معارج الفهم في شرح النظم

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

معارج الفهم في شرح النظم

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: عبدالحليم عوض الحلّي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-397-218-3
الصفحات: ٦٤٤

الثالثة : نقليّة أيضا ، وهي أنّه تعالى علّق الرؤية على استقرار الجبل ، وهو ممكن لكونه جسما ، والمعلّق على الممكن ممكن (١).

قال :

جواب الأوّل : إنّا نعلّل المتّفق بمختلفات ، والحدوث هو الوجود المسبوق فهو ثبوتيّ ، سلّمنا لكن الإمكان عدميّ فإمكان (٢) الرؤية عدميّ (٣) ، سلّمنا لكن الوجود المسبوق علّة ، سلّمنا لكن تخلّف لمانع ، سلّمنا لكن يقتضي رؤية (٤) جميع الموجودات كالقدرة والعلم.

والثاني : يجوز أن يسأل ليوافق النقل العقل (٥) وليقرّر لأصحابه ذلك.

والثالث : ما مرّ من أنّ الاستقرار حال الحركة محال.

أقول :

الجواب عن الحجّة الاولى من وجوه :

الأوّل : إنّا لا نسلّم أنّ كلّ حكم (٦) يجب تعليله ، وإلّا لزم تعليل علية (٧) العلّة ، وذلك يستلزم التسلسل.

الثاني : لم لا يجوز أن يكون الحكم معلّلا بالامور المختلفة ، فإنّ الحقائق المتكثّرة تجوز اشتراكها في لازم واحد؟

__________________

(١) المواقف للايجي ٣ : ١٥٨ و ١٦٠ و ١٧٥ ، شرح المواقف ٨ : ١١٧ و ١٢١.

(٢) في «ج» «ر» «ف» : (وإمكان).

(٣) قوله : (سلّمنا) إلى هنا لم يرد في «د».

(٤) في «د» : (رؤيته).

(٥) (العقل) لم ترد في «ف».

(٦) في «ف» : (جسم).

(٧) في «س» : (علّة).

٣٤١

الثالث : أنّ صحّة رؤية الجوهر مخالفة لصحّة رؤية العرض ، فلم لا يجوز تعليله بالامور المختلفة؟

الرابع : لم لا يجوز أن يكون معلّلا بالحدوث ، وليس الحدوث هو الوجود المسبوق بالعدم حتّى يتركّب من قيد عدميّ ، بل هو الوجود المسبوق بالغير.

الخامس : لم لا يجوز أن يكون الوجود هو العلّة بشرط كونه مسبوقا بالعدم ، والعلّة الوجوديّة يجوز اشتراطها (١) بأمر عدميّ؟

السادس : لم لا يجوز أن تكون العلّة هي الإمكان.

قوله : الإمكان عدميّ ، قلنا : فإمكان (٢) الرؤية عدميّ لكونه أخصّ من مطلق الإمكان ، وتعليل العدميّ بالعدميّ جائز؟

السابع : لم لا يجوز أن تكون العلّة هي الوجود بشرط الإمكان.

الثامن : لم لا يجوز أن تكون العلّة هي الوجود لكنّه مشروط بشرط يمتنع تحقّقه في الله تعالى ، وعدم العلم به لا يوجب عدمه ، على أنّ هاهنا شروطا أخر ، وهي المذكورة أوّلا.

التاسع : لم لا يجوز أن يكون الوجود (٣) علّة ، وقد تخلّف الحكم لمانع في حقّ الله تعالى.

العاشر : لم لا يجوز أن يكون (٤) هناك علّة لا تعلمونها ، والاستقراء لا يفيد

__________________

(١) في «ف» : (اشتراكها).

(٢) في «ج» «ر» «ف» : (وإمكان).

(٣) في «ف» : (الموجود).

(٤) (يكون) لم ترد في «ب».

٣٤٢

اليقين.

الحادي عشر : هذا يقتضي رؤية جميع الموجودات من الصفات والذوات وهو محال بالضرورة (١).

الثاني عشر : هذا يقتضي أن يكون الله تعالى محدثا ، لأنّ الجوهر والعرض محدثان ، فاشتراكهما في صحّة الحدوث يستلزم الاشتراك في العلّة ، ونسوق الكلام.

وأمّا الجواب عن سؤال موسى عليه‌السلام فإنّه من وجهين :

الأوّل : أنّه كان عالما بأنّه يستحيل رؤيته بالدليل العقلي ، فأراد الاستدلال عليه بالنقل كما في سؤال إبراهيم عليه‌السلام.

الثاني : أنّ (٢) السؤال وقع (٣) لقومه لقوله تعالى : (فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) (٤).

وأمّا الجواب عن الثالث ، فإنّه ليس معلّقا على الممكن ، لأنّه معلّق على استقرار الجبل حال الحركة على ما مرّ.

[في أنّ الله تعالى ليس بجسم]

قال :

ومنها : نفي الجسميّة لأنّ كلّ جسم محدث لما مرّ ، ولأنّه يفتقر إلى الحيّز فهو ممكن ، ولأنّه يلزم أن لا يفعل شيئا إذا الجسم إنّما يفعل بصورته فيما يشاركه (٥) في

__________________

(١) (بالضرورة) ليست في «ف».

(٢) (أنّ) لم ترد في «ج» «ر».

(٣) في «س» : (واقع).

(٤) النساء : ١٥٣.

(٥) في «ب» «د» : (شاركه) ، وفي «أ» : (شاركته).

٣٤٣

وضعه (١) ولا مشاركة بين الجسم والهيولى والصورة والمجرّد.

أقول :

يريد إبطال (٢) مذهب المشبّهة ، وتقريره من ثلاثة أوجه :

الأوّل : أنّا قد بيّنّا أنّ كلّ جسم محدث ، وأنّ (٣) واجب الوجود ليس بمحدث ، فهو ليس بجسم.

الثاني : أنّ كلّ جسم لا بدّ له من الحيّز ، فهو مفتقر في وجوده إليه ، وواجب الوجود لا يفتقر فلا يكون جسما.

الثالث : أنّه لو كان جسما لامتنع منه فعل الجسم ، والتالي باطل فالمقدّم مثله.

وبيان الشرطيّة يتوقّف على مقدّمات :

إحداها : أنّ الجسم إنّما يفعل بصورته لأنّه إنّما يفعل إذا كان موجودا بالفعل وإنّما يكون موجودا بالفعل بصورته ، فإنّه بحسب المادّة يكون موجودا بالقوّة.

الثانية : أنّ الصورة إنّما تفعل بمشاركة الوضع ، وهذا الحكم وإن كان غنيّا عن البيان إلّا أنّا نقول على سبيل التنبيه : إنّ الصور منها ما هو مقارن للمادّة ، ومنها ما هو مفارق (٤) لها.

والنوع الأوّل إنّما يفعل إذا كانت موجودة في مادّتها فيما (٥) يقرب منها وتفعل في

__________________

(١) في «د» «س» : (وصفه).

(٢) في «أ» : (بهذا أبطل) بدل من : (يريد إبطال).

(٣) (أن) لم ترد في «ب» «د» «س».

(٤) في «ف» : (مقارن).

(٥) في «أ» : (فما).

٣٤٤

البعيد بتوسّط فعلها في القريب ، فإنّ النار إنّما تحرق ما لاقاها ، وبتوسّطه لما بعد عنها.

والنوع الثاني إنّما يفعل بتوسّط الوضع أيضا ، لأنّها وإن كانت مفارقة الذات إلّا أنّها غير مفارقة الفعل (١) ، وإلّا لكانت عقلا هذا خلف.

الثالثة : أنّ الفاعل المطلق في مركّب فاعل في أجزائه ، وهذا ظاهر.

المقدّمة (٢) الرابعة : أنّ الهيولى لا وضع لها ، وإلّا لزم التسلسل.

الخامسة : أنّ الفاعل بمشاركة الوضع لا يفعل فيما لا وضع له.

وإذ قد مهّدنا (٣) هذه المقدّمات فنقول : لو كان الله تعالى جسما لما كان فاعلا للجسم والتالي باطل اتّفاقا ، فالمقدّم مثله ، بيان الشرطيّة : أنّه لو فعل الجسم لكان فاعلا لأجزائه ولا وضع له بالنسبة إلى أجزائه ، أعني الهيولى والصورة ، ولا يكون فاعلا للمجرّد أيضا ، فلا يكون فاعلا مطلقا ، هذا خلف (٤).

قال :

احتجّوا بالعلم بالصور الجسمانيّة قبل حصولها فلا بدّ من محلّ هو الله تعالى فهو جسم ، وبأنّ الفطرة تنفي وجود مجرّد. وبالنقل.

جواب الأوّل : أنّ العلم لا يفتقر إلى الصورة ، والثاني : أنّ الفطرة تجوّزه (٥)

__________________

(١) في «ج» «ر» «ف» زيادة : (فيه).

(٢) (المقدّمة) لم ترد في «ب».

(٣) في «د» : (وإذ قدّمنا) بدل من : (وإذ قد مهّدنا).

(٤) (هذا خلف) لم ترد في «ر».

(٥) في «ف» : (مجرّدة).

٣٤٥

كالإنسان الكلّيّ ، والثالث : تأويله وإلّا عارض النقل العقل (١) ، فإن عمل بهما فهو محال أو بالنقل قدح في نفسه.

أقول :

احتجّ القائلون بأنّه تعالى جسم بالمعقول والمنقول (٢) ؛ أمّا المعقول فمن وجهين :

الأوّل : أنّ الله تعالى يعلم الطول والعرض والعمق قبل وجودها ، والعلم نسبة لا بدّ في ثبوته من ثبوت المنتسبين ، وإذ ليس الثبوت (٣) خارجيّا فيكون في العالم وكلّ من حلّ فيه الطول والعرض والعمق فهو جسم ، فيكون الله تعالى جسما.

الثاني : أنّ الفطرة الإنسانيّة لا تعقل وجودا مجرّدا ليس في جهة ولا في مكان (٤) بل تجزم بنفيه.

وأمّا المنقول فظاهر من القرآن.

والجواب عن الأوّل : أنّ العلم لا يفتقر إلى الصور (٥) وإن سلّمنا افتقاره إلّا أنّه يستحيل أن يكون كذلك في حقّ واجب الوجود.

وعن الثاني أن نمنع أنّ ذلك النفي من حكم العقل ، بل من حكم الوهم ، وكيف لا يكون كذلك ، والعقل قد أخرج من المحسوس ما ليس بمحسوس ، وهي المعاني الكلّيّة المعقولة المستخرجة من الامور الشخصيّة ، وهذا أعجب من ذلك.

وأمّا النقل فالجواب عنه التأويل ، لأنّا قد بيّنّا بالدليل العقليّ امتناع كونه جسما ،

__________________

(١) في «ف» : (الفعل).

(٢) (والمنقول) ليست في «ف».

(٣) في «ج» «ر» «ف» : (ثبوته).

(٤) في «ف» : (إمكان).

(٥) في «ر» «ف» : (الصورة).

٣٤٦

فإذا عارضه النقل (١) فإن عمل بهما لزم الجمع بين النقيضين ، وإن أهملا لزم الترك للنقيضين ، وإن عمل بالنقل وترك العقل لزم إبطال العقل والنقل معا ؛ لأنّ العقل (٢) أصل للنقل ، ومع بطلان الأصل يبطل (٣) الفرع ، فلم يبق إلّا العمل بالعقل ، وتأويل النقل ، وهو مشهور في كتبه.

[الله تعالى ليس في جهة]

قال :

ومنها : أنّه ليس في جهة ونفي الجسميّة كاف فيه ، لكنّ بعضهم جوّز الحصول في الجهة لما ليس بجسم لأنّه إن حصل في حيّز يصحّ انتقاله إلى غيره فهو جسم قطعا ، أو ما يتركّب منه وإلّا كان الحيّز مخالفا لغيره (٤) فيلزم قدمه وجودا إذ الأعدام لا تتخالف ، احتجّوا بالسمع ، جوابه التأويل.

أقول :

ذهبت الكراميّة (٥) إلى (٦) أنّه تعالى في جهة فوق ، ونحن لما بيّنّا أنّه تعالى ليس بجسم استحال أن يكون في جهة ، لأنّ الجهات لا تعقل إلّا للأجسام أو ما يتقوّم

__________________

(١) في «د» «س» : (العقل).

(٢) (العقل) ليست في «ف».

(٣) في «ف» : (ببطلان).

(٤) (لغيره) لم ترد في «د».

(٥) هم أصحاب أبي عبد الله محمّد بن كرام السجستاني ، قالوا بالتجسيم والتشبيه ، وقد نصّ أبو عبد الله على أنّ معبوده مستقرّ على العرش ، وأطلق عليه اسم الجوهر ، وقد افترقت الكراميّة إلى اثنتي عشر فرقة. (الملل والنحل للشهرستاني ١ : ١٠٨ ، التبصير في الدين للأسفرائيني : ٦٥).

(٦) (إلى) لم ترد في «د».

٣٤٧

منه ، إلّا أنّه قد جوّز (١) بعض المتكلّمين وجود مجرّد في جهة ، وهذا (٢) وإن كان غير معقول إلّا أنّا نريد إبطاله بأن نقول : حصوله في ذلك الحيّز إمّا أن يكون واجبا أو ممكنا ، والثاني يجوز انتقاله عنه ، فيكون جسما بالضرورة ، أو ما يتركّب (٣) منه الأجسام من الجواهر الأفراد (٤).

والأوّل يلزم منه أن يكون الحيّز مخالفا لغيره من الأحياز ، وهو يستلزم قدم الحيّز ، ضرورة امتناع وقوع التمايز (٥) في العدمات والاختلاف فيها ، وذلك باطل لما بيّن (٦) من حدوث العالم.

واحتجّ القائلون بكونه في جهة فوق بوجهين : الأوّل : أنّه لا يعقل وجود موجود إلّا (٧) في جهة ، ولمّا كانت جهة فوق أشرف الجهات والله تعالى أشرف الموجودات كان الله تعالى موجودا فيها.

الثاني : النقل.

والجواب عن الأوّل من وجهين :

الأوّل : أنّا قد بيّنّا تعقّل وجود مجرّد.

__________________

(١) في «د» : (جوّزوا).

(٢) في «د» : (ولهذا).

(٣) في «ف» : (تركّب) بدل من : (ما يتركّب).

(٤) قال الرازي في الأربعين في أصول الدين : ٤ المتحيّز الذي لا يكون منقسما فهو المسمّى بالجوهر الفرد.

(٥) في «ف» : (المتمايز).

(٦) في «ب» «د» : (تبيّن).

(٧) في «أ» «ج» «ر» «س» «ف» : (لا).

٣٤٨

الثاني : أنّ (١) العالم كرة فلا يكون هناك جهة (٢) هي فوق حقيقة (٣).

وعن الثاني بالتأويل.

[البحث في الجهة]

قال :

تتمّة : الجهة مقصد المتحرّك ومتعلّق الإشارة فتكون موجودة.

أقول :

لمّا بيّن كونه تعالى ليس في جهة أراد أن يبيّن الجهة ما هي؟ ويبحث عن وجودها (٤) وما يتبع ذلك ، واعلم أنّ الجهة عبارة عن طرف الامتداد باعتبار توجّه الحركة إليه أو الإشارة ، وهي موجودة ، واستدلّ عليه الحكماء بوجهين :

الأوّل : أنّ الجهة تقصد بالحركة ، وما ليس بموجود لا يقصد بالحركة ، فالجهة موجودة.

الثاني : أنّ الجهة متعلّق الإشارة الحسيّة ، فيقال : هنا أو هناك ، والإشارة لا تتناول ما ليس بموجود.

قال :

وغير منقسمة (٥) وإلّا عند الوصول إلى المنتصف إن تحرّك عنها فالخلف

__________________

(١) (أنّ) لم ترد في «د».

(٢) في هامش «ب» زيادة : (حقيقيّة).

(٣) في «ر» «ف» : (حقيقيّة).

(٤) في «ف» : (الجهة هي يبحث وجودها) بدل من : (الجهة) إلى هنا.

(٥) في «د» : (منقسم).

٣٤٩

الجهة أو (١) إليها فالمطلوب الجهة.

أقول :

لمّا بيّن وجودها شرع في بيان كيفيّة وجودها ، فقال : إنّها شيء غير منقسم ، والدليل على ذلك أنّها لو انقسمت لكان المتحرّك إذا وصل إلى منتصفها إمّا أن تتحرّك إلى الجهة أو (٢) عنها ، وعلى التقدير الأوّل تكون الجهة هي المتوجّه إليه فلا يكون الخلف جهة ، وإن (٣) كان الثاني كان الخلف هو الجهة لا الذي يتوجّه إليه.

لا يقال : لم لا يجوز أن يكون متحرّكا في الجهة.

لأنّا نقول : المتحرّك في الجهة إمّا أن يتحرّك عن الجهة أو إليها بالضرورة ، ويعود الإلزام إلّا أن يجعل الجهة هي المسافة وهو محال.

قال :

والمتحرّك إلى البياض يتوخّى حصوله وإلى الجهة الحصول فيه (٤).

أقول :

هذا جواب عن سؤال مقدّر ، وهو أن يقال : إنّكم قلتم الجهة موجودة لأنّها تقصد بالحركة ، وكلّ ما يقصد بالحركة فهو موجود ، والكبرى كاذبة (٥) ، فإنّ الجسم إذا كان أسود و (٦) تحرّك إلى البياض يكون قاصدا إلى شيء معدوم ، فلم لا يجوز أن يكون المتحرّك في الجهة كذلك.

__________________

(١) في «ف» : (و).

(٢) في «ف» : (و).

(٣) في «ف» : (إن) بدل من : (وإن).

(٤) في «ج» «ف» : (فيها).

(٥) في «ج» «ر» «ف» : (ممنوعة).

(٦) الواو لم ترد في «ف».

٣٥٠

وتقرير الجواب بالفرق بين الجهة والبياض ، فإنّ (١) المتحرّك إلى الجهة يقصد الحصول فيها ، فلا بدّ وأن تكون موجودة قبل الحركة ، والمتحرّك إلى البياض يقصد حصوله فيستحيل أن يكون موجودا.

[أنواع الجهات]

قال :

والطبيعيّة (٢) ثنتان وغيرها غير متناه.

أقول :

الجهات منها : ما لا يتبدّل بالوضع والفرض ، ومنها : ما يتبدّل ، ويسمّى الأولى طبيعيّة (٣) ، والثانية غير طبيعيّة (٤).

والطبيعيّة ثنتان هما الفوق والسفل ، وأمّا غير الطبيعيّة فإنّها غير متناهية لأنّها حاصلة بسبب فرض الامتدادات الممكنة في الجسم ، ولمّا كانت تلك غير متناهية بالفرض كانت أطرافها أعني الجهات كذلك ، وإنّما حكم (٥) الدهماء (٦) بكون الجهات ستّا لأمرين : عامّيّ وهو أنّ الإنسان له جهة فوق وسفل ، وهما مما (٧) يلي

__________________

(١) في «د» زيادة : (البياض).

(٢) في «أ» «د» «س» «ف» : (والطبيعة).

(٣) في «د» «س» «ف» : (طبيعة).

(٤) في «د» «س» «ف» : (طبيعة).

(٥) في «ب» زيادة : (الحكماء).

(٦) الدهماء : الجماعة من الناس ، والظاهر أنّ المراد بها عوامهم. (العين ٤ : ٣١ ، الصحاح ٥ : ١٩٢٤).

(٧) في «أ» «ر» : (ما).

٣٥١

رأسه وقدمه ، ويمين وشمال و (١) هما ما يلي يديه ، وقدام وخلف و (٢) هما ما يقصده بالحركة طبعا وما يقابله ، وخاصّيّ ، وهو أنّ الجسم له أبعاد ثلاثة متقاطعة على زوايا قوائم لا أزيد منها (٣) ، ولكلّ بعد (٤) طرفان هما جهتان له (٥).

قال :

فلا بدّ من محدّد محيط وإلّا تحدّد القرب دون البعد.

أقول :

ذهب الحكماء إلى أنّ الجهتين الطبيعيّتين لا تتحدان (٦) إلّا بجسم كري ، واستدلّوا عليه بأنّ تمايز الجهتين لا يمكن أن يكون في ملأ أو خلأ متشابه وإلّا لم يكن أحد الطرفين بالفوقيّة (٧) أولى من الآخر فلا بدّ من مائز بينهما ، ويستحيل أن يكون مجرّدا لأنّه متساوي النسب (٨) إلى الامور المادّيّة ، فلا بدّ وأن يكون جسما ، وذلك الجسم إمّا واحد أو اثنان ؛ والأوّل إمّا أن يكون محيطا أو غير محيط ، والثاني باطل لأنّ كلّ واحد من الجسمين (٩) إنّما يتحدّد به غاية القرب منه ولا يتحدّد به البعد.

__________________

(١) الواو لم ترد في «د» «ر» «ف».

(٢) الواو لم ترد في «ر» «س» «ف».

(٣) في «ف» : (منهما).

(٤) في «ف» زيادة : (و).

(٥) الشفاء (الطبيعيّات) ١ : ٢٥١ ، شرح الإشارات ٢ : ١٧٥ ، وحكى ذلك في نهاية المرام ١ : ٤٥٢.

(٦) في «أ» «ب» «ج» : (يتحدان).

(٧) (الطرفين بالفوقيّة) لم ترد في «ج».

(٨) في «س» : (النسبة).

(٩) في «س» : (كل من الجهتين) ، وفي «ر» : (كل واحد من الجهتين) بدل من : (كل واحد من الجسمين).

٣٥٢

وأيضا فإنّه لا أولويّة في كون أحد الجسمين في جهة وعلى بعد معيّن من الآخر دون غير تلك الجهة ، وغير ذلك البعد وإن كان الثالث يحدّد (١) به القرب أيضا دون البعد فلم يبق إلّا أن يكون المحدّد محيطا يتحدّد بمحيطه (٢) القرب منه ، وبمركزه البعد عنه (٣).

والاعتراض من وجوه :

أحدها : لم قلتم إنّ هناك جهتين متمايزتين بالطبع ومختلفتين في الحقيقة ، فإنّ الجهة عندكم هي طرف البعد ، ولا شكّ في أنّ أطراف (٤) البعد غير مختلفة في الحقيقة.

الثاني : أنّ الجهة إمّا أن تجعلوها طرف البعد أو أمرا لاحقا له ؛ والأوّل لا يستدعي المحدّد لأنّ الأبعاد متناهية ، فوجودها مستغن عن المحدّد ، وتمايزها بسبب الوضع فلا احتياج إلى المحدّد ، والثاني لا يستدعي المحدّد أيضا لأنّ الحاجة إلى المحدّد إمّا أن تكون لوجود ذلك المعنى في نفسه أو لوجوده في الطرف ، والقسمان باطلان ؛ فإنّ وجوده مستند (٥) إلى واجب الوجود ، وكذلك اختصاص أحد الطرفين به دون الآخر.

__________________

(١) في «ر» : (يتحدّد).

(٢) في «ر» : (يحدد محيطه) ، وفي «ج» : (يحدد لمحيطه) ، وفي «س» : (متحدد بمحيطه) بدل من :

(يتحدد بمحيطه).

(٣) انظر شرح الإشارات ٢ : ١٧٦ ، وحكاه المصنّف عن الفلاسفة في نهاية المرام في علم الكلام ١ : ٤٥٦.

(٤) في «ف» : (طرف).

(٥) في «أ» : (يستند).

٣٥٣

الثالث : لم لا يجوز أن يقال : إنّ المحدّد جسم واحد غير محيط ويكون محدّد الجهة القرب ، وأمّا جهة البعد فغير محدّدة به.

الرابع : لم لا يجوز أن يكون بجسمين (١) ويكون كلّ واحد (٢) منهما على وضع معيّن لأمر آخر ، على أنّ هذا الدليل مبنيّ على نفي الاختيار ، وهو باطل لما (٣) تقدّم.

قال :

ولا يفارق موضعه وإلّا لتحدّدت (٤) له لا به.

أقول :

هذا إشارة إلى (٥) أحكام المحدّد. قالوا : يستحيل أن يفارق موضعه وإلّا لكان له جهتا طلب وترك سابقتان عليه ، فلا يكون هو المحدّد الأوّل بل غيره.

قال :

ويكون بسيطا وإلّا لا نحلّ (٦) فيتحرّك (٧) مستقيما في الأين.

أقول :

هذا حكم ثان للمحدّد (٨) ، وهو أنّه بسيط ، واستدلّوا على ذلك بأنّه لو كان مركّبا لصحّ عليه الانحلال ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله.

__________________

(١) في «ب» : (جسمين) ، وفي «س» : (لجسمين).

(٢) (واحد) لم ترد في «ج» «ر» «ف».

(٣) في «ب» «ف» : (بما).

(٤) في «ج» «ر» «ف» : (تحدّدت).

(٥) في «ف» زيادة : (أنّ).

(٦) في «س» : (يحلّ).

(٧) في «أ» «ج» «ر» : (فتحرّك).

(٨) في «س» : (للمتحدّد) ، وفي «د» : (المحدّد).

٣٥٤

بيان الشرطيّة : أنّ المركّب إنّما يتركّب (١) من بسائط ، وكلّ واحد من تلك البسائط تكون ملاقاته للبسيط الآخر بأحد جانبيه غير واجبة فيمكن زوالها و (٢) تغيّره عن ذلك الوضع بالحركة المستقيمة.

وأمّا بطلان التالي فلما مرّ من استحالة انتقاله عن وضعه ، فإنّ ذلك دالّ على استحالة انتقال أجزائه لاستدعائها جهة متقدّمة عليها ، وهو سابق على الجهة ، هذا خلف.

وهذه الحجّة عندي ضعيفة من وجوه :

أحدها : لم قلتم : إنّ كلّ مركّب يصحّ عليه الانحلال ، ولم لا يجوز اتّصافه بصورة (٣) نوعيّة توجب (٤) له حفظ بسائطه ويمنعها عن التغيّر ، اللهمّ إلّا أن نعني بهذه الصحّة الصحّة العائدة إلى الماهيّة لا (٥) الاستعداد ، وحينئذ لا يتمّ هذا المطلوب.

الثاني : أنّ هذا ينتقض بالأفلاك فإنّها عندكم بسائط فيصحّ (٦) أن يلاقي مقعر (٧) القمر مقعر (٨) عطارد.

الثالث : أنّا (٩) نمنع صحّة امتناع انتقاله عن موضعه ، وقد مضى البحث فيه.

__________________

(١) في «د» : (تركّب).

(٢) الواو سقطت من «د».

(٣) في «ب» : (بصور).

(٤) في «س» : (فتوجب).

(٥) في «ب» زيادة : (إلى).

(٦) في «ب» «ج» «ر» «ف» : (فصحّ).

(٧) في «ب» : (مقعد).

(٨) في «ب» : (مقعد) ، وفي «أ» : (بمقعر).

(٩) في «ج» «ف» : (إنّما).

٣٥٥

[محدد الجهات متحرك]

قال :

ووضعه غير واجب ، فالنقلة جائزة ، وفيه (١) ميل مستدير.

أقول :

يريد أن يبيّن أنّ محدّد الجهات متحرّك في الوضع دون الموضع ، وهذا من أحكام المحدّد وغيره ، وتقريره أنّ وضعه غير واجب لكونه بسيطا ، فالنقلة عن ذلك الوضع ممكن ، ولا يمكن إلّا بالميل على ما يأتي ، ففيه (٢) مثل (٣) مستدير يوجب الحركة ، فهو متحرّك على الاستدارة لوجوب وجود المعلول عند (٤) علّته ، وهذا عندي ضعيف من وجوه :

الأوّل : إن عنيتم بإمكان انتقاله الإمكان الذاتي فلا يستلزم وجود مبدأ ميل بالفعل ، وإن عنيتم به الإمكان الاستعدادي لزم الدور ، لأنّه إنّما يتمّ لكم هذا إذا بنيتم أنّه ذو ميل مستدير ، فلو استدللتم عليه به لزم الدور.

الثاني : أنّه لا أولويّة في حركة الفلك إلى جهة معيّنة دون غيرها.

الثالث : أنّ هذا ينتقض بالعناصر ، فإنّها بسائط ، فيلزم أن تكون لها ميول مستديرة.

الرابع : لا نسلّم أنّه (٥) عند وجود الميل يجب حصول الحركة ، فإنّ الحجر

__________________

(١) في «ب» «ف» : (ففيه).

(٢) في «س» : (ومنه).

(٣) في «ب» : (ميل).

(٤) في «ف» زيادة : (وجود).

(٥) في «ب» : (أنّ).

٣٥٦

الواقف في الهواء ذو ميل ، وليس بمتحرّك بالفعل.

وأجاب بعض المحقّقين عن الأوّل بأنّ الإمكان بحسب ذات الشيء يكفي هاهنا ، فإنّ مع فرض ذلك الإمكان وقطع النظر عن الموانع يمكن فرض الحركة القسريّة المقتضية لوجود ميل بالفعل طبعا.

وهذا عندي ضعيف لأنّه لا يكفي في حصول الشيء النظر إلى إمكانه الأصلي من غير طبيعة تقتضيه ، وفرض الحركة القسريّة لا يقتضي وجود الحركة القسريّة.

وأجاب عن الثاني بأنّه لا بدّ من مخصّص ، فإنّه لبساطته يتساوى نسبته إلى جميع الأوضاع ، فحركته على بعضها يوجب له المخصّص ، وإن لم يعلم (١) ذلك على التفصيل.

وهذا عندي ضعيف فإنّه يجوز أن يقال : إنّ الفلك بسيط ساكن له وضع معيّن مع إمكان غيره ، وإنّما تخصّص بهذا الوضع لأمر غير معلوم.

وأجاب عن الثالث : بأنّ (٢) الطبائع العنصريّة يستحيل وجود الميل المستدير فيها لوجود مانع طبيعيّ ، وهو الميل المستقيم بخلاف المحدّد (٣) ، فإنّه يستحيل وجود الميل المستقيم فيه فلا مانع له.

وهذا عندي ضعيف ، فإنّ انحصار المانع في (٤) وجود الميل المستقيم وامتناع حصول ذلك المانع (٥) في الأفلاك ووجوب (٦) حصوله في العناصر أحكام ممنوعة ،

__________________

(١) في «ج» «ر» «ف» : (نعلم).

(٢) في «ف» : (أنّ).

(٣) في «ب» : (المحدود).

(٤) في «ف» : (من).

(٥) في «ج» «ر» : (لمانع).

(٦) في «ف» : (وجود).

٣٥٧

فإنّهم (١) لم يأتوا (٢) في ذلك ببرهان (٣).

قال :

فليس (٤) له (٥) مستقيم.

أقول :

هذا نتيجة (٦) قولهم : إنّه ذو ميل مستدير ، فإنّه يستحيل اجتماع ميلين أحدهما يوجب الحركة على الاستدارة والآخر على الاستقامة.

واعترضوا (٧) على أنفسهم فقالوا : لم لا يجوز أن يكون له (٨) ميل يتحرّك به على الاستدارة عند إحدى حالتيه وميل يتحرّك (٩) به على الاستقامة عند الحالة الاخرى ، كما أنّ الأرض تقتضي الحركة (١٠) عند الخروج عن الحيّز الطبيعي وتقتضي السكون عند الحصول فيه.

وأجابوا عنه بالفرق بأنّ اقتضاء طبيعة الأرض للحركة و (١١) السكون في

__________________

(١) (فإنّهم) لم ترد في «ج» «ر».

(٢) في «ف» : (لم لا يأتوا) بدل من : (لم يأتوا).

(٣) في «س» : (برهان).

(٤) في «د» : (وليس).

(٥) في «ج» «ر» «ف» زيادة : (ميل).

(٦) في «ج» «ف» زيادة : (ما تقدّم من).

(٧) في «س» : (فاعترضوا).

(٨) في «د» : (لي).

(٩) في «ف» : (يترك).

(١٠) في «د» : (للحركة).

(١١) في «أ» : (هو) بدل الواو.

٣٥٨

الحقيقة اقتضاء أمر واحد (١) هو الحصول في المكان الطبيعي ، وليس اقتضاء الميل كذلك ، فإنّه لا وضع طبيعيّ هناك للفلك (٢) حتّى يقتضي الميل المستدير بحسب طبيعته ، وهذا (٣) ضعيف ، فإنّ إبطال الميل (٤) لا يخرج منه الجواب (٥).

قال :

فليس (٦) بفاسد ولا كائن ولا منحرف وهذه أحكام (٧) يتوقّف في بعضها.

أقول :

هذه الأحكام الثلاثة نتائج كونه غير متحرّك على الاستقامة ، وتقريره يبتني على مقدّمة هي أنّ المكان الواحد يستحيل أن يستحقّه بحسب (٨) الطبع جسمان مختلفان في الحقيقة (٩).

إذا عرفت هذا فنقول : الفلك إذا جاز عليه الكون والفساد بمعنى زوال إحدى (١٠) الصور عنه ولبس أخرى كانت طبيعته الآن مغايرة لما قبل الكون فيجب أن ينتقل عن مكانه إلى مكان يستحقّه بحسب (١١) الصورة الجديدة فيكون

__________________

(١) في «س» : (لأحد).

(٢) في نسخة بدل من «ج» : (العالم) ، ونسخة بدل من «ب» : (للعالم) بدل من : (للفلك).

(٣) في «ب» زيادة : (عندي).

(٤) في «س» «د» : (المثال).

(٥) في «ج» «ر» «ف» : (فيه للجواب) بدل من : (منه الجواب).

(٦) في «س» «ف» : (وليس).

(٧) في «أ» «س» : (حكميّة).

(٨) في «ب» : (بسبب).

(٩) حكاه عن الأوائل المصنّف في نهاية المرام في علم الكلام ١ : ٤٤١.

(١٠) في «س» : (أحد).

(١١) (بحسب) ليست في «ف».

٣٥٩

ذا ميل مستقيم ، وكذلك لو جاز عليه (١) الانحراف (٢) لكان إنّما يكون بسبب تباعد بعض أجزائه عن البعض على الاستقامة ، وهذه الحجّة عندي فاسدة.

أمّا أوّلا فلأنّا لم نر لهم برهانا قاطعا على أنّ الجسمين المختلفين في الطبيعة لا يستحقّان مكانا واحدا.

وأمّا ثانيا فلأنّها مبنيّة على أنّ المحدّد له مكان بحسب الصورة الاولى ، ويستحقّ بحسب الصورة الاخرى مكانا آخر ، وهو باطل فإنّ (٣) المحدّد عندهم ليس له مكان ، فلا يستحقّ بحسب الصورتين مكانين مختلفين ، فلا يلزمه (٤) الحركة المستقيمة.

[الله تعالى لا يحلّ في محلّ]

قال :

ومنها : أنّه لا يحلّ في محلّ وإلّا إن (٥) كان غنيّا عنه فليس بحالّ وإلّا افتقر.

أقول :

يريد إبطال مذهب القائلين بالحلول كالنصارى (٦) وبعض (٧) الصوفيّة (٨) ،

__________________

(١) (عليه) لم ترد في «ف».

(٢) في «ب» «ج» «ر» : (الانخراق).

(٣) في «س» : (لأنّ).

(٤) في «ج» «س» : (يلزم).

(٥) في «د» : (وإلّا و) بدل من : (وإلّا إن).

(٦) قال المصنّف في مناهج اليقين : ٣٢٠ ذهب بعض النصارى إلى أنّه تعالى في بدن عيسى عليه‌السلام ، وانظر الطبعة الأخرى : ٢٠٣.

(٧) (وبعض) لم ترد في «ف».

(٨) حكى الفاضل المقداد في اللوامع الإلهيّة : ١٦٠ عن جمع من المتصوّفة بحلوله في قلوب العارفين ، وانظر كتاب اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للفخر الرازي : ١٠٠.

٣٦٠