معارج الفهم في شرح النظم

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

معارج الفهم في شرح النظم

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: عبدالحليم عوض الحلّي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-397-218-3
الصفحات: ٦٤٤

العلّة هو الإمكان مع الماهيّة لزم المحال ، لأنّ الإمكان وحده كاف ، وإسناد الحكم إلى مجموع يكون أحد أفراده كافيا فيه باطل.

وعن الثالث أنّ قدرة العبد لمّا كانت جسمانيّة كانت متعلّقة بالوضع فلا تفعل إلّا بمشاركته فانحصرت مقدوراتها (١) ، بخلاف قدرة الله تعالى فإنّه لتجرّده يكون نسبته إلى جميع المقدورات على السويّة فافترقت القدرتان.

وعن الرابع أنّ الأشياء الممكنة إذا صحّ نسبتها إلى مقدوريّة (٢) الله تعالى وجب صحّة نسبة قدرته تعالى إليها ، لأنّها متماثلة من حيث الإمكان ، فإذا صحّ على البعض نسبة القدرة إليه صحّ على الباقي ذلك بخلاف العلم المتعلّق بالشيء المخصوص على ما هو به ، فلا يصحّ نسبته إلى جميع الأشياء نسبة واحدة ، كما لا يصحّ نسبة جميع الأشياء إليه نسبة واحدة.

قال :

ولأنّه إن صحّ وجب لأنّها صفة نفسية متى صحّت وجبت وإلّا توقفت فلا تكون نفسيّة وبيان المقدّم أنّه حيّ.

أقول :

هذا هو الوجه الثاني الدالّ على كونه تعالى قادرا على كلّ مقدور ، وتقريره أن نقول : إن صحّ على واجب الوجود أن يقدر على كلّ مقدور وجب (٣) أن يقدر على كلّ مقدور ، والمقدّم حقّ فالتالي مثله.

__________________

(١) في «ج» «ف» «ر» : (مقدوراته).

(٢) في «س» : (مقدور).

(٣) في «ف» : (واجب).

٢٤١

و (١) بيان الشرطيّة أنّه إذا صحّ أن (٢) يقدر على كلّ مقدور فلو لم يجب حصول هذه الصفة نظرا إلى ذاته لافتقر في حصول هذه الصفة إلى الغير فلا تكون هذه الصفة نفسيّة ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله. وأمّا بيان صحّة المقدّم فلأنّه تعالى حيّ ، والحيّ من حيث هو حيّ لا يستحيل عليه (٣) أن يقدر على كلّ مقدور.

[مذاهب باطلة والردّ عليها]

[المذهب الأوّل]

قال :

سؤال هو (٤) واحد لا يصحّ (٥) منه إلّا واحد فلا يقدر على الكلّ ، وبيان الملازمة أنّ مفهوم صدور «أ» غير «ب» ، فإن دخلا أو أحدهما تركّب وإلّا تسلسل.

أقول :

لمّا ذكر المذهب الحقّ والاستدلال عليه شرع الآن في تقرير المذاهب الباطلة والاحتجاج عليها ، وفسخ تلك الحجج ، فمن المذاهب الباطلة مذهب الفلاسفة في هذا المقام فإنّهم قالوا : إنّه تعالى واحد حقّا من كلّ جهة ، والواحد حقّا يستحيل أن يصدر عنه أكثر من واحد (٦). أمّا الصغرى فسيأتي الاستدلال عليها ، وأمّا الكبرى فقد احتجّوا عليها بثلاث حجج :

__________________

(١) الواو ليست في «ف».

(٢) في «س» : (أنّه).

(٣) (عليه) لم ترد في «أ» «س».

(٤) في «س» : (وهو).

(٥) في «أ» : (يصدر).

(٦) حكاه عن الفلاسفة الفخر الرازي في المحصّل : ٣٣٤.

٢٤٢

الاولى : أنّ الواحد لو (١) صدر عنه «أ» و «ب» ومفهوم صدور «أ» غير مفهوم صدور «ب» وإلّا لكان من عقل أنّ ذاتا قد صدر عنها أحد المعلولين وجب أن يعقل «صدور» المعلول الآخر عنها وهو محال. وإذا تغاير المفهومان فإمّا أن يكونا من مقوّمات (٢) الذات أو (٣) من عوارضها أو (٤) يكون أحدهما من المقوّمات (٥) والآخر من العوارض ، فإن كان الأوّل لزم التركيب في تلك العلّة ، وكذلك إن كان أحدهما من المقوّمات (٦) والآخر من العوارض ، وإن كانا من العوارض نقلنا الكلام إليهما وقلنا : إنّ (٧) صدور أحد هذين المفهومين مغاير لصدور المفهوم الآخر ، فإمّا أن يكون هذان المفهومان من المقوّمات أو من العوارض أو بالتفريق ويعود البحث ويلزم التسلسل.

قال :

ولأنّ صدور شيء وما ليس بذلك تناقض.

أقول :

هذه هي (٨) الحجّة الثانية على أنّ الواحد لا يصدر عنه إلّا الواحد (٩) ، وتقريرها : أنّه لو صدر عن العلّة «أ» و «ب» و «ب» ليس «أ» فحينئذ يكون

__________________

(١) (لو) ليست في «ف».

(٢) في «ف» : (مقولات).

(٣) في «أ» : (و) ، و (من) لم ترد في «ف».

(٤) في «د» : (و).

(٥) في «ف» : (المقولات).

(٦) في «ف» : (المقولات).

(٧) (إنّ) لم ترد في «س».

(٨) (هي) لم ترد في «د» «س».

(٩) في «س» : (واحد).

٢٤٣

قد صدر عن تلك العلّة «أ» وليس «أ» وهو تناقض.

قال :

ولأنّ اختلاف الآثار يدلّ على الاختلاف فعلى التعدّد أولى.

أقول :

هذه الحجّة الثالثة ، وتقريرها : أنّ اختلاف الآثار يدلّ على اختلاف المؤثّرين (١) ، فإنّا نستدلّ على اختلاف طبيعتي (٢) النار والماء بصدور الحرارة عن النار والبرودة عن الماء ، والحرارة والبرودة مختلفتان (٣) ، فتكون الطبيعتان مختلفتين ، فإذا كان اختلاف الآثار يدلّ على اختلاف المؤثّرين فبأن يدلّ على تعدّدها وتغايرها أولى ، فإنّ دلالة الشيء على وجود العام أولى من دلالته على الخاص.

قال :

جواب : الصدور ذهنيّ وإلّا تسلسل ومعارض بالسلوب.

أقول :

أجاب عن الوجه الأوّل من حيث النقض ومن حيث المعارضة ، أمّا النقض فبأن منع القسمة وحصرها ، فإنّ مفهوم صدور «أ» ومفهوم صدور «ب» إنّما يرد عليهما القسمة بالتقويم والعروض والتفريق (٤) على تقدير أن يكونا وجوديين ، أمّا على تقدير أن يكونا مفهومين ذهنيين لا ثبوت لهما في الخارج فإنّ القسمة تكون باطلة.

ثمّ استدلّ على هذا المنع وقال : لو كان صدور المعلول عن العلّة أمرا خارجيّا

__________________

(١) في «أ» : (المؤثر).

(٢) في «أ» : (طبعي) ، وفي «ف» : (طبيعي).

(٣) في «أ» «ف» : (مختلفان).

(٤) (والتفريق) لم ترد في «س» «ف».

٢٤٤

لكان إمّا واجب الوجود أو ممكن الوجود ؛ والأوّل باطل ؛ أمّا أوّلا فلاستحالة التعدّد في واجب الوجود ، وأمّا ثانيا فلأنّ الصدور من الصفات الإضافيّة فهي متأخّرة عن المضافين ، فكيف تكون واجبة الوجود.

وإذا كان ممكن الوجود لم يكن له بدّ من علّة يصدر عنها ، فصدوره عن تلك العلّة (١) إن كان واجبا لزم المحال ، وإن كان ممكنا نقلنا الكلام إليه ويلزم التسلسل.

وأمّا المعارضة فبأن نقول : لو صحّ ما ذكرتم لزم أن لا يسلب عن الشيء الواحد أكثر من واحد ، وأن (٢) لا يتّصف الواحد إلّا بشيء واحد ، وبيانه أنّ سلب «أ» عن «ج» يغاير (٣) لسلب «ب» عنه لأنّا نعقل أحد السلبين (٤) ونغفل (٥) عن الآخر ، فإمّا أن يكونا من المقوّمات أو (٦) من العوارض أو بالتفريق ، ونسوق الكلام ، وكذلك اتّصاف «أ» ب «ب» غير اتصافه ب «ج» ، فهذان المفهومان إمّا أن يكونا من المقوّمات أو من العوارض ، ويعود البحث ، ولمّا كان هذا باطلا قطعا فكذلك (٧) ما ذكرتم.

لا يقال : اتّصاف الشيء بغيره وسلب الشيء عن غيره لا يعقل (٨) إلّا بين شيئين ، ونحن نجوّز أن يصدر عن الواحد باعتبارات متغايرة معلولات كثيرة.

__________________

(١) في «ف» : (العلم).

(٢) في «ف» : (فإن).

(٣) في «ب» «ر» «ف» : (مغاير).

(٤) في «د» : (الشيئين).

(٥) في «ف» : (نعقل).

(٦) في «ف» : (وإن).

(٧) في «ب» : (فكذا).

(٨) في «س» : (يجعل).

٢٤٥

فإن اجيب بأنّ الصدور كذلك لا يعقل إلّا بين شيئين (١).

قلنا : الصدور يؤخذ (٢) على وجهين :

أحدهما : كون الذات بحيث يصدر عنها المعلول ، وهذا الاعتبار لاحق للماهيّة من حيث هي هي لا باعتبار المعلول.

وثانيهما : المعنى الإضافي الذي لا يفهم إلّا بين الشيئين (٣).

لأنّا نقول : كما عقلتم (٤) الصدور مأخوذا بهذين الاعتبارين فاعقلوا في السلب والاتّصاف كذلك ، فإنّ كون الماهيّة بحيث (٥) يسلب عنها شيء أو بحيث تتّصف بأمر اعتبار (٦) مغاير لمعنى السلب (٧) والاتصاف بالمعنى الإضافي.

قال :

والتناقض لازم من الصدور وعدمه.

أقول :

هذا جواب الوجه الثاني وهو ظاهر ، فإنّ التناقض إنّما يلزم (٨) لو قلنا : إنّه يصدر عن العلّة «أ» ، ولم يصدر عنها «أ» ، أمّا إذا قلنا : إنّه يصدر عنها «أ» ، وما ليس ب «أ» لا يلزم منه تناقض.

__________________

(١) في «ف» : (الشيئين).

(٢) في «ر» : (يوجد).

(٣) في «ب» «ر» «س» : (شيئين).

(٤) في «ف» : (غفلتم).

(٥) في «ف» : (من حيث) بدل من : (بحيث).

(٦) (اعتبار) لم ترد في «ر» ، وفي «أ» «ف» : (اعتباره).

(٧) في «د» : (للسلب) بدل من : (لمعنى السلب).

(٨) في «أ» «ف» زيادة : (أن).

٢٤٦

قال :

والتخلّف يدلّ لا الاختلاف (١).

أقول :

هذا جواب الوجه الثالث (٢) ، وتقريره أن نقول : إنّما استدللنا على كون طبيعة الماء مخالفة لطبيعة النار بأنّ طبيعة الماء يصدر عنها البرودة وتتخلّف البرودة عن النار ، وأنّ النار يصدر عنها الحرارة وتتخلّف عن الماء ، فيستدلّ بتخلّف أثر كلّ واحد منهما على مخالفتهما ، ولا يستدلّ بالاختلاف على الاختلاف.

[المذهب الثاني]

قال :

سؤال للنّظام (٣) : فعل القبيح سفه أو حاجة ، وهما محالان عليه (٤).

__________________

(١) في «ف» : (لاختلاف).

(٢) في النسخ : (الثاني) ، والمثبت عن «ب» «ف».

(٣) النظام هو أبو إسحاق إبراهيم بن سيّار بن هاني البصري ابن اخت أبي هذيل العلّاف ، شيخ المعتزلة ، وهو استاذ الجاحظ وأحمد بن الخالط ، كان في أيّام هارون الرشيد وإيّاه عنى أبو نواس بقوله :

قل لمن يدّعي في العلم معرفة

حفظت شيئا وغابت عنك أشياء

ولقب النظام فيه أقوال منها : لنظمه الخرز وبيعها في سوق البصرة. ومنها : لحسن كلامه بتعبير المعتزلة ، توفي النظام سنة ٢٣١ هجريّة. (راجع تاريخ المعتزلة : ٩٧ لفالح الربيعي)

(٤) حكاه المحقّق في المسلك في أصول الدين : ٨٩ ، والحلبي في تقريب المعارف : ٦١ والمصنّف في أنوار الملكوت في شرح الياقوت : ٨٩ ، وشرح التجريد (تحقيق الزنجاني) : ٣٠٨ وفي طبعة (تحقيق الآملي) : ٣٩٦ ، وفي طبعة (تحقيق السبحاني) : ١٧ وفي النافع يوم الحشر : ٣٦.

٢٤٧

أقول :

هذا المذهب من جملة المذاهب الباطلة ، وهو مذهب النظّام ، فإنّه زعم (١) أنّ الله تعالى لا يقدر على القبيح ، واحتجّ عليه بأنّه لو كان قادرا على القبيح لصحّ منه فعله ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله.

و (٢) بيان الشرطيّة : أنّ معنى القادر هو الذي يصحّ منه الفعل ، فلو لم يصحّ منه القبيح لم يكن قادرا عليه (٣).

وبيان بطلان التالي : أنّ فعله محال ، وكلّ ما فعله محال فإنّه لا يكون صحيحا. أمّا الكبرى فظاهرة ، وأمّا الصغرى فلأنّ فعله مستلزم للمحال فيكون محالا.

بيان الأوّل : أنّ من فعل القبيح فلا يخلو إمّا أن يكون عالما به أو جاهلا ؛ فإن كان عالما به فإمّا أن يكون محتاجا إليه أو لا يكون ، والثاني سفه (٤) ، فإنّ العالم بقبح القبيح الغني عنه لو صدر عنه كان سفيها (٥) ، فإذن فعل القبيح يستلزم أحد محالات ثلاثة ، هي إمّا الجهل أو السفه أو الحاجة ، والثلاثة باطلة في حقّ الله تعالى فيكون فعل القبيح محالا منه.

قال :

جواب : بالنظر إلى الداعي محال وإلى القدرة ممكن.

__________________

(١) في «د» : (يزعم).

(٢) (الواو) لم ترد في «ج» «ر».

(٣) (عليه) لم ترد في «ف».

(٤) في «د» «س» : (سفيه).

(٥) في «ج» : (سفها).

٢٤٨

أقول :

تقرير الجواب أن يقال : ما ذكرتموه إنّما يدلّ على استحالة صدوره منه مطلقا ، وذلك لا يستلزم استحالة قدرته عليه ، لجواز أن يكون استحالة صدوره منه إنّما كانت باعتبار عدم الداعي لا باعتبار عدم القدرة ، فإنّ الفعل كما يمتنع أن يقع باعتبار عدم القدرة عليه كذلك يمتنع أن يقع باعتبار عدم الداعي إليه ، فالحاصل أنّ امتناع الفعل أعمّ من عدم القدرة ، فلا يجوز الاستدلال به عليه ، هذا تقرير ما أجاب به أبو الحسين.

قال :

وأشكل على أبي الحسين بأنّه لو امتنع تحقّق الداعي لامتنع القبيح لتوقّفه عليه ويخلص بالتزامه ، ولا يدلّ على عدم القدرة.

أقول :

تقرير الإشكال أن نقول : الداعي إلى القبيح إمّا أن يكون موجودا ، وإمّا أن لا يكون ؛ فإن كان الأوّل وثبتت القدرة لزم أحد المحالات المذكورة ، وإن كان الثاني كان الفعل ممتنعا لتوقّفه على الداعي ، فيكون القبيح ممتنعا ، فلا يكون مقدورا عليه.

وهذا الإشكال في غاية السقوط ، فإنّه ليس بمحال أن يكون الفعل ممتنعا نظرا إلى الداعي ويكون مقدورا ، والذي يدلّ على أصل المسألة ما بيّنّا من كونه تعالى قادرا على كلّ ممكن.

وللمعتزلة طريق آخر ، وهو أنّه تعالى قادر على الكذب ، وهو قبيح ، فإنّه تعالى إذا كان قادرا على أن يقول : العالم ليس بقديم كان قادرا على أن يقول : العالم قديم ،

٢٤٩

فإنّ القادر على مجموع أفعال قادر على كلّ واحد من تلك الأفعال ، وأيضا هو (١) تعالى قادر على الجهل وهو قبيح لأنّه (٢) تعالى قادر على العلم ، والقادر على الشيء قادر على ضدّه.

[المذهب الثالث]

قال :

سؤال لعبّاد (٣) : ما علم عدمه غير مقدور الوجود وإلّا لزم الجهل.

أقول :

هذا أحد المذاهب الباطلة في هذا المقام ، وهو مذهب عبّاد بن سليمان فإنّه ذهب إلى أنّ ما علم الله تعالى عدمه فإنّه لا يكون وجوده مقدورا (٤) ، والمحقّقون على خلافه.

واستدلّ عبّاد على مذهبه بأنّه إذا علم أنّ الشيء لا يوجد استحال أن يوجد (٥) ، وإلّا لزم (٦) انقلاب علم الله تعالى جهلا ، وإذا كان مستحيل الوجود لم يكن مقدورا.

__________________

(١) في «ج» «ر» «ف» : (الله).

(٢) في «س» : (لأنّ الله).

(٣) هو عبّاد بن سليمان الضميري ، من أكابر متكلّمي المعتزلة ، وكان من أصحاب هشام الفوطي ، وله كتاب يسمّى «الأبواب» وقد نقضه أبو هاشم ، وله مناظرات مع ابن كلاب وقد ذكره ابن المرتضى في الطبقة السابعة من المعتزلة في كتاب المنية والأمل : ١٦٩ ، وانظر الفهرست لابن النديم : ٢٦٩ ، مقالات الإسلاميين ١ : ٦٦.

(٤) الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم ٣ : ١٣٣ ، وحكاه المصنّف في أنوار الملكوت : ٩٠.

(٥) (استحال أن يوجد) سقط من «د».

(٦) في «ف» : (ألزم) بدل من : (إلّا لزم).

٢٥٠

قال :

جواب : الجهل لازم للوقوع لا للقدرة ، وهو محال من حيث العلم.

أقول :

تقرير الجواب أن نقول : الله تعالى إذا علم بعدم (١) الشيء ، فوقوعه يكون مستلزما للجهل فيكون محالا لغيره لا لذاته.

وبيان ذلك : أنّ العلم يجب فيه المطابقة ، فإذا وصفت العلم بالعدم وجب أن يكون العدم موضوعا قبل وضع العلم حتّى يتعلّق به العلم ، فإنّ العلم تابع للمعلوم وحكاية عنه ، وحال فرض العدم يكون الوجود محالا ، لأنّه يكون العدم واجبا حينئذ للفرض لا لذاته ، ويكون هذا الوجوب لاحقا لا سابقا ، فلا يؤثّر في إمكان الممكن ، كما أنّك إذا فرضت الماهيّة معدومة فإنّها بهذا الاعتبار يستحيل أن تكون موجودة ، وتكون هذه الاستحالة غير ذاتيّة ، بل إنّما حصلت من ذلك الفرض ، و (٢) لا تكون مؤثّرة في الإمكان الذاتي ، فإذا هو ممكن باعتبار ذاته ، فهو مقدور عليه من تلك الحيثيّة ، وغير مقدور عليه من حيث وضع أحد الطرفين وتعلّق العلم به ، ولا يلزم من ذلك استحالة (٣) لتعدّد الحيثيّات.

[المذهب الرابع]

قال :

سؤال للبلخي (٤) : لا يمكن أن يخلق فينا علما ضروريّا يتعلّق بما علمناه مكتسبا

__________________

(١) في «ج» «ر» زيادة : (وقوع) ، وفي «ف» : (بعد وقوع).

(٢) الواو لم ترد في «ف».

(٣) في «ر» «س» : (استحالته).

(٤) في «ج» «ف» : (البلخي). وهو عبد الله بن أحمد الكعبي البلخي أبو القاسم تلميذ أبي الحسين

٢٥١

وإلّا لأمكن أن يخلق العلم بقدرة زيد المعلوم وجوده اكتسابا ثمّ نشكّ في وجوده مع العلم الضروريّ بقدرته.

أقول :

هذا مذهب رابع ، وهو من المذاهب الباطلة ، ذهب إليه أبو القاسم البلخي وهو : أنّه تعالى غير قادر على أن يخلق فينا علما ضروريّا يتعلّق بما علمناه مكتسبا.

واحتجّ عليه بأنّه لو قدر على أن يخلق فينا علما كذلك لأمكن أن يخلق فينا علما ضروريّا بقدرة زيد المعلوم وجوده بالاكتساب ، والتالي باطل فالمقدّم مثله (١).

وبيان الشرطيّة ظاهر ، فإنّ العلم بالقدرة أحد العلوم المكتسبة.

وبيان بطلان التالي : أنّه لو صحّ ذلك لجاز وقوع الشكّ في الضروريّات ، لأنّه يجوز الشكّ في النظريّات ، فإذا شككنا في وجود زيد الكسبي فإمّا أن نشكّك حينئذ في قدرته أو لا ، والتالي باطل ، وإلّا لكان العلم حاصلا بأنّ زيدا قادر مع الشكّ في وجوده وهو سفسطة ، والأوّل يلزم منه وقوع الشكّ في الضروريّات ، فإذن لا يمكن أن يخلق (٢) العلم الضروري بالصفة مع علمنا بالذات اكتسابا.

وأيضا لو أمكن أن يخلق فينا علما ضروريا يتعلّق بما علمناه مكتسبا لأمكن أن نعلم بالاكتساب ما هو الآن معلوم لنا بالاضطرار ، فيلزم تجويز أن يكون علمنا بأنفسنا ولذّاتنا وآلامنا مكتسبا ، وعلمنا بالشرائع والنبوّات ضروريّا وذلك محال.

__________________

الخيّاط ، وأحد المعتزلة البغداديين ، كان أصله من بلخ وقد عاش ببغداد ثمّ عاد إلى بلخ ، وله آراء منفردة ، وأتباعه معروفة بالكعبيّة ، توفي سنة ٣١٩ هجريّة ، ويعدّ من الطبقة الثامنة من طبقات المعتزلة (المنية والأمل : ١١ ، طبقات المعتزلة : ٨٨ ، الفرق بين الفرق : ١٠٨).

(١) حكاه المصنّف في أنوار الملكوت : ٩١.

(٢) في «أ» «ج» «ف» زيادة : (لنا).

٢٥٢

وأيضا لو أمكن أن يخلق فينا العلم الضروري بما علمناه (١) مكتسبا لزم منه (٢) حصول العلم الضروري بالشيء مع الجهل به ، والتالي باطل بالضرورة فالمقدّم مثله.

بيان الشرطيّة : أنّه إذا تعلّق علمنا الضروري بشيء يمكن أن يتعلّق به علمنا الكسبي صحّ منّا الاستدلال على ذلك الشيء ، لأنّا عقلاء ، والأدلّة قائمة ، والمطلوب يصحّ اكتسابه ، وإذا صحّ منّا الاستدلال عليه مع علمنا الضروريّ به ، وحصول الاستدلال لا يستلزم العلم ، بل قد يحصل معه العلم وقد لا يحصل ، فيكون الجهل حاصلا ، فعلى تقدير عدم حصول العلم الكسبي عقيب الاستدلال يكون الجهل حاصلا والعلم الضروريّ حاصل به ، هذا خلف.

قال :

جواب : العلم بالقدرة منفكّة عن الوجود محال غير مقدور ، ولا يلزم استحالة العلم بالقدرة مع الوجود.

أقول :

هذا جواب شبهته المذكورة في الأصل ، وتقريره : أنّ العلم بالقدرة حالة العدم محال والمحال غير مقدور ، والكلام مفروض في علم ممكن الوجود الكسبي لا (٣) في شيء محال ، ولا يلزم من استحالة العلم بالقدرة حالة العدم استحالة العلم بالقدرة حالة الوجود ، فنحن نقول : إنّه يجوز أن يخلق فينا العلم الضروري المتعلّق بوجود زيد الكسبيّ وبقدرته.

__________________

(١) في «ب» : (علمنا).

(٢) (منه) لم ترد في «س».

(٣) (لا) لم ترد في «د».

٢٥٣

والجواب (١) عمّا ذكر (٢) ثانيا بالمنع (٣) من الشرطيّة ، فإنّ العلوم (٤) الضروريّة لا يمكن أن يخلو الإنسان منها ، فلا يكون الخلوّ منها ممكنا ، والكسبيّ شرطه الخلوّ. ولو سلّمنا الشرطيّة لمنعنا امتناع التالي.

وعن ما ذكره ثالثا أنّ الاستدلال على الشيء مع العلم به محال لما فيه من تحصيل الحاصل ، فإذن (٥) لا يمكننا حال العلم بالشيء علما ضروريّا أن نستدلّ عليه.

[المذهب الخامس]

قال :

سؤال للبلخي : لا يقدر على مثل مقدور العبد لأنّه (٦) تواضع أو عبث.

أقول :

هذا أحد المذاهب الباطلة وهو مذهب البلخي أيضا ، فإنّه زعم أنّ الله تعالى لا يقدر على مثل مقدور العبد ، واستدلّ عليه بأنّ فعل العبد (٧) تواضع أو عبث ، والله تعالى يستحيل منه فعل هذين فلا يكون قادرا على مثل مقدور العبد (٨).

__________________

(١) في «ر» : (فالجواب).

(٢) في «ب» : (ذكره) ، وفي «د» : (ذكرنا).

(٣) في «أ» «ب» : (المنع).

(٤) في «ف» : (العلم).

(٥) في «س» : (فلأن).

(٦) في «س» زيادة : (إمّا).

(٧) في «ج» «ف» زيادة : (إمّا).

(٨) انظر المواقف : ٢٨٣ ، شرح المواقف ٨ : ٦٠.

٢٥٤

قال :

جواب الجبائيين (١) : هي صفات وعوارض لا تؤثّر في التماثل (٢) الذاتي.

أقول :

قد أجاب أبو علي وأبو هاشم عن هذه الشبهة بأنّ كون الفعل طاعة أو عبثا صفة عارضة للفعل واعتبار لاحق به يحصل بواسطة (٣) قصد العبد وهي لا تؤثّر في تماثل الأفعال ، ولا تقتضي الاختلاف الذاتي.

[عدم استحالة اجتماع قادرين على مقدور واحد]

قال :

سؤال للمعتزلة غير أبي الحسين : لا يقدر على (٤) مقدور العبد وإلّا لصحّ (٥) منه خلافه ، إذ هو شأن القادر فيجتمع الضدّان.

أقول :

ذهب جماعة من المعتزلة إلى أنّ الله تعالى لا يقدر على عين (٦) مقدور العبد

__________________

(١) في «د» : (للجبائيين). وهما محمّد بن عبد الوهّاب بن سلام بن خالد مولى عثمان بن عفّان المعروف بأبي علي الجبائي ، نسبة إلى قرية في البصرة ، شيخ المعتزلة في زمانه وابنه عبد السلام بن محمّد بن عبد الوهّاب الجبائي المكنّى بأبي هاشم وكلاهما على مذهب المعتزلة ، مات أبو علي سنة ٣٠٣ هجريّة وابنه أبو هاشم سنة ٣٢١ هجريّة. (الملل والنحل ١ : ٧٣ ، الكنى والألقاب ٢ : ١٤١).

(٢) في «ف» : (المتماثل).

(٣) في «ف» زيادة : (فلا).

(٤) في «ب» زيادة : (عين).

(٥) في «س» : (ولا يصح) بدل من : (وإلّا لصحّ).

(٦) في «ف» : (غير).

٢٥٥

وخالفهم في ذلك (١) أبو الحسين البصري ، وبنى أولئك مذهبهم على امتناع اجتماع قادرين على مقدور واحد وجوّزه أبو الحسين.

احتجّوا بوجوه :

الأوّل : أنّ معنى القادر هو الذي يصحّ منه الفعل والترك ، فإذا اجتمع قادران على مقدور واحد و (٢) أوجد أحدهما الفعل صحّ (٣) من الآخر خلافه ، إذ هو شأن القادر فيلزم منه اجتماع الضدّين وهو محال.

قال :

ولأنّه إذا كرهه أحدهما وأراده (٤) الآخر إن وقع وقع (٥) المكروه وإن عدم عدم المراد.

أقول :

هذا هو (٦) الوجه الثاني وتقريره : أنّه لو اجتمع قادران على مقدور واحد لجاز اختلافهما في الإرادة ، ولو جاز ذلك فإذا أراد أحدهما الفعل وكرهه الآخر ، فإمّا أن يقع الفعل أو لا يقع ، فإن وقع (٧) لزم وقوع المكروه فلا يكون الكاره قادرا لأنّ من شأن القادر أنّه الذي إذا كره الفعل لا يقع ، وإن لم يقع لم يقع المراد ، فلا يكون المريد

__________________

(١) (في ذلك) لم يرد في «ف».

(٢) الواو لم ترد في «ف».

(٣) في «أ» : (قبح).

(٤) في «ف» : (فإرادة).

(٥) (وقع) سقطت من «ف».

(٦) (هو) لم ترد في «أ» «س».

(٧) (وقع) سقطت من «ف».

٢٥٦

قادرا ، إذ من شأن القادر أنّه الذي إذا أراد الفعل وقع.

قال :

ولأنّ تعلّق المقدور بالقادر كتعلّق المعلول بالعلّة (١) ، وهنا يمتنع التعدّد فكذا تمّ.

أقول :

هذا وجه ثالث على استحالة اجتماع القادرين على مقدور واحد ، وذلك لأنّ تعلّق الفعل بالقادر كتعلّق المعلول بالعلّة بمعنى أنّ تعلّقه به يوجب له (٢) الاستغناء عن غيره وإلّا لم يكن القادر عليه قادرا عليه ، هذا خلف ، فكما أنّه يمتنع تعدّد العلل على المعلول الشخصي ، فكذا يمتنع تعدّد القادرين (٣) على المقدور الواحد ، وإنّما قلنا : إنّه يمتنع تعلّق المعلول الشخصي ، بعلّتين تامّتين لأنّه بالنظر إلى كلّ واحدة منهما (٤) يكون واجبا ، والواجب مستغن عن المؤثر ، فهو بالنظر إلى كلّ واحدة (٥) منهما مستغن عن كلّ واحدة منهما فيلزم افتقاره إليهما حالة الحاجة إليهما (٦) ، هذا خلف.

قال :

ولأنّ الله تعالى إن قدر على الفعل ، فإن وقع على جهة الخشوع فمحال ، وإلّا افتقر

__________________

(١) في «أ» زيادة : (لا بمعنى أنّ تعلّقه يوجب له الاستغناء عن غيره وإلّا لم يكن القادر عليه قادرا عليه).

(٢) (له) لم ترد في «س».

(٣) في «س» : (القادر).

(٤) في «س» : (واحد منها).

(٥) في «س» : (واحد).

(٦) في «ج» «ف» : (استغنائه عنهما) بدل من : (الحاجة إليهما) ، وفي «ب» : (حال الحاجة إليهما) بدل من : (حالة الحاجة إليهما).

٢٥٧

اتّصاف الفعل به إلى سبب فيقوم المعنى بالمعنى.

أقول :

هذا وجه رابع وتقريره : أنّ أفعالنا لا تقع إلّا (١) على جهة (٢) الخشوع والعبث والتذلّل ؛ فإمّا أن تكون هذه الصفات واجبة للأفعال لذواتها أو جائزة لها ؛ فإن كان الأوّل لزم أن يكون الله تعالى إنّما يفعل هذه الأفعال على هذه الجهات والصفات وهو محال ، وإن كان الثاني كان اتّصاف هذه الأفعال بهذه الصفات مفتقرا إلى سبب ، ويلزم منه قيام المعنى بالمعنى وهو محال (٣).

[ردّ أدلّة الاستحالة]

قال :

جواب الأوّل : أنّ الفعل كما يتوقّف على الفاعل يتوقّف على القابل ، فالمحلّ إذا حصل الضدّ فيه بالفاعل (٤) امتنع حصول الآخر.

أقول :

هذا جواب الوجه الأوّل ، وتقريره : أنّ وجود الفاعل في الفعل غير كاف ، بل

__________________

(١) (إلّا) لم ترد في «د».

(٢) في «ج» «ر» «ف» : (وجه).

(٣) حكاه الفخر الرازي في تفسيره ٣٠ : ٥٣ عن الكعبي وأبي علي وأبي هاشم والمحقّق في المسلك في أصول الدين : ٨٣ ، وانظر المواقف في علم الكلام : ٤٢٩ ، وشرح المواقف ٨ : ١٩ ، وحكاه المصنّف عن الجبائيين في أنوار الملكوت : ٨٨ ، وشرح التجريد (تحقيق الآملي) : ٣٩٦ ، وفي طبعة تحقيق الزنجاني : ٣٠٨ ، وفي طبعة تحقيق السبحاني : ١٧.

(٤) في «ف» : (الفاعل).

٢٥٨

لا بدّ مع ذلك من حصول القابل ، فالفاعل إذا فعل في المحل أحد الضدّين استحال قبول المحلّ حينئذ للضدّ (١) الآخر فيستحيل (٢) صدوره من القادر الآخر نظرا إلى حصول ضدّه (٣) لا من حيث هو.

قال :

والثاني : أنّ جانب (٤) الوجود يكفي فيه (٥) مؤثّر واحد ، والعدم لا بدّ فيه من عدم كلّ مؤثّر (٦).

أقول :

هذا جواب الوجه الثاني ، وتقريره أن نقول : وجود الفعل يكفي فيه وجود مؤثّر واحد تامّ ، وعدمه لا يكفي فيه عدم مؤثّر واحد ، بل لا بدّ فيه من عدم كلّ مؤثّر ، فالقادر إذا أراد الفعل فقد حصل المؤثّر التامّ فيجب حصول الفعل ، ولا يلزم من كراهة القادر الآخر لذلك الفعل أن لا يقع الفعل (٧) ، فإنّ عدم إرادة واحدة (٨) غير كافية في الإعدام بل عدم كلّ إرادة.

__________________

(١) في «ج» «س» «ف» : (الضدّ).

(٢) في «ف» : (يستحيل).

(٣) في «د» زيادة : (إلّا).

(٤) في «ف» : (حساب).

(٥) في «ج» زيادة : (وجود).

(٦) قوله : (والعدم) إلى هنا سقط من «د» «ف».

(٧) قوله : (فقد حصل) إلى هنا لم يرد في «ف».

(٨) في «س» : (واحد).

٢٥٩

قال :

و (١) جواب الثالث : منع المماثلة ، والرابع : منع الملازمة وتجويز (٢) قيام المعنى بالمعنى.

أقول :

أمّا جواب الوجه الثالث فالمنع من المماثلة بين القادر والموجب ، فإنّ القادر معه لا يجب الفعل ، والموجب يجب معه الفعل ، فلا (٣) يكون استناد الفعل إلى القادر كاستناده إلى الموجب.

وأمّا جواب الوجه الرابع فالمنع (٤) من الملازمة ، فإنّا نقول : إنّ صفة الخشوع والخضوع اعتبارات ليس لها تحقّق في الخارج ، فلا يقال : إنّها ذاتيّة أو حاصلة بسبب آخر ، ولو سلّمنا ذلك فلم لا يجوز قيام المعنى بالمعنى.

واستدلّ أبو الحسين على مذهبه بأنّ عين مقدور العبد ممكن ، والله تعالى قادر على كلّ الممكنات ، فيكون قادرا عليه ، وأيضا إذا التصق جزء واحد بكفي قادرين وجذبه أحدهما حال دفع الآخر فإمّا أن يحصل في ذلك الجزء (٥) حركتان تستند كلّ حركة إلى قادر أو يحصل في ذلك الجزء حركة واحدة ؛ والأوّل باطل لوجهين : أمّا أوّلا : فلاستحالة اجتماع الأمثال ، وأمّا ثانيا : فلأنّه ليس استناد إحدى الحركتين إلى أحد القادرين أولى من الآخر ، وإن كان الثاني فإمّا أن يحصل تلك

__________________

(١) في «أ» : (وأمّا).

(٢) في «ب» : (يجوز).

(٣) في «ر» «ف» : (ولا).

(٤) في «ج» «د» : (بالمنع).

(٥) في «د» : (للجزء).

٢٦٠