معارج الفهم في شرح النظم

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

معارج الفهم في شرح النظم

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: عبدالحليم عوض الحلّي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-397-218-3
الصفحات: ٦٤٤

والدليل على ذلك أنّ الحلول لا يعقل إلّا مع حاجة الحالّ إلى المحلّ ، فلو كان الله تعالى حالّا في الغير لزم احتياجه إليه فيكون (١) ممكنا لا واجبا ، هذا خلف (٢).

[الله ليس محلا للحوادث]

قال :

ومنها (٣) : أنّه ليس بمحلّ للحوادث لأنّ صفاته صفات كمال اتّفاقا ، فلا يعدم وإلّا نقص ، ولأنّه قابل لها وقابليّته تفتقر إلى مقبول ، وهو الحادث (٤) فيكون أزليّا ، وفيهما إشكال ، والمعتمد السمع.

أقول :

ذهبت الكرامية إلى أنّه تعالى يصحّ أن يكون محلّا للحوادث (٥) ، وأنكره الباقون ، واحتجّ المنكرون بوجوه :

الأوّل : أنّ صفات الله تعالى صفات كمال ، فيستحيل خلوّ الله تعالى منها ، والمقدّمتان متّفق عليهما ، فلو كانت صفاته حادثة لزم خلوّ ذاته عن الكمال ، وهو محال.

الثاني : أنّه لو كان قابلا للحوادث لجاز كون الحادث أزليّا ، والتالي باطل فالمقدّم مثله ، بيان الشرطيّة : أنّ قابليّته إمّا أن تكون لازمة لذاته أو عارضة ، والتالي

__________________

(١) في «ب» «ج» : (ويكون).

(٢) انظر كتاب المحصّل : ٣٦١ ، تلخيص المحصّل : ٢٦٠.

(٣) في «د» : (فمنها).

(٤) في «أ» : (الحوادث) ، وفي «س» : (الحاجة).

(٥) الفرق بين الفرق للاسفرائيني البغدادي : ١٧٣.

٣٦١

باطل لأنّه يلزم منه التسلسل ، فإذا كانت القابليّة لازمة افتقرت إلى مقبول لكونها نسبة بين القابل والمقبول ، ولأنّا نعلم بالضرورة أنّ قابليّة اتّصاف الذات بصفة موقوف على قبول تلك الصفة للوجود (١) ، فإذا كانت القابليّة أزليّة لزم جواز كون المقبول الذي هو الحادث أزليّا ، وأمّا بطلان التالي فلاستحالة الجمع بين النقيضين.

الثالث : السمع (٢).

والوجهان الأوّلان عندي ضعيفان :

أمّا الأوّل : فلأنّ الكمال والنقصان خطابيّ لا مدخل له في العلميّات ، و (٣) لأنّه لا بدّ فيه من الإجماع المتوقّف على السمع فليستدلّ بالسمع ، وأيضا (٤) فلم لا يجوز أن يكون لله تعالى كمالان يستحيل اجتماعهما والخلوّ عنهما فيتّصف بأحد (٥) الكمالين في وقت ، وبالكمال الآخر (٦) في وقت آخر.

وأمّا الثاني فضعيف :

أمّا أوّلا : فلأنّ القابليّة من الصفات الاعتباريّة يعتبرها العقل ، ومعنى كونها لازمة للذات تعقّلها (٧) عند تعقّل الذات ، وذلك لا (٨) يستلزم قدمها ، وإذا كانت عارضة افتقرت إلى قابليّة اخرى يعتبرها العقل وتنقطع بانقطاع الاعتبار العقلي.

__________________

(١) في «ف» : (الموجود).

(٢) انظر تلخيص المحصّل : ٢٦٤ ، مناهج اليقين : ٣٢٤ ، وفي طبعة الأنصاري القمي : ٢٠٦.

(٣) (و) لم ترد في «ف».

(٤) في «ف» : (فالمستدلّ بالسمع أيضا) بدل من : (فليستدلّ بالسمع وأيضا).

(٥) في «ب» «ج» «ر» «ف» : (بإحدى).

(٦) في «ف» : (الأخرى).

(٧) في «ف» : (تعلّقها).

(٨) (لا) سقطت من «ف».

٣٦٢

وأمّا ثانيا : فلأنّ صحّة اتّصاف الذات بصفة لا يتوقّف على وجود تلك الصفة وهو ظاهر ، ولا على صحّة تلك الصفة على الإطلاق فإنّ (١) صحّة صدور الفعل من القادر لا يستلزم صحّة الفعل مطلقا ، بل يجوز أن يمتنع الفعل لأمر يرجع إلى القابل (٢) ، ولا يؤثّر ذلك في تلك الصحّة.

وأمّا ثالثا : فلأنّا نجوّز (٣) صحّة كون الحادث أزليّا ، وإلّا لكان (٤) إمّا واجبا أو ممتنعا ، ويلزم من الأوّل القدم ، ومن الثاني استحالة إيجاده في ما لا يزال.

واحتجّ المجوّزون بأنّه تعالى لم يكن قادرا على إيجاد العالم في الأزل ثمّ صار قادرا ، وكذلك لم يكن عالما بوجوده في الأزل ثمّ صار عالما ، وكذلك لم يكن مدركا ثمّ صار مدركا.

والجواب : أنّ القدرة والعلم قديمان على ما مرّ ومتعلّقهما حادث ، وكذلك التعلّق الذي هو الإضافة بين الصفات والمقدور والمعلوم وكذلك القول في الإدراك.

[الله تعالى لا يتّحد بغيره]

قال :

ومنها : أنّه لا يتّحد بغيره ، لأنّ مع الاتّحاد إن بقيا (٥) فاثنان (٦) ، وإن عدما

__________________

(١) في «ج» «ر» «ف» : (فلأنّ).

(٢) في «د» «ر» «س» «ف» : (العائق).

(٣) في «أ» «س» : (فلا يجوز).

(٤) في «د» : (كان).

(٥) (إن بقيا) ليس في «ف».

(٦) في «أ» «ج» : (بقيتا فاثنتان) بدل من : (بقيا فاثنان).

٣٦٣

و (١) وجد آخر أو عدم أحدهما فلا اتّحاد ، بل هو استئناف موجود وعدم آخر.

أقول :

الاتّحاد يطلق بحسب المجاز على صيرورة شيء شيئا آخر بحسب الاستحالة ، والكون (٢) ، كما نقول : صار الأسود أبيضا ، والهواء ماء ، وبحسب التركيب بأن ينضاف إلى الصائر شيء آخر يحدث الكائن منهما كما نقول : صار التراب طينا. ويقال (٣) بحسب الحقيقة لا على هذين المعنيين ، بل على أنّ شيئا واحدا بعينه صار شيئا آخر بعينه (٤).

وهذا غير معقول ، وقد ذهب إليه في حقّ الله تعالى النصارى فإنّهم قالوا باتّحاد (٥) الأقانيم الثلاثة : اقنوم الأب واقنوم الابن واقنوم روح القدس (٦) ، وذهب إليه فرفوريوس (٧) فإنّه قال : إنّ الله تعالى إذا عقل شيئا اتّحدت ذاته بذلك الشيء المعقول (٨) ، ووافقه على ذلك جماعة من الأوائل غير محقّقين (٩) ، وردّ ابن سينا

__________________

(١) الواو ليست في «ف».

(٢) في «ج» «د» «ر» «ف» : (اللون).

(٣) (ويقال) ليست في «ف».

(٤) انظر الكليات : ١١ ، مفتاح الباب : ١٣٤ ، النافع يوم الحشر : ٢١ ، شرح المصطلحات الكلاميّة : ٤.

(٥) في «س» : (بايجاد) ، وفي «ف» : (بالاتحاد).

(٦) حكاه عن النصارى الخواجة نصير الدين الطوسي في تلخيص المحصّل : ٢٦٠ ، وانظر اللوامع الإلهيّة للفاضل المقداد : ١٥٧ ، وكتاب المبدأ والمعاد من إلهيّات الشفاء : ١٣٥ ، ومناهج اليقين : ٣٢٣ ، وفي الطبعة الأخرى : ٢٠٥.

(٧) فرفوريوس : من حكماء اليونان ، وقد كان على منهج أرسطو في غالب نظريّاته وقد شرح كلام أرسطو ، وقد عمل كتابا في نظريّة اتّحاد العاقل والمعقول (الملل والنحل للشهرستاني ٢ : ١٥٥ ، شرح الإشارات ٣ : ٢٩٥).

(٨) نسبه إليه في شوارق الإلهام : ٥١٦ ، وحكاه عنه الخواجة نصير في تلخيص المحصّل : ٢٦٠.

(٩) انظر الحكمة المتعالية للملّا صدرا ٦ : ١٨١.

٣٦٤

عليهم في كتبه ، ونصر هذه المقالة في كتاب المبدأ والمعاد (١).

وإبطال هذا المذهب وإن كان قريبا من الوضوح إلّا أنّ التنبيه عليه هو أنّ نقول : لو اتّحدت الذاتان فبعد (٢) الاتّحاد إن بقيتا فهما اثنان (٣) فلا اتّحاد ، وإن عدمتا ووجد شيء ثالث فليس باتّحاد ، بل إعدام لشيء (٤) وإيجاد لآخر ، وإن عدم أحدهما وبقي الآخر فلا اتّحاد أيضا ، بل هو إعدام لشيء (٥).

وأمّا نفي الاتّحاد (٦) بالمعنى المجازي عنه تعالى فإنّه ظاهر لاستحالة انفعاله بالاستحالة والتركيب.

[ذات الباري تعالى مخالفة لغيرها من الذوات]

قال :

ومنها : مخالفته للكلّ بذاته خلافا لأبي علي وأبي هاشم ، وإلّا لتركّب ، ولأنّ الاتّفاق في الذوات ملزوم الاتّفاق في الصفات اللازمة فلا اختلاف.

احتجّوا بأنّ الذوات (٧) مشتركة للتقسيم ومختلفة بما عداها.

جوابه : الذوات إن عني بها الحقائق فليست بمشتركة ، وإن عني بها (٨) الشيئيّة فعارضة.

__________________

(١) المبدأ والمعاد : ١٣٥.

(٢) في «س» : (فعند).

(٣) في «ج» «د» «ر» : (اثنتان).

(٤) في «ف» : (الشيء).

(٥) في «ف» : (أعدم الشيء) بدل من : (إعدام الشيء).

(٦) في «أ» : (الإيجاد).

(٧) في «ف» : (واحتجوا بأنّ الذات) بدل من : (احتجوا بأنّ الذوات).

(٨) (بها) لم ترد في «ب».

٣٦٥

أقول : ذهب أبو هاشم إلى أنّ ذات الله تعالى مساوية لغيرها من الذوات ، وإنّما تمتاز عنها بحالة خامسة توجب أحوالا أربعة (١) هي القادريّة ، والعالميّة ، والموجوديّة ، والحيية (٢). ونقل عن أبي علي أنّ ذاته مساوية للذوات ، وإنّما تمتاز عنها بالمبائنة (٣).

والحقّ خلاف هذا ، ويدلّ عليه وجوه :

الأوّل : أنّه لو كان مساويا لغيره ، فإمّا أن يكون مخالفا له أو لا؟ والثاني باطل وإلّا لكانا (٤) واحدا ، وإن كان الأوّل فما به المخالفة إن كان مقوّما لزم التركيب ، وإن كان خارجا فإمّا أن يكون مساويا لذاته تعالى أو مخالفا ، وعلى التقدير الأوّل يلزم التسلسل ، وإن كان مخالفا لذاته بالذات فهو أولى بالذاتيّة.

الثاني : أنّ الذاتين المتساويّتين يجب (٥) اشتراكهما في اللوازم ، فلو ساوت ذات الله تعالى غيرها لزم انقلاب القديم محدثا ، والمحدث قديما ، والواجب ممكنا ، والممكن واجبا.

__________________

(١) في «ب» زيادة : (و).

(٢) حكاه عن أبي هاشم الفخر الرازي في كتاب المحصّل : ٣٥٧ ، والخواجة نصير في تلخيص المحصّل : ٢٥٧.

(٣) حكاه عن أبي علي سينا الفخر الرازي في كتاب المحصّل : ٣٥٧ حيث قال : .. وخلافا لأبي علي سينا حيث زعم أنّ ماهيّته نفس الوجود والوجود مسمّى مشترك فيه بين كلّ الموجودات ، وزعم أنّه إنّما امتاز عن الممكنات بقيد سلبي ، وهو أنّ وجوده غير عارض لشيء من الماهيّات ، وسائر الوجودات عارضة لها ، وحكاه أيضا عن ابن سينا في تلخيص المحصّل : ٢٥٧.

(٤) في «ج» «ر» «ف» : (لكان).

(٥) في «ف» : (بحسب).

٣٦٦

الثالث : أنّ الذاتين متساويتان فلا اختصاص لإحديهما بما يوجب الاختلاف دون الاخرى.

الرابع : ما به المخالفة إن كان متساويا فلا اختلاف ، وإن كان مختلفا بأحوال اخرى تسلسل ، وإن كان لذاته فلتكن الذوات كذلك.

واحتجّ المخالفون بأنّا نقسم الذات فنقول : هي إمّا واجبة أو ممكنة ، وأيضا هي (١) إمّا جوهر أو عرض أو غيرهما ، ومورد التقسيم مشترك بين الأقسام (٢).

والجواب : إن عنيتم بالذوات الحقائق والماهيّات فلا شكّ في اختلافها ، وإن عنيتم بها الشيئية ، فهي عارضة.

قالوا : الذات هي ما يصحّ العلم بها على الاستقلال ، والذوات بأسرها متساوية في هذا الحدّ.

والجواب : صحّة تعلّق العلم بالذات على سبيل الاستقلال من أحكام الذات.

[ذات الباري تعالى لا تعقل]

قال :

ومنها : عدم تعقّله ، لأنّا لا نعقل إلّا السلوب والإضافات ، احتجّوا بأنّ التصديق مسبوق بالتصوّر ، جوابه (٣) التصوّر بعوارض.

أقول :

ذهب أكثر المتكلّمين إلى أنّا نعقل ذات الله تعالى ، والفلاسفة أنكروا ذلك ؛ وهو

__________________

(١) في «أ» «ب» «ج» : (وهي أيضا) بتقديم وتأخير.

(٢) انظر كشف المراد (تحقيق الآملي) : ٤٠٥ ، وبتحقيق السبحاني : ٣٧.

(٣) في «ج» «ر» : (وجوابه).

٣٦٧

الحقّ ، فإنّا (١) لا نعقل من الله تعالى إلّا صفاته ؛ إمّا الحقيقية كالقادر والعالم ، وإمّا الإضافيّة كالأوّل والآخر والخالق والرازق ، وإمّا السلبيّة ككونه ليس بجسم ولا عرض ، وإمّا ما عدا ذلك فغير معقول ، وأبو علي بن سينا وأبو الحسين البصري وإن زعما أنّ وجود الله تعالى نفس حقيقته (٢) ، وهو الذي نذهب نحن إليه (٣) ، إلّا أنّهما قالا : إنّ ذلك الوجود غير معقول.

و (٤) احتجّ المتكلّمون بأنّا نحكم على الله تعالى بأحكام إيجابيّة وسلبيّة ، والحكم على الشيء يستدعي تصوّره (٥).

والجواب : التصوّر المشترط (٦) في التصديق هو مطلق التصوّر ، سواء كان للذات من حيث هي هي أو من حيث بعض اعتباراتها.

[إنّه تعالى ليس بملتذّ]

قال :

ومنها : أنّه ليس بملتذّ لأنّها ملائمة المزاج ، ولأنّه إن خلق الملتذّ أزلا فهو محال ، أو فيما لا يزال أيضا ، لأنّه لا وقت قبل خلقه إلّا وهو ممكن ، وفعل الملتذّ الممكن

__________________

(١) في «ر» : (لأنّا).

(٢) حكاه عنهما الفخر الرازي في كتاب المحصّل : ٣٥٧ ، والخواجة نصير الدين في تلخيص المحصّل : ٢٥٨.

(٣) في «ج» «ر» : (إليه نحن) بتقديم وتأخير.

(٤) الواو من «ف».

(٥) المواقف ١ : ٩٦ ، شرح المقاصد ٢ : ١٢٥.

(٦) في «أ» «س» : (المشروط).

٣٦٨

كالواجب وكان يخلقه (١) قبل خلقه ، والثاني ضعيف لجواز أن يلتذّ بكماله كما يذهب إليه الفلاسفة ، سلّمنا لكن يكون الالتذاذ مشروطا بالحصول في وقت معيّن كتناول الطعام.

أقول :

الألم واللذّة يمتنع اتّصاف الله تعالى بهما عند المتكلّمين (٢) ، ولمّا كان الألم ممتنعا عليه عند الجميع ـ وإنّما الخلاف في اللذّة ـ أهمل ذكر الألم ، وأيضا فالدليل الأوّل على استحالة كونه تعالى ملتذّا دالّ على استحالة كونه متألّما.

واعلم أنّ الفلاسفة يفسّرون اللذّة بأنّها إدراك الملائم من حيث هو ملائم ، والألم بأنّه إدراك المنافي من حيث هو مناف ، ولمّا كان الإدراك تارة يقع بواسطة القوى الجسمانيّة وتارة يقع بالامور العقليّة انقسمت اللذّة والألم إلى جسمانيّ ونفساني (٣).

ثمّ إنّ اللذّة الاولى أضعف من الثانية وكذلك الألم ، لأنّ الإدراك العقلي أتمّ من الإدراك الحسّيّ (٤) من حيث الإدراك ، ومن حيث المدرك ، ومن حيث البقاء والثبات ، ونسبة اللذّة كنسبة الإدراك إلى الإدراك ، والأوّل مستحيل (٥) في حقّه تعالى (٦).

__________________

(١) في «ف» : (مخلقه).

(٢) انظر المحصّل للرازي : ٣٧٠ ، تلخيص المحصّل للخواجة نصير الدين الطوسي : ٢٦٦ ، وحكاه عن المتكلّمين المصنّف في مناهج اليقين : ٣٢٨ ، وفي الطبعة الأخرى : ٢٠٨ ، وفي كتاب الأسرار الخفيّة : ٥٢٩.

(٣) (ونفساني) سقطت من «ف».

(٤) في «ف» : (الجسمي).

(٥) في «ج» «د» «ف» : (يستحيل).

(٦) في «ج» : (حق الله تعالى) بدل من : (حقّه تعالى).

٣٦٩

وأمّا اللذّة العقليّة فقد جوّزوها عليه تعالى ، فإنّه مدرك لذاته على أبلغ إدراك ، وذاته أكمل الموجودات ، وهي ملائمة له فلذّته وابتهاجه بها أتمّ اللذّات وأكمل الابتهاجات (١).

وأمّا المتكلّمون فإنّهم أنكروا اللذّة والألم بالمعنى الأخير ، فعندهم اللذّة ليست (٢) إلّا ملائمة المزاج ، والألم عبارة عن منافرته ، والله تعالى ليس له مزاج ، فليس بمتألّم ولا ملتذّ ، وأيضا فلذّته إمّا أن تكون قديمة أو حادثة ، والقسمان باطلان ؛ أمّا الثاني فلما مرّ من استحالة كونه محلّا للحوادث ، وأمّا الأوّل فلأنّ الملتذّ به إمّا أن يكون قديما أو حادثا ، فإن كان الأوّل لزم القدم ، وهو محال ، وإن كان الثاني فلا وقت يوجد الملتذّ فيه إلّا ويمكن خلقه قبل ذلك الوقت ، فيجب خلقه قبل ذلك الوقت ، لأنّ الفعل الملتذّ به إذا كان ممكنا كان واجبا أن يفعله الملتذّ ، لكن يستحيل وجود الأثر قبل وجوده (٣).

وهذا الثاني ضعيف ، فإنّه يجوز أن يقال : لم لا يلتذّ بذاته وبإدراكه لا بشيء آخر كما يذهب إليه الفلاسفة.

سلّمنا لكن لم لا يكون الالتذاذ مشروطا بحصول الفعل في وقت معيّن كتناول الطعام للأكل ، فإنّه إنّما يلتذّ به في وقت معيّن وقبل ذلك الوقت (٤) لا التذاذ.

__________________

(١) حكاه عن الفلاسفة الفخر الرازي في كتاب المحصّل : ٣٧٠ ، والخواجة نصير في تلخيص المحصّل : ٢٦٦ ، وانظر إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين للفاضل المقداد : ٢٣٣ ، لباب الإشارات : ٢٧٦ ، شرح المصطلحات الكلاميّة : ٣٠١.

(٢) في «د» : (ليس) ، وفي «أ» : (فليست).

(٣) ذكر هذا البيان الفخر الرازي في كتاب المحصّل : ٣٧٠.

(٤) (الوقت) لم ترد في «أ» «س».

٣٧٠

وهذا الأخير قد يمكن الجواب عنه ، والأوّل قوي ، وقد (١) يستدلّ على ذلك بالسمع.

[الله تعالى واحد]

قال :

ومنها : أنّه واحد ، لأنّه لو كان واجبان فإمّا أن يتميّزا بعد الاشتراك فيتركّبا أو لا يتميّزا فواحد ، ولأنّه إن (٢) أراد أحدهما فعلا والآخر عدمه فإن وقعا لزم المحال أو من أحدهما فهو الإله ، أو لا يقعا فيلزم وقوعهما ، وللسمع.

أقول :

ذهب المسلمون والفلاسفة إلى أنّ الله تعالى واحد (٣) ، واستدلّوا عليه بوجوه :

الأوّل : أنّه (٤) لو كان هناك موجودان واجبا الوجود لكانا (٥) قد اشتركا في كون كلّ واحد منهما واجب الوجود ، فإمّا أن يتميّزا (٦) بعد الاشتراك بشيء أو لا يتميّزا ، والثاني باطل وإلّا لكانا واحدا ، والأوّل باطل :

أمّا أوّلا : فلاستحالة التركيب في واجب الوجود.

وأمّا ثانيا : فلأنّ ما به الاشتراك إمّا أن يكون عارضا لما به الاختلاف ، أو

__________________

(١) (قد) ليست في «ف».

(٢) في «ج» «ف» : (إذا).

(٣) انظر الملخّص في أصول الدين : ٢٦٩ للسيّد المرتضى ، والمحصّل للرازي : ٤٥٢ ، وتلخيص المحصّل للخواجة نصير : ٣٢٢.

(٤) (أنّه) لم ترد في «س».

(٥) في «ج» «ر» «ف» : (لكان).

(٦) في «أ» : (يتمايزا).

٣٧١

لازما ، أو معروضا ، أو ملزوما ؛ فإن كان لازما كان معلولا لما به يقع الاختلاف ، وكذلك إن كان عارضا ، ويفتقر العروض (١) إلى سبب فيتضاعف الافتقار ، وإن كان ملزوما امتنع تكثّره ، وإن كان معروضا افتقر ما به الاختلاف إلى سبب موجد وإلى موجب للعروض فيتضاعف الافتقار.

لا يقال : لم لا يقع الاشتراك في واجب الوجود ويقع الامتياز بقيد سلبيّ؟

لأنّا نقول : القيد السلبي إنّما يكون بالقياس إلى الغير فلا يحصل إلّا بعد تحصيل الغير ، فإن كان ذلك الغير هو الأوّل لزم الدور.

واعلم أنّ أشكل ما يرد (٢) على هذه الحجّة أن يقال : الوجوب أمر اعتباريّ نسبته إلى الوجود والعدم على السواء كالإمكان ، وليس له حظّ من (٣) الوجود ، بل يحصل نوعا من الحصول في الذهن عند مقايسة الوجود إلى الماهيّة ، ولا يلزم من الاشتراك في مثل هذه الصفات وقوع التركيب.

وقد أجاب عن هذا بعض المحقّقين بأنّ الوجوب لا شكّ في كونه أمرا اعتباريّا ، إلّا أنّ واجب الوجود يستحيل أن يكون أمرا اعتباريّا ، ونحن إنّما بحثنا (٤) في مفهوم واجب الوجود وقلنا : إنّه يستحيل حمله على شيئين (٥).

وهذا الجواب عندي ضعيف ، فإنّ مفهوم واجب الوجود شيء (٦) ما له وجوب

__________________

(١) في «ر» «س» : (المعروض).

(٢) في «س» : (يورد).

(٣) في «ف» : (في).

(٤) في «ب» : (نبحث).

(٥) انظر المواقف للايجي ١ : ٣٢٩ و ٣٣١.

(٦) في «ف» : (شيء و).

٣٧٢

الوجود ، والشيئيّة والوجوب من المعقولات الثانية اللاحقة للمعقولات الاولى (١) ، ولا يلزم من الاشتراك فيها الاشتراك في الذوات ، كما أنّه لا يلزم من اشتراك (٢) ممكنين في حمل هذا المعنى عليهما تركّبهما من هذا المفهوم ومن فصل آخر ، فهذا ما عندي في هذه الحجّة.

الثاني : الدليل المشهور للمتكلّمين ، وهو المعروف بدليل التمانع ، وتقريره : أنّا لو قدّرنا إلهين واجبي الوجود ، وأراد أحدهما حركة الجسم والآخر سكونه ، فإمّا أن يقع المرادان أو لا يقعا أو يقع أحدهما دون الآخر؟ والأوّلان باطلان بالضرورة ، ولأنّه إذا لم يقع مرادهما لزم أن يقع ، لأنّ المانع من وقوع مراد أحدهما هو وجود مراد الآخر ، فيلزم أن يقال : إنّما لم يقع المرادان ، لأنّه قد وقع المرادان ، هذا خلف.

والثالث : يلزم منه أن يكون الذي وقع مراده هو الإله والآخر عاجز غير صالح للإلهيّة ، ولأنّ كلّ واحد منهما قادر على ما لا يتناهى ، فلا أولويّة في عجز أحدهما دون الآخر (٣).

لا يقال : إنّهما حكيمان يمتنع عليهما المخالفة ، وأيضا فلم لا يجوز أن يكون أحدهما إذا أراد الحركة امتنع السكون فيستحيل إرادة الآخر له (٤)؟

لأنّا نقول : أمّا الأوّل فإنّه (٥) يجوز أن يكون الفعل وعدمه مصلحتين ، فيختار أحد الحكيمين مصلحة الفعل والآخر مصلحة الترك ، وأمّا الثاني فضعيف ، لأنّ

__________________

(١) تفصيل المعقولات الأولى والثانية في شرح المصطلحات الكلاميّة : ٣٣٨.

(٢) في «ف» : (الاشتراك).

(٣) شرح الأصول الخمسة : ٢٧٩ ، الملخّص في أصول الدين للسيّد المرتضى : ٢٦٩ ، المحصّل للرازي : ٤٥٣ ، تلخيص المحصل : ٣٢٣.

(٤) (له) لم ترد في «د».

(٥) في «ب» : (فلأنّه).

٣٧٣

أحدهما قد كان قادرا على الفعل لو لا الآخر ، وكذلك (١) الآخر فإذا (٢) فرضنا توجّه قصد كلّ واحد منهما إلى الضدّين دفعة واحدة استحال منع أحدهما منع أحدهما للآخر ، لأنّه لا تقدّم لأحد القصدين (٣).

الثالث : السمع وربّما استدلّ مشايخ المعتزلة بأنّه لو جاز إثبات ثان لجاز إثبات ما لا نهاية له من الآلهة ، لأنّه لا عدد إلّا ويمكن أن يكون هناك أكثر منه ، فإمّا أن يثبت الكلّ أو يثبت واحد منها (٤) ؛ والأوّل باطل فالثاني (٥) حقّ ، وبأنّه لا دليل عليه فيجب نفيه ، فإنّه لو جاز إثبات ما لا دليل عليه لجاز إثبات (٦) ما لا نهاية له (٧) ، وهذان الوجهان ضعيفان ، ولا يخفى وجه ضعفهما.

[إبطال قول الثنوية]

قال :

فإذن لا اثنان هما نور وظلمة ، خلافا للثنويّة (٨) القائلين بهما وبعدم تناهيهما (٩).

__________________

(١) في «ج» «د» : (وكذا).

(٢) في «ب» : (وإذا).

(٣) في «س» : (الضدّين).

(٤) في «ب» : (منهما).

(٥) في «ج» : (والثاني).

(٦) عبارة : (ما لا دليل عليه لجاز إثبات) سقطت من «أ» «س».

(٧) انظر إفحام المخاصم : ٣١ ، المواقف للايجي ٢ : ١١٩ ، جوامع الجامع ٢ : ٣٧٥ وص ٥١٨ ، مجمع البيان ٦ : ٢٥٤ وج ٧ : ٧٩.

(٨) الثنوية : فرقة تقول بمبدأي الخير والشرّ كالمجوس والمانوية والديصانيّة ، وأمّا في الإسلام فالثنويّة هم الذين يقولون : الخير من الله والشرّ من إبليس أو من أنفسنا. (انظر موسوعة الفرق الإسلاميّة : ١٨٥).

(٩) حكاه عن الثنوية السيّد المرتضى في الملخّص في أصول الدين : ٢٨٥.

٣٧٤

أقول :

هذا نتيجة ما مضى من الأدلّة ، فإنّه إذا ثبت أنّ (١) الإله واحد بطل (٢) قول الثنويّة ، فإنّهم زعموا (٣) أنّ الإله اثنان هما النور والظلمة وقالوا بقدمهما ، وأنّ النور لا يتناهى من جهاته الخمس وكذلك الظلمة ، وإنّما يتناهيان من جهة التقائهما ، والنور (٤) منبع الخير في هذا العالم والظلمة منبع الشرّ (٥).

[الأبعاد متناهية]

قال :

واعلم أنّ التناهي وعدمه بمعنى العدول أمر يعرض للمقدار (٦) ، فإن كانا غير مقدارين صحّ السلب لا العدول ، وإن كانا مقدارين فيدلّ على تناهيهما أنّا لو فرضنا خطّين متناه وغير متناه متوازيين وزال المتناهي إلى المسامتة حدثت أوّل نقطة ، لكن لا أوّليّة في (٧) غير المتناهي إذ هي مسبوقة بغيرها (٨).

أقول :

لمّا أبطل اثنينيّة الواجب بطل قول الثنويّة وأراد زيادة الإيضاح في إبطال قولهم

__________________

(١) في «د» : (أنّه).

(٢) في «أ» : (فيبطل).

(٣) (فإنّهم زعموا) لم ترد في «أ» «س».

(٤) في «ف» : (والنوع).

(٥) انظر الملل والنحل للشهرستاني ١ : ٢٤٤ ، وحكاه في مناهج اليقين : ٣٤٦ ، وفي الطبعة الأخرى : ٢٢٢.

(٦) في «ف» : (المقدار).

(٧) (في) لم ترد في «ف».

(٨) في «أ» «ج» : (لغيرها).

٣٧٥

بعدم تناهيهما ، والتناهي وعدمه بمعنى العدول أمران يعرضان للمقدار لذاته ولغيره بواسطته ، فالنور (١) والظلمة إمّا أن يكونا (٢) مقدارين أو غير مقدارين ، فإن كان (٣) الثاني استحال عروض التناهي وعدمه بمعنى العدول لهما وصحّ سلب التناهي عنهما ، والفرق بين السلب والعدول أنّ السلب عبارة عن سلب (٤) شيء عن شيء مطلقا ، والعدول عبارة عن (٥) عدم شيء عن شيء من شأنه أو من شأن جنسه أن يعرض له.

إذا عرفت هذا فنقول : الذي يدلّ على تناهيهما إن كانا مقدارين وجوه ثلاثة :

الأوّل : أنّا نفرض كرة خرج من مركزها إلى محيطها خطّ مواز لخطّ آخر مفروض لا يتناهى ثمّ تحركت الكرة ، فإنّ الخطّ الخارج من المركز ينتقل بعد الموازاة إلى المسامتة ، ولا بدّ وأن يحدث في الخطّ الذي لا يتناهى نقطة هي أوّل نقط المسامتة ، لكن كلّ نقطة نفرضها هي أوّل نقطة المسامتة ، فإنّ المسامتة تكون قد حصلت مع الخطّ قبلها ، فهناك نقطة قبل هذه النقطة (٦) وهي نقطة المسامتة ، وهكذا إلى ما لا يتناهى ، هذا خلف (٧).

وهذا الوجه عندي ضعيف ، لأنّ الجوهر الفرد إمّا أن يكون حقّا أو باطلا ؛ فإن كان حقّا سقطت هذه الحجّة ، لأنّ وجود نقطة قبل أوّل نقط المسامتة المفروضة إنّما

__________________

(١) في «ف» : (والنور).

(٢) (أن يكونا) سقطت من «أ».

(٣) في «أ» : (كانا).

(٤) في «ج» «ر» : (عدم).

(٥) قوله : (سلب شيء) إلى هنا لم يرد في «ف».

(٦) (النقطة) لم ترد في «ج» ، وفي «ر» «س» «د» لم يرد قوله : (النقطة و).

(٧) شرح المقاصد في علم الكلام للتفتازاني ١ : ٣٢٥.

٣٧٦

يصحّ على تقدير انقسام تلك الحركة ، ومع القول بالجوهر الفرد لا بدّ وأن تنتهي الحركة في الانقسام إلى ما لا ينقسم ، وهناك أوّل نقطة المسامتة.

وأمّا إن كان باطلا فإنّا نقول : إنّ وجود أوّل نقطة المسامتة كوجود أوّل جزء من الحركة ، ولمّا كان كلّ جزء نفرضه من الحركة أوّلا فإنّ هناك جزء سابقا عليه كذلك هاهنا.

قال :

ولأنّه يمكن أن يفرض خطّين كساقي مثلّث لا يتناهيان فيكون ما لا يتناهى محصورا بين حاصرين.

أقول :

هذا دليل ذكره الشيخ في الإشارات ، وهو غير عامّ ، ومع ذلك فهو غير تامّ ، وتقريره يفتقر إلى مقدّمات :

إحداها : أنّ الأبعاد لو كانت غير متناهية لأمكن أن يفرض فيها خطّان كساقي مثلّث يمتدّان إلى غير نهاية.

الثانية : أنّه يمكن فرض أبعاد بين الخطّين يتزايد بقدر واحد من الزيادات إلى غير النهاية.

الثالثة : أنّ كلّ بعد نفرضه فإنّه موجود فيما فوقه مع زيادة عليه.

إذا تقرّرت هذه المقدّمات فنقول : لا يخلو إمّا أن يوجد بين البعدين بعد يشتمل على جميع الزيادات التي لا يتناهى أو لا يوجد ؛ فإن وجد كان هو آخر الأبعاد وإلّا لكان فوقه بعد آخر ، فلا يكون مشتملا على جميع الزيادات ، هذا خلف.

٣٧٧

وإن لم يوجد كان هناك بعد غير مشتمل (١) عليه ، فيكون هو آخر الأبعاد ، وهذه (٢) الملازمة الأخيرة مشكلة ، فإنّه لا يلزم من عدم بعد يشتمل على ما لا يتناهى وجود بعد هو آخر الأبعاد ، اللهمّ إلّا أن يقال : إذا كانت كلّ واحدة (٣) من الزيادات في (٤) بعد كان الكلّ كذلك ، وحينئذ يكون المنع أوجه (٥).

وقد ذكر بعضهم هذا البرهان بعبارة اخرى فقال : إنّا نفرض الامتدادين غير المتناهيين محيطين بثلثي قائمة فيجب أن يكون الخطّ الواصل بينهما مساويا لهما ، فما لا يتناهى محصور بين حاصرين ، هذا خلف (٦).

قال :

وللتطبيق (٧) بين خطّ قد فصل منه متناه وآخر ، فإنّ نقص تناهيا وإلّا تساويا ، وهو محال.

أقول :

هذا هو الوجه الثالث من الوجوه الدالّة على تناهي الأبعاد ، وتقريره : أنّا نفرض خطّين غير متناهيين مبدأهما واحد ، ثمّ فصل (٨) من أحدهما قطعة متناهية وأطبق أحدهما على الآخر ، بمعنى أنّا جعلنا المبدأ من أحدهما هو المبدأ من الآخر ، والثاني منه هو الثاني من الآخر وهكذا ، فإن استمرّا كان الشيء مع غيره كهو لا مع غيره ،

__________________

(١) في «أ» «ج» : (مشتملة).

(٢) (وهذه) لم ترد في «ف».

(٣) في «ج» «ف» : (واحد).

(٤) (في) لم ترد في «ف».

(٥) انظر المواقف للايجي ٢ : ٦٤٦.

(٦) انظر المواقف للايجي ٢ : ٦٤٦.

(٧) في «ج» «ر» «ف» : (والمتطبّق).

(٨) في «أ» «ب» : (نفصل).

٣٧٨

وهو محال ، وإن نقص المفصول تناهى فيتناهى الآخر بالضرورة (١).

[إبطال قول المجوس]

قال :

وبطل قول المجوس بأنّ الشيطان (٢) الفاعل للشرّ ممكن قد فعله الله تعالى ، فهو شرير على أصلهم.

أقول :

المجوس لعنهم الله ذهبوا إلى إثبات صانع قادر عالم (٣) حكيم ، ونسبوا إليه الخيرات ، و (٤) سمّوه يزدان ، ثمّ إنّه أفكر (٥) فكرة رديّة ، وتلك الفكرة هي أنّه لو كان لي من ينازعني في الملك كيف يكون حالي معه ، فحدث من تلك الفكرة الشيطان ، وهو جسم محدث سمّوه بأهرمن ، ونسبوا إليه الشرّ (٦).

وذهب آخرون منهم إلى أنّه غير جسم ولا جسمانيّ ، وأنّه قديم أيضا ، قالوا : ثمّ إنّ (٧) يزدان وأهرمن تحاربا واقتتلا مدّة من الزمان ثمّ اصطلحا إلى مدّة وتركا سيف

__________________

(١) المواقف للايجي ٢ : ٦٥٧.

(٢) في «ج» «ر» «ف» زيادة : (هو).

(٣) في «ج» «ر» «ف» : (عالم قادر) بتقديم وتأخير.

(٤) الواو سقطت من «ج» «د» «ر» «ف».

(٥) في «د» : (إنّهم أفكروا) بدل من : (إنّه أفكر) ، وفي «ف» : (لم أنّه فكّر) بدل من : (ثمّ إنّه أفكر).

(٦) نقد المحصل : ١٣١ (طبع مصر) ، رسائل المرتضى ٢ : ٢٨٤ ، المواقف للايجي ٣ : ٦٥ ، مجمع البيان ٤ : ١٢٥ ، تفسير الرازي ١٣ : ١١٣.

(٧) (إنّ) لم ترد في «س».

٣٧٩

القتال عند القمر إلى تلك المدّة ، ولهم مقالات سخيفة لا تصدر عمّن له أدنى بصيرة (١).

وطريق إبطال قولهم ظاهر ، فإنّا قد بيّنّا أنّ الله تعالى واحد موصوف بصفات الكمال ، ثمّ إنّا نقول : اعترفتم بكون الله تعالى حكيما صانعا للخيرات ، والشيطان ممكن وهو شرّ لكونه فاعلا للشرّ فيكون الله تعالى شرّيرا على قاعدتكم.

[إبطال قول النصارى]

قال :

وبطل قول النصارى بالأقانيم ، فإنّها إن لم تكن زائدة فهي أسماء ، وإن كانت زائدة ، فإن كانت قديمة بذواتها فهو محال اتّفاقا ، وإن قامت به فهي صفات.

أقول :

ذهبت النصارى (٢) إلى أنّ الباري تعالى جوهر واحد ثلاثة أقانيم : اقنوم الأب ، واقنوم الابن ، واقنوم روح القدس ؛ والأوّل عنوا به الوجود ، والثاني العلم ، والثالث الحياة (٣) ، ولم يحصل المتكلّمون من أقاويلهم معنى يبحثون معهم فيه.

وطريق الردّ عليهم أن نقول : إن عنيتم بالأقانيم ذواتا (٤) قائمة بأنفسها واجبة

__________________

(١) في الملخّص في أصول الدين : ٢٨٩ إشارات إلى ذاك ، شرح نهج البلاغة ١ : ١٠٤.

(٢) في «أ» «ب» زيادة : (لعنهم الله).

(٣) حكاه عنهم السيّد المرتضى في الملخّص في أصول الدين : ٢٩٢ ، المواقف للايجي ١ : ٣٧٢ ، التبيان للطوسي ٣ : ٤٠٣ ، مجمع البيان ٣ : ٢٤٨ ، جامع البيان للطبري ٦ : ٤٢٢.

(٤) في «ر» : (ذوات).

٣٨٠