الطّرائف في معرفة مذاهب الطوائف

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

الطّرائف في معرفة مذاهب الطوائف

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


الموضوع : الفرق والمذاهب
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٣

حَتَّى صَدَرُوا ثُمَّ دَعَا بِقَعْبٍ مِنْ لَبَنٍ فَجَرَعَ مِنْهُ جُرْعَةً ثُمَّ قَالَ لَهُمُ اشْرَبُوا بِسْمِ اللهِ فَشَرِبُوا حَتَّى رَوُوا فَبَدَرَهُمْ أَبُو لَهَبٍ فَقَالَ هَذَا مَا سَحَرَكُمْ بِهِ الرَّجُلُ فَسَكَتَ النَّبِيُّ ص فَلَمْ يَتَكَلَّمْ ثُمَّ دَعَاهُمْ مِنَ الْغَدِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ثُمَّ أَنْذَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ ص فَقَالَ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْبَشِيرُ بِمَا لَمْ يَجِئْ بِهِ أَحَدُكُمْ جِئْتُكُمْ بِالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَأَسْلِمُوا وَأَطِيعُوا تَهْتَدُوا وَمَنْ يُؤَاخِينِي وَيُؤَازِرُنِي وَيَكُونُ وَلِيِّي وَوَصِيِّي بَعْدِي وَخَلِيفَتِي وَيَقْضِي دَيْنِي فَسَكَتَ الْقَوْمُ فَأَعَادَ ذَلِكَ ثَلَاثاً كُلَّ ذَلِكَ يَسْكُتُ الْقَوْمُ وَيَقُولُ عَلِيٌّ ع أَنَا فَقَالَ أَنْتَ فَقَامَ الْقَوْمُ وَهُمْ يَقُولُونَ لِأَبِي طَالِبٍ ع أَطِعْ ابْنَكَ فَقَدْ أُمِّرَ عَلَيْكَ (١)

١٤ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَرَفَعَ الْحَدِيثَ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) جَمَعَ النَّبِيُّ ص أَهْلَ بَيْتِهِ فَاجْتَمَعُوا ثَلَاثِينَ فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا ثَلَاثاً ثُمَّ قَالَ لَهُمْ مَنْ يَضْمَنُ عَنِّي دَيْنِي وَمَوَاعِيدِي [و] يَكُونُ خَلِيفَتِي وَيَكُونُ مَعِي فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ رَجُلٌ لَمْ يُسَمِّهِ شَرِيكٌ يَا رَسُولَ اللهِ أَنْتَ كُنْتَ تَجِدُ مَنْ يَقُومُ بِهَذَا ثُمَّ قَالَ الْآخَرُ يَعْرِضُ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ فَقَالَ عَلِيٌّ ع أَنَا فَقَالَ أَنْتَ : (٢)

__________________

(١) الکشف والبیان «مخطوط» على ما في احقاق الحق ٤ / ٦٢ نقله عن مناقب عبد الله الشافعي ص ٧٥ «مخطوط». والبحار ٣٨ / ٢٥١. والعمدة ص ٣٨.

(٢) المسند ١ / ١١١ ط مصر. وابن البطريق في العمدة ص ٤٢.

٢١

وَرَوَاهُ أَيْضاً أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ (١) وَالْفَقِيهُ ابْنُ الْمَغَازِلِيِ (٢)

(ظهور التسمية

لعلي علیه السلام بأنه وصي)

١٥ وَمِنْ مُسْنَدِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ يَرْفَعُهُ إِلَى سَلْمَانَ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ وَصِيُّكَ فَقَالَ يَا سَلْمَانُ مَنْ كَانَ وَصِيَّ أَخِي مُوسَى قَالَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ قَالَ فَإِنَّ وَصِيِّي وَوَارِثِي وَمَنْ يَقْضِي دَيْنِي وَيُنْجِزُ مَوْعِدِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ علیه السلام (٣)

١٦ وَمِنْ كِتَابِ الْمَنَاقِبِ تَأْلِيفِ الشَّافِعِيِّ ابْنِ الْمَغَازِلِيِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) يَرْفَعُهُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ جَالِساً مَعَ فِتْيَةٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ عِنْدَ النَّبِيِّ ص إِذَا انْقَضَّ كَوْكَبٌ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ص مَنِ انْقَضَّ هَذَا النَّجْمُ فِي مَنْزِلِهِ فَهُوَ الْوَصِيُّ مِنْ بَعْدِي قَالَ فَقَامَ فِتْيَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَنَظَرُوا فَإِذَا الْكَوْكَبُ قَدْ انْقَضَّ فِي مَنْزِلِ عَلِيِّ بْنِ

__________________

(١) رواه فی مسنده ١ / ١٥٩ ط مصر : عن ربيعة بن ناجذ عن علي رضي الله عنه قال جمع رسول الله صلى الله عليه وآله أو دعا رسول الله (ص) بنی عبد المطلب ، فيهم رهط كلهم يأكل الجذعة ويشرب الفرق ، قال فصنع لهم مدأ من طعام ، فأكلوا حتى شبعوا ، قال : وبقى الطعام كما هو كأنه لم يمس ، ثم دعا يغمر فشربوا حتى روووا وبقى الشراب كأنه لم يمس او لم يشرب ، فقال : يا بني عبد المطلب اني بعثت لكم خاصة والى الناس عامة ، وقد رأيتم اليه أحد. قال فقمت اليه وكنت أصغر القوم قال : فقال أجلس ، قال ثلاث مرات كل ذلك أقوم اليه فيقول لي اجلس حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي.

(٢) لم نجده في المصدر المطبوع.

(٣) البحار : ٣٨ / ١٩ ، والعمدة : ٣٧.

٢٢

أبي طالب فقالوا : يا رسول الله قد غويت في علي (١) ، فأنزل الله تعالى " والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى " إلى قوله " وهو بالأفق الأعلى " (٢).

١٧ ـ ويدل على ظهور التسمية لعلي عليه السلام بأنه وصي ما ذكر الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند عائشة عن الأسود بن يزيد (٣) قال : ذكروا عند عائشة أن عليا عليه السلام كان وصيا.

وفي رواية أزهر أنهم قالوا : إنه وصي فلم تكذبهم ، بل ذكرت إنها ما سمعت ذلك من النبي صلى الله عليه وآله حين وفاته.

١٨ ـ ومن كتاب المناقب رواه ابن المغازلي عن أبي ذر الغفاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من ناصب عليا الخلافة بعدي فهو كافر ، وقد حارب الله ورسوله ، ومن شك في علي فهو كافر (٤).

١٩ ـ وروى ابن المغازلي عن عبد الله بن بريدة قال : سمعت رسول الله " ص " : لكل نبي وصي ووارث ، وأن وصيي ووارثي علي بن بن أبي طالب (٥).

٢٠ ـ ومن ذلك ما رواه أبو بكر بن موسى بن مردويه في كتاب المناقب ، وهو من مخالفي أهل البيت بإسناده إلى عبد الله بن صامت عن أبي ذر قال : دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وآله فقلنا : من أحب أصحابك إليك ، فإن كان أمر كنا معه ، وإن كانت نائبة كنا من دونه. قال : هذا علي أقدمكم مسلما

__________________

(١) ـ في المصدر " حب علي " وفي البحار " حب ابن عمك ".

(٢) المناقب : ٣١٠ ، والبحار : ٣٥ / ٢٨٣ ، والعمدة : ٣٨.

(٣) وفي (خ‍) الأسود بن بريد.

(٤) المناقب : ٤٦ ، والبحار ٣٨ / ١٥٥.

(٥) المناقب : ٢٠١. وفي (ط) و (ت) من ناصبني وصيي ووارثي الخ.

٢٣

وإسلاما (١).

٢١ ـ ومن ذلك ما رواه أيضا أبو بكر بن مردويه في كتابه المشار إليه بإسناده إلى داود بن أبي عوف ، حدثني معاوية بن ثعلبة الليثي قال : ألا أحدثك بحديث لم يخلط؟ قلت : بلى. قال : مرض أبو ذر فأوصى إلى علي عليه السلام ، فقال بعض من يعوده : لو أوصيت إلى أمير المؤمنين حقا أمير المؤمنين ، والله إنه البديع (٢) الذي يسكن إليه ، ولو قد فارقكم لقد أنكرتم الناس وأنكرتم الأرض قال : قلت : يا أبا ذر لنعلم أن أحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله أحبهم إليك. قال : أجل. قلنا : فأيهم أحب إليك؟ قال : هذا الشيخ المظلوم المضطهد حقه يعني علي بن أبي طالب عليه السلام (٣). هذا آخر لفظ الحديث المذكور.

٢٢ ـ ومن رواية الحافظ أبي بكر بن موسى بن مردويه وهو الحجة عند الأربعة المذاهب ما رواه بهذا الإسناد ، قال أخبرنا أحمد بن محمد السري بن يحيى التميمي ، حدثنا المنذر بن محمد بن المنذر ، حدثنا أبي ، عن عمي الحسين ابن يوسف بن سعيد بن أبي الجهم ، حدثني أبي ، عن أبان بن تغلب ، عن علي ابن محمد بن المنكدر ، عن أم سلمة زوجة النبي (ص) وكانت من ألطف نسائه وأشدهن له حبا ، قال : وكان لها مولى يحضنها ورباها ، وكان لا يصلي صلاة إلا سب عليا وشتمه ، فقالت : يا أبة ما حملك على سب علي؟ قال : لأنه قتل عثمان وشرك في دمه. قالت له : لولا أنك مولاي وربيتني وأنك عندي

__________________

(١) ابن مردويه في المناقب (مخطوط) ، البحار : ٣٨ / ٢٥٢ ، والعلامة في كشف الحق ١٠١.

(٢) في (خ‍) الربيع.

(٣) كشف اليقين : ١٥.

٢٤

بمنزلة والدي ما حدثتك بسر رسول الله (ص) ، ولكن اجلس حتى أحدثك عن علي وما رأيته في حقه.

قالت : أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان يومي ، وإنما كان يصيبني في تسعة أيام يوم واحد ، فدخل النبي وهو يخلل أصابعه في أصابع علي عليه السلام واضعا يده عليه ، فقال : يا أم سلمة أخرجي من البيت وأخليه لنا ، فخرجت وأقبلا يتناجيان وأسمع الكلام ولا أدري ما يقولان ، حتى إذا قلت قد انتصف النهار وأقبلت فقلت : السلام عليكم ألج؟ فقال النبي (ص) : لا تلجي وارجعي مكانك ، ثم تناجيا طويلا حتى قام عمود الظهر ، فقلت : ذهب يومي وشغله علي ، فأقبلت أمشي حتى وقفت على الباب ، فقلت : السلام عليكم ألج؟ فقال النبي : لا تلجي. فرجعت فجلست مكاني حتى إذا قلت : قد زالت الشمس ، الآن يخرج إلى الصلاة فيذهب يومي ، ولم أر قط يوما أطول منه، فأقبلت أمشي حتى وقفت فقلت : السلام عليكم ألج؟ فقال النبي (ص) : نعم تلجي ، فدخلت وعلي واضع يده على ركبتي رسول الله قد أدنى فاه من أذن النبي وفم النبي (ص) على أذن علي يتساران ، وعلي يقول : أفأمضي وأفعل؟ والنبي يقول : نعم ، فدخلت وعلي معرض وجهه حتى دخلت وخرج.

فأخذني النبي (ص) وأقعدني في حجره ، فأصاب مني ما يصيب الرجل من أهله من اللطف والاعتذار ، ثم قال : يا أم سلمة لا تلوميني فإن جبرئيل أتاني من الله بما هو كائن بعدي وأمرني أن أوصي به عليا من بعدي وكنت جالسا بين جبرئيل وعلي وجبرئيل عن يميني وعلي عن شمالي ، فأمرني جبرئيل أن آمر عليا بما هو كائن بعدي إلى يوم القيامة ، فاعذريني ولا تلوميني ، إن الله عز وجل اختار من كل أمة نبيا واختار لكل نبي وصيا ، فأنا نبي هذه الأمة وعلي وصيي في عترتي وأهل بيتي وأمتي من بعدي.

٢٥

فهذا ما شهدت من علي الآن يا أبتاه فسبه أو فدعه فأقبل أبوها يناجي الليل والنهار ويقول : اللهم اغفر لي ما جهلت من أمر علي ، فإن وليي ولي علي وعدوي عدو علي ، وتاب المولى توبة نصوحا ، وأقبل فيما بقي من دهره يدعو الله تعالى أن يغفر له (١).

(قال عبد المحمود) : وهذه شهادة صريحة منهم بوصية علي عليه السلام وكمال لم يبلغ إليه أحد من القرابة والصحابة ، ولا ادعاه ولا أدعى له.

ورأيت في كتاب غريب قد احتوى على مجالس عجيبة للشيعة مع علماء من الأربعة المذاهب ، اسم الكتاب (العيون والمحاسن) (٢) ، وفيه أن شيخا من الأربعة المذاهب سأل مؤلف الكتاب ، لو كان النص على علي بن أبي طالب عليه السلام ظاهرا لاشتمل عليه شعر السيد الحميري فقال له الشيعي : قد ذكره الحميري في قصيدة رائيه يقول فيها :

الحمد لله حمدا كثيرا

ولي المحامد ربا غفورا

حتى انتهى إلى قوله رضي الله عنه :

وفيهم علي وصي النبي

بمحضرهم قد دعاه أميرا

وكان الخصيص به في الحياة * وصاهره واجتباه عشيرا

قال : أفلا ترى أنه قد أخبر في نظمه أن رسول الله (ص) دعا عليا " ع " في حياته بإمرة المؤمنين ، واحتج بذلك فيما ذكره من مناقبه. قال : فسكت الشيخ وكان منصفا

__________________

(١) إحقاق الحق ٤ / ٧٦ ، البحار عن الطرائف ٣٨ / ٣١٠ و ١٨ ، والخوارزمي في المناقب ٨٩.

(٢) للشيخ الفقيه المتكلم أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان البغدادي الشهير بالمفيد ط أولى : ٥.

٢٦

ومما يدل على ظهور النص من النبي (ص) على علي بن أبي طالب عليه السلام بالخلافة بعده ، أن الحديث بذلك اشتهر حتى عرفت النساء واحتججن عند أعدائه عليه السلام.

فمن ذلك ما ذكره العلماء في تواريخهم وكتبهم من أخبار الوافدات على معاوية.

وقد ذكر ابن عبد ربه في الجزء الأول من كتاب العقد الفريد طرفا من ذلك ، فقال قصة دارمية الحجونية مع معاوية : أن معاوية قال لها : أتدرين لم بعثت إليك؟ قالت : لا يعلم الغيب إلا الله. قال : بعثت إليك لأسألك علام أحببت عليا وأبغضتني وواليته وعاديتني؟ قالت : أو تعفيني؟ قال : لا أعفيك. قالت : أما إذا أبيت فإني أحببت عليا عليه السلام على عدله في الرعية وقسمته بالسوية وأبغضتك على قتالك من هو أولى بالأمر منك وطلبك ما ليس لك بحق ، وواليت عليا على ما عقد له رسول الله (ص) من الولاية وعلى حبه للمساكين وإعظامه لأهل الدين ، وعاديتك على سفكك الدماء وجورك في القضاء وحكمك في الهوى (١). هذا لفظها في المعنى المذكور.

ومن ذلك ما ذكره أيضا في حديث وقادة أم سنان بنت جشمة بن خرشة المذحجية: قالت في شعرها ما هذا لفظه تمدح علي بن أبي طالب " ع " :

أما هلكت أبا الحسين فلم تزل

بالحق تعرف هاديا مهديا

فاذهب عليك صلاة ربك ما دعت

فوق الغصون حمامة قمريا

قد كنت بعد محمد خلفا لنا

أوصى إليك بنا فكنت وفيا

اليوم لا خلف يؤمل بعده

هيهات يؤمل بعده إنسيا (٢)

__________________

(١) العقد الفريد : ١ / ١١٥ ط مصر ١٣١٦.

(٢) المصدر : ١ / ١١٤.

٢٧

فهذا تصريح منها بقولها جهارا بأن محمدا (ص) أوصى لعلي عليه السلام وكان علي وفيا بذلك وأنه كان بعد محمد خلفا منه.

ومن ذلك ما ذكره أيضا في وفود أم الخير بنت الحريش بن سراقة البارقي على معاوية في شرح ما كانت تقوله في صفين في وصف علي بن أبي طالب عليه السلام : هلموا رحمكم الله إلى الإمام العادل والوصي التقي والصديق الأكبر ، إنها أحن بدرية وأحقاد جاهلية وثب بها معاوية حين الغفلة ليدرك بها ثارات بني عبد الشمس (١).

ومن ذلك ما ذكرة أيضا في الجزء المذكور من كتاب العقد في وفود أروى بنت الحرث عبد المطلب على معاوية ، فقال لها : كيف كنت بعدنا؟ فقالت : (٢) بخير يا أمير المؤمنين ، لقد كفرت النعمة وأسأت لابن عمك الصحبة ، وتسميت بغير اسمك وأخذت غير حقك من غير دين كان منك ولا من آبائك ولا سابقة لك في الإسلام بعد أن كفرتم برسول الله (ص) فأتعس الله منكم الجدود وأضرع منكم الخدود ورد الحق إلى أهله ولو كره المشركون ، وكانت كلمتنا هي العليا ونبينا هو المنصور ، فوليتم علينا من بعده فأصبحتم تحتجون على سائر الناس بقرابتكم من رسول الله (ص) ونحن أقرب منكم وأولى بهذا منكم ، فكنا فيكم بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون وكان علي عليه السلام بعد نبينا (ص) بمنزلة هارون من موسى ، فغايتنا الجنة وغايتكم النار (٣).

ومما يدل على ظهور النص على علي بن أبي طالب عليه السلام واشتهاره ما ذكره جماعه أصحاب التواريخ والعلماء

__________________

(١) المصدر : ١ / ١١٦.

(٢) في الأصل فقالت : يا بن أخي.

(٣) العقد الفريد ١ / ١١٦.

٢٨

وقد ذكرة أيضا أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني مما يدل على أنه بلغ ظهور العلم بالنص وتألم بني هاشم من المتقدمين على علي بن أبي طالب عليه السلام في الخلافة إلى أن صار ذلك يروى بمحضرهم رؤس الأشهاد ويروى ويستحسن من قائله ويتبع قوله.

وذكر أبو الفرج في الأغاني بإسناده قال : حدثني أبو سليمان التاجي ، قال : جلس المهدي يوما يعطي قريشا صلات أمر لهم بها وهو ولي عهد ، فبدأ ببني هاشم ثم بسائر قريش ، فجاء السيد الحميري فدفع إلى الربيع رقعة مختومة وقال : أن فيها نصيحة للأمير فأوصلها إليه ، فأوصلها فإذا فيها مكتوب :

قل لأبي عباس سمي محمد

لا تعطين بني عدي درهما

احرم بني تيم بن مرة أنهم

شر البرية آخرا ومقدما

إن تعطهم لا يشكروا لك نعمة

ويكافئوك بأن تذم وتشتما

وإن ائتمنتهم أو استعملتهم

خانوك واتخذوا خراجك مغنما

ولئن منعتهم لقد بدءوكم

بالمنع إذ ملكوا وكانوا أظلما

منعوا تراث محمد أعمامه

وبنيه وابنته عديلة مريما

وتأمروا من غير أن يستخلفوا

وكفى بما فعلوا هناك مأثما

لم يشكروا لمحمد إنعامه

أفيشكرون لغيره أن أنعما

والله من عليهم بمحمد

وهداهم وكسا الجنوب وأطعما

ثم انبروا لوصيه ووليه

بالمنكرات فجرعوه العلقما

قال وهي قصيدة طويلة حذفت باقيها لقبيح ما فيه قال فرمى بها إلى ابن عبيد الله الكاتب للمهدي ثم قال اقطع العطاء فقطعه وانصرف الناس ودخل

__________________

(١) في (خ) و (ط) مغرما.

(٢) في (خ) و (ط) الجلود.

٢٩

السيد إليه ، فلما رآه ضحك وقال قد قبلنا نصيحتك يا إسماعيل ولم يعطهم شيئا (١)

(قال عبد المحمود) : أفما ترى هذا قد كان مشهورا بين بني هاشم وغيرهم.

ومما يدل على ظهور النص واشتهاره ما ذكره جماعه أصحاب التواريخ والعلماء أيضا ، وهو أن المأمون الخليفة العباسي جمع أربعين رجلا من علماء المخالفين لأهل البيت وناظرهم بعد أن أبسطهم ووثقهم من الإنصاف ، وأثبت عليهم الحجة بأن علي بن طالب وصي رسول الله (ص) وخليفته والمستحق للقيام مقامه في أمته ، وأورد نصوصا كثيرة قد نقلها المسلمون ، وتفصيلها في مناظرته ، فاعترف له الأربعون نفسا أن عليا عليه السلام هو المنصوص له بالخلافة (٢).

وللمأمون أبيات كثيرة في ذلك وسيأتي ذكر بعضها في هذا الكتاب مما ذكره الصولي في كتاب الأوراق من جملتها :

ألام على شكر (٣) الوصي أبا الحسن

وذلك عندي من عجائب ذا الزمن

خليفة خير الناس والأول الذي

أعان رسول الله في السر والعلن

وأما مناظرات آل أبي طالب وعلماء شيعتهم في مجالس الملوك والوزراء ومقالاتهم في النص من نبيهم على علي بن أبي طالب عليه السلام بخلافته ، فهو أمر لا يقدر الإنسان أن يحصر تفصيله ، ويكفى الإشارة إلى جملته.

وقد ذكر شيخ لهم اسمه المفيد محمد بن بن النعمان له تصانيف كثيرة مشتملة على ثبوت النص على علي بن أبي طالب بأمور عقلية ونقلية.

وكذلك ذكر رجل علوي من علمائهم اسمه علي بن الحسين ويعرف بالمرتضى الموسوي له تصانيف منها كتاب اسمه الشافي وغيره يتضمن ذلك أيضا.

__________________

(١) الأغاني ٧ / ٢٥٣ ، والغدير ٢ / ٢٥٥.

(٢) راجع العقد الفريد : ٣ / ٣٥ ، والغدير ١ / ٢١٠ وهي مناظرة طويلة.

(٣) في (خ) حب.

٣٠

وكذلك ذكر رجل من علمائهم اسمه أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في كتاب الاستيفاء (١) وغيره بثبوت النص بحجج قاهرة وأمور واضحه باهرة. فلينظر من هناك ومن غيرها كتبهم وتصانيفهم ومناظراتهم.

ولئن جحد أحد المخالفين لأهل البيت عليهم السلام وشيعتهم ذلك أو بعضه فقد جحد ما نقلوه في صحاح أخبارهم ، وسيأتي طرف من ذلك.

ولو جحدوا ذلك ولم ينقلوه أصلا ما ضر ذلك أهل البيت وشيعتهم ، لأن أهل البيت ومن تمسك بهم قد ملؤا الشرق والغرب ، وببعضهم يقوم الحجة لله رب العالمين على كافه المسلمين ، كما لم يضر أهل الإسلام إنكار مخالفيهم لمعجزات نبيهم ونبوته وآياته ، وسيأتي طرف من النصوص من النبي (ص) بأنه استخلف علي بن أبي طالب عليه السلام في أمته وخاصته عند إيراد ما نقلوه عن النبي أن الحق مع علي بن أبي طالب عليه السلام يدور حيث ما دار ، وأنه لا يفارق القرآن ولا يفارق الحق حتى يرد عليه الحوض ، وعند ذكر ما أوردوه في صحاحهم وأخبار الثقلين ، وعندما أوردوه عند تفسير " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " (٢) وعند أخبار يوم الغدير ، وأخبار اختصاص على بالنبي إلى حين وفاته.

ولو أوردنا كلما رواه رجال الأربعة المذاهب من الأمور الدالة على نص النبي (ص) على علي عليه السلام بالخلافة طال الكتاب ، ولكنهم عموا عنه وما أليق ما تضمنه كتابهم بهذا المعنى ، " فلما جائهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين " (٣).

__________________

(١) غير موجود في مصنفاته.

(٢) الأحزاب : ٣٣.

(٣) البقرة : ٨٩.

٣١

قال الشيعي : ولو نظر المخالفون لأهل البيت بعقول صحيحة وقلوب سليمه إلى حال علي بن أبي طالب " ع " لعلموا قطعا أنه لو لم ينص النبي (ص) عليه بالخلافة لكانت ذاته الطاهرة وصفاته الباهرة ومناقبه العالية ومذاهبه الشافية قاضيه بأنها نصوص صريحة عليه بالخلافة.

ولقد بلغت خصائصه إلى أن التبس على خلق كثير العقلاء فاعتقدوا أنه فاطر السماوات والأرض وخالق الأموات والأحياء كما بلغ الأمر إلى عيسى عليه السلام ، وقد كان النبي (ص) قال : له أن فيك مثلا من عيسى. وسيأتي الرواية فيما بعد إن شاء الله.

ومن عجيب الأمر أنه ما التبس الحال بين رسول الله (ص) وبين الله جل جلاله وقد كان النبي الأصل فيما وصل علي عليه السلام إليه ، وللنبي الفضيلة عليه ، ومع هذا التبس الأمر في علي بن أبي طالب عليه السلام هل هو إله معبود أو عبد محدود؟ ولعل الله جل جلاله لما سبق في علمه ما يجري حاله عليه من كثرة الباغضين والمعاندين وما يبلغون إليه من مساواته بمن لا يجري مجراه كساه من حلل أنواره وجليل مناره ما يبلغ به حد يقوم به الحجة على الخلايق ولا يبقى عذر لمنافق أو مفارق.

ولبعض الشعراء أبيات في هذا المعنى ، وهي هذه :

تبا لنصابة الأنام لقد

تهافتوا في الضلال بل تاهوا

قاسوا عتيقا بحيدر سخنت

عيونهم بالذي به فاهوا

كم بين من شك في هدايته

وبين من قيل أنه الله

ولو أردنا ذكر ما رواه أهل البيت وشيعتهم لاحتاج إلى مجلدات وضاق عنه كثير من الأوقات ، ولكن كيف يستطرف من قوم كانوا في الجاهلية لا يفرقون بين الصنم والخشب والحجر ، بل يفضلون أصنامهم ويتعوضون بها عن الله

٣٢

الذي كماله أشهر من كل مشتهر أن يجهلوا الفرق بين علي بن أبي طالب عليه السلام وبين أبي بكر وعثمان ، أو يفضلون على علي عليه السلام من هو دونه من البشر وذلك لأن معهم تلك العقول السقيمة ، فلا يستبعد أن توقعهم في المهالك الذميمة.

ومن يك ذا فم مر مريض

يجد مرا به الماء الزلالا

(مبيت علي عليه السلام

(في فراش رسول الله (ص)

ومن آيات الله ورسوله في علي بن أبي طالب عليه السلام التي انفرد بها عن سائر المسلمين وكانت سببا لانتظام الرسالة وبقاء الدين بمقتضى رواية رجال الأربعة المذاهب وروايتهم لحديث من يؤازرني وينصرني يكون وصيي ، وقد تقدم فإنه لم يقم بذلك أحد سواه.

ومن ذلك مبيته عليه السلام على فراش النبي الأمي (ص) يفديه بمهجته ولولا هذا المبيت وفكاكه من الأعداء ما تمكن من هجرته ولإتمام رسالته ، ومن المعلوم أن أتباع الأنبياء والرؤساء والأمراء متى انكسر الرئيس أو اندفع النبي أو هرب الأمير لم يبق لمن تبعه قوة على ثبوت قدم ولا رفع علم ويكلف ما عجز عنه رئيسه ومتقدمه ، وعلي بن أبي طالب عليه السلام يقف ويبيت في الوقت الذي اندفع فيه رئيسه ونبيه ومتقدمه.

ثم العجب أنه حكى ما كان الأمر مقصورا على أنه يبيت في موضع النبي صلى الله عليه وآله بعض الليل أو كل الليل فحسب حتى يبعد النبي عن مكة ، فإنه لو كان الأمر كذلك كان أهون ولكنه تكلف أنه يفديه بنفسه ويصبح بين

٣٣

الأعداء وقد جنى عليهم هذه الجناية وفوتهم من يعتقدون أنه أعدى عدو لهم ، وكان سبب هجرته وسلامته منهم.

ثم العجب أنه ما يكفيه إقامته حتى أصبح بينهم ظاهرا ساكنا ثابت الجنان مع خذلان البشر له وقلة الأعوان ، ويكون مع ذلك على صفة قوة القلب واللسان ، حتى أن الكفار لما هجموا عليه ولم يجدوا النبي (ص) وسألوه عنه فما قال ما أدري أين مشى كما يقوله المعتذر الخائف. بل قال في حفظ الله تعالى كأنه قصد إظهار العداوة لهم والقوة عليهم ثقة بالله وتثبيتا لمقام النبوة وكسر شوكة الكفار والرد عليهم في مثل ذلك الوقت الهائل ، أن هذا مما يتعجب منه كل عاقل.

ثم العجب أنه ما كفاه ذلك كله حتى يقيم ثلاثة أيام بمكة بعد النبي (ص) يرد الودائع ويقضي الديون ويجهز عياله ويسد مسده ويحمل حرمه إلى المدينة بقلب راسخ ورأي شامخ ، أن هذا مما يعجز عنه قوة الطباع البشرية إلا بمواد قوية من القدرة الإلهية. فسبحان من خص علي بن أبي طالب عليه السلام بهذه الخصائص الإلهية ، فكل خير جاء بعد ذلك في الإسلام والمسلمين إلى يوم الدين فهو ببركة تلك الفدية والمبيت على الفراش ، وحصلت لعلي عليه السلام فضيلة حفظ النبي (ص) والمشاركة في فوائد نبوته ورسالته وفي سعادة من اهتدى إلى يوم القيامة من أمته.

وهو أعجب من استسلام إسماعيل لذبح إبراهيم عليه السلام ، لأن إسماعيل استسلم الذبح لوالد شفيق كان يمكن أن ينظر الله إلى قلب والده فيعفيه من ذبحه كما جرى ، أو كان يجوز أن يموت أحدهما قبل ذبح إسماعيل ، أو كان يذبح بغير تألم إكراما لكون الذبح بأذنه على يد والد لولده ، وغير ذلك من أسباب تجويز السلامة إشفاقا من الله تعالى. وعلي بن أبي طالب عليه السلام استسلم للأعداء بعد وفاة والده أبي طالب وتفرق الأولياء ، فهل ترى كان يجوز

٣٤

التقدم عليه بعد النبي (ص) في شئ من الأشياء ، وكم وقى النبي والإسلام وحفظ ذلك لما وهبه الله تعالى من العناية والإكرام. مثل يوم بدر وأحد وخيبر وحنين ويوم قتل عمرو بن عبد ود كما قال النبي (ص) برز الإيمان كله إلى الشرك كله ، وغيرها من المقامات التي ما قام أحد مقامه كتأدية سورة براءة وما يضيق الوقت عن ذكرة ونشره.

ولو أردنا ذكر ما رواه أهل البيت وشيعتهم من النصوص على علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمة من العترة النبوية لاحتاج ذلك إلى مجلدات وضاق عنه كثير من الأوقات ، وسأذكر طرفا من رواية رجال الأربعة المذاهب في هذا الموضع غير ما تقدم ذكره.

٢٣ ـ فمن ذلك ما رواه ابن المغازلي عن عبد الله بن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لكل نبي وصي ووارث ، وأن وصيي ووارثي علي بن أبي طالب عليه السلام (١)

نزول قوله تعالى

(واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة)

في علي عليه السلام

٢٤ ـ ومن كتاب شواهد التنزيل بإسناده إلى عبد الله بن عباس في تأويل قوله تعالى " واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة " الآية ، قال : لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وآله : من ظلم عليا مقعدي هذا بعد وفاتي فكأنما جحد نبوتي ونبوة الأنبياء قبلي (٢).

__________________

(١) المناقب : ٢٠٠ ، والذخائر : ٧١.

(٢) شواهد التنزيل : ١ / ٢٠٦. والبحار : ٣٨ / ١٥٥.

٣٥

٢٥ ـ ومن كتاب أبي عبد الله محمد بن علي السراج في تأويل هذه الآية بإسناده إلى عبد الله بن مسعود أنه قال : قال النبي (ص) يا بن مسعود أنه قد أنزلت علي آية " واتقوا فتنة " (١) الآية ، وأنا مستودعكها ، ومسم لك خاصة الظلمة ، فكن لما أقول لك واعيا وعني له مؤديا ، من ظلم عليا مجلسي هذا كمن جحد نبوتي ونبوة من كان قبلي. فقال له الراوي : يا أبا عبد الرحمان أسمعت هذا من رسول الله (ص)؟ قال : نعم. قال قلت : فكيف وليت للظالمين؟ قال : لا جرم جلبت عقوبة عملي ، وذلك أني لم أستأذن إمامي كما استأذنه جندب وعمار وسلمان ، وأنا أستغفر الله وأتوب إليه (٢)

نزول قوله تعالى

(ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله)

في علي عليه السلام

٢٦ ـ ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده في حديث طويل يرويه عن عمر بن ميمون يشتمل على عشرة مناقب لعلي بن أبي طالب عليه السلام شهد له بها النبي (ص) يقول في بعضه في تفسير قوله تعالى " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد " (٣) قال : وشرى علي نفسه لبس ثوب رسول الله (ص) ثم نام مكانه. قال : وكان المشركون يتوهمون أنه رسول الله ، ثم قال فيه : وجعل علي يرمي بالحجارة كما كان يرمي نبي الله وهو يتضور قد لف رأسه بالثوب لا يخرجه حتى أصبح ، ثم كشف رأسه فقالوا : لما كان صاحبك

__________________

(١) الأنفال : ٢٥.

(٢) البحار : ٣٨ / ١٥٦.

(٣) البقرة : ٢٠٧.

٣٦

كنا نرميه بالحجارة فلا يتضور وقد استنكرنا ذلك (١).

٢٧ ـ وذكر الثعلبي في تفسير هذه الآية بإسناد رفعه قال : أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما أراد الهجرة خلف علي بن أبي طالب عليه السلام بمكة لقضاء ديونه ورد ودائعه التي كانت عنده ، وأمره ليله خرج إلى الغار،وقد أحاط المشركون بالدار أن ينام على فراشه.

ثم قال الثعلبي بعد كلام ذكره : (٢) ففعل ذلك علي عليه السلام فأوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل عليهما السلام : إني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر ، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختارا كلاهما الحياة ، فأوحى الله عز وجل إليهما : أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب آخيت بينه وبين محمد فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة ، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه فنزلا فكان جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه ، فقال جبرئيل : بخ بخ من مثلك يا بن أبي طالب ، يباهي الله بك الملائكة ، فأنزل الله عز وجل على رسوله وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي بن أبي طالب : " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله " الآية (٣).

وروى الشافعي ابن المغازلي في كتاب المناقب حديث مبيت علي عليه السلام على فراش النبي صلى الله عليه وآله مسندا أيضا (٤).

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل : ١ / ٣٣١ ، والبحار : ٣٦ / ٤١ ، والعمدة : ١٢٣.

(٢) وهو (وقال له : اتشح ببردي الحضرمي الأخضر فإنه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء الله تعالى).

(٣) إحقاق الحق عن الثعلبي : ٦ / ٤٧٩ ، بحار : ٣٦ / ٤١ ، العمدة : ١٢٤.

(٤) لم نجده في المصدر المطبوع.

٣٧

رد أبي بكر عن إبلاغ سورة التوبة

٢٨ ـ ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده من طرق جماعه ، فمنها عن أنس بن مالك أن رسول الله (ص) بعث ببراءة مع أبي بكر إلى أهل مكة فلما بلغ إلى ذي الحليفة بعث إليه فرده فقال : لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي ، فبعث عليا " ع " (١)

٢٩ ـ ومن مسند أحمد بن حنبل عن سماك عن حبيش يرفعه قال : لما نزلت عشر آيات من سورة براءة على النبي (ص) دعى النبي أبا بكر فبعثه بها ليقرأها على أهل مكة ، ثم دعى النبي عليا عليه السلام فقال له : أدرك أبا بكر فحيث ما لحقته فخذ الكتاب منه ، فاذهب به إلى مكة واقرأه عليهم. قال : فلحقه بالجحفة فأخذ الكتاب منه ، فرجع أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا رسول الله نزل في شئ. فقال : لا ولكن جبرئيل جاءني فقال : لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك (٢).

٣٠ ـ وروى البخاري في صحيحه في نصف الجزء الخامس في باب " وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله برئ من المشركين ورسوله " حديث سورة براءة ، وزاد فيه : قال فأذن علي في أهل منى يوم النحر : ألا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان (٣).

٣١ ـ ورواه أيضا في الجمع بين الصحاح الستة في الجزء الثاني في تفسير سورة براءة من صحيح أبي داود وصحيح الترمذي في حديث ابن معاوية

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل : ٣ / ٢٨٣ ، وإحقاق الحق عن الفضائل لأحمد بن حنبل المخطوط : ٣ / ٤٢٨ ، والبحار ٣٥ / ٣٠٥ وفيه (لا يذهب بها) وذخائر العقبى : ٦٩.

(٢) رواه ابن كثير عن أحمد بن حنبل في تفسيره : ٢ / ٣٢٢ ، والبحار ٣٥ / ٣٠٥.

(٣) البحار : ٣٥ / ٣٠٦ ، والبخاري في صحيحه : ٥ / ٢٠٢.

٣٨

يرفعونه إلى عبد الله بن عباس قال : بعث رسول الله (ص) أبا بكر وأمره أن ينادي في الموسم ببراءة ، ثم أردفه عليا عليه السلام ، فبينما أبو بكر في بعض الطريق إذ سمع رغاء ناقة رسول الله (ص) العضباء ، فقام أبو بكر فزعا فظن أنه حدث أمر ، فدفع إليه على كتابا من رسول الله فيه أن عليا ينادي بهؤلاء الكلمات فإنه لا ينبغي أن يبلغ عني إلا رجل من أهل بيتي. فانطلقا ، فقام علي (ع) أيام التشريق ينادي : ذمة الله ورسوله بريئة من كل مشرك ، فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ، ولا يحجن بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت بعد اليوم عريان ، ولا ى دخل الجنة إلا نفس مؤمنة (١).

٣٢ ـ ورواه الثعلبي في تفسيره في تفسير سورة براءة ، وشرح الثعلبي كيف نقض المشركون العهد الذي عاهدهم النبي (ص) في الحديبية ، ثم قال الثعلبي في أواخر حديثه ما هذا لفظه : فبعث رسول الله (ص) أبا بكر في تلك السنة على الموسم ليقيم للناس الحج ، وبعث معه أربعين آية من صدر براءة ليقرأها على أهل الموسم ، فلما سار دعا رسول الله (ص) عليا عليه السلام فقال : أخرج بهذه القصة واقرأ عليهم من صدر براءة ، وأذن بذلك في الناس إذا اجتمعوا ، فخرج علي على ناقة رسول الله (ص) العضباء حتى أدرك أبا بكر بذي الحليفة ، فأخذها منه ، فرجع أبو بكر إلى النبي (ص) فقال : يا رسول الله بأبي أنت وأمي أنزل في شأني شئ؟ فقال : لا ولكن لا يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني. ثم ذكر الثعلبي صورة نداء علي وإبلاغه لما أمره الله به ورسوله (٢).

__________________

(١) البحار : ٣٥ / ٣٠٦.

(٢) إحقاق الحق عن تفسير الثعلبي المخطوط : ٣ / ٤٣٠ ، والبحار : ٣٥ / ٣٠٧.

٣٩

نزول آية النجوى

(في علي عليه السلام)

٣٣ ـ ومن ذلك ما رواه في الجمع بين الصحاح الستة في الجزء الثالث من أجزاء ثلاثة في تفسير سورة المجادلة (١).

ورواه الفقيه الشافعي ابن المغازلي (٢).

ورواه الثعلبي في تفسير قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة " (٣) فمن ذلك عن مجاهد قال : نهى عن مناجاة النبي (ص) حتى يتصدقوا ، فلم يناجه إلا علي بن أبي طالب عليه السلام قدم دينارا فتصدق به ثم نزلت الرخصة ، وقال علي عليه السلام : إن في كتاب الله آية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي وهي " يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة الآية وقال علي عليه السلام : بي خفف الله عن هذه الأمة أمر هذه الآية فلم ينزل في أحد قبلي ولا ينزل في أحد بعدي (٤).

قال ابن عمر : كان لعلي عليه السلام ثلاثة لو كانت لي واحدة منهن كانت أحب إلى من حمر النعم : تزويجه فاطمة عليها السلام ، وإعطاؤه الراية يوم الخيبر ، وآية النجوى.(٥)

__________________

(١) رواه الحاكم النيسابوري في المستدرك ٢ / ٤٨١ عن مجاهد.

(٢) المناقب : ٣٢٥ رواه عن علي بن أبي طالب عليه السلام وعن مجاهد ورواه الحاكم

الحسكاني في شواهد التنزيل ٢ / ٢٣١ عن مجاهد.

(٣) المجادلة : ١٢.

(٤) إحقاق الحق عن الثعلبي : ٣ / ١٣٢ و ١٤ / ٢٠٥ ، والعمدة : ٩٣.

(٥) إحقاق الحق عن الثعلبي : ٤ / ٤٤٩ ، والمناقب للخوارزمي : ١٩٦ ط نجف.

٤٠