الطّرائف في معرفة مذاهب الطوائف

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

الطّرائف في معرفة مذاهب الطوائف

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


الموضوع : الفرق والمذاهب
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٣

البدعة وتحريمهم لما أباحه نبيهم وإنكارهم لما كان جائزا في زمن نبيهم وزمن أبي بكر ، إن إقدام هؤلاء على المجاهرة بذلك عجيب ما سمعناه وعرفناه.

نهى عمر عن متعة الحج

ومن طرائف ما شهدوا به أيضا على خليفتهم عمر أنه قد غير من شريعة نبيهم أنه نهى عن متعة الحج أيضا ثم تابعه كثير منهم على ذلك.

فمن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند أبي موسى الأشعري إبراهيم بن أبي موسى إن أباه كان يفتي بالمتعة فقال له : رويدك ببعض فتياك فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعد فلقيه بعد فسأله فقال عمر : إن النبي " ص " قد فعله وأصحابه ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن في الأراك ثم يروحون في الحج تقطر رؤوسهم (١).

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين أيضا في مسند عمران بن حصين في متعة النساء قال : أنزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله ولم ينزل قرآن يحرمه ولم ينه عنها رسول الله " ص " حتى مات قال رجل برأيه ما شاء ، قال البخاري في صحيحه في المجلد الثاني من ثلاث المجلدات ما هذا لفظه : يعني إنه عمر ولم يقل يقال إنه عمر (٢).

(قال عبد المحمود) : ألا تعجب أيها العاقل من إقدام هذا عمر خليفتهم على تغيير شريعة نبيهم ، وأنه يعتقد رأيه وتدبيره أصلح من تدبير الله ورسوله أتراه ما يعلم أن الله كان يعلم أن المسلمين يظلوا بنسائهم معرسين في الأراك؟

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٨٩٦.

(٢) البخاري في صحيحه ٢ / ١٥٣ ، ومسلم في صحيحه : ٢ / ٨٩٨.

٤٦١

فإذا كان الله علم ذلك وأمر بمتعة الحج فكيف كره عمر ما أنزل الله؟ أما يقرؤون في كتابهم " وكرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم " (١).

وكيف يجوز الاقتداء بقوم هذا مقدار عقولهم ومقدار أماناتهم في رواياتهم وشريعتهم؟ وقد روى أعيان أهل البيت الذين أمر نبيهم بالتمسك بهم أن نبيهم أمر بمتعة الحج وعملها المسلمون في حياته وبعد وفاته حتى نهى عمر عنها ، وقد روى ذلك أيضا خلق كثير من الصحابة.

فمن ذلك ما رواه الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند جابر ابن عبد الله في الحديث الخامس والعشرين من المتفق عليه على صحته. ومن ذلك ما رواه الحميدي في كتابه المذكور في الحديث التاسع والثمانين من مسند جابر من أفراد مسلم.

وروى الحميدي أيضا في مسند أبي سعيد الخدري في الحديث الثالث والثلاثين من أفراد مسلم.

وروى الحميدي أيضا من مسند أسماء بنت عميس في الحديث الرابع عشر من المتفق عليه.

ورواه أيضا الحميدي في مسند عبد الله بن عمر في الحديث السابع والعشرين بعد المائة من المتفق عليه.

ورواه الحميدي أيضا في مسند عبد الله بن عباس في الحديث السادس والثلاثين ، ورواه أيضا في مسند عائشة.

(قال عبد المحمود) مؤلف هذا الكتاب : فلم يلتفت عمر ولا أتباعه إلى ما تضمنه كتاب ربهم في متعة الحج ولا إلى شريعة نبيهم ولا إلى شهادة هؤلاء الصحابة الرواة لحديث متعة الحج ، وجميعهم قد صرح ونقل ذلك عن نبيهم في عدة مجالس ونقله غيرهم على جهة التواتر ، ونسخوا بقول عمر شريعة

__________________

(١) محمد : ٩.

٤٦٢

نبيهم وكتاب ربهم وصار التمتع بالحج عند كثير منهم منكرا ومستنكرا ، وتركوا ما يقرؤونه في كتابهم " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ".

تغيير عمر طلاق الثلاث

ومن طرائف ما شهدوا به أيضا على خليفتهم عمر من تغييره لشريعة نبيهم وزيادته فيه ما لم يأمر به ربهم ولا رسولهم ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين من عدة طرق من مسند عبد الله بن عباس فمنها في الحديث الرابع من أفراد مسلم قال : كان الطلاق على عهد رسول الله " ص " وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر بن الخطاب : إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم (١).

ورواه أيضا الحميدي من غير مسند عبد الله بن عباس من عدة طرق.

(قال عبد المحمود) : أترى عمر كان يعتقد أن الله ما كان عالما إن الناس يستعجلون في أمر يكون لهم أناة ، فإن كان عمر يعلم أن الله كان عالما بذلك وما جعل الثلاث التطليقات إلا واحدة فكيف استجاز عمر لعقله ودينه وشريعة نبيه أن يزيد في الشريعة ما لم يرده الله ورسوله؟ وكيف جعل اختياره وتدبيره للأمة أصلح من اختيار الله ورسوله وتدبيرهما؟ وكيف رضى أتباعه عنه بذلك؟ وإن كان عمر علم أن الله ما كان عالما بذلك ولا عرف الله ولا رسوله المصلحة التي عرفها عمر في لزوم الطلاق الثلاث فحسب المسلمين بذلك عارا وشنارا أن يكون خليفتهم بهذه الصفات ، لقد شمت بهم والله أهل العقول والديانات.

__________________

(١) مسلم في صحيحه : ٢ / ١٠٩٩ ، ورواه أحمد بن حنبل في مسنده : ١ / ٣١٤.

٤٦٣

نهى عمر عن الصلاة لمن أجنب ولم يجد ماء

ومن طرائف ما شهدوا به أيضا على خليفتهم عمر من تغييره لشريعة نبيهم وجهله بها ما ذكره الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند عمار بن ياسر في الحديث الثاني من المتفق عليه قال : إن رجلا أتى عمر فقال : إني أجنبت فلم أجد ماءا. فقال : لا تصل فقال عمار : أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء ، فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت. فقال النبي " ص " : إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك فقال عمر : اتق الله يا عمار قال : إن شئت لم أحدث به ، فقال عمر : نوليك ما توليت (١).

(قال عبد المحمود) : فهذه خليفتهم عمر قد عاشر نبيهم وخالطه كثيرا من نبوته في حياته وبقي مدة بعد وفاته إلى أن صار يخاطب بأمير المؤمنين ، ومع هذا فلم يكن يعلم أن من فقد الماء للطهارة يتيمم بالتراب ، وقد كان الحكم في ذلك مشهورا في كتابهم في قوله " فإن لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا " (٢) وكان معلوما في شريعة نبيهم يعرفه أوليائهم وأعدائهم ولعل نساء أهل المدينة وكثيرا من أطفالهم يعرفون ذلك من شريعة الإسلام ، فكيف بلغ الجهل بخليفتهم عمر إلى هذه الغاية؟ وكيف حسن منهم أن يستصلحوا لخلافتهم من يكون كذلك؟.

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٢٨٠ ، والبخاري في صحيحه ١ / ٨٧.

(٢) النساء : ٤٣.

٤٦٤

معارضة عمر للنبي " ص " في قسمة الأموال

ومن طرائف ما صححوا عن خليفتهم عمر ورووه في صحاحهم ، وقد رواه مسلم في المجلد الثاني من صحيحه بإسناده إلى سلمان بن ربيعة قال : قال عمر بن الخطاب : قسم رسول الله " ص " قسما فقلت : والله يا رسول الله لغير هؤلاء كان أحق به منهم فقال : إنهم خيروني بين أن يسئلوني بالفحش أو يبخلوني فلست بباخل (١).

(قال عبد المحمود) : أكان يحسن من قوم يعتقدون في خليفتهم عمر مثل اعتقادهم ثم يروون عنه أنه يعارض نبيهم في قسمة الأموال ووجوه استحقاق أهلها وهو لا يعلم أسرار الله ولا أسرار رسوله في ذلك ، ويشهد المعقول والمنقول إن الأنبياء أعرف بقسمة الأموال والأحكام من رعاياهم ، وخاصة نبيهم فإن كتابهم يتضمن " وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ".

ثم ما كفى لعمر المعارضة لنبيهم والطعن في أمانته وقسمته ونبوته حتى يحلف على ذلك بالله فهلا كان عمر قد سأل نبيهم عن القسمة سؤالا واستعلم منه وجه المصلحة في ذلك ، إن هذا الذي قد صححوه عن خليفتهم عمر مما يكثر التعجب منه ومنهم كيف صححوا ذلك عنه.

قول رسول الله صلى الله عليه وآله

إن لعمر وأصحابه هجرة ولأهل السفينة هجرتان

ومن طرائف ما صححوا عن خليفتهم عمر أيضا وذكروه في صحاحهم

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ٧٣٠.

٤٦٥

وقد رواه مسلم في النصف الثاني من المجلد الثالث من صحيحه بإسناده إلى أبي موسى الأشعري قال : دخل عمر على حفصة وأسماء عندها فقال عمر حين رأى أسماء : من هذه؟ قالت : أسماء بنت عميس قال عمر : الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟ فقالت أسماء : نعم. فقال عمر : سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله " ص " منكم ، فغضبت وقالت كلمة : كذبت يا عمر كلا والله كنتم مع رسول الله " ص " يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم ، وكنا في دار أو أرض البعداء البغضاء في الحبشة ، وذلك في الله وفي رسوله وأيم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله ، ونحن كنا نؤذي ونخاف وسأذكر ذلك لرسول الله وأساله ، والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك قال : فلما جاء النبي قالت: يا نبي الله أن عمر قال كذا وكذا فقال رسول الله " ص " ليس بأحق بي منكم ، له ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان ، هذا المراد من الحديث قد نقلناه بألفاظه (١).

(قال عبد المحمود) : أي ضرورة كانت لهم إلى إيراد مثل هذا الحديث وتصحيحه وهو يتضمن عن خليفتهم عمر أشياء منكرة ما كان لهم حاجة إلى إيرادها.

فمن ذلك أن عمر ادعى المعرفة بالتفاضل في الهجرة وكان ذلك مما يعلمه الله ورسوله، وما كان يحسن منه التهجم بمنازعة الله في أمر قد أظهر رسول الله " ص " خطأ عمر فيه.

ومن ذلك أن الهجرة والتفاضل فيها يرجع إلى قصد الإنسان بالهجرة ، كما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث السادس عشر من المتفق عليه من مسند عمر بن الخطاب قال ما هذا لفظه : سمعت رسول الله " ص " يقول :

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ١٩٤٦ و ١٩٤٧.

٤٦٦

إنما الأعمال بالنية ـ وفي رواية بالنيات ـ وإنما لكل امرء ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو أمره يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه ، هذا آخر الحديث (١) فمن أين لعمر علم بقصد المهاجرين إلى الحبشة حتى يقدم نفسه عليهم.

ومن ذلك أن النبي " ص " جعل هجرة امرأة أفضل من هجرته. ومن ذلك تنبيه أسماء على أن عمر أنما تبع نبيهم طمعا في الدنيا ليطعمه من الجوع كما قالت.

ومن ذلك أنه إذا كان أصحاب السفينة أحق برسول الله " ص " من عمر فبما ذا تقدم عليهم أبو بكر وعمر في الخلافة.

ومن ذلك أن يكون امرأة أحق برسول الله منه وليس للمرأة مقام الخلافة على المسلمين ، فينبغي أن يكون أبو بكر وعمر دونها في أنه لا تحل خلافتهم ، وهذا كله مما يلزمهم لتصحيحهم لهذا الحديث.

سابقة عمر قبل الإسلام

ومن طرائف ما رووه في كتبهم المعتبرة الصحاح ، وقد ذكره ابن عبد ربه في كتاب العقد في المجلد الأول في حديث استعمال عمر بن الخطاب لعمرو ابن العاص في بعض ولآياته قال : فقال عمرو بن العاص ما هذا لفظه وعمرو بن العاص ممن لا يتهم بنقله في حق عمر ، قبح الله زمانا عمل فيه عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب : والله إني لأعرف الخطاب يحمل على رأسه حزمة من حطب وعلى ابنه مثلها وما ثمنها إلا في تمرة لا تبلغ رضيعة.

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٥١٥ ، والبخاري في صحيحه : ١ / ١.

٤٦٧

وذكر مؤلف كتاب نهاية الطلب الحنبلي المقدم ذكره أن عمر بن الخطاب كان قبل الإسلام نخاس الحمير.

(قال عبد المحمود) : أنظر رحمك الله إلى ما قد وصفوا به منزلة خليفتهم عمر وما كان عليه الرذالة والدنائة وسياسة الحمير ، فكيف يعدل هو وأبو بكر وأتباعهما عن بني هاشم ملوك الجاهلية والإسلام؟ واختاروا عمر وهذه حاله على ما شهدوا به عليه؟ ثم انظر كيف كان خلاص عمر من حمل الحطب وعرى الجسد ونخس الحمير بطريق نبيهم محمد " ص " بعد وفاته ، ثم تفكر فيما كان يجبهه به في حياته من سوء المعاملة وقبح الصحبة ، وما جازى به أهل بيت نبيهم بعد وفاته ، ففي ذلك عجائب لذوي الألباب يعرف منها حقايق ما جرى عليهم من التعصب في الأسباب.

ومن ذلك ما ذكره ابن عبد ربه في المجلد الثاني من كتاب العقد قال : وخرج عمر بن الخطاب ويده على المعلى بن جارود ، فلقيته امرأة من قريش فقالت : يا عمر! فوقف لها فقالت : كنا نعرفك مرة عميرا ثم صرت من بعد عمير عمر ، ثم صرت من بعد عمر أمير المؤمنين ، فاتق الله يا بن الخطاب وانظر في أمورك وأمور الناس ، فإنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد ومن خاف الموت خشي الفوت (١).

ومن طرائف ما قبحوا به ذكر خليفتهم عمر أنهم ذكروا عنه إن الله تعالى فرض في المواريث ما لا يقوم المال الموروث به ، وطرقوا للزنادقة والملحدين الطعن على الله والرسول ، وشهدوا أن عمر كان سبب ذلك وسموها مسألة العول.

وقد ذكر أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل : أول من فعل هذا وأحدث

__________________

(١) نقله العسقلاني في الإصابة : ٤ / ٢٩٠ ، وابن عبد البر في الإستيعاب : ٤ / ٢٩١.

٤٦٨

هذه المسألة عمر بن الخطاب ، ورووه في غير كتاب الأوائل بما هذا لفظه : عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن مسعود أنه قال : التقيت أنا وزفر بن أويس النظري فقلنا نمضي إلى ابن عباس فمضينا يحدثنا فكان مما تحدث قال : سبحان الله الذي أحصى رمل عالج عددا جعل في المال نصفا ونصفا وثلثا ذهب النقصان بالمال فأين الثلث إنما جعل نصفا ونصفا وأثلاثا وأرباعا ، وأيم الله لو قدموا من قدمه الله وأخروا من أخره ما عالت الفريضة قط قلت : من الذي قدمه الله ومن الذي أخره الله؟ قال : الذي أهبط الله من فرض إلى فرض فهو الذي قدمه ، ومن أهبطه من فرض إلى ما بقي فهو الذي أخره الله فقلت : من أول من أعال الفرائض قال : عمر بن الخطاب.

(قال عبد المحمود) : كيف حسن رضاهم بخليفة يشهدون عليه أنه بلغ من النقصان وعدم علم القرآن والطعن على الله ورسوله إلى هذه الغايات ، ليتهم أما ما كانوا رضوه أو حيث رضوه أسقطوا عنه مثل هذه الروايات.

ومن طريف ما بلغوا إليه من القدح في أصل خليفتهم ، وإن جدته صهاك الحبشية ولدته من سفاح يعني من زنا ، ثم يروون أن ولد الزنا لا ينجب ، ثم مع هذا التناقض يدعون أنه أنجب ويكذبون أنفسهم ولو عقلوا لاستقبحوا أن يولوا خليفة ، ثم شهدوا أنه ولد الزنا.

فمن روايتهم في ذلك ما ذكره أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي وهو من رجالهم في كتاب المثالب فقال ما هذا لفظه في عدد جملة من ولدوا من سفاح : روى هشام عن أبيه قال : كانت صهاك أمة حبشية لهاشم بن عبد مناف ثم وقع عليها عبد العزى بن رياح فجاءت بنفيل جد عمر بن الخطاب.

فهل بلغت الشيعة أقبح من هذه الأسباب.

ومن طرائف ما قصدوا به مدح عمر بن الخطاب وحصلوا في ذمه ما ذكره

٤٦٩

صاحب إحياء علوم الدين الغزالي في الجزء الأول من الإحياء في الفصل الرابع من قواعد العقايد في الوجه الثالث من الفصل المذكور في أواخره فقال ما هذا لفظه : حتى كان عمر بن الخطاب يسأل حذيفة عن نفسه وإنه هل ذكر في المنافقين (١).

(قال عبد المحمود) : هذا شئ عجيب لأن حذيفة كان صاحب سر رسول الله " ص " في المنافقين والكفار ، كذا روى رواتهم ونقلة الأخبار فسؤال عمر هل ذكره رسول الله " ص " فيهم من عجيبات المسائل ، لأنه إن كان ذكره رسولهم في المنافقين وهو يعلم من نفسه ذلك فلا معنى للسؤال.

على أنه يقال لولا أنه يعلم من نفسه ما يليق بهذه الحال ما سأل عنها ، فرأيت في موضع آخر أن حذيفة قال له : أنت أعلم بنفسك. ولو كان حذيفة يعلم أنه ما هو منهم قال : لا ما أنت منهم لأنه خليفة يخاف ويرجى ، فتقية حذيفة تشهد له بالطعن عليه وقد كان مستغنيا بما أشار إليه.

ومن طرائف ذلك ما ذكره الغزالي أيضا في كتاب أسرار الطهارة فقال ما هذا لفظه : حتى أن عمر مع علو منصبة توضأ من ماء في جرة نصرانية (٢).

(قال عبد المحمود) : أي فضيلة في أن يكون عمر يتوضأ للصلاة من ماء أعداء الله ورسوله المشركين الذين أنجاس بمضمون كتابهم " إنما المشركون نجس " (٣) ولقد بلغ القوم في ذم خليفتهم عمر بغاية الاجتهاد وأراحوا أعداءهم من النقل والإيراد.

__________________

(١) إحياء علوم الدين : ١ / ١٢٤.

(٢) إحياء علوم الدين : ١ / ١٢٦.

(٣) التوبة : ٢٨.

٤٧٠

نهى عمر عن المغالاة في صداق النساء

ومن طرائف ما شهدوا به على خليفتهم عمر أيضا من الجهل بشريعة نبيهم وإقدامه على الفتوى بما لا يعلم وقلة مراقبته لربهم ولرسوله في ذلك ، ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في فصل منفرد في أواخر كتابه المذكور فقال : إن عمر بن الخطاب أمر على المنبر أن لا يزاد في مهور النساء على قدر ذكره فذكرته امرأة من جانب المسجد بقول الله تعالى " وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا " (١) فقال : كل الناس أعلم من عمر حتى النساء.

وذكر الزمخشري في كتاب الكشاف عن عمر أنه قام خطيبا فقال : أيها الناس لا تغالوا بصداق النساء ، فلو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله " ص " ، ما أصدق امرأة أكثر من اثني عشر أوقية ، فقامت إليه امرأة فقالت له : يا أمير المؤمنين لم تمنعنا حقا جعله الله لنا والله يقول " وآتيتم إحداهن قنطارا ". فقال عمر : كل أحد أعلم من عمر ، ثم قال لأصحابه تسمعونني أقول مثل هذا القول فلا تنكرونه علي حتى ترد علي امرأة ليست من أعلم النساء (٢).

(قال عبد المحمود) : ليت شعري أي فضيلة كانت لعمر في هذا الحديث حين يورده أولياؤه ويشهدوا بصحته وقد شهد على نفسه إن كل أحد أعلم منه حتى النساء ، ومثله في منزلته وخلافته لا يجوز أن على المنبر إلا ما كان

__________________

(١) النساء : ٢٠.

(٢) الكشاف : ١ / ٥١٤.

٤٧١

معتقدا له ، ولا ينسبونه إلى الإقدام على الكذب ، فكيف خفى عليه مع طول صحبته لنبيهم مثل هذه الآيات المشهورة في كتابهم.

ومن طريف ذلك إقدامه على الأمر بخلاف شريعتهم وجرأته على ذلك بمحضر المسلمين وعلى رؤس المنابر من غير فكر في عاقبته في دنيا أو آخرة ، وليتة حيث كان لا يعلم قد شاور قبل الأمر به واستعلم الحكم في ذلك ، أو ليته توقف عن هذه المحافل والمنابر التي لا تصلح أن يسلكها من يكون بهذه الصفات من قلة العلم وشدة الغفلات ، وكان قد أراح المسلمين من سوء السمعة بأن خليفتهم تقدم في التحليل والتحريم على ما لا يعلمه ويأمر ما لا يتحققه ، وقد تكرر في كتابهم " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " وفي موضع آخر " فأولئك هم الفاسقون " وفي موضع آخر فأولئك هم الظالمون ".

إن عمر أمر برجم امرأة ولدت لستة أشهر

ومن طرائف ما شهدوا به على خليفتهم عمر أيضا من إقدامه على قتل النفوس وتغيير شريعة نبيهم وتبديله لأحكامها ، ما ذكره الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في فصل منفرد في آخر الكتاب المذكور قال : إن عمر أمر برجم امرأة ولدت لستة أشهر ، فذكره علي عليه السلام قول الله تعالى " وحمله وفصاله ثلاثون شهرا " مع قوله " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين " فرجع عمر عن الأمر برجمها (١).

(قال عبد المحمود) : أنظر رحمك الله إلى عجلة هذا خليفتهم عمر بالأمر برجم هذه المرأة المظلومة عندهم واستحلاله لدمها وإشاعته لتقبيح ذكرها

__________________

(١) رواه البيهقي في سننه : ٧ / ٤٤٢ ، ومحب الطبري في الرياض : ٢ / ١٩٤. والآية الأحقاف : ١٥ ، والبقرة : ٢٣٣.

٤٧٢

وإساءة سمعتها ، وكتابهم يتضمن " إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة " (١) فكيف استجاز عمر لخلافته ودينه ومنزلته أن يقدم على الأمر بقتل النفس المحترمة قبل السؤال؟ وكيف يكون متدينا أو مأمونا من تقدم العجلة بهذه الأحوال ، ما أكثر التعجب من الاختلاط والاختلال.

أمر عمر برجم المجنونة

ومن طرائف ما شهدوا به أيضا على خليفتهم عمر ومخالفته للعقل والشرع وجهله بما لا يكاد يخفى على صبيان مدينة نبيهم ، ما ذكره أحمد بن حنبل في مسنده عن قتادة عن الحسن البصري أن عمر بن الخطاب أراد أن يرجم مجنونة فقال له علي عليه السلام : ما لك ذلك أما سمعت رسول الله " ص " يقول : رفع القلم عن ثلاثة نفر عن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يبرء ويعقل وعن الطفل حتى يحتلم (٢).

وذكر أحمد بن حنبل في مسنده عن سعيد بن المسيب قال : كان عمر يتعوذ من معضلة ليس بها أبو الحسن حاضرا يعني عليا عليه السلام.

(قال عبد المحمود) ، ليت شعري أي عقل دل لخليفتهم عمر على رجم المجنونة وعقوبتها وسفك دمها على أمر ما يعقله ولا جعل الله لها في حال جنونها طريقا إلى العلم به، وأي تكليف رأى المجانين قد كلفوا به في حال جنونهم يبيح قتل نفوسهم حتى يفتي بذلك ويقدم عليه ، وأي مصيبة حملت لهذا الرجل على العجلة بهذه الأمور الهائلة والخطايا الذاهلة، أما يعلم أي

__________________

(١) النور : ٢٣.

(٢) أحمد بن حنبل في مسنده : ١ / رجم المجنون ، والبخاري في صحيحه ٨ / ٢١.

٤٧٣

فضيحة قد جلب للإسلام وأي عار ألبس من أتبعه من المسلمين ، وأين حسن تدبير أمور الدنيا والدين؟ هكذا تكون الخلفاء والرؤساء؟ إن هذا مما يتعجب منه الرجال بل النساء.

مخالفة عمر للنبي " ص " في حد شارب الخمر

ومن طرائف ما شهدوا به أيضا على خليفتهم عمر من تغييره لشريعة نبيهم وقلة معرفته بمقام الأنبياء ، ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند أنس بن مالك في الحديث الحادي والتسعين من المتفق عليه قال : إن النبي " ص " ضرب في الخمر بالجريد والنعال وجلد أبو بكر أربعين ، وفي رواية ابن عبد ربه عن شعبة عن قتادة عن أنس أن النبي " ص " أتي برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين قال : وفعله أبو بكر فلما كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن : أخف الحدود ثمانين فأمر به عمر (١).

وذكر الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند السايب بن يزيد في الحديث الرابع من أفراد البخاري قال : كنا نؤتي بالشارب على عهد رسول الله " ص " وإمرة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا ، حتى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين (٢).

(قال عبد المحمود) : إذا كان الحد كما ذكروه في عهد نبيهم وأبي بكر أربعين فكيف استجاز عمر أن يجعله ثمانين؟ وكيف جاز أن يستشير في ذلك؟ وكيف أقدم عبد الرحمن على المشورة بخلاف سنة رسولهم وزمان أبي بكر؟

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٣٣٠ ، والبخاري في صحيحه : ٨ / ١٣.

(٢) البخاري في صحيحه : ٨ / ١٤.

٤٧٤

أهكذا يكون محل الأنبياء وشرايع الرسل أنها تغير بعدهم بالآراء والأهواء؟ إن هذا من عجايب الأشياء.

سؤال عمر عما قرأ به رسول الله " ص " في يوم عيد

ومن طرائف ما شهدوا به على خليفتهم عمر من جهله للأمور المشهورة من شريعة نبيهم ، ما ذكره الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين أيضا في مسند ابن أبي أوفى من أفراد مسلم عن أبي أوفى قال : سألني عمر بن الخطاب عما قرأ به رسول الله " ص " في يوم العيد فقلت : باقتربت الساعة وقاف والقرآن المجيد.

ومن مسند ابن أبي أوفى أيضا في كتاب الجمع بين الصحيحين في حديث مالك بن أنس عن ضمرة بن سعيد عن عبيد الله بن عبد الله أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي ما كان يقرء به رسول الله " ص " في الأضحى والفطر؟ فقال : كان يقرأ فيهما بقاف والقرآن المجيد واقتربت الساعة وانشق القمر (١).

(قال عبد المحمود) : ألا تعجب أيها العاقل من رجل قد صحب نبيهم مدة صلاته لعيد الأضحى والفطر ، قد كان يسمع قراءته أو يسمع من الناس لأنها من الصلوات الشائعة عندهم ، ومع ذلك فلم يحفظ الصلاة بصفتها ولم يحفظ اسم ما كان يقرء فيها ، وكان على هذه الجهالة بهذا المقدار اليسير كان يتلوه نبيهم على رؤوس الأشهاد مدة حياة نبيهم ومدة خلافة أبي بكر وإلى حين سأل في خلافته عن ذلك ، وقد شرح الحال غير الحميدي وإنما اقتصرت على رواية الحميدي خاصة ، ألا تعجب من قوم يرضون أن يكون خليفتهم على هذه الغفلة والجهالة ، إن ذلك من الضلال القبيح.

__________________

(١) مسلم في صحيحه : ٢ / ٦٠٧.

٤٧٥

اعتراف عمر بأنه كان مشغولا عن معرفة الشريعة

بالصفق بالأسواق

ومن طرائف ما رووه وشهدوا على خليفتهم عمر واعترافه بأنه كان مشغولا عن نبيهم وعن معرفة شريعته بالبيع والشراء ومطامع دار الفناء ، ما ذكره الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين أيضا في مسند أبي سعيد الخدري في الحديث الثامن والعشرين من المتفق عليه ما معناه : أن أبا موسى استأذن على عمر بن الخطاب ثلاث فلم يأذن له فانصرف فقال عمر: ما حملك على ما صنعت؟ قال : كنا نؤمر بهذا ، قال : لتقيمن على هذا بينة أو لأفعلن. فشهد له أبو سعيد الخدري بذلك عن النبي " ص " فقال عمر : خفى على هذا من أمر رسول الله ألهاني عنه الصفق بالأسواق (١).

(قال عبد المحمود) : أتراه ما كان يستحي من أبي موسى الأشعري أو من الله تعالى حيث يستعظم منه روايته صورة الإذن عن نبيهم ، وقد قال عمر عن نبيهم كثيرا من الأحكام بخلاف شريعته ولم يستعظم لنفسه ذلك ، وما هذا الاستعظام وقد قبلوا روايات أبي موسى وصححوها فهلا كان هذه الرواية أيضا يقتدي بغيره من الروايات ، ومن كان يعلم من نفسه أنه كان مشغولا عن نبيهم وعن شريعته بالبيع والشراء كيف يستبعد أن يعلم أبو موسى وغيره ما لم يعلم ، ومن كان يجهل أمورا مشهورة من شريعة نبيهم كما تقدم شهادتهم عليه كيف يستبعد جهله بصورة حال الإذن المذكور ، إن هذا من عجائب الأمور.

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٦٩٦ ، والبخاري في صحيحه : ٧ / ١٣٠.

٤٧٦

ذكرهم عن عمر أنه زاد في الأذان الصلاة خير من النوم

ومن طرائف ما تناقضت به الرواية خليفتهم عمر كونهم يذكرون عنه أنه زاد في الأذان الصلاة خير من النوم ، مع روايتهم لأخبار بخلاف ذلك ، فمن روايتهم في ذلك ما ذكره الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند عمر بن الخطاب عن حفص بن عاصم عن أبيه عن جده عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله " ص " : إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر أحدكم : الله أكبر الله أكبر ، ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، ثم قال : أشهد أن محمدا رسول الله قال : أشهد أن محمدا رسول الله ، ثم قال : حي على الصلاة قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال حي على الفلاح قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال : الله أكبر الله أكبر قال : الله أكبر الله أكبر ، ثم قال : لا إله إلا الله قال : لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة (١).

ومن ذلك ما ذكره الحميدي أيضا في كتاب الجمع بين الصحيحين في حديث أبي محذورة وسمرة بن مغيرة أن نبي الله " ص " علمه هذا الأذان : الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ، ثم يعود فيقول : أشهد أن لا إله إلا الله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة (مرتين) حي على الفلاح (مرتين) الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله (٢).

(قال عبد المحمود) مؤلف هذا الكتاب : فهل ترى في صفة الأذان عن

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٢٨٩.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٢٨٧.

٤٧٧

نبيهم الصلاة خير من النوم؟ فكيف استجاز عمر إن كان الرواية عنه في ذلك حقا أن يزيد في الأذان ما لم يزده الله ولا رسوله؟ وكيف قبل مسلم منه ذلك؟ وكيف استمر العمل به إلى الآن لولا ضعف العقول وقلة الأديان.

وقد رووا أن الشافعي قال في كتاب الأم : ولا أحب التثويب في الصبح ولا غيرها قال: لأن أبا محذروة لم يحك عن النبي أنه أمر بالتثويب فأكره الزيادة في الأذان وأكره التثويب بعده (١).

العلة التي من أجلها اندرس سنن النبي " ص "

ومن طرائف ما رأيت في سبب اندراس سنن نبيهم التي غيرها عمر وظهور سنن عمر ما ذكره بعض المسلمين العارفين بضلال من ضل منهم قال إن السب في ذلك ما تقدم بعض الدلالة على إيضاحه من تعصب كثير من المسلمين على أهل بيت النبي " ص " الذين تقدمت روايتهم في صحاحهم عن نبيهم أن أهل بيته لا يفارقون كتابه ، وأن التمسك بهم أمان من الضلال ، واطراح المتعصبين وأتباعهم للاقتداء بأهل بيت نبيهم ، وكون كثير من البلاد فتح في خلافة عمر ، وتلقن أصحاب تلك البلاد سنن عمر في خلافته من نوابه رهبة

ورغبة ، كما تلقنوا شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا رسول الله ، فنشأ عليهما الصغير ومات عليهما الكبير ، ولم يعتقد أصحاب البلاد التي فتحت أن عمر تقدم على تغيير شئ من سنن نبيهم ، ولا أن أحدا من المسلمين يوافقه على ذلك ، فاضل عمر نوابه التابعين له وأضل نوابه من تبعهم ، فما أقرب وصفهم يوم القيامة بما تضمنه كتابهم " إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة

__________________

(١) الأم ١ / ٧٣ ـ ٧٤ ط مصر.

٤٧٨

فنتبرء منهم كما تبرأوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار" (١).

اعترافات عمر على نفسه

ومن طرائف ما رووه وصححوه من اعتراف عمر خليفتهم وشهادته على نفسه بقبيح ما أحدثه بعد وفاة نبيهم ، ما ذكره الحميدي أيضا في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند أبي موسى الأشعري قال : قال أبو عامر بن موسى : قال لي عبد الله بن عمر هل تدري ما قال أبي لأبيك؟ قال : قلت : لا قال : قال فإن أبي قال لأبيك : يا أبا موسى هل يسرك أن إسلامنا مع رسول الله " ص " وهجرتنا معه وجهادنا معه وعملنا كله معه ويرد لنا كل عمل عملناه بعده ، نجونا منه كفافا رأسا برأس فقال أبوك لأبي : لا والله قد جاهدنا بعد رسول الله وصلينا وصمنا وعملنا خيرا كثيرا ، وأسلم على أيدينا بشر كثير وأنا أرجو ذلك. قال أبي : لكن أنا والذي نفس عمر بيده لوددت أن ذلك يرد لنا كل شئ عملناه وبعده نجونا منه كفافا رأس برأس. فقلت أنا : إن أباك والله كان خيرا من أبي.

ومن كتاب الجمع بين الصحيحين من مسند عبد الله بن عباس من جملة الحديث الأول من أفراد البخاري أنه لما طعن عمر بن الخطاب كان يتألم فقال له ابن عباس : ولا كل ذلك عمر بعد كلام : والله أما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك ، والله لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من عذاب الله قبل أن أراه. وقد رووا نحو هذا عنه في أحاديث كثيرة.

(قال عبد المحمود) : هل يقوم أحد من المسلمين المعتقدين لخلافة عمر

__________________

(١) البقرة : ١٦٦ و ١٦٧.

٤٧٩

أن يقول هذا القول وقع من عمر على سبيل الكذب ، وصريح لفظه يشهد أنه ما قال عن نفسه إلا حقا ، ولولا ذلك ما فرق بين ما وقع منه في حياة نبيهم وبين ما وقع منه بعد وفاته، ولا قال لابن عباس من أجلك وأصحابك ، ولا يخفى على كل عاقل أن هذا الكلام يقتضي شهادة عمر على نفسه بأنه قد وقع منه بعد وفاة نبيهم من الأمور ما أوجب مثل هذا القول المذكور وهو أعرف بنفسه وسريرته ، فما ترك لأحد طريقا تزكيته ولا عذرا يحتج به في تصحيح خلافته.

مخالفة عمر للنبي " ص " ولأبي بكر

في جعله الخلافة شورى بين ستة

ومن طرائف الأمور أن عمر خليفتهم لما حضرته الوفاة يترك تدبير الله ورسوله على ما زعمت الأربعة المذاهب من أن اختيار الخلفاء إلى الأمة ، ويترك تدبير أبي بكر في نصبه بالخلافة ويختار هو ستة أنفس للخلافة ويقول إن رسول الله " ص " مات وهو عنهم راض ثم يذم كل واحد منهم بسبب من الأسباب ، وقد ذكر ذلك أصحاب التواريخ والعلماء.

ومع ذلك كله فإنه يلتفت إلى ما يشهد به من مدحهم وذمهم في مجلس واحد حتى يقول إن مضت ثلاثة أيام ولم يبايعوا واحدا منهم فاضربوا أعناقهم جميعا ، فتارة يشهد لهم بالجنة ، وتارة يشهد أن الله عنهم راض ، وتارة يعدلهم ذنوبا أو عيوبا ، وما تفكر في أنه إذا كان الله ورسوله راضيين عن عبد فلا يكون ذلك العبد مذموما ، وتارة يزيد عمر على ذمهم ويعرض عن شهادتهم بتزكيتهم ويأمر باستباحة دمائهم وقتلهم إن تأخرت البيعة ثلاثة أيام.

ولا ريب أنه قد كان يجوز في العقل أن يحدث بعد وفاته من الأعذار الصحيحة ما يقتضي جواز تأخير البيعة لأحدهم إلى بعد ثلاثة أيام ، بل كان

٤٨٠