الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: عبدالحليم عوض الحلّي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-397-218-3
الصفحات: ٦٤٤
الوجود فهو باطل لما (١) بيّنّا من الوحدة ، وإن عنيتم بها معاني قائمة بذات الله تعالى هي (٢) الوجود والعلم والحياة فهذا قد يمكن تسليمه لكم ، وتكون المنازعة معهم كالمنازعة مع أصحاب المعاني ، وإن عنيتم بها أسماء غير دالّة على امور ، زائدة على الذات فلا مشاحّة في ذلك إلّا من حيث الإذن الشرعي.
[في الواحد والكثير]
قال :
تتمّة (٣) : الواحد منه ما هو بالذات ومنه ما هو بالعرض.
أقول :
الواحد هو الشيء الذي لا ينقسم ، فإن لم يكن منقسما من جهة اخرى فهو الواحد على الإطلاق ، وهو إمّا أن يكون نفس هذا المعنى وهو الواحدة (٤) أو أمرا يقارنه هذا المعنى ، فإن لم يكن ذا وضع فهو المجرّد ، وإلّا فهو النقطة ، وإن انقسم من غير هذه الجهة ، فجهة الكثرة مغايرة لجهة الوحدة ، فجهة الوحدة إن كانت مقوّمة للاخرى فهي الوحدة بالجنس ، وتتفاوت بتفاوت الأجناس قربا وبعدا ، وإن (٥) كانت عارضة فهي الوحدة بالعرض كاقتران شيئين في موضوع (٦) ، كقولنا : إنّ
__________________
(١) في «ف» : (كما).
(٢) في «د» : (هو).
(٣) (تتمّة) ليس في «ف».
(٤) في «أ» «ف» : (الواحدة) بدل من : (الوحدة).
(٥) في «ج» «ر» «ف» : (وإذا).
(٦) في «ف» : (موضع).
زيدا وابن (١) عبد الله واحد أو محمول كقولنا : الثلج والقطن واحد ، أي في البياض ، والواحد بالجنس كثير بالنوع ، والواحد بالنوع قد يكون واحدا بالعدد وقد لا يكون ، والواحد بالاتّصال يستدعي الكثرة من جهة اخرى ، والوحدة مقولة بالتشكيك على هذه المعاني.
قال :
ويقابله الكثير (٢) مقابلة التضايف.
أقول :
لا شكّ أنّ بين الواحد والكثير مقابلة بمعنى أنّه يستحيل اجتماعهما في شيء واحد من جهة واحدة ، وأصناف التقابل أربعة ، وليس الموجود منها هنا إلّا تقابل التضايف ، فإنّ الواحد مقوّم للكثير ، فلا يصحّ بينهما التقابل بالسلب والإيجاب ، ولا العدم والملكة ، ولا التضادّ ، فإنّ أحد الضدّين لا يقوّم الآخر.
واعلم أنّه كما لا يصحّ تقوّم أحد الضدّين بالآخر فكذلك لا يصحّ تقوّم أحد المتضايفين بالآخر ، فإذن الحقّ أنّه ليس بينهما تقابل التضايف إلّا بالعرض ، فإنّ الواحد مكيال والكثير مكيل ، والمكيالية والمكيلية متضايفان ، وكان (٣) التقابل العارض (٤) للواحد والكثير من هذه الجهة ، أعني العارضين (٥) لا من حيث الذاتين (٦).
__________________
(١) في «ج» «ر» : (إنّ).
(٢) (الكثير) لم ترد في «د».
(٣) في «ج» «ر» «ف» : (فكان).
(٤) في «د» : (عارض) ، وفي «ف» : (العرض).
(٥) في «د» : (للعارض).
(٦) في «ب» «ج» «د» «ر» «س» «ف» : (الذاتان).
قال :
والكثير إمّا مقابل وأصنافه أربعة ، وإمّا مماثل ، والحقّ أنّه داخل تحت الأوّل ، ومنه مختلف.
أقول :
المتكثّران إمّا (١) أن يكونا متقابلين أو غير متقابلين ، ونعني بالمقابل الذي يستحيل اجتماعه مع الآخر من وجه واحد في وقت واحد في محلّ واحد ، والمتقابلان إمّا أن يكونا وجوديين (٢) أو أحدهما وجوديّا (٣) والآخر عدميّا ، والوجوديان إمّا أن يكون كلّ واحد منهما مصاحبا للآخر في التعقّل والوجود غير منفك عنه وهما المتضايفان ، أو لا يكونا كذلك وهما الضدّان.
والمتضايفان إمّا حقيقيان ، وهما الوصفان اللذان لا يعقل كلّ واحد منهما إلّا بالقياس إلى الآخر ، وإمّا مشهوران ، وهما الذاتان اللتان (٤) عرض لهما هذان الوصفان ، أو مجموع العارض والمعروض.
والضدّان هما اللذان يستحيل اجتماعهما وبينهما غاية الخلاف وبعضهم لم يعتبر هذا القيد ، ومن الضدّين ما يصحّ تعاقبهما ومنه ما لا يصحّ ، وأيضا فقد يصحّ خلوّ المحلّ عنهما وقد لا يصحّ ، ولا يضادّ (٥) إلّا الأنواع ، وهو مستفاد من الاستقراء ، والخير والشرّ (٦) عارضان وأحدهما عدميّ.
__________________
(١) (إمّا) ليس في «ف».
(٢) في «ف» : (وجودين).
(٣) (وجوديّا) ليس في «د».
(٤) في «ج» «س» «ف» : (اللذان).
(٥) في «ب» : (يتضاد).
(٦) في «د» : (والشرّ والخير).
ويشترط في الأنواع دخولها تحت جنس واحد ، ومستنده الاستقراء أيضا ، والشجاعة والتهوّر الداخلتان تحت الفضيلة والرذيلة ليس دخولهما دخول نوع تحت جنس.
وأمّا إن كان أحد المتقابلين وجوديّا والآخر عدميّا فإمّا أن يؤخذ (١) من حيث الضمير ، وهو السلب والإيجاب أو من حيث الاعتبار إلى الموضوع ، وهو العدم والملكة ، وفي حصر التقابل في هذه الأربعة نظر خصوصا عند من يشترط في التضادّ غاية البعد ، وفي العدم إن كان (٢) الثبوت لموضوع معيّن.
وأمّا غير المتقابلين فإمّا أن يكون أحدهما يسدّ مسدّ صاحبه أو لا ، والأوّل (٣) مماثل ، والثاني مخالف.
وقد ذهب قوم إلى أنّ المثلين ضدّان ، قالوا : لأنّهما يستحيل اجتماعهما مع كونهما وجوديين (٤) ، لأنّه لو جاز اجتماعهما لارتفع الامتياز بالذاتيّات واللوازم لوجوب اشتراك المثلين فيهما ، وبالعوارض لأنّهما لمّا اتّحد محلّهما كانت نسبة عروض العارض إلى أحدهما كنسبته إلى الآخر.
قال :
والتقابل من حيث هو تقابل أخصّ من أحد أنواعه ولا بعد.
أقول :
لمّا ذكر أنّ التقابل جنس يندرج تحته أربعة أنواع أحدها المضاف ، وكان التقابل
__________________
(١) في «أ» «ب» «س» : (يوجد).
(٢) في «ر» : (المعدم إمكان) ، وفي «ب» : (العدم إمكان) بدل من : (العدم إن كان).
(٣) في «ر» : (للأوّل).
(٤) في «ف» : (وجودين).
من أنواع المضاف ورد عليه الشكّ (١) ، وذلك (٢) لأنّ التقابل إذا كان جنسا للمضاف كان أعمّ منه ، وهو نوع منه ، فإنّ المقابل من حيث هو مقابل إنّما يعقل بالقياس إلى مقابله فيكون أخصّ منه ، وهذا تضادّ.
وطريق الجواب أن نقول : المقابل أعمّ من المضايف باعتبار ذاته ، فإنّه يصدق على (٣) التضادّ ولا يصدق عليه المضايف ، ومن حيث هو تقابل (٤) ، أعني من حيث هذا الوصف يكون أخصّ منه ، ولا استبعاد في عروض وصف يصير به العام أخصّ من أخصّه أو مساويا كحال جنس الجنس وحدّ الحد.
[إنّ الله تعالى غني]
قال :
ومنها : إنّه غنيّ ، ولم أجد للمتكلّمين دليلا شافيا في ذلك (٥) ، والأولى أن يقال : إنّه لو كان محتاجا فإمّا في ذاته أو في صفاته ، فيكون ممكنا ، والأوّل ظاهر ، والثاني لأنّه لا يوجد إلّا مع أحد الأمرين ؛ أمّا وجود الصفة أو عدمها وكلاهما مفتقر إلى الغير ، فلا يوجد إلّا مع الغير فافتقر.
وقيل : الحاجة إمّا إلى جلب نفع أو دفع ضرر إما (٦) في الذات أو الصفات ،
__________________
(١) في «ر» : (بالشكّ).
(٢) (وذلك) ليست في «ف».
(٣) في «د» : (عليه) بدل من : (على).
(٤) في «أ» «د» : (مقابل).
(٥) انظر الملخّص في أصول الدين للسيّد المرتضى : ١٩٥.
(٦) (إمّا) لم ترد في «ب».
والقسمان (١) باطلان ، أمّا (٢) الأوّلان فلا يجوزان إلّا على ذي المزاج (٣).
وهو ضعيف ، وكذلك جلّ ما قالوا (٤) في هذا الباب.
أقول :
المتكلّمون خبطوا في هذا الباب واضطربوا في الاستدلال عليه بوجوه ضعيفة ، وأقرب ما يمكن أن يقال هنا : إنّه لو كان محتاجا لكانت الحاجة إمّا في ذاته أو في صفاته ؛ والأوّل باطل وإلّا لكان ممكنا ، والثاني باطل أيضا ، لأنّه يستحيل أن يكون موجودا إلّا على تقدير وجود تلك الصفة له أو عدمها ، وهما ممكنان ، فيتوقّف وجوده على وجود الممكن فيكون ممكنا (٥).
وأمّا المشايخ فقد استدلّوا بأنّه لو كان محتاجا في ذاته لزم الإمكان ، فبقي أن يكون محتاجا إلى جلب نفع أو دفع ضرر ، وهما محالان ، لأنّهما إنّما يجوزان على من تجوز عليه الشهوة والنفار ، لأنّ النفع هو عبارة عن اللذّة والسرور (٦) ، والضرر عبارة عن الألم والغم ، وهذه أمور عارضة للأجسام ذوات المزاج.
وهذا الكلام ضعيف كما ترى.
والقاضي عبد الجبّار استدلّ بأنّه لا دليل على الحاجة فيجب نفيها.
وهذا أسقط (٧) من الأوّل.
__________________
(١) في «ف» : (القسيمان).
(٢) في «أ» «ب» «د» : (و) بدل من : (أمّا).
(٣) انظر تقريب المعارف للحلبي : ٥٢.
(٤) في «ر» «ف» : (كلّ ما قالوه) ، وفي «ج» : (كلّ ما قالوا) بدل من : (جلّ ما قالوا).
(٥) انظر تمهيد الأصول للشيخ الطوسي : ٧٩ ، والمسلك في أصول الدين للمحقّق الحلّي : ٥٤ ، تقريب المعارف : ٥٢.
(٦) في «أ» «د» «ر» : (الشرور).
(٧) في «ف» : (سقط).
[صفاته تعالى وجوديّة أم لا؟]
قال :
تتمّة : في الصفات. قال أبو الحسين والفلاسفة : إنّ هذه الصفات ليست وجوديّة ، وقال قوم : إنّها وجوديّة ، وهو الحقّ ، وإلّا لصحّ (١) حملها على المعدوم. احتجّوا بأنّه يكون قابلا و (٢) فاعلا ، جوابه التزامه والطعن في التالي.
أقول :
اختلف الناس في صفات الله تعالى هل هي وجوديّة (٣) أم لا؟ فذهبت الأشعريّة إلى أنّها امور وجوديّة ، وهو مذهب جماعة من المعتزلة ، وعند الفلاسفة وأبي الحسين البصري خلاف ذلك (٤).
و (٥) احتجّ القائلون بالوجود بأنّها لو كانت عدمية لصحّ حملها على المعدوم ، والتالي باطل فالمقدّم مثله.
و (٦) بيان الشرطيّة : أنّ الشيء إذا لم يصدق عليه أحد النقيضين صدق عليه النقيض (٧) الآخر لاستحالة الخروج عنهما (٨) ، فلو لم يصحّ حملها على المعدوم لصحّ
__________________
(١) في «أ» «د» : (والأصح) بدل من : (وإلّا لصحّ).
(٢) الواو لم ترد في «س» «د».
(٣) في «ج» «ر» : (موجودة) ، وفي «ف» : (وجوده).
(٤) حكاه في فتح الباري ١١ : ٨٨ وج ٤٥٣ عن الكرماني.
(٥) (الواو) من «ج» «ر».
(٦) (الواو) من «أ».
(٧) في «ف» : (نقيض).
(٨) في «ف» : (عنها).
حمل نقيضها الوجوديّ عليه ، هذا خلف ، وأمّا بطلان التالي (١) فظاهر.
وهذا الوجه عندي ضعيف :
أمّا أوّلا : فلأنّه مبني (٢) على أن نقيض العدمي يجب أن يكون وجوديّا ، وهو باطل بالامتناع ، واللاامتناع (٣) وبالممكن (٤) ، فإنّه عدميّ ، مع أنّ نقيضه وهو الممكن (٥) كذلك.
وأمّا ثانيا : فلأنّ الشيء إذا كان عدميّا لا يجب صدقه على العدمي كالوجوب.
و (٦) احتجّ القائلون بأنّها عدميّة بأنّها لو كانت موجودة لكانت إمّا واجبة الوجود أو ممكنة الوجود ؛ والأوّل باطل :
أمّا أوّلا : فلاستحالة تعدّد الواجب.
وأمّا ثانيا : فلكونها (٧) صفات مفتقرة إلى الذات.
والثاني باطل ، لأنّ المؤثّر فيها لا يجوز أن يكون غير الله تعالى ، وإلّا لزم الدور ، ولا الله تعالى بالقدرة كذلك (٨) أيضا (٩) بل (١٠) على سبيل الوجوب فيكون قابلا وفاعلا.
__________________
(١) في «ر» : (الثالث).
(٢) في «أ» : (يبتني).
(٣) في «د» : (والامتناع).
(٤) في «ب» «ر» «س» «ف» : (وبالإمكان) ، وفي «د» : (والإمكان).
(٥) في «ب» «د» : (الإمكان).
(٦) الواو لم ترد في «ب» «ج» «س».
(٧) في «ف» : (فكونها).
(٨) في «ج» «ر» : (لذلك).
(٩) (أيضا) لم ترد في «ج».
(١٠) (بل) لم ترد في «د» «س».
وهذا أيضا ضعيف ، فإنّا نمنع استحالة كون البسيط قابلا وفاعلا ، وقد مضى.
[صفاته تعالى زائدة على ذاته أم لا؟]
قال :
وهي زائدة خلافا لهم أيضا لأنّا نعقل الذات ونشكّ في الصفات ، ونعقل واحدة ونشكّ في اخرى ، والفرق (١) بين التصوّر والتصديق بها ، ولأنّه يلزم اتّحاد الصفات.
أقول :
اختلف الناس في أنّ صفات الله تعالى هل هي زائدة على ذاته أم لا؟ فذهب إلى الزيادة جماعة الأشاعرة وآخرون من المعتزلة (٢) ، ونفاه الباقون منهم والفلاسفة (٣).
والحقّ عندي أنّ هذه الصفات امور زائدة على ذاته في التعقّل ، وأمّا في الخارج فلا.
احتجّ القائلون بالزيادة بوجوه :
الأوّل : أنّا نعقل ذات الله تعالى ونشكّ في هذه الصفات ، والمعلوم (٤) مغاير لما ليس بمعلوم.
الثاني : أنّا نعقل القادر ونشكّ في كونه عالما فلو كانت هذه الصفات نفس الذات
__________________
(١) في «ب» «ف» : (للفرق).
(٢) مثل التفتازاني في شرح المقاصد ٢ : ٧٢ ، وحكاه أبو الفرج في كتاب دفع شبه التشبيه : ١١٧ عن القاضي أبي يعلى ، ونسبه للأشاعرة في المواقف ١ : ٤٣٧ وج ٣ : ٦٨ ، شرح المواقف ٨ : ٤٥.
(٣) حكاه عنهم التفتازاني في شرح المقاصد ٢ : ٧٢ ، وانظر شرح نهج البلاغة ٩ : ١٥١ ، شرح المواقف ٨ : ٤٥ ، وانظر قواعد المرام : ٨٧.
(٤) في «ف» : (العلوم).
استحال الشكّ في بعضها مع العلم بالآخر (١).
و (٢) الثالث : أنّا نفرّق بين أن نقول : ذات الله تعالى ، وبين أن نقول : ذات الله تعالى قادرة.
الرابع : أنّها لو كانت نفس الذات لكانت القدرة هي العلم وهي الحياة ، وهذا باطل بالضرورة.
وهذه الوجوه بأسرها ضعيفة ، فإنّها إنّما تدلّ على الزيادة ذهنا ، واعتبر هذا بقولنا : شريك الباري تعالى ، فإنّه معلوم وامتناعه مشكوك فيه إلّا بالدليل ، ويفرق بين قولنا : شريك الباري تعالى وبين قولنا : شريك الباري ممتنع.
والوجه الرابع ضعيف لأنّا نقول : إنّ المعلوم أنّ القدرة تعقّلها مغاير لتعقل (٣) العلم لا أنّ للقدرة وجودا ، وللعلم (٤) وجودا آخر.
قال :
احتجّوا بأنّه يلزم احتياجه في العلم إلى علم (٥) ، ولأنّه يلزم قدماء كثيرة. جوابه : أنّا (٦) لا ندّعي زيادة على العلم حتّى يكون محتاجا فيه إلى غيره ، ونجوّز قدماء لا ذوات بل ذات (٧) وصفات ، وبعض الناس أثبت ثلاثة امور : الذات
__________________
(١) في «أ» : (بالأخرى).
(٢) الواو ليست في «ف».
(٣) في «ب» : (لتعلّق).
(٤) في «د» : (العلم).
(٥) في «ف» : (عالم).
(٦) في «ب» «د» «س» : (إنّه).
(٧) في «د» : (ذوات).
والتعلّق والقدرة (١) ، وأنا أثبتّه في العلم وأتوقّف في الباقي.
أقول :
احتجّ القائلون بعدم الزيادة بوجهين :
الأوّل : أنّه يلزم من ذلك افتقار واجب الوجود إلى الغير ، لأنّه إنّما يكون عالما بالعلم وقادرا بالقدرة ، وذلك محال.
الثاني : أنّه يلزم منه إثبات قدماء كثيرة.
والجواب عن الأوّل : أنّا لا نثبت شيئا غير ذات الله تعالى وكونه عالما ، ولا يفتقر الله تعالى في هذا الوصف إلى العلم (٢) الذي يذهب (٣) إليه الأشاعرة ، أعني المعاني التي هي القدرة والعلم والحياة والوجود وغير ذلك ، القائمة بذات الله تعالى.
وعن الثاني : أنّا نجوّز قدم الذات وصفات لا قدم ذوات.
والحقّ عندي خلاف هذا.
وأمّا الأشعريّة فقد أثبتوا امورا ثلاثة : القدرة والذات القادرة (٤) والنسبة التي هي التعلّق بين القادر والمقدور ، وكذلك في بقيّة الصفات ، وسمّوا ذلك التعلّق بالعالميّة والقادريّة ، وهي أحوال صادرة عن العلم والقدرة وهي المعاني ، هذا مذهب أكثرهم (٥).
وذهب جماعة يسيرة منهم إلى أنّ القدرة هي القادريّة ، وأنّ العلم هو العالميّة ،
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٩ : ١٩٦.
(٢) في «ف» : (العالم).
(٣) في «س» : (ذهب).
(٤) في «ف» : (والقادرة).
(٥) تفسير الرازي ٢٩ : ١٩٦.
وهؤلاء هم نفاة الأحوال منهم ، وهذا هو (١) مذهب الجبائين إلّا أنّ أبا علي وأبا هاشم قالا : لا نسمّي (٢) هذا الزائد قدرة وعلما بل قادريّة وعالميّة ، ثمّ إنّ أبا هاشم جعلها غير معلومة لكونها حالا ، وأبو علي ذهب إلى أنّها معلومة (٣).
واعلم أنّ الأقوى ثبوت ثلاثة امور في جانب العلم لما بيّنّا من أنّه يلزم من عدم المعلوم عدم التعلّق ، فلو لم يثبت (٤) أمرا آخر هو العلم لزم تطرّق التغيّر إلى علم واجب الوجود ، وإن كان هذا القول لا يخلو عن ضعف.
[خواص واجب الوجود]
قال :
وأمّا الخواصّ فأن (٥) لا يجب بغيره وبذاته وإلّا فمع عدم الغير (٦) يجب عدمه ووجوده.
أقول :
يريد خواصّ واجب الوجود التي تلزمه لمفهوم كونه واجب الوجود ، فمنها : أنّه لا يجب بذاته وبغيره معا ، لأنّ ما يجب بغيره يجب عدمه عند عدم ذلك الغير (٧) ، لما
__________________
(١) (هو) ليس في «ف».
(٢) في «س» : (يسمى).
(٣) حكاه في شرح المقاصد ١ : ١٢٩.
(٤) في «ج» «ر» : (نثبت).
(٥) في «ب» : (فإنّه).
(٦) في «د» : (التغيّر).
(٧) (الغير) لم ترد في «س».
بيّنّا من أنّ عدم العلّة (١) علّة العدم ، ويجب وجوده بالنظر إلى ذاته ، هذا خلف.
قال :
فلا يتركّب عن غيره.
أقول :
هذه خاصيّة (٢) اخرى لواجب الوجود لازمة من الخاصيّة (٣) الاولى لأنّه لو تركّب عن غيره لكان واجبا بغيره أعني أجزاءه ، وهو واجب بذاته ، هذا خلف.
قال :
ولا يشارك الممكن في الوجوب لأنّ المشترك إن استغنى لم يكن تمام (٤) الوجوب بالغير عارضا وإلّا أمكن الواجب.
أقول :
هذه خاصيّة ثالثة ، وهي أنّ الوجوب ليس مفهوما مشتركا بين الواجب بالذات والواجب بالغير ، والدليل على ذلك أنّ المشترك إن استغنى عن الغير لم يكن الوجوب بالغير محتاجا ، هذا خلف ، وإن افتقر كان الواجب بالذات مفتقرا ، وأيضا يلزم أن يكون كلّ واحد منهما مركّبا.
والوجه الأوّل عندي ضعيف ، فإنّه لا يلزم من استغناء الجزء استغناء المركّب ، واستدلّ على نقيضه بأنّا نقسّم الواجب إلى الواجب بالذات وإلى الواجب بالغير ، ومورد التقسيم مشترك.
__________________
(١) في «د» : (العلم).
(٢) في «ب» «د» : (خاصّة).
(٣) في «د» «ر» : (الخاصّة).
(٤) في «ر» «س» : (تام).
قال :
ولا يتركّب منه غيره لعدم علاقته به ؛ وفيه نظر.
أقول :
هذه خاصيّة رابعة للواجب ، وهو (١) أنّه لا يتركّب منه غيره. فقيل : لأنّه لا علاقة له بالغير.
وهذا ضعيف لأنّ العلاقة إن عنى بها علاقة الانفعال والامتزاج فهو محال في حقّه تعالى ، ولكن لا نسلّم أنّه يلزم من تركّبه مع غيره هذا النوع من الانفعال.
واعلم أنّ عدم تركّب غيره منه ظاهر غنيّ عن البيان ، فإنّ التركيب إمّا أن يكون خارجيّا (٢) فلا يكون إلّا مع الانفعال ، وإمّا أن يكون ذهنيّا ؛ وهو إنّما يكون بين الأجناس والفصول ، وواجب الوجود ليس أحدهما.
قال :
ووجوبه ليس بزائد وإلّا تسلسل أو كان الواجب أولى بالإمكان.
أقول :
هذه خاصيّة خامسة لواجب الوجود ، و (٣) هي أنّ (٤) وجوبه أمر ذهنيّ واعتبار عقليّ ليس في الخارج شيئا ثابتا (٥) موجودا ، ويدلّ عليه أنّه لو كان موجودا في الخارج لكان إمّا أن يكون واجب الوجود أو ممكن الوجود ؛ والأوّل باطل :
__________________
(١) في «ج» «ر» «ف» : (وهي).
(٢) في «س» : (خارجا).
(٣) الواو ليس في «د» «س».
(٤) (أنّ) ليست في «ف».
(٥) في «ف» : (ثانيا).
أمّا أوّلا : فلاستحالة التعدّد في الواجب.
وأمّا ثانيا : فلأنّه يلزم التسلسل.
وأمّا ثالثا : فلأنّه صفة لا تعقل قيامه بانفراده.
والثاني باطل لأنّه إذا كان الوجوب ممكن الوجود أمكن زواله ، والواجب إنّما هو واجب (١) باعتبار هذا الوجوب ، فعلى تقدير زواله يخرج الواجب عن كونه واجبا.
لا يقال : الذهني إن طابق الخارجي لزم المحال وإلّا فلا عبرة به لأنّه يكون جهلا.
لأنّا نقول : الجهل هو الحكم على الذهني بمطابقته لما (٢) في الخارج ، مع أنّه ليس كذلك ، ليس الحصول الذهني لا غير.
قال :
وواجب الوجود من جميع جهاته وإلّا افتقر إلى مؤثّر بالنظر إلى بعضها.
أقول :
هذه خاصيّة سادسة لواجب الوجود ، وهي أنّه واجب من جميع جهاته ، أعني من حيث القدرة والعلم والحياة (٣) والإرادة وغير ذلك من الصفات الحقيقيّة وهو ظاهر.
__________________
(١) (واجب) لم يرد في «س».
(٢) في «ج» : (بمطابقة ما) ، وفي «د» : (مطابقته ما) ، وفي «ر» «ف» : (مطابقة ما) بدل من : (بمطابقته لما).
(٣) في «أ» «ج» «ر» «ف» زيادة : (والوجود).
|
قال : الباب الرابع : في العدل |
[التحسين والتقبيح العقليان]
وفيه مسائل :
مسألة (١) : التحسين والتقبيح عقليان لما يعلم من قبح الظلم ضرورة لا شرعا لعلم البراهمة (٢) ، ولأنّه يرتفع الوعد والوعيد ، ويلزم تكذيب (٣) النبيّ وتصديق مسيلمة.
أقول :
لمّا فرغ من الدلالة على وجود واجب الوجود وعلى ثبوت صفاته شرع في كيفيّة أفعاله ، وأنّه تعالى عادل ، بمعنى أنّه لا يفعل القبيح ولا يخلّ بالواجب ، وقبل ذلك ذكر البحث في الحسن والقبح.
واعلم (٤) أنّ الفعل إمّا أن لا يكون له صفة زائدة على حدوثه وإمّا أن يكون ، والأوّل : مثل حركة الساهي وكلام النائم ، والثاني : إمّا أن يكون لفاعله أن يفعله وهو الحسن أو لا يكون وهو القبيح؟ والحسن إمّا أن يكون (٥) له صفة زائدة على
__________________
(١) (مسألة) لم ترد في «س».
(٢) هم جماعة أنكروا ضرورة بعثة الأنبياء مكتفين بالعقل.
(٣) في «ف» : (تكذّب).
(٤) في «ر» «س» : (فاعلم).
(٥) (يكون) سقطت من «د».
حسنه أو لا (١)؟ والثاني المباح ، والأوّل : الواجب والمندوب ، والقبيح هو ما يتعلّق الذمّ بفعله فهو الحرام لا غير.
وقد اختلف الناس في أنّ الأشياء هل هي حسنة أو قبيحة بهذا المعنى عقلا أم لا؟ فذهبت المعتزلة إلى ذلك ، وزعموا أنّ العلم بقبح الظلم وبحسن (٢) ردّ الوديعة والصدق (٣) ضروريّ (٤).
والأشاعرة أنكروا ذلك وقالوا : إنّ الحسن هو الذي أمرنا الشارع بفعله والقبيح هو الذي نهانا عنه (٥).
وأمّا الفلاسفة فقالوا : إنّ العلم بقبح بعض (٦) الأشياء وحسنها (٧) مستفاد من العقل العملي من حيث إنّ كمال النوع إنّما يتمّ بهذه الامور ، وليس حاصلا من العقل النظري كالعلم بكون الكلّ أعظم من الجزء ، وغير ذلك من القضايا العقليّة.
وقد احتجّت المعتزلة على مذهبهم بوجوه :
الأوّل : ما ذكره أبو الحسين فقال : ينبغي أن نبحث أوّلا : في العلم بقبح بعض
__________________
(١) في «أ» زيادة : (يكون).
(٢) في «ف» : (حسن).
(٣) (والصدق) ليس في «س».
(٤) المغني في أبواب التوحيد والعدل (التعديل والتجوير) : ١٨ ، وحكاه عنهم الفخر الرازي في المحصل : ٤٧٩.
(٥) الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ : ٩٨ ، الإرشاد للجويني : ٢٢٨ و ٢٣٤ ، نهاية الإقدام في علم الكلام : ٣٧٠ ، الأربعين في أصول الدين للفخر الرازي ١ : ٣٤٦ ، وانظر شرح المقاصد ٤ : ٢٨٢ ، وحكاه عنهم المصنّف في مناهج اليقين في أصول الدين : ٣٥٨ ، وفي طبعة (تحقيق الأنصاري القمي) : ٢٣٠.
(٦) (بعض) لم ترد في «س».
(٧) في «ج» «س» : (وبحسنها).