الطّرائف في معرفة مذاهب الطوائف

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

الطّرائف في معرفة مذاهب الطوائف

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


الموضوع : الفرق والمذاهب
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٣

حكم الإسلام لما تقدم من رواياتهم والدلالة عليهم ، ولما كان صلحا بقي منهم من يقوم به الحجة على العباد والبلاد.

ومن الجواب أن قتل الحسين عليه السلام كان آية وحجة في عذر الحسين عليه السلام في صلح معاوية وبيانا لذلك.

فهذه جملة ما قالوه وفعلوه بالحسين عليه السلام وجملة من الجواب عنه.

فيما جاء في الحسين عليه السلام وأنه قتل مظلوما

وأما أخوه الحسين عليه السلام : فمن طرائف ما بلغوا إليه من عداوتهم أيضا لأهل البيت عليهم السلام أنهم قد رووا جميعا أن الحسين عليه السلام قتل مظلوما يوم عاشوراء قتلا فظيعا ، انهتكت به حرمة الإسلام والمسلمين وانكسرت به حرمة نبيهم وحرمة الدين ، وإن الحسين عليه السلام كان عظيما عند الله وعند جده محمد " ص " ، وقد تقدم بعض ما رووه في هذا المعنى وسيأتي إن شاء الله تعالى أيضا طرف من رواياتهم في ذلك وذكر الفقيه الشافعي ابن المغازلي عن نبيهم من المدائح له ولأخيه الحسن شيئا عظيما (١).

٢٨٨ ـ ورأيت في كتاب الجمع بين الصحاح الستة عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله " ص " : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة (٢).

ورووا في كتبهم أن الحسين عليه السلام كان يركبه نبيهم " ص " على كتفه (٣) وعلى صدره وإنه كان يركب على ظهر نبيهم في الصلاة فيبلغ به التعظيم للحسين

__________________

(١) راجع كتاب المناقب : ٣٧٠ إلى ٣٧٩.

(٢) رواه أحمد في مسنده : ٣ / ٣ و ٦٢ و ٦٤ و ٨٢ ، والترمذي في صحيحه ١٣ / ١٩١ ، والنسائي في الخصائص : ٣٦ ، وذخائر العقبى : ١٢٩ ، وأحمد في الفضائل : ١٦.

(٣) ذخائر العقبى : ١٣٢ ، وينابيع المودة : ٢٢٢.

٢٠١

عليه السلام إلى أن يطيل في صلاته السجود حتى ينزل عن ظهره باختياره (١).

٢٨٩ ـ وبلغوا في رواياتهم إلى أن روى بعض الحنابلة في كتاب سماه " نهاية الطلب وغاية السؤال " وذكر فيه بإسناده إلى سفيان الثوري ، عن قابوس ابن أبي ظبيان ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : كنت عند النبي " ص " وعلى فخذه الأيسر ابنه إبراهيم ، وعلى فخذه الأيمن الحسين بن علي ، تارة يقبل هذا وتارة يقبل هذا ، إذ هبط عليه جبرئيل عليه السلام بوحي من رب العالمين ، فلما سرى عنه قال : أتاني جبرئيل من ربي عز وجل فقال : يا محمد إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول : لست أجمعهما لك فافد أحدهما بصاحبه ، فنظر النبي إلى إبراهيم فبكى ، ونظر إلى الحسين فبكى ، فقال : إن إبراهيم أمه أمة ومتى مات لم يحزن عليه غيري ، وأم الحسين فاطمة وأبوه علي ابن عمي لحمي ودمي ، ومتى مات حزنت ابنتي وحزن ابن عمي وحزنت أنا عليه ، وأنا أوثر حزني على حزنهما ، يا جبرئيل تقبض إبراهيم فقد فديت الحسين به. قال : فقبض بعد ثلاثة أيام ، فكان النبي " ص " إذا رأى الحسين عليه السلام مقبلا قبله وضمه إلى صدره ورشف ثناياه وقال : فديت من فديته بابني إبراهيم (٢).

٢٩٠ ـ وذكر صاحب الكتاب المذكور بإسناده إلى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : أوحى الله عز وجل إلى محمد " ص " إني قد قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا (٣).

٢٩١ ـ ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده : إن من دمعت عيناه

__________________

(١) رواه أحمد في مسنده : ٣ / ٤٩٣ ، والحاكم في المستدرك : ٣ / ١٦٥.

(٢) رواه الخطيب البغدادي في تاريخه : ٢ / ٢٠٤ ، والبحار : ٢٢ / ١٥٣.

(٣) رواه الخطيب البغدادي في تاريخه : ١ / ١٤١ ، والحاكم في المستدرك ٢ / ٢٩٠ وذخائر العقبى : ١٥٠.

٢٠٢

لقتل الحسين دمعة أو قطرت قطرة بوأه الله عز وجل الجنة (١).

٢٩٢ ـ ومن ذلك ما رواه في الجمع بين الصحاح الستة في باب مناقب الحسن والحسين عليهما السلام قال : إن النبي رئي في المنام وهو يبكي فقيل له : ما يبكيك يا رسول الله؟ قال : قتل الحسين آنفا (٢).

٢٩٣ ـ ومن ذلك ما رواه في أول الجزء الخامس من صحيح مسلم في تفسير قوله تعالى " فما بكت عليهم السماء والأرض " (٣) قال : لما قتل الحسين ابن علي عليهما السلام بكت السماء وبكاؤها حمرتها (٤).

٢٩٤ ـ ومن ذلك ما رواه الثعلبي في كتابه في تفسير هذه الآية أن الحمرة التي مع الشفق لم يكن قبل قتل الحسين (٥).

٢٩٥ ـ ومن ذلك ما رواه الثعلبي أيضا يرفعه قال : مطرنا دما بأيام قتل الحسين عليه السلام (٦).

(قال عبد المحمود) : فهذه بعض رواياتهم ومقالاتهم في الحسين عليه السلام ، وقد رايتهم مع ذلك قد جعلوا يوم عاشوراء عيد وسرور وفرح وكحل أعينهم وتجملهم بالثياب والنفقات وأنواع المبرات ، وهذه الأحوال

__________________

(١) ذخائر العقبى عن أحمد : ١٩.

(٢) رواه الترمذي في صحيحه : ٢ / ٣٠٦ ، والحاكم في المستدرك : ٤ / ١٩ ، وذخائر العقبى : ١٤٨ ، والبحار : ٤٥ / ٢٣٢.

(٣) الدخان : ٢٩.

(٤) روى نحوه السيوطي في ذيل هذه الآية ، والبحار : ٤٥ / ٢١٧ ، والطبري في تفسيره : ٢٥ / ٧٤.

(٥) الخوارزمي في مقتله : ٢ / ٩٠ ، وينابيع المودة : ٣٢٢ ، والبحار : ٤٥ / ٢١٧.

(٦) الصواعق المحرقة عنه : ١١٦ ، وذخائر العقبى : ١٤٥ ، والخوارزمي في مقتله : ٢ / ٨٩.

٢٠٣

التي تقع منهم في يوم عاشوراء يغنى فيها العيان الخبر وهي مناقضة لما رووه من وجوب الحزن عليه والمواساة لنبيهم والوفاء لعترته والاحترام لنبوته فهؤلاء الأربعة الأنفس علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام الذين رووا أن نبيهم جمعهم تحت الكساء وقال : هؤلاء أهل بيتي ، واجتهد في النص عليهم والوصية بهم قد جرى عليهم من الأذى والضرر ما قد ظهر واشتهر فكيف يستبعد من قوم فعلوا بابن بنت نبيهم مثل هذا أن يتركوا نقل كثير من النصوص عليهم بالخلافة ينقلوها كما رويناه عنهم ، ثم يتركوا العمل بها عنادا ، أو كيف يستبعد منهم نقل الخلافة عنهم.

ومن طرائف ما رأيت من اعتذار بعض من عاتبته على ذلك أنه قال : روى لنا تعظيم يوم عاشوراء وثواب صومه ، فقلت : لو نظرت في الحقائق عندكم لكان من جملة تعظيم يوم عاشوراء تعظيم الحزن على الحسين ، لأن تعظيم الأيام إنما يكون بقبول ما يقع فيها من القربات ويتضاعف به ثواب الحسنات ، وكان التقرب إلى ربكم ورسولكم بالحزن على ابن بنت نبيكم وعلى ما تجدد على الإسلام أولى وأوجب عند ذوي الأفهام ، وأما صومه فقد رويتم في كتبكم الصحاح أن صومه متروك.

٢٩٦ ـ ومن ذلك ما رواه الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند عبد الله بن عباس قال : ذكر عند النبي " ص " يوم عاشوراء فقال : ذلك يوم يصومه أهل الجاهلية فمن شاء صامه ومن شاء تركه (١).

٢٩٧ ـ ومن ذلك ما رواه الحميدي أيضا في كتابه في مسند عبد الله بن مسعود في الحديث التاسع عشر عن الأشعث بن قيس قال : دخلت على ابن مسعود وهو يأكل يوم عاشوراء ، فقلت : يا أبا عبد الرحمن إن اليوم يوم عاشوراء فقال : قد كان يصام قبل أن

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٧٩٣ ، ومالك في موطأه : ١ / ٢١٩.

٢٠٤

ينزل رمضان ، فلما نزل رمضان ترك فإن كنت مفطرا فاطعم (١).

ورواه عبد الله بن عمر عن نبيهم (٢).

وجه تسميتهم بأهل السنة والجماعة

ومن طرائف أمورهم بعد هذا كله إنهم يسمون أنفسهم أهل السنة والجماعة ، وقد اختلفوا بينهم أشد اختلاف وكفر بعضهم بعضا وعملوا في شريعتهم بما أحدثوه من الآراء والقياسات ، وقد تقدم بعض ذلك فيما سلف من الروايات ، مع أنني رأيت في كتبهم ما يدل هذا الاسم وسببه.

فمن ذلك ما ذكره ابن بطة في كتابه المعروف بالإبانة أنه قال الحجاج سمى السنة الجماعة وكانت سنة أربعين لأن كان الاجتماع على معاوية.

ومن ذلك ما ذكره الكرابيسي وهو من أهل الظاهر فقال : إنما سمى هذا الاسم يزيد بن معاوية لما دخل رأس الحسين عليه السلام وكان كل من دخل من ذلك الباب سمي سنيا.

ومن ذلك ما ذكره الشيخ العسكري في كتاب الزواجر وهو من علماء السنة قال إن معاوية سمى العام عام السنة.

ومن ذلك ما ذكر ابن عبد ربه في كتاب العقد قال : لما صالح الحسن معاوية سمى ذلك العام عام الجماعة (٣).

(قال عبد المحمود مؤلف الكتاب : إن كان هذا هذا أصل تسميتهم فبئس الأصل وغاية الجهل ، وإن كان لدعواهم أنهم ملتزمون بسنة نبيهم

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٧٩٤.

(٢) نفس المصدر.

(٣) راجع الصراط المستقيم للبياظي.

٢٠٥

فأين الالتزام مع هذا الاختلاف والافتراق وما يقع بينهم من مساوئ الأخلاق

في قبولهم رواية أعداء أهل البيت عليهم السلام

ومن طرائف أمورهم استكثارهم من قبول رواية أعداء أهل بيت نبيهم ثم قبول رواية أعداء أهل البيت فيما ينكرونه أهل البيت وقد منعت العقول والشرائع من قبول رواية العدو المبطل في كل ما يطعن به على عدوه المحق فكان يجب في العقول والاعتبار والشريعة أن كل من عرفت منه عداوة لأهل بيت نبيهم إما أن يسقطوا روايته على كل حال أو إذا لم يسقطوها على كل حال فكان يجب أن يسقطوها فيما يطعن به على أهل بيت نبيهم أو فيما يخالف أهل بيت نبيهم أو فيما يتضمن مدح أعدائهم أو مدح المفارقين لهم وأن يقبلوا رواية أعداء أهل البيت فيما كان منقبة لأهل البيت أو موافقا لمذهبهم أو منقصة لأعدائهم أو المفارقين لهم لأن التهمة من عدوهم في مثل ذلك مرتفعة فأما أعداء أهل البيت الذين تظاهروا بعداوتهم فكثيرون.

وسأذكر بعض من استكثروا في الرواية عنه وقبلوا كثيرا مما لم يجز قبوله منه.

الأول فمن أولئك عبد الله بن عمر بن الخطاب قد نقلوا عنه في صحاحهم على ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين مائتي حديث واثنين وثمانين حديثا أكثرها بطرق مختلفة وألفاظ متباعدة ومعان مضطربة مع ما تواتر وثبت عند المسلمين من انكشاف سره بعداوة علي بن أبي طالب وبني هاشم وقعوده من مبايعتهم ونصرتهم وما أوجبه الله ورسوله من التمسك بهم وهذا لا يحتاج إلى رواية لأنه لا خلاف بين المسلمين في قعود عبد الله بن عمر عن بيعة علي بن أبي طالب ع والحسن والحسين ع وعن نصرة بني هاشم.

٢٠٦

ثم قد روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين من تلزمه ببيعة يزيد بن معاوية الذي قد تقدم نقص أفعاله المنكرة مما يتعجب منه العاقل ، فإنه ما يعتقد صحة مبايعة يزيد أو خلافته إلا سفيه أو جاهل أو معاند لأهل البيت عليهم السلام.

٣٠٠ ـ فمن ذلك في المتفق عليه من مسند عبد الله بن عمر في الحديث الحادي والثمانين عن نافع قال : لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية ، جمع ابن عمر حشمه وولده وقال : إي سمعت رسول الله " ص " يقول : ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة ، وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله ، لم ينصب له القتال وإني لا أعلم عذرا أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله ثم ينصب له القتال ، وإني لا أعلم أحدا منكم خلفه ولا بايع في هذا الأمر ألا وإنه الفصل بيني وبينه. هذا لفظه ، فما كان علي بن أبي طالب وولده وأحد من بني هاشم يجرون مجرى يزيد في أن يبايعهم أو واحدا منهم ويفي لهم. إن هذا من الطرائف.

٣٠١ ـ ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند ابن عمر في الحديث الخامس والخمسين من أفراد البخاري أن عبد الله بن عمر كتب إلى عبد الملك بن مروان أن يبايعه ، وأقر له بالسمع والطاعة على سنة الله وسنة رسوله فيما استطعت (١). وفي رواية من جملة الحديث المذكور وإن بني أقروا بمثل ذلك ، هذا لفظه.

فسبحان الله ما كان في واحد من بني هاشم مثل عبد الملك بن مروان الذي هو عند عقلاء المسلمين من الملوك المتغلبين ، إن ذلك من عجائب أمور الأربعة المذاهب.

٣٠٢ ـ ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند

__________________

(١) رواه مالك في الموطأ : ٢ / ٢٥٠ ، البخاري في صحيحه ٨ / ١٢٢.

٢٠٧

عبد الله بن عمر بن الخطاب في الحديث الثالث من المتفق عليه قال : صلى بنا رسول الله " ص " ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته ، فلما سلم قام فقال : أرأيتكم ليلتكم هذه ، فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد (١). هذا لفظ حديث عبد الله بن عمر.

(قال عبد المحمود) : كيف حسن هؤلاء القوم مثل هذا الحديث من عبد الله ابن عمر ، وكيف استجازوا روايته ، ومن المعلوم عندهم أن الخضر وغيره من الذين شهدت أخبارهم بأنهم عمروا من ذلك الوقت أكثر من مائة سنة.

٣٠٣ ـ ومما يدل على أن عبد الله بن عمر قد شهد على نفسه بالطعن فيما يرويه ما ذكره الحميدي في الحديث السابع والخمسين من أفراد البخاري من مسند ابن عمر قال : كنا نتقي الكلام والانبساط إلى نسائنا على عهد النبي " ص " خوفا أن ينزل فينا شئ فلما توفي النبي " ص " تكلمنا وانبسطنا (٢).

٣٠٤ ـ ومما يدل على طعنهم على عبد الله بن عمر وعائشة ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الخامس والستين بعد المائة من مسند عائشة من المتفق عليه ، عن عمرة أنها سمعت عائشة وذكر لها أن عبد الله بن عمر يقول : إن الميت ليعذب ببكاء الحي فقالت عائشة : يغفر الله لأبي عبد الرحمن أما إنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ ، إنما مر رسول الله " ص " على يهورية يبكى عليها فقال : إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها (٣).

(قال عبد المحمود) : هذا حديث لا يخلو من الطعن على عبد الله بن عمر أو عائشة ، وعلى كل حال فإني أعجب من عائشة وإقدامها على الطعن على عبد الله

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه ٤ / ١٩٦٥.

(٢) البخاري في صحيحه : ٦ / ١٤٦.

(٣) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٦٤٣ ، ومالك في الموطأ : ١ / ١٨٢.

٢٠٨

ابن عمر ، ومن تصحيح البخاري ومسلم لذلك ، وأين عائشة من هذا المقام ، فإنما كانت امرأة من وراء حجاب ، فهلا جوزت أن يكون النبي " ص " قد قال ما قاله عبد الله بن عمر في وقت لم تحضر عائشة ولا بلغها ذلك ، فما كانت تدعي ولا يدعي لها عاقل أنها تحيط بجميع أقوال نبيهم.

ومن ذلك ما ذكره أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل طرفا من معتقدات عبد الله بن عمر ، فمن ذلك أنه ذكر عنه إنه كان إذا اغتسل من الجنابة غسل داخل عينيه حتى ذهب بصره ، وإذا توضأ للصلاة غسل يديه إلى منكبيه ، ودخل على بعض الأمراء فأحضر له بربطا وقال : أتعرف يا أبا عبد الرحمن؟ قال : نعم هذا مراني وجراني.

أقول : فانظر هذه الأحاديث واعترف الحق لأهله.

ومن طريف ما نقله أصحاب التواريخ في ذم عبد الله بن عمر ما ذكره ابن مسكويه في كتاب نديم الفريد فقال ما هذا لفظه : ومما يؤثر في الكلام الواقع موقعه شدة شكيمة المتكلم ما يحكى عن عبد الله بن الحرث المعروف ببته ، وذلك أنه دخل مسجد رسول الله " ص " فرأى عبد الله بن عمر جالسا في نفر من أصحابه ، فسلم عليه وجلس عنده فلم يهش له عبد الله ولا أحسن مسائلته ولا نهض إليه لما رآه ، قال : كأنك لم تثبتني يا أبا عبد الرحمن؟ فقال : بلى ألست ببته ، فقال : ما حملك على ذكر اللقب وترك الاسم. قد كنت أحسب أن السنين أفادتك رأيا غير ما كنت تعرف به وتنسب إليه ما اشبهت أباك أمير المؤمنين ولكنك ورثت جدك وخالك.

ثم أقبل على القوم فقال : إن جد هذا الخطاب ابتاع من رجل ذهبا ثم اقتضاه اليماني فعمد ابتاع من رجل خمرا على حلته ذهبا ، ثم اقتضاه اليماني فعمد فكتب فيه ذهب (١) حتى ملأها ثم دفعها إلى اليماني ، فاستعدى عليه عند

__________________

(١) وفي الترجمة : اذهب حتى املاأها.

٢٠٩

الزبير بن عبد المطلب فضربه وأغرم. وأما خاله قدامة بن مظعون شرب الخمر على عهد عمر فلما أراد أن يجلده قال : أمسك فإن الله تعالى يقول " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " فظن عمر أن هذه الآية تبطل الحدود فورثتهما إشارة إلى هذا ، وكان أيضا يجالس النبي " ص " صباحا ومساءا ، فأراد أن يطلق امرأة فلم يحسن فردها رسول الله " ص " حتى يعلم طلاقها.

ثم أقبل عليه فقال له : أتيت علي بن أبي طالب وله قرابة وسابقة وفضائل عديدة فبايعته طائعا غير مكره قاصدا إليه ، ثم جئته فقلت : أقلني بيعتي فأقالك ثم أتيت تدق الباب على أصحاب الحجاج تقول : خذوا بيعتي فإني سمعت النبي " ص " يقول : من بات ليلة وليس في عنقه بيعة إمام مات ميتة جاهلية ، ثم اضطرب الحيل بالناس فزعمت أنك لا تعرف حقا فتنصره ولا باطلا فتقاتل أهله. فقال عبد الله بن عمر : حسبك يا أبا محمد فما أردت إلا خيرا وكلمته الجماعة أن يكف.

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الحديث الثاني عشر بعد المائة من المتفق عليه من مسند عائشة عن عروة بن الزبير قال : كنت أنا وابن عمر مستندين إلى حجرة عائشة ، وإنا لنسمع ضربها بالسواك تستن ، قال فقلت : يا أبا عبد الرحمن اعتمر النبي " ص " في رجب؟ قال : نعم. فقلت لعائشة : أي أمتاه ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ قالت : وما يقول؟ قلت يقول : اعتمر النبي " ص " في رجب. فقالت : يغفر الله لأبي عبد الرحمن ، لعمري ما اعتمر في رجب ، وما اعتمر من عمرة إلا وأنا معه. قال : وابن عمر يسمع فما قال : لا ولا نعم ، سكت (١).

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٩١٦.

٢١٠

وفي رواية مجاهد أن عائشة قالت : وما اعتمر في رجب قط.

(قال عبد المحمود) : فلعل نبيهم أعتمر في رجب قبل تزويجها في مدة مقامه بمكة ، فكيف قالت ما اعتمر قط في رجب ، وكيف قالت ما اعتمر إلا وأنا معه ، وهذا أيضا طعن أما عليها أو على ابن عمر.

الثاني ـ ومن أولئك أبو هريرة : وقد روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين عنه ستمائة حديث وسبعة أحاديث ، أكثرها تراه وهو حديث واحد بألفاظ مختلفة أو معان مضطربة ، أو طرق يكذب بعضها بعضا ، ومن المعلوم أن أبا هريرة فارق علي بن أبي طالب وبني هاشم وظهر عداوته لهم وانضمامه إلى معاوية ما لا يحتاج إلى رواية ، لظهوره في التواريخ وعند علماء الإسلام مع ما رووه في صحاحهم أن التهمة له بالكذب كانت معلومة بين الأصحاب.

٣٠٦ ـ فمن ذلك ما رواه الحميدي في الحديث السادس والستين بعد المائة من المتفق عليه من مسند أبي هريرة عن أبي رزين قال : خرج إلينا أبو هريرة فضرب بيده على جبهته فقال : ألا أنكم تحدثون أني أكذب على رسول الله " ص " ـ الخبر (١).

٣٠٧ ـ ومن ذلك في الجمع بين الصحيحين للحميدي في مسند عبد الله ابن عمر بن الخطاب في الحديث الرابع والعشرين بعد المائة من المتفق عليه ، إن رسول الله " ص " أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو كلب غنم ماشية فقيل لابن عمر : إن أبا هريرة يقول أو كلب زرع ، فقال ابن عمر : أن لأبي هريرة زرعا (٢).

٣٠٨ ـ ومن ذلك في الجمع بين الصحيحين في الحديث الستين بعد

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٦٦٠ ، وأبو رية في أبي هريرة : ١٥٢.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٢٠٠.

٢١١

المائة من المتفق عليه من مسند أبي هريرة أنه قيل لابن عمر أن أبا هريرة يقول سمعت رسول الله " ص " يقول من تبع جنازة فله قيراط من الأجر. فقال ابن عمر : لقد أكثر علينا أبو هريرة (١).

ومن ذلك في اعتذار أبي هريرة وروايتهم فيما يعد لكذبه في الاعتذار فروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث التاسع والخمسين من المتفق عليه من مسند أبي هريرة قال : إنكم تقولون إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله " ص " ويقولون : ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول الله " ص " بمثل حديث أبي هريرة ، وإن إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق وكنت ألزم رسول الله " ص " حتى ملئ بطني ، فاشهد إذا غابوا واحفظ إذا نسوا. ثم ذكر الأنصار بعد كلام له فقال : وكان يشغل إخواني من الأنصار عمل أموالهم فكنت امرءا مسكينا من مساكين الصفة أعي حين ينسون (٢).

وفي رواية سفيان : فما نسيت شيئا سمعت منه.

(قال عبد المحمود بن داود) : فاشهد أيها السامع على أبي هريرة أنه قد طعن في المهاجرين والأنصار بأنهم كانوا يشتغلون عن حديث رسولهم بالدنيا الفانية ، ثم اشهد عليه بأنه ما نسي شيئا قط.

٣١٠ ـ وقد روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين أيضا في المتفق عليه في الحديث التاسع والثمانين من مسند أبي هريرة عن النبي " ص " أنه قال : لا عدوي ولا صفر ولا هامة. فقال أعرابي : يا رسول الله فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء ، فيجئ البعير الأجرب فيدخل فيها فيجربها كلها؟ قال :

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٦٥٣.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ١٩٤٠.

٢١٢

فمن أعدى الأول (١).

ثم روى الحميدي في جملة الحديث التاسع والثمانين من مسند أبي هريرة من المتفق عليه عن أبي سلمة أن رسول الله " ص " قال لا عدوي ، ويحدث أن رسول الله " ص " قال: لا يورد ممرض على مصح وأنكر أبو هريرة حديثه الأول قلنا ألم تحدث أنه لا عدوي ، فوطن بالحبشة ، قال أبو سلمة : فما رأيته نسي حديثا غيره (٢).

ومن ذلك في جملة الحديث التاسع والثمانين المقدم ذكره أن أبا هريرة صمت عن حديث " لا عدوي " وأقام على أن لا يورد ممرض على مصح (٣).

ثم روى الحميدي بعد ذلك في الحديث التاسع والثمانين المشار إليه من مسند أبي هريرة من رواية سهل أن رسول الله " ص " قال : لا عدوي ولا طيرة ولا هامة ولا صفر وفر من المجذوم كما تفر من الأسد (٤).

٣١١ ـ ومن ذلك ما رووه من ملاعبه بالدين في الحديث الثاني والتسعين بعد المائة من المتفق عليه من مسند أبي هريرة عن أبي حازم أنه قال : كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ للصلاة ، فكان يمد يده حتى تبلغ إبطه ، فقلت له يا أبا هريرة ما هذا الوضوء؟ فقال : يا بني فروخ أنتم ههنا؟ لو علمت أنكم ههنا ما توضأت هذا الوضوء ، سمعت رسول الله " ص " يقول : تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء (٥).

__________________

(١) روى مسلم في صحيحه : ٤ / ١٧٤٢ ، والبخاري في صحيحه : ٨ / ١٩.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ١٧٤٣ ، والبخاري في صحيحه : ٨ / ٣١.

(٣) نفس المصدر من صحيح مسلم.

(٤) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ١٧٤٢ ـ ١٧٤٤.

(٥) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٢١٩.

٢١٣

٣١٢ ـ وروى الحميدي في الحديث السادس والثلاثين من مسند أبي هريرة من المتفق عليه : أن أبا هريرة دعا بتور من ماء فغسل يديه حتى بلغ إبطيه ، فقلت يا أبا هريرة ما هذا؟ فقال : إنني سمعت رسول الله " ص " قال : هو منتهى الحلية (١).

(قال عبد المحمود) : ما رأيت أحدا من المسلمين يتوضأ للصلاة ويغسل يديه إلى إبطيه ، فما هذا الحديث الذي قد صححوه عن نبيهم وكذبوا المسلمين كافة بقول أبي هريرة إن هذا الطرائف.

الثالث ـ ومن أولئك أنس بن مالك : وقد روى الحميدي عنه في الجمع بين الصحيحين ثلاثمائة واثنين وعشرين حديثا ، كما تقدم ذكر أكثرها ترى الحديث وهو واحد وروايته عن أنس بن مالك يكذب بعضها بعضا وأكثر الألفاظ مختلفة والمعاني مضطربة.

وهذا أنس قد روى من طريق شيعة أهل البيت : أن علي بن أبي طالب استشهده مرة في شئ كان قد سمعه من نبيهم " ص " من فضائل علي عليه السلام فلم يشهد فدعا عليه فأصابه برص ، ثم اعترف أنس بما كان كتمه من الفضيلة ، وكان يقول : هذا البرص بدعوة علي بن أبي طالب (٢).

وأما ما رواه رجال الأربعة المذاهب عن أنس بن مالك من الأمور التي يشهد كتابهم وشرائعهم بكذبها ، وجعلوها من صحاحهم.

٣١٣ ـ فمن ذلك في الجمع بين الصحيحين في الحديث الخامس عشر بعد المائة من المتفق عليه من مسند أنس بن مالك أن رجلا من أهل البادية

__________________

(١) رواه البخاري في صحيحه : ٧ / ٦٥.

(٢) راجع رجال الكشي : ٤٦ ط نجف ، وفيه بعد ما برص : فحلف أنس بن مالك أن لا يكتم منقبة لعلي بن أبي طالب ولا فضلا أبدا.

٢١٤

أتى النبي " ص " فقال : يا رسول الله متى الساعة قائمة؟ قال : ويلك ما أعددت لها؟ قال : ما أعددت لها إلا أني أحب الله ورسوله. قال : إنك مع من أحببت قال : ونحن كذلك. قال : نعم ففرحنا يومئذ فرحا شديدا ، فمر غلام للمغيرة ابن شعبة وكان من أقراني، فقال النبي : إن أخر هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة (١).

٣١٤ ـ وفي حديث آخر عن الحميدي في الموضع المشار إليه عن أنس أن رجلا سأل رسول الله " ص " : متى تقوم الساعة؟ وعنده غلام من الأنصار يقال له محمد ، فقال رسول الله : أن يعيش هذا الغلام ، فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة (٢).

٣١٥ ـ وفي رواية أخرى عن أنس من موضع الحديث الخامس عشر بعد المائة أيضا من المتفق عليه عن أنس أن رجلا سأل النبي " ص " قال : متى تقوم الساعة؟ قال : فسكت رسول الله هنيئة ، ثم نظر إلى غلام بين يديه من أزد شنوءة فقال : إن عمر هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة. قال : أنس ذلك الغلام من أقراني (٣).

(قال عبد المحمود) : وقد ذكر محمد بن سعد في كتاب الطبقات الكبير في الجزء العاشر عند ذكر أنس بن مالك أمورا تقتضي تهمة أنس بن مالك ومضايقة لملوك الدنيا له.

ومن ذلك بإسناده إلى أنس بن مالك قال : استعملني أبو بكر على الصدقات فقدمت وقد مات أبو بكر وجئت عند عمر فقال عمر : يا أنس أجئتنا بظهر. قال : قلت:

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ٢٢٧٠.

(٢) نفس المصدر.

(٣) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ٢٢٦٩.

٢١٥

نعم قال جئنا بالظهر والمال لك قال قلت هو أكثر من ذلك قال وإن كان هو لك قال وكان المال أربعة آلاف دينار.

قال عبد المحمود انظر هذه المضايقة لأنس بأموال المسلمين ولم يسأله كم المال وقد عرفه أنس كثرة المال فأعطاه إياه.

ومن ذلك ما ذكر أيضا محمد بن سعد عن أنس بن مالك قال شهدت فتح تستر مع الأشعري فلم يصل صلاة الصبح حتى انتصف النهار ثم قال وما نشرى بتلك الصلاة الدنيا وما فيها.

قال عبد المحمود قد عرفنا أن شريعة الإسلام ما عذر أحدا من عقلاء القادرين في ترك الصلاة وما كفاه تركها حتى يدرج تركه لها وتأخرها إلى نصف النهار.

ومن ذلك ما ذكره محمد بن سعد أيضا إلى عبد السلام بن شداد قال رأيت على أنس عمامة من حرير وجبة من خز ومطرف ثوب خز فقال ما لك تنهانا عن الحرير وتلبسه أنت فقال إن أمراءنا يكون فيجب أن يرده علينا.

قال عبد المحمود إن كان كما ذكر عنه فقد بالغ في الطعن عليه أن يكون أنس يراعي نظر الأمراء أكثر من نظر الله إلى تحريمه عليه ونظر رسول الله ص.

ومن ذلك ما رواه محمد بن سعد أيضا إلى عبد الله بن عمر عن عبد الكريم قال رأيت أنس بن مالك يطوف بالبيت وعليه مطرف خز أصفر قال فذكرت ذلك لسعيد بن جبير فقال أما إن السلف لو رأوه لأوجعوه.

ومن ذلك ما ذكره محمد بن سعد أيضا بإسناده إلى محمد بن سيرين أنه سمع أنس بن مالك يقول إنا لنلبس الحرير وإنا لنعلم ما فيه ولوددنا أنه لم يخلق.

ومن ذلك ما رواه أيضا محمد بن سعد بإسناده عن سعيد بن بشير يذكر

٢١٦

عن قتادة قال : كنا نرى على خاتم أنس بن مالك صورة رجلين.

(قال عبد المحمود) : وما كان الصحابة يختارون الصور خواتيمهم وقد رووا تحريمها.

ومن ذلك ما رواه محمد بن سعد بإسناده إلى أبي القاسم قال : رأيت على أنس خاتما من ذهب.

(قال عبد المحمود) : فكيف أكثروا النقل عن أنس بن مالك وقد بلغوا من القول فيه إلى ما ذكرنا بعضه ، وليتهم حيث نقلوا كثرة أحاديثه تركوا نقل الطعن عليه أو حيث طعنوا عليه تركوا نقل كثرة أحاديثه ، ولقد صار نقل القدح فيه عندهم إذا أنصفوا طعنا فيما يرويه.

ومن طرائف ما قدمناه من طعنهم عليه حديثه الرجل الذي لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة.

(قال عبد المحمود) : كيف يليق لعاقل أن يبلغ به حسن الظن بمن يجانب أهل البيت عليهم السلام إلى نقل مثل هذه الأحاديث التي يقتضي دين الإسلام كذب من رواها، لأن كتابهم يتضمن " يسئلونك عن الساعة أيان مرساها * قل علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو " (١) وفي كتابهم أيضا " يسئلونك عن الساعة أيان مرساها * فيم أنت من ذكراها * إلى ربك منتهاها " (٢) ولا شبهة عندهم أن الله تعالى سترها عن نبيهم وغيره.

فكيف حسن الإقدام على مثل هذه الأحاديث وكيف جعلوها في صحاحهم لا سيما وقد رووا نبيهم " ص " من الأخبار للمسلمين وتعريفهم بما يحدث بعده من الاختلاف في دولة بني أمية ودولة بني هاشم والمهدي عليه السلام

__________________

(١) الأعراف : ١٨٧.

(٢) النازعات : ٤٣ ـ ٤٤.

٢١٧

وغيره من الأمور التي تقتضي أن القيامة أبعد من أعمار كثيرة ، فكيف ينقلون أو يصدقون أو يصححون مثل هذا الحديث المتقدم ذكره.

أقول : وذكر أبو هلال في كتاب الأوائل عن أنس بن مالك أن الحجاج ولاه في سابور من أرض فارس ، فأقام بها سنين يقصر الصلاة ويفطر في شهر رمضان ويقول ما أدري كم مقامي ومتى يأتيني العزل ، وهذا أعجب ما يروى من الجهل بالشرائع.

الرابع ـ ومن أولئك عائشة بنت أبي بكر ، ومعلوم عداوتها لأهل بيت نبيهم ، وخروجها لمحاربة بني هاشم بالبصرة واجتهادها في استيصالهم ، وقد نقل الحميدي في الجمع بين الصحيحين عنها مائة وخمسة وتسعين حديثا في صحاحهم غير ما نقلوه عنها في غير تلك الكتب ، وأكثر أحاديثها كما قلت الحديث واحد ورواية تكذب بعضها بعضا وألفاظه مختلفة والمعاني مضطربة.

(قال عبد المحمود بن داود) : وقد اعتبرت ما نقلوه في الصحيحين عن نساء نبيهم محمد " ص " ، فرأيت قد ذكر الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين (مسلم والبخاري) فرووا عن زوجته أم سلمة البصرية عندهم التي امتثلت ما أمرت به في كتابهم في قوله " وقرن في بيوتكن " (١) وهي ممدوحة عند الجميع ثلاثة عشر حديثا متفقا عليها عندهم وثلاثة وعشرين مختلفا فيه ، ورووا عن حفصة زوجته ثلاثة أحاديث متفقا عليها وستة عشر أحاديث مختلفا فيها ورووا عن أم حبيبة زوجته حديثين متفقا عليهما وحديثين مختلفا فيهما ، وعن زوجته ميمونة بنت الحارث الهلالية سبعة أحاديث متفقا عليها وستة أحاديث مختلفا فيها وعن زينب بنت جحش التي زوجه الله بها عند المسلمين بقوله " فلما قضى زيد منها

__________________

(١) الأحزاب : ٣٣.

٢١٨

وطرا زوجناكها " (١) حديثين متفقا عليهما ، وعن زوجته صفية بنت حي بن أخطب حديثا واحدا متفقا عليه ، وعن سودة بنت زمعة زوجته حديثا واحدا مختلفا فيه ، وعن ابنته فاطمة التي شهدوا لها بتلك المدائح التي تقدم ذكرها وأنها سيدة نساء العالمين التي صاحبت نبيهم من حين ولادتها إلى حين وفاته حديثين فحسب مع شهادتهم أن نبيهم كان يفضلها على نسائه وغيرهن ويختص بها مع كمال عقلها ، فكيف اختصوا بعائشة دون نساء نبيهم ورووا عنها واستمعوا منها واستكثروا في صحاحهم من رواياتها ، مع ما رووا من كون نبيهم كان قد استوعب أكثر أوقاته الرجال ، وكان ليلة عائشة كليلة غيرها وأوقاته في الليلة موزعة في غير ذلك.

٣١٦ ـ فروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين في المتفق عليه في الحديث الثلاثين من مسند أبي سعيد الخدري قال : قالت النساء للنبي " ص " : غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوما من نفسك ، فوعدهن يوما لقاهن فيه فوعظهن وأمرهن هذا لفظ الحديث.

(قال عبد المحمود) : ثم قد رووا عنها أنها كانت من النقصان إلى حد أنها تلعب باللعب (٢) بحضرة نبيهم ، وتقف تتفرج على الحبشة إذا لعبوا بحرابهم (٣).

٣١٧ ـ فمن رواياتهم في ذلك ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الثاني والثمانين من المتفق عليه من مسند عائشة قالت : كنت ألعب بالبنات (٤) رسول الله " ص " وكان لي صواحب يلعبن معي ، وكان

__________________

(١) الأحزاب : ٣٧.

(٢) قال : في أقرب الموارد : اللعبة بالضم اسم من اللعب ، يقال لمن اللعبة والتمثال وجرم ما يلعب به كالشطرنج ونحوه ـ انتهى موضع الحاجة.

(٣) راجع صحيح مسلم : ٢ / ٦٠٩.

(٤) قال في أقرب الموارد : البنات التماثيل الصغار تلعب بها الجواري ، وفي حديث عائشة " كنت ألعب مع الجواري بالبنات ".

٢١٩

رسول الله إذا دخل ينقمعن منه فيسربهن إلي فيلعبن معي (١).

وفي حديث جرير كنت ألعب بالبنات في بيته وهن اللعب (٢).

(قال عبد المحمود) : وقد رووا عنها في الحديث السادس من المتفق عليه من مسندها في عدة طرق إنكار نبيهم لعمل الصور والأمر بإبطالها والإنكار على من يدخرها أو يجعلها في منزله وإن الملائكة لا يدخل بيتا فيه صورة مجسمة أو تماثيل.

ورووا نحو ذلك في الحديث الثالث والتسعين من مسند عبد الله بن عباس.

٣١٨ ـ ورووا في مسند أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري في الحديث الأول من المتفق عليه قال : سمعت رسول الله " ص " يقول : لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة (٣).

وفي رواية : ولا تماثيل (٤).

٣١٩ ـ ورووا في الحديث العاشر من أفراد البخاري من مسند عبد الله بن عمر : أن جبرئيل قال للنبي " ص " : إنا لا ندخل بيتا فيه صور ولا كلب (٥).

٣٢٠ ـ ورووا في مسند أبي هريرة في الحديث التاسع والستين من أفراد البخاري عن النبي " ص " قال : لا تدخل الملائكة بيتا فيه تماثيل أو تصاوير (٦).

فكيف استجازوا لأنفسهم أن ينقلوا حديث تلك اللعب عن عائشة ويجعلوه صحيحا ويصدقوها عن نبيهم ويكذبوا هؤلاء الرواة كلهم؟ وكيف استحسنت

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ١٨٩٠.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ١٨٩١.

(٣) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٦٦٥ ، والبخاري في صحيحه : ٧ / ٦٤.

(٤) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٦٦٦.

(٥) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٦٦٦.

(٦) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٦٧٢ ، والبخاري في صحيحه : ٧ / ٦٦.

٢٢٠