراده ، فيلزم أن يكون مرادهما لم يقعا لأنّهما وقعا ، وإن وقع مراد أحدهما دون الآخر لزم الترجيح من غير مرجّح.

الثالث : أنّ العبد لو كان فاعلا لكان عالما بما يفعله ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله ، والشرطيّة ظاهرة (٤).

__________________

(١) في «س» : (فلا).

(٢) في «أ» : (العلم).

(٣) (لم) لم ترد في «أ» «ف».

(٤) في «ف» : (فظاهرة).

٤١١

وبيان بطلان التالي : أنّ المتحرّك في مسافة لا يعلم ما يفعله من أجزاء الحركة ، ولا ما يفعله من السكون المتخلّل بينها (١) ، إن قلنا : إنّ بطوء الحركات لتخلّل السكنات وإلّا فهو غير (٢) عالم بخصوصيّة الكيفيّة اللاحقة بالحركة (٣) من الشدّة والضعف (٤).

والجواب عن الأوّل : أنّ العلم تابع ، فلا يؤثّر في المتبوع ، وقد مضى هذا مرارا.

وعن الثاني : بالمنع من صحّة هذا الفرض ، ولو سلّمناه لكن لم لا يجوز أن يقال :

إنّ قدرة الله تعالى أولى بالفعل من قدرة العبد ، لأنّ قدرته أقوى من حيث إنّها قدرة على ما لا يتناهى ، وهذا الدليل (٥) نقلوه من دليل التمانع إلى هاهنا ، وهناك يتمشّى من حيث كون الآلهة متساوية القدرة بخلاف هذا الموضع (٦).

وعن الثالث : أنّ الإيجاد لا يستدعي العلم ، فإنّ النار موجدة للإحراق ، والماء موجد للبرودة مع عدم شعورهما ، بل الإيجاد الاختياري مشروط بالعلم ، لكن لا مطلقا ، بل من حيث الإجمال ، ولا يشترط فيه العلم بالعلم أيضا.

[الله تعالى يريد الطاعات]

قال :

مسألة : الله تعالى يريد الطاعات ويكره المعاصي ، لأنّ له داعيا إلى الأوّل ،

__________________

(١) في «ب» «ف» : (بينهما).

(٢) (غير) لم ترد في «د».

(٣) في «ف» : (بالجزئيّة).

(٤) ذكر هذه الوجوه الفخر الرازي في كتاب المحصّل : ٤٥٥ ـ ٤٥٨ ، مقالات الإسلاميين ٢ : ٧٧ ، وانظر المغني في أبواب العدل والتوحيد (التوليد) : ١٢.

(٥) (الدليل) ليس في «ف».

(٦) في «د» : (الوضع).

٤١٢

وصارفا عن الثاني ، لكونه حكيما ، ولأنّ إرادة القبيح قبيحة ، وللسمع.

أقول :

ذهبت الأشعريّة إلى أنّ الكائنات مرادة لله تعالى ، سواء كانت طاعة أو معصية أو غيرهما (١).

والمعتزلة ذهبوا إلى أنّ الله تعالى إنّما يريد ما ليس بمعصية (٢).

وقد احتجّت المعتزلة على ذلك (٣) بوجوه :

الأوّل (٤) : أنّ الله تعالى له داع إلى الطاعات وله صارف عن المعاصي ، وكلّ من كان كذلك كان مريدا للطاعات وكارها للمعاصي ، أمّا إنّ له داعيا إلى الطاعات وصارفا عن المعاصي فلأنّه حكيم ، والحكيم لا بدّ وأن يكون له داع إلى الحسن وصارف عن القبيح ، و (٥) أمّا الكبرى فظاهرة.

الثاني : أنّ الله تعالى لو أراد القبيح لكان فاعلا للقبيح ، والتالي باطل لما (٦) مرّ ، فالمقدّم مثله.

وبيان الشرطيّة : أنّ إرادة القبيح قبيحة بالضرورة.

الثالث : السمع كقوله تعالى : (كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً) (٧) إشارة إلى

__________________

(١) المحصّل للرازي : ٤٧٢ ، وانظر تقريب المعارف لأبي الصلاح الحلبي : ٦٢.

(٢) المغني في أبواب العدل والتوحيد (الإرادة) : ٢١٨ ، شرح الأصول الخمسة : ٣١٦.

(٣) (على ذلك) لم ترد في «ب» «س» ، وفي «ف» «ج» : (بوجوه على ذلك) بدل من : (على ذلك بوجوه).

(٤) قوله : (إنّ الله) إلى هنا سقط من «د».

(٥) الواو سقطت من «د».

(٦) في «ج» «ر» «ف» : (بما).

(٧) الإسراء : ٣٨.

٤١٣

ما عدّده من الفواحش ، وقوله : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) (١) وغير ذلك من الآيات.

الرابع : لو أراد الكفر من الكافر لكان الكافر مطيعا ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله.

الخامس : أنّ الله تعالى أمر بالطاعات فيكون مريدا لها ، ونهى عن المعاصي فيكون كارها لها لاستحالة أمر الحكيم بما لا يريده ونهيه عمّا يريده (٢).

والأشعريّة خلصوا من الرابع بأنّ الطاعة موافقة الأمر ، ومن الخامس بأنّ الآمر قد (٣) يأمر بما لا يريد كما هو (٤) في صورة السيّد إذا أمر عبده عند السلطان بفعل ، فإنّه لا يريده منه إظهارا لمخالفته ، ولأنّ إبراهيم عليه‌السلام أمر بذبح ولده ، وهو غير مراد.

والجواب عن الأوّل : أنّ الأمر لا يتحقّق إلّا مع الإرادة وبها يخلص الصيغة المذكورة عن الحكاية والسهو والإباحة ، وما ذكروه (٥) من الصور الأولى فهي ممنوعة ، فإنّ السلطان كيف يليق به امتحان العبد في تلك الحال ، فإنّ العبد لو كان أعصى خلق الله لما حصلت منه المخالفة في تلك الحال ، على أنّ الفرق حاصل ، فإنّ السيّد في تلك الصورة قد اضطرّ إلى الأمر بما لا يريد بخلاف الباري تعالى.

وعن الصورة الثانية أنّ إبراهيم عليه‌السلام كان مأمورا بمقدّمات الذبح ، ويدلّ عليه قوله تعالى : (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) (٦) وأطلق على مقدّمات الذبح اسم الذبح مجازا لما كانت تؤول إليه.

__________________

(١) الزمر : ٧.

(٢) انظر المغني في أبواب العدل والتوحيد (الإرادة) : ٢١٨.

(٣) (قد) ليس في «ف».

(٤) (هو) لم ترد في «أ» «س» «ر» «ف».

(٥) في «د» : (ذكره).

(٦) الصافات : ١٠٥.

٤١٤

لا يقال : لو كان مأمورا بالمقدّمات لما كان (١) بلاء عظيما.

لأنّا نقول : إنّ الأمر بالمقدّمات مع غلبة الظنّ بالأمر بالذبح بلاء عظيم.

ويحتمل أن يقال : إنّه (٢) وإن كانت الصيغة صيغة أمر ، لكنّها غير أمر في الحقيقة ، بل هي (٣) ابتلاء واختبار (٤) كصيغة التهديد ، فإنّها ليست أمرا في الحقيقة.

ويحتمل أن يقال : ما نقل عن بعضهم بأنّه عليه‌السلام كلّما قطع ودجا أوصله الله تعالى إلى آن الذبح ، ويدلّ عليه قول إسماعيل عليه‌السلام : (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) (٥).

[البحث في التكليف]

قال :

مسألة (٦) التكليف إرادة من يجب طاعته على جهة الابتداء ما فيه مشقّة بشرط الإعلام.

أقول :

هذا حدّ التكليف عند المعتزلة (٧) ، فالإرادة كالجنس ، وذكر الإرادة ولم يذكر

__________________

(١) في «ف» : (كانت).

(٢) (إنّه) لم ترد في «د».

(٣) (هي) لم ترد في «س».

(٤) في «ف» : (اختيار).

(٥) المحصول للرازي ٣ : ٣١٤ ، أحكام القرآن لابن العربي ٤ : ٣١ ، الأحكام للآمدي ٣ : ١٢٧ ، تفسير الرازي ٢٦ : ١٥٥ ، تفسير القرطبي ١٥ : ١٠٢ ، فتح القدير ٤ : ٤٠٥ ، بحار الأنوار ١٢ : ١٣٨.

(٦) (مسألة) لم ترد في «ج».

(٧) المغني في أبواب العدل والتوحيد (التكليف) : ٢٩٣.

٤١٥

الأمر والنهي ليدخل فيه التكاليف العقليّة والتقييد بصدورها (١) عمّن يجب طاعته فصل له يخرجه عن إرادة من لا يجب طاعته ، فإنّه لا يسمّى تكليفا ، ويدخل في ذلك طاعة العبد لله تعالى وطاعة الناس للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام (٢) ، وطاعة الولد للوالد ، والعبد للسيّد ، والمنعم عليه للمنعم (٣).

وقولنا : «على جهة الابتداء» فصل آخر فإنّ إرادة أحد هؤلاء لشيء قد سبق عليه لا يكون تكليفا ، فإنّ إرادة الوالد من الولد الصلاة لا تسمّى تكليفا لمّا كانت إرادة الله تعالى سابقة عليه.

وقولنا : «ما فيه مشقّة» احتراز من الأفعال التي لا مشقّة فيها ، فإنّ التكليف مأخوذ من الكلفة ، وهي المشقّة.

وقولنا : «بشرط الإعلام» فصل آخر فإنّ المكلّف إذا لم يعلم بإرادة (٤) المكلّف لا يكون مكلّفا ، ويطلق التكليف على الأفعال الصادرة عن المكلّف على سبيل المجاز.

قال :

وهو حسن لأنّ الله فعله.

أقول :

اتّفقت المعتزلة على حسنه خلافا للبراهمة.

__________________

(١) في «ج» : (بصدورهما).

(٢) في «ب» : (للإمام).

(٣) في «أ» : (على المنعم) بدل من : (للمنعم).

(٤) في «س» : (إرادة).

٤١٦

حجّة المعتزلة : أنّ الله تعالى قد فعله ، والله (١) تعالى لا يفعل القبيح (٢).

وقد احتجّت البراهمة على قولهم بوجوه :

الأوّل : أنّ الجبر (٣) حقّ فالتكليف (٤) باطل ، أمّا الصغرى فلما مرّ ، وأمّا الكبرى فلأنّه قبيح ، والله تعالى لا يفعل القبيح.

الثاني : أنّ التكليف إن وقع حال وقوع الفعل كان تكليفا بتحصيل الحاصل ، وإن كان قبله لزم التكليف بالفعل حالة (٥) عدمه ، وهو جمع بين النقيضين.

الثالث : التكليف (٦) إن وقع حالة (٧) استواء الداعي لزم الترجيح حالة الاستواء ، وإن وقع حالة الرجحان لزم التكليف بالواجب.

الرابع : أنّ التكليف ليس فيه غرض لما (٨) يأتي فيكون (٩) قبيحا.

والجواب عن الأوّل بالطعن في الصغرى على ما مرّ.

وعن الثاني : أنّ التكليف وقع حال عدم الفعل لا بأن يوجد الفعل في حالة العدم ، بل بإيجاد الفعل في ثاني الحال.

__________________

(١) في «أ» : (إنّه).

(٢) المغني في أبواب العدل والتوحيد (التكليف) : ٢٩٣.

(٣) في «ف» : (الخير).

(٤) في «د» : (والتكليف).

(٥) في «ج» «ف» : (حال).

(٦) (التكليف) ليس في «د».

(٧) في «ج» «ف» : (حال) ، وفي «س» زيادة : (عدم).

(٨) في «ج» «ف» : (بما).

(٩) (فيكون) ليس في «ف».

٤١٧

وعن الثالث : أنّ التكليف وقع حالة (١) الاستواء بأن يوقعه حالة الرجحان.

وعن الرابع : أنّ الغرض منه (٢) ما نذكره بعد.

[التكليف من الله لغرض أو لا لغرض؟]

قال :

وجهة الحسن التعريض للنفع ، ولا يصحّ من دونه ، وإلّا فعبث.

أقول :

تكليف الله تعالى إمّا أن يكون لغرض أو لا لغرض والثاني عبث يستحيل صدوره عن الله تعالى ، والأوّل إمّا أن يكون عائدا إليه أو إلى غيره ؛ والأوّل محال ، لأنّ الغرض العائد إليه إمّا جلب نفع أو دفع ضرر ، وكلاهما مستحيل في حقّ (٣) واجب الوجود ، والثاني إمّا أن يكون عائدا إلى المكلّف أو إلى غيره ، والثاني محال لأنّ تعذيب الشخص لنفع الغير (٤) قبيح ، والأوّل إمّا أن يكون جلب نفع أو دفع ضرر ، أو التعريض للنفع ، والأوّل باطل بتكليف الكافر ، فيتعيّن الثاني فإمّا أن يكون الابتداء (٥) به ممكنا في الحكمة أو لا ، والأوّل محال وإلّا لكان توسّط التكليف قبيحا ، والثاني هو المطلوب ، وهذا النفع هو الثواب ، وهو عبارة عن النفع المستحقّ

__________________

(١) في «ج» «ر» «ف» : (حال).

(٢) في «أ» : (فيه).

(٣) (حق) سقطت من «د».

(٤) في «د» : (غيره).

(٥) من قوله : (جلب نفع) إلى هنا سقط من «د».

٤١٨

المقارن للتعظيم والإجلال (١) ويدعون العلم الضروريّ بأنّ الابتداء بمثل هذا قبيح.

قال :

سؤال : الغرض إن كان قديما لزم القدم ، وإن كان حادثا تسلسل.

جواب :

الأغراض تنقطع ، سؤال : الغرض بالنسبة إليه سواء وإلّا افتقر. جواب : نفع الغير يعلم قطعا صلوحه للغرضيّة.

أقول :

هذان سؤالان للأشاعرة ، وتقريرهما أن نقول : الغرض إمّا أن يكون قديما أو محدثا ، والأوّل باطل ، وإلّا لزم أن تكون (٢) أفعال الله تعالى قديمة ، وهو محال ، والثاني باطل ، لأنّ كلّ محدث لا بدّ فيه من غرض وإلّا كان عبثا ويتسلسل (٣).

والجواب عن هذا أن نقول : التسلسل ممنوع ، فإنّ الغرض (٤) هو عبارة عن الأمر الذي لأجله فعل الفعل وجاز أن يكون بعض الأشياء تفعل لذواتها.

الثاني : قالوا : الغرض بالنسبة إليه على السويّة ، وإلّا لكان الله تعالى ناقصا مستكملا بذلك الغرض ، وإذا كان فعله وتركه بالسويّة لم يكن غرضا (٥).

والجواب أن نقول : لا نسلّم أنّه لمّا استوى وجوده وعدمه بالنسبة إليه لم يكن

__________________

(١) في «د» : (والتبجيل).

(٢) (أن تكون) ليست في «ف».

(٣) انظر التفسير الكبير للفخر الرازي ١٧ : ١١ وحكاه عنهم المصنّف في نهج الحق وكشف الصدق : ٨٩.

(٤) من قوله : (إلّا كان) إلى هنا سقط من «ف».

(٥) انظر التفسير الكبير للفخر الرازي ١٧ : ١١ ، وحكاه عنهم المصنّف في نهج الحق وكشف الصدق : ٨٩.

٤١٩

غرضا فإنّ (١) نفع الغير صالح لأن يكون غرضا للحكيم وإن لم ينتفع به.

قال : وهو واجب وإلّا لكان مغريا بالقبيح للطلب الطبيعي له فلا بدّ له من زاجر.

أقول : ذهبت المعتزلة إلى أنّ التكليف واجب على الله تعالى خلافا للأشاعرة ، واستدلّوا على ذلك بأنّه لو لم يكلّف من كملت شرائط التكليف فيه لزم الإغراء بالقبيح ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله.

بيان الشرطيّة : أنّه إذا خلق شخصا (٢) وأكمل (٣) عقله وركّب فيه الشهوة الطبيعيّة وعرف أنّه غير مكلّف أقدم على فعل القبائح وترك الحسن ، فلو لم يقرّر في عقله وجوب الواجب وقبح القبيح وإلّا لكان مغريا له بالقبيح.

وأمّا بطلان التالي فلأنّ الإغراء بالقبيح قبيح (٤).

لا يقال : إنّ العاقل يعلم بمقتضى عقله حسن الحسن ومدح العقلاء على فعله (٥) ، وقبح القبيح وذمّ العقلاء على فعله ، والمدح داع إلى الفعل ، والذمّ صارف عنه ، فلا يلزم من عدم التكليف الإغراء بالقبيح.

لأنّا نقول : العلم بالمدح وبالذمّ (٦) غير كاف في الفعل والترك ، فإنّ العقلاء

__________________

(١) في «د» : (لأنّ).

(٢) في «ج» : (شيئا).

(٣) في «ف» : (كمل).

(٤) المغني في أبواب العدل والتوحيد (التكليف) : ٤٠٨ ، وانظر قواعد المرام في علم الكلام لابن ميثم البحراني : ١١٥.

(٥) قوله : (ومدح العقلاء على فعله) لم يرد في «س».

(٦) في «ب» «ر» «ف» : (والذمّ).

٤٢٠