معارج الفهم في شرح النظم

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

معارج الفهم في شرح النظم

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: عبدالحليم عوض الحلّي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-397-218-3
الصفحات: ٦٤٤

١
٢

٣
٤

مقدمة المحقق

٥
٦

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين بارئ الخلائق أجمعين ثمّ الصلاة وأفضل التسليم على خير الخلق وأشرف المرسلين محمّد وآله الطيّبين الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

العقائد الإسلاميّة عقائد تنسجم مع الفطرة البشريّة والعقل الإنساني ، وتقوم على أساس البرهان مضافا إلى أنّ مصدرها ومنبعها خير الأديان بقيادة خاتم رسل الله محمّد المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ودراسة العقائد الإسلاميّة لها أثر كبير في حياة الإنسان ومجتمعه فإنّ من خلال تلك الدراسات والمطالعات تتكون للإنسان نظرة إلى الله سبحانه وتعالى وإلى الكون وإلى المجتمع.

والإنسان إذا كانت اعتقاداته سليمة وكان الطريق الذي أخذ منه صافيا عذبا كانت السعادة رفيقته في الدنيا وفي الآخرة.

وأمّا إذا كانت الاعتقادات فيها شوب وخلط لترك العين الأساسيّة لما يعتقده فإنّ الشقاء يكون رفيقه أبد الآبدين في الدنيا والآخرة.

وإنّ أهمّ الغايات من دراسة أصول الدين الإسلاميّ تعميق مفاهيم الإيمان بالله سبحانه وتعالى وتقوية علاقة الإنسان بخالقه عن طريق شرح وبيان المعارف

٧

الإلهيّة مع بيان أثر تلك المعارف على الفرد المسلم والمجتمع الإسلامي.

كما أنّ هناك غاية أخرى وهي التمهيد لبناء السلوك الفردي والاجتماعيّ على أساس الإيمان بالله تعالى.

والغاية الثالثة هي الدفاع عن العقيدة الإسلاميّة السامية وردّ الشبهات والشكوك التي يثيرها المعاندون والخصوم.

والغاية الرابعة هي أنّ كثيرا من العلوم الدينيّة والإنسانيّة تبتني على ما يعتقده الإنسان وأنّه لا يمكن للإنسان أن يخوض في هذه العلوم أو في بعضها إلّا بعد تحرير المسائل في علم أصول الدين.

قال المحقّق الطوسيّ في نقد المحصّل : إنّ أساس العلوم الدينيّة علم أصول الدين الذي يحوم سائله حول اليقين ، ولا يتمّ بدونه الخوض في سائرها كأصول الفقه وفروعه ، فإنّ الشروع في جميعها يحتاج إلى تقديم شروعه ، حتّى لا يكون الخائض فيها وإن كان مقلّدا لأصولها كبان على غير أساس ، وإذا سئل عمّا هو عليه لم يقدر على إيراد حجّة أو قياس (١).

وقال الفاضل المقداد السيوريّ : فلمّا كان علم الكلام من بين هذه العلوم أوثق برهانا وأظهر بيانا وأشرف موضوعا وأكمل أصولا وفروعا ، ولذلك استحقّ التقدّم على سائر العلوم ، وتنزل منها منزلة الشمس من النجوم ، وصار للعلوم الشرعيّة أساسا ولكلّ واحد منها تاجا ورأسا وهو وإن كان بعيد الأغوار كثير الأسرار إلّا أن نقاوته التي يعول عليها وعقليّته التي ينتفع بها وتدعو الضرورة إليها

__________________

(١) تلخيص المحصّل : ٣.

٨

يجب على كلّ مكلّف استظهارها ، وفي كلّ آونة تكرارها وتذكارها ، لتقرّب إليه من السعادة جنتها وتبعد عنه من الشقاوة نارها (١).

ولا شكّ أنّ الخائض في دراسة أصول الدين والمتكلّمين المدافعين عن حياض الدين ممدوحون مرضيّون عند الله تعالى ، بل يمكن أن نقول : إنّ عملهم هذا لا يقل عن بقيّة الأعمال التي يقوم بها علماء الأمّة بل إنّ عملهم أشرف وأهمّ لما يقومون به من تبيين لحقائق الدين ودفع وردّ الشبهات الواردة عليه ، بل نزّل عملهم تنزيل أجلّ الجهاد.

قال الشيخ الطبرسي رحمه‌الله في مجمع البيان في ذيل الآية الشريفة : (فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً) (٢) ما نصّه :

وفي هذه الآية دلالة على أنّ من أجلّ الجهاد وأعظمه منزلة عند الله تعالى جهاد المتكلّمين في حلّ شبه المبطلين وأعداء الدين ، ويمكن أن يتأوّل عليه قوله : رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر (٣).

كما أنّ الناظرين في النصوص الواردة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن ذريّته الطاهرة يرى ما يؤيّد هذا التفسير وهذا التنزيل.

فقد روى الشيخ الطبرسي في الاحتجاج عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : علماء شيعتنا مرابطون في الثغر الذي يلي إبليس وعفاريته ، يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا ، وعن أن يتسلّط عليهم إبليس وشيعته والنواصب ، ألا فمن انتصب

__________________

(١) راجع إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين ، مقدّمة المؤلّف.

(٢) الفرقان : ٥٢.

(٣) مجمع البيان ٤ : ١٧٥.

٩

لذلك من شيعتنا كان أفضل ممّن جاهد الروم والترك والخزر ألف ألف مرّة ، لأنّه يدفع عن أديان محبّينا وذلك يدفع عن أبدانهم (١).

وروي عن الإمام الهادي عليه‌السلام أنّه قال : لو لا من يبقى بعد غيبة قائمكم عليه‌السلام من العلماء الداعين إليه والداعين عليه والذابين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب ، لما بقي أحد إلّا ارتدّ عن دين الله ، ولكنّهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها ، أولئك هم الأفضلون عند الله عزوجل (٢).

هذا وإنّ علماء العامّة قد اختلفوا فيما بينهم في استحسان ومقبوليّة الخوض في علم الكلام وعدمه.

وقد وقف السلفيّة من علم الكلام الإسلاميّ موقفا معاديا ، فكان مالك بن أنس يقول : الكلام في الدين أكرهه ، ولا أحبّ الكلام إلّا فيما تحته عمل (٣) ، وكان أحمد بن حنبل يقول : لست صاحب كلام ، وإنّما مذهبي الحديث (٤) ، وألّف الخطابي منهم كتاب الغنية عن علم الكلام وأهله.

لكن الأشاعرة من العامّة تصدوا لهم ، فألّف الأشعريّ رسالة في استحسان الخوض في علم الكلام (٥).

__________________

(١) الاحتجاج ١ : ٨.

(٢) تفسير الإمام العسكريّ عليه‌السلام : ٣٤٥ ، وعنه في بحار الأنوار ٢ : ٦ / ١٢.

(٣) مناهج الاجتهاد في الإسلام : ٦٢٤.

(٤) المنية والأمل لابن المرتضى : ١٢٥ ، مناهج الاجتهاد في الإسلام ٧ : ٥٠٨.

(٥) مذاهب الإسلاميين ١ : ١٥.

١٠

العلّامة في سطور

اسمه وكنيته ولقبه : هو الحسن بن يوسف بن عليّ بن مطهّر الحلّي ، المكنّى بأبي منصور والمشهور بالعلّامة وآية الله على الإطلاق ، ومن ألقابه علّامة الدهر والإمام والفاضل وجمال الدين (١).

وقد جاء اسمه على لسان أكثر المؤرّخين والمترجمين لحياته بل إنّ هذا الاسم ذكره نفس العلّامة في كتاب الخلاصة بل هو مثبت في الكتب المخطوطة الواصلة إلينا بخطّه أو بخطّ بعض تلامذته أو بخط النسّاخ الذين استنسخوا كتبه ، وعلى هذا فلا يلتفت إلى الأقوال الشاذّة التي فيها أن اسمه الحسين أو محمّد أو غير ذلك.

ولادته : اتّفق المؤرخون على أنّ ولادة الشيخ العلّامة ، كانت في شهر رمضان سنة ٦٤٨ هجريّة في مدينة الحلّة ، وقد جاء ذلك في الخلاصة حيث قال : والمولد تاسع عشر شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وستمائة ، ونسأل الله ـ تعالى ـ خاتمة الخير بمنّه وكرمه (٢).

__________________

(١) الخلاصة : ٤٥ ، الوافي بالوفيات ١٣ : ٨٥ ، الأعلام للزركلي ٢ : ٢٢٧ ، الدرر الكامنة ٢ : ٧١ ، النجوم الزاهرة ٩ : ٢٦٧.

(٢) الخلاصة : ٤٨ ، وانظر رياض العلماء ١ : ٣٦٦ ، لؤلؤة البحرين : ٢١٨ ، تأسيس الشيعة ٥ : ٣٩٩ ، طبقات أعلام الشيعة : ٥٢.

١١

كما أنّ هناك أقوال أخرى في يوم ولادته منها : أنّه ولد في إحدى عشر ليلة خلون من شهر رمضان ، ومنها : أنّ مولده في التاسع والعشرين من شهر رمضان وغير ذلك (١).

أسرته : إنّ العلّامة ينتسب إلى أسرتين عربيّتين عريقتين ، أمّا من جهة الأب فهو ينتسب إلى آل المطهّر الأسدي ، وقد برز رجال كثير منهم الأمراء المزيديّون ، وهم مؤسّسو الحلّة الفيحاء.

وأمّا نسبه من جهة الأم فهو ينتسب إلى أسرة بني سعيد التي ترجع إلى هذيل القبيلة العربيّة المعروفة (٢).

والده : سديد الدين يوسف بن عليّ بن المطهّر الحلّي ، كان فقيها ، محقّقا ، مدرّسا ، عظيم الشأن كما وصفه ابن داود (٣) ، ووصفه الشهيد بالإمام السيّد الحجّة (٤).

ووصفه المحقّق الكركي بالشيخ الأجل ، الفقيد السعيد ، شيخ الإسلام (٥).

والدته : بنت العالم الفقيه الشيخ أبي يحيى الحسن بن الشيخ أبي زكريّا يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي الحلّي ، وهي أخت الشيخ أبي القاسم جعفر المعروف بالمحقّق الحلّي صاحب الشرائع (٦).

__________________

(١) انظر أمل الآمل : ٢ : ٨٤ ، روضات الجنّات ٢ : ٢٨٢ ، أعيان الشيعة ٥ : ٣٩٦ ، رياض العلماء : ٣٦٦.

(٢) راجع مقدّمة إرشاد الأذهان ١ : ٣١.

(٣) رجال ابن داود : ٧٨.

(٤) انظر بحار الأنوار ١٠٧ : ١٨٨.

(٥) بحار الأنوار ١٠٨ : ٤٣.

(٦) أمل الآمل ٢ : ٣٤٥ ، لؤلؤة البحرين : ٢٢٨.

١٢

وأخوه : رضي الدين علي بن يوسف بن المطهّر ، صاحب كتاب «العدد القويّة لدفع المخاوف اليوميّة» الذي يعدّ من مصادر بحار الأنوار.

قال الحرّ العاملي عند ذكره : عالم فاضل ، أخو العلّامة ، يروي عنه ابن أخيه ، فخر الدين محمّد بن الحسن بن يوسف وابن أخته السيّد عميد الدين عبد المطلب ، ويروي عن أبيه وعن المحقّق نجم الدين الحلّي (١).

وأخته : عقيلة السيّد مجد الدين ، أبي الفوارس محمّد بن السيّد فخر الدين ، ولها خمسة أولاد أجلّاء هم جلال الدين عليّ والسيّد عميد الدين عبد المطلب ، والفاضل ضياء الدين عبد الله والفاضل نظام الدين عبد الحميد والسيّد غياث الدين عبد الكريم (٢).

ولده : الشيخ فخر الدين محمّد بن الحسن المعروف بفخر المحقّقين كان فاضلا محقّقا فقيها ثقة جليلا ، يروي عن أبيه العلّامة .. وغيره (٣).

مشايخه : قد حضر العلّامة عند الكثير من علماء عصره في شتّى العلوم ، وقد كان من أبرز أساتذته والده الشيخ سديد الدين يوسف بن عليّ بن المطهّر الحلّي فأخذ منه الفقه والأصول والحديث والعربيّة.

كما أنّه حضر عند خاله نجم الدين جعفر بن الحسن بن سعيد المعروف بالمحقّق الحلّي فأخذ منه الفقه والأصول وروى عنه.

وأمّا في العلوم العقليّة والرياضيات فقد حضر عند الخواجة نصير الدين محمّد

__________________

(١) أمل الآمل ٢ : ٢١١.

(٢) عمدة الطالب : ٣٣٣.

(٣) أمل الآمل ٢ : ٢٦٠.

١٣

بن الحسن الطوسي والشيخ كمال الدين ميثم بن عليّ البحراني صاحب الشروح الثلاثة على نهج البلاغة.

ومن جملة أساتذته ابن عمّ والدته الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد الحلّي صاحب الجامع للشرائع ، والسيّد جمال الدين أحمد بن موسى بن طاوس الحسيني صاحب كتاب البشرى ، والسيّد رضي الدين عليّ بن موسى بن طاوس الحسيني صاحب كتاب الإقبال ، والسيّد عبد الكريم بن طاوس صاحب كتاب فرحة الغري ، والشيخ بهاء الدين عليّ بن عيسى الإربلي صاحب كتاب كشف الغمّة وغيرهم.

ولا بأس أن نتعرّض لذكر ترجمة لحياة أهمّ أساتذته في العلوم العقليّة والكلاميّة.

الخواجة نصير الدين الطوسي : هو الخواجة نصير الدين محمّد بن الحسن الطوسي المولود سنة ٥٩٧ هجريّة والمتوفّى سنة ٦٧٢ هجريّة ، كان بارعا في العلوم العقليّة والرياضيّة والفلكيّة.

له تأليفات كثيرة منها شرح الإشارات للشيخ الرئيس ابن سينا ، وقد أبطل في هذا الكتاب آراء ونظريّات الفخر الرازي.

قال العلّامة في وصفه : كان أفضل أهل زمانه في العلوم العقليّة والنقليّة ، وله مصنّفات في العلوم الحكميّة والأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة ، وكان أشرف من شاهدناه في الأخلاق. وقال في إجازته لبني زهرة : قرأت عليه إلهيات الشفاء لابن سينا ، وبعض التذكرة في الهيئة تصنيفه رحمه‌الله ثمّ أدركه الموت (١).

__________________

(١) بحار الأنوار ١٠٧ : ٦٢ ، أمل الآمل ٢ : ٢٩٩ ، جامع الرواة ٢ : ١٨٨ ، موسوعة طبقات الفقهاء ٧ :

٢٤٣ / ٢٥٨٩.

١٤

ولا بأس بالإشارة إلى أنّ العلّامة الحلّي قد درس العلوم العقليّة عند الخواجة نصير الدين الطوسي ، وإذا رجعنا إلى تاريخ ولادة العلّامة سنة ٦٤٨ هجريّة نفهم أنّ العلّامة كان عمره ٢٤ سنة زمان وفاة الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي ، فعلومه العقليّة التي أخذها من الخواجة كانت قبل أن يصل سنة ٢٤ سنة.

وقبل هذا السن ذهب العلّامة في ركاب الشيخ الخواجة نصير من الحلّة إلى بغداد فسأله عن اثنتي عشرة مسألة من مشكلات العلوم (١).

ميثم البحراني : هو الفيلسوف المحقّق والمتكلّم البارع كمال الدين ميثم بن عليّ بن ميثم البحراني المولود سنة ٦٣٦ هجريّة والمتوفّى سنة ٦٩٦ هجريّة ، كان على جانب كبير من العلم والدراية مشبعا بفنون المعارف المتداولة في عصره ، له كتاب قواعد المرام في علم الكلام مطبوع ، وله شرح نهج البلاغة وهو شرح مشحون بالمباحث الكلاميّة والحكميّة والعرفانيّة فرغ منه سنة ٦٧٦ هجريّة (٢).

دبيران : هو الشيخ نجم الدين عليّ بن عمر الكاتب القزويني الشافعي صاحب كتاب الشمسيّة في المنطق.

قال العلّامة في وصفه في إجازته لبني زهرة : كان من فضلاء العصر وأعلمهم بالمنطق ، وله تصانيف كثيرة ، قرأت عليه شرح الكشف إلّا ما شذّ ، وكان له خلق حسن ومناظرات جيّدة ، وكان من أفضل علماء الشافعيّة عارفا بالحكمة (٣).

__________________

(١) أعيان الشيعة ٥ : ٣٩٦.

(٢) انظر ترجمته في أمل الآمل ٢ : ٣٣٢ ، روضات الجنّات ٧ : ٢١٦ ، معجم المؤلّفين ١٣ : ٥٥ ، وراجع مقدّمة قواعد المرام في علم الكلام ، موسوعة طبقات الفقهاء ٧ : ٢٨٥ / ٢٦٢٧.

(٣) بحار الأنوار ١٠٧ : ٦٦.

١٥

ابن جهيم : هو محمّد بن عليّ بن محمّد بن جهيم الأسدي الربعي الملقّب بمفيد الدين ، كان من أجلّة علماء الإماميّة فقيها مقدّما في علمي أصول الفقه والكلام.

أخذ عن السيّد فخّار بن معد الموسوي وغياث الدين المعمر السنبسي ومهذب الدين الحسين بن أبي الفرج النيلي ، وأخذ عنه العلّامة الحلّي والسيّد عبد الكريم بن أحمد بن موسى بن طاوس الحلّي والحسن بن داود الحلّي.

توفّي ابن جهيم سنة ٦٨٠ هجريّة (١).

برهان الدين النسفي : قال العلّامة عند روايته عنه في إجازته لبني زهرة : وهذا الشيخ عظيم الشأن زاهدا مصنّفا في الجدل ، استخرج مسائل مشكلة ، قرأت عليه بعض مصنّفاته في الجدل ، وله مصنّفات متعدّدة (٢).

شمس الدين الكيشي : هو الشيخ شمس الدين محمّد بن محمّد بن أحمد الكيشي ابن أخت قطب الدين العلّامة الشيرازي ، قال العلّامة عند روايته في إجازته لبني زهرة : وهذا الشيخ كان من أفضل علماء الشافعيّة ، وكان من أنصف الناس في البحث ، كنت أقرأ عليه وأورد عليه اعتراضات في بعض الأوقات ، فيفكر ثمّ يجيب تارة ، وتارة أخرى يقول : حتّى نفكّر في هذا عاودني هذا السؤال ، فأعاوده يوما ويومين وثلاثة ، فتارة يجيب وتارة يقول : هذا عجزت عن جوابه (٣).

تلامذته : قد تتلمّذ على العلّامة جمع كثير من جهابذة العلم وأخذوا عنه

__________________

(١) انظر ترجمته في مجمع الآداب في معجم الألقاب لابن الفوطي ٥ : ٤٤٣ / ٥٧٥٧ ، أمل الآمل ٢ :

٢٥٣ ، رياض العلماء ٥ : ٥١ ، موسوعة طبقات الفقهاء ٧ : ٢٣٤ / ٢٥٨٢.

(٢) بحار الأنوار ١٠٧ : ٦٦.

(٣) بحار الأنوار ١٠٧ : ٦٥.

١٦

الحديث ، منهم ولده فخر المحقّقين صاحب كتاب إيضاح الفوائد ، ومنهم ابن أخته السيّد عبد المطلب الحسيني الأعرجي الحلّي ، والسيّد عبد الله الحسيني الأعرجي ، والسيّد النسابة تاج الدين محمّد بن القاسم بن معيّة الحلّي أستاذ ابن عنبة ، والشيخ عليّ بن أحمد المرندي ، ومحمّد بن عليّ الجرجاني ، وأبو الحسن عليّ بن أحمد المطارآبادي ، والسادة بنو زهرة ومهنا بن سنان .. وغيرهم ممّن حضر عنده وقرأ عليه.

قال السيّد الصدر : إنّه خرج من عالي مجلس تدريسه خمسمائة مجتهد (١) ، وقال العلّامة الطهراني في طبقات أعلام الشيعة (الحقائق الراهنة في المائة الثامنة) : وأمّا تلاميذه فكثير ممّن ترجمته في هذه المائة كانوا من تلاميذه والمجازين منه أو المعاصرين المستفيدين من علومه ، فليرجع إلى تلك التراجم حتّى يحصل الجزم بصدق ما قيل من أنّه كان في عصره في الحلّة ٤٠٠ مجتهد (٢).

العلّامة في لسان العلماء : العلّامة الحلّي غنيّ عن التعريف ، وقد مدحه وأطراه كلّ من ترجم له ، من ذلك ما ذكره معاصره الشيخ ابن داود حيث قال : شيخ الطائفة وعلّامة وقته وصاحب التحقيق والتدقيق كثير التصانيف ، انتهت رئاسة الإماميّة إليه في المعقول والمنقول (٣).

وقال تلميذه محمّد بن عليّ الجرجاني : شيخنا المعظّم وإمامنا الأعظم سيّد فضلاء العصر ورئيس علماء الدهر ، المبرّز في فنّي المعقول والمنقول ، المطرّز للواء

__________________

(١) تأسيس الشيعة : ٢٧٠.

(٢) طبقات أعلام الشيعة : ٥٢.

(٣) رجال ابن داود ٧٨ / ٤٦٦.

١٧

علمي الفروع والأصول ، جمال الملّة والدين سديد الإسلام والمسلمين (١).

وقال الشهيد الأوّل : شيخنا الإمام الأعلم حجّة الله على الخلق جمال الدين. وقال في مكان آخر : الإمام الأعظم الحجّة أفضل المجتهدين جمال الدين (٢).

وأمّا علماء العامّة فقد ذكره معاصره الصفدي بقوله : الإمام العلّامة ذو الفنون ، عالم الشيعة وفقيههم صاحب التصانيف التي اشتهرت في حياته ... وكان يصنّف وهو راكب ... وكان ابن المطهّر ريّض الأخلاق ... كان إماما في الكلام والمعقولات (٣).

وقال الحافظ الابر والشافعي : وكان عالما متبحّرا ... وكان مشهورا في العلوم النقليّة والعقليّة ، وكان الأوحد في العالم ، وله تصانيف كثيرة (٤).

وقال ابن حجر العسقلاني : عالم الشيعة وإمامهم ومصنّفهم ، وكان آية في الذكاء (٥).

إلى غير ذلك من العبارات التي مدحه بها وأطراه بها مترجمو حياته الكاشفة عن عظمة شخصيّته وعظمة دوره في رقي المسيرة العلميّة في العالم الإسلامي.

دراسة جديدة

برع العلّامة الحلّي في المعقول والمنقول وتقدّم وهو في عصر الصبا على العلماء والفحول .. وبرع في الحكمة العقليّة حتّى أنّه باحث الحكماء السابقين في مؤلّفاتهم

__________________

(١) حكاه في أعيان الشيعة ٥ : ٣٩٧.

(٢) حكاه في بحار الأنوار ١٠٧ : ١٨٨.

(٣) الوافي بالوفيّات ١٣ : ٨٥.

(٤) مجالس المؤمنين ٢ : ٣٥٩ نقلا عن تاريخ الحافظ الأبرو.

(٥) لسان الميزان ٢ : ٣١٧.

١٨

وأورد عليهم ، وباحث الرئيس ابن سينا وخطّأه ، وحاكم بين شرّاح الإشارات لابن سينا ، وناقش النصير الطوسي ، وألّف في علم أصول الدين وفنّ المناظرة والجدل وعلم الكلام من الطبيعيّات والإلهيّات والحكمة العقليّة خاصّة (١).

وفي سنة ١٩٩٩ ميلاديّة ترجم كتاب إلى اللغة الفارسيّة تحت عنوان النظريّات الكلاميّة للعلّامة الحلّي. وأصل هذا الكتاب رسالة دكتوراه كتبتها الدكتورة زابينه اشميتكه المتولدة في ألمانيا سنة ١٩٦٤ ميلاديّة في مدينة كلن والتي درست في جامعة لندن والأكسفورد العلوم الإسلاميّة. والأستاذ المشاور لهذه الرسالة البروفسور مادلونگ المتخصّص في الكلام الشيعي.

بدأت الكاتبة في هذه الرسالة ببيان أحوال العلّامة الحلّي الحياتيّة وعائلته وأساتذته وتلامذته.

ثمّ عرجت على حضوره عند أولجايتو ، ثمّ بعد ذلك دخلت في بحث كتبه ورسائله ، فكان الشروع بعد المقدّمة بذكر كتبه الكلاميّة وترتيبها حسب سنة انتهاء الكتابة والتأليف مع بيان سبب التأليف ومحلّه كما هو مكتوب على مخطوطاته.

ثمّ بعد ذلك ذكرت الآثار الفلسفيّة والمنطقيّة والفقهيّة وفي أصول الفقه وفي الرجال والصرف والنحو والعرفان والتفسير والحديث.

وبعد الانتهاء من ذلك صنعت فهرسا لكتب العلّامة مرتّبا حسب الألف باء فيه بيان النسخ الخطيّة لكلّ كتاب مع بيان محل وجودها في أي مكتبة من المكتبات العالمية.

__________________

(١) أعيان الشيعة ٥ : ٣٩٦.

١٩

ثمّ دخلت المؤلّفة في كتابها في الفصل الثالث وقد خصّصته لمباحث العدل وبيّنت فيه نظريات الإماميّة والمعتزلة والأشاعرة وغيرهم من فرق المسلمين.

وعلى هذا النهج سارت في بحث النبوّة وصفات الله تعالى والمعاد والوعد والوعيد.

كتبه الكلاميّة

على الظاهر أنّ أوّل كتاب كلامي للعلّامة كتاب مناهج اليقين وبعده الأسرار الخفيّة ثمّ بعد ذلك شرع في كتابة نظم البراهين ومعارج الفهم في شرح النظم. وقد يكون زمان كتابة هذه الكتب واحدا ، كما أنّه أنهى كتاب أنوار الملكوت في شرح الياقوت سنة ٦٨٤ هجريّة.

وأنّ المدقّق في فهرس كلّ كتاب من كتبه الكلاميّة يرى ويفهم ما يميز هذا الكتاب عن غيره بالرغم من الاتّحاد في أصل الموضوع ، فإنّ بعض تأليفات العلّامة كان في مسألة خاصّة ، وإنّ بعضها كان مكتوبا لطبقة خاصّة أو تلبية لرغبة أو سدا لحاجة ، كما أنّ الفرق واضح في سطح الكتب الكلاميّة للعلّامة ولسانه يختلف من كتاب لآخر ، ففي بعضها كان لسانه مبسوطا وفي بعضها كان موجزا ، وفي بعضها معقدا وفي بعضها سهلا.

ولكي يحيط القارئ العزيز بالثروة العلميّة الكلاميّة التي كانت عند العلّامة رحمه‌الله نورد له عناوين كتبه في هذا المجال مع بيان خصائص كلّ كتاب ، وما يمتاز به عن سائر كتبه الكلاميّة.

الأبحاث المفيدة في تحصيل العقيدة

وهي رسالة موجزة أورد فيها المصنّف بعض المباحث الكلاميّة في ثمانية فصول ، وقد شرحها الشيخ ناصر بن إبراهيم البويهي الإحساني المتوفّى سنة ٨٥٣

٢٠