الطّرائف في معرفة مذاهب الطوائف

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

الطّرائف في معرفة مذاهب الطوائف

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


الموضوع : الفرق والمذاهب
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٣

عليه السلام المشهود له عندهم بتلك الفضائل وأن ينازعه معاوية في الخلافة إن هذا من أعجب الأمور الهائلة.

ومن طرائف ما رأيت في شرح حال علي بن أبي طالب عليه السلام ما رواه صدر الأئمة عندهم موفق بن أحمد المكي ثم الخوارزمي أخطب خطباء خوارزم فيما صنفه من المناقب قال : أنبأني مهذب الأئمة أبو المظفر عبد الملك بن علي ابن محمد الهمداني إجازة ، أخبرني محمد بن الحسين بن علي البزاز ، أخبرني أبو منصور محمد بن علي بن علي بن عبد العزيز ، أخبرني هلال بن محمد بن جعفر ، حدثني أبو بكر محمد بن عمرو الحافظ ، حدثني أبو الحسن علي بن موسى الخزاز من كتابه ، حدثني الحسن بن علي الهاشمي ، حدثني إسماعيل بن أبان ، حدثني أبو مريم ، عن ثويرة بن أبي فاختة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : قال أبي : دفع النبي " ص " الراية يوم خيبر إلى علي بن أبي طالب عليه السلام ، ففتح الله تعالى على يده ، وأوقفه يوم غدير خم فاعلم أنه مولى كل مؤمن ومؤمنة ، وقال له : أنت مني وأنا منك ، وقال له : تقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل ، وقال له : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، وقال له : أنا سلم لمن سالمت وحرب لمن حاربت ، وقال له : أنت تبين لهم ما يشتبه عليهم من بعدي ، وقال له : أنت العروة الوثقى التي لا انفصام لها ، وقال له : أنت إمام كل مؤمن ومؤمنة وولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي ، وقال له : أنت الذي أنزل الله فيك " وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر " ، وقال له : أنتالأخذ بسنتي والذاب عن ملتي ، وقال له : أنا أول من تنشق الأرض عنه وأنت معي ، وقال له : أنا عند الحوض وأنت معي.

والحديث طويل إلى أن قال : وقال له : إن الله أوحى إلي أن أقوم بفضلك فقمت به في الناس وبلغتهم ما أمرني الله بتبليغه ، وقال له : اتق الضغائن التي

٥٢١

لك في صدور من لا يظهرها إلا بعد موتي أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون.

ثم بكى " ص " فقيل مما بكاؤك يا رسول الله؟ فقال : أخبرني جبرئيل عليه السلام أنهم يظلمونه ويمنعونه حقه ويقاتلونه ويقتلون ولده ويظلمونهم بعده ، وأخبرني جبرئيل عن الله عز وجل أن ذلك الظلم يزول إذا قام قائمهم وعلت كلمتهم واجتمعت الأمة على محبتهم وكان الشانئ لهم قليلا والكاره لهم ذليلا وكثر المادح لهم ، وذلك حين تغير البلاد وضعف العباد واليأس من الفرج فعند ذلك يظهر القائم فيهم.

قال النبي " ص " : اسمه كاسمي واسم أبيه كاسم أبي هو من ولد ابنتي فاطمة يظهر الله الحق بهم ويخمد الباطل بأسيافهم ويتبعهم الناس راغبا إليهم وخائفا منهم. قال : وسكن البكاء عن رسول الله " ص " فقال : معاشر الناس أبشروا بالفرج فإن وعد الله لا يخلف وقضاؤه لا يرد وهو الحكيم الخبير ، وإن فتح الله قريب ، اللهم إنهم أهلي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، اللهم اكلاهم وارعهم وكن لهم وانصرهم وأعزهم ولا تذلهم واخلفني فيهم إنك على ما تشاء قدير (١).

فيما رووا في العشرة المبشرة

ومن طرائف الأمور المتناقضة أنهم يذكرون إن سعيد بن نفيل روى عن نبيهم أنه شهد له ولأبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وأبي عبيدة بن الجراح ولعلي بالجنة ، مع ما وقع من أبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن وأبي عبيدة من المخالفات لعلي بن أبي طالب عليه السلام وظهور العداوة بينهم ، مع ما بلغ إليه طلحة

__________________

(١) الخوارزمي في المناقب : ٢٤.

٥٢٢

والزبير من استحلال دمه ودماء بني هاشم وأعيان الصحابة والتابعين بعد مبايعتهما لعلي وإقرارهما بصحة خلافته وقتلهما الألوف من المؤمنين ، وقد تضمن كتابهم " ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ".

ومن طريف هذه الرواية أن سعيد بن يزيد بن نفيل راوي هذه الرواية وهو من جملة العشرة ، روى هذه الرواية لتزكية نفسه ولم يسقط شهادته بالتهمة وشهود فاطمة عليها السلام بنت نبيهم جارون النفع إلى أنفسهم ومتهمون في شهادتهم مع أنه لم يكن نفع فيما شهدوا به ، وهذه من المتناقضات.

في عدم صحة ما رووا عن النبي " ص "

أصحابي كالنجوم

ومن طريف رواياتهم أنهم قالوا عن نبيهم أنه قال أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ، وقد علمنا أن الصحابة كان يكفر بعضهم بعضا ويشهد بعضهم على بعض بالضلال ويستحل بعضهم دماء بعض ، وقد تقدم بعض ذلك وكما جرى في قتل عثمان وحرب البصرة وصفين وغيرهما من المناقضات والاختلافات فلو كان الاقتداء بكل واحد منهم صوابا لكان الاقتداء بكل واحد منهم خطأ لشهادة بعضهم على بعض بالخطأ ولكان ذلك يقتضى وجوب ضلالهم أو قتلهم جميعا ، فما أقبح هذه الروايات وأبعدها من عقول أهل الديانات.

ومن طريف مكابراتهم أنهم يذكرون أن الإمام قدوة لرعيته مع جواز جهله ببعض ما يقتدى به فيه حتى أنهم يجيزون أن يكون الإمام جاهلا بأكثر الشريعة وأنه يقتدي فيما يجهله منها برعيته ، ولا فرق في العقول بين جواز جهله ببعضها

٥٢٣

أو جميعها ومن فرق بينهما فقد كابر الضرورة وعدل عن العقول المشكورة.

ومن طريف مكابراتهم أيضا تجويزهم أن يكون إمامهم فاسقا مصرا على المنكرات في الباطن ولا يجيزون أن يكون كافرا في الباطن مظهرا للإسلام.

في عملهم بالقياس والطعن عليه

ومن طرائف غلطهم الذي خرجوا به عن شريعتهم عملهم بالقياس ، مع أن شريعتهم أباحت ما قد حرمت مثله وحرمت ما أوجب مثله ، فأي طريق لهم مع ذلك إلى القياس؟

ثم لو كان الله قد جعل للأحكام عللا يقاس عليها لكانت دلالة واضحة يهتدى إليها وبها كل طالب للقياس ، ومن المعلوم أنهم مع اجتهادهم في استخراج علل القياس يختلفون في العلل إلى غاية الاختلاف وفي وجوهها وكيفية التحريم والتحليل بها.

ثم قد يحكم أحدهم بالعلة ووجه تعلقها في وقت ويبين له ضد ذلك في الوقت الآخر ، ثم من المعلوم الذي لا يخالف فيه عاقل منصف إنه قد كان جائزا من الله التعبد في الحادثة بخلاف ما دلت عليه العلة من تحريم أو تحليل مع كون الحادثة على حقيقتها وبجميع صفاتها ، فلو كان القياس صحيحا جاز في العقول التعبد في الحادثة بخلاف حكمها إلا مع اختلاف كل حالها أو بعضه أو تغير جميع أوصافها أو بعضها ، وإذا كان جاز في العقول التعبد في الحادثة بخلاف ما اقتضته العلة والحادثة على ما هي عليه دل ذلك على بطلان القياس في الشرائع ، لأن العلة لو كانت علة لازمة للتحليل والتحريم استحال خروجها عن ذلك والحادثة على ما هي عليه كما يستحيل خروج صفة الحركة عن المتحرك مع كونه متحركا ، ومعلوم أن ذلك غير مستحيل في الحادثة مع وجود العلة

٥٢٤

بخلاف ما يعتقدونه علة فلا يبقى لهم طريق ولا وثوق بعلة ولا قياس أصلا.

ثم يقال للأشعرية خاصة فيما ذهبوا إليه من القياس من الشرعي عندهم : نراكم في كتب الأصول تدعون القطع على أن أفعال الله يستحيل تعليلها بأمور لأجلها كانت كذلك ، والقياس إنما يصح لكم بعد ثبوت العلل في القياس واستعمالها ، فإن ادعى ذو جهالة منهم أن ثبوت العلل إنما يحتاج فيه إلى غلبة الظن دون القطع قيل له : إذا ثبت ما تدعون من استحالة التعليل على الله تعالى كيف يبقى مجال الظن أو غيره ، وهذا لا جواب لهم عنه إلا بإبطال القياس أو جواز التعليل على الله تعالى.

وقد روى الخطيب في تاريخه وابن شيرويه الديلمي قالا : إن النبي " ص " قال : ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور ، فيحرمون الحلال ويحللون الحرام.

وقد وقفت على كتب علماء عترة نبيهم وهم مجمعون على تحريم العمل بالقياس ، وأخبار هؤلاء الأربعة المذاهب في كتبهم الصحاح تشهد أن عترة نبيهم لا يخالفون كتاب ربهم إلى يوم القيامة.

ثم وقد روى علماء الإسلام أخبارا متظاهرة في المنع من القياس والرأي.

فمن ذلك ما رووه عن أبي بكر أنه قال : أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله برأيي.

ومن ما ذلك ما روي عن عمر بن الخطاب قال : إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا.

ومن ذلك ما رووه عن عمر أنه كتب إلى شريح القاضي وهو يومئذ نائبه على القضاء: إقض بما في كتاب الله فإن جاءك ما ليس في كتاب الله فاقض بما في سنة رسول الله ، فإن جاءك ما ليس في سنة رسول الله " ص " فاقض بما أجمع عليه أهل العلم ، فإن لم تجد فلا إن لا تقضي.

ومن ذلك ما رووه عن عبد الله بن عباس أنه قال : لو جعل الله لأحد أن يحكم

٥٢٥

برأيه لجعل ذلك لرسول الله ، قال الله له " وأن احكم بينهم بما أنزل الله " (١) وقال " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله " (٢) ولم يقل بما رأيت.

وروى النهى عن القياس عن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر ومسروق بن سيرين وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، فلو كان القياس مشروعا في زمن نبيهم ما خفي عن هؤلاء وعن عترة نبيهم وأتباعهم من العلماء.

في حجية الاجماع عندهم والطعن عليه

ومن طرائف الأربعة المذاهب أنهم يذكرون أن كل واحد من المسلمين يجوز عليه الخطأ والكذب وكل قبيحة ، ومع هذا يقولون إذا اجتمع هؤلاء الذين يجوز عليهم ذلك على شئ ، فإن إجماعهم يجعل ذلك صدقا ، وتصير التجويز مرتفعا في الذي يجمعون عليه مع استمرار تجويز الكذب من كل واحد في حال افتراقهم واجتماعهم ، وهذا بهت عظيم لا يستحسنه من عقله سليم ودينه مستقيم.

ومن طريف استدلالهم على ذلك أن واحدا منهم أو أكثر ممن لم يبلغ حد التواتر قد أورد لهم عن نبيهم أن أمتي لا يجتمع على ضلال ، وما أدري كيف يثبت بهذا الحديث حجية الاجماع والرواة له من جملة أهل الاجماع لأنه لا يثبت الاجماع إلا بهذا الحديث عند من يعتقد ذلك ولا يثبت الحديث إلا بالإجماع عند من أثبته بهذا الطريق فيقف صحة كل واحد منهما على صحة الآخر فلا يثبت شئ منهما ، وبعد ذلك كيف يدعون وقوع إجماع الأمة شئ مع ما تقدم

__________________

(١) المائدة : ٤٩.

(٢) النساء : ١٠٥.

٥٢٦

من روايتهم في صحاحهم وإطباق المسلمين تواترا على أن نبيهم قال : إن أمته تفترق ثلاثا وسبعين فرقة فرقة ناجية والباقي في النار ، فإذا كان حصول الاجماع متوقفا على ثبوت إجماع هذه الثلاث وسبعين فرقة ، وقد شهدوا أن هذه الفرق لا تجتمع فيجب على رواياتهم أن لا يقع إجماع أصلا.

في تسميتهم الطلاق يمينا

ومن طرائف ما سمعت من جماعة منهم أنهم يسمون الطلاق يمينا ، وكتابهم يتضمن لفظ الطلاق فقال " الطلاق مرتان " (١) وقال " والمطلقات يتربصن " (٢) وما رأيت في كتابهم أن الطلاق يمين من جملة كافية ، ثم قد تضمن كتابهم " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين " (٣) فإن كان الطلاق يمينا فكان يجب إذا كان لغوا أن لا يثبت به عندهم تفريق بين الزوجين سواء كان ثلاثا أو غير ثلاث ، وإن كان غير لغو وكان منعقدا وتركه فكان يجب أن يلزم فيه الكفارة وما أوجبوا فيه كفارة ، فما أعجب ما يرتضونه لأنفسهم من المناقضات ومكابرة الضرورات.

في مقالاتهم في الصوم

ومن طريف أمورهم في صومهم تقديم إفطارهم قبل دخول الليل من جهة

__________________

(١) البقرة : ٢٢٩.

(٢) البقرة : ٢٢٨.

(٣) المائدة : ٨٩.

٥٢٧

المشرق ، ومخالفتهم لما تضمنه كتابهم " وأتموا الصيام إلى الليل " (١) وفي موضع آخر " ولا تبطلوا أعمالكم " (٢) وتهوينهم بهذه الفريضة التي هي من أظهر أركان الإسلام ، وقد رووا في صحاحهم ضد ما عملوا عليه.

ورواه مسلم أيضا في صحيحه من المجلد الثاني بإسناده عن ابن أبي أوفى قال عن نبيهم في أواخر حديثه ما هذا لفظه : إذا رأيتم الليل قد أقبل من هاهنا ـ وأشار بيده نحو المشرق ـ فقد أفطر الصائم (٣).

(قال عبد المحمود) : هذا لفظ الحديث يتضمن إن وقت الافطار إقبال الليل من المشرق ، وذلك إنما يكون عند ذهاب الشفق الأحمر من ناحية المشرق وهو أول دخول الليل كما ذهب إليه أهل بيت نبيهم ، فعلام وقعت المخالفة لهم وقد أمروا بالتمسك بهم.

ومن طرائف ما سمعت عن جماعة كثيرة من المسلمين أنهم إذا رأوا من يفطر منهم في السفر في صوم شهر رمضان جعلوه مبدعا وأنكروا عليه ، وإن بعض المسلمين يعتذر إليهم بأن يقول إنه من أهل الذمة ، وقد رأيت في صحاحهم ما يدل على خلاف ما ينكرونه.

فمن ذلك ما ذكره الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند عبد الله بن عباس في الحديث الثاني من المتفق عليه قال : إن النبي " ص " خرج من المدينة ومعه عشرة آلاف من المسلمين ، وذلك على رأس سنة ثمان سنين ونصف من مقدمة المدينة ، فسار بمن معه من المسلمين إلى مكة يصوم ويصومون حتى بلغ الكديد ـ وهو ما بين عسفان وقديد ـ أفطر وأفطروا ، قال

__________________

(١) البقرة : ١٨٧.

(٢) محمد : ٣٣.

(٣) مسلم في صحيحه : ٢ / ٧٧٣ ، ورواه البخاري في صحيحه : ٢ / ٢٣٧.

٥٢٨

الزهري : وإنما يؤخذ من أمر رسول الله " ص " بالآخر فالآخر فكان الفطر آخر الأمرين. وفي بعضها : فلم يزل مفطرا حتى انسلخ الشهر (١).

ومن ذلك في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند عبد الله بن عباس أيضا في جملة الحديث من المتفق عليه قال : خرج النبي " ص " في رمضان إلى خيبر والناس مختلفون فصائم ومفطر ، فلما استوى على راحلته دعا بإناء من لبن أو ماء فوضعه على راحلته أو راحته ، وفي رواية حتى رآه الناس ثم شرب وشرب الناس في رمضان فقال المفطرون للصوام : أفطروا.

ومن ذلك في كتاب الجمع بين الصحيحين أيضا في مسند جابر بن عبد الله الأنصاري أن النبي " ص " خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان ، فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس ، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب ، فقيل له بعد ذلك : إن بعض الناس قد صام فقال : أولئك العصاة أولئك العصاة (٢).

(قال عبد المحمود) : فكيف يحسن مع هذه الروايات التي قد جعلوها من جملة الصحاح أن ينكروا أو يكرهوا أو يتوقفوا في الافطار في السفر في صوم شهر رمضان؟ وكيف استحسنوا هذه المكابرة وتكذيب أنفسهم فيما رووه وشهدوا بصحته.

وذكر الحميدي أيضا في كتابه في مسند جابر بن عبد الله في الحديث الحادي عشر قال : قال النبي " ص " : ليس من البر أن تصوموا في السفر ، وفي رواية ليس من البر الصوم في السفر (٣).

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٧٨٤ ، والبخاري في صحيحه : ٢ / ٢٣٨.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٧٨٥.

(٣) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٧٨٦.

٥٢٩

ومن طريف ما رأيت من كثير من المسلمين تعظيم ليلة خمس وعشرين من شهر رمضان ومن بعضهم ليلة تسع وعشرين ، وما رأيت لهم اهتماما ولا إكراما لليلتي إحدى وعشرين ولا ليلة ثلاث وعشرين من الشهر المذكور ، وقد رووا تعظيم الليلتين المهملتين.

فمن ذلك ما ذكره الحميدي في مسند أبي سعيد الخدري في الحديث الرابع من المتفق عليه عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وآله اعتكف في العشر الأولى من رمضان ، ثم اعتكف العشر الأوسط في قبة تركية على سدتها حصير. قال: فأخذ الحصير بيده فنحاها في ناحية القبة ، ثم أطلع رأسه فكلم الناس فدنوا منه فقال : إني أعتكف العشر الأول ألتمس هذه الليلة ثم اعتكف العشر الأوسط ثم أتيت فقيل لي : إنها في العشر الأواخر. فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف ، فاعتكف الناس معه قال: وإني أريتها ليلة وتر وإني أسجد صبيحتها في طين وماء ، فأصبح من ليلة إحدى وعشرين وقد قام إلى الصبح ، فمطرت السماء فوكف المسجد فأبصرت الطين والماء ، فخرج حين فرغ من صلاة الصبح وجبينه وروثة أنفه فيهما الطين والماء وإذا هي ليلة إحدى وعشرين من العشر الأواخر (١).

ومن ذلك ما رواه الحميدي أيضا في كتابه في مسند عبد الله بن أنيس الجهني أن رسول الله " ص " قال : أريت ليلة القدر ثم أنسيتها وأراني صبحها أسجد في ماء وطين. قال : فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين ، فصلى بنا رسول الله " ص " فانصرف وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه قال : وكان عبد الله بن أنيس يقول : ثلاث وعشرين أكثر ظنه بليلة القدر (٢).

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٨٢٥ ، والبخاري في صحيحه. ٢ / ٢٥٦.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٨٢٧.

٥٣٠

ورواه الحميدي أيضا في مسند أبي نصير نحو ذلك.

(قال عبد المحمود) : فهلا كان لهاتين الليلتين أسوة بإحدى الليالي التي عظموها وجعلوا ليلة القدر فيها.

ومن طريف ما غيروا من سنة نبيهم ما ذكره الحميدي في كتابه في مسند أبي سعيد الخدري في الحديث السابع والثلاثين من المتفق عليه إن النبي " ص " كان يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى ، فأول شئ يبدأ به الصلاة ، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم ، فإن كان يريد أن يقطع بعثا قطعه أو يأمر بشئ أمر به ثم ينصرف ، قال أبو سعيد : فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر ، فلما أتينا المصلى إذا منبر قد بناه كثير بن الصلت فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي فجذبت بثوبه فجذبني فارتفع فخطب قبل الصلاة ، فقلت له : غيرتم والله. فقال : أبا سعيد قد ذهب ما تعلم. فقلت : ما أعلم والله خير مما لا أعلم فقال إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة (١).

(قال عبد المحمود) : أنظر إلى مثل هذه السنة المشهورة بينهم كيف غيروها في تحصيل دنيا طلبوها ، ولم ينكر من الحاضرين غير أبي سعيد أما هذا من الضلال الوكيد؟.

في لبسهم الخواتيم في اليد اليسار

ومن طريف ما سمعت ورأيت أن جماعة من المسلمين يلبسون خواتيمهم في اليد اليسار وهو خلاف ما ذكروه من الشرع والاعتبار ، أما شرعهم فقد

__________________

(١) رواه البخاري في صحيحه : ٢ / ٤ ، ومسلم في صحيحه : ٢ / ٦٠٥.

٥٣١

روى الترمذي والسجستاني وابن ماجة وأحمد بن حنبل وأبو يعلى الموصلي ومسلم والبخاري والسلمي والبيهقي ومحمد بن يحيى عن مشائخهم إلى علي ابن أبي طالب عليه السلام وزين العابدين وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله الأنصاري وأنس بن مالك وأبو أمامة وعائشة وابن شهاب والضحاك وعكرمة ومجاهد وهشام بن سعد وأبي رافع وهشام بن عروة وعروة بن الزبير وجعفر بن الزبير ونافع في روايات مختلفات ومؤتلفات إن نبيهم كان يتختم في يمينه وتوفي والخاتم في يمينه ونهى عن لبسه في اليسار.

فمن الروايات في ذلك ما ذكره الحميدي في مسند. أنس بن مالك في الحديث السادس عشر من المتفق عليه قال : إن رسول الله " ص " لبس خاتم فضة في يمينه فيه فص حبشي كان يجعل فصه مما يلي كفه (١).

ومن ذلك ما رواه الحميدي في كتابه أيضا في مسند عبد الله بن عمر في الحديث الثالث والتسعين من المتفق عليه قال : إن النبي " ص " كان خاتمه في يمينه.

ومن ذلك ما رواه الجاحظ في نقوش الخواتيم أن ثلاثين نفرا منهم أحد وعشرين نفسا أنبياء وتسعة من الأوصياء والأئمة المختلف في نبوتهم كانوا جميعا يلبسون الخواتيم في اليمين ، وقد ذكر أسماءهم من جملتهم نبيهم محمد صلى الله عليه وآله وعلي بن أبي طالب عليه السلام.

ومن ذلك ما ذكره أبو عبد الله السلامي في كتاب السيف قال : إن النبي " ص " والخلفاء الأربعة كانوا يتختمون في أيمانهم ، فنقلها معاوية إلى اليسار وأخذ الناس بذلك.

ومن ذلك ما ذكره الثعلبي في كتاب يتيمة الدهر أن عمرو بن العاص غير

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٦٥٨.

٥٣٢

الخاتم من يمينه إلى شماله ، فاقتدى العامة به إلى يومنا هذا. وذكر غير الثعلبي في ذلك شعرا:

سن التختم في اليمين محمد

للقائلين بدعوة الإخلاص

وسعى ابن هند في إزالة رسمه

وأعانه في ذلك ابن العاص

 (قال عبد المحمود) : أنظر كيف درست سنة نبيهم وتركها أكثرهم عمدا أو جهلا وصار الاقتداء بعمرو بن العاص ومعاوية ، إن هذا من الأمور المنكرة الواهية.

وأما الاعتبار فلأن الصواب في لبس الخواتيم في اليمين لأن اليسار محل استعمال الأقذار والغائط والنجاسات ، فلا يؤمن أن يتخلف في غصون الخاتم إذا كان في اليسار شئ من النجاسات فيمنع من طهارة موضع الغائط أو طهارة اليد والأسنان ، ولأن غالب العادة أن يكون في الخاتم اسم الله أو اسم بعض الأنبياء وفي تركه يصيب النجاسة وهو خطر عظيم ، ومنكر في خلفه كلما أراد الاستنجاء عناء ومشقة.

في مخالطتهم أهل الذمة وقولهم إنهم طاهرون

ومن طريف ما رأيت من المناقضة لهم أو لأكثرهم أنهم يخالطون أهل الذمة ويقولون إنهم طاهرون وقد رووا في كتبهم الصحاح خلاف ذلك.

فمن ذلك ما ذكره الحميدي في كتابه في مسند أبي ثعلبة الخشني قال : أتيت رسول الله " ص " فقلت : يا رسول الله أنا بأرض قوم من أهل الكتاب نأكل في آنيتهم ، وبأرض صيد أصيد بقوسي وبكلبي الذي ليس بمعلم وبكلبي المعلم ، فما يصلح لي؟ قال : أما ما ذكرت يعني من آنية أهل الكتاب فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها وإن لم تجدوا فاغسلوا وكلوا فيها ، وما صدت

٥٣٣

بقوسك فذكرت اسم الله عليه فكل وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله عليه فكل وما صدت بكلبك غير معلم فأدركت ذكاته فكل (١).

(قال عبد المحمود) : فهذا تصريح من نبيهم بالمنع من الأكل في إناء أهل الذمة حتى تغسل ، وما رايتهم يعملون بذلك بل رأيت جماعة منهم يأكلون مع أهل الذمة في إناء واحد.

وأعجب من ذلك أن أهل الذمة لا يأكلون ذبائح المسلمين ، وأكثر المسلمين يأكلون ذبائح أهل الذمة ، وجماعة منهم يشترطون في إباحة الذبائح تسمية ربهم الذي بعث نبيهم محمدا " ص " ومن المعلوم أن أهل الذمة ما يوجبون التسمية على الذبائح وإن سموها فما يقصدون إلا الله الذي يبعث محمدا " ص " إلى العباد ، وفي ذلك ما فيه من المناقضة والتضاد.

في إباحة جماعة منهم اللعب بالنرد شير

ومن طرائف ما سمعت عن جماعة منهم إباحة اللعب بالنرد شير ومخالفتهم لنبيهم وأهل بيته في تحريم ذلك ، وقد رووا في صحاحهم تحريمه ، ورواه مسلم أيضا في صحيحه في المجلد الثالث بإسناده عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي " ص " قال : من لعب بالنرد شير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه.

ورواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند بريدة في الحديث الحادي عشر من أفراد مسلم (٢).

(قال عبد المحمود) : ألا ترى نبيهم كيف جعل اللعب بالنرد شير مثل صبغ اليد في لحم الخنزير ، وهو أعظم المحرمات ، فكيف صار بعد نبيهم عند أحد

__________________

(١) رواه البخاري في صحيحه : ٦ / ٢١٩ ، ومسلم في صحيحه : ٣ / ١٥٣٢.

(٢) مسلم في صحيحه : ٤ / ١٧٧٠.

٥٣٤

من أمته من جملة المباحات؟

في مقالاتهم في الوضوء والصلاة

ومن طرائف ما أقدم عليه كثير من المسلمين مخالفتهم لصريح ما تضمنه كتابهم في صفة الوضوء ، فإنه قال " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين " (١) وهذا كلام محكم واضح لا يشتبه على من له عقل راجح ، أن الوجه واليدين تغسلان والرأس والقدمين تمسحان ، وقد رووا أن هذا يرويه عن نبيهم محمد " ص " جماعة من الصحابة وغيرهم منهم عبد الله بن عباس وأنس بن مالك وعكرمة وأبو العالية والشعبي ، وأما عترة نبيهم الذين أمروا بالتمسك بهم ولا يفارقونهم وإنهم لا يفارقون كتابه إلى يوم القيامة فإني تحققت أنهم مجمعون على أن الوضوء على الصفة التي تضمنها صريح كتابهم ، فأقدم جماعة من المسلمين على ترك العمل بذلك وجعلوا مسح الأرجل في الوضوء بدعة وحراما وأوجبوا غسلها وهو مما لا يجر لهم في كتابهم ذكر ، وتأولوا تأويلات ضعيفة ورووا روايات سخيفة.

وليتهم قالوا إن هذه الآية منسوخة فكان يكون لهم بعض العدل ، ولكن قد اتفق المسلمون كافة على أنها غير منسوخة فصار العدول إلى غسل الأرجل في الوضوء مع أنها غير منسوخة من قبيح مكابراتهم وعظيم مناقضاتهم وتكذيبا لما رووه وصححوه من كون عترة نبيهم لا يفارقون كتاب ربهم.

ومن طرائف ما رأيت من اختلاف مقالاتهم ورواياتهم أنهم ينكرون على

__________________

(١) المائدة : ٦.

٥٣٥

من يعدل عن الوضوء بعد الغسل للجنابة وقد ذكر أحمد بن حنبل في مسنده قال : إن النبي " ص " كان لا يتوضأ بعد الغسل. وقد روى صاحب كتاب الحلية قال : إن النبي " ص " قال : من توضأ بعد الغسل فليس منا. وذكر ذلك أيضا أبو داود السجستاني في صحيحه.

ومن طريف ما سمعت ووقفت عليه إن أبا داود السجستاني وابن ماجة ذكروا في كتاب السنن أن النبي " ص " قد هم بالبوق وأمر بالناقوس فرأى عبد الله بن زيد في المنام فعلمه رجل عليه ثوبان أخضران الأذان (١).

(قال عبد المحمود) : كيف جاز نقل مثل هذا الحديث وتصديقه مع ما تضمنه كتابهم " وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى " وما كان عبد الله بن زيد ممن يدعي أنه يوحى إليه ولا يجيزون أن يأتيه الوحي لنبيهم على لسان عبد الله ، ولا ريب الأذان من جملة شريعتهم فكيف ثبتت الشريعة بمنام بعض أصحاب نبيهم؟ إن هذا من جملة الاضلال الذي لا يجوز تصديقه لأهل الكمال ، وقد رووا في كتبهم ضد ما قالوه وتصديق ما أنكروه.

فمن ذلك ما ذكره الحميدي في كتابه في مسند أنس بن مالك في الحديث الخامس والستين من المتفق عليه قال : لما كثر الناس وذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشئ يعرفونه ، فذكروا أن يوروا نارا أو يضربوا ناقوسا ، فأمر بلال أن يشفع الأذان وأن يؤتر الإقامة (٢).

وذكروا في تفسير قوله تعالى " يا أيها المدثر * قم فأنذر " فقالوا : إن جبرئيل عليه السلام جاء إلى النبي " ص " في مبدأ الأمر فقال : يا أيها المدثر قم فأنذر ، فقام وجعل يؤذن والإصبع في أذنه.

__________________

(١) السجستاني في سننه : ١ / ١٣٤.

(٢) رواه البخاري في صحيحه : ١ / ١٥٠ ، ومسلم في صحيحه : ١ / ٢٨٦.

٥٣٦

فهل ترى في حديث الحميدي أن نبيهم أمر بالناقوس كما قال أبو داود؟ وهل ترى لعبد الله بن زيد حديثا أو أصلا في الأذان؟ إن هذه الأقوال منهم طريفة عند أهل الأديان.

ومن طرائف ما عرفت أن جماعة كثيرة من المسلمين منهم أبو حنيفة ومالك والأوزاعي وداود وأصحابهم يسقطون بسم الله الرحمن الرحيم من السورة التي يسمونها فاتحة الكتاب ، وقد تضمنت مصاحفهم إن هذه البسملة من جملة السورة وشهدت بذلك محفوظاتهم لقرائتهم وتلاوتهم لهذه السورة ، ونقلهم لها خلفا عن سلف بل نقل المسلمون كافة ذلك ، فكيف كانت آية من سورة الفاتحة في المصاحف والأفواه وبين الرواة ولم تكن آية من السورة في قراءة الصلاة؟

إن ذلك من المتناقضات المتظاهرة وخلاف أخبارهم المتواترة ، وقد رووا في كتبهم الصحاح عن نبيهم وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة وبسم الله الرحمن الرحيم منها ، فكيف يجوز مع ذلك العدول عنها؟

فمن ذلك ما ذكره الحميدي في مسند عبادة بن الصامت في الحديث الثالث من المتفق عليه أن النبي " ص " قال : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (١).

ومن ذلك في كتاب الجمع بين الصحيحين للحميدي أيضا في مسند أبي هريرة في الحديث السابع والثلاثين بعد المائة من أفراد مسلم قال : قال رسول الله " ص " : من صلى صلاة يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج ـ يقولها ثلاثا (٢).

ومن طرائف أمورهم إنكار جماعة منهم على من ترك قول ربنا ولك الحمد عند رفع رأسه من الركوع ويقول سمع الله لمن حمده.

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٢٩٥ ، والبخاري في صحيحه : ١ / ١٨٤.

(٢) مسلم في صحيحه : ١ / ٢٩٧.

٥٣٧

وقد روى الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند البراء بن عازب في الحديث الثاني قال : كنا نصلي خلف النبي " ص " فإذا قال : سمع الله لمن حمده لم يحن أحد منا ظهره حتى يضع النبي جبهته على الأرض (١).

وروى الحميدي في الكتاب المذكور في مسند أبي هريرة في الحديث الثاني والخمسين من المتفق عليه قال : إن النبي " ص " كان يقول سمع الله لمن حمده ويدعو لقوم ويدعو على آخرين (٢).

وروى أبو داود في صحيحه نحو ذلك.

(قال عبد المحمود) : فهلا جعلوا هذين الروايتين الصحيحتين عندهم وأمثالهما عذرا لمن يقتدي بنبيهم ويقصر على قول سمع الله لمن حمده ويترك قول ربنا ولك الحمد ، لا سيما وكتابهم ينطق " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ".

ومن طرائف ما رأيت منهم تشديد جماعة من المسلمين في الأمر بوضع اليمين على الشمال في حال القيام في الصلاة ، وينكرون على فرقة يسمونها الرافضة ترك ذلك غاية الانكار.

(قال عبد المحمود) : وما رأيت الانكار منهم لذلك في موضعه لأني سألت علماء هذه الفرقة المسماة بالرافضة ، فذكروا أنهم يروون أخبارا متواترة عن نبيهم وعن عترته أن المصلي لا يجوز أن يضع يمينه على شماله ولا إحدى يديه على الآخر حال في حال الصلاة ، قالوا فامتثلنا قول نبينا واتبعنا عترته الذين شهد المسلمون كافة أنهم لا يفارقون كتابه ، وما كان يجب أن يكون لنا أسوة لمن تبع الشافعي أو أحد الأئمة الأربعة المذاهب ، قالوا وقد حكى الطحاوي في كتاب

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٣٤٥ ، والبخاري في صحيحه : ١ / ١٩٧.

(٢) رواه البخاري في صحيحه : ١ / ١٩٤.

٥٣٨

اختلاف الفقهاء عن مالك إن وضع اليدين إحداهما على الأخرى إنما تفعل في صلاة النوافل من طول القيام وتركه أحب إلي ، وحكى الطحاوي عن الليث ابن سعد أنه قال : شد اليدين في الصلاة أحب إلي إلا أن يطول القيام ويتعب فلا بأس بوضع اليمين على اليسرى.

مع أن الشافعي وأبا حنيفة وسفيان وأحمد حنبل وأبا ثور وداود يذهبون إلى أن وضع اليمين على اليسار في الصلاة مستحب ، وفي إحدى الروايتين عن مالك لا يفعل ذلك في الفريضة كما تقدم وإنما يفعل ذلك في النافلة إذا طالت وأعيى من القيام للاستراحة.

(قال عبد المحمود) : فهذا قول جماعة من أئمتهم فأي ذم يتوجه على من أنكروا عليه ترك وضع اليمين على الشمال ، لولا قلة الإنصاف في كثير من الأقوال والأفعال ، وهب أنه مستحب فهل يستحق الذم بترك المستحب؟ وما أراهم ينكرون على أصحاب مالك إذ لم يضعوا اليمين على الشمال ، فهلا كان لهذه الفرقة أسوة بهم في هذه الحال.

ومن طرائف ما رأيت منهم أيضا تعظيمهم لترك قول آمين في الصلاة بعد قراءة السورة التي يسمونها الفاتحة ، ورأيت كتبهم تتضمن أنها مستحبة ومندوبة فأي إنكار أو قبيح يتوجه على من ترك المندوب لولا العداوة وعمى القلوب ، وذكروا في إحدى الروايتين عن مالك أن الإمام لا يقول آمين أصلا ، وقد سألت جماعة من الشيعة الذين يتركون قول آمين عقيب قراءة الحمد ، فذكروا أنها ليست من جملة القرآن ولا التسبيح ولا عذر لهم في قولهم إن معناها الدعاء ، لأنهم لا يشترطون فيها ما يشترطون في الدعاء من القصد وحضور القلب بل يقولون أنه يقولها سواء كان داعيا في قراءة أو تاركا لقصد الدعاء وأوقفني التاركون لقول آمين في الصلاة على أخبار كثيرة قد نقلوها عن عترة نبيهم بأن قول آمين

٥٣٩

في الصلاة بعد قراءة الحمد تبطل الصلاة ، وذكرت العترة الذين هم أعرف بحال نبيهم أنه ما فعل ذلك بل منع منه ، فرأيت عذر هذه الفرقة واضحا على مذهب المسلمين وأنه لا يجوز العدول عنه.

ومن طرائف اختلاف رواياتهم ومقالاتهم كونهم يجعلون القنوت في الصلاة بعد الركوع، وقد رووا في صحاحهم أنه قبل الركوع.

فمن ذلك ما ذكره الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند أنس بن مالك في الحديث التاسع والثلاثين من المتفق عليه قال : إن النبي صلى الله عليه وآله بعث سبعين رجلا لحاجة يقال لهم القراء ، فعرض لهم حيان ابن سليمان ورعل وذكوان عند بئر يقال لها بئر معونة ، فقال القوم : والله إياكم ما أردنا إنما نحن مجتازين في حاجة النبي فقتلوهم فدعا النبي عليهم شهرا في صلاة الغداة وذلك بدو القنوت وما كنا نقنت ، قال عبد العزيز : فسأل رجل إنسانا عن القنوت بعد الركوع أو عند الفراغ من القراءة فقال : لا بل عند فراغ القراءة.

ومن طرائف ما رأيت إنكار بعض المسلمين على بعضهم السجود في الصلاة على سجادة صغيرة تعمل من سعف النخل وتشديدهم في إنكار ذلك ، وقد رأيت في كتبهم الصحاح عندهم أن نبيهم فعل ذلك وكتابهم يتضمن " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ".

فمن ذلك ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند ميمونة بنت الحارث الهلالية في الحديث الثالث من المتفق عليه وهي من أزواج نبيهم المشكورات بلا خلاف بينهم قالت : كنت حائضا لا أصلي وأنا مفترشة بحذاء مسجد رسول الله " ص " وهو يصلي على خمرته (٢).

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٤٦٨ ، والبخاري في صحيحه : ٢ / ١٤.

(٢) رواه البخاري في صحيحه : ١ / ٨٥.

٥٤٠