الطّرائف في معرفة مذاهب الطوائف

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

الطّرائف في معرفة مذاهب الطوائف

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


الموضوع : الفرق والمذاهب
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٣

الضالة؟ الأنصار حين خالفوهم بأسرها أو عمر أو المهاجرون حين خالفوهم أو علي عليه السلام وبنو هاشم حين خالفوا وتأخروا البيعة ستة أشهر ، ولو كان قد عمل هاهنا بقول نبيهم في الثقلين والتمسك بهما وإن عترته لا تفارق كتابه وكان قد وافق بني هاشم كان قد حصل الأمان من الضلال وسلمت الأخبار الصحاح من الاختلاف والاختلال.

ومن العجب أنهم رووا في كتبهم المعتبرة أن نبيهم محمدا صلى الله عليه وآله قد شهد بضلال الفريقين المخالفين لعلي بن أبي طالب عليه السلام.

٣٤٦ ـ فمن ذلك ما رواه أبو بكر بن مردويه ، قال أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد السري بن يحيى التميمي ، حدثنا المنذر بن محمد بن المنذر ، حدثنا أبي ، حدثنا عمي الحسين بن سعيد بن أبي الجهم ، حدثني أبي عن أبان بن تغلب عن مسلم قال : سمعت أبا ذر والمقداد بن الأسود وسلمان الفارسي قالوا : كنا قعودا عند رسول الله " ص " ما معنا غيرنا ، إذ أقبل ثلاثة رهط من المهاجرين البدريين ، فقال رسول الله : تفترق أمتي بعدي ثلاث فرق ، فرقة أهل حق لا يشوبونه بباطل مثلهم كمثل الذهب كلما فتنته بالنار ازداد جودة وطيبا وإمامهم هذا أحد الثلاثة وهو الذي أمر الله به في كتابه " إماما ورحمة " ، وفرقة أهل باطل لا يشوبونه بحق مثلهم كمثل خبث الحديد كلما فتنته بالنار ازداد خبثا وأمامهم هذا أحد الثلاثة ، وفرقة أهل ضلالة مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء وإمامهم هذا أحد الثلاثة. فسألتهم عن أهل الحق وإمامهم. فقال : هذا علي أبي طالب إمام المتقين ، وأمسك عن الاثنين فجهدت أن يسميهما فلم يفعل (١).

وروى هذا الحديث أخطب خوارزم موفق بن أحمد ، ورواه أيضا أبو الفرج المعافا ابن زكريا وهو شيخ البخاري.

__________________

(١) رواه السيد عنه في اليقين : ١٨١ ـ ١٨٢.

٢٤١

(قال عبد المحمود) : فهل ترى نبيهم ترك لهم عذرا مقبولا في مخالفة علي بن أبي طالب عليه السلام؟ وهل ترى أقبح من ضلالهم وسوء حالهم؟

ومن طرائف الأحاديث المذكورة شهادة عمر ومن تابعه على الصحابة بأنهم كلهم على دين واحد ومجمعين على أمر واحد في عدم امتثال قول نبيهم " ص " في عترته عليهم السلام ولا كان فيهم مروة ولا حياء حيث سارعوا إلى تعجيل مخالفته وتغيير أقواله وشريعته.

ومن طرائف الأحاديث المذكورة شهادة عمر ومن صحح الحديث ، على أن الحاضرين في السقيفة كانوا يشهدون أن جميعهم مجمعون على أن الخلافة يستحقها غير أبي بكر ، وأنه لم يكن عندهم بمنزلة من يصلح للخلافة ولا يشاور فيها ، بدليل أنهم شرعوا فيها وجرى حديث عقدها لبعض من حضر منهم (١) ، ولم يبعثوا إلى أبي بكر يحضرونه ولا استشاروه ، وهذا يلزم من اعتقد أن مبايعتهم حجة وأنهم كانوا على صواب ، فإن كان إجماعهم وشهادتهم حقا فقد تقدمت إجماعهم وشهادتهم على أن الخليفة منهم وأن أبا بكر خارج عنهم ، وأن كان يصح أنهم يشهدون ويجمعون على محال فكذا يمكن أن يكون مبايعتهم على فساد واختلال ، فلا يكون إجماعهم حجة في شئ من الأحوال والأعمال.

ومن طرائف الأحاديث المذكورة شهادة عمر أنه لم يطلب له ولا لأبي بكر أحد ولا اختارهما ولا قصدهما ، وإنهما مضيا بأنفسهما يطلبان الملك والخلافة ويتوصلان فيهما ، ولو كانا ثقة من أنفسهما أنهما يصلحان للخلافة أو يوصلهما أحد لذلك للزما منازلهما حتى يأتيهما الناس كما فعل علي " ع " وبنو هاشم.

ومن طرائف الأحاديث شهادته وشهادة من يشهد بصحة الحديث أن أبا بكر وحده ابتدء باختيار خليفة إما عمر أو أبي عبيدة.

__________________

(١) وهو سعد بن عبادة حيث أجمع الأنصار كلهم على مبايعته.

٢٤٢

ومن طرائف ذلك تعيين أبي بكر على عمر وأبي عبيدة واختياره لهما ثم موافقته لعمر على أن يرجع عنهما ويعتقد الخلافة لنفسه ، فليت شعري حيث اختارهما أما كان يعلم أنهما أصلح لأمة نبيهم " ص " وأقوم بالخلافة منه فإن كان اختارهما لأنهما أصلح للأمة منه فكيف خان الأمة وعدل عنهما وهما أصلح ، وإن كان اختارهما مع أنه يعلم أنه أصلح للأمة منهما فقد خان الله ورسوله والمسلمين كيف اختار لهما غير الأصلح وعدل عن نفسه وقد كان يجب أن يسكت أو يحتج لنفسه بأنه أقوم للخلافة ولا يعين بالخلافة على عمر ولا على أبي عبيدة لأنه على بصيرة من باطنه ولا يعلم بباطن غيره ، فكيف رضوا بهذه المناقضة والاختلاف وشهدوا على خليفتهم بعدم الإنصاف وخيانة الله ورسوله والمسلمين.

ومن طرائف ذلك أن أبا بكر يختار لخلافة المسلمين عمر وأبا عبيدة ، فيرد عمر ومن وافقه على خلافة أبي بكر اختيار أبي بكر ويطعنون على اختياره لهم ويرون اختيارهم له أحسن من اختياره ، فكان طعنهم وردهم الاختيار لهم طعنا عليهم في اختيارهم له ، ويزيد ذلك بيانا إن الذين ذهبوا إلى أن سبب خلافة أبي بكر اختيار السقيفة له يلزمهم أنه إذا بطل اختيار أهل السقيفة أو كان فاسدا أن يفسد خلافة أبي بكر ، وقد أوضحت لك أن اختيارهم له كان خلاف اختياره لهم فكان ذلك مشهودا بسوء اختيارهم له وبسوء اختياره لهم حيث قبل اختيارهم ومبايعتهم له فبطل اختيارهم واختياره وبطل بذلك حكم خلافته ، وهذا واضح لمن اطلع على الحقيقة.

ومن طرائف الأحاديث المذكورة إن الأنصار كرهت ذلك ولم تقنع إلا أن يكون منهم أمير ومن المهاجرين أمير.

ومن طرائف الأحاديث المذكورة أن عمر شهد أنه بايع أبا بكر خوفا من الاختلاف ، ولم يكن ذلك لأنه أحق ممن غاب أو حضر.

٢٤٣

ومن طرائف الأحاديث المذكورة شهادة عمر على الأنصار بأنهم قد كانوا من الجهالة والضلالة إلى أنهم يجيزون أن يكون للناس إمامان في وقت واحد.

ومن طرائف الأحاديث المذكورة أنهم يطفرون وينزون على سعد بن عبادة كفعل السفهاء والطغام ، وإن مجلسهم قد كان خاليا من آداب ذوي العقول والأحلام.

ومن طرائف الأحاديث المذكورة دعاء عمر على سعد بن عبادة بالقتل وهو رجل مسلم من أعيان الصحابة ، وقد أمر الإسلام أن يحب المسلم لأخيه ما يحب لنفسه ويكره لأخيه ما يكره لنفسه.

٣٤٧ ـ ومع ما رواه الحميدي في الحديث الخامس والخمسين بعد المائة من مسند عبد الله بن عمر من المتفق عليه ، إن النبي " ص " سأل عن سعد بن عبادة وكان سعد مريضا وقال : كيف أخي سعد بن عبادة ، وإن النبي عاده في مرضه وبكى عليه وأبكى الصحابة (١).

فأين هذا الاكرام بسعد بن عبادة من النبي " ص " من استخفاف عمر به ودعائه عليه. ومن طرائف الأحاديث المذكورة شهادة عمر وشهادة من صحح حديثه أن عمر كان يعلم أن الأنصار غير راضية بأبي بكر وأنه لو فارقهم خاف أن يبايعوا غيره ، وأنه لو بايعوا غيره ما كان راضيا بذلك ، فمن جعل له هذا الحكم على المسلمين وهذا الاختلاف مما لا يليق بالورع والدين.

ومن طرائف الأحاديث المذكورة شهادتهم على الصحابة أنهم ما يعرفون حق علي ، أو كانوا يعرفون ولا يعملون بما أمرهم نبيهم محمد " ص " في تعظيمه ، وقد تقدمت بعض الروايات عنهم بتعظيم علي وبالغوا في ذلك ، ثم رووا ههنا أنهم كانوا يراقبونه لمكان جاه فاطمة فحسب ، وهذه شهادة عظيمة وإساءة جسيمة إليه.

ومن طرائف الأحاديث المذكورة شهادتهم أن عليا عليه السلام وبني هاشم

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٦٣٧.

٢٤٤

ما بايعوا أبا بكر إلا عجزا عن الانتصار ومع عدم الأنصار من غير اتفاق ولا رضى بمبايعة أبي بكر.

ومن طرائف الأحاديث المذكورة شهادتهم أن بني هاشم تأخروا ستة أشهر عن بيعته ، ولو كان تأخرهم لشبهة أو غير حق ما كان يبلغ التأخر إلى هذه المدة الطويلة التي يشهد لسان حالها أن بني هاشم كانوا يعتقدون ويتحققون أن الخلافة لهم وأنهم مظلومون وفيهم أحد الثقلين الذين أوصى نبيهم بالتمسك بهما.

ومن طرائف الأحاديث المذكورة شهادتهم أن بني هاشم كانوا كلهم عارفين أن الحق لعلي عليه السلام وموافقين له ، وأنهم ما بايعوا أبا بكر ولا واحد منهم حتى بايعه علي عليه السلام.

ومن طرائف الأحاديث المذكورة إنفاذ علي إلى أبي بكر أن يأتيه ولم يكن عنده أهلا يمضي إليه ، ولو كان يعتقد خلافته لمضى إليه.

ومن طرائف الأحاديث المذكورة شهادة البخاري ومسلم بما كان عند بني هاشم من سوء الاعتقاد في عمر وكراهيتهم لإمامته وإنه على خلاف أبي بكر وعلى خلافهم.

ومن طرائف الأحاديث المذكورة خوف عمر على أبي بكر القتل وسوء الظن ببني هاشم وقوله لا تأتيهم وحدك ، فأي صفاء يدعيه أحد بين بني هاشم وأبي بكر وعمر وقد بلغ الأمر بينهم إلى هذه الأكدار والعداوة بشهادة البخاري ومسلم اللذين يتهمان عندهم في نقل الأخبار والآثار.

ومن طرائف الأحاديث المذكورة ما ذكره الطبري والواقدي وصاحب الغرر المقدم ذكرهم من القصد إلى بيت فاطمة وعلي والحسن والحسين عليهم السلام بالإحراق ، أين هذه الأفعال المنكرة من تلك الوصايا المتكررة من نبيهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟ وأين ما تقدم ذكره من رواياتهم في صحاحهم

٢٤٥

ولا اعتقد أن أمة بلغت بعد نبيها في الاستخفاف بدينه وأهل بيته إلى ما بلغ هؤلاء القوم ، وأنا ما اعتقد نبيا بالغ في الوصية بأهل بيته ومدحهم أعظم مما بالغ فيه محمد " ص " نبيهم.

ومن أطرف الطرائف قصدهم لإحراق علي والعباس بالنار في قوله : فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهما وقد كان في البيت فاطمة. وفي رواية أخرى إنه كان معهم في البيت الزبير والحسن والحسين عليهما السلام وجماعة من بني هاشم لأجل تأخرهم عن بيعة أبي بكر وطعنهم فيها ، أما ينظر أهل العقول الصحيحة من المسلمين أن محمدا " ص " كان أفضل الخلائق عندهم ونبوته أهم النبوات ومبايعته أوجب المبايعات ، ومع هذا فإنه بعث إلى قوم يعبدون الأصنام والأحجار وغيرهم من أصناف الملحدين والكفار ، وما سمعناه أنه استحل ولا استجاز ولا رضي أن يأمر بإحراق من تأخر عن نبوته وبيعته ، فكيف بلغت العداوة لأهل بيته والحسد لهم والاهمال لوصيته بهم إلى أن يواجهوا ويتهددوا أن يحرقوا بالنار ، وقد شهدت العقول أن بيعة كانت على هذه الصفات وأن إكراه الناس عليها بخلاف الشرائع والنبوات والعادات لبيعة محكوم بفساد أهلها ووجوب حلها ، فهل ترى يوم السقيفة وما جرى فيه كان من شيم الأبرار أو من مغالبة الجاهلية الأشرار.

ومن عجيب ما رووه من المناقضة لذلك ما رواه أحمد بن حنبل في الجزء الرابع من مسند عبد الله بن مسعود قال : كنا مع رسول الله " ص " فمررنا بقرية نمل فأحرقت فقال النبي : لا ينبغي لبشر أن يعذب بعذاب الله تعالى.

(قال عبد المحمود) : وكيف كان أهل بيت النبوة أهون من النمل؟ وكيف ذكروا أنهم يعذبونهم بعذاب الله تعالى من الحريق بالنار؟ والله إن هذه الأمور من أعظم عجائب الدهور.

٢٤٦

(قال عبد المحمود) : فهل يشك عاقل مع هذا أن بيعة أبي بكر كانت فلتة كما قال عمر ومغالبة ومنافسة في طلب الدنيا ، ولم يكن بمشاورة من المسلمين ولا مراعاة لأوامر الشرع والدين وما أقرب هذه الأحوال بما تضمنه كتابهم " وما محمد إلا رسول قد خلت قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين " (١).

ومن طرائف ما يوضح أن ظلم عمر لأهل البيت قد كان محققا مشهورا بين الولي والعدو.

٣٤٨ ـ ما ذكره البلاذري في تاريخه قال : لما قتل الحسين بن علي بن أبي طالب كتب عبد الله بن عمر إلى يزيد بن معاوية " أما بعد : فقد عظمت الرزية وجلت المصيبة وحدث في الإسلام حدث عظيم ولا يوم كيوم الحسين ". فكتب إليه يزيد : " يا أحمق! فإنا جئنا إلى بيوت متخذة وفرش ممهدة ووسائد منضدة فقاتلنا عليها ، فإن يكن الحق لنا فعن حقنا قاتلنا ، وإن يكن الحق لغيرنا فأبوك أول من سن هذا وآثر واستأثر بالحق على أهله ".

فيما جرى على فاطمة عليها السلام من الأذى

والظلم ومنعها من فدك

ومن الطرائف العجيبة ما تجددت على فاطمة عليها السلام بنت محمد " ص " نبيهم من الأذى والظلم وكسر حرمتها وحرمة أبيها والاستخفاف بتعظيمه لها وتزكيتها ، كما تقدمت رواياتهم عنه في حقها من الشهادة بطهارتها وجلالتها وشرفها سائر النسوان وأنها سيدة نساء أهل الجنة.

__________________

(١) آل عمران : ١٤٤.

٢٤٧

فذكر أصحاب التواريخ في ذلك رسالة طويلة تتضمن صورة الحال أمر المأمون الخليفة العباسي بإنشائها وقراءتها في موسم الحج. وقد ذكرها صاحب التاريخ المعروف بالعباسي وأشار الروحي الفقيه صاحب التاريخ إلى ذلك في حوادث سنة ثماني عشرة ومائتين جملتها ، إن جماعة من ولد الحسن والحسين عليهما السلام رفعوا قصة إلى المأمون الخليفة العباسي من بني العباس يذكرون أن فدك والعوالي كانت لأمهم فاطمة بنت محمد " ص " نبيهم ، وأن أبا بكر أخرج يدها عنها بغير حق ، وسألوا المأمون إنصافهم وكشف ظلامتهم ، فأحضر المأمون مائتي رجل من علماء الحجاز والعراق وغيرهم وهو يؤكد عليهم في أداء الأمانة واتباع الصدق ، وعرفهم ما ذكره ورثة فاطمة في قضيتهم وسألهم عما عندهم من الحديث الصحيح في ذلك.

فروى غير واحد منهم عن بشير بن الوليد والواقدي وبشر بن عتاب في أحاديث يرفعونها إلى محمد " ص " نبيهم لما فتح خيبر اصطفى لنفسه قرى من قرى اليهود ، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام بهذه الآية " وآت ذا القربى حقه " فقال محمد " ص " : ومن ذو القربى وما حقة؟ قال : فاطمة عليها السلام تدفع إليها فدك ، فدفع إليها فدك ثم أعطاها العوالي بعد ذلك ، فاستغلتها حتى توفي أبوها محمد " ص " فلما بويع أبو بكر منعها أبو بكر منها ، فكلمته فاطمة عليها السلام في رد فدك والعوالي عليها وقالت له : إنها لي وإن أبي دفعها إلى. فقال أبو بكر : ولا أمنعك ما دفع إليك أبوك.

فأراد أن يكتب لها كتابا فاستوقفه عمر بن الخطاب وقال : إنها امرأة فادعها بالبينة على ما ادعت ، فأمر أبو بكر أن تفعل ، فجاءت بأم أيمن وأسماء بنت عميس مع علي بن أبي طالب عليه السلام فشهدوا لها جميعا بذلك ، فكتب لها أبو بكر ، فبلغ ذلك فأتاه فأخبره أبو بكر الخبر ، فأخذ الصحيفة فمحاها فقال : إن فاطمة امرأة وعلي بن أبي طالب زوجها وهو جار إلى نفسه ولا يكون

٢٤٨

بشهادة امرأتين دون رجل.

فأرسل أبو بكر إلى فاطمة ع فأعلمها بذلك فحلفت بالله الذي لا إله إلا هو أنهم ما شهدوا إلا بالحق فقال أبو بكر فلعل أن تكوني صادقة ولكن أحضري شاهدا لا يجر إلى نفسه فقالت فاطمة ألم تسمعا من أبي رسول الله ص يقول أسماء بنت عميس وأم أيمن من أهل الجنة فقالا بلى فقالت امرأتان من الجنة تشهدان بباطل فانصرفت صارخة تنادي أباها وتقول قد أخبرني أبي بأني أول من يلحق به فو الله لأشكونهما فلم تلبث أن مرضت فأوصت عليا أن لا يصليا عليها وهجرتهما فلم تكلمهما حتى ماتت فدفنها علي ع والعباس ليلا.

فدفع المأمون الجماعة عن مجلسه ذلك اليوم ثم أحضر في اليوم الآخر ألف رجل من أهل الفقه والعلم وشرح لهم الحال وأمرهم بتقوى الله ومراقبته فتناظروا واستظهروا ثم افترقوا فرقتين فقالت طائفة منهم الزوج عندنا جار إلى نفسه فلا شهادة له ولكنا نرى يمين فاطمة قد أوجبت لها ما ادعت مع شهادة الامرأتين وقالت طائفة نرى اليمين مع الشهادة لا توجب حكما ولكن شهادة الزوج عندنا جائزة ولا نراه جارا إلى نفسه فقد وجب بشهادته مع شهادة الامرأتين لفاطمة ع ما ادعت فكان اختلاف الطائفتين إجماعا منهما على استحقاق فاطمة ع فدك والعوالي.

فسألهم المأمون بعد ذلك عن فضائل لعلي بن أبي طالب ع فذكروا منها طرفا جليلة قد تضمنه رسالة المأمون وسألهم عن فاطمة ع فرووا لها عن أبيها فضائل جميلة وسألهم عن أم أيمن وأسماء بنت عميس فرووا عن نبيهم محمد ص أنهما من أهل الجنة فقال المأمون أيجوز أن يقال أو يعتقد أن علي بن أبي طالب مع ورعه وزهده يشهد لفاطمة بغير حق وقد

٢٤٩

شهد الله تعالى ورسوله بهذه الفضائل له ، أو يجوز مع علمه وفضله أن يقال إنه يمشي في شهادة وهو يجهل الحكم فيها؟ وهل يجوز أن يقال إن فاطمة مع طهارتها وعصمتها وإنها سيدة نساء العالمين وسيدة نساء أهل الجنة كما رويتم تطلب شيئا ليس لها تظلم فيه جميع المسلمين وتقسم عليه بالله الذي لا إله إلا هو؟ أو يجوز أن يقال عن أم أيمن وأسماء بنت عميس إنهما شهدتا بالزور وهما من أهل الجنة؟ إن الطعن على فاطمة وشهودها طعن على كتاب الله وإلحاد في دين الله ، حاشا الله أن يكون ذلك كذلك.

ثم عارضهم المأمون بحديث رووه أن علي بن أبي طالب عليه السلام أقام مناديا بعد وفاة محمد " ص " نبيهم ينادي : من كان له على رسول الله " ص " دين أو عدة فليحضر ، فحضر جماعة فأعطاهم علي بن أبي طالب عليه السلام ما ذكروه بغير بينة ، وإن أبا بكر أمر مناديا ينادي بمثل ذلك فحضر جرير بن عبد الله وادعى على نبيهم عدة فأعطاها أبو بكر بغير بينة ، وحضر جابر بن عبد الله وذكر أن نبيهم وعده أن يحثو له ثلاث حثوات من مال البحرين ، فلما قدم مال البحرين بعد وفاة نبيهم أعطاه أبو بكر الثلاث الحثوات بدعواه بغير بينة.

(قال عبد المحمود) : وقد ذكر الحميدي هذا الحديث في الجمع بين الصحيحين في الحديث التاسع من أفراد مسلم من مسند جابر وإن جابرا قال : فعددتها فإذا هي خمسمائة فقال أبو بكر خذ مثليها (١).

قال رواة رسالة المأمون : فتعجب المأمون من ذلك وقال : أما كانت فاطمة وشهودها يجرون مجرى جرير بن عبد الله وجابر بن عبد الله ، ثم تقدم بسطر الرسالة المشار إليها وأمر أن تقرأ بالموسم على رؤوس الأشهاد ، وجعل فدك والعوالي في يد محمد بن يحيى بن الحسين بن علي بن الحسن بن علي بن أبي

__________________

(١) مسلم في صحيحه : ٤ / ١٨٠٧.

٢٥٠

طالب عليه السلام يعمرها ويستغلها ويقسم دخلها بين ورثة فاطمة بنت محمد " صلى الله عليه وآله وسلم" نبيهم.

ومن طرائف صحيح الأجوبة في ترك علي بن أبي طالب عليه السلام لاستعادة فدك لما بويع له بالخلافة.

٣٤٩ ـ ما ذكره ابن بابويه في أوائل كتاب العلل في باب العلة التي من أجلها ترك أمير المؤمنين " ع " فدك ولي الناس بإسناده إلى أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام يعني جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام قال : قلت له لم لم يأخذ أمير المؤمنين عليه السلام فدك لما ولي الناس ولأي علة تركها؟ فقال : لأن الظالم والمظلومة قد كانا قدما على الله عز وجل ، وأثاب الله المظلومة وعاقب الظالم ، فكره أن يسترجع شيئا قد عاقب الله عليه غاصبه وأثاب عليه المغصوبة.

وذكر أيضا في الباب المذكور جوابا آخر ، ورواه بإسناده إلى إبراهيم الكرخي قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام فقلت له : لأي علة ترك أمير المؤمنين فدك لما ولي الناس فقال : للاقتداء برسول الله " ص " لما فتح مكة وقد باع عقيل أبي طالب داره ، فقيل له : يا رسول الله ألا ترجع إلى دارك؟ فقال " ص " وهل ترك عقيل لنا دارا ، إنا أهل بيت لا نسترجع شيئا يؤخذ منا ظلما ، فلذلك لم يسترجع فدك لما ولي.

وذكر أيضا في الباب المذكور جوابا ثالثا بإسناده إلى علي بن فضال عن أبيه عن أبي الحسن يعني موسى بن الكاظم عليهما السلام قال : سألته عن أمير المؤمنين لم لم يسترجع فدك لما ولي الناس؟ فقال : لأنا أهل بيت لا نأخذ حقوقنا ممن ظلمنا إلا هو (يعني إلا الله) ونحن أولياء قوله المؤمنين إنما نحكم لهم

٢٥١

ونأخذ حقوقهم ممن ظلمهم ولا نأخذ لأنفسنا (١).

(قال عبد المحمود) : ما زلت أسمع علماء أهل البيت عليهم السلام يتألمون من أبي بكر وعمر بأخذ فدك من أمهم وقد وقفت على كتب لهم وروايات كثيرة عن سلفهم حتى أنهم يراعون حفظ حدود فدك كما يراعي المظلوم حفظ حدود ضيعته وملكه إذا غصب منه.

٣٥٠ ـ ومن ذلك ما رواه علي بن أسباط سئل أنه موسى بن جعفر عليه السلام عن حدود فدك فقال : حدها الأول عرش مصر والحد الثاني دومة الجندل والحد الثالث تيما والحد الرابع جبال أحد من المدينة (٢).

٣٥١ ـ ومن ذلك ما رواه علي بن أسباط رفعه إلى الرضا عليه السلام أن رجلا من أولاد البرامكة عرض لعلي بن موسى الرضا عليه السلام فقال له : ما تقول في أبي بكر؟ قال له : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، فالح السائل عليه في كشف الجواب ، فقال عليه السلام : كانت لنا أم صالحة ماتت وهي عليهما ساخطة ولم يأتنا بعد موتها خبر أنها رضيت عنهما.

(قال عبد المحمود) : وعلماء أهل البيت عليهم السلام لا يحصى عددهم وعدد شيعتهم إلا الله تعالى ، وما رأيت ولا سمعت عنهم أنهم يختلفون في أن أبا بكر وعمر ظلما أمهم فاطمة عليها السلام ظلما عظيما.

وذكر أبو هلال العسكري في كتاب أخبار الأوائل إن أول من رد فدكا على ورثة فاطمة عليها السلام عمر بن عبد العزيز ، وكان معاوية أقطعها لمروان ابن الحكم وعمرو بن عثمان ويزيد بن معاوية وجعلها بينهم أثلاثا ، ثم قبضت من ورثة فاطمة فردها عليهم السفاح ، ثم قبضت فردها عليهم المهدي ، ثم قبضت فردها عليهم المأمون كما تقدم شرحه.

__________________

(١) علل الشرائع : ١ / ١٥٤ ـ ١٥٥.

(٢) راجع الكافي للكليني : ١ / ٤٥٦.

٢٥٢

ومن غير كتاب أبي هلال العسكري بل في تواريخ متفرقة أنها قبضت منهم بعد المأمون فردها عليهم الواثق ثم قبضت فردها عليهم المستعين ثم قبضت فردها عليهم المعتمد ثم قبضت فردها المعتضد ثم قبضت فردها عليهم الراضي.

قال عبد المحمود ومن طريف ما رأيت من المناقضة في ذلك أن أبا بكر وعمر يردان شهادة علي بن أبي طالب ع ويقولان إنه يجر إلى نفسه وقد عرف أهل الملل والعارفون بأحوال الإسلام أن علي بن أبي طالب ع ما كان طالبا للدنيا ولا راغبا فيها ولا متكلا عليها كما فعل أبو بكر وعمر حتى يقال أنه يجر إلى نفسه.

ومن طريف ذلك أن يكون الله العالم بالسرائر يشهد لعلي بن أبي طالب ع على لسان رسولهم على ما ذكروه في صحاحهم وقد تقدم بعضه أن علي بن أبي طالب ع ممدوح مزكى في الحياة وبعد الوفاة وأنه أفضل الصحابة فإن جاز الشك في علي ع الموصوف بتلك الصفات فإنما هو شك فيمن أسندوا إليه تلك الروايات وتكذيب لأنفسهم فيما صححوه ونقص للإسلام الذي مدحوه.

ومن طريف ذلك أن تسقط شهادة علي ع بدعوى أنه يجر إلى نفسه ويشهد أبو بكر أن ميراث محمد ص للمسلمين فإذا كان أبو بكر من المسلمين فله في ميراثه حصة ولكل من وافقه في الشهادة بذلك فكيف لا يكونون جارين إلى أنفسهم وكيف لا يبطل شهادة أبي بكر وهو في تلك الحال يزعم أنه وكيل المسلمين وشاهد لهم وشاهد لنفسه ومدع لثبوت يده على فدك والعوالي ولا يكون بعض هذه الأمور القادحة في الشهادات مبطلا لشهادته ولا جارا إلى نفسه ولا مسقطا لروايته إن ذلك من طرائف ما ادعاه المسلمون

٢٥٣

وعجائب السلف الماضين.

٣٥٢ ـ ومن طريف مناقضاتهم ما رووه في كتبهم الصحيحة عندهم برجالهم عن مشايخهم حتى أسندوه عن سيد الحفاظ يعنون ابن مردويه قال : أخبرنا محيي السنة أبو الفتح عبدوس بن عبد الله الهمداني إجازة قال : حدثنا القاضي أبو نصر شعيب بن علي قال : حدثنا موسى بن سعيد قال : حدثنا الوليد بن علي قال : حدثنا عباد بن يعقوب عن ابن عباس عن فضيل عن عطية عن أبي سعيد قال : لما نزلت هذه الآية " وآت ذا القربى حقه " (١) دعا رسول الله " ص " فاطمة فأعطاها فدكا (٢).

(قال عبد المحمود) : فهل ترى عذرا في منع فاطمة عليها السلام من فدك؟ وهل تراهم إلا قد شهدوا بتصديقها ثم منعوها وكذبوها؟ وهل ترى شكا فيما ترويه الشيعة من ظلمها ودفعها من حقها؟.

ومن طريف مناقضتهم أيضا في ذلك وإقرارهم بظهور حجة الله وحجة رسوله وحجة فاطمة عليهم ، ومبالغتهم في اعترافهم ببطلان أعذارهم في منع فاطمة من فدك.

٣٥٣ ـ ما ذكره المسمى صدر الأئمة عندهم فخر خوارزم موفق بن أحمد المكي في كتابه قال ما هذا لفظه : ومما سمعت في المقادير بإسنادي عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله " ص " : يا علي إن الله تعالى زوجك فاطمة وجعل صداقها الأرض ، فمن مشى عليها مبغضا لها مشى حراما (٣).

(قال عبد المحمود) : فإذا كان الأمر قالوه وإن الأرض صداقها

__________________

(١) الأسرى : ٢٦.

(٢) رواه الحسكاني في شواهد التنزيل : ١ / ٣٣٨ ، وينابيع المودة : ١١٩.

(٣) البحار : ٤٣ / ١٤١ ، والخوارزمي في المقتل : ٦٦.

٢٥٤

أفما كان يحسن أن تعطى من جملة صداقها فدكا؟ وهل رواياتهم لمثل هذا إلا زيادة في الحجة عليهم؟ فإن من قد شهدتم إن الأرض صداقها فكيف جاز أن تكذب وتمنع من فدك ، إن هذا من عجائب ما نقلوه ومناقض ما قالوه.

ومن طريف مناقضتهم أيضا ما رواه أبو بكر بن مردويه في كتابه بإسناده قال : نابت أصحاب محمد " ص " نائبة فجمعهم عمر فقال لعلي عليه السلام تكلم فأنت خيرهم وأعلمهم هذا لفظ الحديث.

ومن طريف مناقضتهم أيضا في ذلك روايتهم في صحاحهم بأن عليا أقضاهم وأعلمهم.

٣٥٤ ـ وقد ذكر الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في الحديث الأول من أفراد البخاري في مسند أبي بن كعب طرفا من ذلك ورووا في كتبهم كان عمر يقول : لا عاش عمر لمعضلة ليس لها أبو الحسن ـ يعني عليا عليه السلام (١). وإن لولا علي لهلك عمر (٢).

فكيف يقال : عن علي عليه السلام وهو بهذا العلم وهذه الأوصاف وقد بلغ من الأمانة والورع والزهادة إلى الغايات ، بأنه يترك زوجته المعظمة في الإسلام تطلب حكما وشيئا لا يثبت لها ، ولا تقبل فيه شهادة شهودها ، وإنه ممن لا يقبل شهادته في ذلك ، ثم يشهد لها ثم يوافقها ويعاضدها في الحياة ويزكيها الوفاة.

ومن طريف الأمور الدالة على تهوينهم بفاطمة بنت نبيهم وبوصايا أبيها فيها وعدم طلبهم لمراضيها أنها تبقى ستة أشهر على ما تقدمت الرواية عنهم في صحاحهم هاجرة لأبي بكر فلا يقع توصل في رضاها ، وقد كان يمكن أبو بكر

__________________

(١) رواه في إحقاق الحق عنه : ٨ / ١٩٤ ، ونحوه الخوارزمي في المناقب : ٥١.

(٢) رواه القندوزي في ينابيع المودة : ٧٠ ، ورواه جمع من الرواة وهو مشهور.

٢٥٥

إذا عجز عن كل شيء أن يهب لها ما يخصها من الحصة التي ادعاها بشهادة في ميراث أبيها ويستوهب لها باقي فدك والعوالي من المسلمين أو يشتري ذلك منهم أفما كان لحق أبيها وحقها ما يوجب عليه وعلى المسلمين أن يؤثروها بذلك أو يبعثوا من يشتري لها ذلك.

ومن طريف ما رأيت من اعتذارهم لأبي بكر في ظلم فاطمة ع بنت نبيهم أن محمودا الخوارزمي ذكر في كتاب الفائق في الأصول لما استدلوا عليه بأن فاطمة صادقة وأنها من أهل الجنة فكيف يجوز الشك في دعواها لفدك وكيف يجوز أن يقال عنها أنها أرادت ظلم جميع المسلمين وأصرت على ذلك إلى الوفاة فقال الخوارزمي ما هذا لفظه إن كون فاطمة صادقة في دعواها وأنها من أهل الجنة لا توجب العمل بما تدعيه إلا ببينة.

قال الخوارزمي وإن أصحابه يقولون لا يكون حالها أعلى من حال نبيهم محمد ص ولو ادعى نبيهم محمد مالا على ذمي وحكم حكما ما كان للحكم أن يحكم له لنبوته وكونه من أهل الجنة إلا ببينة.

قال عبد المحمود أما تضحك العقول الصحيحة من هذا الكلام كيف يعدون هؤلاء من أهل الإسلام ويزعمون أنهم قد صدقوا نبيهم في التحريم والتحليل والعطاء والمنع وكل شيء ذكره لنفسه أو لغيره ويكذبونه أو يشكون في صدقه في الدعوى على ذمي حتى يقوم ببينة إن هذا عقل ضعيف ودين سخيف.

ومن طريف ذلك أن البينة ما عرفوا ثبوتها وصحة العمل بها إلا من نبيهم ويكون ثبوت صدقه الآن في الدعوى على الذمي بالبينة.

ومن طريف ما تجدد في هذا المعنى أن فاطمة بنت نبيهم المشهود لها بالفضائل وأنها سيدة نساء أهل الجنة يكذبونها ويكذبون شهودها ويطعنون

٢٥٦

فيهم وفيها مع ما تقدم في رواياتهم من مدائح الله ورسوله لهم ، ويدعي بنو صهيب مولى بني جزعان ببيتين وحجرة من بيوت نبيهم وحجراته ويطلبون ذلك بعد وفاته بمدة طويلة تقتضي إن لو كان لهم حق فيما ادعوه لظهر فيعطون ذلك بشهادة عبد الله بن عمر وحده ، ولا ينكر ذلك مسلم منهم ، ولا يجرى عند هؤلاء الأربعة المذاهب حال فاطمة وشهودها مجرى عبد الله بن عمر وحده.

وقد روى الحديث في ذلك جماعة.

٣٥٥ ـ ورواه الحميدي في مسند عبد الله بن عمر في الحديث الثامن والستين من أفراد البخاري من كتاب الجمع بين الصحيحين بهذه الألفاظ : إن بني صهيب مولى بني جزعان ادعوا ببيتين وحجرة أن رسول الله " ص " أعطى ذلك صهيبا ، فقال مروان : من يشهد لكم على ذلك؟ قالوا : عبد الله ابن عمر ، فشهد لهم بذلك ، فقضى مروان بشهادته وحده لهم.

ومن طريف ما تجدد لفاطمة عليها السلام منهم أنها لما رأت تكذيبهم لها وشكهم فيها وفي شهودها بأن أباها وهبها ذلك في حياته أرسلت إلى أبي بكر ورووا أنها حضرت بنفسها تطلب فدكا بطريق ميراث أبيها ، لأن المسلمين لا يختلفون في أن فدكا كانت لأبيها محمد "ص" فمنعها أيضا أبو بكر من ميراثها وهان عليه ظلمها وتكذيبها ، وادعى في منعها قولا من أبيها لو كان قد قاله ما كان خفي عنها وعن جماعة من أهل الإسلام ، وأذاها وقبح ذكر صدقها وأساء الخلافة لأبيها فيها ، وطعن في تزكيته لها فهجرته حتى ماتت.

٣٥٦ ـ فمن الرواية في ذلك ما ذكره البخاري في صحيحه في الجزء الخامس من أجزاء ثمانية في رابع كراس من أوله من النسخة المنقول منها بإسناده عن عائشة أن فاطمة عليها السلام بنت رسول الله " ص " أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله مما أفاء عليه بالمدينة وفدك وما بقي من

٢٥٧

خمس خيبر ، فقال أبو بكر : إن رسول الله " ص " قال : نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة ، إنما يأكل آل محمد من هذا المال ، وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله، فأبى أبو بكر أن يدفع فاطمة منها شيئا ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت ، وعاشت بعد رسول الله ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها علي بن أبي طالب ليلا ، ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها علي ـ الخبر (١).

٣٥٧ ـ ومن الرواية في ذلك ما رواه مسلم في صحيحه في الجزء الثالث من أجزاء ستة في أواخره على نحو ثلاث كراريس من النسخة المنقول منها بإسناده أن فاطمة بنت رسول الله " ص " أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر ، فقال أبو بكر : إن رسول الله قال : لا نورث ما تركناه صدقة ، إنما يأكل آل محمد من هذا المال ، وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله ولأعملن فيها بما عمل رسول الله ، فأبى أبو بكر أن يدفع فاطمة شيئا ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد رسول الله ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها علي ابن أبي طالب ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها علي عليه السلام (٢).

(قال عبد المحمود) : في هذين الحديثين عدة طرائف :

فمن طريف ذلك أنهم نسبوا محمدا " ص " نبيهم إلى أنه أهمل أهل بيته

__________________

(١) البخاري في صحيحه : ٥ / ١٧٧.

(٢) مسلم في صحيحه : ٣ / ١٣٨٠.

٢٥٨

الذين قال الله تعالى عنهم " وأنذر عشيرتك الأقربين " (١) وقال في كتابهم " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة " (٢) ومع هذا ينقلون أنه لم ينذر عشيرته ولا وقى أهله ولا عرفهم أنهم لا يرثونه ولا عرف عليا عليه السلام ولا العباس ولا أحدا من بني هاشم ولا أزواجه ولا سمعوا ولا أحد منهم بذلك مدة حياة نبيهم ولا بعد وفاته حتى خرج بعضهم يطلب ميراثه وبعضهم يرضى بذلك الطلب وتبذلوا وتبذلت ابنته فاطمة المعظمة سيدة نساء العالمين فطلبت على قولهم ظلم جميع المسلمين.

٣٥٨ ـ لا سيما وقد روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند أبي بكر من المتفق عليه في الحديث السادس إن فاطمة عليها السلام والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله " ص " ، وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر ـ الخبر (٣).

٣٥٩ ـ وروى أيضا الحميدي في الجمع بين الصحيحين من مسند عائشة في الحديث الثالث والأربعين من المتفق عليه أنها قالت : إن أزواج النبي " ص " حين توفي رسول الله " ص " ، أردن أن يبعثن عثمان بن عفان إلى أبي بكر فيسألنه ميراثهن ـ الحديث (٤).

(قال عبد المحمود) : كيف يقبل العقول ويقتضي العوائد أن نبيهم يعلم أنه لا يورث ويكتم ذلك عن وراثه ونسائه وخاصته إن ذلك دليل واضح على أنه قد كان موروثا على اليقين ، وأنهم دفعوا فاطمة عليها السلام ووراثه بالمحال الذي لا يخفى على أهل البصائر والدين.

__________________

(١) الشعراء : ٢١٤.

(٢) التحريم : ٦.

(٣) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٣٨١.

(٤) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٣٧٩.

٢٥٩

ومن طريف ذلك أن يكون بنو هاشم وأزواجه وابنته مشاركين لمحمد " ص " نبيهم في سره وجهره ومطلعين على أحواله ، ويستر عنهم أنهم لا يستحقون ميراثه ويعلم ذلك أبو بكر ومن وافقه من الأباعد ، وليس لهم ما لبني هاشم من الاختصاص به والمخالطة له ليلا ونهارا وسرا وجهرا ، إن ذلك من طرائف ما يقال عن هؤلاء القوم من ارتكاب المحال.

ومن طريف ذلك أن محمدا " ص " نبيهم يبلغ الغايات من الشفقة على الأباعد وقد تضمن كتابهم " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم " (١) فيصفه الله بهذه الرأفة والرحمة ويشهدون بتصديق ذلك ، فكيف يقال عن هذا الشفيق الرؤف الرحيم أنه ترك الشفقة على مثل ابنته وعمه وأزواجه وبني هاشم ولم يعرفهم أنهم لا يستحقون ميراثه ويعرف بذلك الأباعد حتى يجري ما جرى ، إن ذلك من عجيب المناقضات وطريف المقالات.

ومن طريف ذلك أن أبا بكر قد أقسم في الحديثين المذكورين أنه لا يغير ما كان من ذلك على عهد رسول الله " ص ".

٣٦٠ ـ وقد روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين من مسند جبير بن مطعم في الحديث الثالث من أفراد البخاري قال : جاء جبير بن مطعم وعثمان ابن عفان إلى النبي " ص " يكلمانه فيما فيه من خمس خيبر من بني هاشم وبني عبد المطلب ، فقالا : يا رسول الله قسمت لإخواننا بني عبد المطلب ولم تعطنا شيئا ، وقرابتنا مثل قرابتهم بهما ، فقال رسول الله : إنما أرى هاشما وعبد المطلب شيئا واحدا؟ قال جبير : ولم يقسم رسول الله لبني عبد شمس ولا لبني نوفل من ذلك الخمس شيئا (٢).

__________________

(١) التوبة : ١٢٨.

(٢) البخاري بهذا المضمون في صحيحه : ٤ / ١٥٥.

٢٦٠