تذكرة الفقهاء - ج ٤

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٤

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: ٤٧٨

ج : الأقرب أنّ الإمام‌ كغيره.

د : لو انفضّوا قبل الإتيان بأركان الخطبة وسكت ثم عادوا ، أتمّ الخطبة‌ سواء طال الفصل أو لا ، لحصول مسمّى الخطبة ، وليس لها حرمة الصلاة.

ولأنّه لا يؤمن الانفضاض بعد إعادتها ، وهو قول أبي إسحاق (١).

ونمنع اشتراط الموالاة.

وقال الشافعي : أن طال استأنف الخطبة ، وإلاّ فلا.

وعنه : أنّه مع طول الفصل يصلّي أربعا إن لم يعد الخطبة ، لبطلانها ، ولا يأمن الانفضاض في الإعادة والصلاة فيصلّي ظهرا (٢).

هـ : لو انفضّوا بعد الخطبة وهناك غيرهم ، فالوجه إعادة الخطبة ، ويصلّي جمعة ـ وهو أحد قولي الشافعي (٣) ـ لأنّه متمكّن من الجمعة بشرائطها.

وله قول : إنه يصلّي ظهرا (٤).

و : لو اشترطنا الركعة فانفضّوا قبل إكمالها ، احتمل العدول إلى الظهر‌ ، لأنّها صلاة انعقدت صحيحة ، فيجوز العدول ، كذاكر الفائتة ، والذي قد زوحم ، والاستئناف ، لبطلان ما عقدها له.

ز : لو انفضّ العدد قبل التلبّس ولو بعد الخطبتين ، سقطت‌ إن لم يعودوا في الوقت ، ولو انفضّوا في أثناء الخطبة ، أعادها بعد عودهم إن لم يسمعوا الواجب منها أوّلا ، وإن سمعوا الواجب أجزأ.

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١١٨ ، المجموع ٤ : ٥٠٧.

(٢) مختصر المزني : ٢٦ ، المجموع ٤ : ٥٠٧ ، فتح العزيز ٤ : ٥١٨ و ٥٢١ ـ ٥٢٢ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٧.

(٣) المجموع ٤ : ٥٠٧ ، فتح العزيز ٤ : ٥٢١ ـ ٥٢٢.

(٤) المجموع ٤ : ٥٠٧ ، فتح العزيز ٤ : ٥٢١ ـ ٥٢٢.

٤١

البحث الرابع : الجماعة‌

مسألة ٣٩٦ : الجماعة شرط في الجمعة ، فلا تصح فرادى ، وعليه إجماع العلماء كافة ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاّها كذلك ، وقال : ( صلّوا كما رأيتموني أصلّي ) (١).

ولأن تسميتها جمعة من الاجتماع ، فلا تتحقّق من دونه.

ولما رواه زرارة قال : « فرض الله من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة ، واحدة فرضها الله في جماعة وهي الجمعة » (٢).

وهي شرط في الابتداء لا في الاستدامة ، فلو ابتدأ منفردا ثم ائتمّ به في الأثناء لم تنعقد.

ولو ابتدأ إماما ثم انفضّ العدد بعد التحريم ، لم تبطل على ما تقدّم.

مسألة ٣٩٧ : إذا انعقدت الجمعة ودخل المسبوق لحق الركعة‌ إن كان الإمام راكعا ، ويدرك الجمعة لو أدركه راكعا في الثانية ، ثم يتم بعد فراغ الإمام ـ وبه قال الشافعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور وزفر ومحمد ، وهو مروي عن ابن مسعود وابن عمر وأنس ، ومن التابعين : سعيد بن المسيب والحسن والشعبي والنخعي والزهري (٣) ـ لقوله عليه‌السلام : ( من أدرك من الجمعة ركعة فليضف إليها أخرى ، ومن أدرك دونها صلاّها أربعا ) (٤).

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ١٦٢ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٤٥ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٧٢ ـ ٢٧٣ ـ ١.

(٢) الكافي ٣ : ٤١٩ ـ ٦ ، الفقيه ١ : ٢٦٦ ـ ١٢١٧ ، التهذيب ٣ : ٢١ ـ ٧٧ ، أمالي الصدوق : ٣١٩ ـ ١٧ ، الخصال : ٤٢٢ ـ ٢١ و ٥٣٣ ـ ١١.

(٣) الام ١ : ٢٠٦ ، المجموع ٤ : ٥٥٦ و ٥٥٨ ، فتح العزيز ٤ : ٥٥٢ ، المغني ٢ : ١٥٨ ، الشرح الكبير ٢ : ١٧٧ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٦٧ ، شرح العناية ٢ : ٣٥.

(٤) سنن الدار قطني ٢ : ١٠ ـ ١١ ـ ١ ـ ٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٥٦ ـ ١١٢١ ، المستدرك للحاكم ١ : ٢٩١ ، مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ١٢٩.

٤٢

ومن طريق الخاصة : رواية المفضّل بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا أدرك الرجل ركعة فقد أدرك الجمعة وإن فاتته فليصلّ أربعا » (١).

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف والحكم وحمّاد : أيّ قدر أدرك من صلاة الإمام أدرك به الجمعة ولو سجود السهو بعد التسليم ، لأنّ سجود السهو يعيده إلى حكم الصلاة (٢) ، لقوله عليه‌السلام : ( ما أدركتم فصلّوا وما فاتكم فاقضوا ) (٣).

ولأنّ من لزمه أن يبني على صلاة الإمام إذا أدرك منها ركعة لزمه وإن أدرك دون ذلك ، كالمسافر إذا أدرك المقيم.

والرواية نقول بموجبها ، ونمنع الإدراك بعد فوات الركوع ، والفرق مع المسافر ظاهر ، فإنّ إدراكه إدراك إيجاب والتزام لتمام العدد ، وهنا إدراكه يسقط به فرض العدد فاختلفا.

فروع :

أ : لا يشترط إدراك الخطبة ، لأنّ إدراك الاولى ليس بشرط ، فالخطبة أولى.

ولقول الصادق عليه‌السلام فيمن لم يدرك الخطبة يوم الجمعة ، فقال : « يصلّي ركعتين ، فإن فاتته الصلاة فلم يدركها فليصلّ أربعا » (٤).

وهو قول جمهور العلماء.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٧٠ ـ ١٢٣٢ ، التهذيب ٣ : ٢٤٣ ـ ٦٥٧ ، الاستبصار ١ : ٤٢٢ ـ ١٦٢٣.

(٢) المبسوط للسرخسي ٢ : ٣٥ ، اللباب ١ : ١١٣ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٨٤ ، المجموع ٤ : ٥٥٨ ، فتح العزيز ٤ : ٥٥٢ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٣.

(٣) مسند أحمد ٢ : ٢٣٨ و ٢٧٠ و ٣١٨ و ٤٨٩ و ٥٣٣ ، سنن النسائي ٢ : ١١٤ ـ ١١٥.

(٤) الكافي ٣ : ٤٢٧ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ١٦٠ ـ ٣٤٣ و ٢٤٣ ـ ٦٥٦ ، الاستبصار ١ : ٤٢١ ـ ١٦٢٢.

٤٣

وقال عطاء وطاوس ومجاهد ومكحول : يدرك الجمعة بإدراك الخطبتين ، فمن فاتته الخطبتان فاتته الجمعة وإن أدرك الصلاة (١).

ب ـ المشهور أنه يدرك الركعة بإدراك الإمام راكعا‌ وإن لم يدرك تكبيرة الركوع بل يدرك الركعة لو اجتمع مع الإمام في جزء منه ـ وبه قال الشافعي (٢) ـ لقول الصادق عليه‌السلام : « إذا أدركت الإمام وقد ركع فكبّرت وركعت قبل أن يرفع رأسه فقد أدركت الركعة ، وإن رفع الإمام رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك » (٣).

وقال الشيخ : إن أدرك تكبيرة الركوع أدرك الركعة وإلاّ فلا (٤) ، لقول الباقر عليه‌السلام لمحمد بن مسلم : « إن لم تدرك القوم قبل أن يكبّر الإمام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة » (٥).

وهو محمول على ما إذا خاف فوت الركوع ، إذ الغالب أنّ من لم يدرك تكبيرة الركوع إذا دخل المسجد فاتته الركعة ، لافتقاره إلى قطع المسافة بينه وبين القوم ، والنية ، وتكبيرة الإحرام.

وتكبير الركوع ليس واجبا فلا يفوت الاقتداء بفواته.

وقول الشيخ ليس بعيدا من الصواب ، لفوات واجب الركوع فيكون الباقي مستحبا ، فلا تحصل الركعة بالمتابعة فيه ، لفوات الركوع الواجب.

ج : لو ذكر ترك سجدة ناسيا ولم يعلم أهي من التي أدركها مع الإمام ، أو الثانية؟ فإنّه يقضي السجدة ، ويسجد سجدتي السهو إن كان بعد التسليم ،

__________________

(١) المجموع ٤ : ٥٥٨ ، المغني ٢ : ١٥٨ ، الشرح الكبير ٢ : ١٧٧.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٢ ، المجموع ٤ : ٥٥٦ و ٥٥٨ ، فتح العزيز ٤ : ٥٥٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٨٢ ـ ٥ ، الفقيه ١ : ٢٥٤ ـ ١١٤٩ ، التهذيب ٣ : ٤٣ ـ ١٥٣ ، الاستبصار ١ : ٤٣٥ ـ ١٦٨٠.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ١٥٨.

(٥) التهذيب ٣ : ٤٣ ـ ١٤٩ ، الاستبصار ١ : ٤٣٤ ـ ١٦٧٦.

٤٤

وإن كان قبله ، فالأقرب فعلها قبل التسليم وإعادة التشهد ، لأنّه شاك في الأولى بعد فواتها فلا يلتفت.

ولأنّه مأموم فلا عبرة بشكّه فتتعيّن الأخرى.

وتحتمل المساواة للأولى ، فيسلّم ثم يقضي السجدة ، ويسجد سجدتي السهو. وعلى كلا التقديرين يدرك الجمعة.

وقال الشافعي : يأخذ بأسوإ الحالين ، وهو : نسيانها من الاولى ، فيتمّ الثانية ، ويحصل له من الركعتين ركعة ، ولا يدرك الجمعة ، لاحتمال أن تكون من الاولى فلم يدرك مع الإمام ركعة كاملة ، فيتمّها ظهرا (١). وقد سبق البحث فيه.

د : لو كبّر للإحرام والإمام راكع ، ثم رفع الإمام قبل ركوعه أو بعده قبل الذكر ، فقد فاتته تلك الركعة. ولو شك هل كان الإمام راكعا أو رافعا؟ رجّحنا الاحتياط على الاستصحاب.

هـ : لو أدرك مع الإمام ركعة فلمّا جلس مع الإمام ذكر أنه ترك فيها سجدة فإنه يسجد‌

وقد أدرك الركعة عندنا ـ وهو أصح وجهي الشافعي (٢) ـ لأنه أتى بالركعة مع الإمام إلاّ أنه أتى بالسجدة في حكم متابعته ، فلم يمنع ذلك من إدراكها ، وكذا لو ذكرها بعد تسليم الإمام عندنا.

وقال الشافعي : يتمها ظهرا (٣).

والأصل في ذلك : أنّ فوات السجدة مع الإمام هل يقتضي فوات الركعة معه أم لا؟.

و : لو قام الإمام إلى الثالثة سهوا فأدركه في الثالثة فصلاّها معه ، لم يكن‌

__________________

(١) المجموع ٤ : ٥٥٦.

(٢) في « ش » : الشافعية. وراجع : المجموع ٤ : ٥٥٦ ، وفتح العزيز ٤ : ٥٥٣.

(٣) الام ١ : ٢٠٦ ، وانظر : المجموع ٤ : ٥٥٦ ، فتح العزيز ٤ : ٥٥٣.

٤٥

مدركا للجمعة إجماعا ، لأنّها ليست من صلاة الجمعة بل خطأ.

( ولو ذكر الإمام ترك سجدة ) (١) لا يعلم موضعها فكذلك عندنا.

وقال الشافعي : تمّت صلاته ، لأنّها إن كانت من الأولى فقد تمّت بالثانية ، وكانت الثالثة ثانيته ، وإن تركها من الثانية تمّت بالثالثة. ولا تتم جمعة المأموم ، لجواز أن تكون من الثانية فتتم بالثالثة فلم تكن الثالثة من أصل الجمعة ، لأنّ المحسوب منها للإمام سجدة واحدة (٢).

ويجي‌ء قول الشافعي على من يختار من علمائنا التلفيق لو كان الترك لسجدتين من ركعة.

ولو ذكر الإمام أنّها من الأوّلة ، أدرك المأموم الجمعة ، لأن الأولى تمّت بالثانية فكانت الثالثة ثانيته وقد أدركها المأموم.

ز : لو ترك الإمام سجدة من الأولى سهوا وقام إلى الثانية فاقتدى به وصلّى معه ركعة ، فإن جلس الإمام للتشهّد وسلّم ، صحّت صلاته وصلاة المأموم ، ويسجد الإمام المنسيّة ، ويسجد لها سجدتي السهو.

وقال الشافعي : تبطل صلاة الإمام ، لتركه ركعة ، فإنّه لا يحتسب له من الركعة إلاّ سجدة ، ويحتسب للمسبوق ركعة من الظهر ولا يجعل بها مدركا للجمعة ، لأنّ المحسوب للإمام منها سجدة.

فإن قام الإمام إلى الثالثة سهوا قبل جلوسه فهي ثانيته ، لأنّ المحسوب له من الركعتين ركعة فقد أدرك مع الإمام ركعة من الجمعة وقد صلّى قبل ذلك ركعة صحيحة فيتمّ له بهما صلاة الجمعة.

وهذه المسألة عكس مسائل الجمعة ، لأنّه رتّب الجمعة على ركعة‌

__________________

(١) ورد بدل ما بين القوسين في « ش » : والإمام إذا ترك سجدة.

(٢) المجموع ٤ : ٥٥٧.

٤٦

وقعت محسوبة من الظهر ، وجعلها من الجمعة ، والظهر أبدا تبنى على الجمعة إذا عرض ما يمنع تمامها (١). وقد بيّنا مذهبنا فيما تقدّم.

مسألة ٣٩٨ : لو كان الإمام متنفّلا ـ بأن يكون مسافرا قد صلّى الظهر أوّلا ـ فالوجه أنه لا جمعة‌ إن تمّ العدد به ، إذ ليس من أهل التكليف بالجمعة ، فلا يتعلّق وجوب غيره به ، وإن تمّ بغيره ففي جواز الاقتداء به وجهان : لنقص صلاته ، وجواز اقتداء المفترض بالمتنفّل. وكلاهما للشافعي (٢).

ولو بان محدثا أو جنبا ، صحّت جمعة المأمومين ، سواء تمّ العدد به أو لا.

وقال الشافعي : إن تمّ به فلا جمعة ، وإن تمّ دونه فقولان : أصحّهما عنده : ما قلناه كسائر الصلوات. والثاني : أنه لا جمعة ، لأنّ الجماعة شرط فيها ، والجماعة تقوم بالإمام (٣).

مسألة ٣٩٩ : إذا ركع المأموم مع الإمام في الأولى ثم زوحم عن السجود لم يجز له السجود‌ على ظهر غيره أو رأسه أو رجله عند علمائنا أجمع ـ وبه قال مالك وعطاء والزهري (٤) ـ بل ينتظر حتى يقدر على السجود على الأرض ، لقوله عليه‌السلام : ( ومكّن جبهتك من الأرض ) (٥).

وقال مجاهد وأبو حنيفة والشافعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور : يسجد على ظهر غيره أو رأسه أو رجله ، ويجزئه ذلك إن تمكّن ، وإلاّ صبر ، لأنّ عمر بن الخطاب قال : إذا اشتدّ الزحام فليسجد أحدكم على ظهر أخيه.

__________________

(١) انظر : حلية العلماء ٢ : ٢٣٢ و ٢٣٣.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٥ ، المجموع ٤ : ٢٧٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٦.

(٣) الام ١ : ١٩١ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٤ ، المجموع ٤ : ٢٥٩.

(٤) المدونة الكبرى ١ : ١٤٦ و ١٤٧ ، المجموع ٤ : ٥٧٥ ، فتح العزيز ٤ : ٥٦٣ ، المغني ٢ : ١٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ١٧٩.

(٥) الفردوس ١ : ٢٨١ ـ ١١٠٣.

٤٧

ولأنّ أكثر ما فيه أنه يسجد على نشز (١) من الأرض (٢).

وفعل عمر ليس حجّة ، والسجود إنّما يصح على الأرض أو ما أنبتته ، ولما فيه من ترك حرمة المسلم.

وقال الحسن البصري : هو مخيّر بين أن يسجد وبين أن ينتظر زوال الزحمة ، فبسجوده يخلّ بكمال السجود ويتابع الإمام ، وبتأخيره يأتي بكمال السجود ويخلّ بالمتابعة ، فاستوت الحالان (٣).

وينتقض : بصلاة المريض حيث لا يؤمر بالتأخير للتكميل.

مسألة ٤٠٠ : إذا رفع الإمام رأسه من السجود وزال الزحام قبل أن يركع الإمام في الثانية فإنّ المأموم يشتغل بقضاء السجدتين‌ وإن كان الإمام قائما ، للحاجة والضرورة.

ولأنّ مثله وقع في صلاة عسفان ، حيث صلّى النبي عليه‌السلام وكان العدوّ تجاه القبلة ، فسجد وبقي صف لم يسجد معه ، فلمّا قام إلى الثانية سجدوا (٤). والمشترك الحاجة.

وليس له أن يركع مع الإمام قبل قضاء السجدتين ، لئلاّ يزيد ركنا.

إذا عرفت هذا ، فإنه يستحب للإمام تطويل القراءة ليلحق به ، فإن فرغ والإمام قائم ركع معه ، وإن كان الإمام راكعا انتصب ثم لحقه في الركوع ، ولا يجوز له المتابعة في الركوع قبل الانتصاب ، لما فيه من الإخلال بواجب.

ولا يشتغل بالقراءة عندنا ، لسقوطها عن المأموم.

__________________

(١) النشز : المكان المرتفع. الصحاح ٣ : ٨٩٩ ، القاموس المحيط ٢ : ١٩٤ « نشز ».

(٢) الام ١ : ٢٠٦ ، المجموع ٤ : ٥٦٣ و ٥٧٥ ، فتح العزيز ٤ : ٥٦٣ ، المغني ٢ : ١٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ١٧٩ ، وانظر : مصنف ابن أبي شيبة ١ : ٢٦٤ ، سنن البيهقي ٣ : ١٨٢ ـ ١٨٣ ، مسند الطيالسي ١٣ ـ ٧٠ ، علل الحديث للرازي ١ : ١٠٨ ـ ٢٩٤.

(٣) المجموع ٤ : ٥٧٥ ، حلية العلماء ٢ : ٢٤٣ و ٢٤٤.

(٤) سنن الدار قطني ٢ : ٥٩ ـ ٦٠ ـ ٨ ، سنن البيهقي ٣ : ٢٥٧.

٤٨

وللشافعي وجهان : هذا أصحّهما ، لأنّ القراءة سقطت عنه حيث لم يدركها مع الإمام ، لأنّ فرضه الاشتغال بقضاء السجود ولم يتابعه في محلّها فهو كالمسبوق. والآخر : يقضي القراءة ، لأنّه أدرك محلّها مع الإمام ، بخلاف المسبوق (١).

والأولى ممنوعة.

وعلى الأول يلحق الجمعة ، وعلى الثاني يقرأ ما لم يخف فوت الركوع ، فإن خاف فهل يتمّ أو يركع؟ قولان.

وإن زال الزحام والإمام قد رفع رأسه من الركوع الثانية ـ ولا فرق حينئذ بين أن يكون الإمام قائما أو ساجدا ـ فإنه يتبعه ويسجد السجدتين ، وينوي بهما الاولى ، فتحصل له ركعة ملفّقة ، ولا يشتغل بقضاء ما عليه ، ويدرك بها الجمعة ـ وبه قال الشافعي في أصحّ الوجهين (٢) ـ لقول الصادق عليه‌السلام وقد سأله حفص بن غياث عن رجل أدرك الجمعة وقد ازدحم الناس فدخل مع الإمام وركع ولم يقدر على السجود ، ثم قام وركع الإمام ولم يقدر على الركوع في الثانية ، وقدر على السجود كيف يصنع؟ قال الصادق عليه‌السلام : « أمّا الركعة الأولى فهي إلى الركوع تامة ، فلمّا سجد في الثانية فإن نوى الركعة الأولى فقد تمّت الأولى ، فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعة يسجد فيها ثم يتشهّد ويسلّم ، وإن لم ينو تلك السجدة للركعة الأولى لم تجزئ عنه الاولى ، وعليه أن يسجد سجدتين ، وينوي أنّهما للركعة الاولى ، وعليه بعد ذلك ركعة تامة » (٣).

__________________

(١) المجموع ٤ : ٥٦٤ و ٥٦٥ ، الوجيز ١ : ٦٢ ، فتح العزيز ٤ : ٥٦٤ ، السراج الوهاج : ٩١ ، حلية العلماء ٢ : ٢٤٤.

(٢) المجموع ٤ : ٥٦٥ ، الوجيز ١ : ٦٢ ، فتح العزيز ٤ : ٥٦٥ ، السراج الوهاج : ٩١ ، حلية العلماء ٢ : ٢٤٤ ـ ٢٤٥.

(٣) التهذيب ٣ : ٢١ ـ ٢٢ ـ ٧٨ ، الفقيه ١ : ٢٧٠ ـ ١٢٣٥ ، الكافي ٣ : ٤٢٩ ـ ٤٣٠ ـ ٩ وفيه الى قوله : لم تجزئ عنه الاولى.

٤٩

وقال أبو حنيفة : لا يتبعه ، ويشتغل بقضاء ما عليه بناء على أنّ المأموم لا يخالف الإمام في صفة الفعل ، فما كان أول صلاة الإمام كان أول صلاة المأموم ، وما كان آخر صلاة الإمام كان آخر صلاة المأموم (١). وسيأتي.

إذا عرفت هذا ، فقد بيّنّا أنه يلحق الجمعة ، لأنه أدرك ركعة منها.

وللشافعي وجهان : أصحّهما : هذا ، لقوله عليه‌السلام : ( من أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها أخرى ) (٢).

والثاني : لا يلحقها ، لأنّ إدراكها بركعة تامة وهذه ملفّقة (٣).

وليس بجيّد ، فإنّ المسبوق يدرك الثانية للإمام وهي أولى له ، فاحتساب بعض الثانية عن الأولى أولى.

إذا عرفت هذا ، فإنّه لا بدّ وأن ينوي بهاتين السجدتين أنّهما للأولى ، ولا يكفيه استصحاب النية ـ كما هو ظاهر قول ابن إدريس (٤) ـ لأنّ صلاته تابعة لصلاة الإمام وقد نوى الإمام بهاتين أنّهما للثانية ، فلا بدّ وأن ينفرد بنية أخرى أنّهما للأولى ، لئلاّ يلحقه حكم الإمام.

ولو نوى بهما الثانية ، بطلت صلاته ، قاله الشيخ في النهاية (٥) ، لأنّ الأولى لم تكمل وقد شرع في الثانية بسجدتين قبل قراءة وركوع ، والزيادة والنقصان للأركان مبطلان.

وقال في المبسوط : يحذفهما ويأتي بسجدتين أخريين ينوي بهما‌

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ٢ : ١١٨ ، فتح العزيز ٤ : ٥٦٧ ، حلية العلماء ٢ : ٢٤٥.

(٢) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ١٢٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٥٦ ـ ١١٢١ ، سنن الدار قطني ٢ : ١٠ ـ ١ ، المستدرك للحاكم ١ : ٢٩١.

(٣) المجموع ٤ : ٥٦٦ ، فتح العزيز ٤ : ٥٦٨ ، حلية العلماء ٢ : ٢٤٥.

(٤) السرائر : ٦٥.

(٥) النهاية : ١٠٧.

٥٠

الاولى ، ويكمل له ركعة ، ويتمّها بأخرى (١) ، لحديث حفص بن غياث (٢).

وهو ضعيف.

وإن زال الزحام والإمام راكع في الثانية ، فإنّ المأموم يشتغل بالقضاء ، ثم إن لحقه في الركوع انتصب وركع معه ، وإن لم يلحقه إلاّ بعد رفعه منه ، فقد فاتته تلك الركعة ، فيأتي بأخرى بعد فراغ الإمام ، ولا يتابعه في السجدتين لئلاّ يزيد ركنا.

وللشافعي قولان في الاشتغال بالقضاء لو أدركه راكعا.

أحدهما : القضاء ولا يتابعه ـ وبه قال أبو حنيفة (٣) ـ لأنه قد شارك الإمام في الركوع الأول فيشتغل بعده بالسجود كما لو زال الزحام والإمام قائم.

والثاني : المتابعة ـ وبه قال مالك (٤) ـ لقوله عليه‌السلام : ( إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا ) (٥) وهذا إمامه راكع (٦).

وليس بجيّد ، لما فيه من الزيادة المبطلة ، وتمام الحديث : ( فإذا سجد فاسجدوا ) وكما أمر بالركوع أمر بالسجود والإمام قد يسجد قبل الركوع للأولى ، فيتابعه المأموم في ذلك.

وللشافعي قولان على تقدير وجوب المتابعة في الركوع لو تابعه :

__________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ١٤٥.

(٢) الفقيه ١ : ٢٧٠ ـ ١٢٣٥ ، التهذيب ٣ : ٢١ ـ ٢٢ ـ ٧٨.

(٣) المبسوط للسرخسي ٢ : ١١٨ ، حلية العلماء ٢ : ٢٤٥ ، المغني ٢ : ١٦٠ ـ ١٦١ ، فتح العزيز ٤ : ٥٦٧.

(٤) المنتقى للباجي ١ : ١٩٢ ، حلية العلماء ٢ : ٢٤٥ ، المغني ٢ : ١٦٠ ـ ١٦١ ، فتح العزيز ٤ : ٥٦٦.

(٥) صحيح البخاري ١ : ١٨٧ ، صحيح مسلم ١ : ٣٠٨ ـ ٤١١ ، سنن النسائي ٢ : ٨٣ ، سنن الترمذي ٢ : ١٩٤ ـ ٣٦١ ، سنن الدارمي ١ : ٣٠٠ ، مسند أحمد ٢ : ٣١٤.

(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٣ ، المجموع ٤ : ٥٦٥ ـ ٥٦٦ ، فتح العزيز ٤ : ٥٦٦ ـ ٥٦٧ ، حلية العلماء ٢ : ٢٤٥ ، المغني ٢ : ١٦١.

٥١

احتساب الركوع الثاني ، لأنّه أدرك إمامه فيه ، فهو كالمسبوق ، فيدرك الجمعة ، لإدراك ركعة تامة.

والأول ، لصحته ، ولا يبطل بترك ما بعده ، كما لو نسي سجدة من الأولى ، فإنّها تتمّ بالثانية عنده ، ففي إدراك الجمعة من حيث إنّها ملفّقة وجهان (١).

ولو لم يتابعه واشتغل بالسجود ـ على تقدير وجوب المتابعة ـ فإن اعتقد أنّ فرضه السجود ، لم تبطل صلاته بالسجود ، لأنه بمنزلة الناسي ، ولم يعتدّ به ، لأنّه أتى به في غير موضعه.

ثم إن فرغ والإمام راكع ، تبعه ، كما لو اتّبعه في الركوع ابتداء ، وإن فرغ والإمام رافع أو ساجد ، فإنه يتبعه ، ويعتدّ بما فعله من السجود ، ويحصل له ركعة ملفّقة ، وفي إدراك الجمعة حينئذ وجهان.

وإن فرغ من سجوده والإمام جالس في التشهّد ، تبعه ، فإذا سلّم قضى السجود ، ولا يكون مدركا لركعة مع الإمام ، وإنّما أدرك القيام والقراءة والركوع ، وهل يبني الظهر على ذلك أو يبتدئها؟ قولان (٢).

وإن اعتقد أنّ فرضه الاتّباع ، فخالف عامدا ، فإن لم ينو مفارقة الإمام ، بطلت صلاته ، لأنّه زاد عمدا عملا كثيراً.

ثم إن كان الإمام في الركوع ، أحرم بالصلاة وتبعه ويدرك الركعة ويدرك بها الجمعة ، وإن وجده رافعا من الركوع ، أحرم واتّبعه ، وبنى على ذلك الظهر وجها واحدا ، لأنّه أحرم بعد فوات الجمعة.

وإن نوى مفارقة الإمام ، فإن قلنا المفارقة لغير عذر مبطلة ، فكما تقدّم ، وإن لم تبطل فما أدرك ركعة بل بعضها ، وهل يستأنف؟ إن قلنا في غير‌

__________________

(١) المجموع ٤ : ٥٦٦ ـ ٥٦٧ ، فتح العزيز ٤ : ٥٦٧ ـ ٥٦٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢٣ ، حلية العلماء ٢ : ٢٤٥.

(٢) الوجيز ١ : ٦٣ ، فتح العزيز ٤ : ٥٦٨ ـ ٥٧٤ ، حلية العلماء ٢ : ٢٤٦.

٥٢

المعذور ببطلان صلاته لو صلّى الظهر قبل فوات الجمعة استأنف ، وإلاّ أتم ظهرا.

وعلى تقدير وجوب الاشتغال بالقضاء فإن اشتغل تمّت له الاولى مع الإمام.

ثم إن كان الإمام راكعا تبعه وحصلت له الجمعة كاملة ، وإن أدركه ساجدا أو جالسا فهل يتبعه أو يشتغل بقضاء ما فاته من القراءة والركوع؟ من أصحابه من قال : يشتغل بالقضاء ، لأنّ بهذا القول ألزمناه الاشتغال بالقضاء.

ومنهم من قال : يتبع الإمام لأنّ هذه الركعة لم يدرك منها شيئا بخلاف الأولى فإنّه أدرك أكثرها (١).

والأخير عندهم أصح فقد أدرك ركعة بعضها فعله مع الإمام وبعضها فعله في حكم إمامته وهو السجود ، ففي إدراك الجمعة بذلك وجهان (٢).

وعلى تقدير عدم الإدراك ففي البناء للظهر على ذلك أو الاستئناف قولان.

فإن فرغ من السجود بعد تسليم الإمام لم يدرك ركعة مع الإمام ، لأنّ المفعول بعد التسليم لا يكون في حكم صلاته فلا يكون مدركا للجمعة وجها واحدا ، وهل يبني عليها الظهر أو يستأنف؟ قولان.

وإن خالف واتّبع الإمام في الركوع على تقدير وجوب الاشتغال بالقضاء فإن اعتقد أنّ فرضه المتابعة لم تبطل صلاته ، لأنه كالناسي ، ولم يعتد بالركوع لأنّه أتى به في غير موضعه ، فإذا سجد تمّت الأولى وكانت ملفّقة.

وإن اعتقد انّ فرضه القضاء ، بطلت صلاته ، فيبتدئ الإحرام مع الإمام إن كان راكعا ، ويدرك ركعة تامة يدرك بها الجمعة ، وإن أدركه رافعا من‌

__________________

(١) المجموع ٤ : ٥٦٧ ـ ٥٦٩ ، فتح العزيز ٤ : ٥٧١ ـ ٥٧٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢٣ ، حلية العلماء ٢ : ٢٤٦ ـ ٢٤٧.

(٢) المجموع ٤ : ٥٦٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢٣.

٥٣

الركوع ، أحرم معه وكانت ظهرا (١). وقد بيّنا مذهبنا في ذلك.

فروع :

أ : لو زوحم عن سجود الاولى‌ فقضاه قبل ركوع الإمام في الثانية ثم ركع مع الإمام فزوحم عن السجود فقضاه بعد جلوس الإمام للتشهّد ، تبع الإمام في التشهّد ، وتمّت جمعته ـ خلافا لبعض الشافعية (٢) ـ لأنّه أدرك جميع الصلاة ، بعضها فعلا وبعضها حكا ، فثبت له حكم الجماعة.

ب : لو أدرك الإمام راكعا في الثانية فأحرم وركع معه ثم زوحم عن السجدتين‌ ثم قضاه حال تشهّد الإمام ، فالأقرب إدراك الجمعة ـ وللشافعية وجهان (٣) ـ فيتابع الإمام في التشهّد ، ويسلّم. ولو لم يزل الزحام حتى سلّم الإمام ، فاتت الجمعة.

ج : لو أحرم مع الإمام فزوحم عن الركوع فزال الزحام والإمام راكع في الثانية ، فإنّه يركع معه‌ ، وتحصل له ركعة ، ويكون مدركا للجمعة ، لأنّه لو أدرك الركوع في الثانية ، كان مدركا للجمعة ، فما زاد على ذلك من الركعة الأوّلة لا يمنعه من إدراك الجمعة ، وهو قول بعض الشافعية.

وقال آخرون : يحتمل أن تكون ملفّقة ، ففي الإدراك وجهان (٤).

د : لو زوحم عن الركوع والسجود في الأولى ، صبر حتى يتمكّن منهما ثم يلتحق ، وهي رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه‌السلام (٥).

فإن لحق الإمام راكعا في الثانية ، تابعه وأدرك الجمعة.

ولو لحقه رافعا من ركوع الثانية ، ففي إدراك الجمعة إشكال ينشأ : من أنّه لم يلحق ركوعا مع الإمام ، ومن إدراك ركعة تامة في صلاة الإمام حكما.

__________________

(١) المجموع ٤ : ٥٦٧ ـ ٥٦٨.

(٢) المجموع ٤ : ٥٧٢ ـ ٥٧٣ ، حلية العلماء ٢ : ٢٤٧.

(٣) المجموع ٤ : ٥٧٢ ، فتح العزيز ٤ : ٥٧٣ ، حلية العلماء ٢ : ٢٤٧ ـ ٢٤٨.

(٤) المجموع ٤ : ٥٧٢ ، فتح العزيز ٤ : ٥٧٣ ، حلية العلماء ٢ : ٢٤٧ ـ ٢٤٨.

(٥) الكافي ٣ : ٣٨١ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ٤٦ ـ ١٥٩ ، الاستبصار ١ : ٤٣٧ ـ ١٦٨٤.

٥٤

ولو لم يتمكّن من القضاء حتى ركع الإمام في الثانية فزوحم عن المتابعة حتى سجد الإمام ، أتمّها ظهرا.

هـ : لو قضى سجدتي الاولى ثم نهض فوجد الإمام رافعا من الركوع ، فالأقرب جلوسه‌ حتى يسجد الإمام ويسلّم ، ولا يتابعه فيهما ، ثم ينهض إلى الثانية. وله العدول إلى الانفراد ، فيستمر على قيامه قاضيا للثانية.

البحث الخامس : الوحدة‌

مسألة ٤٠١ : لا تنعقد جمعتان بينهما أقل من فرسخ ، سواء كانتا في مصر واحد أو مصرين فصل بينهما نهر عظيم كدجلة أو لا ، عند علمائنا أجمع ، لقول الباقر عليه‌السلام : « لا يكون بين الجمعتين أقلّ من ثلاثة أميال ، فإذا كان بين الجماعتين من الجمعة ثلاثة أميال ، فلا بأس أن يجمّع هؤلاء وهؤلاء » (١).

ولأنها لو صحّت مع التقارب ، لصحّت في كلّ مسجد ، مع أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يجمّع إلاّ في مسجد واحد ، وكذا الخلفاء بعده ، ولم يعطّلوا المساجد ، بل كان إقامتها في موضعين أولى من موضع واحد ، ومع بعد المسافة يشقّ الإتيان ، فلا بدّ من تقدير يرفع المشقة ، والقدر الذي يمكن تكلّفه لأكثر الناس فرسخ فكان الاعتبار به.

ولا اعتبار باتّحاد البلد ، فقد يكثر عن فرسخ ، فتحصل المشقة بالحضور.

وقال الشافعي : لا تقام الجمعة في المصر الواحد إلاّ في موضع واحد‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤١٩ ـ ٧ ، التهذيب ٣ : ٢٣ ـ ٧٩.

٥٥

وإن تباعدت أقطاره ـ وبه قال مالك (١) ـ لأنّ النبي عليه‌السلام كذا فعل (٢).

ونحن نقول بموجبه لأنّ المدينة لم تبلغ أقطارها فرسخا ، فلهذا اتّحدت الجمعة.

وقال أبو يوسف : إذا كان للبلد جانبان ليس بينهما جسر ، كانا كالبلدين ، فجاز أن يقام في كلّ جانب جمعة ، وإلاّ فلا.

وعنه : جواز ذلك في بغداد خاصة ، لأنّ الحدود تقام فيها في موضعين ، والجمعة حيث تقام الحدود (٣).

فلو وجد بلد تقام فيه الحدود في موضعين جاز إقامة الجمعة فيهما بمقتضى قوله. وهو قول ابن المبارك ، وإليه ذهب أبو الطيب بن سلمة (٤).

وقال محمد : تقام فيه جمعتان سواء كان جانبا واحدا أو أكثر (٥) ، لأنّ عليا عليه‌السلام كان يخرج يصلّي العيد في الجبّان ، ويستخلف أبا مسعود البدري يصلّي بضعفة الناس (٦) ، وحكم الجبّان حكم البلد ، والجمعة عنده كالعيد.

ويحمل على بعده عليه‌السلام فرسخا.

وليس عن أبي حنيفة فيه شي‌ء (٧).

__________________

(١) الكافي في فقه أهل المدينة : ٧١ ، التفريع ١ : ٢٣٣ ، المغني ٢ : ١٨٢ ، الشرح الكبير ٢ : ١٩٠ ، المجموع ٤ : ٥٩١ ، حلية العلماء ٢ : ٢٥٠.

(٢) الام ١ : ١٩٢ ، المجموع : ٤ : ٥٨٥ و ٥٩١ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢٤ ، فتح العزيز ٤ : ٤٩٨ ، حلية العلماء : ٢ : ٢٥٠ ، المغني ٢ : ١٨٢ ، الشرح الكبير ٢ : ١٩٠‌

(٣) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٢٠ ، المجموع ٤ : ٥٨٥ و ٥٩١ ، حلية العلماء ٢ : ٢٥١ ، المغني ٢ : ١٨٢ ، الشرح الكبير ٢ : ١٩٠.

(٤) المغني ٢ : ١٨٢ ، الشرح الكبير ٢ : ١٩٠ ، حلية العلماء ٢ : ٢٥١.

(٥) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٢٠ ، شرح فتح القدير ٢ : ٢٥ ، حلية العلماء ٢ : ٢٥١ ، المجموع ٤ : ٥٩١ ، المحلّى ٥ : ٥٣.

(٦) سنن النسائي ٣ : ١٨١ ، مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ١٨٤.

(٧) كما في حلية العلماء ٢ : ٢٥١.

٥٦

وقال أحمد : إذا كبر وعظم ـ كبغداد والبصرة ـ جاز أن تقام فيه جمعتان وأكثر مع الحاجة ، ولا يجوز مع عدمها ، فإن حصل الغنى باثنتين لم تجز الثالثة ، وكذا ما زاد دفعا للمشقة (١). وهي مشقة يسيرة فلا يكون عذرا.

وقال داود وعطاء : يجوز أن يصلّوا الجمعة في مساجدهم كما يصلّون سائر الصلوات (٢) ، لأنّ عمر كتب إلى أبي هريرة بالبحرين أن جمّعوا حيث كنتم (٣).

وليس حجّة ، ويحتمل : في أيّ بلد كنتم.

واعتذر أصحاب الشافعي له ـ لمّا دخل بغداد وفيها جامع المنصور وجامع المهدي ـ : بكبره فحصلت المشقة ـ وهو مصير إلى قول أحمد ـ أو بأنّها كانت قرى متفرقة فاتّصلت العمارة ، أو بأنّها ذات جانبين فصارت كالبلدين ـ وهو قول أبي يوسف (٤) ـ أو لأنّها اجتهادية ولا يجوز التقليد (٥).

مسألة ٤٠٢ : لو صلّيت جمعتان بينهما أقلّ من فرسخ ، فالأقسام خمسة :

أ : أن تسبق إحداهما الأخرى وتعلم السابقة ، فهي الصحيحة إن كان الإمام الراتب فيها إجماعا وإن كان في الثانية ، فكذلك عندنا ، لأنّ السابقة انعقدت صحيحة ، لحصول الشرائط وانتفاء الموانع ، فلم يتقدّمها ما يفسدها ، ولا تفسد بعد صحتها بما بعدها ، فلا تفسد بعقد الثانية. وهو أشهر قولي الشافعي.

والثاني : أنّ الصحيحة التي فيها الإمام ، لأنّ الحكم ببطلان جمعة‌

__________________

(١) المغني ٢ : ١٨٢ ، الشرح الكبير ٢ : ١٩٠ ، حلية العلماء ٢ : ٢٥١.

(٢) المجموع ٤ : ٥٩١ ، حلية العلماء ٢ : ٢٥٢ ، المغني ٢ : ١٨٢ ، الشرح الكبير ٢ : ١٩٠.

(٣) انظر : مصنّف ابن أبي شيبة ٢ : ١٠١ ـ ١٠٢.

(٤) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٢٠ ، حلية العلماء ٢ : ٢٥١.

(٥) المجموع ٤ : ٥٨٥ ـ ٥٨٦ ، فتح العزيز ٤ : ٤٩٩ ـ ٥٠١.

٥٧

الإمام تتضمن افتتانا عليه ، وتفويتا له الجمعة ولمن يصلّي معه ، ويفضي إلى أنه متى شاء أربعون أن يفسدوا صلاة أهل البلد أمكنهم ذلك بأن يجتمعوا في موضع ويسبقوا أهل البلد بفعلها (١).

ولا يرد علينا ، لأنّ إمام الأصل لا يتقدّم عليه أحد غيره ، وإن كان نائبه ، اشترط فيه العدالة ، فلا يتأتّى فيه طلب إبطال جمعة غيره.

ولو كانت المسبوقة في الجامع ، والأخرى في مكان صغير لا يسع المصلّين ، أو لا تمكنهم الصلاة فيه ، لاختصاص السلطان وجنده به ، أو غير ذلك ، أو كانت إحداهما في قصبة (٢) البلد ، والأخرى في أقصاه ، بطلت المسبوقة خاصة عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ لما تقدّم.

وقال مالك وأحمد : المسبوقة صحيحة خاصة ، لأنّهم أهل القصبة ، ولهذه المعاني مزية تقتضي التقدّم فقدّم بها كجمعة الإمام (٤).

ونمنع الأصل.

ب : أن تقترنا ، فإنّهما تبطلان معا ، سواء كان الإمام الراتب في إحداهما أولا ـ وهو أحد قولي الشافعي (٥) ـ لامتناع صحتهما معا ، واختصاص إحداهما بالفساد ، إذ المقتضي للفساد المقارنة وهي ثابتة فيهما معا. ولعدم الأولوية ، كما في الولّيين إذا زوّجا من كفوين دفعة.

ثم إن كان الوقت باقيا ، وجب عليهم إقامة الجمعة ، لأنّهم لم يؤدّوا‌

__________________

(١) الام ١ : ١٩٢ ـ ١٩٣ ، المجموع ٤ : ٥٨٧ ـ ٥٨٨ ، الوجيز ١ : ٦١ ، فتح العزيز ٤ : ٥٠٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢٥ ، حلية العلماء ٢ : ٢٥٢.

(٢) قصبة البلد : مدينته. وقصبة القرية : وسطها. لسان العرب ١ : ٦٧٦ ـ ٦٧٧.

(٣) انظر : المجموع ٤ : ٥٨٧.

(٤) المغني ٢ : ١٨٧ ـ ١٨٨ ، الشرح الكبير ٢ : ١٩١.

(٥) المجموع ٤ : ٥٨٨ ـ ٥٨٩ ، الوجيز ١ : ٦١ ، فتح العزيز ٤ : ٥٠٥ و ٥٠٩ ـ ٥١٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢٥ ، السراج الوهاج : ٨٦.

٥٨

فرضها ، وإلاّ صلّوا الظهر.

ج : لو لم يعلم السبق وعدمه ، حكم ببطلانهما معا ، ولهم إقامة جمعة واحدة كالأول ، لتردّد كلّ واحدة منهما بين الصحة والبطلان ، ولو لم يتّسع الزمان أعادوا ظهرا ، وبه قال الشافعي (١) ، وإليه مال الشيخ (٢).

ويحتمل إعادة الظهر وإن اتّسع الزمان ، فإنّ الظاهر صحة إحداهما ، لأنّ الاقتران نادر جدّا ، فيجري مجرى المعدوم.

ولأنّنا شككنا في شرط إقامة الجمعة ، وهو : عدم سبق اخرى ، فلم تجز إقامتها مع الشك في شرطها ، وبه قال بعض الجمهور (٣).

والوجه عندي أنهم يعيدون جمعة وظهرا ، لاحتمال الاقتران ، فتجب الجمعة ، والسبق فتجب الظهر ، ويتولّى إمامة الجمعة من غير القبيلين ، أو يفترقان بفرسخ.

د : علم سبق إحداهما ولم يعلم عينها.

هـ : علم السابق عينا ثم أشكل.

وحكمهما واحد ، وهو : وجوب الإعادة عليهما معا ، لحصول الشك في كلّ واحدة ، والتردّد بين الصحة والبطلان.

ولا تصحّ كلّ واحدة حتى يعلم أنّها السابقة ، ويسقط بها الفرض.

فإذا عقدوها ولم يعلموا أنّ غيرها ما سبقها فقد أخلّوا بالشرط ، وهو علم ذلك ، وهو قول الشافعية (٤) ، إلاّ المزني فإنّه قال : لا تجب عليهم الإعادة وتكونان صحيحتين ، لأنّ كلّ واحدة منهما عقدت على الصحة ، فلا يفسدها‌

__________________

(١) المجموع ٤ : ٥٨٨ ، الوجيز ١ : ٦١ ، فتح العزيز ٤ : ٥٠٥ ـ ٥٠٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢٥ ، السراج الوهاج : ٨٦.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ١٤٩.

(٣) المغني ٢ : ١٩١ ، الشرح الكبير ٢ : ١٩٢.

(٤) المجموع ٤ : ٥٨٩ ، الوجيز ١ : ٦١ ، فتح العزيز ٤ : ٥٠٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢٥.

٥٩

الشك (١).

وهو غلط ، لأن الشك في الشرط شك في المشروط.

إذا عرفت هذا ، فإنّهم في الصورتين يقضون ظهرا ، لأنّه بلد صلّي فيه جمعة صحيحة فلا تتعقّبها اخرى ، وإنّما أوجبنا الإعادة عليهما ، للجهل بالتعيين ، وبه قال بعض الشافعية (٢).

وقال الشيخ : يصلّون جمعة مع اتّساع الوقت (٣) ـ وهو قول بعض الشافعية (٤) ـ لأنّا حكمنا بوجوب الإعادة عليهما ، فكأنّ المصر ما صلّيت فيه جمعة صحيحة.

وهو غلط ، لأنّ السابقة صحيحة قطعا ولم تفسد ولم يتبيّن (٥) لها حكم الصحة ، للجهل بعينها.

مسألة ٤٠٣ : ويحصل السبق بتقدّم إحداهما بتكبيرة الإحرام‌ ـ وبه قال بعض الشافعية (٦) ـ لأنه متى أحرم إحداهما حرم إحرام الأخرى.

وقال بعضهم : يعتبر بالفراغ ، فأيّهما سبقت بالسلام صحّت دون الأخرى (٧) ، لأنّا قبل التمام لا نعلم صحتها وإتمامها.

__________________

(١) المجموع ٤ : ٥٨٩ ، فتح العزيز ٤ : ٥٠٦ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٢.

(٢) المجموع ٤ : ٥٨٩ ، فتح العزيز ٤ : ٥٠٧ ـ ٥٠٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢٥ ، السراج الوهاج : ٨٦ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٢.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ١٤٩.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٥ ، المجموع ٤ : ٥٨٩ ، فتح العزيز ٤ : ٥٠٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٢.

(٥) في نسخة « م » : ولم يثبت.

(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٥ ، المجموع ٤ : ٥٨٦ ، الوجيز ١ : ٦١ ، فتح العزيز ٤ : ٥٠٢ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨١.

(٧) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٤ ، المجموع ٤ : ٥٨٦ ، الوجيز ١ : ٦١ ، فتح العزيز ٤ : ٥٠٣ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨١.

٦٠