الطّرائف في معرفة مذاهب الطوائف

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

الطّرائف في معرفة مذاهب الطوائف

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


الموضوع : الفرق والمذاهب
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٣

حتى يلقى ربه ، فرأيت الصبر على هاتين أحجى ، فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى من مزار ، أرى تراثي نهبا ، إلى أن حضرته الوفاة ، فأدلى بها إلى عمر بعد وفاته ، لشد ما شطر ضرعاها ، شتان ما يومي على كورها ويوم حيان أخي جابر ، فصيرها والله في ناحية خشناء ، يخفق مسها ويغلظ كلمها ، ويكثر العثار ، ويقل الاعتذار ، صاحبها منها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم ، وإن أسلس لها تقحم ، فمنى الناس لعمر الله بخبط وشماس وتلون واعتراض ، إلى أن حضرته الوفاة فجعلها شورى بين يدي جماعة زعم أني أحدهم ، فيا للشورى ولله بهم ، متى اعترض في الريب مع الأول ، حتى أني لأن يقرن بي هذه النظائر لكن سففت إذ سفوا وطرت إذ طاروا ، وأصبر على طول المحنة وانقضاء المدة ، فمال رجل لضغنه وأصغى آخر لصهره مع هن وهنات ، إلى أن قام ثالث القوم ، نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه ، وشرع معه بنو أبيه يهضمون مال الله هضم الإبل نبتة الربيع ، إلى أن ترب به مصيله فأجهز عليه سوء عمله فما راعني من الناس إلا وهم رسل إلى كعرف الضبع ، فسئلوني أن أبايعهم ، وانثالوا علي حتى لقد وطئ الحسنان ، وانشق عطفاهما ، فلما نهضت بالأمر نكثت شرذمة ومرقت طائفة وفسق آخرون ، كأنهم لم يسمعوا الله تبارك وتعالى يقول " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين " بلى والله لقد سمعوا ، ولكن احلولت دنياهم في أعينهم وراقهم زبرجها ، أما والذي فلق الحبة وبرئ النسمة ، لولا حضور الناصر ولزوم الحجة ، وما أخذ الله على الأولياء الأمراء ألا يقاروا على كظه أو سغب مظلوم ، لأرسلت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها ، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز.

قال : قام إليه رجل من أهل السواد فناوله فقطع كلامه ، قال ابن عباس :

٤٢١

فما أسفت على كلام ولا تفجعت كتفجعي على ما فاتني من كلام أمير لمؤمنين عليه السلام، فلما فرغ من حاجة السوادي فقلت له : يا أمير المؤمنين لو أطردت مقالتك من حيث أفضت إليها ، قال هيهات هيهات يا بن عباس كانت شقشقة هدرت ثم قرت (١).

(قال عبد المحمود) : ما يوجد في هذه الرواية ورواية صاحب الغارات من اختلاف الألفاظ أو الألحان في أعراب أو نقصان شئ فهو كما وجدناه في مدرسة النظامية البغدادي].

وقد تضمن كتاب عن علماء أهل البيت فيه عبادات يعمل بها شيعتهم ، أسمه كتاب مصباح المتهجد في عبادات السنة خطبة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام خطب بها في خلافته في يوم اتفق أنه يوم الجمعة ، ويوم نص نبيهم بالخلافة في يوم غدير خم ، وهي خطبة جليلة قد كشف فيها ما جرى من المتقدمين عليه بالخلافة وظلمهم له ، فليقف عليها من أرادها من هناك فإنها طويلة تشهد أنه كلامه حقا.

وقد تضمن كتاب عن أهل البيت يسمى كتاب الرسائل لمحمد بن يعقوب الكليني ، فيه كتب من أهل البيت إلى شيعتهم ، وذكر شئ من أحوالهم ، ويتضمن كتابا أملا علي بن أبي طالب عليه السلام في شرح ظلم المتقدمين عليه بالخلافة من أوضح في المعنى ، وإنه جمع عشرة من خيار المسلمين وأملاه بحضورهم (٢).

وقد شهد البخاري ومسلم في صحيحيهما الذين تعتقد علماء الأربعة المذاهب بصحة ما اتفقا عليه ، إن العباس وعلي بن أبي طالب عليه السلام يعتقدان في أبي

__________________

(١) في هامش الترجمة هنا هذه العبارة " قابلت مع النسخة هكذا كان ".

(٢) وقد نقله بطوله السيد ابن طاووس في كشف المحجة : ١٨٩ ـ ١٩٣.

٤٢٢

بكر وعمر أنهما كاذبان آثمان غادران خائنان ، وقد تقدم هذا الحديث في هذا الكتاب عند ذكر مطالبة فاطمة بميراث أبيها نبيهم ، وتقدمت الإشارة إلى موضع الحديث من صحيح البخاري ومسلم.

وقد ذكر ابن عبد ربه المقدم ذكره في كتاب العقد في المجلد الرابع حديث كتاب كتبه معاوية إلى علي بن أبي طالب عليه السلام وجواب علي له ، وفي جملة الجواب ما هذا لفظه: وذكرت إبطائي عن الخلفاء وحسدي إياهم والبغي عليهم ، فأما البغي فمعاذ الله أن يكون ، وأما الكراهية لهم فوالله ما اعتذر إلى الناس من ذلك.

وذكر ابن عبد ربه في المجلد الرابع المذكور عدة أحاديث تتضمن تصديق جماعة من الصحابة لمن يعتقد أن بني هاشم أحق بالخلافة ممن تقدم عليهم ، فمن ذلك حديث هذا لفظه : وقال ابن عباس : ماشيت عمر بن الخطاب يوما فقال لي : يا بن عباس ما منع قومكم منكم ، وأنتم أهل البيت خاصة قلت : لا أدري قال : لكني أدري أنكم فضلتموهم بالنبوة فقالوا : إن فضلونا بالخلافة مع النبوة لم يبقوا لنا شيئا ، وإن أفضل النصيبين بأيديكم ، بل ما أخالها إلا مجتمعة فيكم وإن نزلت على رغم أنف قريش (١) ، هذا آخر لفظه في المعنى.

وقد تقدم عند ذكر يوم السقيفة ما أجمع عليه البخاري ومسلم في صحيحيهما من أن بني هاشم كافة كانوا في الخلافة تبعا لعلي عليه السلام ، ومجتمعين على استحقاق تقدمه عليهم ، وأنه ما بايع أحد منهم أبا بكر حتى اضطر إلى البيعة كرها ، أو لعدم الناصر له ، فأي ذنب للشيعة إن اعتقدوا أو اعتقد أحد منهم ضلال المتقدمين على علي بن أبي طالب عليه السلام ، وقد شهد علماء الأربعة المذاهب بتصديقهم واعترفوا لهم بمثل ذلك.

__________________

(١) العقد الفريد : ٢ / ٢١٤.

٤٢٣

ومن طريف ما رووه في المعنى الموصوف ما هو موجود في خزانة الكتب بالرباط المعروف بتربة الاختلاطية (١) بالجانب الغربي من بغداد في ورقة من رق ملصقة بآخره كتاب أعلام الرسول تأليف المأمون من خلفاء بني العباس وتاريخ الكتاب المذكور شوال سنة إحدى وخمسين ومأتين ما نسخته عن الحكم بن مروان عن جبير بن حبيب قال : نزلت بعمر بن الخطاب نازلة قام لها وقعد وتريح وتعظوا (٢) ، ثم قال : يا معشر المهاجرين ما عندكم فيها؟ فقالوا : يا أمير المؤمنين أنت المفرع والمترع ، فغضب ثم قال : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا أما والله إني وإياكم لنعرف أين بجدتها الخبير بها فقالوا : كأنك أردت ابن أبي طالب قال : وأنى يعدل بي عنه وهل طفحت حرة بمثله قالوا : لو بعثت إليه قال : هيهات هنات شمخ من بني هاشم ولحمة من رسول الله " ص " وأثرة من علم يؤتى إليه ولا يأتي ، امضوا بنا إليه فانصفوا وافضوا نحوه وهو في حائط له عليه تبان يتوكأ على مسحاته وهو يقول " أيحسب الإنسان أن يترك سدى ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى " (٣) ودموعه تجري على خديه ، فأجهش القوم لبكائه ، ثم سكن وسكنوا وسأله عمر عن مسألة فأصدر إليه جوابها ، فلوى عمر يديه ثم قال : والله لقد أرادك الحق ولكن أبى قومك. فقال له : يا أبا حفص خفض عليك من هنا ومن هنا إن يوم الفصل كان ميقاتا ، فانصرف عمر وقد اظلم وجهه كأنما ينظر من ليل.

(قال عبد المحمود) : هذا يوضح لأهل التوفيق والتصديق أن عمر والصحابة كانوا يعرفون أن علي بن أبي طالب عليه السلام أحق بالأمر على التحقيق ،

__________________

(١) وفي المخطوط : الاخلاطية.

(٢) كذا في المخطوط ولعله " تمطى " كما يستفاد من الترجمة.

(٣) القيامة : ٣٦.

٤٢٤

ويكشف أن عليا عليه السلام كان عارفا أنه مظلوم ، وأنه يتهدد عمر بيوم القيامة وأن عمر يعلم ذلك ولا يسهل عليه ترك الخلافة وتسليمها إلى صاحبها بن أبي طالب عليه السلام ، وفي ذلك ما يطول ذكره من الطرائف والعجائب.

ومن طريف الأمر أن يتعجب أحد من صبر علي بن أبي طالب عليه السلام عن المحاربة والمنازعة ، ويقال كيف اقتصر على الانكار باللسان؟ وقد عرفوا أن جماعة من الأنبياء وخلفاء الأنبياء صبروا على منازعة الفراعنة والملوك لعدم الأنصار والأولياء ، فهلا كان عذر علي بن أبي طالب عليه السلام كعذر الأنبياء وأوصيائهم ، وكفى شاهدا بذلك أنه لما اعتزل عن بيعة أبي بكر لم يكن معتزلا معه وموافقا له كما رووا إلا بنو هاشم خاصة ، والباقون مختلفون في الآراء فكيف يقوى بنو هاشم وحدهم بمن خالفهم أو اختلف فيهم وأي عذر أوضح من ذلك.

ومن طريف الجواب عن ذلك وظهور المناقضة من أولئك المسلمين إنهم اعترفوا أن أعيان الصحابة والمسلمين أمسكوا في بعض خلافة معاوية ويزيد عن المحاربة والمجاهدة بالإنكار ، وبايع كثير منهم ومع ذلك فلا تجعلون إمساك المسلمين عن استمرار محاربة معاوية ويزيد دليلا على الرضا بخلافتهما ، فهلا كان لعلي بن أبي طالب عليه السلام وبني هاشم من العذر في استمرار ترك المنازعة لأبي بكر ما كان للمسلمين في ترك المنازعة لمعاوية ويزيد وبني أمية.

ومن طريف صواب الجواب على التفصيل ما رأيته في بعض كتب المسلمين أنه لما اتصل بعلي بن أبي طالب عليه السلام أن الناس قالوا ما له لم ينازع أبا بكر وعمر وعثمان كما نازع طلحة وزبير قال : فخرج مرتديا ثم نادى الصلاة جامعة فلما اجتمع الصحابة قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :

يا معاشر الناس بلغني أن قوما قالوا ما له لم ينازع أبا بكر وعمر وعثمان كما

٤٢٥

نازع طلحة وزبير وعائشة ، وإن لي في سبعة أنبياء عليهم السلام أسوة :

أولهم : نوح عليه السلام فقال الله تعالى مخبرا عنه " رب إني مغلوب فانتصر " (١) فإن قلتم ما كان مغلوبا فقد كذبتم القرآن وإن كان ذلك كذلك فعلي أعذر.

الثاني : إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام حيث يقول " واعتزلكم وما تدعون من دون الله " (٢) فإن قلتم إنه ما اعتزلهم من غير مكروه فقد كفرتم وإن قلتم إنه رأى المكروه منهم فاعتزلهم فعلي أعذر.

الثالث : لوط ابن خال عليه السلام إذ قال لقومه " لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد " (٣) فإن قلتم كان له قوة واعتزلهم فقد كفرتم وإن قلتم إنه لم يكن له بهم قوة فاعتزلهم فالوصي أعذر.

الرابع : يوسف عليه السلام إذ قال " رب السجن أحب إلى مما يدعونني إليه " (٤) فإن قلتم إنه دعى إلى غير ما يسخط فقد كفرتم وإن قلتم إنه دعى إلى ما يسخط الله عز وجل فاختار السجن فالوصي أعذر.

والخامس : موسى بن عمران عليه السلام إذ قال " ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين " (٥) فإن قلتم إنه فر منهم من دون خوف فقد كفرتم وإن قلتم إنه فر منهم خوفا فالوصي أعذر.

والسادس : هارون عليه السلام إذ قال " يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا

__________________

(١) القمر : ١٠.

(٢) مريم : ٤٨.

(٣) هود : ٥٢.

(٤) يوسف : ٣٣.

(٥) الشعراء : ٢١.

٤٢٦

يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين " (١) فإن قلتم إنهم ما استضعفوه ولم يشرفوا على قتله فقد كفرتم وإن قلتم إنهم استضعفوه وأشرفوا على قتله فالوصي أعذر.

والسابع : محمد صلى الله عليه وآله وسلم إذ هرب إلى الغار خوفا فإن قلتم إنه هرب من غير خوف أخافوه فقد كفرتم وإن قلتم إنهم أخافوه فلم يسعه إلا الهرب فالوصي أعذر.

فقال الناس : صدق أمير المؤمنين عليه السلام وهذا هو الحق والعذر الواضح.

ومن طريف ما رووه عن نبيهم محمد " ص " في أن المسلمين يغدرون مع علي بن أبي طالب عليه السلام بعد وفاة نبيهم ، وتصديقهم علي بن أبي طالب عليه السلام فيما ذكره من غدرهم به.

ما رواه الشافعي ابن المغازلي في كتاب المناقب بإسناده قال : قال النبي " ص " لعلي بن أبي طالب عليه السلام : إن الأمة ستغدر بك من بعدي (٢).

ومن كتاب المناقب تأليف أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه الحافظ وهو من أعيان مخالفي أهل البيت بإسناده إلى ابن عباس قال : خرجت أنا وعلي والنبي " ص " في جنان المدينة فمررنا بحديقة ، فقال علي : ما أحسن هذه الحديقة يا رسول الله فقال : حديقتك في الجنة أحسن منها ، ثم مررنا بحديقة فقال : ما أحسن هذه يا رسول الله حتى مررنا بسبع حدائق فقال النبي " ص " حدائقك في الجنة أحسن منها ، ثم ضرب بيده على رأسه ولحيته وبكى حتى علا بكاؤه فقال : ما يبكيك يا

__________________

(١) الأعراف : ١٥٠.

(٢) غير موجود في المناقب المطبوع ، ورواه البخاري في تاريخه : ١ / ١٧٤ ، والحاكم في المستدرك : ٣ / ١٤٠ ، والخطيب البغدادي في تاريخه : ١١ / ٢١٦ ، وفضل ابن شاذان في الإيضاح : ٤٥٢ ، والعلامة المجلسي في البحار : ٢٨ / ٦٥ و ٧٦.

٤٢٧

رسول الله؟ قال : ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حتى يفقدوني. ورواه من طريق أخرى وزاد فيه : أن عليا قال للنبي " ص " : في سلامة من ديني فقال نعم في سلامة من دينك (١).

(قال عبد المحمود) : ورأيت في التواريخ والكتب شيئا كثيرا يقتضي أن نبيهم عرف لعلي بن أبي طالب عليه السلام ما جرت الحال عليه وأمره بالصبر كما انتهى أمره إليه ، ومما يصدق ذلك اتفاقهم في صحاحهم على ما تقدم من وصف نبيهم حال أكثر أصحابه ، وأنهم يختلفون بعده ويرتدون وأنهم يفترقون إلى ثلاثة وسبعين فرقة ، وحديثه مع عمار بن ياسر وأن ضلالهم ينتهي إلى حد الاشتهار ، فلا عجب لو كان علي بن أبي طالب عليه السلام في تقية منهم ويعرض عنهم.

وقد ذكر مسلم أيضا في صحيحة في المجلد الثالث عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه قال في الحديث ما هذا لفظه : عن نبيهم فرفع رأسه إلى السماء ، وكان كثيرا ما يرفع رأسه إلى السماء فقال : النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يوعدون ، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون (٢).

هذا المراد من الحديث نقلناه بألفاظه ، فهل ترى من نبيهم إلا وقد شهد عليهم بالاضطراب والاختلاف بعد وفاته كما ذكره علي بن أبي طالب عليه السلام عنهم مكررا.

مخالفة أبي بكر وعمر لأمر رسول الله " ص "

ومن أعظم طرائف الأربعة المذاهب أنهم رووا أن أبا بكر وعمر خالفا

__________________

(١) رواه الخوارزمي في المناقب : ٢٦ ، ومجمع الزوائد : ٩ / ١١٨ ، وذخائر العيبي : ٩ ، والحاكم في المستدرك: ٣ / ١٣٩ ، وتاريخ بغداد : ١٢ / ٣٩٨ ، والعلامة الكركي في النفحات : ٨٥ ، البحار : ٢٨ / ٧٥.

(٢) مسلم في صحيحه : ٤ / ١٩٦١ فضائل الصحابة.

٤٢٨

رسول الله " ص " في إزالة الضلال عن أمته ، وإن مخالفتهما كان سبب هلاك من هلك وضل من المسلمين.

فمن ذلك ما رواه الشيخ الحافظ محمد بن مؤمن الشيرازي فيما أورده في كتابه الذي استخرجه من التفاسير الاثني عشر ، تفسير أبي يوسف يعقوب بن يوسف بن سفيان ، وتفسير ابن جريح ، وتفسير مقاتل بن سليمان ، وتفسير وكيع ابن جراح ، وتفسير يوسف ابن موسى القطان ، وتفسير قتادة ، وتفسير أبي عبيدة قاسم بن سلام ، وتفسير علي بن حرب الطائي ، وتفسير السدي وتفسير مجاهد ، وتفسير مقاتل بن حيان ، وتفسير أبي صالح ، قال : حدثنا يحيى بن الحسين بمكة : حدثنا أبو شعيب الحرابي ، حدثنا يحيى بن عبد الله البابلي عن سلمة بن وردان عن أنس بن مالك قال :

كنا جلوسا عند النبي " ص " فتذاكرنا رجلا يصلي ويصوم ويتصدق ويزكي فقال لنا رسول الله : لا أعرفه. فقلنا يا رسول الله إنه يعبد الله ويسبحه ويقدسه ويوحده. فقال : لا أعرفه ، فبينما نحن في ذكر الرجل إذا طلع علينا ، فقلنا : هو هذا ، فنظر إليه رسول الله " ص " وقال لأبي بكر : خذ سيفي هذا واذهب إلى هذا الرجل واضرب عنقه فإنه أول من رأيته من حزب الشيطان ، فدخل أبو بكر المسجد فرآه راكعا فقال : والله لا أقتله فإن رسول الله نهانا عن قتل المصلين ، فرجع أبو بكر فقال : يا رسول إني رأيت الرجل راكعا وإنك نهيتنا عن قتل المصلين ، فقال رسول الله : اجلس يا أبا بكر فلست بصاحبه ، قم يا عمر وخذ سيفي من أبي بكر وادخل المسجد فاضرب عنقه ، قال : فأخذت السيف من يد أبي بكر ودخلت المسجد فرأيت الرجل ساجدا فقلت : والله لا أقتله فقد استأذنه من هو خير مني ، فرجعت إلى رسول الله " ص " فقلت : يا رسول الله إني رأيت الرجل ساجدا فقال : يا عمر أجلس فلست بصاحبه ، قم يا علي فإنك أنت قاتله إن وجدته

٤٢٩

فاقتله فإنك إن قتلته لم يقع الضلال والاختلاف بين أمتي أبدا.

قال علي : فأخذت السيف ودخلت المسجد فلم أره ، فرجعت إلى رسول الله " ص " وقلت : ما رأيته فقال : يا أبا الحسن إن أمة موسى افترقت أحد وسبعين فرقة فرقة ناجية والباقون في النار ، وإن أمة عيسى افترقت على اثنين وسبعين فرقة فرقة ناجية والباقون في النار ، وإن أمتي ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة فرقة ناجية والباقون في النار. فقال : يا رسول الله من الناجي؟ قال : المتمسك بما أنت عليه وأصحابك ، فأنزل الله في ذلك الرجل " ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق " (١) يقول : هو أول من كان ظهر من أصحاب البدع والضلالات : قال ابن عباس : والله ما قتل ذلك الرجل إلا أمير المؤمنين عليه السلام يوم صفين ، ثم قال له " في الدنيا خزي " قال: القتل " ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق " بقتاله علي ابن أبي طالب عليه السلام يوم صفين.

(قال عبد المحمود) : انظر رحمك الله إلى هذا الحديث فإن مفهومه أن النبي " ص " قد كان عرف أن الرجل يصلي ويصوم ويتصدق ويزكي ، ومع ذلك فإنه أمر أبا بكر بقتله فلم يقتله ، فكيف يقبل العقل إن هذا الأمر اشتبه على أبي بكر؟ فإن أمر الأنبياء بقتل أحد لا يكون إلا بأمر الله ويتضمن القرآن المجيد قوله تعالى " وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى " ثم تعجب من عمر وقد أمره النبي بقتله بعد أن سمع إن أبا بكر ذكر أنه يصلي ويصوم وبعد ظهور الانكار على أبي بكر من النبي " ص " وقوله له لست بصاحبة ، فلا يقتله أيضا عمر ولا يقبل أمر الرسول مع أن الله تعالى يقول " فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ".

__________________

(١) الحج : ٩.

٤٣٠

ثم انظر كيف ذكر النبي " ص " في ذلك الوقت افتراق أمته ثلاثا وسبعين فرقة ، هل ترى هذا إلا شهادة ممن يروي هذا الحديث وصدقه أن ترك أبي بكر وعمر لامتثال أمر رسول الله وعدولهم من قتل ذلك الرجل كان سبب ضلال من ضل من أهل الإسلام ، وتنبيه من النبي " ص " للأنام إنهما سببا الضلال ليكون حجة على أمته يوم الحساب والسؤال ، وكيف حسن من رجال الأربعة المذاهب ذكره هذا الأحوال.

منع عمر النبي " ص " عند وفاته أن يكتب كتابا لا يضل

بعده أمته أبدا

ومن أعظم طرائف المسلمين أنهم شهدوا جميعا أن نبيهم أراد عند وفاته أن يكتب لهم كتابا لا يضلون بعده أبدا ، وأن عمر بن الخطاب كان سبب منعه من ذلك وسبب ضلال من ضل من أمته وسبب اختلافهم وسفك الدماء بينهم وتلف الأموال واختلاف الشريعة وهلاك اثنين وسبعين فرقة من أصل فرق الإسلام وسبب خلود من يخلد في النار منهم ، ومع هذا كله فإن أكثرهم أطاع عمر ابن الخطاب الذي قد شهدوا عليه بهذه الأحوال في الخلافة وعظموه ، وكفروا بعد ذلك من يطعن فيه وهم من جملة الطاعنين ، وضللوا من يذمه وهم من جملة الذامين ، وتبرأوا ممن يقبح ذكره وهم من جملة المقبحين.

فمن الرواية في ذلك ما ذكره محمد بن علي المازندراني في كتاب أسباب نزول القرآن في تفسير قوله تعالى " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت " (١) فقال في مسند أحمد بن حنبل عن جابر الأنصاري أن النبي " ص " دعى عند موته

__________________

(١) البقرة : ١٨٠.

٤٣١

بصحيفة ليكتب فيها كتابا لا يضلون بعده قال : فخالف عمر حتى رفضها (١).

ورووا عن سعيد بن جبير وعن عكرمة وعن سفيان بن عيينة وعن عمرو ابن دينار وعن الحكم بن أبان ثم روى أحمد بن حنبل عن سعيد بن جبير وعكرمة وعن ابن عباس الحديث وذكر فيه أن عمر بن الخطاب قال للنبي " ص " إنه يهجر (٢).

فمن روايتهم في ذلك ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الرابع من المتفق عليه في صحته من مسند عبد الله بن عباس قال : لما احتضر النبي " ص " وفي بيته رجال فيهم عمر بن الخطاب فقال النبي " ص " : هلموا أكتب لكم لن تضلوا بعده أبدا فقال عمر بن الخطاب : إن النبي " ص " قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبكم كتاب ربكم (٣).

وفي رواية ابن عمر من غير كتاب الحميدي قال عمر : إن الرجل ليهجر وفي كتاب الحميدي قالوا ما شأنه هجر. وفي المجلد الثاني من صحيح مسلم فقال : إن رسول الله " ص " يهجر (٤).

فقال أهل اللغة في تفسيرها : إن معنى قوله هجر أي هذى. قال الجوهري في كتاب الصحاح في اللغة في باب الراء فصل الهاء ، الهجر : الهذيان ، وقال ألم تر إلى المريض إذا هجر قال غير الحق (٥).

قال الحميدي : فاختلف الحاضرون عند النبي " ص " فبعضهم يقول : القول ما قاله النبي فقربوا إليه كتابا يكتب لكم ، ومنهم من يقول : القول ما قاله عمر

__________________

(١ ـ ٢) أحمد بن حنبل في مسند : ٣ / ٣٤٦.

(٣ ـ ٤) مسلم في صحيحه : ٣ / ١٢٥٧ ـ ١٢٥٩ كتاب الوصية ، والبخاري في صحيحه : ٥ / ١٢٧.

(٥) الصحاح : ٢ / ٨٥١.

٤٣٢

فلما أكثروا اللغط والاختلاط قال النبي " ص " : قوموا عني فلا ينبغي عندي التنازع ، فكان ابن عباس يبكي حتى تبل دموعه الحصى ويقول : يوم الخميس وما يوم الخميس! قال راوي الحديث فقلت : يا بن عباس وما يوم الخميس؟ فذكر عبد الله بن عباس يوم منع رسول الله " ص " من ذلك الكتاب ، وكان ابن عباس يقول : الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله " ص " وبين كتابه (١).

(قال عبد المحمود) مؤلف هذا الكتاب : لقد صدق ابن عباس عند كل عاقل مسلم، والله لو لبس المسلمون السواد وأقاموا المآتم وبلغوا غاية الأحزان كان ذلك يسيرا لما أدخل عمر عليهم من المصيبات وأوقعهم فيه من الهلاك والضلال والشبهات.

وليت شعري أي اختلال في هذا كلام نبيهم محمد " ص " حتى يقول عمر إنه يهجر أو قد غلب عليه المرض ، أهكذا يجب أن يكون أدب الأمم مع الأنبياء؟ أو هكذا يجب أن يكون أدب الرعية مع الملوك؟ وأي ذنب كان لنبيهم عندهم؟ وأي تقصير قصر في حقهم؟ حتى يواجهه عمر عند وفاته ويجبهه في وجهه ويقول إنه يهذي ، وأين هذا مما تضمنه كتابهم " يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون " (٢) ما هذا إلا بئس الامتثال من عمر لأمر ربه ، فلقد رفع صوته وجهر له أقبح مما يجهر بعضهم لبعض.

ومن أعجب ذلك أنهم ذكروا أن كتابهم يتضمن وصف نبيهم بقوله " وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى " (٣) وخاصة مثل هذا الكتاب الذي

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٢٥٩ ، والبحار : ٨ / ٢٧٤ ط كمباني ، والبخاري في صحيحه : ١ / ٣٧.

(٢) الحجرات : ٢.

(٣) النجم : ٣.

٤٣٣

أراد أن يكتبه لهم أنهم لا يضلون بعده أبدا ، فإن هذا لا يمكن أن يكون إلا بوحي ، وإن كان هذا بوحي أفما يكون عمر قد نسب الهجر إلى ربه ، سوءة له من هذا الهجر (١) القبيح والكفر الصريح وسوءة لمن هان عنده هذا.

ومن طريف هذا الحديث أن عمر لما قدح في عقل نبيهم وشهد عليه أنه يهذي يقول بعد ذلك حسبنا كتاب ربنا ، وهذا القول من عمر يدل على أنه عرف أن كلام نبيهم ما كان هذيانا ولا مختلا وأنما ادعى عمر أن كتاب الله يغني عن الكتاب الذي أراد نبيهم أن يكتب لهم ، كان عمر في ذلك يزعم أنه أعرف من ربهم ونبيهم في تدبير أمته وحفظ شريعته.

(قال عبد المحمود) : وهب أنهم شكوا في حال نبيهم وظنوا أنه طلب الكتابة لهم على سبيل الاختلال ، فليتهم أذنوا لنبيهم بالكتاب فإن كتب ما يليق بالصواب عملوا به وإن كتب شيئا مختلا كما ذكر عمر ستروه كما جرت عادة المشفقين مع من يوالونه ويعظمونه ، وما كان يجوز أن يتركوا نبيهم يتوفى وهذه الأمنية في نفسه لم يبلغها منهم وهو آخر العهد بهم ووقت الحاجة إلى رضاه عنهم.

ومن طريف ذلك أن عمر يقول مثل هذا الكلام ويسمعه الحاضرون منه وينقلونه إلى المتأخرين عنه ، ويشهد لسان الحال والمقال أنه سبب كل ما تجدد في الأمة من الاختلاف والضلال والاختلاط ، ومع هذا فلا ينسب عمر إلى أنه يرد على نبيهم ولا أنه أخطأ ولا يذم ولا يعتب ، بل يتفق له في تلك الحال بأولى ما يقال من أن القول ما قاله عمر ، ويتفق له الآن من يعذره ويتغافل عن عظيم جنايته ويتقرب إلى الله بحبه وولايته ، إن هذا من أعظم ما بلغ إليه أهل الجهالة وأطم ما نقل عن ذوي الضلالة.

(قال عبد المحمود) : وإذا كان قول خليفتهم عمر في نبيهم وهذا قول جماعة

__________________

(١) في المخطوط : التجاهر بالقبيح.

٤٣٤

من صحابته فيه ، فاعذروا أهل الذمة وغيرهم فيما يقولون عنكم.

ومن طريف ما في هذا الحديث المذكور وأسراره أنه يشهد أن الطعن في قول نبيهم والرد عليه والقدح فيه إنما كان من عمر وحده ، وأنه هو ابتدأ به ، بدليل قوله فقال قوم : القول ما قاله النبي " ص " وقال قوم : القول ما قاله عمر ، فما أطرف هذه الغفلة من القوم الذين قالوا القول ما قاله عمر ، إن هذا مما يبكي الأولياء ويضحك الأعداء.

ويؤكد صحة ذلك وأن عمر كان سبب منع نبيهم من الكتاب ما رواه الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين أيضا في الحديث السادس والتسعين من أفراد مسلم من مسند جابر بن عبد الله قال : فدعا رسول الله " ص " بصحيفة عند موته ، فأراد أن يكتب لهم كتابا لا يضلون بعده ، فكثر اللغط وتكلم عمر فرفضها رسول الله صلى الله عليه وآله.

وذكر ابن أثير في تاريخه عن ابن عباس أنه قال : يوم الخميس وما يوم الخميس ، وجرى دموعه على خده وقال : اشتد برسول الله وجعه قال : إئتوني بالكتف والدواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ، فكثر اللغط. قال : فتكلم عمر وترك رسول الله " ص " وقال : لا تنازعوا عند النبي فإنه لا ينبغي التنازع عند النبي. قالوا : النبي يقول الحق ، فذهبوا يعيدون عليه فقال : دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه (١).

استحلال أبي بكر دماء من منع الزكاة عنه

ومن طريف مناقضاتهم أن قوما من المسلمين بعد وفاة نبيهم قالوا : إننا ما نعطي زكاتنا لأبي بكر ، لأن الله يقول لنبيه " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم

__________________

(١) رواه أحمد بن حنبل في مسنده : ١ / ٢٢٢ ، وابن سعد في طبقاته : ٢ / ٣٦.

٤٣٥

وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم " (١) وإننا ما نؤدي زكاتنا إلا من كانت صلاته سكنا لنا.

وبالجملة فإنهم ما استحلوا منع الزكاة وإنما تأولوا تأويلا ، وكان يمكن أن يكشف لهم ، فيستباح دماؤهم وأموالهم ، ويقول أبو بكر : لو منعوني عقالا مما كانوا يعطونه رسول الله " ص " لقاتلتهم عليه : ويقول عمر : إن الله شرح صدري لما قال أبو بكر ، فليت شعري من جعل لأبي بكر المساواة لنبيهم حتى يكون عطاء المسلمين له مثل عطاياهم لأبي بكر ومنعهم له مثل منعهم لأبي بكر وهل هو إلا رجل من المسلمين والمسلمون مختلفون ، فكيف صارت له المساواة لمن يذكرون أنه سيد المرسلين وخيرة رب العالمين؟

ومع ذلك فتحكم الأربعة المذاهب على أولئك المسلمين المانعين الزكاة من أبي بكر بالردة عن الإسلام ، ويصير أموالهم ودماؤهم وقتالهم مباحا ولعنهم وتقبيح فعلهم وذكرهم جايزا بل واجبا ، مع أنه كره أكثر المسلمين على ما ذكر الحميدي فيما ذكره ونقلناه عنه في هذا الكتاب كون النبي " ص " يعطي المؤلفة قلوبهم في وقعة هوازن أكثر ما يعطي غيرهم ، ومع ذلك فما رأينا ولا سمعنا منكم ولا ممن سبقكم أن يحكم على من خالف النبي " ص " في تفضيله عطاء المؤلفة قلوبهم أنهم مرتدين ولا استباح نبيهم قتالهم ولا أموالهم ، ولقد كان ينبغي أن يقتدي أبو بكر بنبيهم في هذا فكيف صار مخالفة أبي بكر أعظم في منع الزكاة منه من مخالفة نبيهم؟ إن هذا من الضلال العظيم.

ومن طريف ما تضمن حديث منع عمر نبيهم من كتابة الصحيفة وقوله في النبي " ص" إنه يهجر أن مثل هذا الكلام يصدر من عمر بمحضر نبيهم ويواجهه بهذا الكلام القبيح ، ويصير منعه عن الصحيفة سبب هلاك من هلك من المسلمين

__________________

(١) التوبة : ١٠٣.

٤٣٦

وسبب ردة هذه الجماعة الذين حكموا عليهم بالردة ، حيث قالوا لهم : لم منعتم أبا بكر من الزكاة ، ولذا نقول إن الباعث لردتهم كان عمر ، لأنه لو لم يمنع النبي " ص " أن يكتب الكتابة ما ضل أحد وما قال أحد ردة ، فكان عمر سبب شماتة أهل الذمة وسائر الملل بالمسلمين : ومع هذا لا يقول كافة المسلمين ولا أكثرهم إن عمر ارتد ولا أخطأ مع اتفاقهم على صحة هذا الحديث عن عمر ، إن ذلك من عظيم الطرائف.

إن عمر يتلقى أمر النبي " ص " بالإنكار

ومن طريف ما تجدد من عمر في حق نبيهم محمد صلى الله عليه وآله وشهدوا في صحاحهم بذلك.

ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند أبي هريرة في الحديث التاسع والسبعين بعد المائة من أفراد مسلم قال : كنا قعودا حول رسول الله " ص " ومعنا أبو بكر وعمر في نفر ، فقام رسول الله من بين أظهرنا فأبطأ علينا ، وخشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا فقمنا ، فكنت أول من فزع ، فخرجت أبتغي رسول الله " ص " حتى أتيت حائطا للأنصار لبني النجار ، فدرت به هل أجد له بابا فلم أجد ، فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجة (والربيع الجدول). قال : فاحتفزت كما يحتفز الثعلب فدخلت على رسول الله " ص " فقال : أبو هريرة؟ فقلت : نعم يا رسول الله. قال : ما شأنك؟ قلت : كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا فخشينا أن تقتطع دوننا ففزعنا ، فكنت أول من فزع فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثعلب وهؤلاء الناس ورائي. فقال : يا أبا هريرة (وأعطاني نعليه) قال : اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء

٤٣٧

هذا الحائط يشهد أن لا إله الله مستقيما بها قلبه فبشره بالجنة ، فكان أول من لقيت عمر بن الخطاب فقال : ما هاتان النعلان أبا هريرة؟ فقلت : هاتان نعلا رسول الله " ص " بعثني بهما من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستقيما بها قلبه بشرته بالجنة ، فضرب عمر بيده بين ثديي فخررت لاستي فقال : ارجع يا أبا هريرة ، فرجعت إلى رسول الله " ص " فأجهشت بكاءا وركبني عمر فإذا هو على أثري ، فقال لي رسول الله : ما لك يا أبا هريرة؟ قلت : لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به فضرب بين ثديي ضربة فخررت لاستي. قال : إرجع. فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : يا عمر ما حملك على ما فعلت؟ قال : يا رسول الله بأبي أنت وأمي أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستقيما بها قلبه بشره بالجنة؟ قال : نعم. قال : فلا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون ، قال رسول الله " ص " : فخلهم (١).

(قال عبد المحمود) مؤلف هذا الكتاب : انظر رحمك الله إلى ما قد تضمنه هذا الحديث الصحيح عندهم من كون خليفتهم عمر يتلقى أوامر النبي " ص " بالإنكار والاستكبار والحرج ، وقد تضمن كتابهم " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " (٢) فيشهد هذا الحديث إن عمر قد وجد في نفسه حرجا مما قضى رسول الله " ص " ، وإنه ما سلم إليه ولا تأدب معه ، وهذه شهادتهم صريحة بالطعن على خليفتهم عمر والقدح في إيمانه.

ومن طريف ذلك ضربه لرسول رسولهم حتى يقعده على استه ورجوع الرسول باكيا شاكيا إلى رسولهم ، فيا لله لو كان عمر شريكا لنبيهم في الرسالة

__________________

(١) مسلم في صحيحه ١ / ٥٩ ـ ٦١.

(٢) المائدة : ٤٣.

٤٣٨

ما جاز في العقل والشرع والأدب أن يبلغ في الاستخفاف بنبيهم وسوء الصحبة له إلى هذه الغاية.

وقد كان يمكن أن يمنع أبا هريرة من أداء الرسالة بدون هذا الضرب والاستخفاف ، ثم وأي ذنب لأبي هريرة في تحمل هذه الرسالة عن نبيهم حتى يضرب على ذلك ، وليته كان قد نهى أبا هريرة عن أداء الرسالة فإن امتنع يعود إلى الانكار عليه أو ضربه وإن كان لا بد لعمر من الانكار على نبيهم فلم ضرب رسوله؟

ومن طريف ذلك إنكار عمر لهذه الرسالة ، فأي قبيح فيها حتى ينكرها ، وهي من البشارات يجب على كل مسلم أن يحمد الله ورسوله عليها ويجعلوا يوم وقوعها كيوم عيد ، وأي ضرر كان على عمر وعلى الإسلام إذا قنع الله من عباده بإخلاص الشهادة لله بالوحدانية ، فأي جناية عظيمة قد جنا عمر بذلك على الإسلام والمسلمين وحال بينهم وبين رحمة رب العالمين.

ومن طريف ذلك أن مثل هذه الرسالة لا يمكن أن يقولها نبي من الأنبياء إلا عن الله ، لأنها إخبار بما يريد الله من عباده وإخبار بما يستحقون على ذلك ولا يطلع على ما يريد الله من العباد إلا الأنبياء ، فكيف استجاز عمر أن يرى راية وتدبيره أكمل من تدبير الله ورسوله؟ وأنه أعرف منهما بمصلحة الخلائق؟ وهذا جهل عظيم بالرسول والمخلوق والخالق.

ومن طريف ذلك أنهم ذكروا أن نبيهم وافق لعمر على ترك العمل بما أمر الله بأدائه وأنه سد باب الرحمة عنهم ، وقد تضمنت كتبهم الصحاح خلاف ذلك.

فمن ذلك ما رواه الحميدي في كتابه المذكور في مسند أبي ذر في الحديث الثالث من المتفق عليه من عدة طرق قال : أتاني جبرئيل عليه السلام فبشرني

٤٣٩

أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ، وفي رواية : ولم يدخل النار (١).

ومن ذلك في مسند أنس بن مالك في الحديث السادس والخمسين من المتفق عليه نحو ذلك.

ومن ذلك في مسند غسان بن مالك حديث واحد متفق عليه قال : إن النبي قال : إن الله حرم النار على من قال : لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجهه.

شهادتهم على عمر إنه ما كان يوافق نبيهم " ص "

ومن طريف ما يقبحون ذكر خليفتهم عمر ويشهدون عليه بالعظائم ، ما رواه عبد الله بن عباس وجابر وسهل بن حنيف وأبو وائل والقاضي عبد الجبار وأبو علي الجبائي وأبو مسلم الأصفهاني ويوسف القزويني والثعلبي والطبري والواقدي والزهري والبخاري ، وقد ذكر الحميدي في الجمع بين الصحيحين بعض الحديث في ذلك من مسند المسور بن مخرمة في حديث الصلح بين سهيل ابن عمرو وبين نبيهم بالحديبية يقول فيه : قال عمر بن الخطاب : فأتيت رسول الله " ص " فقلت : ألست برسول الله حقا؟ قال : بلى. قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال : بلى. قلت : فلم نعطي هذه الدنية في ديننا إذا؟ قال : إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري. قلت : أوليس كنت تحدثنا إنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال : بلى. قال : فأخبرتك إنك تأتيه العام؟ قلت : لا. قال : فإنك آتيه وتطوف به. قال فأتيت أبا بكر فقلت : يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا؟ قال : بلى. قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٩٤.

٤٤٠