تذكرة الفقهاء - ج ٤

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٤

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: ٤٧٨

ركعتين وتجوّز (١) فيهما ) ثم قال : ( إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوّز فيهما ) (٢).

وتمام الرواية : أنّه قال لسليك : ( لا تعودنّ لمثل هذا ) (٣).

إذا عرفت هذا ، فالكراهة تتعلّق بالشروع في الخطبة لا بالجلوس على المنبر ، لقول الصادق عليه‌السلام : « .. فخطب ، فلا يصلّي الناس » (٤).

ولأنّه المقتضي للمنع.

ولا خلاف أنّه لو دخل والإمام في آخر الخطبة وخاف فوت تكبيرة الإحرام ، لم يصلّ التحية ، لأنّ إدراك الفريضة من أولها أولى.

مسألة ٤١١ : يستحب حال الخطبة أمور :

أ : أن يصعد الإمام حال الخطبة على المنبر‌ ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لمّا دخل المدينة خطب مستندا إلى جذع ، فلمّا بني له المنبر صعد عليه (٥). ولأنّ فيه إبلاغا للبعيد.

ب : ينبغي وضع المنبر على يمين القبلة‌ ، وهو : الموضع الذي على يمين الإمام إذا توجّه إلى القبلة ، اقتداء بالنبي عليه‌السلام.

ج : أن يعتمد على شي‌ء حال الخطبة‌ من سيف أو عكاز أو قضيب أو عنزة (٦) ، اقتداء بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّه كان يعتمد على عنزته‌

__________________

(١) تجوّز في صلاته ، أي : خفّف. الصحاح ٣ : ٨٧١ ، القاموس المحيط ٢ : ١٧٠ « جوز ».

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٥٩٧ ـ ٥٩ ، سنن أبي داود ١ : ٢٩١ ـ ١١١٦ و ١١١٧ ، سنن الدار قطني ٢ : ١٣ ـ ١ ـ ٣.

(٣) سنن الدار قطني ٢ : ١٦ ـ ١١.

(٤) الكافي ٣ : ٤٢٤ ـ ٧ ، التهذيب ٣ : ٢٤١ ـ ٦٤٨.

(٥) سنن النسائي ٣ : ١٠٢ ، سنن البيهقي ٣ : ١٩٥.

(٦) عنزة ـ بالتحريك ـ : أطول من العصا وأقصر من الرمح. الصحاح ٣ : ٨٨٧ ، القاموس المحيط ٢ : ١٨٤ « عنز ».

٨١

اعتمادا (١).

وقول الصادق عليه‌السلام : « ويتوكّأ على قوس أو عصا » (٢).

د : أن يكون متعمّما شتاء وصيفا‌ ، مرتديا ببرد يمنية ، لأنّ النبي عليه‌السلام كان يعتمّ ، ويرتدي ، ويخرج في الجمعة والعيدين على أحسن هيئة (٣) ، لأنّه أدخل في الوقار.

هـ : أن يسلّم على من عند المنبر إذا انتهى إليه‌ ، لعموم استحباب التسليم (٤) ، فإذا صعد المنبر ، وبلغ دون الدرجة ـ دون درجة المستراح ـ واستقبل الناس بوجهه سلّم ثم جلس (٥) ـ واختاره السيد المرتضى (٦) رحمهم‌الله، وبه قال الشافعي (٧) ـ لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كان إذا دنا من منبره يوم الجمعة سلّم على من عند منبره من الجلوس ، ثم صعد ، وإذا استقبل الناس بوجهه سلّم ثم قعد (٨).

ومن طريق الخاصة : رواية عمرو بن جميع رفعه عن علي عليه‌السلام قال : « من السنّة إذا صعد الإمام المنبر أن يسلّم إذا استقبل الناس » (٩).

وقال أبو حنيفة ومالك : يكره السلام ، لأنّه إذا خرج سلّم فلا يعيد ،

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٣٥٢ ـ ١١٠٧ ، سنن أبي داود ١ : ٢٨٧ ـ ١٠٩٦ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٠٠.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٤٥ ـ ٦٦٤.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٣٥١ ـ ١١٠٤ ، سنن البيهقي ٣ : ٢٤٦ و ٢٤٧.

(٤) انظر على سبيل المثال : الكافي ٢ : ٤٧١ باب التسليم ، صحيح البخاري ٨ : ٦٥ ، صحيح مسلم ٤ : ١٧٠٥ حديث (٥) من كتاب السلام.

(٥) في « م ، ش » والطبعة الحجرية : ثم سلّم وجلس. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٦) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٢٠٤.

(٧) المهذب للشيرازي ١ : ١١٩ ، المجموع ٤ : ٥٢٧ ، المغني ٢ : ١٤٤.

(٨) سنن البيهقي ٣ : ٢٠٥.

(٩) التهذيب ٣ : ٢٤٤ ـ ٦٦٢.

٨٢

كالمؤذّن إذا قام إلى الأذان ، لأنّ الإمام استدبرهم لمّا صعد ثم أقبل عليهم (١).

وقد كان أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحول بين بعضهم وبعض شجرة فيسلّم بعضهم على بعض (٢).

وبالأذان لا يغيب عنهم. نعم لو صعد المنارة ثم نزل سلّم.

إذا عرفت هذا ، فإذا سلّم وجب على السامعين الردّ على الكفاية.

و : أن يجلس بعد السلام على المستراح‌ حتى يفرغ المؤذّن فيستريح بقعوده عن تعب صعوده.

ولأنّه لا فائدة بقيامه حالة الأذان ، وقد كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخطب خطبتين ، ويجلس جلستين (٣).

ومن طريق الخاصة : قول الباقر عليه‌السلام : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذا خرج إلى الجمعة قعد على المنبر حتى يفرغ المؤذّنون » (٤).

مسألة ٤١٢ : يستحب أن يكون الخطيب بليغا ليأتي بالألفاظ الناصّة على التخويف والإنذار‌ ، مواظبا على الصلوات ليكون وعظه أبلغ في القلب ، حافظا لمواقيت الفرائض ، واستقبال الناس بوجهه ، فلا يلتفت يمينا ولا شمالا ـ وبه قال الشافعي (٥) ـ لأنّ النبي عليه‌السلام كان يفعل ذلك (٦) ، ولئلاّ يخصّ قوما دون آخرين ، بل يخطب تلقاء وجهه.

__________________

(١) عمدة القارئ ٦ : ٢٢١ ، المنتقى للباجي ١ : ١٨٩ ، المجموع ٤ : ٥٢٧ ، الميزان للشعراني ١ : ١٩١ ، المغني ٢ : ١٤٤.

(٢) الترغيب والترهيب ٣ : ٤٢٨ ـ ١٦.

(٣) سنن أبي داود ١ : ٢٨٦ ـ ١٠٩٢.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٤٤ ـ ٦٦٣.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١١٩ ، المجموع ٤ : ٥٢٨.

(٦) أورد أبو إسحاق الشيرازي في المهذب ١ : ١١٩ رواية عن سمرة بن جندب ، أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كان إذا خطبنا استقبلناه بوجوهنا واستقبلنا بوجهه.

٨٣

وقال أبو حنيفة : يلتفت يمينا وشمالا كالمؤذّن (١).

والأصل ممنوع. ولأنّه خطاب مع الغيّاب والخطبة مع الحاضرين ، فلا يخصّص بها البعض دون غيرهم.

قال الشيخ : ولا يضع يمينه على شماله (٢).

وهو جيّد كالصلاة ، بل يشتغل بما يعتمد عليه يسراه ، ويقبض باليمين حرف المنبر.

وينبغي أن يكون صادق اللهجة لا يلحن في الخطبة ، ولا يأتي بألفاظ غريبة أو وحشية ، لبعدها عن الأفهام ، ولا يقول في خطبته ما تستنكره عقول الحاضرين ، لقول علي عليه‌السلام : « كلّموا الناس على قدر عقولهم ، أتحبّون أن يكذّبوا الله ورسوله؟! » (٣).

وأن يأتي بالكلمات على تأنّ وترسّل وسكون ، ولا يمدّها مدّا يشبه الغناء ، ولا يدرجها بحيث لا يفهم ، ولا يطوّل الخطبة بل يقصّرها ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بذلك ، بل يطوّل الصلاة ، وقال عليه‌السلام : ( إنّه من فقه الرجل ) (٤).

مسألة ٤١٣ : يستحب أن تكون السورة التي يقرؤها في الخطبة خفيفة.

واجتزأ بعض علمائنا بالآية (٥).

ونقل الجمهور أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كان يقرأ كثيرا سورة « ق » في الخطبة (٦).

__________________

(١) عمدة القارئ ٦ : ٢٢١ ، المجموع ٤ : ٥٢٨.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ١٤٨.

(٣) صحيح البخاري ١ : ٤٤ بتفاوت.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٥٩٤ ـ ٨٦٩.

(٥) حكى المصنف في المختلف : ١٠٥ عن ابن الجنيد ، الاجتزاء بالآية الواحدة في الخطبة الثانية.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٥٩٥ ـ ٨٧٣ ، سنن أبي داود ١ : ٢٨٨ ـ ١١٠٠ ، سنن النسائي ٣ : ١٠٧.

٨٤

ولو قرأ إحدى العزائم ، جاز ، إذ السجود ليس بمبطل لها.

قال الشيخ : ثم ينزل ، ويسجد ويسجد المأمومون معه (١).

والوجه : أنّه إن كان في المنبر سعة يمكنه السجود عليها ، سجد قبل نزوله ، وإلاّ نزل وسجد.

ولو كانت السجدة من غير العزائم ، جاز تركها ، وله أن يسجد ، والاشتغال بالخطبة أولى.

فإن نزل وسجد ، عاد إلى الخطبة إن لم يطل الفصل ، وكذا إن طال على الأقوى.

وللشافعي في الطول وجهان (٢).

المطلب الثاني : فيمن تجب عليه‌

مسألة ٤١٤ : شرائط الوجوب عشرة :

البلوغ ، والعقل ، والذكورة ، والحرّيّة ، والسلامة من المرض والعمى والعرج والشيخوخة المانعة من الحركة ، والسفر ، والزيادة على فرسخين.

وليس الإسلام شرطا للوجوب ، لأنّ الكفّار عندنا مخاطبون بالفروع ، وبه قال الشافعي (٣) ، خلافا لأبي حنيفة (٤).

والعقل شرط في الوجوب والجواز معا ، وباقي الشروط شرط في الوجوب لا الجواز.

__________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ١٤٨.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١١٩ ، المجموع ٤ : ٥٢١.

(٣) المجموع ٣ : ٤ و ٤ : ٤٨٤ ، حاشية اعانة الطالبين ١ : ٢١ ـ ٢٢ ، شرح البدخشي ١ : ٢٠٧ ، شرح الاسنوي بهامش شرح البدخشي ١ : ٢٠٣ ـ ٢٠٤.

(٤) أصول السرخسي ١ : ٧٤ ـ ٧٥ ، شرح الاسنوي بهامش شرح البدخشي ١ : ٢٠٤.

٨٥

والصبي وإن لم تجب عليه ، ولا المجنون ، لانتفاء التكليف عنهما ، إلاّ أنّه يستحب إحضار الصبي الجمعة للتمرين ، كما يمرّن بالعبادات ، خصوصا المراهق.

مسألة ٤١٥ : الذكورة شرط في الوجوب ، فلا تجب على المرأة‌ إجماعا ، لقوله عليه‌السلام : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة إلاّ على امرأة ، أو مسافر ، أو عبد ، أو صبي ، أو مريض ) (١).

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه‌السلام : « إن الله فرض في كلّ سبعة أيام خمسا وثلاثين صلاة ، منها صلاة واجبة على كلّ مسلم أن يشهدها إلاّ خمسة : المريض والمملوك والمسافر والمرأة والصبي » (٢).

ولأنّ شرطها الاجتماع ، وفي وجوبه على النساء مشقّة وافتتان.

أمّا العجائز فإنّهنّ كالشواب ، لعموم الأمر بالستر لهنّ (٣).

وقال الشافعي : يستحب لهنّ الحضور مع إذن أزواجهنّ ، لانتفاء الفتنة فيهنّ (٤).

مسألة ٤١٦ : الحرّية شرط في الوجوب‌ ، فلا تجب على العبد عند علمائنا أجمع ـ وبه قال عامة العلماء (٥) ـ لما تقدّم في الحديثين. ولأنّه محبوس على السيد ، فأشبه المحبوس في الدّين.

__________________

(١) سنن الدار قطني ٢ : ٣ ـ ١ ، مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ١٠٩ ، سنن البيهقي ٣ : ١٨٤.

(٢) الكافي ٣ : ٤١٨ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ١٩ ـ ٦٩.

(٣) إشارة الى الآية ٣١ من سورة النور.

(٤) الام ١ : ١٨٩ ، المجموع ٤ : ٤٨٤ ، مغني المحتاج ١ : ٢٧٧.

(٥) الام ١ : ١٨٩ ، المجموع ٤ : ٤٨٥ ، فتح العزيز ٤ : ٦٠٣ ، المغني ٢ : ١٩٤ ، الشرح الكبير ٢ : ١٥٢ ، بداية المجتهد ١ : ١٥٧ ، الميزان ١ : ١٨٥.

٨٦

وقال داود : تجب (١). وعن أحمد روايتان (٢).

وقال الحسن البصري وقتادة : تجب على العبد المخارج (٣) ـ وهو الذي يؤدّي الضريبة ـ لعموم الآية (٤).

والخاص مقدّم.

ولو أذن له السيد ، استحبّ له الحضور ولا يجب عليه ، لأنّ الحقوق الشرعية تتعلّق بخطاب الشرع لا بإذن السيد.

ولا فرق بين القنّ ، والمدبّر ، والمكاتب المطلق والمشروط ، وأمّ الولد ، لبقاء الرقّ فيهم.

وقال الحسن البصري وقتادة : يجب على المكاتب ، لأنّ منفعته له فأشبه الحر (٥) ، وهو ممنوع.

فروع :

أ : من بعضه حرّ وبعضه رقّ لا تجب عليه الجمعة ، سواء تساويا ، أو كانت الحرّية أكثر ، لأنّ رقّ البعض يمنع من الكمال والاستقلال ، كرقّ الجميع.

ب : لو هاياه (٦) مولاه واتّفقت الجمعة لنصيب الحرية لم تجب عليه أيضا‌ ، لقيام المانع ، وهو الظاهر من قول الشافعية.

__________________

(١) المحلّى ٥ : ٤٩ ، المجموع ٤ : ٤٨٥ ، الميزان ١ : ١٨٥ ، رحمة الأمة ١ : ٧٩ ، بداية المجتهد ١ : ١٥٧ ، حلية العلماء ٢ : ٢٢٣.

(٢) المغني ٢ : ١٩٤ ، الشرح الكبير ٢ : ١٥٢ ، الإنصاف ٢ : ٣٦٩ ، المحرر في الفقه ١ : ١٤٢ ، المجموع ٤ : ٤٨٥ ، فتح العزيز ٤ : ٦٠٣ ـ ٦٠٤ ، الميزان ١ : ١٨٥ ، رحمة الأمة ١ : ٧٩.

(٣) المجموع ٤ : ٤٨٥ ، المغني ٢ : ١٩٤ ، الشرح الكبير ٢ : ١٥٣ ، حلية العلماء ٢ : ٢٢٣.

(٤) الآية ٩ من سورة الجمعة.

(٥) المغني ٢ : ١٩٤ ، الشرح الكبير ٢ : ١٥٣.

(٦) المهايأة في كسب العبد : أنهما ( المولى والعبد ) يقسمان الزمان بحسب ما يتفقان عليه ويكون كسبه في كل وقت لمن ظهر له بالقسمة ، مجمع البحرين ١ : ٤٨٥ « هيأ ».

٨٧

ولهم وجه : أنّها تجب ، لانقطاع سلطنة السيد عن استخدامه (١).

واختاره الشيخ في المبسوط (٢).

ج : لو ألزمه مولاه بالحضور ، احتمل وجوبه‌ ، لوجوب طاعته فيما ليس بعبادة ففيها أولى ، والعدم ، لما تقدّم.

مسألة ٤١٧ : لا تجب على المريض الجمعة‌ ، لما تقدّم من الأحاديث ، وللمشقّة ، سواء خاف زيادة المرض أو المشقّة غير المحتملة ، أو لا.

وقال الشافعي : المرض المسقط هو ما يخاف فيه أحدهما ، وليس شرطا (٣) ، للعموم.

ولو كان المريض قريبه أو ضيفه أو زوجته أو مملوكه ، جاز له ترك الجمعة لأجل تمريضه ، وكذا تترك لصلاة الميت وتجهيزه ، لأنّ ابن عمر كان يستجمر للجمعة فاستصرخ (٤) على سعيد بن زيد فترك الجمعة ومضى إليه بالعقيق (٥).

ولو كان المريض لا قرابة له به ولا صحبة ، فإن كان له من يمرّضه ، لم يترك الجمعة له ، وإن لم يكن من يقوم ، جاز له تركها للقيام بأمره.

وكذا لو اشتغل فيه بأخذ الكفن وحفر القبر أو غيرهما ، سواء كان مشرفا أو لا ـ خلافا للشافعي (٦) ـ وسواء اندفع بحضوره ضرر عن غير المشرف أو لا ، خلافا له (٧).

__________________

(١) المجموع ٤ : ٤٨٥ ، الوجيز ١ : ٦٥ ، فتح العزيز ٤ : ٦٠٧.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ١٤٥.

(٣) الام ١ : ١٨٩ ، المجموع ٤ : ٤٨٦.

(٤) استصرخ مبنيا للمجهول : أستغيث. والمستصرخ : المستغيث. الصحاح ٢ : ٤٢٦ « صرخ ».

(٥) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ١٥٣ ، سنن البيهقي ٣ : ١٨٥.

(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١١٦ ، المجموع ٤ : ٤٩٠ ، الوجيز ١ : ٦٥ ، فتح العزيز ٤ : ٦٠٦.

(٧) الوجيز ١ : ٦٥ ، فتح العزيز ٤ : ٦٠٦.

٨٨

وكذا لو كان عليه حقّ قصاص يرجو بالاستتار الصلح فيه ، جاز ، ولو كان عليه حدّ قذف لم يجز له الاستتار عن الإمام لأجله وترك الجمعة ، لأنّه حق واجب ولا بدل له ، ولا يجوز له القصد إلى إسقاطه. وكذا غيره من الحدود لله تعالى بعد ثبوتها بالبيّنة.

والمديون المعسر يجوز له الاختفاء ، وكذا الخائف من ظالم على مال أو نفس أو ضرب أو شتم.

مسألة ٤١٨ : الأعمى لا تجب عليه الجمعة عند علمائنا ، سواء كان قريبا من الجامع يتمكّن من الحضور إليه من غير قائد ، أو بعيدا يحتاج إلى القائد أو لا ـ وبه قال أبو حنيفة (١) ـ للمشقّة بالحضور.

ولقول الباقر عليه‌السلام : « فرض الله الجمعة ووضعها عن تسعة : عن الصغير والكبير والمجنون والمسافر والعبد والمرأة والمريض والأعمى ومن كان على رأس أزيد من فرسخين » (٢).

وقال الشافعي وأحمد : تجب عليه مع المكنة (٣) ، لأنّ عتبان بن مالك قال : يا رسول الله إنّي رجل محجوب البصر وإن السيول تحول بيني وبين المسجد ، فهل لي من عذر؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أتسمع النداء؟ ) قال : نعم. قال : ( ما أجد لك عذرا إذا سمعت النداء ) (٤).

والمراد نفي العذر في الحضور مطلقا الشامل للاستحباب والوجوب ، لا‌

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ٢ : ٢٢ ، الهداية في شرح البداية : ١٥٢ ، المجموع ٤ : ٤٨٦ ، فتح العزيز ٤ : ٦٠٧ ، المغني ٢ : ١٩٥ ، الشرح الكبير ٢ : ١٥٠.

(٢) الكافي ٣ : ٤١٩ ـ ٦ ، الفقيه ١ : ٢٦٦ ـ ١٢١٧ ، التهذيب ٣ : ٢١ ـ ٧٧ ، أمالي الصدوق : ٣١٩ ـ ١٧ ، الخصال : ٤٢٢ ـ ٢١ وفيها : ومن كان على رأس فرسخين.

(٣) المجموع ٤ : ٤٨٦ ، فتح العزيز ٤ : ٦٠٧ ، مغني المحتاج ١ : ٢٧٧ ، السراج الوهاج : ٨٤ ، المغني ٢ : ١٩٥ ، الشرح الكبير ٢ : ١٥٠.

(٤) مسند أحمد ٤ : ٤٣.

٨٩

الحضور الواجب.

فلو لم يجد قائدا سقطت عنه إجماعا ، فإن وجد لكن بأجرة يتمكّن منها لم يجب بذلها عندنا ، خلافا للشافعي (١).

مسألة ٤١٩ : الأعرج والشيخ الذي لا حراك به لا جمعة عليهما‌ عند علمائنا أجمع إن بلغ العرج الإقعاد ، للمشقّة.

ولقول الباقر عليه‌السلام : « والكبير » (٢).

ولأنّ المشقّة هنا أعظم من المشقّة في المريض ، فثبتت الرخصة هنا كما ثبتت هناك.

أمّا لو لم يكن العرج بالغا حدّ الإقعاد ، فالوجه : السقوط مع مشقّة الحضور ، وعدمه مع عدمها.

والشيخ أطلق الإسقاط (٣). ولم يذكره المفيد في المسقطات ، ولا الجمهور.

أمّا الحرّ الشديد فإن خاف معه الضرر ، سقط عنه.

وكذا البرد الشديد والمطر المانع من السعي ، لقول الصادق عليه‌السلام : « لا بأس أن تدع الجمعة في المطر » (٤). ولا خلاف فيه.

والوحل كذلك ، للمشاركة في المعنى.

مسألة ٤٢٠ : الإقامة أو حكمها شرط في الجمعة‌ ، فلا تجب على المسافر عند عامة العلماء ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( الجمعة واجبة‌

__________________

(١) المجموع ٤ : ٤٨٦ ، فتح العزيز ٤ : ٦٠٧ ، مغني المحتاج ١ : ٢٧٧.

(٢) الكافي ٣ : ٤١٩ ـ ٦ ، الفقيه ١ : ٢٦٦ ـ ١٢١٧ ، التهذيب ٣ : ٢١ ـ ٧٧ ، أمالي الصدوق : ٣١٩ ـ ١٧ ، الخصال : ٤٢٢ ـ ٢١.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ١٤٣.

(٤) الفقيه ١ : ٢٦٧ ـ ١٢٢١ ، التهذيب ٣ : ٢٤١ ـ ٦٤٥.

٩٠

إلاّ على خمسة : امرأة أو صبي أو مريض أو مسافر أو عبد ) (١).

ومن طريق الخاصة قول الباقر عليه‌السلام : « ووضعها عن تسعة » وعدّ منهم « المسافر » (٢).

ولم ينقل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا أحد من الأئمّة عليهم‌السلام أنّهم صلّوها في أسفارهم.

ولأنّ الجمعة ظهر مقصورة بشرائط ، والمسافر يباح له القصر دون تلك الشرائط ، فلم يكن لاعتبار تلك الشرائط في حقّه وإيجاب الجمعة عليه معنى.

ولأنّه خفّف عنه العبادات الراتبة فغيرها أولى.

وقال الزهري والنخعي : تجب عليه الجمعة إن سمع النداء (٣) ، للآية (٤).

ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( الجمعة على من سمع النداء ) (٥).

والخاص مقدّم.

فروع :

أ : إنّما تسقط الجمعة في السفر المباح ، أمّا المحرّم فلا ، لمنافاته الترخّص.

ب : إنّما تسقط في السفر المبيح للقصر‌ فلو لم يوجبه كمن كان سفره أكثر من حضره ، فإنّ الجمعة لا تسقط عنه ، وكذا لو لم يكن القصر واجبا بل‌

__________________

(١) كنز العمال ٧ : ٧٢٢ ـ ٢١٠٩٥ نقلا عن الطبراني في المعجم الكبير ٢ : ٥١ ـ ٥٢ ـ ١٢٥٧.

(٢) الكافي ٣ : ٤١٩ ـ ٦ ، الفقيه ١ : ٢٦٦ ـ ١٢١٧ ، التهذيب ٣ : ٢١ ـ ٧٧ ، أمالي الصدوق : ٣١٩ ـ ١٧ ، الخصال : ٤٢٢ ـ ٢١.

(٣) المجموع ٤ : ٤٨٥ ، المغني ٢ : ١٩٣.

(٤) الجمعة : ٩.

(٥) سنن أبي داود ١ : ٢٧٨ ـ ١٠٥٦ ، سنن الدار قطني ٢ : ٦ ـ ٣ ، سنن البيهقي ٣ : ١٧٣.

٩١

جائزا ، كالمواضع التي يستحب الإتمام فيها.

ج : لو نوى المسافر إقامة عشرة أيام ، صار بحكم المقيم ، ووجب عليه الجمعة ، وعند الشافعي أربعة (١).

وهل تنعقد به؟ عندنا أنّها تنعقد وإن لم ينو المقام على أحد القولين ، أمّا لو نواه فإنّها تنعقد به عندنا قولا واحدا ـ وهو أحد وجهي الشافعية (٢) ـ لأنه من أهل وجوب الجمعة فانعقدت به كالمستوطن ، والآخر : لا تنعقد به ، لأنّ الاستيطان شرط (٣). فمن أقام في بلد للتفقه أو التجارة مدة طويلة لا تنعقد به الجمعة عنده (٤) وإن وجبت عليه ، لأنّ له عزم الرجوع.

مسألة ٤٢١ : وتسقط عمّن كان بينه وبين الجمعة أزيد من فرسخين ، إلاّ إذا جمع الشرائط عنده. وتجب على من بينه وبين الجامع فرسخان فما دون عند أكثر علمائنا (٥) ـ وبه قال الزهري (٦) ـ لقول الصادق عليه‌السلام : « الجمعة تجب على من كان منها على فرسخين ، فإن زاد فليس عليه شي‌ء » (٧).

وقول الباقر عليه‌السلام : « تجب الجمعة على من كان منها على فرسخين » (٨).

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١١٠ ، المجموع ٤ : ٤٨٥ ، الميزان ١ : ١٨٢ ، المغني ٢ : ١٣٣ ، عمدة القارئ ٧ : ١١٧.

(٢) المجموع ٤ : ٥٠٣ ، فتح العزيز ٤ : ٦٠٧.

(٣) المجموع ٤ : ٥٠٣ ، فتح العزيز ٤ : ٦٠٧.

(٤) انظر : المجموع ٤ : ٥٠٣ ،

(٥) منهم : الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ١٤٣ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٥١.

والمحقق في المعتبر : ٢٠٥ كما أنّ فيه أيضا قول السيد المرتضى عن المصباح.

(٦) المجموع ٤ : ٤٨٨ ، عمدة القارئ ٦ : ١٩٨.

(٧) الكافي ٣ : ٤١٩ ـ ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٤٠ ـ ٦٤١ ، الإستبصار ١ : ٤٢١ ـ ١٦١٩.

(٨) الكافي ٣ : ٤١٩ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٤٠ ـ ٦٤٣ ، الاستبصار ١ : ٤٢١ ـ ١٦٢٠.

٩٢

وقال ابن أبي عقيل منّا : تجب على من إذا صلّى الغداة في أهله أدرك الجمعة (١) ـ ونحوه قال عبد الله بن عمر وأنس بن مالك ، وأبو هريرة ، والأوزاعي ، وأبو ثور فإنّهم قالوا : تجب على من كان يؤوي الليل (٢) (٣). وهو قريب ممّا قال ـ لعموم الأمر.

ولقول الباقر عليه‌السلام : « الجمعة واجبة على من إذا صلّى الغداة في أهله أدرك الجمعة » (٤).

والمشهور عندنا : الأول ، للمشقّة ، ولأنّ شغل النهار بالسعي إليها والرجوع إلى أهله يوجب القصر ، ويلحقه بالمسافرين ، فيكون مسقطا للجمعة.

وقال الشافعي : كلّ من كان من أهل المصر وجبت عليه الجمعة فيه ، سواء سمع النداء أو لا ، وسواء اتّسعت أقطاره وتعدّدت محالّه أو لا.

وأمّا الخارج عن المصر من أهل القرى ، فإن لم يسمعوا النداء ، وكانوا أقلّ من أربعين ، لم تجب عليهم الجمعة ، وإن بلغوا أربعين وكانوا مستوطنين في القرية ، وجبت عليهم الجمعة سواء سمعوا النداء أو لا ، وهم بالخيار بين الصلاة في قريتهم ، والحضور إلى المصر لإقامة الجمعة معهم.

وإن كانوا أقلّ من أربعين وسمعوا النداء ، وجب عليهم الحضور ـ وبه قال عبد الله بن عمرو بن العاص وسعيد بن المسيب وإسحاق (٥) ـ لقوله عليه‌

__________________

(١) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٢٠٥.

(٢) كذا ، وفي المصادر : تجب على من أواه الليل إلى أهله.

(٣) المجموع ٤ : ٤٨٨ ، المغني ٢ : ٢١٤ ـ ٢١٥ ، الشرح الكبير ٢ : ١٤٦ ، عمدة القارئ ٦ : ١٩٨.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٣٨ ـ ٦٣١ ، الاستبصار ١ : ٤٢١ ـ ١٦٢١.

(٥) المجموع ٤ : ٤٨٨ ، المحلى ٥ : ٥٥ ـ ٥٦.

٩٣

السلام : ( الجمعة على من سمع النداء ) (١).

وهو يدلّ من حيث المفهوم فالمنطوق أولى مع انتشار النداء وعدم ضبطه ، فلا يجوز أن يجعله الشارع مناطا للأحكام.

وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا تجب الجمعة على من هو خارج المصر وإن سمع النداء ـ وقال محمّد : قلت لأبي حنيفة : تجب الجمعة على أهل زبارا (٢) بأهل الكوفة؟ فقال : لا (٣) ـ وبين زبارا والكوفة الخندق ، وهي قرية بقرب الكوفة ـ لأنّ عثمان لمّا وافق الجمعة العيد ، قال لأهل العوالي : من أراد منكم أن ينصرف فلينصرف ، ومن أراد أن يقيم حتى يصلّي الجمعة فليقم.

ولأنّهم خارجون عن المصر ، فلا جمعة عليهم ، كأصحاب الحلل (٤) (٥).

والحديث نقول بموجبه ، للتخيير عندنا ، أمّا من يوجب الحضور كالشافعي ، فإنّه أنكر الحديث وقال : لم يذكره أحد من أصحاب الحديث.

وأهل الحلل إن كانوا مستوطنين ، وجبت الجمعة ، وإلاّ فلا.

وقال مالك واحمد والليث بن سعد : تجب على أهل المصر مطلقا ، وأمّا الخارج فإن كان بينه وبين الجامع فرسخ ، وجب عليه الحضور وإلاّ فلا ، لغلبة السماع منه (٦). وقد بينا بطلان هذا المناط.

__________________

(١) المجموع ٤ : ٤٨٧ ، فتح العزيز ٤ : ٦٠٨ ـ ٦٠٩ ، المحلّى ٥ : ٥٦.

(٢) في المصدر : « زرارة ». وهي محلّة في الكوفة. و « زبارا » من نواحي الكوفة ، والظاهر صحة « زبارا » لكون أهلها من خارج المصر. انظر : معجم البلدان ٣ : ١٢٩ و ١٣٥.

(٣) الأصل للشيباني ١ : ٣٦٦.

(٤) الحلل جمع حلّة : القوم النزول. لسان العرب ١١ : ١٦٤ « حلل ».

(٥) المغني ٢ : ٢١٥ ، الشرح الكبير ٢ : ١٤٦ ، وراجع : المبسوط للسرخسي ٢ : ٢٣ ، وبدائع الصنائع ١ : ٢٥٩ ، وفتح العزيز ٤ : ٦٠٩ ، والمحلّى ٥ : ٥٦.

(٦) المدونة الكبرى ١ : ١٥٣ ، بداية المجتهد ١ : ١٦٥ ، المغني ٢ : ٢١٤ و ٢١٦ ، المجموع ٤ : ٤٨٨.

٩٤

وقال عطاء : إن كانوا على عشرة أميال ، وجب عليهم الحضور ، وإلاّ فلا (١).

وقال ربيعة : إن كانوا على أربعة أميال حضروا ، وإلاّ فلا (٢).

فروع :

أ : من كان بينه وبين الجمعة أزيد من فرسخ يتخيّر بين الحضور وبين إقامة الجمعة عنده‌ إن حصلت الشرائط ، وإن فقد أحدها وجب عليه الحضور ، ولا يسوغ له ترك الجمعة.

ومن كان بينه وبينها أزيد من فرسخين ، فإن حصلت الشرائط فيه ، تخيّر بين إقامتها عنده وبين الحضور ، ولا يسوغ له تركها ، وإن فقدت الشرائط ، سقطت عنه ، ولم يجب عليه الحضور.

ب : تشترط الزيادة على الفرسخين بين منزله والجامع الذي تقام فيه الجمعة‌ ، لا بين البلدين ، فلو كان بين البلدين أقلّ من فرسخين ، وبين منزله والجامع أزيد من فرسخين ، فالأقرب : السقوط ، لأنّه المفهوم من كلام الباقر والصادق عليهما‌السلام.

ج : قد بيّنّا عدم اعتبار النداء.

وقال الشافعي : النداء الذي تجب به الجمعة أن يكون المنادي صيّتا ، وتكون الرياح ساكنة ، والأصوات هادئة ، وكان من ليس بأصمّ مصغيا مستمعا ، غير لاه ولا ساه ، وأن لا تكون البلدة بين آجام وأشجار تمنع من بلوغ الصوت ، فإن كان ، اعتبر أن يصعد على شي‌ء يعلو به على الأشجار كسور البلد والمنارة ، ولا يعتبر في غيره ، وأن تكون الأرض مستوية ، فلو كانت

قرية في واد لا يسمع أهلها لهبوطها ولو كانت في استواء الأرض سمعت ، وجبت ،

__________________

(١) المجموع ٤ : ٤٨٨ ، عمدة القارئ ٦ : ١٩٨ ، نيل الأوطار ٣ : ٢٧٨.

(٢) المجموع ٤ : ٤٨٨ ، عمدة القارئ ٦ : ١٩٨ ، نيل الأوطار ٣ : ٢٧٨.

٩٥

ولو كانت على قلّة جبل يسمع لعلّوها ، لم يجب عند بعضهم ، ولا اعتبار بأذان الجمعة (١).

واختلفت الشافعية في الموضع الذي يعتبر فيه سماع النداء ، فقال بعضهم : من الموضع الذي يصلّى فيه الجمعة ، إذ الغرض الحضور في ذلك الموضع.

وقال بعضهم : من وسط البلد ، لاستواء الجوانب وعدم أولوية بقعة على اخرى.

وقال آخرون : يعتبر من آخر موضع تجوز إقامة الجمعة فيه من الجانب الذي يلي تلك القرية ، فإنّه ربما يكون البلد كبيرا ، وإذا نودي من الجانب الآخر ربما لا يسمع أهل هذا الجانب من البلد (٢).

ولو كان طرف القرية يسمعون النداء ، وباقي القرية لا يسمعون ، قال : يجب على الجميع الحضور ، لأنّ حكم القرية لا يختلف في الجمعة.

ولو سمعوا النداء من قريتين فأيّتهما حضروا جاز. والأولى أن يحضروا الموضع الذي تكثر فيه الجماعة (٣).

ولو كانت قريتان على جبلين يصلّى في إحداهما الجمعة ، والأخرى يسمعون النداء وبينهما قرية لا يسمعون ، وجب على المستمعين الحضور للسماع. وفي الأخرى وجهان : العدم ، لانتفاء موجبه ، والوجوب ، لأنّ إيجاب الحضور على الأبعد يستلزم أولوية إيجابه على الأقرب (٤).

وهذا كلّه عندنا ساقط ، فإنّ من الناس الأصمّ وثقيل السمع ، وقد يكون‌

__________________

(١) المجموع ٤ : ٤٨٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٦ ، الوجيز ١ : ٦٥ ، فتح العزيز ٤ : ٦٠٨ ـ ٦٠٩ ، حلية العلماء ٢ : ٢٢٤.

(٢) المجموع ٤ : ٤٨٧ ، فتح العزيز ٤ : ٦٠٨ ، حلية العلماء ٢ : ٢٢٤ ـ ٢٢٥.

(٣) المجموع ٤ : ٤٨٧ و ٤٨٨.

(٤) حلية العلماء ٢ : ٢٢٥.

٩٦

النداء بين يدي المنبر فلا يسمعه إلاّ من في الجامع ، وقد يكون المؤذّن خفي الصوت أو في يوم ذي ريح ، وقد يكون المستمع نائما أو مشغولا بما يمنع السماع ويسمع من هو أبعد ، فيفضي ذلك إلى إيجابها على البعيد دون القريب ، وهو باطل بالإجماع.

مسألة ٤٢٢ : قد بيّنّا وجوب الجمعة على من سقطت عنه للعذر‌ لو حضر ، لانتفاء المشقّة.

ولقول حفص بن غياث عن بعض مواليه : « إنّ الله فرض الجمعة على المؤمنين والمؤمنات ، ورخّص للمرأة والمسافر والعبد أن لا يأتوها فإذا حضروها سقطت الرخصة ولزمهم الفرض الأول » فقلت : عمّن هذا؟ فقال : عن مولانا الصادق عليه‌السلام (١).

وفي المرأة نظر ، وإطلاق الشيخ (٢) يقتضيه.

تذنيب : إذا صلّى من سقطت عنه ، الظهر ، ثم زال المانع قبل أداء الجمعة ، لم تجب عليه‌ ، كالعبد يصلّي ثم يعتق والوقت باق ، وكذا المسافر إذا صلّى ثم نوى الإقامة.

أمّا الصبي إذا صلّى ثم بلغ ، فالوجه عندي : وجوب الحضور عليه ، لأنّ مبدأ التكليف الآن ، وما فعله أوّلا لم يكن واجبا ، فلم يسقط به فرضا عنه.

وقال الشافعي : لا يجب عليه ، لأنّ الصبي إذا صلّى في الوقت ثم بلغ ، لم تجب عليه الإعادة كذا هنا (٣).

والأصل ممنوع.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢١ ـ ٢٢ ـ ٧٨.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ١٤٣.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١١٦ و ١١٧ ، المجموع ٤ : ٤٩٥ ، الوجيز ١ : ٦٥ ، فتح العزيز ٤ : ٦١٢ ، حلية العلماء ٢ : ٢٢٦.

٩٧

المطلب الثالث : في ماهيتها وآدابها ولواحقها‌

مسألة ٤٢٣ : الجمعة ركعتان كسائر الصلوات ، وتتميّز بما تقدّم من الشرائط ، والآداب الآتية ، وتسقط معها الظهر بالإجماع.

ويستحب أن يقرأ في الأولى بعد الحمد سورة الجمعة ، وفي الثانية بعد الحمد سورة المنافقين عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي (١) ـ لأنّ عبد الله بن أبي رافع ـ وكان كاتبا لعلي عليه‌السلام ـ قال : كان مروان يستخلف أبا هريرة على المدينة ، فاستخلفه مرّة فصلّى الجمعة ، فقرأ في الأوّلة الجمعة ، وفي الثانية المنافقين ، فلمّا انصرف مضيت إلى جنبه ، فقلت : يا أبا هريرة لقد قرأت بسورتين قرأهما علي عليه‌السلام ، فقال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كان يقرأ بهما (٢).

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه‌السلام : « وإذا كان صلاة الجمعة فاقرأ بسورة الجمعة والمنافقين » (٣).

وقال الشافعي في القديم : يقرأ في الأولى « سبّح اسم » وفي الثانية « الغاشية » (٤). وينسب إلى رواية النعمان بن بشير (٥).

وقال أبو حنيفة : يكره تعيين سورة في الصلاة (٦).

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٠ ، المجموع ٤ : ٥٣٠ ، الوجيز ١ : ٦٦ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٨ ، المغني ٢ : ١٥٧.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٥٩٧ ـ ٥٩٨ ـ ٨٧٧ ، سنن أبي داود ١ : ٢٩٣ ـ ١١٢٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٥٥ ـ ١١١٨ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٩٦ ـ ٣٩٧ ـ ٥١٩ ، سنن البيهقي ٣ : ٢٠٠.

(٣) التهذيب ٣ : ٥ ـ ٦ ـ ١٣.

(٤) المجموع ٤ : ٥٣٠ ـ ٥٣١ ، فتح العزيز ٤ : ٦٢٢.

(٥) الناسب هو الصيدلاني كما في فتح العزيز ٤ : ٦٢٢ ، وراجع : صحيح مسلم ٢ : ٥٩٨ ـ ٨٧٨.

(٦) اللباب ١ : ١١١ ، المجموع ٤ : ٥٣١ ، فتح العزيز ٤ : ٦٢٢ ، الميزان ١ : ١٩١.

٩٨

وقال مالك : يقرأ في الأولى الجمعة ، وفي الثانية الغاشية (١).

فروع :

أ : لو قرأ غير هاتين السورتين عمدا ، لم تبطل جمعته : عملا بالأصل.

ولقول الكاظم عليه‌السلام وقد سأله علي بن يقطين عن الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمّدا ، قال : « لا بأس بذلك » (٢).

ب : لو نسي فقرأ في الأولى غير الجمعة ، احتمل قراءتها في الثانية ، لتدارك فضلها ، وقراءة المنافقين ، لأنّه محلّها.

وقال الشافعي : يقرؤهما معا في الثانية (٣) ، وقد بيّنّا (٤) بطلان القران.

ولو قرأ المنافقين في الأولى قرأ في الثانية الجمعة ، تحصيلا لفضيلة السورتين.

ج : يستحب الجهر بالجمعة إجماعا‌ ، وفي الظهر يوم الجمعة قولان : فالشيخ على استحبابه جماعة وفرادى (٥) ، لقول الصادق عليه‌السلام : « نعم » وقد سأله الحلبي عن القراءة يوم الجمعة إذا صلّيت وحدي أربعا أجهر بالقراءة؟ (٦).

والمرتضى على استحبابه جماعة لا فرادى (٧) ، لقول الصادق عليه‌السلام : « صلّوا في السفر صلاة جمعة جماعة بغير خطبة ، واجهروا‌

__________________

(١) المدونة الكبرى ١ : ١٥٨ ، بداية المجتهد ١ : ١٦٤ ، المجموع ٤ : ٥٣١ ، فتح العزيز ٤ : ٦٢٢ ـ ٦٢٣.

(٢) التهذيب ٣ : ٧ ـ ١٩ ، الاستبصار ١ : ٤١٤ ـ ١٥٨٦.

(٣) المجموع ٤ : ٥٣١ ، الوجيز ١ : ٦٦ ، فتح العزيز ٤ : ٦٢٢.

(٤) تقدم في المسألة ٢٣٢.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ١٥١.

(٦) الكافي ٣ : ٤٢٥ ـ ٥ ، التهذيب ٣ : ١٤ ـ ٤٩ ، الاستبصار ١ : ٤١٦ ـ ١٥٩٣.

(٧) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٢٠٨.

٩٩

بالقراءة » (١).

وقال بعض علمائنا : لا يجهر في الظهر جماعة أيضا (٢) ، لأنّ جميلا سأل الصادق عليه‌السلام عن الجماعة يوم الجمعة في السفر ، قال : « تصنعون كما تصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر ، ولا يجهر الإمام ، إنّما يجهر إذا كانت خطبة » (٣) والعمل بهذه أحوط.

مسألة ٤٢٤ : تستحب الزينة يوم الجمعة بحلق الرأس‌ إن كان من عادته ، وإلاّ غسله بالخطمي ، وقصّ الأظفار ، وأخذ الشارب ، والتطيّب ، ولبس أفضل الثياب ، والسعي على سكينة ووقار ، والغسل مقدّما على الصلاة.

قال الصادق عليه‌السلام في قوله تعالى ( خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) (٤) قال : « في العيدين والجمعة » (٥).

وقال عليه‌السلام : « ليتزيّن أحدكم يوم الجمعة ، ويتطيّب ، ويسرّح لحيته ، ويلبس أنظف ثيابه ، وليتهيّأ للجمعة ، ويكون عليه في ذلك اليوم السكينة والوقار » (٦).

ويستحب له ترك الركوب مع القدرة ، لأنّ النبي عليه‌السلام ما ركب في عيد ولا جنازة قطّ (٧). والجمعة أولى ، إلاّ أنّه لم ينقل فيها قول عنه عليه‌السلام ، لأنّ باب حجرته في المسجد.

ويستحب السواك ، وقطع الروائح الكريهة ، لئلاّ يؤذي من يقاربه.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٥ ـ ٥١ ، الاستبصار ١ : ٤١٦ ـ ١٥٩٥.

(٢) هو ابن إدريس في السرائر : ٦٥.

(٣) التهذيب ٣ : ١٥ ـ ٥٣ ، الإستبصار ١ : ٤١٦ ـ ١٥٩٧.

(٤) الأعراف : ٣١.

(٥) الكافي ٣ : ٤٢٤ ـ ٨ ، التهذيب ٣ : ٢٤١ ـ ٦٤٧.

(٦) الكافي ٣ : ٤١٧ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ١٠ ـ ٣٢ ، الفقيه ١ : ٦٤ ـ ٢٤٤.

(٧) أورده ابنا قدامة في المغني ٢ : ١٤٨ ، والشرح الكبير ٢ : ٢٠٥.

١٠٠