معارج الفهم في شرح النظم

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

معارج الفهم في شرح النظم

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: عبدالحليم عوض الحلّي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-397-218-3
الصفحات: ٦٤٤

وعلّة الموجود موجودة. وإذا كان الفصل موجودا لزم مشاركته للنوع في معنى الجنس فيفتقر إلى فصل آخر.

وهكذا الكلام في كلّ فصل ، ويلزم من ذلك تسلسل العلل والمعلولات وهو محال. وإذا بطل أن يكون نفس الماهيّة وجزءها لزم أن يكون أمرا خارجا عنها زائدا عليها وهو المطلوب.

وهذه (١) الحجّة عندي ضعيفة ، فإنّ لقائل أن يقول : إن كان المطلوب من هذه الحجّة أنّ الوجود زائد على كلّ ماهيّة يحمل عليها الوجود (٢) فهي غير تامّة ، فإنّ الذي أبطلتموه كون الوجود جزءا من كلّ ماهيّة ، ولا يلزم من ذلك أن يكون الوجود زائدا على كلّ ماهيّة ، وإن كان المطلوب كون الوجود زائدا على بعض الماهيّات ، فلا يفيدكم المطلوب في كون وجود واجب الوجود زائدا على ماهيّته.

على أنّا نقول : لا نسلّم أنّ الوجود إذا كان جزءا مشتركا لزم التسلسل ، وإنّما يلزم ذلك على تقدير أن يكون جنسا ، وعلى تقدير (٣) أن يكون الفصل علّة لوجود الجنس ، وعلى أنّ الوجود إذا كان صفة للفصل كان جزءا منه والكلّ ممنوع. وقد يمكن (٤) تكلّف الجواب عن هذه الأسئلة بما فيه بعض الدقّة.

قال :

وانتفت البسائط فانتفت (٥) المركّبات.

__________________

(١) في «ف» : (هذه) بدل من : (وهذه).

(٢) في «د» «س» : (الموجود).

(٣) (تقدير) لم ترد في «ج».

(٤) في «ف» : (يكون).

(٥) في «ف» : (انتفت).

٢٢١

أقول :

هذا دليل ثان على أنّ الوجود إذا كان مشتركا كان زائدا لأنّه (١) لو كان جزءا من كلّ موجود لزم نفي البسائط ، لأنّها موجودة والوجود جزء منها ، والمراد بالبسيط (٢) هاهنا الموجود الذي لا جزء له ، وقد يطلق على معنى آخر وهو الذي يساوي جزأه في الحدّ والحقيقة ، وإذا انتفت البسائط انتفت المركّبات لأنّ المركّبات إنّما تتركّب من البسيط ، وإذا انتفى (٣) البسيط انتفى المركّب ضرورة استلزام عدم الجزء عدم الكلّ.

[الردّ على أدلّة اشتراك الوجود]

قال :

جواب : أمنع الصغرى والتقسيم و (٤) وجود الماهيّة وعدمها فلا واسطة.

أقول :

منع هاهنا صغرى القياس وهي أنّ الوجود مشترك ، وأجاب عن الوجه الأوّل من الأوجه الثلاثة الدالّة عليها (٥) ، وهو أنّ الوجود لو لم يكن مشتركا لبطل الحصر بأن قال (٦) : الحصر حاصل على تقدير عدم اشتراك الوجود لأنّا نقسّم

__________________

(١) في «س» : (إذ).

(٢) في «س» : (بالبسائط منها) بدل من : (بالبسيط).

(٣) في «د» زيادة : (من).

(٤) في «د» : (التقسّم) بدل من : (التقسيم و) ، كما أنّ الواو لم ترد في «ر» «س» ، وفي «ف» : (بوجود) بدل من : (ووجود).

(٥) في «د» «س» : (عليه).

(٦) في «س» : (فإنّ) بدل من : (بأن قال).

٢٢٢

بالنسبة إلى وجود كلّ ماهيّة وعدمها. فنقول : كلّ ماهيّة إمّا أن تكون موجودة أو معدومة ، وهذه القسمة حاصرة سواء كان هناك معنى مشترك أو لم يكن.

قال :

ومورد التقسيم (١) الماهيّة.

أقول :

هذا جواب عن الوجه الثاني وهو أنّا نقسم الوجود إلى الواجب والممكن وتقرير الجواب : أنّا لا نسلّم أنّ مورد التقسيم (٢) هو الوجود بل الماهيّة فنقول :

الماهية إمّا أن تكون واجبة أو ممكنة وذلك لا يستلزم اشتراك الوجود بين القسمين.

قال :

وبقاء الاعتقاد ممنوع.

أقول :

هذا جواب عن الوجه الثالث وهو أن بقاء اعتقاد الوجود (٣) حاصل حال زوال اعتقاد الخصوصيّات ، وتقريره أن يمنع (٤) بقاء اعتقاد الوجود ، فإنّ من جزم بوجود ممكن وجزم بأنّ سببه ـ وهو الجوهر (٥) ـ موجود ثمّ زال الجزم بكونه جوهرا وحصل له الجزم بكونه عرضا يزول (٦) اعتقاد وجود الجوهريّة ويحصل له اعتقاد وجود العرض ، فالحاصل أنّا نمنع ثبوت اعتقاد الوجود حال زوال اعتقاد الخصوصيّات ، وفي هذا نظر.

__________________

(١) في «د» : (التقسّم) ، وفي «س» : (القسيم).

(٢) في «د» : (التقسّم) ، وفي «س» : (القسيم).

(٣) في «د» «س» : (الاعتقاد) بدل من : (اعتقاد الوجود).

(٤) في «س» : (نمنع).

(٥) في «ر» : (جوهر).

(٦) في «أ» «ف» : (بزوال).

٢٢٣

[دليل آخر على أنّ الوجود زائد على الماهيّة]

قال :

سؤال : الماهيّة باعتبار الوجود واجبة ومن حيث هي (١) ممكنة جواب منع (٢) الصغرى.

أقول :

هذا دليل ثان (٣) على أنّ الوجود زائد على الماهيّة ، وتقريره أن نقول : إذا أخذنا ماهيّة الممكن من حيث هي موجودة تكون واجبة الوجود وإلّا لجاز عدمها من حيث هي موجودة فيلزم اجتماع النقيضين ، وهو محال ، وإذا أخذنا الماهيّة من حيث هي هي كانت ممكنة الوجود والعدم ، فالماهيّة من حيث هي موجودة مغايرة للماهيّة من حيث هي هي فيكون الوجود زائدا عليها.

والجواب : أنّا نمنع الصغرى ونقول : إنّ الماهيّة من حيث هي موجودة لا تخرج عن كونها تلك الماهيّة وإلّا لكان الوجود إعداما للماهيّة ، هذا خلف ، وإذا كان كذلك كانت من حيث هي موجودة ممكنة لأنّها من حيث هي هي تقتضي الإمكان ، ومن حيث هي هي حاصلة من حيث هي موجودة.

قال :

سؤال : يفرّق (٤) بين تصوّر الماهيّة وتصديق الوجود جواب لفظا.

__________________

(١) في «ج» «د» «ف» زيادة : (هي).

(٢) في «ف» : (نمنع).

(٣) (ثان) لم ترد في «د».

(٤) في «د» «ر» : (نفرّق).

٢٢٤

أقول :

هذا دليل ثالث على أنّ الوجود زائد ، وتقريره : إنّا نفرق بالضرورة بين قولنا : السواد سواد وبين قولنا : السواد موجود ، وذلك يدلّ على أنّ الوجود أمر زائد على الماهيّة.

والجواب : أنّ الفرق إنّما هو باعتبار مغايرة لفظ «الوجود» للفظ «السواد» ، أمّا باعتبار مغايرة المعنى فلا ، ويتنزّل (١) ذلك منزلة قولنا : إنّا نفرق بين قولنا : الإنسان إنسان وبين قولنا : الإنسان بشر ، وذلك يدلّ على المغايرة بين الإنسان والبشر ، ولما كان هذا باطلا وإنّ المغايرة اللفظيّة كافية هاهنا فكذلك ثمّ.

[لا شيئيّة للمعدوم]

قال :

فتلخّص من هذا أنّ لا شيئيّة للمعدوم.

أقول :

هذا نتيجة ما دلّ الدليل عليه (٢) من كون الوجود نفس الماهيّة ، فإنّ الوجود لمّا لم يكن ثابتا في العدم بالاتفاق لم يكن العدم (٣) شيئا ، وهذا الكلام أراد به مناقضة أبي هاشم (٤) وأصحابه فإنّهم أثبتوا المعدوم.

__________________

(١) في «د» «س» : (وينزّل).

(٢) (عليه) لم ترد في «ف».

(٣) في «أ» : (المعدوم).

(٤) في «أ» «س» : (الحسن) ، وهو عبد السلام بن محمّد الجبائي ، كنيته أبو هاشم كان تلميذا لأبيه أبي عليّ الجبائي ، وهو من أكابر متكلمي المعتزلة ويطلق على أتباعه البهشمية. (وفيات الأعيان ٢ :

٣٣٥ ، المنيّة والأمل لابن المرتضى : ١٨١).

٢٢٥

وتحقيق قولهم أن نقول : المعدوم إمّا أن يكون ممتنع الثبوت ولا نزاع في كونه نفيا محضا ، وإمّا أن يكون ممكن الثبوت.

فذهب جماعة من المعتزلة كأبي علي (١) وأبي هاشم وأبي يعقوب الشحّام (٢) وأبي الحسين (٣) الخيّاط وأبي القاسم البلخي (٤) وأبي عبد الله البصري (٥) وأبي إسحاق بن عيّاش (٦) وعبد الجبّار (٧) وغيرهم (٨) إلى أنّ

__________________

(١) هو أبو عليّ محمّد بن عبد الوهاب الجبائي ، إمام المعتزلة في زمانه ، ومؤسّس مدرسة البصرة ، وقد كان أبو الحسن الأشعري تلميذا له ثمّ انعزل عنه وجاء بمذهب الأشاعرة ، وله كتاب في الردّ على أهل السنّة ، وله آراء انفرد بها عن المعتزلة ، مات في بغداد سنة ٣٠٣ هجريّة (الأنساب للسمعاني ٣ : ١٨٧ ، العبر في خبر من غبر ٢ : ١٢٥).

(٢) في «ف» : (الشجام) ، وهو يوسف بن عبد الله المعروف بالشحّام من أئمّة المعتزلة ، من أهل البصرة ، وكان إمام المعتزلة في زمانه ، أخذ عن أبي الهذيل العلّاف ، عاش ثمانين سنة وله كتاب في تفسير القرآن ، توفّي سنة ٢٨٠ هجريّة (طبقات المعتزلة : ٧١ ، لسان الميزان ٦ : ٣٢٥).

(٣) في «أ» «ب» «س» : (الحسن). وهو عبد الرحيم بن محمّد بن عثمان الخياط ، شيخ المعتزلة في بغداد ، تنسب إليه فرقة باسم الفرقة الخياطية ، توفّي سنة ٣٠٠ للهجرة.

(٤) هو عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي البلخي ، الخراساني أحد أئمّة المعتزلة ، إليه تنسب الطائفة الكعبيّة ، توفي بمدينة بلخ سنة ٣١٩ هجريّة (تاريخ بغداد ٩ : ٣٨٤ ، وفيات الأعيان ١ : ٢٥٢).

(٥) هو الحسين بن عليّ بن إبراهيم الملقّب بالجعل ، من شيوخ المعتزلة ، وكانت ولادته في البصرة ووفاته في بغداد سنة ٣٦٩ هجريّة (الأعلام للزركلي ٢ : ٢٤٤).

(٦) هو إبراهيم بن محمّد بن عيّاش البصري ، تلميذ أبي هاشم ، له كتاب في إمامة الحسن والحسين عليهما‌السلام (طبقات المعتزلة : ١٠٧).

(٧) هو عبد الجبّار الهمداني الأسدآبادي ، قاض ، كان شيخ المعتزلة في زمانه ، ولي القضاء بالري ، وكان يلقّب بقاضي القضاة ، مات بالري سنة ٤١٥ هجريّة ، له كتب منها المغني في أبواب التوحيد والعدل ، وشرح الأصول الخمسة. (لسان الميزان ٣ : ٣٨٦ ، تاريخ بغداد ١١ : ١١٣ ، الأعلام ٣ : ٢٧٣).

(٨) مثل أبي رشيد النيسابوري أحد تلامذة القاضي عبد الجبّار الذي قد انتهت إليه رئاسة المعتزلة

٢٢٦

المعدومات (١) الممكنة ذوات وأعيان وحقائق ثابتة في العدم ، وليس للفاعل تأثير في جعلها ذواتا ، وإنّما تأثيره (٢) في جعل الذات (٣) موجودة ، واتفقوا على تباين تلك الذوات وإنّها غير متناهية ، ثمّ اتفقوا على أنّ تلك الذوات متساوية في حقائقها وإنّما تتباين (٤) بصفات مميّزة لها وتسمّى تلك الصفات صفات الأجناس (٥).

فذهب الجمهور كأبي علي وأبي هاشم إلى أنّ تلك المعدومات كما أنّها ثابتة بذواتها فهي متمايزة حالة العدم بصفاتها كالجوهريّة للجوهر ، وآخرون منهم قالوا : إنّ تلك الصفات لا تحصل إلّا مع الوجود.

وذهب الفريق الأوّل إلى أنّ الصفات التي للجوهر إمّا أن تكون (٦) عائدة إلى الجملة كالحياة وسائر ما تكون مشروطا بها كالقدرة والعلم ، وإمّا أن تكون عائدة إلى الأفراد وهي أربع صفات :

أحدها : الصفة الحاصلة له حالة الوجود (٧) والعدم ، وهي صفة الجوهريّة التي بها يماثل ما يماثل ويخالف ما يخالف (٨).

__________________

بعد قاضي القضاة ، انتقل إلى الري وتوفي فيها سنة ٤٤٠ هجريّة (طبقات المعتزلة : ١١٦) ، ومثل ابن متّويه الذي لخّص بعض كتب القاضي عبد الجبّار (طبقات المعتزلة : ١١٩).

(١) في «ف» : (المعلومات).

(٢) في «ف» : (ذو تأثيره) بدل من : (ذواتا وإنّما تأثيره).

(٣) في «ج» «ر» «ف» : (الذوات).

(٤) في «ج» «ر» «س» «ف» : (تباين).

(٥) حكاه عنهم الفخر الرازي في المحصّل : ١٥٧ و ١٥٨ ، والخواجة نصير الدين الطوسي في تلخيص المحصل : ٨١ ، والمصنّف في نهاية المرام في علم الكلام ١ : ٥٣.

(٦) (تكون) ليست في «ف».

(٧) في «ف» زيادة : (والصفة).

(٨) (ما يخالف) ليست في «ف».

٢٢٧

وثانيها : صفة الوجود ، وهي التي تحصل بالفاعل.

وثالثها : صفة (١) التحيّز ، وهي الصفة التابعة للحدوث الصادرة (٢) عن صفة الجوهريّة بشرط الوجود.

ورابعها : الحصول في الحيّز ، وهي الصفة المعلّلة بالمعنى.

والفرق بين هاتين الصفتين أنّ التحيّز هو الصفة المختصّة بالجوهر التي باعتبارها احتاج الجوهر إلى حيّز (٣) وتقتضيها الجوهريّة ، وأمّا الحصول في الحيّز فهي الصفة المعلّلة بالمعنى ، وهي علّة (٤) للكائنيّة ، وجماعة من الناس يحسبون أنّ ذلك المعنى هو الكائنيّة ، وهو خطأ ، فإنّ الكائنيّة معلولة للحصول في الحيّز ، والحصول في الحيّز معلول ذلك المعنى.

قالوا : وليس للجوهر صفة سوى هذه فليس له بكونه أبيض أو أسود صفة ، وأمّا الأعراض فلا (٥) تعقل فيها الصفات الراجعة إلى الجملة ولا الحصول في الحيّز فلها (٦) إذا ثلاث صفات :

أحدها : صفة الجنس كالسواديّة في السواد ، والبياضيّة في البياض.

وثانيها : الوجود ، وهو الحاصل بالفاعل.

وثالثها : الحلول ، وهي الصفة الصادرة عن صفة الجنس التي باعتبارها كان حالّا في المحلّ.

__________________

(١) (صفة) لم ترد في «ف».

(٢) في «ب» «ف» : (الصادر).

(٣) في «ج» «ر» : (حيّزه).

(٤) في «ف» : (العلّة).

(٥) في «ف» : (ولا).

(٦) في «ج» : (فإنّها).

٢٢٨

وتمادى بعضهم في هذا المجال إلى (١) أن جعل الذوات المعدومة يصحّ اتّصافها بالصفات المتزايلة وتركّبها بأنواع التراكيب ، وآخرون جعلوا للمعدوم بكونه معدوما صفة زائدة على ذاته (٢) ، وهذا كلّه دخول في الجهالات.

[الأدلّة على أنّ المعدوم ثابت متميز وردّها]

قال :

احتجّ من أثبته بأنّ المعدوم متصوّر متميّز (٣) فثابت.

أقول :

هذه حجّة أبي هاشم وأصحابه على أنّ المعدوم (٤) الممكن ثابت ، وتقريرها أن نقول : المعدوم متصوّر ، وكلّ متصوّر متميّز ، وكلّ متميّز ثابت ، فالمعدوم ثابت. فهاهنا ثلاث مقدّمات :

الاولى : أنّ (٥) المعدوم متصوّر ، وهي ظاهرة ، فإنّا نتصوّر طلوع الشمس غدا من مشرقها ، وهو معدوم الآن.

المقدّمة الثانية : أنّ كلّ متصوّر متميّز ، وهي ظاهرة أيضا ، فإنّ الشيء الذي لا يتميّز عن غيره يستحيل تصوّره وتعلّق العلم به ، فإنّه لا يكون حينئذ إليه (٦)

__________________

(١) (إلى) ليست في «ف».

(٢) انظر كتاب المحصّل : ١٥٧ ـ ١٦٣ ، تلخيص المحصّل : ١٥٧ ، كشف المراد : ٣٠ (طبعة الزنجاني) وفي طبعة الآملي : ٥٧.

(٣) في «ب» «س» : (فمتميّز).

(٤) في «ف» : (المعدم).

(٥) في «د» : (في أنّ).

(٦) (إليه) لم ترد في «د».

٢٢٩

إشارة عقليّة ولا حسّيّة تخصّصه عن غيره فثبت بهاتين (١) المقدّمتين أنّ كلّ معدوم متميّز.

ويدلّ على ذلك أيضا أنّي (٢) قادر على الحركة يمنة ويسرة وغير قادر على الحركة إلى السماء ، فالحركتان متمايزتان ، وهما معدومتان.

وأيضا فإنّني (٣) اريد اللذّات وأكره الآلام وهما معدومان (٤).

فظهر بهذه الامور أنّ المعدوم متميّز ، وأمّا أنّ كلّ متميّز ثابت فلأنّ كلّ متميّز فهو متحقّق متعيّن في نفسه مغاير لما عداه وإلّا لما كان متميّزا ، ولا نعني بكون المتميّز ثابتا إلّا هذا.

قال :

وبأنّ (٥) ممكن العدم معناه تقرّر ماهيّته مع العدم كالوجود.

أقول :

هذه حجّة ثانية لهم على (٦) أنّ المعدوم ثابت ، وتقريرها : إنّا إذا (٧) وصفنا الممكن الموجود بأنّه ممكن (٨) عدمه كان معناه أنّ ماهيّته ممكن (٩) أن تتصف بالعدم

__________________

(١) في «أ» : (حصلت من هاتين) ، وفي «ب» : (فثبت من هاتين) بدل من : (فثبت بهاتين).

(٢) في «ر» «س» : (إنّني).

(٣) في «ج» «ر» «ف» : (فإنّي).

(٤) انظر المواقف : ٥٥ ، تلخيص المحصّل : ٨٢ ، المباحث المشرقيّة ١ : ٤٧ ، نهاية المرام في علم الكلام ١ : ٥٩.

(٥) في «س» : (وبأنّه).

(٦) (على) لم ترد في «ف».

(٧) (إذا) لم ترد في «ف».

(٨) في «ف» : (يمكن).

(٩) في «ف» : (يمكن).

٢٣٠

فتكون متصوّرة حالة العدم كما أنّا إذا (١) وصفنا الماهيّة بإمكان الوجود كان معناه أنّ تلك الماهيّة يمكن أن تتقرّر حالة الوجود ، وقد يحتجّون أيضا بأنّ الإمكان ثبوتي لأنّه نقيض الامتناع العدمي فيكون الموصوف به ثابتا والمعدوم موصوف به (٢).

قال :

وجوابه : أنّ التصوّر لا يقتضي الثبوت كالممتنعات والمركّبات والوجود.

أقول :

هذا جواب الحجّة الاولى وهو بالطعن في المقدّمة الثالثة ، فإنّا نسلّم أنّ المعدوم متصوّر وإنّ كلّ متصوّر متميّز ، ونمنع أنّ كلّ متميّز ثابت. وسند المنع أنّا نتصوّر الممتنعات كشريك الباري تعالى ونتصوّر المركّبات كجبل من ياقوت ، ونتصوّر الوجود ، وهذه الامور متميّزة ، ومع ذلك فليست ثابتة في العدم بالاتفاق ، فإن تصوّرتم المعدومات الممكنة على هذا المعنى فذلك لا يقتضي الثبوت وإن كان على غير هذا (٣) ، فلا بدّ من بيانه.

وقولهم : المعدوم مقدور فيكون ثابتا يلزم منه تحصيل الحاصل ، وكذلك قولهم : المعدوم مراد والمراد ثابت.

قال :

ومعنى الممكن هو الذي يمكن ارتفاع ماهيّته بأن يعدم لا بأن يوصف بالعدم ، وهو ثابت.

__________________

(١) في «ف» : (إذ).

(٢) حكاه عنهم المصنّف في نهاية المرام ١ : ٦٠ ، وانظر تلخيص المحصّل : ٨٢.

(٣) في «ج» «ر» «ف» زيادة : (المعنى).

٢٣١

أقول :

أجاب عن الحجّة الثانية بأنّ (١) في تفسيرهم مغالطة ، فإنّ معنى قولنا : الماهيّة يمكن عدمها أنّه يمكن ارتفاع تلك الماهيّة وعدمها عدما محضا ونفيا صرفا حتّى يخرج عن كونها تلك الماهيّة ، وليس معناه أنّ تلك الماهيّة توصف بالعدم وهي ثابتة ، وكذلك في تفسيرنا (٢) الممكن في طرف الوجود فإنّه لا يصحّ اتصاف الماهيّة بالوجود بشرط (٣) انضمام الوجود إليها ، بل إنّما توصف به من حيث هي هي ، وقولهم (٤) : الإمكان ثابت ممنوع وليس الإمكان نقيضا للامتناع (٥) على أنّه لو كان ثابتا لزم التسلسل. وأيضا إذا اتصفت (٦) الماهيّة المعدومة به اقتضى ذلك خروجها عن الذاتيّة ، وهو عندهم باطل.

قال :

برهان : المعدوم أن ساوى (٧) المنفي أو كان أخصّ ، فكلّ معدوم منفي ، وكلّ منفيّ فليس بثابت ، وإن كان أعمّ لم يكن نفيا فهو ثابت ، وهو مقول على المنفي ، فالمنفيّ ثابت.

أقول :

هذا برهان دالّ على أنّ المعدوم ليس بثابت ، وتقريره أن نقول : المعدوم إمّا أن

__________________

(١) في «س» : (فإنّ).

(٢) في «د» : (تفسير).

(٣) في «د» : (وبشرط).

(٤) في «أ» «ج» : (فقولهم).

(٥) في «ج» «ر» «ف» زيادة : (بل).

(٦) في «أ» : (لم تصف) ، وفي «ف» : (اتّصف).

(٧) في «ف» : (يساوي).

٢٣٢

يساوي المنفي أو يكون أخصّ منه أو أعمّ ، وعلى التقديرين الأوّلين يلزم منه صدق المنفي على كلّ المعدوم ؛ ضرورة صدق أحد (١) المتساويين على كلّ أفراد الآخر ، وصدق العام على كلّ أفراد الخاص فيصدق كلّ معدوم منفي ، وكلّ منفيّ ليس بثابت اتفاقا ، وينتج كلّ معدوم ليس بثابت.

وأمّا إن كان المعدوم أعمّ من المنفي فنقول : إنّه يجب أن لا يكون نفيا صرفا وإلّا لكان العام هو الخاص ، هذا خلف ، وإذا لم يكن نفيا كان ثبوتا (٢) ؛ ضرورة إنّه لا خروج عنهما ، فإذن الثبوت مقول على المعدوم ، والمعدوم مقول على المنفي (٣) ، ضرورة صدق العام على الخاص فيكون الثبوت مقولا على المنفي ، هذا خلف.

قال :

برهان : هي إمّا (٤) متناهية ، وهو محال اتفاقا أو غير متناهية فتنقص بإخراج الموجود منها فتتناهى.

أقول :

هذا برهان آخر دالّ على أنّ المعدوم ليس بشيء ، وتقريره أن نقول : المعدومات الثابتة إمّا أن تكون متناهية أو غير متناهية ، والقسمان باطلان. أمّا إنّها لا (٥) تكون متناهية فبالاتفاق ، ولأنّه يلزم إذا أخرجها الله تعالى إلى الوجود أن لا يبقى لله تعالى قدرة فتتناهى قدرة الله تعالى وهو محال.

__________________

(١) في «ب» : (أجزاء).

(٢) في «أ» «ب» «س» : (ثبوتيا).

(٣) في «د» : (النفي).

(٤) في «ج» «ر» زيادة : (أن تكون).

(٥) (لا) لم ترد في «ج» «ر» «ف».

٢٣٣

وأمّا إنّها لا تكون غير (١) متناهية فلأنّ الله تعالى إذا أخرج منها شيئا إلى الوجود إن بقيت كما (٢) كانت أوّلا (٣) لزم أن يكون الشيء مع غيره كهؤلاء مع غيره ، هذا خلف ، وإن نقصت تناهت.

[في صفاته تعالى]

[في القدرة]

قال :

وأمّا الصفات فمنها كونه قادرا وإلّا لكان موجبا ، فيلزم القدم أو التسلسل ، وهما محالان.

أقول :

القادر هو الذي يصحّ أن يفعل وألّا يفعل إذا كان الفعل ممكنا ولم يمنعه مانع (٤). إذا عرفت هذا فنقول : الباري تعالى قادر وإلّا لكان موجبا ، والتالي باطل فالمقدّم مثله.

بيان الشرطيّة : أنّ المؤثّر إمّا أن يؤثّر مع جواز أن (٥) يؤثّر أو مع وجوب أن يؤثّر والأوّل القادر ، والثاني الموجب ، فلا خروج منهما (٦).

__________________

(١) (غير) لم ترد في «ر» «ف».

(٢) في «ف» : (لما).

(٣) في «د» : (أزلا).

(٤) كما في المسلك في أصول الدين : ٤٢ للمحقّق الحلّي ، وفي الأسرار الخفيّة : ٥٢٤ للمصنّف وانظر المطالب العالية في العلم الإلهي للرازي ٣ : ٩.

(٥) في «ج» «ف» زيادة : (لا).

(٦) في «ج» «ر» «ف» : (عنهما).

٢٣٤

وبيان بطلان التالي : أنّه لو كان موجبا لكان إمّا أن يكون موجبا للأثر على الإطلاق أو بشرط ، وعلى التقدير الأوّل يلزم القدم ، لأنّ عند حصول العلّة التامّة يجب حصول المعلول ، وعلى التقدير الثاني نقول : ذلك الشرط إمّا أن يكون قديما أو حادثا (١) ؛ فإن كان الأوّل لزم القدم لأنّ عند وجود العلّة والشرط يجب (٢) المعلول ، وإن كان الثاني كان الكلام في حدوثه كالكلام في حدوث العالم ، وذلك يؤدّي إلى التسلسل والقدم والتسلسل (٣) باطلان ، فالإيجاب باطل ، فثبت الاختيار.

قال :

سؤال : هو موجب في وقت أو تقديره فلا قدم ولا تسلسل ، جواب : التسلسل (٤) لازم لأنّ الكلام في الوقت كذلك.

أقول :

تقرير السؤال أن نقول : العالم إمّا أن يصحّ قدمه أو لا؟ وعلى التقدير الأوّل يلزم الإيجاب (٥) والقدم ، و (٦) على التقدير الثاني نقول : إنّ الفعل كما يعتبر في حصوله وجود العلّة الفاعليّة فكذلك يعتبر في وجوده حصول القابل ، والعالم قبل وجوده كان محالا فلم تكن العلّة موجبة له في ذلك الوقت ، وفي وقت الإمكان تكون العلّة

__________________

(١) في «أ» : (محدثا).

(٢) (يجب) ليست في «ف».

(٣) في «د» زيادة : (والقدم).

(٤) (التسلسل) ليست في «ف».

(٥) في «أ» «ب» «د» : (يلتزم بالإيجاب) بدل من : (يلزم الإيجاب).

(٦) (الواو) لم ترد في «ف».

٢٣٥

موجبة له فلا يلزم التسلسل ولا القدم ، ولا ينافي ذلك الإيجاب.

وأجاب المتكلّمون عن هذا السؤال بأنّ التسلسل لازم ، لأنّ العلّة إذا (١) كانت موجبة في وقت دون وقت لذاتها (٢) فالكلام في ذلك الوقت (٣) كالكلام في العالم (٤) ، فإنّا نقول : ذلك الوقت إن كان قديما لزم قدم العالم ، وإن كان حادثا فلا (٥) بدّ له من وقت آخر تكون العلّة (٦) موجبة له فيه دون ما قبله.

قال :

وهذا غير مرضيّ عندي لأنّ الإحداث جاز أن لا يكون في وقت على رأي المتكلّم.

أقول :

أخذ يعترض على المتكلّمين في هذا الجواب ، وتقريره : أنّ الإحداث عند المتكلّمين لا يفتقر إلى الوقت في جانب المختار وإلّا لزم التسلسل كما ألزموه في جانب الموجب ، وإذا لم يتوقّف إحداث المختار على وقت فلم لا يجوز يقال : بأنّ تأثير الموجب لا يتوقّف على وقت فإنّ الاختيار والإيجاب لا تأثير له (٧) في الاستغناء عن الوقت والحاجة إليه.

__________________

(١) في «ب» : (إن).

(٢) (لذاتها) لم ترد في «أ».

(٣) (الوقت) لم ترد في «ج».

(٤) انظر المواقف للايجي ١ : ٣٦٥.

(٥) في «أ» «د» «ف» : (لا).

(٦) في «د» : (للعلّة).

(٧) في «أ» : (لهما).

٢٣٦

قال :

إلّا أنّ الجواب هو أنّه إن لم يحدث أمر لم يتجدّد الفعل ضرورة وإن حدث تسلسل.

أقول :

لمّا اعترض على كلام المتكلّمين أجاب بما هو الحقّ في نفسه ، وتقرير الجواب : أن نقول : لو تأخّر تأثير العلّة الموجبة عن ذاتها لكانت ذاتها غير كافية في الإيجاد (١) وإلّا لزم الترجيح من غير مرجّح ، بل لا بدّ لها من أمر ينضاف إليها يتمّ به فيحصل الأثر ، فنقول : إمّا أن يحصل ذلك الأمر الذي فرضناه متمّما لها في التأثير أو لا ، وعلى التقدير الأوّل يلزم التسلسل ، وعلى التقدير الثاني يلزم أن لا يتجدّد الفعل ضرورة (٢).

[في أحكام القدرة]

قال :

وهي أزليّة ، لأنّها إمّا عين ذاته فظاهر ، وإمّا مغايرة فإمّا واجبة فظاهر أو ممكنة فمفتقرة إمّا إليه بلا شرط أو بشرط قديم فيلزم القدم وإلّا تسلسلت (٣) الشرائط.

أقول :

لمّا فرغ من إثبات أصل القدرة شرع في أحكامها فقال : إنّ كون الله تعالى قادرا أمر أزليّ ، والدليل عليه أنّ هذه الصفة إمّا أن تكون عين (٤) ذات الله تعالى أو

__________________

(١) في «ف» : (الاتّحاد).

(٢) انظر الملخص في أصول الدين للسيّد المرتضى : ٧٣.

(٣) في «ف» : (تسلسل).

(٤) في «أ» «ف» : (غير).

٢٣٧

مغايرة له ، وعلى التقدير الأوّل يلزم قدمها لما ثبت من وجوب قدمه تعالى. وعلى التقدير الثاني نقول : هذه الصفة إمّا أن تكون واجبة لذاتها أو ممكنة لذاتها ؛ فإن كان (١) الأوّل لزم اجتماع واجبي الوجود ، وهو محال لما يأتي ، ومع استحالته فهو مستلزم للمطلوب (٢) ، لأنّها إذا كانت واجبة لزم قدمها لما ثبت من قدم واجب الوجود ، وإن كانت ممكنة فلا بدّ لها من مؤثّر ، فمؤثّرها إمّا أن يكون هو ذات الله تعالى أو غيره ، والثاني محال وإلّا لكان واجب الوجود منفعلا عن الغير وهو محال.

وأيضا فإنّ ذلك الغير ممكن لما يأتي فالمؤثّر فيه هو الله تعالى بالقدرة فيلزم التسلسل أو الدور ، وإن كان الأوّل (٣) فإمّا أن يكون الله تعالى مؤثّرا فيها على الإطلاق فيلزم قدمها ، لأنّ عند قدم العلّة التامّة يلزم قدم المعلول ، وإمّا أن يكون مؤثّرا فيها بشرط ، فذلك الشرط إن كان قديما لزم قدم الصفة ، وإن كان محدثا كان الكلام في حدوثه كالكلام في حدوث القدرة ، لأنّ حدوثه إن كان من الله تعالى بواسطة القدرة لزم تقدّم القدرة عليه فيلزم الدور ، وإن كان بالإيجاب لزم أن يكون تأخّره عن ذات الله تعالى الموجبة له إنّما كان لأجل شرط حادث ويتسلسل.

[الله تعالى قادر على كلّ مقدور]

قال :

وقدرته على كلّ مقدور لأنّ علّة تعلّق القدرة بالمقدور الإمكان ، وهو حاصل في الكلّ فالكلّ مقدور.

__________________

(١) (كان) لم ترد في «ف».

(٢) في «ف» : (فهو المطلوب) بدل من : (فهو مستلزم للمطلوب).

(٣) (الأوّل) ليست في «ف».

٢٣٨

أقول :

اختلف الناس في أنّه تعالى هل هو قادر على كلّ مقدور أم لا؟ فأثبته جماعة (١) ونفاه أكثر المعتزلة والفلاسفة والمجوس والصابئة والثنويّة (٢) ، ومن أصحابنا السيّد المرتضى والشيخ أبو جعفر الطوسي (٣).

والحقّ عندي هو الأوّل ويدلّ عليه وجهان :

الأوّل : إنّ علّة صحّة تعلّق قدرة الله تعالى بالأثر إنّما هي الإمكان ، وبيانه : أنّ الماهيّة إمّا أن تكون واجبة أو ممتنعة أو ممكنة ، وعلى التقديرين الأوّلين يستحيل تعلّق القدرة بها فلم (٤) يبق إلّا الثالث فعلمنا أنّ علّة صحّة التعلّق إنّما هي الإمكان.

لا يقال : إنّ الصحّة أمر عدميّ فلا تعلّل ، وأيضا قولكم : الماهيّة إمّا أن تكون واجبة أو ممكنة أو ممتنعة وعلى تقدير وجوبها وامتناعها لا يصحّ تعلّق القادر بها فلم يبق لصحّة (٥) التعلّق علّة سوى الإمكان مغالطة ؛ لأنّ الماهيّة وإن كانت لا تخلو

__________________

(١) مثل الشيخ المفيد في النكت الاعتقاديّة : ٢٣ ، والمحقّق الحلي في المسلك في أصول الدين : ٥٢ و ٨٠ ، والبحراني في قواعد المرام في علم الكلام : ٩٦ ، والقاضي ابن البراج في جواهر الفقه : ٢٤٥ ، والمصنّف في شرح التجريد (الزنجاني) : ٣٠٨ ، وفي طبعة الآملي : ٣٩٥.

(٢) حكى ابن ميثم البحراني في قواعد المرام في علم الكلام : ٩٦ ذلك عن الجبائيين والبلخي وعباد الضميري ، وحكى ذلك عن الفلاسفة والمجوس والصابئة والثنوية المصنّف في شرح التجريد (الزنجاني) : ٣٠٨ ، وفي طبعة الآملي : ٣٩٥.

(٣) قال الشيخ الطوسي في الرسائل العشر : ٩٤ الله تعالى قادر على كلّ مقدور ، وعالم بكلّ معلوم ، بدليل أن نسبة المقدورات والمعلومات إلى ذاته المقدّسة على السويّة ، فاختصاص قدرته وعلمه تعالى بالبعض دون البعض ترجّح من غير مرجّح ، وذلك محال على المعبود. وقال السيّد المرتضى في الملخّص في أصول الدين : ٣٣١ إنّه تعالى يقدر على كلّ جنس من المقدورات.

(٤) في «ف» : (لم).

(٥) في «ر» : (بصحّة).

٢٣٩

عن هذه القضايا لكنّها مغايرة لها ، فإنّ الماهيّة من حيث هي هي ليست إحدى (١) هذه الثلاثة ، فلا يلزم من سقوط درجة الوجوب والامتناع عن الاعتبار جعل (٢) الإمكان علّة لجواز أن تكون الماهيّة هي العلّة.

وأيضا يلزم كون العبد قادرا على كلّ مقدور لأنّ له مقدورا وعلّة تعلّقه بذلك المقدور ليس إلّا الإمكان وهو مشترك ، وأيضا لا يلزم من صحّة نسبة الممكنات بأسرها إليه نسبة المقدوريّة صحّة نسبته إليها بصحّة القادريّة ، فإنّ كون الأثر يصحّ استناده إلى هذه الذات من حيث هو مغاير كون الذات يصحّ تأثيرها في هذا الأثر من حيث الذات و (٣) غير مستلزم له ، ألا ترى أنّ الأشياء يصحّ نسبتها إلى العلم نسبة المعلوميّة ، ونسبة العلم إليها لا يصحّ من حيث هو.

لأنّا نجيب عن الأوّل بأنّ صحّة المقدوريّة وإن كانت عدميّة لكنّها أمر اعتباريّ حكم بها العقل لبعض الذوات ، فلا بدّ له من علّة لأجلها صحّ نسبة ذلك الأمر الاعتباري إلى تلك الذات (٤) دون غيرها.

وعن الثاني بأنّ هذه الاعتبارات وإن كانت مغايرة للذات ، لكن العقل إذا لحظ الماهيّة من حيث وجوب وجودها أو امتناعه (٥) استحال إسناد الحاجة إليها ، وإذا لحظ الإمكان حكم بالحاجة فالإمكان إن كان هو العلّة فهو المطلوب (٦) ، وإن كان

__________________

(١) في «ب» «ف» «ج» : (أحد).

(٢) في «ر» : (وجعل).

(٣) الواو ليست في «ف».

(٤) في «ب» «س» «د» : (الذوات).

(٥) في «ب» : (وامتناعه) ، وفي «ف» : (فامتناعه) بدل من : (أو امتناعه).

(٦) في «ف» : (فالمطلوب) بدل من : (فهو المطلوب).

٢٤٠