معارج الفهم في شرح النظم

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

معارج الفهم في شرح النظم

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: عبدالحليم عوض الحلّي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-397-218-3
الصفحات: ٦٤٤

[العرض عند الحكماء والمتكلّمين]

قال :

والعرض هو الذي يحلّ الجسم ولا بقاء له كبقائه ، أو الموجود في موضوع (١).

أقول :

لمّا عرّف الجوهر أخذ يعرّف العرض بحسب مفهوميه عند المتكلّمين والحكماء ؛ أمّا المتكلمون فقد عرّفوه بأنّه ما يوجد في الجسم ولا بقاء له كبقائه (٢).

لا يقال : من الأعراض ما يبقى للذات دائما كسواد الزنجي.

لأنّا نقول : إنّ هذا العرض وإن كان لازما إلّا أنّه لا يبقى كبقاء الذات ، فإنّه إنّما يبقى بالذات وليست الذات إنّما يبقى به ، وهذا التعريف ليس ممّا اصطلح عليه المتكلّمون بأسرهم ، فإنّ منهم من يرى أنّ الإرادة والكراهة لله تعالى عرضان غير قائمين بالجسم وكذلك الفناء عند بعضهم.

وأمّا الحكماء فقد عرفوه بأنّه الموجود في موضوع (٣) أي في محلّ يستغني عنه ويقوّمه.

قال :

وهو مقول على تسعة أجناس عوال.

__________________

(١) في «ف» : (موضع).

(٢) شرح الأصول الخمسة : ٢٣٠ ، قواعد المرام في علم الكلام : ٤٣ ، قواعد العقائد للطوسي : ٤ ، شرح المقاصد ١ : ٧٦ ، لباب العقول : ٣٦ ، وانظر أنوار الملكوت في شرح الياقوت للمصنّف : ١٧.

(٣) في «د» : (الموضوع ، وفي «ف» : (موضع) ، حكاه عن الحكماء الفخر الرازي في كتاب المحصّل : ٢١٦ ، تلخيص المحصل : ١٤٢.

١٦١

أقول :

ذهبت الحكماء إلى أنّ العرض يندرج تحته أجناس تسعة هي أجناس الأجناس اندراج المعروض تحت العارض ، فإنّ العرضيّة من الامور الخارجيّة :

فالأوّل : الكمّ ، وقد عرفته وعرفت أقسامه.

الثاني : الكيف ، وهو هيئة قارّة لا يوجب تصوّرها تصوّر أمر خارج عن محلّها ، ولا يوجب القسمة واللاقسمة في محلّها اقتضاء أوليا ، فالهيئة كالجنس يخرج عنها الجوهر ، والقارّة يخرج عنها (١) الزمان ، ومقولتي الفعل والانفعال ، والقيد الثالث يخرج الأعراض النسبية والرابع يخرج الكمّ.

والخامس يخرج النقطة والآن ، وقيّد عدم الاقتضاء بالأوليّة ليدخل فيه العلم بالأشياء التي لا تنقسم ، فإنّه يقتضي عدم القسمة لا اقتضاء أوليا بواسطة اقتضاء المعلوم له.

وأنواعه أربعة : الكيفيّات النفسانية ، فإن كانت راسخة فهي الملكات كالعلوم وإلّا فهي الحالات كالظنون. والكيفيّات المحسوسة فإن كانت راسخة كحرارة النار فهي الانفعاليّات ، وإن كانت غير راسخة كحرارة الماء فهي الانفعالات (٢) ، والكيفيّات المختصّة بالكمّيّات كالاستقامة والانحناء والزوجيّة والفرديّة.

والكيفيّات الاستعداديّة فإن كانت نحو الدفع فهي القوة ، وإن كانت نحو التأثّر (٣) فهو (٤) اللاقوة.

__________________

(١) (عنها) لم ترد في «ر» «س» «ف».

(٢) في «ف» : (الانفعاليّات).

(٣) في «س» : (التأثير).

(٤) في «ب» «ف» : (فهي).

١٦٢

الثالث : المضاف ، وهو النسبة المتكرّرة كالابوّة والبنوّة ، ومن خواصّها وجوب الانعكاس والتكافؤ في الوجود بالقوّة أو بالفعل.

الرابع : الأين وهو نسبة الشيء إلى المكان.

الخامس : المتى ، وهو نسبة الشيء إلى الزمان.

السادس : الوضع وهو الهيئة العارضة للجسم بسبب انتساب بعض أجزائه إلى بعض ، وبسبب انتساب أجزائه إلى الامور الخارجة (١) عنه كالقيام والقعود.

السابع : الملك ، وهو (٢) نسبة التملّك (٣) ، وقيل : إحاطة الشيء بغيره المنتقل بانتقاله (٤).

الثامن : الفعل وهو التأثير.

التاسع : الانفعال وهو التأثّر (٥).

والمتكلّمون أنكروا وجود الأعراض النسبيّة وإلّا لزم التسلسل (٦). وعند (٧) الأوائل أنّ هذه الأعراض التسعة مع الجوهر هي أجناس الموجودات الممكنة (٨).

__________________

(١) في «ب» «ر» «س» «ف» : (الخارجيّة) ، و (عنه) سقطت من نسخة «ف».

(٢) في «ف» : (وهي).

(٣) في «ف» : (التمكّن).

(٤) في «ف» : (المنفعل بانفعاله).

(٥) حكاه عن الحكماء الفخر الرازي في المحصل : ٢١٦ ، والخواجة نصير في تلخيص المحصل : ١٤٢ ، أصول الدين للرازي : ٣٤ ، قواعد المرام في علم الكلام : ٤٣ ، شرح المقاصد ١ : ١٥٧ ، شوارق الإلهام ٢ : ١٣٠.

(٦) حكاه الفخر الرازي في كتاب المحصّل : ٢١٩ عن المتكلّمين ، قواعد المرام في علم الكلام لابن ميثم البحراني : ٤٥.

(٧) في «ج» «ف» زيادة : (جمهور).

(٨) أصول الدين للرازي : ٣٣ ، مطلع الاعتقاد في المبدأ والمعاد : ٢٢.

١٦٣

واعلم أنّ جنسيّة كلّ واحد من هذه يتوقّف على كونه مقولا على كثيرين مختلفين بالحقائق بالتواطؤ ويكون جزءا منها (١) وذلك من أعسر (٢) المعلومات.

وأيضا فإنّ انحصار الأجناس فيما عدّ ممّا (٣) لم يقم عليه برهان ، ولأجل ذلك تشكّك فيه الشيخ (٤).

قال :

وعند المتكلّمين على ثلاثة وعشرين.

أقول :

العرض عند المتكلّمين يقال على ثلاثة وعشرين جنسا :

الأوّل : الكون ، وهو عبارة عن الحصول في الحيّز الذي يسمّيه الحكيم أينا ، وهو جنس لأنواع أربعة : الحركة والسكون والاجتماع ، وهو كون الجوهرين بحيث لا يتخللهما ثالث ، والافتراق وهو كونهما بحيث يتخللهما ثالث.

الثاني : اللون ، وهو جنس للسواد (٥) والبياض ، والبواقي تتركّب منهما ، وأبو هاشم (٦) جعلهما خالصين ، وأضاف إليهما الحمرة والصفرة والخضرة (٧).

__________________

(١) (منها) ليست في «أ» «ب» «ج».

(٢) في «ف» : (عن غير) بدل من : (من أعسر).

(٣) (ممّا) لم ترد في «س».

(٤) انظر كشف المراد للمصنّف : ٢٩٩ (الآملي) ، شرح المقاصد للتفتازاني ١ : ١٧٥.

(٥) في «ج» : (السواد).

(٦) هو عبد السلام بن محمّد بن عبد الوهاب أبو هاشم بن أبي بكر البصري الجبائي ، وهو وأبوه من رؤساء المعتزلة ، له آراء تفرّد بها ، وتبعته فرقة من المعتزلة فسميت البهشمية نسبة إليه ، ولد سنة ٢٤٧ هجريّة وتوفّي سنة ٣٢١ هجريّة ببغداد (تاريخ بغداد ١١ : ٥٥ ، الوافي بالوفيات ١٨ : ٤٣٤ ، الفهرست لابن النديم : ٢٤٧ ، سير أعلام النبلاء ١٥ : ٦٣).

(٧) نقله الفخر الرازي في كتاب المحصل : ٢٣٢ عن المعتزلة.

١٦٤

الثالث : الطعوم وهي تسعة : الحلاوة والمرارة والملوحة والحموضة والحرافة (١) والدسومة والعفوصة (٢) والقبض والتفاهة (٣).

الرابع : المشمومات ، وهي الطيب والنتن ، وليس لأنواعهما اسما إلّا من جهة الموافقة والمخالفة ، وهذه الأنواع الأربعة منها ما هو متماثل ، ومنها ما هو متضاد ، وفي جواز البقاء عليها خلاف ومختلف الكون واللون (٤) متضادّ ، والطعوم والروائح يوجد فيها (٥) مختلف غير متضادّ.

الخامس : الحرارة ، وهي مدركة لمسا.

السادس : البرودة ، وهي مضادّة للاولى (٦). وقيل : هي عدم الحرارة (٧) ، وهو خطأ فإنّا نحسّ من الجسم البارد بكيفيّة زائدة على ذاته والعدم لا يحس به.

السابع : الرطوبة ، وهي مدركة لمسا.

__________________

(١) قال في نهج المسترشدين في أصول الدين : ٢٥ إنّ الحارّ إن فعل في الكثيف حدثت الحرارة ، وإن فعل في اللطيف حدثت الحرافة ، وقال في شرح تجريد العقائد : ٢٤٦ إنّ الحرارة إن فعلت في اللطيف حدثت الحرافة.

(٢) في «ف» : (العقوصة). قال في شرح تجريد العقائد : ٢٤٦ البرودة إن فعلت في اللطيف حدثت الحموضة ، وفي الكثيف حدثت العفوصة وفي المعتدل حدث القبض.

(٣) في كشف المراد : ١٧٠ الجسم إن كان عديم الطعم فهو التفه ، وفي شرح العقائد النسفيّة ١ : ٥٤ التفه عدم الطعم ، وفي إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين : ٧٩ التفه يقال بالاشتراك على معنيين متغايرين ، أحدهما : ما لا طعم له ، ثانيهما : ما له طعم في الحقيقة ، لكن لا يحس بطعمه.

(٤) في «ف» زيادة : (ما).

(٥) في «ف» : (فيهما).

(٦) في «س» «ف» : (للأوّل).

(٧) قال في كشف الفوائد : ٢٢ البرودة : عدم الحرارة عمّا من شأنه أن يكون حارا ، وفي جامع العلوم ١ : ٢٣٦ البرودة : كيفيّة من شأنها تفريق المتشاكلات وجمع المتخالفات.

١٦٥

الثامن : اليبوسة ، وهي مضادّة للاولى (١).

التاسع : الصوت ، وهو مدرك بالسمع وفيه متماثل ومختلف ، وفي التضادّ خلاف وهو (٢) يحصل بسبب القرع أو (٣) القلع ، وليس بباق.

العاشر : الاعتماد ، وهو الذي يسمّيه الحكيم ميلا (٤) وهو محسوس لمسا ، وهو إمّا لازم أو عارض ، فاللازم إن كان اعتمادا نحو (٥) السفل فهو الثقل ، وإلّا فهو الخفّة.

والعارض أنواعه ستة بحسب تعدّد الجهات ، واللازم باق على خلاف فيه ، والعارض غير باق اتفاقا ، فهذه أنواع عشرة يكفي في وجودها مجرّد المحل.

الحادي عشر : التأليف ، وهو عرض حالّ في محلّين عند أبي هاشم يقتضي صعوبة التفكيك (٦).

الثاني عشر : الحياة ، وهي عرض قائم بالبدن زائد على اعتدال المزاج والصحّة عند قوم (٧) ، وعند آخرين هي نفس الاعتدال (٨).

الثالث عشر : القدرة ، وهي عرض زائد على صحّة البنيّة والصلابة تقتضي

__________________

(١) في «س» «ف» : (للأوّل).

(٢) في «ب» : (قد).

(٣) في «ف» : (و).

(٤) راجع شرح تجريد العقائد : ٢٣٤ ، شوارق الإلهام ٢ : ١٤٢.

(٥) في «ب» : (لنحو).

(٦) حكاه عنه الفخر الرازي في كتاب المحصل : ٢٦٧ وابن ميثم البحراني في قواعد المرام في علم الكلام : ٤١ والمصنّف في نهج المسترشدين في أصول الدين : ٢٦.

(٧) حكاه المرتضى في الحدود والحقائق : ١٥٨.

(٨) حكاه عن الأوائل المصنّف في نهج المسترشدين : ٩٢.

١٦٦

صحّة الفعل عند قوم (١) وعند آخرين هي نفس (٢) صحّة البنية والصلابة (٣).

الرابع عشر : الاعتقاد وهو الحكم بالثبوت أو النفي (٤) ، وهو إمّا أن يكون جازما أو لا يكون ، والجازم (٥) إمّا أن يكون مطابقا أو لا يكون ، والأوّل إمّا أن يكون ثابتا أو لا ؛ فالأوّل : العلم ، والثاني : التقليد ، والذي لا (٦) يكون مطابقا هو الجهل المركّب ، والذي ليس بجازم يكون الطرف الراجح ظنّا ، والمرجوح وهما والمساوي (٧) شكّا (٨).

واعلم أنّ الحقّ عندي أنّ العلم والظنّ من أنواع الاعتقاد ، والوهم والشكّ ليسا (٩) من أنواع الاعتقادات.

الخامس عشر : الظنّ وهو الراجح من الاعتقادين (١٠) ، وقد ذكرنا أنّه من أنواع الاعتقادات ، والمعتزلة جعلوه مغايرا له. وفرق بين اعتقاد الرجحان ورجحان الاعتقاد ، فإنّ الأوّل قد يكون علما وظنّا وجهلا ، والثاني هو الظنّ.

السادس عشر : النظر وقد مضى ، وهو غير باق.

__________________

(١) حكاه المصنّف في كشف المراد : ١٩١.

(٢) (نفس) ليست في «د».

(٣) انظر تلخيص المحصل : ١٦٨ و ٤٧٧ ، شرح العقائد النسفيّة ١ : ١٢٠.

(٤) في «ف» : (بالنفي).

(٥) في «أ» «ب» «س» : (فالجازم).

(٦) (لا) لم ترد في «ف».

(٧) في «ب» : (المتساوي).

(٨) في «د» : (شك).

(٩) (ليسا) لم ترد في «ف».

(١٠) في «س» : (الاعتقادات).

١٦٧

السابع عشر : الإرادة وهي الميل العقلي.

الثامن عشر : الكراهة وهي الإباء العقلي ، وهما متضادّان ، وليس في كلّ منهما تضادّ بل مختلف ومتماثل (١) وهما غير باقيين.

التاسع عشر : الشهوة وهي الميل الطبيعي.

العشرون : النفار وهو النفور الطبيعي ، وهما متضادّان وليس في كلّ واحد (٢) منهما تضاد.

الحادي والعشرون : الألم وهو عبارة عن إدراك المنافي عند قوم (٣) ، ويحدث من تفرّق الاتصال ، واللذّة إدراك الملائم. فهذه الأنواع تفتقر إلى الحياة.

الثاني والعشرون : الفناء وهو غير متحيّز ولا حال في المتحيّز وفي وجوده وتجرّده خلاف وهو غير باق اتفاقا.

الثالث والعشرون : البقاء وهو زائد على استمرار الوجود عند قوم ، فهذا هو الكلام المختصر في هذه الأعراض ، والاستقصاء ذكرناه في كتاب مناهج اليقين (٤).

[تعريف الحركة]

قال :

والحركة هي حصول الجسم في حيّز بعد أن كان في (٥) آخر.

__________________

(١) في «ب» : (مماثل).

(٢) (واحد) لم ترد في «د».

(٣) حكاه عن ابن سينا الخواجة نصير الطوسي في تلخيص المحصل : ١٧١. وانظر قواعد العقائد :

٢٣ و ٤٨.

(٤) مناهج اليقين : ٦٩ ـ ٢٤١ ، وفي طبعة الأنصاري القمي : ١٩ ـ ١٤٩ (المنهج الثاني).

(٥) في «س» زيادة : (حيّز).

١٦٨

أقول :

هذا تعريف الحركة عند المتكلّمين (١) فإنّ الجسم حال حصوله في المكان الأوّل غير متحرّك ، وليس بين الأوّل والثاني مكان ، فإذن الحركة هي الحصول الأوّل في المكان الثاني.

وربّما شكّكوا هاهنا بأنّ الحركة ليست هي الحصول الأوّل فإنّه لم يتحرّك ، ولا الحصول في المكان الثاني فإنّه (٢) حالة انتهاء الحركة ، ولا مكان بين الأوّل والثاني ، وأيضا فإنّها لو كانت موجودة فإمّا أن تكون منقسمة أو غير منقسمة.

والأوّل يلزم (٣) أن لا تكون الحركة موجودة ، لأنّ الماضي والمستقبل معدومان ، فالحاضر لو كان منقسما لزم أن لا يكون الحاضر حاضرا.

والثاني يلزم منه وجود الجزء الذي لا يتجزّأ.

والجواب عن الأوّل أنّ الحركة عندنا (٤) عبارة عن الحصول في الحيّز الثاني ، وقوله : إنّ ذلك هو حالة انتهاء الحركة.

قلنا : هذا مبنيّ على نفي الجزء الذي لا يتجزّأ ، وإنّ بين الحصول في المكان الأوّل والثاني مسافة يقطعها الجسم ، أمّا على تقدير ثبوت الجزء فيندفع (٥) هذا المحذور ، وبهذا يجيب عن الثاني ، على أنّ هذين الوجهين تشكيك في الضروريّات ؛ فلا تسمع.

__________________

(١) كتاب المحصّل للفخر الرازي : ٢٣٧ ، مقالات الإسلاميين : ٣٥٤ ، المحيط بالتكليف : ٤١ ، الفرق بين الفرق : ١٥٨ ، وحكى ذلك المصنّف في شرح التجريد (الزنجاني) : ١٨٠ و ٢٨٤ ، وفي طبعة الآملي : ٣٧٠ ، مناهج اليقين : ١١٩ وفي طبعة الأنصاري القمي : ٥٧.

(٢) في «ف» : (فإنّ).

(٣) في «ج» «ف» زيادة : (منه).

(٤) في «ب» «ف» زيادة : (هي).

(٥) في «ف» : (فيدفع).

١٦٩

قال :

وقيل : كمال أوّل لما بالقوّة من حيث هو بالقوّة (١).

أقول :

هذا تعريف ثان للحركة ، وهو تعريف الحكماء. واعلم أنّ كلّ صفة غير ثابتة للذات مع إمكان ثبوتها لها فإنّ تلك الذات يقال لها (٢) : إنّها بالقوّة متّصفة بتلك الصفة وحصول تلك الصفة كمال للذات. إذا عرفت هذا فنقول : الجسم إذا كان حاصلا في المكان الأوّل فإنّ حصوله في المكان الثاني ممكن غير ثابت له فهو كمال له ، وهو (٣) بالقوّة في ذلك المكان ، وحصوله في المكان الثاني لا يمكن إلّا بحركته وقطعه المسافة ، وتلك الحركة حينئذ معدومة عنه ممكنة له ، فهي كمال للجسم أيضا لكن الحركة أسبق الكمالين ، فإنّ بها يحصل الكمال الثاني ، فهي كمال أول لما بالقوّة أي للجسم من حيث هو بالقوّة ، وإنّما ذكرنا هذا القيد لأنّ سائر الصفات كمالات (٤) لما بالقوّة في تلك الصفات إلّا أنّ الحركة لما كانت كمالا لما بالقوّة متحرّك لا مطلقا بل من حيث هو بالقوّة حاصل في المكان الثاني وجب ذكر هذا القيد ليخرج عن هذا التعريف سائر الكمالات التي لا تؤدّي إلى كمالات اخر.

__________________

(١) هذا تفسير أرسطو كما في نهاية المرام للمصنّف ٣ : ٣٢٩ ، التحصيل : ٤٢١ ، إيضاح المقاصد من حكمة عين القواعد : ٢٧٣ ، وانظر شرح التجريد (الزنجاني) : ٢٨٤ ، وفي طبعة (الآملي) : ٣٧٠ ، شرح المواقف ٦ : ١٩٥ ، شرح المقاصد ٢ : ٤١١.

(٢) (لها) ليست في «س» «ف».

(٣) في «ف» زيادة : (ثابت).

(٤) في «ب» «س» «ف» : (كمال).

١٧٠

قال :

هذا أجود تعريف الحكماء والبواقي دوريّة.

أقول :

للحكماء تعريفات اخر للحركة لزمهم الدور فيها ، فكان هذا التعريف أجود من تلك ، فإنّ بعضهم عرّف الحركة بأنّها الحصول على التدريج (١) ، فإذا سئلوا عن معنى الحصول التدريجي قالوا : إنّه الحصول المطابق لأجزاء الزمان ، فإذا قيل لهم : الزمان ما هو؟ قالوا : إنّه مقدار الحركة فقد انتهى التعريف إلى الحركة وهو دور.

وكذلك قولهم : الحركة هي الحصول يسيرا يسيرا.

وكذلك قولهم : الحركة هي (٢) الحصول لا دفعة ، فإذا سئلوا عن معنى الدفعة ، قالوا : إنّها الحصول في الآن ، فإذا سئلوا عن الآن ما هو؟ قالوا : إنّه طرف الزمان والزمان مقدار الحركة فدار.

وكذلك قولهم : الحركة هي التوسّط بين المبدأ والمنتهى بحيث أيّ آن فرضته يكون الجسم حاصلا في حدّ لا يكون قبله ولا بعده حاصلا فيه ، وهذا مع اشتماله على الآن المعرّف بالزمان المعرّف بالحركة مشتمل (٣) أيضا على القبل والبعد الذي لا يعرّف إلّا بالزمان المعرّف بالحركة.

__________________

(١) انظر هذا التعريف في مقاصد الفلاسفة : ٣٠٤ ، التعريفات : ١١٤ ، شرح المواقف ٦ : ١٩٦ ، شرح المقاصد ٢ : ٤٠٩ ، وحكى ذلك المصنّف في نهاية المرام ٣ : ٣٢٦ ، مناهج اليقين : ١١٩ ، وفي طبعة الأنصاري القمي : ٥٧ ، وانظر الأسفار الأربعة ٣ : ٢١.

(٢) (هي) لم ترد في «س».

(٣) في «ج» «ر» : (يشتمل).

١٧١

[تعريف السكون]

قال :

والسكون حصوله في حيّز أكثر من زمان واحد أو عدم الحركة عمّا من شأنه أن يتحرّك.

أقول :

التعريف الأوّل للمتكلّمين والثاني للحكماء (١) ، فإنّ السكون عندهم عدم الحركة لا مطلقا ، فإنّ العرض لا يقال له : ساكن ، والامور المجرّدة لا يقال : إنّها ساكنة ، والجسم في الآن الواحد لا يقال له : ساكن لما لم (٢) يكن من شأنه أن يتحرّك ، فهذا القيد الأخير لا بدّ منه في تعريف السكون.

[الزمان مقدار الحركة]

قال :

والزمان مقدار الحركة من حيث التقدّم والتأخّر في المسافة لا في الزمان وإلّا دار.

أقول :

الزمان قد يعرض فيه تقدّم وتأخّر لأجزائه (٣) بعضها على بعض تقدّما (٤)

__________________

(١) حكى ذلك الفخر الرازي في كتاب المحصّل : ٢٣٧ ، المباحث المشرقية ١ : ٥٩٤ ، والمصنّف في مناهج اليقين : ١٢٤ ، وفي طبعة الأنصاري القمي : ٦٠ ، وشرح التجريد (الآملي) : ٣٨١ ، وفي طبعة (الزنجاني) : ٢٩٥.

(٢) في «ف» : (ما لم) بدل من : (لما لم).

(٣) في «ج» : (لأجزائها).

(٤) في «ف» : (تقدّما و).

١٧٢

طبيعيّا لا يمكن أن يجامع المتقدّم منه المتأخّر ، والمسافة أيضا تشتمل على أجزاء تتقدّم (١) بعضها على بعض تقدّما وضعيّا ، ولمّا كانت الحركة مطابقة لهما تزيد بزيادتهما وتنقص بنقصانهما وتنقسم بانقسامهما عرض لها هذا النوع من التقدّم (٢) وحصل لها بسبب هذه التقدّمات إن كانت معدودة و (٣) مقدّرة ، فالزمان مقدار الحركة وعددها من حيث التقدّم والتأخّر العارضين (٤) لها بسبب تقدّم بعض أجزاء المسافة على بعض لا بسبب التقدّم والتأخّر اللاحقين لها بسبب الزمان وإلّا لزم الدور.

قال :

وهو موجود عند الحكماء لأنّ المتحرّك السريع يقطع نصف ما يتحرّك بسرعته في نصف زمانه وإمكانه (٥) منقسم إمّا كمّ أو ذو كمّ.

أقول :

الحكماء ذهبوا إلى أنّ الزمان أمر (٦) موجود ممتدّ من الأزل إلى الأبد (٧) ، واستدلّوا على وجوده بأنّا إذا فرضنا متحرّكا يقطع بسرعة ما مسافة ما وفرضنا معه متحرّكا آخر بتلك السرعة وابتدءا معا وانتهيا معا ، فإنّهما يقطعان مسافة

__________________

(١) في «أ» «س» : (متقدّم).

(٢) في «س» : (التقديم).

(٣) الواو ليست في «س».

(٤) في «ب» «ج» «د» «س» «ف» : (العارضان).

(٥) في «س» «ف» : (فإمكانه).

(٦) (أمر) لم ترد في «س».

(٧) الشفاء (الطبيعيّات) ١ : ١٤٨ ، النجاة : ١١٥ ، وحكاه عنهم الفخر الرازي في المباحث المشرقيّة ١ : ٧٦١ ، والتفتازاني في شرح المقاصد ٢ : ١٨٤.

١٧٣

واحدة ، ولو ابتدأ أحدهما دون الثاني وانتهيا معا وجد الثاني قد قطع أقلّ من الأوّل ، ولو ابتدأ معه بطيء وانتهيا معا وجد البطيء قد قطع أقلّ ويقطع بتلك السرعة في نصف الزمان نصف المسافة ، فإذن بين ابتداء المتحرّك المذكور وانتهائه إمكان قطع تلك المسافة بسرعة معيّنة وإمكان آخر أقلّ من ذلك الإمكان ، فيكون الإمكان قابلا للقسمة فهو موجود ، وكلّ قابل للقسمة فهو إمّا كمّ أو ذو كمّ ، فذلك الإمكان إمّا أن يكون كمّا أو يكون ذا كمّ (١).

قال :

فإن كان مقدار المادّة زادت بزيادته ، هذا خلف ، وكذا لهيئة قارّة أو لجسم (٢) فهو لغير قارّة (٣).

أقول :

لمّا بيّن أنّ الزمان مقدار لقبوله (٤) القسمة شرع في بيان أنّه مقدار للحركة ، وذلك لأنّ الزمان إمّا أن يكون مقدارا للمادّة أو للهيئة القارّة أو للجسم أو للهيئة الغير القارّة (٥) ، والكلّ باطل إلّا الأخير.

وبيان بطلان الأوّل : أنّ المقدار كلّما ازداد ازداد محلّه فيه ، فلو كان الزمان مقدارا للمادّة لوجب أن يكون كلّما كان أطول كانت المادّة أكبر ، فكلّما (٦) ازدادت المادّة حركة ازدادت عظما ، هذا خلف.

__________________

(١) انظر النجاة : ١١٥ ، المباحث المشرقيّة ١ : ٧٦٨ ، شرح المقاصد ٢ : ١٨٤ ، درّة التاج : ٥٣٦.

(٢) في «ف» «أ» : (الجسم).

(٣) في «س» : (قار).

(٤) في «ج» «ر» «ف» : (لقبول).

(٥) في «ر» «ف» : (غير القارّة) ، وفي «ب» : (الغير قارة).

(٦) في «ب» «ر» «س» : (وكلّما).

١٧٤

وبهذا البيان تبيّن أنّه لا يجوز أن يكون مقدارا للهيئة القارّة ولا للجسم فوجب أن يكون مقدارا لهيئة غير قارّة.

[الزمان مقدار الحركة الدوريّة]

قال :

وهو الحركة الدوريّة لأنّ بين المستقيمتين سكونا لوجود علّة الوصول عنده في آن ، والمفارقة في آخر ، لاستحالة اجتماع مثلين وبينهما سكون لاستحالة تتالي الآنات.

أقول :

لمّا بيّن أنّ الزمان مقدار لغير القارّة فسّره هاهنا بأنّ ذلك الغير هو الحركة الدوريّة ، واستدلّ على ذلك بدليل مبنيّ على ثلاث مقدّمات :

أحدها : أنّ الزمان ليس له ابتداء ولا انتهاء ، وهذا قد ذكره فيما مضى من شبه الفلاسفة وأجاب (١) عنه بما مرّ.

الثانية : أنّ الأبعاد متناهية ، وهذه سيأتي بيانها.

الثالثة : أنّ بين كلّ حركتين مستقيمتين سواء كانتا على انعطاف أو على (٢) رجوع سكونا ، وهذه المقدّمة ممّا (٣) اختلف فيها الحكيمان ؛ فذهب أفلاطون (٤) إلى

__________________

(١) في «أ» «د» : (فأجاب).

(٢) (على) لم ترد في «ر».

(٣) في «د» زيادة : (قد).

(٤) أفلاطون من فلاسفة اليونان تتلمذ على سقراط ، ودوّن أفكاره الفلسفيّة على شكل محاورات ،

١٧٥

نفي هذا السكون (١) ، وأثبته أرسطاطاليس (٢) (٣).

واحتجّ أصحابه على ذلك بأنّ الوصول إلى المنتهى لا بدّ وأن يكون في آن ، وآن المفارقة لا يجوز أن يكون هو بعينه (٤) آن الوصول ، فلا بدّ من آنين وبينهما زمان سكون.

وهذه الحجّة عظيمة الاختلال قد أبطلها الشيخ في الشفاء بأنّ المفارقة لا تحصل في آن ، وإنّما تحصل في زمان (٥).

فإن قلت : الكلام في أوّل زمان المفارقة.

قلت : أوّل زمان المفارقة ليس فيه مفارقة ، بل هو آن الوصول ، ولا استبعاد في أن يكون الشيء محكوما عليه بشيء في زمان ويكون في ابتداء ذلك الزمان يحكم عليه بنقيض ذلك الحكم إذا كان ذلك الشيء ممّا لا يصحّ وجوده في آن. وأيضا

__________________

أسس الأكاديميّة في أثينا ، وهو واضع نظريّة المثل ، له كتاب «الجمهوريّة» التي رسم فيها أوّل صورة للمدينة الفاضلة توفي سنة ٣٤٧ قبل ميلاد السيّد المسيح عليه‌السلام (طبقات الأطبّاء ١ : ٧٨ ، صوان الحكمة للسجستاني : ٨٤).

(١) حكى ذلك في الشفاء (الطبيعيّات) ١ : ٢٩٢ وشرح الإشارات ٣ : ١٧٧ ، المعتبر في الحكمة ٢ : ٩٤ ، المباحث المشرقيّة ١ : ٧٣٢ ، نهاية المرام للمصنّف ٣ : ٤٥٧ ، الأسرار الخفيّة : ٣١٣.

(٢) أرسطاطاليس هو أرسطو تلميذ أفلاطون وسمي بالمعلم الأوّل لأنّه واضع التعاليم المنطقيّة ومخرجها من القوّة إلى الفعل ، وله كتب في الطبيعيّات والإلهيات والأخلاق (الملل والنحل للشهرستاني ٢ : ١١٩ ، طبقات الأطبّاء ١ : ٨٤ ، صوان الحكمة : ١٣٥).

(٣) حكى ذلك في الشفاء (الطبيعيّات ١ : ٢٩٢ ، وشرح الإشارات ٣ : ١٧٧ ، المعتبر في الحكمة ٢ : ٩٤ ، المباحث المشرقيّة ١ : ٧٣٢ ، نهاية المرام للمصنّف ٣ : ٤٥٧ ، الأسرار الخفيّة : ٣١٣.

(٤) في «ب» : (بعينه هو).

(٥) الشفاء (الطبيعيّات) ١ : ٢٩٢.

١٧٦

فهذه (١) الحجّة آتية في الحركة المستقيمة في المسافة المتّصلة المنقسمة فرضا.

ثمّ إنّه بعد إبطال هذه الحجّة استنبط حجّة اخرى ، وهي المذكورة في هذا الكتاب ، وتقريرها أن نقول : كلّ حركة توجد في الجسم فلا بدّ لها من علّة غير الجسم ، فإنّ الجسم لو تحرّك لذاته لما تحرّك لذاته لوجوب دوام كلّ جزء من أجزاء الحركة ولأنّه لو تحرّك لذاته لما عدمت الحركة عنه ، ولأنّه كان يلزم تحرّك جميع الأجسام ، ولأنّه إن لم يطلب مكانا طبيعيّا لم يتحرّك ، وإن طلب سكن عند الوصول إليه ، فإذن كلّ جسم متحرّك ، فإنّما يتحرّك بقوّة (٢) سارية في الجسم وتلك القوّة تسمّى ميلا.

إذا تقرّر هذا فنقول : إنّ علّة الوصول ممّا يصحّ وجودها في آن بخلاف الحركة ، وذلك لأنّها علّة للوصول (٣) الذي يوجد في آن ووجود المعلول يستلزم وجود علّته ، فعلّة الوصول موجودة في (٤) آن الوصول ، وعلّة المفارقة لا يصحّ أن تكون هي بعينها علّة الوصول ، وإلّا لكان الضدّان يصدران عن شيء واحد ، وذلك يستلزم اجتماعهما ، هذا خلف ، وتلك العلّة ممّا (٥) توجد في آن أيضا لما مرّ ، ولا يجوز اجتماعهما (٦) في آن واحد وإلّا لكان (٧) الجسم واصلا مفارقا في آن واحد لوجود علتيهما ، هذا خلف.

__________________

(١) في «ج» «ر» «ف» : (هذه).

(٢) في «أ» «ج» «د» : (وإنّما يتحرّك لقوّة) بدل من : (فإنّما يتحرّك بقوّة).

(٣) في «د» : (الوصول) ، وفي «أ» : (للوصف).

(٤) (في) لم ترد في «ب».

(٥) في «س» : (إنّما).

(٦) من قوله : (هذا خلف) إلى هنا سقط من «ف».

(٧) في «س» : (كان).

١٧٧

فإذن ، الآنان متغايران ، ولا يجوز تتاليهما وإلّا لزم وجود الجزء الذي لا يتجزّأ ، وهو باطل لما يأتي.

فإذن بين الآن الذي وجد (١) فيه علّة الوصول وبين الآن الذي وجد فيه علّة المفارقة زمان ليس في علّة فيكون الجسم في ذلك الزمان ساكنا وهو المطلوب ، فإذن الحركات (٢) المستقيمة كلّها منقطعة لأنّها إن رجعت انتهت بهذا البرهان ، وإن استمرّت في سمت واحد لزم تناهيها لتناهي البعد الذي يتحرّك فيه ، فلو كان الزمان مقدارا للحركة المستقيمة لزم أن ينقطع (٣) ، وأفلاطون استدلّ بأنّه لو وجب هذا السكون لوجب (٤) وقوف الحبل الهابط عند انتهاء حركة الحصاة (٥) الصاعدة.

واعلم أنّ هذه الحجج (٦) ضعيفة ، وقد بيّنّا فسادها في كتاب الأسرار (٧) ؛ فليطالع من هناك.

قال :

وعدم الآن في جميع الزمان الذي بعده.

أقول :

هذا جواب عن سؤال (٨) يورد على قولهم : الآنات لا تتتالى ، وتقريره أن نقول :

__________________

(١) في «ف» : (وجود).

(٢) في «ب» : (الحركة).

(٣) في «أ» : (يتقطّع).

(٤) في «ف» : (لموجب).

(٥) في «ف» : (انحصاره).

(٦) في «ب» : (الحجّة).

(٧) الأسرار الخفيّة : ٣١٣.

(٨) في «س» زيادة : (مقدّر).

١٧٨

الآن الموجود إمّا أن يكون عدمه على التدريج أو دفعة ، والأوّل باطل لأنّ العدم على التدريج إنّما يكون للموجود المنقسم الذي يعدم بعض أجزائه في بعض أجزاء الزمان والبعض الآخر في البعض الآخر منه ، والآن ليس بمنقسم فلا يكون عدمه حاصلا على التدريج فيكون دفعة في آن فيجب أن يكون هناك آن عقيب الآن الأوّل يعدم فيه الآن الأوّل (١) فيلزم تتالي الآنات.

وتقرير الجواب أن نقول : الحصر ممنوع فإنّ الوجود والعدم إمّا أن يحصل كلّ واحد منهما على التدريج أو (٢) لا على التدريج ، وما ليس على التدريج أعمّ من أن يحصل دفعة أو يحصل في جميع الزمان لا بمعنى أن يكون ذا أجزاء مطابقة لأجزاء الزمان ، فإنّ من الأشياء ما يحصل دفعة كالأشياء التي توجد في آن ولا يفتقر وجودها إلى وجود الزمان.

ومنها : ما يحصل في زمان على معنى أن تكون أجزاءه مطابقة لأجزاء الزمان فتحصل يسيرا يسيرا ، ويستحيل حصوله في آن كالحركة.

ومنها : ما يحصل في زمان وفي آن كالتوسّط بين المبدأ والمنتهى ، فلو قال القائل : ليس الكلام في استمرار عدم الآن بل في ابتداء عدمه قلنا : ابتداء عدمه هو آن وجوده ولا استبعاد (٣) في ذلك على ما سلف.

[أحكام الحركة]

قال :

وتضادّ الحركة لتضادّ المقصد.

__________________

(١) (الأوّل) ليس في «س» ، وفي «ب» : بياض.

(٢) في «ف» : (و).

(٣) في «ف» : (الاستبعاد) بدل من : (لا استبعاد).

١٧٩

أقول :

لمّا فرغ من بيان تعريف الحركة والزمان وبيان وجودهما شرع في ذكر بعض أحكام الحركة من التضادّ ، والوحدة ، والتغاير ، وقبل ذلك نقول : الشيئان إمّا أن يكونا متماثلين أو مختلفين ؛ فالمتماثلان هما اللذان يسدّ كلّ واحد منهما مسدّ صاحبه. والمختلفان إمّا أن يكونا ضدّين أو غير ضدّين ؛ فالضدّان هما اللذان يستحيل اجتماعهما ويكون بينهما غاية التباعد ويكونان (١) وجوديين. ومنهم من لا يشترط غاية التباعد في الضدّية (٢).

وينبغي أن تعلم أنّ الحركة تستدعي امورا ستّة لا توجد بدونها :

الأوّل : المتحرّك ووجه احتياجها إليه من حيث عرضيتها ووجوب احتياج العرض إلى الموضوع.

الثاني : المحرّك وإنّما احتاجت إليه لأنّها محدثة ، وقد بيّنّا أنّه لا يجوز أن يستند إلى ذات المتحرّك أعني الجسم ، فلا بدّ من شيء آخر يوجب الحركة وهي (٣) قد تكون طبيعيّة وقد تكون قوّة قسريّة ، وقد تكون إرادة واختيارا.

الثالث : ما فيه الحركة ونعني به (٤) هاهنا ما يتوجّه فيه الجوهر من نوع مقولة إلى نوع آخر ومن صنف إلى صنف ، وهي لا تجوز إلّا في أربع مقولات : الكمّ كالكبير يصغر ، والصغير يكبر إمّا بالنموّ والذبول أو بالتخلخل والتكاثف ، والكيف كالتحرّك

__________________

(١) في «ج» «ف» : (فيكونان).

(٢) في «ف» : (الضدّين).

(٣) في «ب» «ج» «د» «س» «ف» : (وهو).

(٤) في «أ» «ب» «س» «د» : (بها).

١٨٠