عين اليقين - ج ٢

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

عين اليقين - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


المحقق: فالح عبدالرزاق العبيدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الحوراء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٠
الجزء ١ الجزء ٢

والله ما سمعته من أحد من المنجمين قطّ ، قال : أفتدري كم بين السنبلة وبين اللوح المحفوظ من دقيقة؟ قلت : لا ، والله ما سمعته من منجّم قطّ ، قال : ما بين كلّ واحد منهما إلى صاحبه ستّون أو تسعون دقيقة ، شكّ عبد الرحمن.

ثمّ قال : يا عبد الرحمن ، هذا حساب إذا حسبه الرجل ووقع عليه عرف القصبة الّتي وسط الأجمة ، وعدد ما عن يمينها ، وعدد ما عن يسارها ، وعدد ما خلفها ، وعدد ما عن أمامها ، حتّى لا يخفى عليه من عدد الأجمة واحدة (١).

وصل

قال بعض العلماء : الأحكام النجومية إمّا أن تكون جزئية ، وإما كلية ، أمّا الجزئية فأن يحكم ـ مثلا ـ بأن هذا الإنسان يكون من حاله كذا وكذا ، وظاهر أنّ مثل هذا الحكم لا سبيل للمنجّم إلى معرفته ؛ إذ العلم به إنّما هو من جهة أسبابه.

أما الفاعلية ، فأن يعلم أن الدورة المعيّنة ، أو الاتصال المعيّن ، سبب لملك هذا الرجل البلد المعيّن ـ مثلا ـ وأنه لا سبب فاعلي لذلك إلّا هو ، والأوّل باطل ؛ لجواز أن يكون السبب غير ذلك الاتصال ، أو هو مع غيره.

أقصى ما في الباب أن يقال : إنّما كانت هذه الدورة وهذا الاتصال سببا لهذا الكائن؛ لأنها كانت سببا لمثله في الوقت الفلاني.

لكن هذا أيضا باطل ؛ لأنّ كونها سببا للكائن السابق لا يجب أن يكون لكونها مطلق دورة واتصال ، بل لعله أن يكون لخصوصيّة كونها تلك المعيّنة الّتي لا تعود بعينها فيما بعد ، وحينئذ لا يمكن الاستدلال بحصولها على كون هذا

__________________

(١) ـ الكافي : ٨ : ١٩٥ ، ح ٢٣٣ ، مع بعض الاختلافات اليسيرة.

٨١

الكائن ؛ لأنّ المؤثرات المختلفة لا يجب تشابه آثارها.

والثاني ـ أيضا ـ باطل ؛ لأنّ العقل يجزم بأنه لا اطّلاع له ، على أنه لا مقتضى لذلك الكائن من الأسباب الفاعلة إلّا الاتصال المعيّن ، وكيف وقد ثبت أن من الكائنات ما تفتقر إلى أكثر من اتصال واحد ، ودورة واحدة ، أو أقل.

وأمّا القابلية فأن يعلم أن المادّة قد استعدّت لقبول مثل هذا الكائن ، واستجمعت جميع شروط قبوله الزمانية ، والمكانية ، والسماوية ، والأرضية ، وظاهر أن الإحاطة بذلك ممّا لا تفي به القوّة البشرية.

وأمّا الصورية والغائية ، فأن يعلم ما يقتضيه استعداد مادّة ذلك المعين وقبولها من الصورة ، وما يستلزمه من الشكل والمقدار ، وأن يعلم ما غاية وجوده ، وما أعدته العناية له ، وظاهر أن الإحاطة بذلك غير ممكنة للإنسان.

وأمّا أحكامهم الكلية ، فكأن يقال : كلما حصلت الدورة الفلانية كان كذا ، والمنجّم إنّما يحكم بذلك الحكم عن جزئيات من الدورات تشابهت آثارها ، فظنّها متكرّرة ، ولذلك يعدلون ـ إذا حقّق القول عليهم ـ إلى دعوى التجربة ، وقد علمت أن التجربة تعود إلى تكرر مشاهدات يضبطها الحس والعقل ، يحصّل منها حكما كليا ، كحكمه بأنّ كلّ نار محرقة ، فإنه لما أمكن العقل استثبات الإحراق بواسطة الحس أمكنه الجزم الكلي بذلك.

فأما التشكّلات الفلكية والاتصالات الكوكبية المقتضية لكون ما يكون ، فليس شيء منها يعود بعينه ، كما علمت ، وإن جاز أن يكون تشكّلات وعودات متقاربة الأحوال ، ومتشابهة ، إلّا أنه لا يمكن للإنسان ضبطها ، ولا الاطلاع على مقدار ما بينها من المشابهة والتفاوت ؛ وذلك أن حساب المنجّم مبنيّ على قسمة الزمان بالشهور ، والأيام ، والساعات، والدرج ، والدقائق وأجزائها ، وتقسيم

٨٢

الحركة بإزائها ورفعهم بينهما نسبة عددية ، وكلّ هذه أمور غير حقيقية ، وإنما تؤخذ على سبيل التقريب ، أقصى ما في الباب أن التفاوت فيها لا يظهر في المدد المتقاربة ، لكنه يشبه أن يظهر في المدد المتباعدة ، ومع ظهور التفاوت في الأسباب كيف يمكن دعوى التجربة وحصول العلم الكلي الثابت الّذي لا يتغيّر استمرار أثرها على وتيرة واحدة.

ثم لو سلّمنا أنه لا يظهر تفاوت أصلا ، إلّا أن العلم يعود مثل الدورة ، لا يقتضي بمجرّده العلم بعود مثل الأثر السابق ؛ لتوقف العلم بذلك على عود أمثال الأسباب الباقية للأثر السابق ، من الاستعداد وسائر أسبابه العلوية والسفلية ، وعلى ضبطها ، فإنّ العلم التجربيّ إنّما يحصل بعد حصرها ليعلم عودها وتكرّرها ، وكلّ ذلك ممّا لا سبيل للقوّة البشرية إلى ضبطه ، فكيف يمكن دعوى التجربة؟ (١)

فصل

قد ظهر ممّا ذكر : أن حركات الأفلاك وأوضاعها تحصّل للمواد الاستعدادات ، وتجعلها قابلة لفيضان الصور المتعيّنة من واهبها ، فيفيض عليها الصور بحسب قابليّاتها ، ولمّا كان القابل المطلق الّذي هو المادّة غير متناهي قوّة الانفعال والتأثّر ، لكونها قوّة كلّ ممكن بالإمكان الاستعدادي ، والممكنات الاستعدادية غير متناهية ، وكذلك الفاعل المطلق الّذي هو الله سبحانه غير متناهي قوّة الفعل والتاثير ؛ لأنّ قدرته غير متناهية ، فلا جرم يستمرّ نزول

__________________

(١) ـ شرح نهج البلاغة ، لابن ميثم البحراني : ٢ : ٢١٧ ـ ٢١٩.

٨٣

البركات ، وينفتح باب الخيرات والإفاضات ، ويتعاقب خلق المخلوقات ، وتكوين المكوّنات من الله سبحانه أبدا ، إلّا ما شاء الله ، (وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) (١) ، (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) (٢).

وصل

ولمّا استحال إيجاد الجميع دفعة واحدة ؛ لتعصي المادّة عن قبول صورتين منها معا ، فضلا عن تلك الكثرة ، فقدّر الله بلطيف حكمته حركة دورية ، وزمانا غير منبتّ إلى أن يبلغ الكتاب أجله ، ومادّة مستحيلة من صورة إلى صورة ، على التعاقب ، ليوفي كلّ صورة ممكنة حقّها من الوجود ؛ إذ ليس وجود أحد الضدين أولى من الآخر.

وأيضا لمّا كانت المادّة مشتركة بينها ، فلكل منها حقّ عند الآخر ، ينبغي أن يصير إلى صاحبه ، فالعدل أن يؤخذ من هذا مادّته فيعطى لذاك ، ومن ذلك مادّته فيعطى لهذا ، وتتعاقب المادّة بينها ، فلأجل الحاجة إلى توفية العدل في هذه الموجودات لم يمكن أن يبقى الشيء الواحد دائما بورود الأمثال ، بل لا بدّ أن يصير شيئا آخر يوما ما ، وأمّا بقاؤها بعينه فليس بممكن لذاته لحظتين ؛ لما دريت من أن الطبيعة أمر سيّال متجدد الذات ، متبدّد الحقيقة ، هذا في أشخاص الكائنات.

وأمّا الأنواع فلا يجوز أن توجد عقيب الحركات والاستعدادات ، ولا أن

__________________

(١) ـ سورة الإسراء ، الآية ٢٠.

(٢) ـ سورة إبراهيم ، الآية ٣٤ : وسورة النحل ، الآية ١٨.

٨٤

تكون غير متناهية ؛ وذلك لأنّ لها حقائق عقلية في علم الله سبحانه ، فهي هناك موجودة على سبيل الاجتماع ، أزلا وأبدا ، وهي مترتبة في الصدور ، فيجري فيها براهين إبطال عدم التناهي ، فهي محفوظة ثمّة ، لا تتغيّر ، ولا تتبدّل ، ولا تزيد ، ولا تنقص.

وأمّا في هذا العالم فليس لشيء منها وجود أصلا ؛ إذ الوجود هاهنا ليس إلّا للأشخاص المحسوسة خاصّة.

وصل

ثم من الكائنات ما يكفي في تكوّنه دورة واحدة ، ومنها ما يحتاج إلى أدوار ، ومنها ما يحتاج إلى عودات ، وكلّ كائن فاسد البتّة ، وله مدّة يتكوّن فيها ، ومدّة يضمحلّ فيها ، وينتهي إلى أجله ، فإنّ لكلّ أجلا متناهيا ، يستحقّه بقوّته المدبّرة لبدنه ، لا يحتمل مجاوزته إن جرت أسبابه على ما ينبغي ، وهو الأجل الطبيعي ، وقد تعرض أسباب أخر من حصول المفسد ، أو فقدان النافع المعين ، فيعرض لتلك القوّة أن يقصر فعلها عن الأمد ، فمن الآجال طبيعية ، ومنها اخترامية ، وكلّ بقدر.

وصل

وكما أن الأجسام والجسمانيات الكائنة السفلية منوطة بالحركات السماوية ، فكذلك سائر أحوالها حتّى الاختيارات ، والإرادات النفسانية ، فإنّها أمور تحدث بعدما لم يكن ، ولكلّ منها بعد ما لم يكن علّة وسبب حادث ،

٨٥

ومنتهى ذلك إلى حركات الأفلاك ، وهي على اطّراد متّسق ، تكون دواعي إلى القصد ، وبواعث عليه ، وهذا هو القدر الّذي أوجبه القضاء ، والقضاء هو الفعل الأوّل الإلهي الواحد ، المستعلي على الكلّ ، الّذي تتشعّب منه المقدورات ، وكلّ مرهون بوقته ، وأجله ، فما يتقدّم متقدّم ، ولا يتأخّر متأخّر ، إلّا بحقّ لازم ، وقضاء حتم.

فصل

قد أشرنا فيما سلف إلى أن الكائنات الّتي توجد عندنا كلّها إنّما تتكون من العناصر الأربعة ، وللعناصر كلّها مادّة واحدة مطيعة لأوامر الله تعالى ، ونواهيه ، في خلع بعض الصور ، ولبس بعضها ؛ وذلك لأنها ينقلب بعضها إلى بعض ، وينفسد ، ويتكوّن بدلالة المشاهدة والتجربة ، فلو لم يشترك في المادّة لزم انقلاب الحقيقة.

ألا ترى إلى النار كيف تنقلب هواء في شعل المصابيح ، فإنّها لو بقيت على النارية لتحرّكت إلى مكانها الطبيعي على خطّ مستقيم ، قائم ، فأحرقت ما حاذاها ، وليس كذلك.

وإلى الهواء كيف يستحيل نارا عند القدح ، وعند إلحاح النفخ على النفخ ، وسدّ الطرق الّتي يدخل فيها الهواء الجديد.

ومن هذا القبيل الهواء الحار الّذي منه السموم المحرق ، والهواء الصحو قد ينقلب ماء في قلل الجبال بواسطة برد يصيبه ، فيتكاثف ثمّ يتقاطر دفعة من دون بخار هناك ، كما شاهده غير واحد من الناس ، وقد يصير قطرات ماء على

٨٦

السطوح الظاهرة من الطاسات المكبوبة على الجمد ، أو المملوءة منه.

وقد يستحيل الماء هواء عند تحلل الأبخرة الصاعدة منه ، ومن الثياب المبلولة حين تسخّنها ، كما هو مشاهد ، معلوم لكلّ أحد.

وقد يتحجّر الماء الجاري الصافي حجرا قريب الحجم من حجمه ، بعد ما يخرج من منبعه ، كما في قرية «سيهكوه» من بلدة مراغة من جملة أذربيجان. وقد تنحل الأحجار بالحيل الاكسيرية مياها سيّالة.

إلى غير ذلك من انقلابات بعضها ببعض.

ووجه تأثير بعض هذه الأجسام في بعض ، وقبولها للاستحالة ، ما دريت سابقا من سخافة جوهرها ، ونقص صورها ، فإنّ كيفياتها إذا اشتدّت تبطل الصورة ، وتعدّ المادّة لما يناسبها من الصور ، فينقلب العنصر إلى عنصر آخر ، بل الحق أن الصور ـ أيضا ـ تشتدّ وتضعف ، وتتصادّ (١) بالتدريج ، على نعت الاتّصال ، والكيفيات تابعة لها في التبدل من وجه ، وهي معدّة لتبدلها من وجه آخر ، وإن لم يكن تبدّلها محسوسا إلى حدّ ما ، كما مرّ بيانه في مباحث الحركة.

وصل

وأمّا ما يتوهّم من أن المسخّن فشت فيه أجزاء نارية داخلته ، والمبرّد فشت فيه أجزاء جمدية. فيدفعه حال المحكوك ، والمخضخض ، والمخلخل ، حيث تحمى من غير نار غريبة ، وكذا القماقم الصيّاحة الّتي يصير أكثر مائها نارا مع امتناع دخول النار فيها ، وخروج الماء منها ، وكذا المصموم المفدوم الممتلىء

__________________

(١) ـ هكذا في المخطوطة.

٨٧

الممتنع خروج شيء منه مع استحالة التداخل ، والموضوع فوق الجمد مع امتناع صعود الثقيل.

وأبعد من ذلك توهّم الكمون والبروز ، وهل يسع لأحد أن يصدق بوجود جميع النارية المنفصلة عن خشبة الغضاء فيها مخلفة لبقيّة منها ، فاشية في ظاهر الجمر وباطنه ، غير محرّقة إياها ، ولو لم يكن فيها إلّا الباقي عند التجمّر ، لامتنع التصديق بكمونه كمونا لا يبرزه الرضّ والسحق ، ولا يدرك باللمس والنظر ، وكذا الغاشية في الزجاج الذائب الغير المدركة قبل ، مع كونه شفيفا.

وصل

إنما يؤثر بعض الأجسام في بعض بوجه من التأثير ، إمّا بالتجاور والملاقاة ، كالتسخين بالنار ، والإحراق بها ، والتبريد بالماء ، وما يجري مجرى ذلك من الأفعال الطبيعية الّتي تحصل بالتدريج ، وإما بالمقابلة ، كإضاءة الشمس لما يقابلها ، والانعكاس ، والمحاذاة ، وسائر الأمور الّتي لا تحصل إلّا دفعة ، لا على التدريج ، مع كمية ما ومقدار ما ، وغير ذلك ، لا يمكن ؛ إذ لا مناسبة ، فلا تعلّق.

ومن جملة أسباب الاستحالة الحرارة ، وهي إنّما توجد بعلل ثلاث : الحركة ، ومجاورة جسم حار ، والشعاع.

أما الحركة فكما ترى من حال المحكوك ، والمخضخض ، والمخلخل ، وكون الماء الجاري أقل بردا من الراكد.

وأمّا مجاورة الحارّ ، فكتسخّن الماء بمجاورة النار.

٨٨

وأمّا الشعاع ، فكونه سببا للحرارة أمر معلوم بالحس ، فإنا نحس أن الّذي أشدّ ضوء هو أقل حرارة ، وليعتبر في المرآة المحرقة الّتي لها مقعّر عند مقابلة الشمس ، فينعكس الشعاع من سطحه المقعّر إلى نقطة هي موضع رأس المخروط الشعاعي الانعكاسي ، فتحرق ما يقع هناك من قابل الاحتراق ، لأجل تراكم الأشعة عليه ، وكذا إذا توسّط البلور النافذ فيه شعاع النيّر منعطفا إلى جانب السهم بين قابل الاحتراق ، وبين الشمس ، إذا وقع في مستدق المخروط الانعطافي ، لأجل التراكم في الشعاع هناك.

وصل

ثم ما يتركب من العناصر : إمّا تركيبه طبيعي ، أو غير طبيعي.

أما الغير الطبيعي : فلا يدخل تحت الضبط ، وليس للعلم به كثير فائدة ، ولا هو معدود في العلوم المعتدّ بها ، فلنعرض عنه.

والطبيعي : إمّا مزاجي ، أو غير مزاجي. والمزاجي أصول أجناسه ترجع إلى ثلاثة ؛ لأنّه إن تحقّق فيه مبدأ التغذية والتنمية ، فإما مع تحقّق مبدأ الحس والحركة الإرادية ، فهو الحيوان ، أو بدونه ، فهو النبات ، وإن لم يتحقّق ذلك فيه ، فالمعادن.

وهذه الثلاثة تسمى بالمواليد ، كما تسمى العناصر بالأمهات ، والأفلاك بالآباء.

وتحت كلّ منها أنواع لا تنحصر ، بعضها فوق بعض ، وكلّ نوع يشتمل على أصناف ، وكلّ صنف على أشخاص لا تتناهى ، بحيث لا يتشابه اثنان من الأنواع ،

٨٩

ولا من الأصناف ، ولا من الأشخاص ، فسبحان بارئها ومنشئها عن التكثّر والاختلاف ، وإنما نشأ الاختلاف النوعي بسبب الملائكة العقلية أرباب الأنواع ، والاختلاف الصنفي والشخصي بحسب اختلاف أحوال العناصر في أنفسها ، وبقياس بعضها إلى بعض ، كمّا ، وكيفا ، ووضعا ، في التركيب وبعد التركيب ، مع اختلاف أعداد السماويات لها بحركاتها المختلفة ، وأوضاعها المتكثّرة ، ومبادىء التأثيرات في هذا المزج والتركيب بعد الله سبحانه بإذنه تعالى ، تسمى ملائكة قريبا ، مزاولا كان ، أو بعيدا غير مزاول ، فإنّ مبدأ كلّ أثر لا يدركه الحسّ يسمى في الشرع ملكا علويا ، أو سفليا.

وصل

فظهر أنّ الملائكة السماوية والأرضية تمزج العناصر بإذن الله سبحانه ، وتؤثر فيها بعدما استعدّت هي لذلك بسب أمور تحصل لها من أنحاء الأوضاع المختلفة ، من التجاور والملاقاة ، فتستحيل هي في كيفياتها ، ويتقارب فيها بعضها من بعض ، إلى أن ينتهي بإذن الله وأمره إلى كيفية وحدانية بسيطة ملموسة من جنس أوائل المحسوسات ، متوسطة توسّطا ما في حدّ ما بين أطراف الكيفيات الأربع المتضادّة ، متشابهة في الأجزاء المقدارية للممتزج ، بحيث يكون بالقياس إلى الحرارة برودة ، وبالقياس إلى البرودة حرارة ، وبالقياس إلى الرطوبة يبوسة ، وبالقياس إلى اليبوسة رطوبة ، وهي المزاج ، ويستعدّ المركّب بسبب حدوث هذه الكيفية المتوسطة الخارجة عن الأطراف المتضادة صورة كمالية وحدانية ، فيستفيد حياة على قدر توسّطه وخلوّه عن المتضادات ، بل جمعه لها على وجه أعلى وأشرف ، حيث حصلت لها طبيعة واحدة بسيطة متوسطة بين الطبائع

٩٠

الأربع في حقيقتها الجوهرية ، لما دريت أن الصور ـ أيضا ـ ممّا تشتدّ وتضعف ، كالكيفيات، بل الكيفيات تابعة لها في ذلك ، فله حرارة النار ، وميعان الهواء ، وبرودة الماء، ويبوسة الأرض.

والموجود خير من العدم ، فما وجد فيه مع وحدته صفات الموجودات المتكثّرة ، فهو أفضل ممّا لم يوجد فيه تلك الصفات جميعا ، فهو بهذا التوسّط يشبه الأجرام الحية الفلكية ، ولذا تكون حياتها أشدّ وآكد ، بل يشبه المبدأ الأوّل من وجه ، ويقرب منه في الوحدانية ، تعالى عن الشبه والمثل ، وكلما أمعن في التوسّط وهدم جانب التضاد يقبل من المبدأ الفيّاض صورة كمالية فوق صورة ، وحياة فوق حياة ، فيصير أوّلا معدنا ، ثمّ نباتا ، ثمّ حيوانا ، ثمّ إنسانا ، ثمّ ملكا مقرّبا ، ثمّ يفنى في ذات الله سبحانه ، (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) (١) ، (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) (٢).

وهذا هو اللّم في خلق المركبات ؛ إذ الغاية في فعله سبحانه ليست إلّا نفسه ، كما يأتي تحقيقه مبسوطا.

فصل

الممتزج ما لم يستوف درجات النوع الأنقص الأخسّ لم يتخطّ إلى درجة النوع الأكمل الأشرف ، لكن النوع الأنقص إذا قوي بعض أفراده في باب وجوده وغلبت فعليته على قوّته واستعداده لم يتجاوز إلى نوع ما هو أكمل

__________________

(١) ـ سورة هود ، الآية ١٢٣.

(٢) ـ سورة الشورى ، الآية ٥٣.

٩١

وأعلى ؛ لاستحكام صورته ، وبقاء تركيب أكثر من سائر أفراده ، فيتعصّى من أن يتكون منه خلق آخر ، فكأنه قد تمّ سلوكه ، وبلغ إلى كماله المتصور في حقه إذا سالك من حيث هو سالك لا يقوم في المقامات والمنازل الّتي دونه بالفعل ، ولكن يتلبس بكلّ منها في الجملة؛ ولهذا قيل : إن السلوك توسّط ما بين صرافة القوّة ومحوضة الفعل.

مثال ذلك : الحجر من المعدن ، والشجر من النبات ، وغير الإنسان من الحيوان.

ومثال غير قويّ الوجود : المني من المعدن ، والجنين من النبات ، والطفل من الحيوان.

وليست هذه التمامية والقوّة في الموجود ، والتوقّف فيه ، مانعة له عن الوصول إلى الله سبحانه ، هيهات ، كيف وكلّ موجود فلا بدّ وأن يصل إلى الله تعالى يوما ، وإلّا فيكون خلقه عبثا وهباء ، وقد قال سبحانه : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) (١) ، وقال : (كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ) (٢) ، وقال : (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) (٣) ، إلى غير ذلك.

بل التحقيق أن له سبحانه صراطا مستقيما ، هو الصراط الإنساني الّذي يمرّ سالكه على سائر الموجودات ، وهو المظهر لاسم الله الأعظم ، وإليه أشير بقوله سبحانه : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ) (٤) ، وصراطا أخرى ليست على

__________________

(١) ـ سورة المؤمنون ، الآية ١١٥.

(٢) ـ سورة الأنبياء ، الآية ٩٣.

(٣) ـ سورة هود ، الآية ١٢٣.

(٤) ـ سورة الأنعام ، الآية ١٥٣.

٩٢

هذه الاستقامة ، ولكن يوصل كلّ منها بسالكه إلى المطلوب ، وهي مظاهر لأسماء أخر ، وكلّ موجود فهو على صراط غير صراط آخر ، ومصير الكلّ إلى الله ، كما قال : (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (١).

ومن هنا قيل : الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق. وتمام تحقيق هذا الكلام يأتي في موضع آخر إن شاء الله.

فصل

وليعلم أنه لا يجوز أن يوجد في المركبات المزاجية ما يكون مزاجه معتدلا غاية الاعتدال، بأن تكون المقادير من الكيفيات المتضادّة في الممتزج متساوية متقاربة ، ويكون المزاج كيفية متوسّطة بينها بالتحقيق ، وإلّا لتداعى الأجزاء إلى الافتراق بسبب اختلاف الميول ؛ إذ لم يكن له مكان طبيعي ، وحيث لا طبع فلا قسر ، على أن القسر لا يكون دائميا ، والأنواع لا تكون بحسب الاتفاقات.

ثمّ لكلّ جنس مزاج جنسي ، له عرض بين حدّين ، لا يحتمل ذلك الجنس التجاوز عنهما ، وهو يشتمل على الأمزجة النوعية بين الحدين ، وكذلك المزاج النوعي على الأمزجة الصنفية ، والصنفي على الشخصية.

وأقرب الأنواع إلى الاعتدال الحقيقي هو الإنسان ، وأقرب الأصناف إليه سكّان الإقليم الرابع المتوسّطون بين الفجاجة الشمالية ، والاحتراق الجنوبي.

وسكّان خط الاستواء وإن كانوا أقرب إلى الاعتدال من حيث تشابه

__________________

(١) ـ سورة المائدة ، الآية ١٨.

٩٣

الأحوال ، إلّا أنهم ليسوا أقرب إليه من حيث تكافؤها ؛ إذ الشمس هناك لا تبعد كثيرا عن المسامتة ، فهي طول السنة في حكم المسامتة ، ومن ذلك سواد ألوانهم ، وشدّة جعودة شعورهم ، بخلاف الإقليم الرابع ، على أن توفّر العمارات ، وكثرة التوالد والتناسل في الأقاليم السبعة دون سائر المواضع المنكشفة من الأرض يدلّ على كونها أعدل من غيرها ، فما يقرب من وسطه يكون ـ لا محالة ـ أقرب إلى الاعتدال ممّا يكون على أطرافها.

وأقرب الأشخاص إلى الاعتدال هو أعدل شخص من أعدل صنف من أعدل نوع ، في أعدل سنّ ، وهو السنّ الّذي يبلغ فيه النشوء غاية النموّ.

فصل

أنظر كيف وصلت رحمة الله وحكمته إلى كلّ شيء ، كما قال : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) (١) ، تشبيه لقوله تعالى حكاية عن الملائكة (رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) (٢) ، وكيف قدر الأشياء على حسب استعداداتها ، وهب لها ما يلائمها من الكمالات ، كما قال : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (٣) ، تثنية لقوله : (وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (٤).

ثم أنظر أن النبات لما كان أخسّ من المتنفس كيف كان منكوس الرأس ، وهو أصله الّذي في الأرض إذا قطع بطلت قواه ، والحيوان غير الناطق لما كان

__________________

(١) ـ سورة الأعراف ، الآية ١٥٦.

(٢) ـ سورة غافر ، الآية ٧.

(٣) ـ سورة القمر ، الآية ٤٩.

(٤) ـ سورة الحجر ، الآية ٢١.

٩٤

أتم منه صار رأسه من المنتكسين إلى الوسط ، ولكنه ما استقام ، والإنسان لما فضّل عليهما بالنفس الناطقة صار رأسه إلى السماء ، وانتصبت قامته ، كما قال : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (١) ، تثنية لقوله : (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) (٢) ، أنشأه في ظلمات الأرحام ، وشغف الأستار ، نطفة دهاقا ، وعلقة محاقا ، وجنينا ، وراضعا ، ووليدا ، ويافعا ، ثمّ منحه قلبا حافظا ، ولسانا لافظا ، وبصرا لاحظا ، ليفهم معتبرا ، ويقصر مزدجرا ، فسبحانه سبحانه ، ما أبهر برهانه ، وأعلى شأنه.

ولنفصّل القول في أصول الأجناس تفصيلا ، ومن الله التأييد.

__________________

(١) ـ سورة التين ، الآية ٤.

(٢) ـ سورة غافر ، الآية ٦٤ ؛ وسورة التغابن ، الآية ٣.

٩٥

في كائنات الجوّ

(اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ

وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ

مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (١)

فصل

إن الله سبحانه إذا أراد أن يلطف بقوم ، أو يغضب عليهم بإحداث حدث في الأرض ، وتكوين كائن من إمطار مطر ، أو إرسال ريح ، أو ما أشبههما من أمر الملائكة السماوية ، وخصوصا الموكّلين بالشمس ، أن يفعلوا في الأرض بتوسّط الملائكة الموكّلين بها أفاعيل ، بأن يحرّكوا شيئا منها ، ويخلطوه حتّى يحصل من اختلاطه ما يشاء ، فإنّ كلّ ما يتكوّن في الجوّ والأرض إنّما يحدث من اختلاط العناصر والأرضيات.

فأوّل ما يحدث من ذلك قبل أن يمتزج امتزاجا تاما تحصل بسببه الكيفية الوحدانية المسماة بالمزاج ، هو البخار والدخان ؛ وذلك لأنّ الملائكة إذا هيّجوا بإسخان السماويات الحرارة ، بخّروا من الأجسام المائية ، ودخّنوا من الأجسام الأرضية ، وأثاروا أجزاء إمّا هوائية ومائية مختلطين ، وهو البخار ، وإما نارية

__________________

(١) ـ سورة الروم ، الآية ٤٨.

٩٦

وأرضية كذلك ، وهو الدخان ، ثمّ حصل بتوسّطهما موجودات شتى غير تامّة المزاج ، من الغيم ، والمطر ، والثلج ، والبرد ، والضباب ، والطل ، والصقيع ، والرعد ، والبرق ، والصاعقة ، والقوس ، والهالات ، والشهب ، والرياح ، والزلازل ، وانفجارات العيون ، والقنوات ، والآبار ، والنزوز ، كلّ ذلك بإذن الله سبحانه ، وتوسط ملائكته ، كما قال سبحانه إشارة إلى بعض ذلك : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) (١).

والتأمل في بناء الحمام وعوارضه ، نعم العون على إدراك ماهية الجوّ ، وكثير من حوادثه ، بل التدبّر فيما يرتفع من أرض معدة الإنسان إلى زمهرير دماغه ، ثمّ ينزل منه في ثقب وجهه يعين على ذلك كسائر الأمور الأنفسية على الأحكام الآفاقية.

وإن شئت أن تعرف كيفية حدوث كلّ واحد واحد من المذكورات فاستمع لما قيل فيه ، ونوّرناه بإشراقات أنوار الشرع ، والعلم عند الله.

فصل

أما السحاب والمطر وما يتعلّق بهما ، فيشبه أن يكون السبب الأكثري فيها تكاثف أجزاء البخار الصاعد بإذن الله ؛ لأنّ ما يجاور الماء من طبقات الهواء استفيد كيفية البرد من الماء.

__________________

(١) ـ سورة النور ، الآية ٤٣.

٩٧

ثمّ الزمهريرية ، وهي الّتي ينقطع عنها تأثير الشعاع ، تبقى باردة ، فإذا أصعد الملائكة البخار إليها يتكاثف بواسطة إصابة البرد ، فإن لم يكن البرد قويا اجتمع وتقاطر ، فالمجتمع هو السحاب ، والمتقاطر هو المطر ، وإن كان البرد قويا ، فإما أن يصل إلى أجزاء السحاب المائية الرشّية ، قبل اجتماعها ، فينزل السحاب ثلجا ، أو لا يصل إلّا بعد اجتماعها ، فينزل بردا.

وإذا لم يصعد البخار إلى الزمهريرية الباردة ؛ لقلّة حرارته ، فإن كان كثيرا فقد ينعقد سحابا ماطرا ، كما حكي أنه شوهد البخار قد صعد من أسافل بعض الجبال صعودا يسيرا ، وتكاثف حتّى كأنه تكيّة موضوعة على وهدة ، وكان المشاهد فوق تلك الغمامة في الشمس، وكان من تحته من أهل القرية الّتي هناك يمطرون.

وقد لا ينعقد بل يكون متبددا ويسمى ضبابا ، ولأجل لطافته يزول سريعا بوصول أدنى حرارة إليه.

وإن كان قليلا فإذا ضربه البرد في الليل فينزل لثقله الحاصل بالبرودة ، نزولا في أجزاء صغار ، لا يحسّ بها إلّا عند اجتماع شيء يعتدّ به ، فإن لم ينجمد فهو الطلّ ، وإن انجمد فهو الصقيع. والنسبة بينهما كالنسبة بين المطر والثلج.

وصل

روى في الكافي ، بإسناده عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، أنه قال : «إن تحت العرش بحرا فيه ماء ، ينبت أرزاق الحيوانات ، فإذا أراد الله أن ينبت به ما يشاء لهم رحمة منه لهم أوحى الله إليه فمطر ما شاء من سماء إلى سماء ، حتّى يصير

٩٨

إلى سماء الدنيا ، فيما أظن ، فيلقيه إلى السحاب ، والسحاب بمنزلة الغربال ، ثمّ يوحي الله إلى الريح أن اطحنيه ، وأذيبيه ذوبان الماء ، ثمّ انطلقي به إلى موضع كذا وكذا ، فأمطري عليهم ، ليكون كذا وكذا عبابا ، وغير ذلك ، فتقطر عليهم على النحو الّذي يأمرها به ، فليس من قطرة تقطر إلّا ومعها ملك حتّى يضعها موضعها ، ولم ينزل من السماء قطرة من مطر إلّا بعدد معدود ، ووزن معلوم إلّا ما كان من يوم طوفان على عهد نوح ، فإنه نزل بماء منهمر ، بلا وزن وعدد» (١).

وعنه عليه‌السلام ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ الله تعالى جعل السحاب غرابيل للمطر ، حتى (٢) يذيب البرد حتّى يصير ماء لكيلا يضرّ شيئا يصيبه ، فالذي ترون فيه من البرد والصواعق نقمة من الله تعالى يصيب بها من يشاء من عباده ، ثمّ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تشيروا إلى المطر ، ولا إلى الهلال ، فإنّ الله يكره ذلك» (٣).

وهذا الكلام يحتمل معنيين :

أحدهما : الإشارة باليد.

والثاني : الإشارة إلى كيفية حدوثهما ، فإنّ ذلك يضرّ باعتقاد العامة ، وهو أقرب ، ويشهد له قوله عزوجل : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ) (٤).

__________________

(١) ـ الكافي : ٨ : ٢٣٩ ، ح ٣٢٦.

(٢) ـ في المصدر «هي» بدل «حتى».

(٣) ـ المصدر السابق.

(٤) ـ سورة البقرة ، الآية ١٨٩.

٩٩

فصل

وأمّا الرعد والبرق فيشبه أن يكون سببهما أن الدخان إذا احتبس فيما بين السحاب، فما أصعد منه الملائكة إلى العلو لشدة لطافته ويبسه ، أو أهبطته إلى السفل لتكاثفه بالبرد الشديد الواصل إليه ، مزّق السحاب صاعدا ، أو هابطا ، بقوّة الملك ، وزجره ، تمزيقا عنيفا ، فيحصل صوت هائل ، وهو الرعد.

وإن اشتعل الدخان بالتسخين القوي الحاصل من الحركة الشديدة ، والمصاكّة العنيفة ؛ لقرب مزاجه من الدهنية ؛ إذ فيه مائية وأرضية ، عمل فيها الحرارة والحركة ، فإن كان لطيفا وينطفىء بسرعة ، كان برقا ، ويرى قبل الرعد ؛ لأنّ الصوت لا بدّ له من حركة الهواء ، ولا حركة دفعية ، فيحتاج إلى زمان ، ولا كذلك الرؤية على ما تبيّن ، ولذلك ترى حركة يد القصار قبل سماع الدق بزمان.

وإن كان كثيفا لا ينطفىء بسرعة ، بل يصل إلى الأرض ، كان صاعقة ، فربّما صار لطيفا بحيث ينفذ في المتخلخل ، ولا يحرقه ، ويذيب المندمج فيحرق الذهب في الكيس دونه ، إلّا ما احترق من الذائب ، وربما كان كثيفا غليظا جدا ، فيحرق كلّ شيء أصابه ، وكثيرا ما يقع على الجبل فيدكّه دكا.

وصل

روى في الكافي ، بإسناده عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أنه سئل عن السحاب : أين يكون؟ قال : يكون على شجر ، على كثيب ، على شاطىء البحر ، يأوي إليه ، فإذا أراد الله تعالى أن يرسله أرسل ريحا فأثارته ، ووكّل به ملائكة يضربونه

١٠٠