عين اليقين - ج ٢

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

عين اليقين - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


المحقق: فالح عبدالرزاق العبيدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الحوراء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٠
الجزء ١ الجزء ٢

خلق نجما في الفلك السابع ، فخلقه من ماء بارد ، وسائر النجوم الستة الجاريات من ماء حارّ ، وهو نجم الأنبياء والأوصياء ، وهو نجم أمير المؤمنين عليه‌السلام ، يأمر بالخروج من الدنيا والزهد فيها ، ويأمر بافتراش التراب ، وتوسّد اللّبن ، ولباس الخشن ، وأكل الجشب ، وما خلق الله نجما أقرب إلى الله تعالى منه» (١).

قلت : هذا الكلام من الأنوار الساطعة من معدن الولاية ، وأهل بيت النبوّة ، سلام الله عليهم ، وهو مطابق لما يراه المنجّمون من نحوسة زحل ؛ وذلك لأنّ نظرهم مقصور على النشأة الفانية ، والدنيا والآخرة ضرّتان ، فافهم واغتنم.

فصل

الكواكب الثابتة لا يمكن أن تحصى كثرة ، وقد رصد منها ألف وخمسة وعشرون ، فعرف مواضعها ، ورتب أقدارها المختلفة في ستّ مراتب ، ينقص كلّ مرتبة عن صاحبتها في القطر بسدس ، فأولها أعظمها ، وفيها خمسة عشر كوكبا ، وفي الثانية خمسة وأربعون ، وفي الثالثة مائتان وثمانية ، وفي الرابعة أربعمائة وسبعون ، وفي الخامسة مائتان وسبعة عشر ، وفي السادسة تسعة وأربعون.

وسبعة عشر خارجة عن المراتب ، تسعة خفية تسمى مظلمة ، وخمسة سحابية ، كأنها قطعة غيم ، وثلاثة تسمى صغيرة ، وربما لا تجعل من المرصودة.

ثم توهّموا لتعريف هذه الكواكب صورا تكون هي عليها ، أو فيما بينها ، أو بقربها ، والصور ثمانية وأربعون ، إحدى وعشرون في الشمال ، هي ثلاثمائة وستون كوكبا ، واثنتا عشرة على المنطقة ، هي ثلاثمائة وستة وأربعون كوكبا ،

__________________

(١) ـ الكافي : ٨ : ٢٥٧ ، ح ٣٦٩.

٤١

وهي صور البروج المشهورة ، وخمس عشرة في الجنوب ، هي ثلاثمائة وستّة عشر كوكبا.

والدائرة اللبنية المسمّاة بالمجرة يقال إنها مؤلفة من كواكب صغار متقاربة ، متشابكة ، كثيرة جدا ، صارت من تكاثفها وصغرها كأنها لطخات ؛ وذلك شبّهت باللبن لونا.

وأمّا منازل القمر فهي الكواكب القريبة من المنطقة ، جعلتها العرب علامات للأقسام الثمانية والعشرين الّتي قسمت المنطقة بها ؛ لتكون مطابقة لعدد أيام دور القمر ، فيرى كلّ ليلة نازلا بقرب أحدها ، وأسماؤها مشهورة ، فسبحان من قدر القمر منازل حتّى عاد كالعرجون القديم.

٤٢

في كيفية حركات الأفلاك ، وما يتبع ذلك

(وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ* وَالْقَمَرَ

قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ* لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها

أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (١)

فصل

كلّ واحد من أفلاك الكواكب السبعة يشتمل على أفلاك أخر جزئية مفروزة عن كلّها ، متحرّكة بحركة أخرى غير حركة الكلّ ؛ وذلك لأنّه تعرض لها في حركاتها السرعة والبطؤ ، والتوسّط بينهما ، وكذا الوقوف والرجوع ، والاستقامة ، وقد تكون حركة بعضها متشابهة حول نقطة ، أي تحدث عندها في أزمنة متساوية زوايا متساوية ، وقسيّا متساوية ، مع أنه يقرب منها تارة ويبعد أخرى ، وقد لا يتم بعضها الدورة ، إلى غير ذلك من الاختلافات الّتي نذكرها جميعا ، وقد علمت بالأرصاد ، ويظهر بعضها عند الحس من دون تدقيق نظر ، واستعمال آلة ، فلا بد من أصول تقتضي تشابهها في أنفسها ، واختلافها بالقياس إلينا بحسب رؤيتنا ، إمّا لاختلاف وضعي ، أو لتركّب في الحركة ، من حركات متشابهة يقتضيان ذلك ؛ وذلك لأنّ الحركات المختلفة لا يمكن صدورها عن

__________________

(١) ـ سورة يس ، الآية ٣٨ ـ ٤٠.

٤٣

الفلكيات ؛ لبساطتها ، وعدم انخراقها ، وتنزّه نفوسها عن تركّب القوى ، واختلاف الدواعي والآراء.

فمن الأصول كون الحركة متشابهة حول نقطة خارجة عن مركز العالم ، إمّا بأن يكون الفلك المتحرك محيطا بمركز العالم ، ويسمى بالخارج المركز ، أو غير محيط به ، ويسمى بالتدوير.

والخارج المركز إذا فرض وحده وفرض الكوكب متحركا عليه حول مركزه حركة بسيطة متشابهة صيّر الحركة بالقياس إلى مركز العالم وغيره من النقط الّتي هي غير ذلك المركز مختلفة ، فتكون في القطعة الّتي هي أبعد منه بطيئة ، وفي القطعة الأخرى منه الّتي هي أقرب سريعة ؛ وذلك لأنّ القسي المتساوية المقدار المختلفة بالبعد والقرب ، يرى البعيد منها أصغر من القريب ، وإذا أخرج خطّ يمرّ بمركزه ومركز العالم ، أو بالنقطة المفروضة الّتي هي غيرهما ، مرّ بالبعد الأبعد ، وهو منتصف القطعة البعيدة ، وبالبعد الأقرب وهو منتصف القطعة القريبة.

ثم إذا قام عليه عمود يمرّ بمركز العالم أو بتلك النقطة ووصل إلى المحيط في الجانبين ، مرّ بالبعدين الأوسطين ، وهما الفصل المشترك بين القطعتين ، البعيدة والقريبة ، وعندهما تكون الحركة متوسّطة بين السرعة والبطؤ.

وأمّا التدوير ، فإذا فرض وحده وتحرك الكوكب على محيطه كانت القسي المتساوية المقدار منه أيضا مختلفة ، بالقياس إلى مركز العالم ، وكان الخط الواصل بين المركزين مارا بالبعدين الأبعد والأقرب منه ، والخطّان الخارجان من مركز العالم المماسّان للتدوير من جانبيه، يفصلان بين القطعتين القريبة والبعيدة ، إلّا أن الكوكب يرى في إحدى القطعتين راجعا عن السمت الّذي

٤٤

يقصده في القطعة الأخرى إلى أن يصل إلى المبدأ الّذي يتحرك منه ، ولا تنقطع أجزاء الفلك المحيط بمركز العالم جميعا بتلك الحركة.

فبهذين الأصلين يستقيم أمر الاختلافين الأولين ، وللمتأخّرين أصول أخر بها يستقيم غيرهما من الاختلافات أيضا ، لكن لما لم يتعيّن شيء منها لذلك لم يحصل الجزم بعدد الأفلاك الجزئية ، وإنما المتيقّن القدر المشترك ، وهو كثرتها.

وينبغي الاقتصار على الأقلّ الأبسط ، وعدم إثبات الفضل مهما أمكن ، ونحن نقتصر على ذكر ما هو المشهور الموروث من القدماء في ذلك ، وإن كان يبقى معه بعض الإشكالات بعد ؛ روما للاختصار فيما لم يتحقّق بخصوصه ، فاسمع :

وصل

أما فلك الشمس ، فينفصل عنه فلك آخر شامل للأرض ، مركزه خارج عن مركز العالم ، مائل إلى جانب من الفلك الكلي لها ، بحيث يماسّ محدّب سطحيه ، السطح الأعلى من الفلك الكلي على نقطة مشتركة بينهما ، ويسمى الأوج ، ومقعّر سطحيه ، السطح الأدنى منه على نقطة مشتركة ، يسمى الحضيض ، فيحصل بسبب ذلك جسمان متدرّجا الثخن إلى غاية هي ضعف ما بين المركزين ، أحدهما حاو للفلك الخارج المركز ، والآخر محويّ ، فيه رقّة الحاوي ، ممّا يلي الأوج ، وغلظه ممّا يلي الحضيض ، ورقّة المحوي وغلظه بالعكس ، يقال لكلّ واحد منهما : المتمّم.

٤٥

وجرم الشمس مركوز في ثخن الخارج عند منتصف ما بين قطبيه ، مماسّ لسطحيه على نقطتين ، وأفلاك كلّ من الكواكب العلوية والزهرة كذلك ، إلّا أنّ لها تداوير مركوزة في خوارجها ، كارتكاز الشمس وهي فيها بحيث يماسّ سطح كلّ سطح تدويره على نقطة.

وكذلك فلك القمر ، إلّا أن له فلكا آخر مركزه مركز العالم ، محيطا بالكلّ ، يسمى بالجوزهر.

وأمّا عطارد فمركز فلكه الّذي في ثخنه الخارج غير مركز العالم ، ويسمى بالمدير ، وهو في ثخن فلكه الكلي الّذي مركزه مركز العالم ، كالخارج في ثخنه على الرسم المذكور ، فله خارجان ، وأوجان ، وحضيضان ، وأربعة متممات ، وتسمى الأفلاك الكلية بالممثّلات ؛ لمماثلتها لمنطقة البروج في المركز والحركة والمنطقة والقطبين كما ستعرف ، وتسمى الخوارج للمراكز كلّها سوى المدير بالحوامل ؛ لحملها التداوير ، والكواكب وتسمى البعد الأبعد في التداوير بالدورة ، والأقرب بالحضيض.

ولنتكلم الآن في جهات الحركات ومقاديرها ، وأقطابها ، ومناطقها ، على ما علم بالأرصاد.

واعلم أولا أن من عادة الحسّاب إذا أرادوا تقدير الدوائر وأقطارها تجزئتها بثلاثمائة وستين جزء ، وتجزئة القطر بمائة وعشرين جزء ، ثمّ تجزئة الأجزاء إلى دقائقها وثوانيها ، وما يتلوها ، فيكون ربع من الدور تسعين جزء ، وكلّ قوس من أقل منه ، فتمامها ما يبقى من الربع بعد نقصانها عنه.

إذا تمهّد هذا ، فاسمع :

٤٦

وصل

أما الفلك الأعظم فحركته إلى المغرب ، وتتم في كلّ يوم بليلته دورا بالتقريب ، ويسير بمقدار ما يقول أحد واحد (١) ألفا وسبعمائة واثنين وثلاثين فرسخا من مقعّره ، والله تعالى أعلم بما يسير من محدّبه ، وقطباه تسميان بقطبي العالم ، ومنطقته تسمى بمعدّل النهار ، وهي تقطع العالم بنصفين : شمالي وجنوبي ، والصغار الموازية لها المرتسمة من تحرّك النقاط عن جنبتيها تسمى بالمدارات اليومية.

وفلك الثوابت مع الممثّلات تسير نحو الشرق ، وتتم في كلّ خمسة وعشرين ألفا ومائتي سنة دورا ، ويقطع كلّ سنة عشرة فراسخ ، ومع ذلك لا ترى حركتها في قريب من خمسين سنة ، بل يرى في تلك المدّة كأنّها ساكنة ، وقطباه يسميان بقطبي البروج ، ومنطقته تسمى بمنطقة البروج.

وفلك البروج وهي تقطع المعدّل على نقطتين تسمّيان بالاعتدالين : الربيعي ، والخريفي ، وأبعد أجزائها عنه بالانقلابين الصيفي والشتوي ، وغاية هذا البعد من الجانب الأقرب يسمى بالميل الكلي ، وهو بالرصد الجديد ثلاثة وعشرون جزء ، وثلاثون دقيقة ، وسبع عشرة ثانية.

وتنقسم منطقة البروج بهذه النقاط الأربع أرباعا ، قطع الشمس الكلي منها أحد الفصول الأربعة ، ولها صغار كالأولى تسمى بمدارات العرض.

وتظهر هذه الحركة البطيئة في أوجات الكواكب السبعة ، وحضيضاتها ،

__________________

(١) ـ هكذا في المخطوطة.

٤٧

ولهذا تسمى بحركة أوج الكوكب ، والحوامل تجري إلى المشرق كلّ يوم لزحل دقيقتان ، وللمشتري خمس دقائق ، وللمرّيخ إحدى وثلاثون دقيقة ، وللشمس تسع وخمسون دقيقة وثمان ثوان ، وللزهرة مثل ذلك ، ومقدار حركة الأوج لعطارد بقدر ضعف ما للشمس ، وللقمر أربعة وعشرون جزء ، وثلاث وعشرون دقيقة.

ولكلّ قطبان ومنطقة تخصّه ، إلّا أن منطقة حامل الشمس في سطح منطقة البروج ، كمنطقة ممثّله ، ومنطقة سائر الحوامل مائلة عنها ، إمّا ميلا ثابتا ، كما في العلوية والقمر ، أو غير ثابت ، كما في الزهرة وعطارد ، وذلك الميل لزحل جزءان ونصف ، وللمشتري جزء ونصف ، وللمرّيخ جزء واحد ، وللزهرة سدس جزء ، ولعطارد ثلاثة أرباع جزء ، وللقمر خمسة أجزاء.

وموضعا تقاطع منطقتي الممثّل والحامل تسمّيان بالعقدتين ، والجوزهرتين والرأس والذنب لذلك الكوكب ، ويرتسم في الفلك الكلي عند توهّم قطع الحامل له دائرة عظيمة ، مركزها مركز العالم ، تسمى بمائل ذلك الكوكب ، وبعد الرأس عن الأوج لزحل ثمانية وعشرون جزء ، وللمشتري سبعون ، وللبواقي ربع الدور ، وهو في غير عطارد متقدّم على الأوج ، وفيه متأخّر عنه.

وتظهر حركات الحوامل في مراكز التداوير والشمس ، ولهذا تسمى بحركة مركز الكوكب ، والمركّبة من حركة الأوج والمركز تسمّى بحركة الوسط ، وحركة أعالي التداوير في المتحيّرة نحو المشرق والأسافل نحو المغرب ، وفي القمر بعكس ذلك ، وهي في العلوية بقدر فضل حركة وسط الشمس على وسط كلّ واحد منها.

٤٨

وفي الزهرة كلّ يوم بليلته ، سبع وثلاثون دقيقة ، وفي عطارد ثلاثة أجزاء وستّ دقائق، وفي القمر ثلاثة عشر جزء وأربع دقائق.

ومناطقها غير ثابتة في سطح حواملها ، وإنما الثابتة فيها مراكزها ، وحركة مدير عطارد إلى المغرب نصف حركة حامله إلى المشرق ، فهي مثل حركة مركز الشمس الوسطى على قطبين ومنطقة مخصوصة به.

وتظهر هذه الحركة في أوج الحامل وحضيضه ، ويتوهّم بسببها المركز الحامل مدار حول مركز المدير يسمّى الفلك الحامل لمركز الحامل.

وحركة جوزهر القمر إلى المغرب كلّ يوم بليلة ثلاث دقائق وكسر على قطبي البروج ، ومنطقة في سطح منطقتها ، وبها تتحرك جميع أفلاك القمر ، فتنتقل بها العقدتان ، ولهذا تسمى بحركة الجوزهرين ، ويسمى الفلك بفلك الجوزهر.

فهذه الحركة في الحقيقة للفلك الكلي ؛ لما دريت أن التبعية في الحركة لا تستقيم إلّا بالجزئية ، فالمسمى بالجوزهر إنّما هو بمنزلة المتمّم ، غير أنه متوازي السطحين ، وهذه الحركة مركبة في الحقيقة ، أعني أنها فضل حركة الجوزهر على الحركة البطيئة الّتي له بتبعية الثوابت ، إلّا أنها ترى حركة واحدة بسيطة ؛ لاتّحاد موضعيهما من جميع الوجوه ، ولهذا لم يحصل الجزم بالحركة البطيئة لممثّل القمر ؛ لأنها غير محسوسة فيه.

وحركة مائل القمر نحو المغرب كلّ يوم إحدى عشر جزء وتسع دقائق ، ومنطقتها مع منطقة حامله في سطح واحد ، وبها يتحرك الحامل أيضا ؛ ولهذا تسمى بحركة الأوج.

٤٩

فصل

حركة كلّ فلك متشابهة حول مركزه ، إلّا الحوامل في غير الشمس ، فحامل القمر يتشابه حول مركز العالم ، وحامل عطارد حول نقطة في منتصف ما بين مركزي العالم ، والمدير الّذي هو ستّة أجزاء وعشرون دقيقة ، على القطر المارّ بهما ، وحامل البواقي حول نقطة على القطر المارّ بمراكزها.

ومركز العالم في جانب الأوج على بعد مساو لما بين المركزين ، وذلك لزحل ثلاثة أجزاء وربع وسدس جزء ، وللمشتري جزءان وثلاثة أرباع جزء ، وللمرّيخ ستة أجزاء ، وللزهرة قريب من نصف ما بين مركزي الشمس الّذي هو جزءان ، وخمس دقائق ، وجميع ذلك بحسب ما يكون نصف قطر حامل ذلك الكوكب ستّين جزء ، عرف ذلك بالرصد ، وتسمى تلك النقطة مركز معدّل المسير ؛ لأنّه يتوهّم حولها دائرة بقدر منطقة الحامل ، وفي سطحها فلك معدّل المسير ، فإنّ مركز التدوير مقطع من محيطه في أزمنة متساوية قسيّا متساوية ، كأنّ خطّا خرج من مركز معدّل المسير إلى مركز التدوير ليديره حركة متشابهة حوله ، وهذا من الإشكالات الّتي أشرنا إليها ، وإلى أنها لم تنحلّ على أصول القدماء.

وفي الكواكب الستّ إشكال آخر ، وهو : أن القطر المار بالذروة والحضيض في تداويرها ليس في سطوح مناطق حواملها إلّا عند كون مركز التدوير في العقدتين في العلوية ، وفي الأوج والحضيض في السفليين ، والقمر إمّا غير ذلك الوقت ، فيحاذي نقطة أخرى ، مع أن الحامل إذا حرّك التدوير حركة بسيطة متشابهة وجب كون قطر التدوير المذكور محاذيا لمركزه في جميع

٥٠

الأحوال ، كما أنه يجب تساوي أبعاد مركزه عن مركزه في جميع الأحوال ، وتساوي الزوايا الحادثة بحركته حول مركز الحامل في الأزمنة المتساوية.

وفي السفليين إشكالان آخران :

أحدهما : عدم ثبات ميل منطقة حاملهما عن الممثّل ، بل يقرب منها تارة ، ويبعد عنها أخرى ، ويستلزم ذلك عدم إتمام الدورة لهما ، ومثل هذا الإشكال وارد في منطقتي المعدل والبروج ؛ لأنهم وجدوا الميل الكلي في الأزمنة المختلفة مختلفا.

والثاني : عدم ثبات قطر تدويرهما المار بالبعدين الأوسطين المقاطع للقطر الأوّل ، على قوائم في سطح حاملهما ، مع وجوب ذلك.

وقد حلّ بعض هذه الإشكالات جماعة من المتأخّرين ، شكر الله سعيهم ، بوجوه مبسوطة من أرادها فليطلب من كتبهم المصنّفة في ذلك.

وللسبعة تعديلات تقتضيها اختلافاتها الّتي توجبها حركات الحوامل والتداوير ، طوينا ذكرها اقتصارا على المهمّات ، واكتفاء عما هو من قبيل المتفرّعات على الأصول الهاديات ، فسبحان من أمسك السماوات من أن تمور في خرق الهواء بائدة ، وأمرها أن تقف مستسلمة لأمره ، وجعل شمسها آية مبصرة لنهارها ، وقمرها آية ممحوّة من ليلها ، وأجراهما من مناقل مجراهما ، وقدّر مسيرهما في مدارج درجهما ، ليميّز بين الليل والنهار بهما ، وليعلم عدد السنين والحساب ، بمقاديرهما ، ثمّ علّق في جوّها فلكا ، وناط بها زينتها من خفيّات دراريها ، ومصابيح كواكبها ، ورمى مسترقي الشمس بثواقب شهبها وأجراها على إذلال تسخيرها من ثبات ثابتها ، وسير سائرها ، وهبوطها وصعودها ، ونحوسها وسعودها.

٥١

وصل

ما قرّرناه في بيان جهات حركات الأفلاك هو المشهور بين أصحاب هذا الفنّ ، والمذكور في كتبهم المدونة في ذلك.

وأمّا إخوان الصفا ـ قدّس الله أسرارهم (١) ـ فقد ذكروا في رسائلهم ما حاصله : إنّ الأفلاك كلّها إنّما تتحرك من المشرق إلى المغرب ؛ لأنّ طبيعة الأفلاك والكواكب كلّها طبيعة واحدة في الحركة الدورية ، وقصدها قصد واحد ، وإنما اختلفت حركاتها في السرعة والإبطاء ، من أجل أنها في أفلاك متحركات ، ومحرّكات ، فإنّ الفلك المحيط الّذي هو المحرّك الأوّل عن الحركة الأولى الّتي هي من النفوس الكلية يدور حول الأرض في كلّ أربعة وعشرين ساعة دورة واحدة ، والفلك المكوكب الّذي في جوفه مماسّا له من داخله يدور معه نحو الجهة الّتي يدور إليها ، ولكن تقصر حركته عن سرعة حركة محرّكه بشيء يسير ، فيتخلّف عن موازاة أجزائه في كلّ مائة سنة درجة واحدة ، ويتبعه فلك زحل الذي في جوفه مماسّا له ، ولكن تقصر أيضا حركته عن سرعة محرّكه بشيء

__________________

(١) ـ اخوان الصفا : هم جماعة من فلاسفة العصر العبّاسي ، ألّفوا في بغداد جمعية سرّية سمّوها «جمعية اخوان الصفا ، وخلّان الوفاء» في منتصف القرن الرابع الهجري ، وكانت غايتهم من تأسيس جمعيتهم القيام بدراسة الفلسفة ، ومزاولة أبحاثها سرّا ؛ لأنّ المشتغل بالفلسفة في العصر العبّاسي كان متّهما بالإلحاد والزندقة ، مرميا بالكفر ، ممّا اضطرّ الفلاسفة إلى التستّر ، وكتمان أمرهم. ولم يعرف من أعضاء هذه الجمعية غير خمسة ، هم : أبو سليمان محمّد بن معشر (نصر) النسبي (البستي) ، المعروف بالمقدسي ، وأبو الحسن علي بن هارون الزنجاني ، وأبو أحمد المهرجاني (النهرجوري) ، والعوفي ، وزيد بن رفاعة ، كلهم حكماء اجتمعوا وصنّفوا إحدى وخمسين رسالة.

أنظر : كشف الظنون : ١ : ٩٠٢ ، وتاريخ الفلسفة لمحمد علي مصطفى : ٢١٧.

٥٢

يسير ، فيتخلّف في كلّ يوم عن موازاة أجزاء المحيط دقيقتين.

وهكذا حكم كلّ فلك فلك ، إلى أن ينتهي إلى فلك القمر الّذي هو أبطأ حركة من أجل بعده عن الحركة الأولى الّتي هي لفلك المحيط ، لكثرة المتوسّطات بينهما ، وبهذا السبب صار دوران الأكر حول الأرض مختلف الزمان.

فصل

البعد بين الخافقين يسمى بالطول ، والعظيمة المنصفة له بدائرة نصف النهار ، والفصل المشترك بينها وبين سطح الأرض بخطّه.

والبعد بين الشمال والجنوب يسمى بالعرض ، والمنصّفة له بدائرة المشرق والمغرب ، والفصل المشترك بينها وبين سطح الأرض بخطّهما.

والبعد بين سمتي الرأس والقدم هو السمك ، والمنصّفة له دائرة الأفق ، وقطبا كلّ من الدوائر الثلاث طرفا البعد المنتصف بها ، وتمر الأولى بقطبي المعدّل والثالثة ، وبالعكس ، والثانية بقطبي الأولى والثالثة ، وبالعكس ، والعظيمة المارّة بقطبي المعدّل وجزء من فلك البروج ، أو مركز كوكب يسمى بدائرة الميل ، وبها يعرف ميل منطقة البروج.

وبعد الكوكب عن المعدّل والمارّة بقطبي البروج وجزء منها أو مركز كوكب تسمى بدائرة العرض ، وبها يعرف عرض الكوكب عنها ، وميل الشمس عن المعدّل والأقسام الحاصلة في الفلك الأعظم من تقاطع ستّ عرضيّات إحداها تمرّ بالأقطاب الأربعة ، والرابعة بالاعتدالين، والبواقي بينها هي البروج

٥٣

الاثنا عشر المشهورة ، المشار إليها بقوله سبحانه : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) (١).

وأسماؤها المشهورة مأخوذة من صور توهّمت من كواكب وقعت وقت التسمية بحذائها من الثوابت ، كما أشرنا إليه ، فإذا انتقل عن محاذاتها فللمسمّين أن يسمّوها بغيرها ، وأجزاؤها تسمى برجا ، وكلّ برج ثلاثون درجة في العرض ، وفي الطول من القطب إلى القطب ، والدائرتان الحادثتان على سطح الأرض من تقاطع المعدّل والأفق على قوائم يقسمانها أرباعا ، والمعمور أحد الربعين الشماليين كما عرف بالرصد ، وينقسم بسبعة من المدارات إلى سبع قطاع مستطيلة متفاوتة في النهار ، الأطول بنصف ساعة ، وهو تفاوتها في العرض ، وأطوالها ما بين الخافقين ، وهي الأقاليم ، وابتداؤها في العرض عند الجمهور حيث النهار الأطول اثنتا عشرة ساعة ، وهو الفصل المشترك بين المعدّل وسطح الأرض ، وتسمى بخط الاستواء ، وفي الطول عند قوم بداية العمارة في المغرب ، وكانت جزائر منسوبة إلى الخالدات وهي الآن غير معمورة.

وعند آخرين ساحل البحر الغربي ، وبينهما عشر درجات من دور المعدّل ، وعرض كلّ بلد عبارة عن أقصر قوس من دائرة نصف نهاره ، بين المعدّل وقطب الأفق ، أو بالعكس ، وطوله ما وقع من المعدّل بين نصف نهاره ونصف نهار جزائر الخالدات ، من فوق.

__________________

(١) ـ سورة البروج ، الآية ١.

٥٤

فصل

إن وقع قطبا دائرة الأفق في المعدّل ماسّت قطبيه لا محالة ، ونصّفت كلّ مداراته على قوائم ، فيتساوى الليل والنهار تقريبا ، أبدا إلّا نادرا ، ويسمى الدور دولابيّا ، وذلك إنّما يكون في خطّ الاستواء ، ولكلّ نقطة فيه طلوع وغروب ، إلّا قطبي العالم.

والهواء هناك في غاية الاعتدال ، والشمس تسامت رؤوس سكانه في الاعتدالين ، فيعدم الظلّ ، ويبعد غاية البعد في الانقلابين ، فيكون جنوبيا تارة ، وشماليا أخرى.

وفصولهم ثمانية ، وإن انطبق قطباها على قطبيه انطبقت عليه ، وكانت السنة يوما وليلة ، ويسمى الدور دحويّا ؛ وذلك إنما يكون في عرض تسعين درجة ، وغاية ارتفاع الشمس هناك بقدر الميل الكلي ، ولا طلوع ، ولا غروب ، إلّا بالحركة الخاصة ، وإن مال قطباها عنه شمالا وجنوبا نصفته وحده ، وارتفع أحد قطبيه وانحطّ الآخر بقدر الميل ، ويسمى الدور حمايليا ، وماسّت من المدارات اثنين ، فوقانيا ، وتحتانيا ، بعدهما عن القطبين كبعدهما عنها منحطّا نصفها عن المتوسطة بين الفوقاني وقطبه ، فتكون أبدية الظهور ، ومرتفعا عن نظائرها ، فتكون أبدية الخفاء ، قاطعة للبواقي بمختلفين يختلف بهما الليل والنهار ، إلّا نادرا ، فإن نقص عرضهم عن الميل الكلي سامتتهم الشمس في السنة مرتين عند نقطتين ، ميلهما عن المعدّل كعرضهم ، فيعدم ظلهم حينئذ.

وفصول الأقربين منهم إلى خط الاستواء ثمانية أيضا ، وغيرهم أربعة ، وإن ساواه سامتتهم مرة في الانقلاب الصيفي ، ويكون أحد قطبي البروج أبدي

٥٥

الظهور ، والآخر أبدي الخفاء ، ويماسّان الأفق في الدورة مرّة ، وإن زاد عليه ونقص عن تمامه كان أعلى ارتفاعات الشمس بقدره وتمام عرض البلد وأسفلها بقدر نقصانه عنه ، وظلّهم شماليا أبدا ، وإن ساوى تمامه كان غاية ارتفاع الشمس بقدر ضعفه ، وسامت قطب البروج رؤوسهم في الدورة مرة ، فتنطبق منطقة البروج على أفقهم ، ثمّ يرتفع نصفها عنه دفعة بميله عنه ، وينحط الآخر كذلك ، ثمّ يطلع الغارب ويغرب الطالع تدريجا ، ويتزايد النهار إلى أن يساوي الدورة ، والليل كذلك ، وبهذا تنتهي العمارة ، وإن زاد عليه ولم يبلغ تسعين فيميل قطب البروج إلى جنوب سمت الرأس بقدر تلك الزيادة ، ولا يغرب من منطقة البروج ما يزيد ميله الشمالي على تمام العرض ، ولا يطلع ما يزيد ميله الجنوبي عليه ، فتنقسم منطقة البروج أربعة أقسام ، فما منتصفه منقلب القطب الظاهري أبدي الظهور ، وما منتصفه منقلب القطب الخفي أبدي الخفاء ، وما منتصفه الاعتدال الربيعي يطلع منكوسا ، ويغرب مستويا ، وما منتصفه الاعتدال الخريفي بالعكس.

فصل

أنظر إلى عناية الله سبحانه ، وجوده ، ورحمته ، في كيفية خلق السماوات والأرض ، وحركاتها ، وأوضاعها ، حيث جعلها كما ترى وكما ينبغي ، فإنه لو كانت كلّها نيّرات لأفسدت بإحراقها موادّ الكائنات ، ولم تكن محلّ سكنى الحيوانات ، كما أشار إليه بقوله سبحانه : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا

٥٦

تُبْصِرُونَ) (١).

ولو كانت بالكلية عرية عن النور لبقي ما دون الفلك في وحشة شديدة ، وليل مظلم، لا أوحش منه ، كما نبّه عليه بقوله عزوجل : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ) (٢) ، قال : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٣).

ولو ثبتت أنوار السماوات ، أو لازمت دائرة واحدة ، لأثّرت بإفراط فيما قابلها ، وتفريط فيما وراء ذلك ، ولو لم يكن لها حركة سريعة لفعلت ما يفعله السكون واللزوم ، ولو لم يجعل الأنوار الكوكبية ذات حركتين : سريعة مشتركة ، وبطيئة مختصّة ، ولم يجعل دوائر الحركات البطيئة مائلة عن دائرة الحركة السريعة ، لما مالت إلى النواحي شمالا وجنوبا.

ولو لا أنّ حركة الشمس على هذا المنوال من تخالف سمتها لسمت الحركة السريعة لما حصلت الفصول الأربعة الّتي بها يتم الكون والفساد ، وتنصلح أمزجة البقاع والبلاد.

ولمّا كان القمر نائبا عن الشمس ، خليفة لها في التسخين والتحليل ؛ إذ كان قوي النور ، جعل مجراه يخالف مجراها ، فالشمس تكون في الشتاء جنوبية ، والقمر شماليا ؛ لئلّا ينفقد السببان ، وفي الصيف بعكس ذلك ؛ لئلّا يجتمع المسخّنان.

__________________

(١) ـ سورة القصص ، الآية ٧٢.

(٢) ـ سورة القصص ، الآية ٧١.

(٣) ـ سورة القصص ، الآية ٧٣.

٥٧

ولمّا كانت الشمس شمالية الحركة صيفا ، جنوبيّتها شتاء جعل أوجها في الشمال ، وحضيضها في الجنوب ، لينجبر قرب الميل ببعد المسافة ؛ لئلّا تشتدّ الإضاءة والتنوير ، وينكسر بعده بقربها ؛ لئلّا تضعف القوّة المسخّنة عن التأثير.

فسبحان الله رب السماوات السبع ، وربّ الأرضين السبع ، وما فيهنّ ، وما بينهنّ ، وربّ العرش العظيم ، خلق السماوات موطدات بلا عمد ، وقائمات بلا سند ، دعاهنّ فأجبن طائعات ، مذعنات ، غير متلكّئات ، ولا مبطئات.

ولو لا إقرارهنّ له بالربوبية وإذعانهنّ بالطواعية لما جعلهنّ موضعا لعرشه ، ولا مسكنا لملائكته ، ولا مصعدا للكلم الطيّب والعمل الصالح من خلقه ، فجعل نجومها أعلاما يستدل بها الحيران في مختلف فجاج الأقطار ، لم تمنع ضوء نورها إدلهمام سجف الليل المظلم ، ولا استطاعت جلابيب سواد الحنادس أن ترد ما شاع في السماوات من تلألأ نور القمر ، فسبحانه سبحانه ، ما أعظم شأنه ، وأبهر برهانه.

فصل

روى في الكافي ، بإسناده عن الأصبغ بن نباتة ، قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «إن للشمس ثلاثمائة وستين برجا ، كلّ برج منها مثل جزيرة من جزائر العرب ، فتنزل كلّ يوم على برج منها ، فإذا غابت انتهت إلى حد بطنان العرش ، فلم تزل ساجدة إلى الغد ثمّ ترد إلى موضع مطلعها ومعها ملكان يهتفان معها ، وإن وجهها لأهل السماء ، وقفاها لأهل الأرض ، ولو كان وجهها لأهل الأرض لاحترقت الأرض ومن عليها من شدة حرّها ، ومعنى سجودها ما قال تعالى : (أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ

٥٨

وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) (١)» (٢).

أقول : وسنذكر في هذا الكتاب تفصيل معنى السجود لجميع الموجودات مشروحا إن شاء الله.

__________________

(١) ـ سورة الحج ، الآية ١٨.

(٢) ـ الكافي : ٨ : ١٥٧ ، ح ١٤٨.

٥٩

في مقادير الأجرام والأبعاد

(لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ

وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (١)

تمهيد :

لاستعلام مقادير الأجرام والأبعاد ، بالفراسخ والذرعان ، طرق ومسالك ، وقد تصدّى له جماعة من المتقدمين ، وطائفة من المتأخرين ، فحصّلوها وضبطوها بالقوانين المضبوطة الحسابية ، والبراهين القاطعة الهندسية ، مع دقة نظرهم ، وفرط إمعانهم ، وعلوّ منزلتهم ، ومع ذلك لم يهتدوا إلّا إلى أمور تقريبية ، وأحكام تخمينية ، يلوح منها على الإجمال جلال مبدعها ، وفاطرها ؛ وذلك لرفعة شأن الأجرام العظام السماوية ، وعلوّ مكانها ، وعجز نوع البشر ، وضعف بنيتهم بالإضافة إليها ، ومن رام أمثال هذه الأمور على ما عليه الحقيقة ، فقد طمع في غير مطمع ، وتكلف ما لا يعنيه ، وهل هو في ذلك إلّا (كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ) (٢) ، بل المرجع في الكلّ إلى الاعتراف بالعجز والقصور ، وكلمة علمها إلى مبدعها الخبير.

__________________

(١) ـ سورة غافر ، الآية ٥٧.

(٢) ـ سورة الرعد ، الآية ١٤.

٦٠