عين اليقين - ج ١

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

عين اليقين - ج ١

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


المحقق: فالح عبدالرزاق العبيدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الحوراء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢
الجزء ١ الجزء ٢

وبالجملة : من يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا.

وإنّما حداني إلى إملاء ذلك وجمعه أمور :

منها : كثرة محبّتي للعلوم الحقيقية ، والمعارف البرهانية ، وشدّة رغبتي إلى معرفة الأسرار الدينية ، والرموز الفرقانيّة ، ومزيد اعتنائي لضبط ما أتحقّق به ، وأعتقده من أمر الدين ، وما أعتمد عليه في طريق الحق واليقين.

ومنها : حبّي لبّ المباني ، ومخّ الكلم ، وإيثاري الاختصار على فصوص الحكم ، وملالي من الأقوال المختلفة ، والآراء الغير المؤتلفة ، وتطويل المقال بالقيل والقال ، فرأيت أن أنظم الفرائد ، وأرفض الزوائد ، بعد تفريق الخطأ عن الصواب ، وتمييز القشر من اللباب ، وأن أجمع شتاتها ، مهذّبا لها تهذيبا ، وأفصّلها فصولا وجيزة ، مرتبا لها ترتيبا.

ومنها : تبيان أنّها منطبقة على طريقة أهل البيت عليهم‌السلام ، مقتبسة من أنوارهم وآثارهم ، موزونة بميزان أحاديثهم وأخبارهم ، لئلّا يبادر أحد إلى إنكارها ، حسبما قال مولانا الإمام أبو عبد الله ، جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام : «كل علم لا (١) يخرج من هذا البيت فهو باطل» (٢) ، وأشار بيده إلى بيته.

وقال لبعض أصحابه : «إذا أردت العلم الصحيح فخذ عن أهل البيت ، فإنّا رويناه ، وأوتينا شرح الحكمة ، وفصل الخطاب ، إنّ الله اصطفانا وآتانا ما لم يؤت أحدا من العالمين» (٣).

فأردت أن أذكر طرفا ممّا ورد من الأخبار عن نبيّنا وعترته الأطهار ،

__________________

(١) ـ في المصدر : كلّ ما لم.

(٢) ـ بصائر الدرجات : ٥١١ ، ح ٢١.

(٣) ـ لم أعثر عليه في المحتضر ، ولكن وجدته في بحار الأنوار : ٢٦ : ١٥٨ ، ح ٥ عن المحتضر.

٢١

صلوات الله وسلامه عليهم ، في أصول الدين ، ممّا وصل إليّ بطريق معتبر ، مع شرح وتوضيح لبعضها ، ممّا ينال إليه فهمي ، ومبلغي من العلم ، وقسطي من المعرفة ، في كلّ باب ، وليتبيّن للناس أنّ أمثال هذه المعارف والأسرار واردة عن صاحب الشرع ، صلوات الله عليه وآله ، على وجه أعلى وأتمّ ، وأنّ حكماء أهل البيت وعلماءهم ، صلوات الله عليهم ، نطقوا بمخّ الحكمة تصريحا وتلويحا ، وأتوا بلباب العلم رمزا وكشفا ، على حسب تفاوت درجات المخاطبين ، وأنّهم عليهم‌السلام صعدوا ذرى الحقائق بأقدام النبوّة والولاية ، ونوّروا طبقات أنوار أعلام الفتوى بالهداية ، بل سائر العلماء والحكماء ، من الأوّلين والآخرين ، إنّما استضاؤوا بأنوارهم ، واقتبسوا من روحانياتهم في عالم الأرواح ، فالكليم ألبس حلّة الاصطفاء ، لما عهدوا منه الوفاء ، وروح القدس في جنان الصاغورة ذاق من حدائقهم الباكورة ، وشيعتهم الفرقة الناجية ، والفئة الزاكية ، سيّما رئيسهم وسيّدهم ، سيّد الموحّدين ، وإمام المتّقين ، علي بن أبي طالب ، صلوات الله عليه ، فإنّه كان في عالم الأنوار معلّم جبرئيل الأمين ، وكان قد فقأ عين الفتنة بباطنها ، وظاهرها ، وكان لا يسئل عن شيء دون العرش إلّا أجاب فيه ، وفي كلامه شفاء من كلّ داء ، وهو دون كلام الخالق ، وفوق كلام المخلوق ، وقد نطق بالأسرار الإلهيّة مع فقدان الحملة ، ما لا يطيق حمله الفحول من العارفين ، فكيف لو وجدهم صلوات الله عليه؟

ومنها : إرادتي أن أجمع بين طريقة الحكماء الأوائل في المعارف والأسرار ، وبين ما ورد في الشرع المبين من العلوم والأنوار ، فيما وقع فيه الاشتراك ، ليتبيّن لطالب الحقّ أن لا منافاة بين ما أدركته عقول العلماء العقلاء ، ذوو المجاهدات والخلوات ، أولو التهيّؤ لواردات ما يأتيهم في قلوبهم عند صفائها من العالم العلوي ، وبين ما أعطته الشرائع والنبوّات ، ونطقت به ألسنة

٢٢

الرسل والأنبياء ، صلوات الله عليهم ، من أصول المعارف ، غير أنّه بقي لأولي العقول الصرفة من العلم بالله واليوم الآخر ممّا هو وراء طور العقل الجمهوري أمور ، تمّمها لهم الرسل، وأن نظر الأنبياء أوسع وأحدّ ، ومعرفتهم بالغة إلى جزئيّات الأمور ، وتعيين الأعمال المقرّبة إلى الله تعالى ، كما هي بالغة إلى كلياتها ، وأنّ لهم قدرة النزول في المعارف بالله إلى العامي الضعيف الرأي بما يصلح لعقله من ذلك ، وإلى الكبير العقل ، الصحيح النظر ، بما يصلح لعقله ، وأنهم أعلم خلق الله فيما غاب عنهم ، وأنّ همّتهم في معرفة حقائق أمور النشأة الآخرة أكثر منها في معرفة أمور هذه النشأة ، بل لا يخوضون من الفانية إلّا فيما هو وسيلة إلى الباقية.

ولهذا لمّا سئل نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله عن التشكّلات البدرية والهلالية للقمر ، أمر بالإعراض عن الجواب إلى أمر آخر ؛ تنبيها على أن هذا السؤال ليس بمهم ، وإنّما المهمّ من ذلك ما يقرّب إلى الله سبحانه ، والدار الآخرة.

وأمّا أولو العقول الصرفة فلم يؤتوا من العلم والقدرة والنظر ما أوتي النبيّون ، ولم تصل أفكارهم إلى النشأة الآخرة كما ينبغي.

ومع ذلك فلا يجوز التقصير في حقّهم ، والتفريط في شأنهم ، على وجه يفضي إلى الإزراء بهم وبإيمانهم ، حاشاهم عن ذلك ، لا سيّما وكلماتهم مرموزة ، وما ورد عليهم وإن كان متوجّها على ظاهر أقاويلهم ، لم يتوجّه على مقاصدهم ، فلا ردّ على الرمز ، وإنّما خضت من طريقتهم في ضوابط وأصول كانت وسيلة إلى فهم أسرار الشرع ومرموزاته ، أو أبحاث لهم في معرفة أعيان الحقائق كانت ذريعة الإحاطة بما عليه الوجود ، بقدر الوسع والطاقة ، تكميلا للنفس ، وتوسيعا لساحة ميدان التفكّر في عظمة الله سبحانه ، لا كما يخوض فيه الغافلون ، بل على

٢٣

نهج يرجع إلى التوحيد والتمجيد ، والتقرّب إلى الله ، ذي العرش المجيد.

ومنها : أدل شيء من شكر الله جلّ جلاله ، على ما آتاني من معارفه هذه المعارف، وما رزقني من فهم هذه اللطائف ، امتثالا لقوله تعالى : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (١) ، ودخولا فيمن قال فيهم : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (٢) ، (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) (٣) ، ربّي زدني علما ، وإيمانا ، ويقينا ، وألحقني بالصالحين.

ولمّا كانت الحكمة مركّبة من علم ، هو العلم بحقائق الموجودات على ما هي عليه ، بقدر الطاقة البشرية. وعمل ، هو العمل بما ينبغي أن يكون الإنسان عليه ، ليكون أفضل في أحواله كلّها ، اللّذين أشار نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الأوّل منهما ، بقوله : «أرنا الأشياء كما هي» (٤) ، وإلى الثاني ، بقوله : «تخلّقوا بأخلاق الله» (٥).

وأشار الخليل ، على نبيّنا وعليه‌السلام ، إلى الأوّل ، بقوله : (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً) ، وإلى الثاني بقوله : (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (٦).

لا جرم افتنّ المقصود إلى فنّين : علمي ، وعملي.

وفائدة العلمي انتقاش صورة الوجود كلّه ـ على ما هو عليه بنظامه

__________________

(١) ـ سورة الضحى ، الآية ١١.

(٢) ـ سورة الأنفال ، الآية ٣ ، وغيرها من الآيات.

(٣) ـ سورة الطلاق ، الآية ٧.

(٤) ـ رسائل المرتضى : ٢ : ٢٦١ ، وفيه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ربي أرني الأشياء كما هي».

(٥) ـ بحار الأنوار : ٥٨ : ١٢٩.

(٦) ـ سورة الشعراء ، الآية ٨٣.

٢٤

وتمامه ـ في النفس الإنسانية ، ليصير عالما معقولا ، مضاهيا للعالم الموجود.

وجملة ما يذكر فيه ترجع إلى علم التوحيد ، وفروعه.

وفائدة العملي تخلية النفس الإنسانية عن الرذائل ، وتحليتها بالفضائل ، حتى تصير مرآة مجلوّة ، تشاهد فيها آيات الحقّ جلّ وعلا ، بل يتجلّى فيها وجه الربّ ، تقدّس وتعالى.

وجملة ما يذكر فيه ترجع إلى علم العبودية وفروعه.

ثمّ ينقسم كلّ من القسمين إلى :

ما يستقلّ فيه العقل غالبا ، من دون توقّف على الشرع ، إلّا في زيادة تتميم ، أو تبيين ، أو تنبيه.

وإلى ما لا يستقل فيه العقل ، بل يفتقر إلى استعانة من الشرع.

فهذه أربعة أقسام.

فوضعت هذا الكتاب لبيان القسم الأوّل ، وسمّيته ب «عين اليقين» في أصول الدين ، ولقّبته ب «الأنوار والأسرار» ، لتضمّنه أنوار الحكم ، وأسرار الكلم. ورتّبته على مقدّمة ، ومقصدين ، ذوي مطالب ، ذوات فصول.

فالمقدّمة فيما ينبغي التنبيه عليه قبل المقصود.

والمقصد الأوّل : في أصول العلم.

والثاني : في العلم بالسماوات والأرض وما بينهما.

وقد جاء بحمد الله كتابا في أبين لفظ ، وأمتن معنى ، باصطلاحات مأنوسة ، تعرفها الجماهير ، وألفاظ سلسة ، لا ينبو عنها طباع أهل النكير ، وإن كانت

٢٥

معانيها ممّا لا يمسّه إلّا المطهّرون ، ولا يهتدي إلى غورها إلّا الخواصّ الأقلّون ، وما من مسألة من العلوم الحقيقية إلّا ويوجد فيه أصلها ولبّها ، مجرّدا عن القشور ، والملابس الساترة ، وما من نكتة عرفانية ، إلهيّة ، إلّا ويرى فيه منبعها وسرّها ، خالصا من الألفاظ الخطابية السائرة ، وما من أصل من الأصول العقلية إلّا ويعرف فيه بيانه ، وشرحه ، مطابقا للكتاب العزيز والسنّة الطاهرة ، فهو كما قيل له : كتاب له استحقاق ما يكتبونه ، بمدّات نور في صفائح حوره ، فطوبى لشخص بعد تحقيق علمه ، توغّل باستغواره بدحوره ، فناهيك به رفيقا ، وأخا عالما شفيقا ، بشرط تحصيلك أوّلا طرفا من العلوم ، وتطهير باطنك من غشّ الجهالة ، وكلّ خلق مذموم ، وكون سريرتك مجبولة على الإنصاف ، مفطورة على التجنّب عن الجور والاعتساف ، فعند ذلك يفرقك هذا الكتاب مع ما صنّفناه لبيان الأقسام الثلاثة الأخر ، عن سائر الكتب المصنّفة في سائر العلوم ، ما عدا الوضعيّة منها ، كالأدب والرسوم ، أو التخمينية ، كالطبّ ، والرمل ، والنجوم ، أو الآلية ، كالمنطق ، والحساب ، وما يجري مجراهما من العلوم ، وبالجملة ما لا يرافقك إلى الآخرة ، وإنما يكون معك ما دمت في هذه النشأة البائرة.

وجميع ما في المقدمة والمقصدين ينحصر في خمسين مطلبا ، بهذا التفصيل.

أما المقدمة ففيها خمسة مطالب :

[١] ـ في الإشارة إلى فضيلة علم التوحيد ، وشرف أهله ، وكيفية تحصيله.

[٢] ـ في بيان قلّة أهل الله ، وصعوبة هذا الأمر وغموضه.

[٣] ـ في الحثّ على كتمان الأسرار.

[٤] ـ في بيان أصناف الناس.

٢٦

[٥] ـ في تحقيق تظاهر العقل والشرع.

وأمّا أصول العلم ، ففيه أربعة وعشرون مطلبا :

في متشابهات الكتاب والسنّة ، في ضوابط مهمة ، في الوجود والعدم ، في العلم والجهل ، في النور والظلمة ، في الحياة والموت ، في الإيمان والكفر ، في الخير والشرّ ، في اللذّة والألم ، في الغنى والفقر ، في الماهيّات وتعيّناتها ، في الواحد والكثير ، في المتقدّم والمتأخّر ، في القديم والحادث ، في القوّة وما يقابلها ، في السبب والمسبّب ، في الجوهر والعرض ، في الأبعاد والجهات وحدودها ، في الحركة والسكون ، في الزمان والآن ، في المكان والحيّز ، في أصول (١) النشآت وكيفيّة نشوء الآخرة من الأولى ، ووجوه الفرق بينهما ، في مبدأ الوجود جلّ ذكره وتوحيده ، في كيفيّة إفاضة الوجود.

وأمّا العلم بالسماوات والأرض وما بينهما ، ففيه أحد وعشرون مطلبا :

في هيئة العالم وأجرامه البسيطة ، في كيفية حركات الأفلاك وما يتبع ذلك ، في مقادير الأبعاد والأجرام ، في لمّية حركات الأفلاك ، في خلق المركّبات ، في كائنات الجوّ ، في الجبال والأحجار المعدنيّة ، في النبات ، في الحيوان ، في تشريح أعضاء الحيوان الكامل ، في الملائكة الموكّلين على الحيوان الكامل ، في تجرّد نفس الحيوان الكامل ، في الإنسان بما هو إنسان ، في إطاعة الأكوان للإنسان لأجل خلافة الله ، وبيان الخليفة ، في تقدّم خلق الأرواح على الأجساد وتأخّرها عنها ، وهبوط آدم من الجنّة ، في الآيات الإنسانية من العجائب والغرائب ، في الجنّة والشياطين ، في حدوث العالم ، في أن العالم مخلوق على

__________________

(١) ـ في المخطوطة «حصول» ولكن ما أثبتناه مطابق لما ذكره في بيان المطلب نفسه. راجع ص ٢٦٨ من هذا الجزء.

٢٧

أجود النظامات الممكنة ، في سريان العشق والشوق والعبادة والذكر في جميع الموجودات ، في أنّ مصير كلّ شيء إلى الله سبحانه.

فهذه خمسون مطلبا ، يشتمل عليها فنّ العلميات العقلية ، المتضمّن لأنوار الحكم ، وأسرار الكلم ، نوّر الله به قلوب الطالبين ، وسكّن به أفئدة المسترشدين ، وجعله لي ذخرا ليوم الدين ، وعصمه من مسّ أيدي الشياطين ، واستراق أسماع الأشرار ، ولا جعل قبور أسراره إلّا صدور الأحرار ، فإنّه يجب أن يكون مكنونا عن كلّ ذي عمه وجهل ، مضنونا عمّن ليس له بأهل ، إنّه ليس ككتب الغاغة والمتفلسفين ، أصحاب الظنّ والتخمين ، الذين هم بين مقلّد كالحيارى ، أو مجادل كالسكارى ، كلّما دخلت أمّة لعنت أختها ، كلّا بل هي ذكر لآيات بيّنات ، في صدور الذين أوتو العلم (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) (١).

__________________

(١) ـ سورة البقرة ، الآية ٢٦.

٢٨

المقدمة

(وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ

وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ)

(سورة هود ، الآية ١٢٠)

٢٩
٣٠

[١]

في الإشارة إلى فضيلة علم التوحيد ، وشرف أهله ،

وكيفية تحصيله

إنّ شرف العلم يكون على قدر شرف المعلوم ، ورتبة العالم تكون بحسب رتبة العلم.

ولا ريب أنّ أجلّ المعلومات وأعلاها وأشرفها هو الله الصانع ، المبدع ، الحق ، الواحد ، فعلمه ـ وهو علم التوحيد ـ أشرف العلوم ، وأجلّها وأكملها ، وأهل هذا العلم أفضل العلماء ، ولهذا انتظموا تارة في سلك الله تعالى وملائكته (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ) (١) ، وأخرى في سلك الله تعالى وحده (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) (٢) ، والمراد علماء التوحيد ، لقوله عزوجل : (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) ، وهم الأنبياء والأوصياء ، وبعدهم العلماء ، الذين هم ورثة الأنبياء ، وكلّهم إنّما يأخذون علمهم من الله تعالى بلا واسطة (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) (٣) ، (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) (٤).

__________________

(١) ـ سورة آل عمران ، الآية ١٨.

(٢) ـ سورة آل عمران ، الآية ٧.

(٣) ـ سورة النساء ، الآية ١١٣.

(٤) ـ سورة الكهف ، الآية ٦٥.

٣١

قال أبو يزيد (١) : أخذتم علمكم ميّتا عن ميّت ، وأخذنا علمنا عن الحيّ الّذي لا يموت (٢).

وإنّما يحصل هذا العلم بعد فراغ القلب ، وصفاء الباطن ، وتخليته عن الرذائل ، وتحليته بالفضائل ، والزهد في الدنيا ، ومتابعة الشرع ، وملازمة التقوى (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) (٣) ، (إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) (٤) (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (٥) ، (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) (٦).

وفي الحديث : ليس العلم بكثرة التعلّم ، إنّما هو نور يقذفه الله في قلب من يريد الله أن يهديه (٧).

العلم نور وضياء يقذفه الله في قلوب أوليائه ، وأنطق به على لسانهم. العلم علم الله لا يعطيه إلّا لأوليائه. الجوع سحاب الحكمة ، فإذا جاع العبد مطّر

__________________

(١) ـ هو : طيفور بن عيسى البسطامي (١٨٨ ـ ٢٦١ ه‍) (٨٠٤ ـ ٨٧٥ م) ، أبو يزيد ، ويقال بايزيد ، زاهد مشهور ، له أخبار كثيرة ، كان ابن عربي يسمّيه أبا يزيد الأكبر. نسبته إلى بسطام ـ بلدة بين خراسان والعراق ـ أصله منها ، ووفاته فيها. قال المنّاوي : وقد أفردت ترجمته بتصانيف حافلة. وفي المستشرقين من يرى أنّه كان يقول بوحدة الوجود ، وأنّه ربما كان أوّل قائل بمذهب الفناء ، ويعرف أتباعه بالطيفورية ، أو البسطامية. (الأعلام : ٣ : ٢٣٥).

(٢) ـ أنظر : الفتوحات المكية : ١ : ٣١ ، علما أنّه قد ذكر هذا القول في موارد كثيرة في الفتوحات.

(٣) ـ سورة البقرة ، الآية ٢٨٢.

(٤) ـ سورة الأنفال ، الآية ٢٩.

(٥) ـ سورة الطلاق ، الآية ٢ و ٣.

(٦) ـ سورة العنكبوت ، الآية ٦٩.

(٧) ـ منية المريد : ١٤٨ ، حديث عنوان البصري ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام.

٣٢

بالحكمة (١). من أخلص لله أربعين صباحا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه (٢). من علم وعمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم (٣). ما من عبد إلّا ولقلبه عينان ، وهما غيب يدرك بهما الغيب ، فإذا أراد الله بعبد خيرا فتح عيني قلبه ، فيرى ما هو غائب عن بصره(٤).

وفي كلام أمير المؤمنين ، وسيد الموحّدين ، عليه الصلاة والسلام : «إنّ من أحبّ عباد الله إليه عبدا أعانه الله على نفسه فاستشعر الحزن ، وتجلبب الخوف ، فزهر مصباح الهدى في قلبه ـ إلى أن قال : ـ قد خلع سرابيل الشهوات ، وتخلّى من الهموم إلّا همّا واحدا انفرد به ، فخرج من صفة العمى ومشاركة أهل الهوى ، وصار من مفاتيح أبواب الهدى ، ومغاليق أبواب الردى ، قد أبصر طريقه ، وسلك سبيله ، وعرف مناره ، وقطع غماره ، واستمسك من العرى بأوثقها ، ومن الحبال بأمتنها ، فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس» (٥).

وفي كلام آخر له عليه‌السلام : «قد أحيا قلبه ، وأمات نفسه ، حتّى دقّ جليله ، ولطف غليظه ، وبرق له لامع كثير البرق ، فأبان له الطريق ، وسلك به السبيل ، وتدافعته الأبواب إلى باب السلامة ، ودار الإقامة ، وتثبت رجلاه لطمأنينة بدنه في قرار الأمن والراحة ، بما استعمل قلبه ، وأرضى ربّه» (٦).

__________________

(١) ـ لم نعثر على مصادرها.

(٢) ـ كنز العمّال : ٣ : ٢٤ ، ح ٥٢٧١.

(٣) ـ الدرّ المنثور : ١ : ٣٧٢.

(٤) ـ لم نعثر على مصدره.

(٥) ـ نهج البلاغة : ١١٨ ، خطبة رقم «٨٧».

(٦) ـ شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد المعتزلي : ١١ : ١٢٧.

٣٣

[٢]

في بيان قلّة أهل الله ، وصعوبة

هذا الأمر ، وغموضه

(إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ) (١) ، كما قال تعالى : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (٢) ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ* يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) (٣) ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٤) ، (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ) (٥)

وذلك لأنّ هذا الأمر صعب مستصعب ، عزيز المنال ، دقيق المدرك ، تضعف عن إدراكه بصائر الأكثرين ، كضعف أبصار الخفافيش عن إدراك ضوء الشمس ، ولهذا إنّما يخاطب الجمهور بظواهر الشرع ، ومجملاته ، دون أسراره وأغواره ؛ لعدم احتمالهم ذلك ، بل يضرّهم استماعه ؛ لقصور أفهامهم ، واعوجاج أذهانهم ، فيضلّون ويضلّون ، وينكّرون فينكرون حثيثا ؛ إذ لا يكادون يفقهون حديثا ، ولا يسعهم الجمع بين الظاهر والباطن ؛ لضيق وعائهم ، وقصور

__________________

(١) ـ سورة الشعراء ، الآية ٥٤.

(٢) ـ سورة سبأ ، الآية ١٣.

(٣) ـ سورة الروم ، الآية ٦ و ٧.

(٤) ـ سورة الأنعام ، الآية ٣٧ ، وغيرها من السور.

(٥) ـ سورة المنافقون ، الآية ٧.

٣٤

حوصلتهم.

ذكرت التقية يوما عند سيّد العابدين عليه‌السلام فقال : «والله لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله ، ولقد آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بينهما ، فما ظنّكم بسائر الخلق ، إنّ علم العلماء صعب مستصعب ، لا يحتمله إلّا نبيّ مرسل ، أو ملك مقرّب ، أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان.

قال : وإنّما صار سلمان من العلماء لأنّه امرؤ منّا أهل البيت ، فلذلك نسبته إلى العلماء» (١).

أراد عليه‌السلام أهل بيت التوحيد ، والعلم ، والمعرفة ، والحكمة ، لا أهل بيت النسوان ، والصبيان ، والأهل ، والأولاد.

وفي الحديث النبوي أيضا : «سلمان منّا أهل البيت» (٢).

وفيه أيضا : «لو علم أبوذر ما في بطن سلمان من الحكمة لكفّره» ، وفي رواية «لقتله» (٣).

وعن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام : «المؤمن أعزّ من الكبريت الأحمر» (٤).

وعن أبيه الباقر عليه‌السلام : «الناس كلّهم بهائم إلّا قليل من المؤمنين» (٥).

قلت : وتصديق ذلك قول الله عزوجل : (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ

__________________

(١) ـ بصائر الدرجات : ٤٥ ، ح ٢١ ، وفي آخره : فلذلك نسبه إلينا.

(٢) ـ تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ١٢١ ، ضمن الحديث ٦٣.

(٣) ـ الكافي : ١ : ٤٠١ ، ح ٢ ، وفيه : «لو علم أبوذر ما في قلب سلمان لقتله».

(٤) ـ الكافي : ٢ : ٢٤٢ ، ح ١.

(٥) ـ بصائر الدرجات : ٥٢٢ ، ح ١٣.

٣٥

يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) (١) ، (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) (٢) ، (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (٣).

__________________

(١) ـ سورة الفرقان ، الآية ٤٤.

(٢) ـ سورة الأعراف ، الآية ١٧٩.

(٣) ـ سورة البقرة ، الآية ١٧١.

٣٦

[٣]

في الحث على كتمان الأسرار

أنظر إلى عظمة قدر أبي ذرّ رضى الله عنه ، ثمّ إلى ما سمعت في حقّه ، واستشهد به على عظمة السر المودع عند سلمان رضوان الله عليه ، وعلى المبالغة في كتمان أسرار الله ، حيث ظهر أنّ كبار الصحابة كانوا يخفون بعضهم عن بعض.

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام : «إنّ أمرنا سرّ (١) مستور ، في سرّ مقنّع بالميثاق ، من هتكه أذلّه الله» (٢).

وعنه عليه‌السلام : «إنّ أمرنا سرّ مستور ، في سرّ مستسرّ (٣) ، وسرّ لا يفيده إلّا سرّ ، وسرّ على سرّ ، مقنّع بسرّ» (٤).

وعنه عليه‌السلام : «هو الحق ، وحقّ الحقّ ، وهو الظاهر ، وباطن الظاهر (٥) ، وباطن الباطن ، وهو السرّ ، وسرّ المستسر ، وسرّ مقنّع بالسرّ» (٦).

__________________

(١) ـ في المصدر «هذا» بدل «سرّ».

(٢) ـ بصائر الدرجات : ٢٨ ، ح ٣.

(٣) ـ في المصدر : إنّ أمرنا سرّ في سرّ ، وسرّ مستسرّ.

(٤) ـ بصائر الدرجات : ٢٨ ، ح ١.

(٥) ـ جملة «وباطن الظاهر» غير موجودة في المصدر ، ولكن وردت في بحار الأنوار : ٢ : ٧١ ، ح ٣٣.

(٦) ـ بحار الأنوار : ٢ : ٧١ ، ح ٣٣ ، عن بصائر الدرجات ، ولكن الموجود في البصائر هكذا : «هو الحق ، وحقّ الحق ، وهو الظاهر ، وباطن الباطن ، وهو السر ، وسرّ المستسر ، وسرّ مقنّع بالسر» ، راجع بصائر الدرجات : ٢٩ ، ح ٤.

٣٧

وإلى كتمان هذا السرّ أشار عليه‌السلام بقوله : «التقية ديني ودين آبائي ، فمن لا تقية له لا دين له» (١).

وقال : «خالطوا الناس بما يعرفون ، ودعوهم ممّا ينكرون ، ولا تحملوا على أنفسكم وعلينا ، إنّ أمرنا صعب مستصعب ، لا يحتمله إلّا ملك مقرّب ، أو نبيّ مرسل ، أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان» (٢).

وقال الإمام زين العابدين عليه‌السلام في أبيات منسوبة إليه :

إني لأكتم من علمي جواهره

كيلا يرى الحقّ ذو جهل فيفتتنا

وقد تقدّم في هذا أبو حسن

إلى الحسين ووصّى قبله الحسنا

يا ربّ جوهر علم لو أبوح به

لقيل لي أنت ممّن يعبد الوثنا

ولاستحلّ رجال مسلمون دمي

يرون أقبح ما يأتونه حسنا

وفي الحديث النبوي : «من وضع الحكمة في غير أهلها جهل ، ومن منع عن أهلها ظلم».

«إن للحكمة حقّا ، فأعط كلّ ذي حقّ حقّه».

وفيه : «إنّ من العلم كهيئة المكنون ، لا يعلمه إلّا أهل المعرفة بالله تعالى ، فإذا نطقوا به لم يجهله إلّا أهل الاغترار بالله» (٣).

وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أراد إيداع مثل هذه الأسرار في قلوب أصحابه ، وخواصّه ،

__________________

(١) ـ المحاسن : ١ : ٢٥٥ ، ح ٢٨٦ ، وفيه : «ولا دين لمن لا تقية له».

(٢) ـ بصائر الدرجات : ٢٦ ، ح ٢.

(٣) ـ وردت هذه الأحاديث الثلاثة في كتاب جامع الأسرار ومنبع الأنوار : ٢٤ و ٢٥ ، ولم يذكر المصدر الّذي اعتمد عليه.

٣٨

يخلوبهم ، ويقوله في آذانهم ، كما فعل بأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وأخبر عنه الأمير بقوله : «تعلّمت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ألف باب من العلم ، ففتح لي بكلّ باب ألف باب» (١).

وقال عليه‌السلام : «اندمجت على مكون علم ، لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوى البعيدة» (٢).

وسأله كميل بن زياد النخعي عن الحقيقة ، فقال عليه‌السلام : «مالك والحقيقة! قال : أولست صاحب سرّك ، قال : بلى ، ولكن يرشح عليك ما يطفح منّي ، ثمّ أجابه عمّا سأل» (٣).

وروى كميل : أنّه عليه‌السلام أخذ بيدي ، فأخرجني إلى الجبّان ، فلما أصحر تنفّس الصّعداء ، ثمّ قال لي : «يا كميل بن زياد ، إنّ هذه القلوب أوعية ، فخيرها أوعاها ، فاحفظ عنّي ما أقول لك : الناس ثلاثة : فعالم ربّاني ، ومتعلّم على سبيل النجاة ، وهمج رعاع ، أتباع كلّ ناعق ، يميلون مع كلّ ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق ـ إلى أن قال ـ : ها إنّ ههنا لعلما جمّا ـ وأشار إلى صدره ـ لو أصبت له حملة ، بلى أصبت لقنا غير مأمون عليه ، مستعملا آلة الدين للدنيا ، ومستظهرا بنعم الله على عباده ، وبحججه على أوليائه ، أو منقادا لحملة الحقّ ، لا بصيرة له في أحنائه ، ينقدح الشكّ في قلبه لأوّل عارض من شبهة ألا (٤) لا ذا ولا ذاك ، أو منهوما باللذّة ، سلس القياد للشهوة ، أو مغريا

__________________

(١) ـ إعلام الورى : ١٥٩ ، وفيه «علمني ألف باب من العلم ، فتح لي بكل باب ألف باب».

(٢) ـ نهج البلاغة : ٥٢ ، خطبة رقم «٥».

(٣) ـ ورد هذا الحديث في شرح الأسماء الحسنى : ١ : ١٣١.

(٤) ـ في المخطوطة : ألامه.

٣٩

بالجمع والادّخار ، ليسا من رعاة الدين في شيء ، أقرب شبها بهما الأنعام السائمة ، كذلك يموت العلم بموت حامليه ، اللهمّ بلى ، لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة ، إمّا ظاهرا مشهورا ، وإمّا خائفا مغمورا ، لئلّا تبطل حجج الله وبيّناته ، وكم ذا ، وأين أولئك ، أولئك والله الأقلّون عددا ، والأعظمون عند الله قدرا ، يحفظ الله بهم حججه وبيّناته ، حتّى يودعوها نظراءهم ، ويزرعوها في قلوب أشباههم ، هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة ، وباشروا روح اليقين ، واستلانوا ما استوعره (١) المترفون ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالمحلّ الأعلى ، أولئك خلفاء الله في أرضه ، والدعاة إلى دينه. آه آه ، شوقا إلى رؤيتهم» (٢).

__________________

(١) ـ في المخطوطة : ما استوعر منه.

(٢) ـ نهج البلاغة : ٤٩٥ ، حكمة رقم «١٤٧».

٤٠