الطّرائف في معرفة مذاهب الطوائف

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

الطّرائف في معرفة مذاهب الطوائف

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


الموضوع : الفرق والمذاهب
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٣

المناري قد كتب في زمان مؤلفه في آخر النسخة التي وقفت عليها ما هذا لفظه فكان الفراغ من تأليفه سنة ثلاثمائة وثلاثين وعلى الكتاب إجازات وتجويزات تاريخ بعض إجازاته في ذي قعدة سنة ثمانين وأربعمائة من جملة هذا الكتاب ما هذا لفظه سيأتي بعض المأثور في المهدي ع وسيرته ثم روى ثمانية عشر حديثا بأسانيدها إلى النبي ص بتحقيق خروج المهدي ع وظهوره وأنه من ولد فاطمة ع وأنه يملأ الأرض عدلا وذكر كماله وسيرته وجلاله وولايته.

قال عبد المحمود وقد وقفت على كتاب قد ألفه ورواه وحرره أبو نعيم الحافظ واسمه أحمد بن أبي عبد الله بن أحمد وهذا المؤلف من أعيان رجال الأربعة المذاهب وله تصانيف وروايات كثيرة وقد سمى أبو نعيم الكتاب المشار إليه كتاب ذكر المهدي ونعوته وحقيقة مخرجه وثبوته ثم ذكر في صدر الكتاب تسعة وأربعين حديثا أسندها إلى النبي ص يتضمن البشارة بالمهدي ع وأنه من ولد فاطمة ع وأنه يملأ الأرض عدلا وأنه لا بد من ظهوره ثم ذكر بعد ذلك حديثا معنى بعد معنى وروى في كل معنى أحاديث بأسانيدها إلى النبي ص.

فقال أبو نعيم بعد رواية التسعة والأربعين حديثا مشارا إليها في حقيقة ذكر المهدي ونعوته وخروجه وثبوته ما هذا لفظه وبخروجه يرفع عن الناس تظاهر الفتن وتلاطم المحن ويمحق الهرج وروى في صحة هذا المعنى عن النبي ص اثنين وأربعين حديثا بأسانيدها.

ثم قال أبو نعيم أيضا ما هذا لفظه إعلام النبي ص أن المهدي سيد من سادات أهل الجنة وروى عن النبي في صحة هذا المعنى ثلاثة أحاديث ثم ذكر أبو نعيم أيضا ما هذا لفظه ذكر جيشه وصورته وطول مدته وأيامه وروى

١٨١

في صحة هذا المعنى عن النبي ص أحد عشر حديثا.

ثم ذكر ما هذا لفظه بالعدل وفي وبالمال سخي يحثوه حثوا ولا يعده عدا وروى في صحة هذا المعنى عن النبي ص بإسناده تسعة أحاديث.

ثم ذكر أبو نعيم أيضا ما هذا لفظه ذكر البيان عن الروايات الدالة على خروج المهدي وظهوره ثم روى عن النبي ص في صحة هذا المعنى أربعة أحاديث.

ثم ذكر ما هذا لفظه ذكر البيان في أن توطئة أمر المهدي وخلافته وجيشه من قبل المشرق فروى في هذا المعنى وصحته عن النبي ص حديثين.

ثم ذكر أبو نعيم الحافظ أيضا ما هذا لفظه ذكر بيان القرية التي يكون منها خروج المهدي وروى في صحة ذلك حديثين يرفعهما إلى النبي ص.

ثم ذكر أبو نعيم أيضا ما هذا لفظه ذكر بيان أن من تكرمة الله لهذه الأمة أن عيسى ابن مريم يصلي خلف المهدي ثم روى في صحة هذا المعنى ثمانية أحاديث عن النبي ص.

ثم ذكر أبو نعيم أيضا ما هذا لفظه ذكر ما ينزل الله عزوجل من الخسف والنكال على الجيش الذين يرمون الحرم تكرمة للمهدي ثم روى في صحة هذا المعنى خمسة أحاديث عن النبي ص بأسانيدها.

ثم ذكر أبو نعيم الحافظ ما هذا لفظه ذكر المهدي أنه من ولد الحسين / وذكر كنيته وموته حين يبعث وروى أبو نعيم في صحة هذا المعنى تسعة أحاديث عن النبي ص بأسانيدها.

ثم ذكر أبو نعيم أيضا ما هذا لفظه ذكر فتح المهدي المدينة الرومية ورد ما سبى ملكها من بني إسرائيل إلى بيت المقدس وروى في صحة هذا المعنى عن النبي ص خمسة أحاديث بأسانيدها.

١٨٢

ثم ذكر أبو نعيم الحافظ ما هذا لفظه ما يكون في زمان المهدي من الخصب والأمن والعدل وروى في صحة هذا المعنى عن النبي ص بإسناده سبعة أحاديث.

فجملة الأحاديث المذكورة في كتاب ذكر المهدي ع ونعوته وحقيقة مخرجه وثبوته المختصة بهذا المعنى المقدم ذكرها مائة وستة وخمسون حديثا وأما طرق هذه الأحاديث فهي كثيرة تركت ذكرها في هذا الكتاب كراهية الإكثار والإطناب.

قال عبد المحمود قال الشيعي وأما الذي ورد من طريق الشيعة وأهل البيت ع في ذلك مجملا ومفصلا لا يسعه إلا مجلدات وقد تضمن كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة تأليف أبي جعفر محمد بن بابويه القمي ره طرفا جيدا من الروايات فمن أراد سلامة نفسه من الهلاك فلينظر أيضا ما هناك.

قال ونقل إلينا سلفنا نقلا متواترا أن المهدي ع المشار إليه ولد ولادة مستورة لأن حديث تملكه ودولته وظهوره على كافة الممالك والعباد والبلاد كان قد ظهر للناس فخيف عليه كما جرت الحال في ولادة إبراهيم وموسى ع وغيرهما ممن اقتضت المصلحة ستر ولادته وإن الشيعة عرفت ذلك لاختصاصها بآبائه ع وتلزمها بمحمد نبيهم وعترته فإن كل من تلزم بقوم كان أعرف بأحوالهم وأسرارهم من الأجانب كما أن أصحاب الشافعي أعرف من أصحاب غيره من رؤساء الأربعة المذاهب.

قال الشيعي وقد كان المهدي ع ظهر لجماعة كثيرة من أصحاب والده العسكري ونقلوا عنه أخبارا وأحكاما شرعية وأسبابا مرضية وكان له وكلاء ظاهرون في غيبته معروفون بأسمائهم وأنسابهم وأوطانهم يخبرون عنه بالمعجزات والكرامات وجواب أمور المشكلات وبكثير مما ينقله عن آبائه

١٨٣

عن رسول الله (ص) عن الله تعالى من الغائبات منهم عثمان بن سعيد العمري المدفون بقطقطان من الجانب الغربي ببغداد ومنهم ولده أبو جعفر بن عثمان بن سعيد العمري ومنهم أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي ومنهم علي بن محمد السمري رضوان عليهم.

وقد ذكر نصر بن علي الجهضمي في تاريخ أهل البيت وقد تقدم ذكره قبل هذا الموضع برواية رجال الأربعة المذاهب حال هؤلاء الوكلاء وأسمائهم وإنهم كانوا وكلاء المهدي عليه السلام وأمرهم أشهر من أن يحتاج إلى الإطالة في هذا الكتاب وكان هؤلاء الوكلاء من أعيان الصالحين وخيار المسلمين وكان كلما قرب وفاة أحد منهم عين المهدي عليه السلام على من يقوم مقامه بآيات وكرامات شاهدة بتصديق ذلك ورواياتهم منقولة وأنسابهم وسيرتهم

وقبورهم معلومة ولو خالط هؤلاء الأربعة المذاهب علماء الشيعة واطلعوا على كتبهم ورواياتهم في المعنى علموا صحة ما قلنا ضرورة وتواترا.

ولما بلغ الأمر إلى علي بن محمد السمري ذكر أن المهدي (ع) قد عرفه أن ينتقل إلى الله وكشف له عن يوم وفاته وأنه قد تقدم إليه أن لا يوكل أحدا غيره وأن قد جاءت الغيبة التامة التي يمتحن فيها المؤمنون وهذه سنة من الله تعالى قد كان أمثالها في عباده وبلاده يشهد بها التواريخ وأخبار الأنبياء وقال سبحانه في كتابه ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين فتوفى علي محمد السمري رضي الله عنه في الوقت الذي أشار إليه.

ولقد لقي المهدي (ع) خلق كثير بعد ذلك من شيعته وغيرهم وظهر لهم على يده من الدلائل ما ثبت عندهم وعند من أخبروه أنه هو عليه وعلى

١٨٤

آبائه السلام ونقلوا عنه أخبارا متظاهرة وإذ كان (عليه السلام) غير ظاهر الآن لجميع شيعته فلا يمتنع أن يكون جماعة منهم يلقونه وينتفعون بمقاله وفعاله ويكتمونه كما جرى الأمر في جماعة من الأنبياء والأوصياء والملوك حيث غابوا عن كثير من الأمة لمصالح دينية أو دنيوية أوجبت ذلك.

وأما من يشك في هذا من مخالفينا ويقولون إنه ما ولد فلو خالطونا وسمعوا أخبارنا الصحيحة عن الثقات تحققوا ما نقلناه.

وأما استبعاد من استبعد منهم ذلك لطول عمره الشريف فما يمنع من ذلك إلا جاهل بالله وبقدرته وبأخبار نبينا وعترته أو عارف ويعاند بالجحود كما حكى الله تعالى عن قوم فقال : " وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا " (١).

فكيف يستبعد بطول الأعمار وقد تواتر كثير من الأخبار بطول عمر جماعة من الأنبياء وغيرهم من المعمرين وهذا الخضر (ع) باق على طول السنين وهو عبد صالح من بني آدم ليس بنبي ولا حافظ شريعة ولا بلطف في بقاء التكليف فكيف يستبعد طول حياه المهدي عليه السلام وهو حافظ شريعة جده محمد (ص) ولطف في بقاء التكليف وحجه في أحد الثقلين اللذين قال النبي (ص) فيهما : إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض والمنفعة ببقائه في حال ظهوره وخفائه أعظم من المنفعة بالخضر.

وكيف يستبعد طول عمره الشريف من يصدق بالقرآن وقد تضمن قصة أصحاب الكهف أعجب من هذا لأنه مضى لهم على ما تضمنه القرآن ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا وهم أحياء كالنيام يقلبهم الله ذات اليمين وذات الشمال لئلا تبلى جنوبهم بالأرض فهؤلاء محتاجون الطعام والشراب قد بقوا هذه المدة بنص القرآن بغير طعام ولا شراب مما يأكل الناس وبمقتضى ما تقدم من الخبر

__________________

(١) النمل : ١٤.

١٨٥

السالف عن ذكر قصة أصحاب الكهف إلى زمن محمد نبيهم ص حيث بعث الصحابة على البساط ليسلموا عليهم ويبقون كما رواه الثعلبي فيما سلف عنه إلى زمن المهدي ع على الصفة التي تضمنها القرآن والحياة بغير طعام ولا شراب فأيما أعجب هؤلاء أو بقاء المهدي ع وهو يأكل ويشرب وله مواد يصح معها استمرار البقاء فكيف استبعدت حياته نفوس السفهاء وعقول الجهلاء.

قال عبد المحمود رأيت تصنيفا لأبي حاتم سهل بن محمد السجستاني من أعيان الأربعة المذاهب سماه كتاب المعمرين وذكرهم بأسمائهم.

وبعد هذا فليس على أحد من الملوك والخلفاء وغيرهم من الأتباع والأقوياء والضعفاء ضررا في اعتقادنا هذا لأن المسلمين كافة متفقون على البشارة بالمهدي ع وإنما خالفونا في وقت ولادته وتعيين أبيه ولأننا نعتقد أن المهدي ع إذا أراد الله ظهوره نادى مناد من السماء باسمه ووجوب طاعته وحدث من الآيات ما يدل على فرض متابعته.

فممن روى أن الملك المنادي من السماء ينادي باسم المهدي ع أحمد بن المناوي في كتاب الملاحم وأبو نعيم الحافظ في كتاب أخبار المهدي وابن شيرويه الديلمي في كتاب الفردوس وأبو العلاء الحافظ في كتاب الفتن وابن التميمي في كتاب الفتن أيضا وهؤلاء كلهم من أعيان رجال الأربعة المذاهب.

وأما رواية الشيعة بالملك الذي ينادي فهي كثيرة يضيق الكتاب عن ذكر مواضعها وعن تسمية رواتها وهذه معجزات إذا وقعت كما قلنا فما يمكن دفعها وربما لا يخالف أحد في العمل بها ممن يكون عارفا بها وموافقا لها.

ولقد قيل عنا كلام لبعض الخلفاء من بني هاشم يحملونه على أذيتنا فقال والله ما علينا من هؤلاء الشيعة ضرر لأن مذهبهم يقتضي تعظيم بني هاشم كافة

١٨٦

لما يروونه ويعملون به من وصايا النبي ص لهم ولأن الإمام الذي يشيرون إليه الآن هو المهدي الذي لا يخالف أحد من المسلمين في البشارة به وفي إمامته وظهوره ودولته وإنما الخلاف في وقت ولادته ولا يجيزون القدح في دولته وولايته فاتفق كافة أهل الإسلام على البشارة بإمامته ولا سل سيف قبل ظهوره لأن هؤلاء الشيعة يذكرون أنه ينادي مناد باسمه من السماء وأنه من ولد علي وفاطمة ع كما روى كافة المسلمين وإذا كان ذلك فما يمكن جحوده وهو ابن عمنا والدولة أيضا يكون لنا ونحن أحق بنصره وما يرى الشيعة في هذا الاعتقاد إلا على حكم الوفاء لنا وإنما أعداؤنا الذين يذكرون ويعتقدون أنه يجوز اختيار الأئمة والخلفاء في كل وقت ومن أي القبائل كان كما فعلوا أولا في إبعادنا عن خلافتنا وميراث نبينا ص فهؤلاء الذين يعتقدون ذلك هم أعداؤنا وأعداء ربنا ونبينا وأعداء ولينا ولا نؤمن ضررهم ولا يجوز رفع شأنهم.

قال الشيعي وسمعت أن جماعة من الأربعة المذاهب ينكرون علينا ترك المخالطة لهم والاقتداء بهم وما فعلنا ذلك ظلما ولا تعديا ولا عنادا وإنما قد عرفنا بعض ما أنعم الله به علينا من الهداية التي أمر الله ورسوله ص بالتمسك بهم فنحن بذلك متمسكون وبهم مقتدون ورأينا أن هؤلاء الأربعة المذاهب قد فارقوا رضى الله ورضى رسوله ص وعترته الذين أوصاهم بالتمسك بهم وابتدعوا لأنفسهم عقائد وسننا وأمورا ما كانت في زمان نبينا وكان ذلك سبب فراقنا لهم وكان الذنب منهم والعتب عليهم ولو عادوا إلى معرفة حق الله وحق رسوله وعترته ع كنا معهم كما أمرنا الله ورسوله ص.

وسمعت عنهم أنهم يقولون ما يحضرون معنا في الجماعات والجمعات في الصلوات وإذا نظر منصف في عقائدهم ومذاهبهم وما يقولون عن الله تعالى وعن رسوله ص وعن عترته ع وما يعتقدون في حقهم وما يعتقدونه

١٨٧

في الأنبياء ، ويروونه في تقبيح ذكر صحابه نبيهم ويشهدون به عليهم في كتبهم الصحاح عندهم عرف عند ذلك صحة عذرنا في التأخر عنهم وترك المخالطة لهم والاقتداء بهم.

وما يخفى أن الإنسان لو أراد يودع شيئا من ماله عند إنسان فإنه كان يسأل عن دينه وورعه وأمانته ولا يودعه إلا لمن يثق إليه ويعتمد إليه ، والمال حقير والضرر بضياعه يسير ، فكيف نقتدي نحن في صلواتنا التي هي من أعظم أركان الإسلام ونودع القراءة وأسرارها لقوم قد تحققنا أنهم على ما حكيناه عنهم ، وقد قال جل جلاله " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار " وقال تعالى في معرض المدح " وما كنت متخذ المضلين عضدا " ، ولولا ذلك كنا قد زاحمناهم في الصف الأول ، لأننا نروي عن عترة نبينا " ص " في فضل صلاة الجماعة ووجوب صلاة الجمعة ما لعلهم لا يعرفونه ولا يروونه.

ومن طرائف ما رووا عن أئمتهم في ترك صلاة الجماعة وترك الجمعة بالكلية ما سيأتي ذكره ، فهلا كان للشيعة من الأعذار ما اعتذروا به لأئمتهم.

فمن ذلك ما رواه القاضي أبو العباس أحمد بن محمد الجرجاني في كتاب مختصر المعارف ونقلت روايته لذلك من نسخة عتيقة صحيحة تاريخ كتابتها في جمادى الأولى سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة ، قال في أواخرها عند ذكر آخر التابعين ما هذا لفظه : مالك بن أنس بن أبي عامر من حمير وعداده من بني تيم بن مرة من قريش ، قال الواقدي : كان مالك يأتي المسجد ويشهد صلاة الجمعة والجنائز ويعود المرضى ويقضي الحقوق ويجلس في المسجد ويجتمع إليه أصحابه ، ثم ترك الجلوس في المسجد وكان يصلي ثم ينصرف إلى منزله ، ثم ترك ذلك كله فلم يكن يصلي الصلاة في المسجد ولا الجمعة ولا يأتي أحدا يعزيه ولا يقضي له حقا ، واحتمل له ذلك حتى مات عليه ، وكان ربما كلم في

١٨٨

ذلك فيقول : ليس كل أحد يقدر أن يتكلم بعذره (١)

وروى حديث مالك بن أنس وعزلته من الجماعة والجمعة وغيرها بهذه الألفاظ والمعاني أيضا الغزالي في كتاب الإحياء في كتاب العزلة في الباب الأول منه.

ومن ذلك ما رواه الغزالي في الكتاب المذكور أيضا من الباب المشار إليه : إن سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد لزما بيوتهما بالعقيق ولم يكونا يأتيان المدينة لجمعة وغيرها حتى ماتا بالعقيق ، هذا صورة لفظه (٢).

فهلا كان للشيعة أسوة بمالك إمام المالكية من الأربعة المذاهب ، وهلا كان للشيعة عذرا إذا اقتدوا بمثل سعد وسعيد وهما من الصحابة المعظمين عند الأربعة المذاهب.

ومن ذلك ما رواه الغزالي في كتاب الإحياء أيضا في كتاب الحلال والحرام في المجلد الأول من العبادات أن أحمد بن حنبل قيل له : ما حجتك في ترك الخروج إلى الصلاة ونحن بالعسكر؟ فقال حجتي الحسن البصري وإبراهيم التيمي. هذا لفظ الحديث من كتاب الغزالي (٣).

فهلا كان أيضا للشيعة أسوة عند الحنابلة إذا اقتدوا في ذلك بإمامهم أحمد بن حنبل ، بل لولا وسع للشيعة من العذر عند الأربعة المذاهب ما وسع من تقدم ذكره من أئمتهم وصحابة نبيهم " ص " في ترك صلاة الجمعة وصلاة الجماعة.

في مستطرفات وقعت من المخالفين

(قال عبد المحمود) مؤلف هذا الكتاب : وقد وقفت على أشياء مستطرفة

__________________

(١) راجع ترجمة مالك في مقدمة كتاب الموطأ

(٢) إحياء العلوم ٢ / ٢٢٢.

(٣) إحياء العلوم : ٢ / ١٥٢.

١٨٩

وقعت من هؤلاء الأربعة المذاهب في حق أهل بيت نبيهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم مع ما تقدمت به رواياتهم من وصاياه بالتمسك بهم والمحبة والاتباع لهم.

ومن طرائف ذلك أنهم رووا تقدم ذكره عن نبيهم " ص " أنه مخلف فيهم الثقلين كتاب الله وعترته ما إن تمسكوا بهما لن يضلوا ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض ، وإن أهل بيته مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها هلك ، وغير ذلك مما تقدم ذكر بعضه ، فاعرض الأربعة المذاهب عن ذلك جميعه حتى فارقوا العترة المذكورة وصاروا يتعلقون في المعنى بأذيال مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل مع شدة اختلاف هؤلاء الأربعة المذاهب في الأمور العقلية والنقلية ، ومع اتفاق علماء العترة المحمدية " ص " في المعقول والمنقول ، ومع ما يشهد به لسان الحال على هؤلاء الأربعة أنهم وجدوا شريعة نبيهم غير كاملة في حياته ، ويجحدون معنى ما تضمنه كتابهم " اليوم أكملت لكم دينكم " ويزعمون أنهم تمموها بالقياس والاستحسان بآرائهم بعد وفاته ، ومع أن علماء العترة قد تضمنت كتبهم النصوص والأخبار المروية عن جدهم محمد " ص " في جميع شريعته ، فيتركون العترة مع ذلك كله ويلتزمون بمن لم يثبت له قدم ولا يقوم لهم به حجة عند الله تعالى ولا عند رسوله.

ومن طرائف ما رأيت من التعصب على بيت نبيهم وشيعتهم أن جماعة من مخالفيهم قبلوا رواية من روى الطعن في الله تعالى وفي رسوله وفي أنبيائه وفي الصحابة كما تقدم ذكره ، وتركوا قبول أخبار زهاد شيعتهم الذين لم يجر لهم ما جرى للرواة الذين قبلوا أخبارهم.

ومما يدل على ذلك ما رواه جماعة سبب أطراحهم لأخبار أهل البيت وشيعتهم ، ورواه مسلم في صحيحه في أوائل الجزء الأول بإسناده إلى الجراح بن

١٩٠

مليح قال : سمعت جابرا يقول : عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر عليه السلام عن النبي كلها (١).

ثم ذكر مسلم في صحيحه بإسناده إلى محمد بن عمرو الرازي قال : سمعت جرير يقول : لقيت جابر بن يزيد الجعفي فلم أكتب عنه كان يؤمن بالرجعة (٢).

وكذلك روى مسلم في الجزء المذكور بإسناده إلى عبد الله بن المبارك أنه يقول على رؤس الأشهاد : دعوا حديث عمرو بن ثابت فإنه كان يسب السلف (٣).

(قال عبد المحمود) : انظر رحمك كيف حرموا أنفسهم الانتفاع برواية سبعين ألف حديث عن نبيهم برواية أبي جعفر عليه السلام الذي هو من أعيان أهل بيته الذين أمرهم بالتمسك بهم ، ثم وإن أكثر المسلمين أو كلهم قد رووا إحياء الأموات في الدنيا وحديث إحياء الله تعالى الأموات في القبور للمسألة وقد تقدمت روايتهم عن أصحاب الكهف وهذا كتابهم يتضمن " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم " (٤) والسبعين الذي أصابتهم الصاعقة مع موسى ، وحديث العزير ومن أحياه عيسى ، وحديث جريح الذي أجمع على صحته ، وحديث الذين يحييهم الله تعالى في القبور للمسألة ، فأي فرق بين هؤلاء الأربعة وبين ما رواه أهل البيت وشيعتهم من الرجعة ، فأي ذنب كان لجابر في ذلك حتى يسقط حديثه ، وهلا كان له ولعمرو بن ثابت أسوة بمن رووا عنهم ممن ظهرت العداوة منهم.

ومن طرائف ذلك أنهم يعدون أولئك الأربعة الأنفس من الفقهاء والعلماء ، بل يجعلونهم أئمة العلماء والفقهاء ، وعلماء العترة وفقهاؤها وعلماء شيعتهم

__________________

(١) مسلم في صحيحه : ١ / ٢٠.

(٢) مسلم في صحيحه : ١ / ٢٠ ، والذهبي في ميزان الاعتدال : ١ / ١٧٦.

(٣) مسلم في صحيحه : ١ / ٦١.

(٤) البقرة : ٢٤٣.

١٩١

وفقهاؤهم لا يجرونهم مجرى واحد من أولئك.

ومن طرائف ذلك أنهم يقولون كل مجتهد مصيب ، بل زادوا على ذلك فذكر الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الثالث من مسند عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله " ص " يقول : إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم واجتهد فأخطأ فله أجر (١).

ففتحوا باب إباحة الخطأ والتطرق إلى نقض الشريعة ، ومع ذلك إذا وجدوا لبعض علماء العترة وفقهائها وفقهاء شيعتهم قولا في مسألة لا يجرونه مجرى أحد من أهل الاجتهاد ، ولا يثبت من الاعتذار ما يثبت ما ادعوه لعلمائهم وفقهائهم ، وهذا يدل على اختلاف عظيم ومناقضة قبيحة وسوء توفيق وعدم تحقيق.

ومن طرائف مناقضاتهم أنهم يروون وجوب العمل في الشريعة بأخبار الآحاد ، فإذا سمعوا الأخبار التي يأتي من جهة عترة نبيهم سواء كانت آحادا أو متواترة أعرضوا عنها ونفروا منها مع ما تقدم من شهادة نبيهم أن عترته لا يفارقون كتاب الله وأن المتمسك بهما لا يضل أبدا.

ومن طرائف ذلك أنهم لا يجرون أخبار علماء العترة مجرى أخبار جماعة من الصحابة والرواة الذين كفر بعضهم بعضا وسفك بعضهم دم بعض واستباحوا فيما بينهم المحارم وارتكبوا العظائم كما قدمناه ، فإن كان ذلك الاختلاف لا يضر فهلا كان لعلماء العترة وعلماء شيعتهم أسوة في ذلك ، وإن كان يضر ويكون فيهم مبطل ومحق فكيف قبلوا أخبار الجميع ورووها في جملة صحاحهم وحللوا بها وحرموا ، إن هذا تظاهر عظيم بعداوة أهل بيت نبيهم ومعاندة هائلة لنبيهم فيما أوصى فيه بأهل بيته وتكذيب لأنفسهم فيما رووه في صحاحهم وعن

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٣٤٢.

١٩٢

رجالهم من الوصية بالعترة ووجوب التلزم بهم والتعظيم لهم.

ومن طرائف ذلك أنني سألت جماعة من علماء الأربعة المذاهب عن سبب تركهم العمل بأخبار شيعة أهل بيت نبيهم فقالوا لأنهم يذمون جماعة من الصحابة ولأننا ما نثق بهم فقلت لهم أما اعتذاركم بأنهم يذمون بعض الصحابة فقد فعل الصحابة ذلك وذم بعضهم بعضا فكان يجب أن يترك العمل بأخبارهم كافة وأيضا فإنكم أنتم أيتها الأربعة المذاهب قد ذممتم كثيرا من أعيان الصحابة بل جماعة من الأنبياء وسأذكر بعض ما ذموا به الأنبياء والصحابة فكان يجب أن يتركوا أخباركم أيضا وأما قولكم أنكم ما تثقون بأخبار الشيعة فإن كان هذا العذر فقد عرفتكم أنه عذر غير صحيح بل تعلل قبيح لأنكم قد رويتم عمن يجوز الوثوق به وعن قوم يقدح بعضهم في عدالة بعض وقد سألت علماء منكم وقرأت كتبكم فما رأيت لكم عذرا في ترك العمل بأخبار شيعة أهل البيت إلا أن يكون عندكم عداوة لأهل البيت أو حسد أوجب ذلك عداوتكم لشيعتهم وترككم لأخبارهم وقد نظرت الاختلاف بينكم فرأيته ما ينقص في التكفير والتضليل عما بينكم وبين شيعة أهل بيت نبيكم فكيف صرتم أولياء فيما بينكم وأعداء لهذه الفرقة الشيعة إن ذلك من الطرائف.

ومن طرائف ما قلت لبعض علماء الأربعة المذاهب إذا كنتم تتركون العمل بأخبار شيعة أهل بيت نبيكم لأنكم ما تثقون بهم فكذا يقول لكم أهل الذمة إننا ما نثق بأخبار المسلمين فيما نقلوه من معجزات نبيهم وشريعته وكل شيء تجيبون به أهل الذمة فهو جواب الشيعة لكم.

ومن طرائف ما سمعت عن بعض علماء الأربعة المذاهب أنه قال لو تحققنا أن هذه الأخبار التي ترويها الشيعة عن أهل البيت صحيحة عملنا بها فقلت كذا يقولون لكم أهل الذمة لو وثقنا أو تحققنا أن نبيكم أتى بما تذكرون

١٩٣

من المعجزات والشرائع عملنا بها.

ثم وإذا لم يكن شيعة عترة نبيكم وخواصهم وأتباعهم أعرف برواياتهم ومذاهبهم وعقائدهم فكيف يعرف ذلك من أهل البيت البعداء عنهم والغرباء منهم ومعلوم أن كل فرقة فإن أتباع رئيسها أعرف بمذهبه ورواياته وعقائده ممن بعد عنه ونفر منه وأنتم تعلمون أن خواص أبي حنيفة أعرف بمذهبه ممن أعرض عنه وأصحاب الشافعي كذلك خواصه أعرف بمذهبه ممن أعرض عنه وأصحاب أحمد بن حنبل كذلك وسائر المذاهب.

ومن طرائف ما يقال لعلماء الأربعة المذاهب أنكم وغيركم من أهل المعرفة تعلمون بالتواتر أن هذه الفرقة الشيعة كانوا يخالطون أهل بيت نبيكم ويختصون بهم وهم على هذه العقائد ويروون عنهم في تلك الأحوال هذه الروايات وأهل البيت يعظمون الشيعة مع ذلك ويصفونهم بالهداية والورع والأمانات فهل يبقى شك عند عاقل ممن يعرف هذه الأحوال أن أهل بيت نبيكم كانوا موافقين لشيعتهم في العقائد وصواب الروايات والأقوال والأفعال.

ومن طرائف ما يقال لهم قد عرفتم أن البواطن لا طريق إليها إلا من عند علام الغيوب وإنما نوالي ونعادي على الظاهر من الاعتقادات والأعمال الصالحات وقد رأينا عبادات شيعة أهل بيت نبيكم ص واجتهادهم وورعهم وتنزههم عن الشبهات على أفضل ما يبلغ إليه أهل الديانات فإن كانوا مع ذلك متهمين فيما نقلوه أو قالوه أو كاذبين فكيف يكون حال من هو دونهم من المسلمين.

ولقد عرفت من ورع جماعة من شيعة أهل البيت ع ورواتهم ومن أماناتهم وعباداتهم ما لم أعرفه من سائر الرواة وقرأت في كتاب لا يتهم مصنفه أن صفوان بن يحيى من رجال علي بن موسى الرضا ع ومحمد بن علي الجواد ع روى عنهما وعن أربعين رجلا من أصحاب الصادق

١٩٤

عليه السلام وكان قد تعاهد هو وعبد الله بن جندب وعلي بن نعمان في بيت الله الحرام إن مات منهم يعمل من يبقى ما كان يعمله من مات مدة حياته فمات صاحباه وبقي صفوان فكان كلما حج أو أدى زكاة أو عبادة أو شيئا من الخير مدة حياته يعمل عمل صاحبيه ويعمل عنهما مثل الذي يعمل لنفسه إلى أن مات وهذا أبلغ ما عرفت من أمانات أهل الروايات.

وقرأت أيضا أن من جملة شيعة علي بن أبي طالب ع سبعين رجلا كانت بطون أكفهم قد صارت كثفنات البعير من كثرة صلواتهم وكانوا يعرفون بالمثفنين وقرأت أن علي بن مهزيار كانت جبهته مثل ركبة البعير وأمثال هؤلاء شيء كثير فكيف كان يحل ترك الرواية عن هؤلاء وترك العمل بما نقلوه وبأي عذر يعتذرون إلى الله تعالى ورسوله ص إذا لقوه إذا لم يرووا حديثهم ويقبلوه.

ويقال لعلماء الأربعة المذاهب ما أعتقد أن قد أوقعكم في هذه الشبهة إلا أنكم تركتم مخالطة أهل البيت ومخالطة شيعتهم فضللتم عن معرفة أحوالهم وأفعالهم وأقوالهم ولو خالطتم القوم وجدتم من صفات العلم والورع والأمانة والصيانة ما يشهد به عندكم لسان الحال وبيان المقال أن القوم ممن يوثق بهم ويعتمد عليهم.

ومن طرائف ما بلغ إليه جماعة كثيرة من المسلمين من رجال الأربعة المذاهب أنهم رووا ما قدمنا بعضه وسيأتي منه طرف آخر في تعظيم أهل البيت ع وخاصة علي وفاطمة والحسن والحسين عليه السلام.

فأما علي ع فقد عرفت ما جرى عليه من الدفع عن خلافته ومنزلته وما بلغوا إليه من القصد لإحراقه بالنار وكسر حرمته.

وأما فاطمة ع فقد اشتهر ما ظهر من أذيتهم لها حتى هجرتهم إلى أن ماتت وسيأتي طرف من ذلك إن شاء الله تعالى.

١٩٥

العلة التي من أجلها صالح

الحسن عليه السلام معاوية

وأما الحسن عليه السلام فقد جرى عليه من خذلانه بعد قتل أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام حتى اضطر إلى صلح معاوية ، ثم بعد ذلك يتفق له من يلومه على صلح معاوية ، ويقال عن بعض جهالهم وسفهائهم أنه يقول : إن الحسن عليه السلام باع الخلافة.

والجواب عن صلحه عليه السلام لمعاوية من وجوه :

(أحدها) أنه ما أجاب هو به كما رواه عنه أبو سعيد عقيصا قال : قلت للحسن ابن علي بن أبي طالب عليهما السلام : يا بن رسول الله لم داهنت معاوية وصالحته وقد علمت أن الحق لك دونه وأن معاوية ضال باغ؟ فقال : يا أبا سعيد ألست حجة الله على خلقه وإماما عليهم بعد أبي عليه السلام؟ قلت : بلى. قال : ألست الذي قال رسول الله " ص " لي ولأخي هذان ولداي إمامان قاما أو قعدا؟ قلت : بلى قال : فأنا إذن إمام لو قمت وأنا أمام لو قعدت ، يا أبا سعيد علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله " ص " لبني ضمرة وبني إشجع ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية أولئك كفار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل ، يا أبا سعيد إذا كنت إماما من قبل الله تعالى لم يجز أن يسفه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة وإن كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبسا ، ألا ترى الخضر عليه السلام لما خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسى عليه السلام فعله لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضى هكذا أنا ، سخطتم علي بجهلكم بوجه الحكمة ، ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلا قتل (١).

__________________

(١) رواه الصدوق في علل الشرائع : ١ / ٢١١ ط نجف.

١٩٦

ولعل بعض من يقف على هذا الحديث يقول : فيكون الذين عابوا على الحسن معذورين كما كان موسى معذورا.

والجواب أن الخضر عليه السلام ما عذر لموسى عليه السلام فيما وقع منه ولذلك فارقه فلا عذر لمن عاب على الحسن عليه السلام أو أنه عذره ، ولكن ليس رعيه الحسن كموسى مع الخضر ولا الحسن مكلفا باتباع الخضر في قبوله لعذر موسى.

ومن الجواب أن موسى ما كان رعيه للخضر يجب عليه طاعته وإنما كان رفيقا وصاحبا موافقا وكان موسى نبيا والخضر غير نبي ، فكان للخضر أن يعمل بعلمه بباطن الحال وكان لموسى عليه السلام أن ينكر لأن الذي وقع في الظاهر كالمنكر فكانا معذورين ، فلعل موسى ما كان يعلم أن الخضر معصوما أيضا ، وأما رعية الحسن فلا عذر لهم في العيب عليه وسوء الظن به لأنهم مكلفون باتباعه إن صالح وإن حارب ، ومتى عابوا عليه أو خالفوه كان حكمهم حكم من خالف إمام عدل ، ولو لم يكن للحسن من العذر في صلح معاوية إلا أن

أكثر أصحابه كانوا بهذه الصفة في صحبته غير متفقين معه على سداد رأيه فكيف كان يحصل من هؤلاء نصرة على أعدائه.

ومن الجواب أن رجال الأربعة المذاهب رووا بإطباقهم واتفاقهم أن نبيهم ذكر أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، فكيف يقع من أحدى سيدي شباب أهل الجنة ما يعاب به وفي الجنة من الشباب مثل عيسى بن مريم ويحيى ابن زكريا عليهم السلام وغيرهما مما لا يعاب من الأولياء.

ومن الجواب أنه لا يصح العيب على الحسن إلا بعد عيب النبي " ص " الذي أثنى عليه ، ولا يصح عيب النبي إلا بعد عيب الله الذي قال " وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى " (١).

__________________

(١) النجم : ٤.

١٩٧

ومن الجواب أنهم رووا في آية الطهارة أن الله قد طهره من الرجس ولو كان معيبا ما كان مطهرا. والله الذي شهد له بالطهارة كان عالما أنه سوف يصالح معاوية ، لأن صفات الحسن وأفعاله باطنها وظاهرها وأولها وآخرها كانت بالنسبة إلى علم الله كلها جميعها حاضرة ، فإذا حكم له بطهارة اقتضى ذلك طهارة الحسن باطنا وظاهرا وأولا وآخرا وحاضرا ومستقبلا.

ومن الجواب أنهم رووا في عدة من الروايات المتقدمة عدة مدائح له غير ما ذكرناه يدل على أنه من الكمال في الفعال والمقال إلى غاية لا يتطرق عليها نقصان في بيان ولا جنان ولا لسان.

ومن الجواب أنهم اتفقوا أن نبيهم محمدا " ص " الذي هو القدوة صالح بني قريظة وبني النضير (١) وهم كفار ، فلا عيب في صلح من يظهر الإسلام.

ومن الجواب أنهم اتفقوا على أن النبي " ص " صالح اليهود والنصارى وأخذ الجزية منهم وأقرهم على الكفر والضلال ولعنه ولعن المسلمين وعداوة الدين ، فلولده الحسن أسوة به في صلح معاوية كما تضمن كتابهم " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة (٢).

ومن الجواب ما ذكره ابن دريد في كتاب المجتنى من خطبة لمولانا الحسن عليه السلام في عذره لصلحه معاوية ، فقال ما هذا لفظه في الكتاب المذكور : قام الحسن عليه السلام بعد أمير المؤمنين عليه السلام فقال بعد حمد الله تعالى : إنا ما بنا لأهل الإسلام شك ولا ندم ، وإنما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر ، فشتت السلامة بالعداوة والصبر بالجزع ، وكنتم في مبدئكم إلى الصفين دينكم أمام دنياكم ، وقد أصبحتم اليوم دنياكم أمام دينكم ، ألا وإنا كنا لكم ولستم لنا

__________________

(١) راجع تاريخ الطبري : ٣ / ٣٨ و ٥٤.

(٢) الأحزاب : ٢١.

١٩٨

ثم أصبحتم بين قبيلتين قتيل بصفين يبكون له وقتيل بالنهروان يطلبون بثاره ، وأما الباكي فخاذل وأما الثائر فباغ وأن معاوية قد دعى إلى أمر ليس فيه عز ولا نصفة فإذا أردتم الموت رددناه وحكمنا إلى الله تعالى ، وإن أردتم الحياة قبلنا وأخذنا لكم الرضا ، فناداه القوم التقية التقية.

ومن الجواب أنهم أجمعوا أيضا أن نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم صالح سهل بن عمر وكفار قريش ، ولما كتب الصلح يوافقوا حتى محي اسمه من ذكر الرسالة ، وهذا أبلغ من صلح الحسن عليه السلام لمعاوية ، وقد تقدم هذا في الحديث المروي عنه.

ومن الجواب أنهم رووا في كتبهم الصحاح عندهم ، ورواه الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند أبي بكرة بقيع بن الحرث قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر والحسن بن علي عليهما السلام إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه مرة أخرى ويقول : إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين. هذا لفظ الحديث المذكور (١).

وقد تضمن أن نبيهم محمدا " ص " قال ما يدل على أنه أسند صلح الحسن إلى الله تعالى ، فإذا كان الله تعالى سبحانه هو الذي أصلح بين هاتين الفئتين على يد الحسن ، فكل من أعاب الحسن فإنما يعيب على الله تعالى.

ثم إن الحديث قد ورد مورد المدح للحسن عليه السلام على ذلك ، ولهذا ابتداه نبيهم بقوله " ابني " وقوله " إنه سيد " وغير ذلك مما يقتضيه معنى الحديث

__________________

(١) رواه البخاري في صحيحه في كتاب الصلح بعينه ٣ / ١٧٠ ، والنسائي في صحيحه ١ / ٢٠٨ ، وأبو داود السجستاني في صحيحه : ٢٩ / ١٧٣ ، والترمذي في صحيحه : ٢ / ٣٠٦ وأحمد في مسنده : ٥ / ٤٤ ، وذخائر العقبى : ١٢٥ ، والمغازلي في المناقب : ٣٧٢ ، وأحمد في كتاب الفضائل في ترجمة الحسين : ١١ ط إيران.

١٩٩

المذكور ، فأي عيب على الحسن في شئ من الأمور.

ومن الجواب أنهم يعيبون على الشيعة ويقولون : إنهم يذمون بعض السلف فكيف استعظموا ذم بعض السلف والحسن عليه السلام عندهم من الصحابة أو جاذم من قدمه نبيهم على من ذكروه من السلف في آية المباهلة وآية الطهارة وجميع ما تقدم من رواياتهم الدالة على تقديمه عليهم.

ومن الجواب أن الله تعالى لما باهل به كان عالما أنه يصالح معاوية فلو كان ممن يعاب ما باهل به وبجماعته وترك غيرهم من الشيوخ والشباب كما تقدم تمامه في آية الطهارة.

ومن الجواب أنه إن كان قد باع الخلافة كما تجاهل به بعض سفهائهم وله هذه المنزلة القريبة من الله ورسوله كما قد رووه ، فقد أوجبوا البيع للخلافات وصار بيعها أفضل من القيام بها ، وهذا خلاف المعقولات والمنقولات.

ومن الجواب أن الخلافة لا يصح عليها بيع لأنها اختيار من الله تعالى لبعض العباد وأنه نائبه في عباده وبلاده كما تقدمت الدلالة عليه ، وتلك الولاية لا يصح الخروج عنها سواء كان الخليفة مطاعا أو وحيدا ، ولو كان الله يعلم أنه ممن يبيع خلافته ما استخلفه تقتضيه حكمته.

ومن الجواب أن معاوية كان قد استغوى أهل الدنيا بالدنيا ، ولا ريب أن طالبي أضعاف طالبي الآخرة ، ولذلك رووا جميعا أن نبيهم قال : يفترق أمتي ثلاث وسبعين فرقة ، فكيف يقوم فرقة واحدة بجهاد اثنين وسبعين فرقة.

ومن الجواب أن معاوية أخذ هذا الأمر صلحا وبأيمان مغلظة أن لا يؤذي أحدا من أهل البيت وشيعتهم ، وفعل ما فعل من قتل شيعة علي عليه السلام ولعنه على المنابر ، فلو أخذه قهرا كيف يكون الحال.

ومن الجواب أن معاوية لو أخذه قهرا وقتل كافة أهل البيت وشيعتهم بطل

٢٠٠