تذكرة الفقهاء - ج ٤

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٤

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: ٤٧٨

ونمنع من تسوية السلطان الفاسق لجواز أن يغلبه هواه على تقديم أو تأخير.

مسألة ٣٨٣ : يشترط إمّا السلطان المعصوم ، أو استنابته لمن يرتضيه‌ ، ويشترط في النائب أمور :

الأول : البلوغ. فلا تصح إمامة الصبي ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد (١) ـ لعدم التكليف في حقه ، فإن لم يكن مميزا لم يعتد بفعله ، وإلا عرف ترك المؤاخذة على فعله ، فلا يؤمن ترك واجب أو فعل محرّم في صلاته.

ولأن العدالة شرط وهي منوطة بالتكليف.

وهو أحد قولي الشافعي ، والثاني : تصح كغيرها من الفرائض (٢).

ونمنع الأصل ، ونفرق باختصاص الجمعة بشرائط زائدة الثاني : العقل. فإن المجنون لا اعتبار بفعله ، ومن يعتوره لا يكون إماما ، ولا في وقت إفاقته ، لجواز عروضه له حينئذ. ولأنه لا يؤمن احتلامه في نوبته وهو لا يعلم. ولنقصه عن المراتب الجليلة.

الثالث : الذكورة. فإن المرأة لا تؤم الرجال ولا الخناثى ، وكذا الخنثى.

الرابع : الحرية. وفي اشتراطها للشيخ قولان :

أحدهما : ذلك (٣) ـ وبه قال أحمد ومالك (٤) ـ لأن الجمعة لا تجب‌

__________________

(١) بدائع الصنائع ١ : ٢٦٢ ، بلغة السالك ١ : ١٥٧ ، الشرح الصغير ١ : ١٥٧ ، المنتقى للباجي ١ : ١٩٧ ، بداية المجتهد ١ : ١٤٤ ، المغني ٢ : ٥٥ ، الإنصاف ٢ : ٢٦٦ ، كشاف القناع ١ : ٤٧٩.

(٢) الام : ١ : ١٩٢ ، المجموع ٤ : ٢٤٩ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٤ ، كفاية الأخيار ١ : ٨٣.

(٣) النهاية : ١٠٥.

(٤) المغني ٢ : ١٩٦ ، المحرّر في الفقه ١ : ١٤٢ ، بلغة السالك ١ : ١٥٧ ، الشرح الصغير ١ : ١٥٧ ، المنتقى للباجي ١ : ١٩٧.

٢١

عليه ، فلا يكون إماما فيها ، كالصبي والمرأة.

والثاني : العدم (١) ـ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة (٢) ـ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( اسمعوا وأطيعوا ولو أمّر عليكم عبد حبشي أجدع ما أقام فيكم الصلاة ) (٣).

ومن طريق الخاصة : قول أحدهما عليهما‌السلام ـ وقد سئل عن العبد يؤمّ القوم إذا رضوا به وكان أكثرهم قراءة ـ : « لا بأس به » (٤).

ولأنه ذكر يؤدّي فرض الجمعة ، فجاز أن يكون إماما فيها كالحرّ. وهو عندي أقوى.

مسألة ٣٨٤ : العدالة شرط عند علمائنا كافة‌ ، فلو أمّ الفاسق لم تنعقد وأعيدت ظهرا ـ خلافا للجمهور (٥) كافّة ـ لأنّ الائتمام ركون إلى الفاسق وهو ظالم ، فيكون منهيا عنه ، لقوله تعالى ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (٦).

وقول جابر : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ( لا تؤمّنّ امرأة رجلا ، ولا فاجر مؤمنا إلاّ أن يقهره سلطان ، أو يخاف سيفه ، أو سوطه ) (٧).

ومن طريق الخاصة : ما رواه سعد بن إسماعيل ، عن أبيه قال : قلت للرضا عليه‌السلام : رجل يقارف (٨) الذنوب وهو عارف بهذا الأمر أصلّي‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٦٢٧ ، المسألة ٣٩٨.

(٢) الام ١ : ١٩٢ ، المجموع ٤ : ٢٥٠ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٧ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٣٦ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٦١ و ٢٦٦ ، شرح فتح القدير ٢ : ٢٦ ، اللباب ١ : ١١٢.

(٣) سنن البيهقي ٣ : ٨٨ ، الخراج للقاضي أبي يوسف : ٩ بتفاوت واختصار ، وأورده نصّا في فتح العزيز ٤ : ٣٢٨ ، وتلخيص الحبير ٤ : ٣٢٧.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٩ ـ ٩٩ ، الاستبصار ١ : ٤٢٣ ـ ١٦٢٨.

(٥) المجموع ٤ : ٢٥٣ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣٠ و ٣٣١ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٤ ، المغني ٢ : ١٤٩ ، اللباب ١ : ٧٩ ، بدائع الصنائع ١ : ١٥٦.

(٦) هود : ١١٣.

(٧) سنن ابن ماجة ١ : ٣٤٣ ـ ١٠٨١.

(٨) قارف الذنب : داناه ولاصقه. لسان العرب ٩ : ٢٨٠ « قرف ».

٢٢

خلفه؟ قال : « لا » (١).

وقال أبو عبد الله البرقي : كتبت إلى أبي جعفر عليه‌السلام : أتجوز الصلاة خلف من وقف على أبيك وجدّك صلوات الله عليهما؟ فأجاب : « لا تصلّ وراءه » (٢).

ولانتفاء الزاجر له عن ترك شرط أو فعل مناف فلا تصح ، كالصبي والكافر.

احتجّوا : بعموم قوله تعالى ( فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ ) (٣).

وبقوله عليه‌السلام : ( صلّوا خلف من قال : لا إله إلاّ الله ) (٤).

وبأن الحسن والحسين عليهما‌السلام صلّيا مع مروان (٥).

والآية تدلّ على السعي لا على حال الإمام. والعام قد يخصّص ، وأحاديثنا أخصّ فتقدّم.

وفعل الإمامين عليهما‌السلام لقهرهما ، كما تضمّنه حديث جابر (٦).

ولأنه حكاية حال فيمكن أنّ صلاتهما بعد فعلها في منازلهما ، كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي ذر : ( كيف أنت إذا كان عليك أمراء يؤخّرون الصلاة عن وقتها؟ ) قلت : فما تأمرني؟ قال : ( صلّ الصلاة لوقتها ، فإن أدركتها معهم فصلّ فإنها لك نافلة ) (٧).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٤٩ ـ ١١١٦ ، التهذيب ٣ : ٣١ ـ ١١٠ و ٢٧٧ ـ ٨٠٨.

(٢) الفقيه ١ : ٢٤٨ ـ ١١١٣ ، التهذيب ٣ : ٢٨ ـ ٩٨.

(٣) الجمعة : ٩.

(٤) سنن الدار قطني ٢ : ٥٦ ـ ٣ ، بلوغ المرام : ٨٥ ـ ٤٥٠.

(٥) الجعفريات : ٥٢ ، نوادر الراوندي : ٣٠ وانظر سنن البيهقي ٣ : ١٢٢.

(٦) سنن ابن ماجة ١ : ٣٤٣ ـ ١٠٨١.

(٧) صحيح مسلم ١ : ٤٤٨ ـ ٦٤٨ ، سنن أبي داود ١ : ١١٧ ـ ٤٣١ ، سنن الترمذي ١ : ٣٣٢ ـ ٣٣٣ ـ ١٧٦ ، سنن البيهقي ٣ : ١٢٤ ، مسند احمد ٥ : ١٥٩ ، سنن النسائي ٢ : ٧٥ ، المعجم الصغير للطبراني ١ : ٢١٨.

٢٣

فروع :

أ : عن أحمد رواية أنه يصلّي خلف الفاسق جمعة ثم يعيدها (١).

وهو غلط ، لأنّها إن كانت مأمورا بها خرج عن العهدة بفعلها فلا إعادة ، وإلاّ فلا تصح الصلاة خلفه.

ب : لو كان السلطان جائرا ثم نصب عدلا استحب الاجتماع وانعقدت جمعة على الأقوى‌ ـ وسيأتي ـ ولا تجب ، لفوات الشرط وهو الإمام أو من نصبه.

وأطبق الجمهور على الوجوب.

ج : لو خفي فسقه ثم ظهر بعد الصلاة أجزأ‌ ، لأنّه مأمور بها فتقع مجزئة.

د : لا تصح الصلاة خلف الكافر بالإجماع‌ ، فلو ظهر كفره صحّت الصلاة ، للامتثال ، سواء كان الكفر ممّا لا يخفى كالتهوّد والتنصّر ، أو يخفى كالزندقة ، وبه قال المزني (٢).

وعند الشافعي تجب الإعادة في الأوّل ، لتفريطه (٣).

هـ : لو شك في إسلامه لم تنعقد الجمعة‌ ، لأنّ ظهور العدالة شرط ، وهو منتف مع الشك.

وقال بعض الجمهور : تصحّ ، عملا بالظاهر من أنه لا يتقدّم للإمامة إلاّ مسلم (٤).

و : الاختلاف في فروع الفقه ـ مع اعتقاد الحق ـ لا يمنع الإمامة‌ ، للإجماع على تعديل بعضهم بعضا وإن اختلفوا في المسائل الاجتهادية.

__________________

(١) المغني ٢ : ١٤٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٠٦.

(٢) المغني ٢ : ٣٤ ، المجموع ٤ : ٢٥١ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٧.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٤ ، المجموع ٤ : ٢٥١ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٦.

(٤) المغني ٢ : ٢٨ و ٣٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٤.

٢٤

ز : إذا اعتقد المجتهد شيئا من الفروع وفعل ضدّه ـ مع بقاء اعتقاده ـ قدح في عدالته ، وكذا المقلّد إذا أفتاه العالم ، أمّا لو عدل من عالم إلى أعلم أو مساو ، لم يقدح في العدالة.

مسألة ٣٨٥ : الإيمان شرط في الإمام في الجمعة وغيرها‌ إجماعا عندنا ، لأنّ غيره فاسق ، وقد بيّنا اشتراط العدالة.

وقال أحمد : تجب سواء كان من يقيمها سنّيا ، أو مبتدعا ، أو عدلا ، أو فاسقا. وسئل عن الصلاة خلف المعتزلة يوم الجمعة ، فقال : أما الجمعة فينبغي شهودها ، وإن كان الذي يصلّي منهم أعاد وإلاّ فلا (١).

وقال الشافعي : إذا صلّى خلف مبتدع ـ وهو كلّ من زاد في الدين ما ليس منه ، سواء كان قربة أو معصية ـ فإن كانت بدعته بزيادة طاعة تخالف (٢) المشروع ـ كما لو صلّى العيد في غير وقته ـ صحّت خلفه ، وإن كانت معصية ـ كالطعن في الصحابة ، أو خلل في معتقده ـ فإن أوجبت تكفيرا ، لم تصحّ خلفه ، وإلاّ صحّت (٣).

وعندنا أنه لا تجوز خلف المبتدع سواء أوجبت كفرا ، أو لا ، لأنّها توجب فسقا ، لقوله عليه‌السلام : ( كلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة في النار ) (٤).

مسألة ٣٨٦ : يشترط في الإمام طهارة المولد‌ عند علمائنا ، فلا تصحّ إمامة ولد الزنا ، لأنّها من المناصب الجليلة ، فلا تليق بحاله ، لنقصه. ولعدم انقياد القلوب إلى متابعته. ولأنّها رئاسة دينية فلا ينالها مثله ، لتكوّنه من المعصية الكبيرة.

__________________

(١) المغني ٢ : ١٤٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٠٥.

(٢) في نسخة « م » : بخلاف.

(٣) انظر : المجموع ٤ : ٢٥٣ ، وفتح العزيز ٤ : ٣٣١.

(٤) سنن النسائي ٣ : ١٨٩.

٢٥

وبعض علمائنا حكم بكفره (١). وليس بمعتمد.

ولأنّ رجلا لا يعرف أبوه أمّ قوما بالعقيق فنهاه عمر بن عبد العزيز (٢) ، ولم ينكر عليه أحد.

وقال الشافعي : تكره إمامته (٣) ، لحديث عمر بن عبد العزيز.

وقال أحمد : لا تكره (٤).

مسألة ٣٨٧ : اشترط أكثر علمائنا كون الإمام سليما من الجذام والبرص والعمى (٥) ، لقول الصادق عليه‌السلام : « خمسة لا يؤمّون الناس على كلّ حال : المجذوم والأبرص والمجنون وولد الزنا والأعرابي » (٦).

والأعمى لا يتمكن من الاحتراز عن النجاسات غالبا. ولأنه ناقص فلا يصلح لهذا المنصب الجليل.

وقال بعض أصحابنا المتأخرين : يجوز (٧).

واختلفت الشافعية في أنّ البصير أولى ، أو يتساويان على قولين (٨).

مسألة ٣٨٨ : إذا حضر إمام الأصل لم يؤمّ غيره إلاّ مع العذر‌ إجماعا ، لأنّ الإمامة متوقّفة على إذنه ، فليس لغيره التقدّم عليه ، وكذا نائب الإمام ، لأنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يحضر موضعا إلاّ أمّ بالناس ، وكذا خلفاؤه ،

__________________

(١) هو ابن إدريس في السرائر : ١٨٣ و ٢٤١ و ٢٨٧.

(٢) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٢١٦ ـ ٢١٧.

(٣) الام ١ : ١٦٦ ، المجموع ٤ : ٢٨٨ ، المغني ٢ : ٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٩ ، عمدة القارئ ٥ : ٢٢٦.

(٤) المغني ٢ : ٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٩ ، الإنصاف ٢ : ٢٧٤ ، كشاف القناع ١ : ٤٨٤.

(٥) منهم : الشيخ في المبسوط ١ : ١٥٥ ، وابن البراج في المهذب ١ : ٨٠ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٤٣ ، وابن حمزة في الوسيلة : ١٠٤.

(٦) الكافي ٣ : ٣٧٥ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ٢٦ ـ ٩٢ ، الاستبصار ١ : ٤٢٢ ـ ١٦٢٦.

(٧) كما ذكره المحقق في شرائع الإسلام ١ : ٩٧.

(٨) المجموع ٤ : ٢٨٦ ـ ٢٨٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٦ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٨ ـ ٣٢٩.

٢٦

والسرايا الذين بعثهم كان يصلّي بهم الأمير عليهم.

ولقول الباقر عليه‌السلام : « قال علي عليه‌السلام : إذا قدم الخليفة مصرا من الأمصار جمّع بالناس ليس ذلك لأحد غيره » (١).

ومع العذر يجوز أن يصلّي غيره ، ويشترط إذنه ، لما تقدّم.

مسألة ٣٨٩ : وهل للفقهاء المؤمنين حال الغيبة والتمكن من الاجتماع والخطبتين صلاة الجمعة؟

أطبق علماؤنا على عدم الوجوب ، لانتفاء الشرط ، وهو ظهور الإذن من الإمام عليه‌السلام.

واختلفوا في استحباب إقامة الجمعة ، فالمشهور ذلك ، لقول زرارة : حثّنا الصادق عليه‌السلام على صلاة الجمعة حتى ظننت أنه يريد أن نأتيه ، فقلت : نغدو عليك؟ فقال : « لا ، إنّما عنيت عندكم » (٢).

وقال الباقر عليه‌السلام لعبد الملك : « مثلك يهلك ولم يصلّ فريضة فرضها الله » قلت : كيف اصنع؟ قال : « صلّوا جماعة » يعني صلاة الجمعة (٣).

وقال الفضل بن عبد الملك : سمعت الصادق عليه‌السلام يقول : « إذا كان قوم في قرية صلّوا الجمعة أربع ركعات ، فإن كان لهم من يخطب جمّعوا إذا كانوا خمسة نفر ، وإنّما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين » (٤).

وقال سلاّر وابن إدريس : لا تجوز ، لأصالة الأربع ، فلا تسقط إلاّ بدليل (٥).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٣ ـ ٨١.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٣٩ ـ ٦٣٥ ، الاستبصار ١ : ٤٢٠ ـ ١٦١٥.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٣٩ ـ ٦٣٨ ، الاستبصار ١ : ٤٢٠ ـ ١٦١٦.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٣٨ ـ ٢٣٩ ـ ٦٣٤ ، الاستبصار ١ : ٤٢٠ ـ ١٦١٤.

(٥) المراسم : ٢٦١ ، السرائر : ٦٦.

٢٧

والأخبار السابقة متأولة ، لأنّ قول الصادق عليه‌السلام لزرارة ، وقول الباقر عليه‌السلام لعبد الملك إذن لهما فيها ، فيكون الشرط قد حصل.

وقول الصادق عليه‌السلام : « فإن كان لهم من يخطب » محمول على الإمام أو نائبه.

ولأنّ شرط الوجوب الإمام أو نائبه إجماعا ، فكذا هو شرط في الجواز.

مسألة ٣٩٠ : يجوز أن يكون الإمام مسافرا‌ ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي (١) ـ لأنّه رجل تصح منه الجمعة ، فجاز أن يكون إماما كالحاضر.

وقال أحمد بن حنبل : لا يجوز ، لأنّه ليس من أهل فرض الجمعة ، فلا يجوز أن يكون إماما كالمرأة (٢).

والفرق ظاهر ، فإنّ المرأة لا تصح أن تكون إماما للرجل في حال من الأحوال ، والمسافر لو نوى الإقامة صحّ أن يكون إماما إجماعا.

مسألة ٣٩١ : لو أحدث الإمام في صلاة الجمعة أو غيرها ، أو خرج بسبب آخر ، جاز أن يستخلف غيره‌ ليتمّ بهم الصلاة ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال مالك والثوري والشافعي في الجديد ، وأحمد وإسحاق وأبو ثور (٣) ـ لأن أبا بكر كان يصلّي بالناس في مرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من يصلّي بالناس؟ ) فقيل :

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ٢ : ٢٥ ، اللباب ١ : ١١٢ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٨٤ ، المدونة الكبرى ١ : ١٥٨ ، المنتقى للباجي ١ : ١٩٦ ، المغني ٢ : ١٩٦ ، الشرح الكبير ٢ : ١٥٥ ، المحلّى ٥ : ٥١ ، المجموع ٤ : ٢٤٨ و ٢٥٠ ، الوجيز ١ : ٦٢ ، فتح العزيز ٤ : ٥٤٠ ، السراج الوهاج : ٨٦ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٤.

(٢) المغني ٢ : ١٩٦ ، الشرح الكبير ٢ : ١٥٥ ، المجموع ٤ : ٢٥٠ ، فتح العزيز ٤ : ٥٤١ ، الإنصاف ٢ : ٣٦٨.

(٣) بلغة السالك ١ : ١٦٧ ، الشرح الصغير ١ : ١٦٦ ، الام ١ : ٢٠٧ ، المجموع ٤ : ٢٤٢ و ٢٤٥ و ٥٧٨ ، فتح العزيز ٤ : ٥٥٤ ـ ٥٥٥ و ٥٥٧ ، حلية العلماء ٢ : ٢٤٨ ، المغني ١ : ٧٧٩.

٢٨

أبو بكر ، فخرج يتهادى بين اثنين ، فدخل المسجد وأبو بكر يصلّي بالناس ، فمنعه من إتمام الإمامة بهم ، وتقدّم فصلّى بهم وتأخّر أبو بكر (١). فصارت الصلاة بإمامين على التعاقب.

ومن طريق الخاصة : قول علي عليه‌السلام : « من وجد أذى فليأخذ بيد رجل فليقدّمه » (٢) يعني إذا كان إماما.

ولأن صلاة المأموم لا تبطل ببطلان صلاة الإمام ، فإذا قدّم من يصلح للإمامة كان كما لو أتمّها ، ولا ينفك المأموم من الجماعة والعمل بالفضيلة فيها.

وقال الشافعي في القديم : لا يجوز الاستخلاف (٣) ، لما رووا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه صلّى بأصحابه ، فلمّا أحرم بالصلاة ذكر أنه جنب ، فقال لأصحابه : ( كما أنتم ) ومضى ورجع ورأسه يقطر ماء ، ولم يستخلف (٤). فلو كان سائغا لفعله.

وهذا عندنا ممتنع ، لما بيّنا غير مرة من استحالة السهو على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وللشافعي قول آخر : جوازه في غير الجمعة لا فيها (٥).

فروع :

أ : لا فرق في جواز الاستخلاف بين ما إذا أحدث الإمام بعد الخطبتين قبل التحريم وبعدها‌ ، فإذا استخلف صلّى بهم من غير خطبة ، لخروج العهدة عنها بفعلها أوّلا.

__________________

(١) مسند أحمد ١ : ٢٠٩ ، سنن أبي داود ١ : ٢٤٧ ـ ٩٤٠ بتفاوت.

(٢) الكافي ٣ : ٣٦٦ ـ ١١ ، التهذيب ٢ : ٣٢٥ ـ ١٣٣١ ، الاستبصار ١ : ٤٠٤ ـ ١٩٤٠.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٤ ، المجموع ٤ : ٥٧٨ ، فتح العزيز ٤ : ٥٥٤ ، حلية العلماء ٢ : ٢٤٨ ، السراج الوهاج : ٩٠.

(٤) صحيح البخاري ١ : ٧٧ ، سنن أبي داود ١ : ٦٠ ـ ٦١ ـ ٢٣٣ ـ ٢٣٥ ـ سنن ابن ماجة ١ : ٣٨٥ ـ ١٢٢٠ ، مسند أحمد ١ : ٨٨ و ٩٩ ، ترتيب مسند الشافعي ١ : ١١٤ ـ ٣٤١.

(٥) انظر : فتح العزيز ٤ : ٥٥٥.

٢٩

وقال الشافعي : على تقدير جوازه يجوز ، وعلى تقدير عدمه لا يجوز أن يصلّي غيره بهم الجمعة ، لأنّ الخطبتين تقوم مقام ركعتين فيخطب بهم غيره ويصلّي ، فإن لم يتّسع الوقت ، صلّى بهم الظهر أربعا (١).

ب : لو أحدث بعد التحريم استخلف عندنا‌ ، وأتمّوها جمعة قطعا ، وبه قال الشافعي على تقدير الجواز ، وعلى تقدير العدم لا يجوز ، فيصلّي المأمومون فرادى ركعتين.

وعنه آخر : إن كان بعد أن صلّى ركعة أتموها جمعة ركعتين ، وإن كان أقل من ركعة صلّوا ظهرا أربعا (٢).

ج : يجب أن يستخلف من هو بشرائط الإمامة ، فلو استخلف امرأة لإمامة الرجال فهو لغو ، فلا تبطل صلاتهم إذا لم يقتدوا بها ، وبه قال الشافعي (٣).

وقال أبو حنيفة : تبطل الصلاة بالاستخلاف صلاتهم وصلاتها (٤).

د : لا يشترط في المستخلف كونه قد سمع الخطبة ، أو أحرم مع الإمام‌ ، سواء أحدث الإمام في الركعة الأولى أو الثانية قبل الركوع ، للأصل.

ولقول معاوية بن عمّار : سألت الصادق عليه‌السلام ، عن رجل يأتي المسجد وهم في الصلاة وقد سبقه الإمام بركعة أو أكثر ، فينفتل الإمام فيأخذ بيده ويكون أدنى القوم إليه فيقدّمه ، فقال : « يتمّ القوم الصلاة ، ثم يجلس حتى إذا فرغوا من التشهّد أومأ بيده إليهم عن اليمين والشمال ، وكان الذي أومأ إليهم بيده التسليم وانقضاء صلاتهم ، وأتمّ هو ما كان فاته إن بقي عليه » (٥).

__________________

(١) فتح العزيز ٤ : ٥٦١ ـ ٥٦٢.

(٢) المجموع ٤ : ٥٧٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢٤.

(٣) المجموع ٤ : ٢٤٣ ، فتح العزيز ٤ : ٥٥٥.

(٤) المبسوط للسرخسي ١ : ١٨٠ ، فتح العزيز ٤ : ٥٥٥.

(٥) الكافي ٣ : ٣٨٢ ـ ٧ ، التهذيب ٣ : ٤١ ـ ١٤٤ ، الاستبصار ١ : ٤٣٣ ـ ١٦٧٢ ، الفقيه ١ :

٣٠

وقال الشافعي : إن استخلف بعد الخطبة قبل أن يحرم بالصلاة ، جاز أن يستخلف من حضرها وسمعها ، لأنّه ثبت له حكمها بسماعه إيّاها ، ولهذا لو بدر أربعون ممّن سمع الخطبة فعقدوها ، صحّت ، ولو صلّى أربعون ممّن لم يسمعها ، لم تنعقد بهم ، ولا يجوز أن يستخلف من لم يسمعها.

وإن أحدث بعد التحريم ، فإن كان في الركعة الأولى جاز أن يستخلف من أحرم معه قبل حدثه ، سواء كان دخل معه قبل الركوع أو بعده ـ وإن لم يكن سمع الخطبة ـ لأنّه بدخوله معه في الصلاة ثبت له حكمها.

ولا يجوز أن يستخلف من لم يدخل معه ، لأنه يكون مبتدئا للجمعة ، ولا يجوز عقد جمعة بعد جمعة ، بخلاف المسبوق ، لأنه متبع لا مبتدئ.

وإن أحدث في الثانية ، جاز أن يستخلف من دخل معه قبل الركوع أو فيه ، ويتمّون معه الجمعة.

وهل يتمّ هو الجمعة أو الظهر؟ قال أكثر أصحابه : بالأول. وهو جيّد عندنا ، لأنه أدرك الجمعة بإدراكه راكعا.

وإن استخلف من دخل معه بعد الركوع ، قال أكثر أصحابه : لا يجوز ، لأنّ فرضه الظهر ، فلا يجوز أن يكون إماما في الجمعة.

وقال بعضهم : يجوز ، كالمسبوق والمسافر يأتمّ بالمقيم (١).

وعندي في ذلك تردّد ، وكذا التردّد لو استناب من يبتدئ بالظهر.

هـ : لو أحدث في الأولى فاستخلف من قد أحرم معه صحّ ، ثم صلّى المستخلف لهم الثانية ، فلمّا قام أحدث واستخلف من أدرك الركعة الثانية صلّى المستخلف الثاني ركعة ، وأشار إليهم أن يسلّم بهم أحدهم ، وقام هو فأتمّها جمعة ، لأنه أدرك ركعة من جمعة صحيحة.

__________________

٢٥٨ / ١١٧١.

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٤ ، المجموع ٤ : ٥٧٩ ـ ٥٨٢ ، حلية العلماء ٢ : ٢٤٩.

٣١

وقال الشافعي : يتمّها ظهرا ، لأنّ للمأمومين اتّباعه ، فلا يمكن بناء حكمه على حكمهم ، ولا يمكن أن يبني حكمه على حكم الإمام الأول ، لأنّه ما تمّت له الجمعة ، فلا وجه لإتيان حكم الجمعة في حقّه. وهو ممنوع.

ثم قال : لو جاء مسبوق آخر واقتدى بهذا المسبوق ، وقلنا : إنّ المحسوب له ركعة من الظهر ، فيحسب للمقتدي به ركعة من الجمعة ، لأنّه في حق المأمومين يتنزّل منزلة إمامه (١).

و : لو لم يستنب الإمام أو مات أو أغمي عليه ، فإن كان بعد ركعة استناب المأمومون وقدّموا من يتمّ بهم الصلاة ، وللواحد منهم أن يتقدّم ، بل هو أولى ، لأنّ الإمام قد خرج والمأمومون في الصلاة. وبه قال الشافعي (٢).

وفيه إشكال ينشأ من اشتراط الإمام أو إذنه عندنا ، ومن كونها جمعة انعقدت صحيحة ، فيجب إكمالها.

والإذن شرط في الابتداء لا في الإكمال. فإن قلنا بالأول احتمل أن يتمّوها جمعة فرادى كما لو ماتوا إلاّ واحدا ، وأن يتمّوها ظهرا ، لعدم الشرط وهو الجماعة مع التعدّد.

وإن كان في الأولى قبل الركوع ، احتمل إتمامها ظهرا ، إذ لم يدرك أحد منهم ركعة ، فلم يدركوا الصلاة ، وجمعة ، لانعقادها صحيحة ، فتكمل كما لو بقي الإمام. وكلا الوجهين للشافعي (٣).

ز : لا فرق في جواز الاستخلاف بين أن يحدث الإمام عمدا أو سهوا‌ ـ وبه قال الشافعي (٤) ـ لما بيّنّا من أنّ بطلان صلاة الإمام لا يقتضي بطلان صلاة المأموم.

__________________

(١) انظر المجموع ٤ : ٥٨١ ـ ٥٨٢ ، وفتح العزيز ٤ : ٥٥٩ و ٥٦٠.

(٢) المجموع ٤ : ٥٨٣ ، فتح العزيز ٤ : ٥٦١.

(٣) المجموع ٤ : ٥٧٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢٤.

(٤) المجموع ٤ : ٥٧٨ ، الوجيز ١ : ٦٢ ، فتح العزيز ٤ : ٥٥٧.

٣٢

وقال أبو حنيفة : إن تعمّد بطلت صلاتهم كلّهم (١).

ح : الأقرب وجوب اتّحاد الإمام والخطيب إلاّ لعذر‌ ، كالحدث وشبهه ، لأنّ العادة قاضية بأنّ المتولّي لهما واحد من زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الآن.

ويحتمل عدمه ، لجواز تعدّد الأئمة في صلب الصلاة في المحدث فجاز في غيره.

ط : لو استناب لم يجب على المأمومين استئناف نية القدوة ، لأنّه خليفة الأول ، والغرض من الاستخلاف تنزيل الخليفة منزلة الأول وإدامة الجماعة.

وهو أحد وجهي الشافعية (٢).

وفيه إشكال ينشأ من وجوب تعين الإمام فيجب استئناف نية القدوة.

وفي الآخر : يشترط ، لأنّهم انفردوا بخروج الإمام من الصلاة (٣).

وكذا لو لم يستنب الإمام وقدّم المأمومون إماما.

ي : لو مات الإمام فاستناب المأمومون ، لم تبطل صلاة المتلبّس‌ وأتمّ جمعة ، أمّا غيره فيصلّي الظهر ، ويحتمل الدخول معهم ، لأنّها جمعة مشروعة.

البحث الثالث : العدد‌

مسألة ٣٩٢ : العدد شرط بإجماع العلماء كافة‌ ، لأنّ تسميتها جمعة من الاجتماع المستلزم للتكثير ، ولأنّ الإمام شرط ولا يتحقّق مسمّاه إلاّ بالمأموم.

__________________

(١) بدائع الصنائع ١ : ٢٢٦ ، فتح العزيز ٤ : ٥٥٧.

(٢) المجموع ٤ : ٥٨٢ ، الوجيز ١ : ٦٢ ، فتح العزيز ٤ : ٥٦٠.

(٣) المجموع ٤ : ٥٨٢ ، فتح العزيز ٤ : ٥٦٠.

٣٣

واختلفوا في أقلّ عدد تجب معه الجمعة ، فقال بعض علمائنا : أقلّه خمسة نفر الإمام أحدهم ، لأنّ الخطاب متوجّه بصيغة الجمع ، وأقلّ عدد يحتمله حقيقة الثلاثة ، وإنّما أوجب عند النداء الحاصل من الغير فيثبت رابع ، وإنّما يجب السعي عند النداء مع حصول الشرائط التي من جملتها الإمام فيجب الخامس (١).

ولأنّها إنّما تجب على المقيمين ، والاستيطان مع الاجتماع مظنّة التنازع ، فلا بدّ من حاكم يفصل بين المتنازعين فوجب الثالث.

ثم لمّا كانت الحوادث والعوائق تعتور الإنسان وجب أن يكون للحاكم نائب يقوم مقامه لو عرض له حادث يمنعه عن فصل المتنازعين فوجب الرابع.

ثم لمّا كان الاجتماع مظنة التنازع المفضي إلى الافتراء احتيج إلى من يستوفي الحدود بإذن الحاكم مباشرة فوجب الخامس.

فثبت أنّ الأمور الضرورية لا بدّ فيها من حصول خمسة نفر.

ولقول الباقر عليه‌السلام : « لا تكون الخطبة والجمعة وصلاة ركعتين على أقلّ من خمسة رهط : الإمام وأربعة » (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : « يجمّع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زادوا ، فإن كانوا أقلّ من خمسة فلا جمعة » (٣).

وقال الشيخ : سبعة نفر ، أحدهم : الإمام (٤) ، لافتقار الاستيطان إلى متنازعين وشاهدين ، وحاكم ، ونائبه ، ومستوفي الحدود.

ولقول الباقر عليه‌السلام : « تجب الجمعة على سبعة ولا تجب على‌

__________________

(١) هو المحقق في المعتبر : ٢٠٢.

(٢) الكافي ٣ : ٤١٩ ـ ٤ ، التهذيب ٣ : ٢٤٠ ـ ٦٤٠ ، الاستبصار ١ : ٤١٩ ـ ١٦١٢.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٣٩ ـ ٦٣٦ ، الاستبصار ١ : ٤١٩ ـ ١٦١٠.

(٤) الخلاف ١ : ٥٩٨ المسألة ٣٥٩ ، النهاية : ١٠٣ ، المبسوط للطوسي ١ : ١٤٣.

٣٤

أقلّ منهم » (١).

وحمل ما تقدّم من الروايتين على استحبابها للخمسة (٢).

ولا ضرورة إلى الشاهدين ، والرواية ليست ناصّة على المطلوب ، لأنّ أقلّ من السبعة قد يكون أقلّ من الخمسة ، فيحمل عليه جمعا بين الأدلّة ، ولأنّ روايتنا أكثر رواة وأقرب إلى مطابقة القرآن ، ولأنّ الخيار مع الخمسة يستلزم الوجوب ، لقوله تعالى ( فَاسْعَوْا ) (٣).

وقال الشافعي : لا تنعقد بأقلّ من أربعين رجلا على الشرائط الآتية ، وهل الإمام أحدهم؟ وجهان ـ وبه قال عمر بن عبد العزيز ومالك وأحمد ـ لقول جابر بن عبد الله : مضت السنّة أنّ في كلّ أربعين فما فوقها جمعة (٤). وقول الصحابي : مضت السنّة ، كقوله : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥).

وتعليق الحكم على العدد لا يقتضي نفيه عمّا هو أقلّ أو أكثر.

ونمنع مساواة ( مضت السنّة ) لقوله : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقال أحمد في رواية : لا تنعقد إلاّ بخمسين ، لقوله عليه‌السلام : ( تجب الجمعة على خمسين رجلا ) (٦).

ودلالة المفهوم ضعيفة.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦٧ ـ ١٢٢٢ ، التهذيب ٣ : ٢٠ ـ ٧٥ ، الإستبصار ١ : ٤١٨ ـ ١٦٠٨.

(٢) الاستبصار ١ : ٤١٩ ذيل الحديث ١٦٠٩.

(٣) الجمعة : ٩.

(٤) سنن الدار قطني ٢ : ٣ ـ ٤ ـ ١ ، سنن البيهقي ٣ : ١٧٧.

(٥) المغني ٢ : ١٧٢ و ١٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ١٧٤ و ١٧٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٧ ، المجموع ٤ : ٥٠٢ و ٥٠٣ ، فتح العزيز ٤ : ٥١٠ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٠.

(٦) المغني ٢ : ١٧٢ ، الشرح الكبير ٢ : ١٧٤ ، وراجع سنن الدار قطني ٢ : ٤ ـ ٢ و ٣.

٣٥

وقال أبو حنيفة والثوري ومحمد : تنعقد بأربعة ، أحدهم : الإمام ، لأنّ الأربعة عدد يزيد على أقلّ الجمع المطلق ، فجاز عقد الجمعة به كالأربعين (١).

ونمنع العلّية.

وقال الأوزاعي وأبو يوسف : تنعقد بثلاثة ، لعموم الأمر (٢).

وقد بيّنّا خصوصه.

وقال ربيعة : تنعقد باثني عشر رجلا ، لأنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتب إلى مصعب بن عمير قبل الهجرة ، وكان مصعب بالمدينة ، فأمره أن يصلّي الجمعة بعد الزوال ركعتين ، وأن يخطب قبلها ، فجمّع مصعب في بيت سعد ابن خيثمة باثني عشر رجلا (٣).

وهو حجّة على الشافعي لا علينا.

وقال الحسن بن صالح بن حيّ : تنعقد باثنين ، لأنّ كلّ عدد انعقدت به الجماعة انعقدت به الجمعة كالأربعين (٤).

وهو غلط ، لأنّ الأمر بصيغة الجمع فلا يتناول الاثنين.

مسألة ٣٩٣ : يشترط في العدد أمور :

الأول : أن يكونوا ذكورا إجماعا ، فلا تنعقد بالنساء ، ولا بالرجال إذا تكمّل العدد بامرأة ، ولا خنثى مشكل ، وتنعقد بالخنثى الملحق بالرجال.

الثاني : يشترط : أن يكونوا مكلّفين ، فلا تنعقد بالصبي وإن كان مميزا ،

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ٢ : ٢٤ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٨٣ ، المجموع ٤ : ٥٠٤ ، فتح العزيز ٤ : ٥١٠ ، المغني ٢ : ١٧٢ ، الشرح الكبير ٢ : ١٧٥ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٠.

(٢) المبسوط للسرخسي ٢ : ٢٤ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٨٣ ، المجموع ٤ : ٥٠٤ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٠ ، المغني ٢ : ١٧٢.

(٣) المجموع ٤ : ٥٠٤ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٠ ، المغني ٢ : ١٧٢ ، الشرح الكبير ٢ : ١٧٥.

(٤) المجموع ٤ : ٥٠٤ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٠.

٣٦

ولا بالمجنون وإن كان يعتوره ، إلاّ أن يكون حال الإقامة مفيقا.

الثالث : هل يشترط الحرية؟ للشيخ قولان :

الاشتراط ، فلا تنعقد بالعبد قنّا كان أو مدبّرا أو مكاتبا أو أمّ ولد ـ وهو قول الشافعي وأحمد (١) لأن الجمعة إنّما تصح منه تبعا لغيره ، فلو انعقدت به صار التبع متبوعا ، ولأنه لو انعقدت به ، لانعقدت بجماعتهم منفردين كالأحرار (٢).

والثاني : عدمه ـ وبه قال أبو حنيفة (٣) ـ لأنّه رجل تصح منه الجمعة فانعقدت به كالحر (٤).

الرابع : وهل يشترط الحضر؟ قولان للشيخ : الاشتراط (٥) ـ وبه قال الشافعي (٦) ـ فلا تنعقد بالمسافر ، لما تقدّم في العبد. وعدمه (٧) ـ وبه قال أبو حنيفة (٨) ـ لما تقدّم.

الخامس : لا يشترط الصحة ، ولا زوال الموانع من المطر والخوف ، فلو حضر المريض أو المحبوس بعذر المطر أو الخوف وجبت عليهم ، وانعقدت‌

__________________

(١) الام ١ : ١٩١ ، مختصر المزني : ٢٦ ، المجموع ٤ : ٥٠٥ ، فتح العزيز ٤ : ٥١٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٧ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٢ ، السراج الوهاج : ٨٦ ، المغني ٢ : ١٩٦ ، الشرح الكبير ٢ : ١٥٥.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ١٤٣.

(٣) المبسوط للسرخسي ٢ : ٢٥ ، شرح العناية ٢ : ٣١ ، اللباب ١ : ١١٢ ، المغني ٢ : ١٩٦ ، الشرح الكبير ٢ : ١٥٥.

(٤) الخلاف ١ : ٦١٠ مسألة ٣٧٥.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ١٤٣.

(٦) الام ١ : ١٩١ ، مختصر المزني : ٢٦ ، المجموع ٤ : ٥٠٢ ، فتح العزيز ٤ : ٥١٢ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٧ ، السراج الوهاج : ٨٦ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٢٥.

(٧) الخلاف ١ : ٦١٠ مسألة ٣٧٥.

(٨) المبسوط للسرخسي ٢ : ٢٥ ، اللباب ١ : ١١٢ ، المغني ٢ : ١٩٦ ، الشرح الكبير ٢ : ١٥٥.

٣٧

به إجماعا ـ إلاّ في قول بعيد للشافعي : إنّها لا تنعقد بالمريض كالمسافر (١) ـ لأنّ سقوطها عنهم لمشقّة السعي ، فإذا تكلّفوه ، زالت المشقة ، فزال مانع الوجوب والانعقاد به ، فيثبتان.

السادس : لا يشترط مغايرة الإمام للعدد ، وقد تقدّم (٢). وللشافعي قولان (٣).

السابع : يشترط الإسلام ، لعدم انعقادها بالكافر إجماعا ، ولا تشترط العدالة ، فتنعقد بالفاسق إجماعا.

الثامن : يشترط عدم العلم بحدث أحدهم ، فلو أحدث أحدهم مع العلم به والعدد يتمّ به ، لم تنعقد به ما لم يتطهّر ، ولو لم يعلم صحّت الجمعة للمتطهّرين.

وكذا لو ظهر حدث أحدهم وكان جاهلا به ، كما لو وجد بعد الجمعة جنابة على ثوبه المختص به ، فإنّ الجمعة قد صحّت لغيره ، ويقضي هو الظهر.

مسألة ٣٩٤ : قال الشيخ : أقسام الناس في الجمعة خمسة :

من تجب عليه وتنعقد به وهو : الذكر ، الحرّ ، البالغ ، العاقل ، الصحيح ، السليم من العمى والعرج والشيخوخة التي لا حراك معها ، الحاضر أو من هو بحكمه.

ومن لا تجب عليه ولا تنعقد به وهو : الصبي والمجنون والعبد والمسافر والمرأة. لكن يجوز لهم فعلها ، إلاّ المجنون.

__________________

(١) المجموع ٤ : ٥٠٣ ، فتح العزيز ٤ : ٥١٥ ـ ٥١٦ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٣ ، السراج الوهاج : ٨٦.

(٢) تقدم في أول البحث الثالث.

(٣) المجموع ٤ : ٥٠٢ ـ ٥٠٣ ، الوجيز ١ : ٦١ ، فتح العزيز ٤ : ٥١٦ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٣ ، السراج الوهاج : ٨٦.

٣٨

ومن تنعقد به ولا تجب عليه وهو : المريض والأعمى والأعرج ومن كان على رأس أكثر من فرسخين.

ومن تجب عليه ولا تنعقد به وهو : الكافر ، لأنّه مخاطب بالفروع عندنا.

ومختلف فيه وهو : من كان مقيما في بلد من طلاّب العلم والتجّار ولمّا يستوطنه ، بل متى قضى وطره خرج ، فإنّها تجب عليه وتنعقد به عندنا ، وعندهم خلاف (١).

مسألة ٣٩٥ : لا يشترط بقاء العدد مدة الصلاة‌ ، فلو انعقدت بهم ثم انفضّوا أو ماتوا ـ إلاّ الإمام بعد الإحرام ـ لم تبطل الجمعة ، بل يتمّها جمعة ركعتين.

وحكى المزني عن الشافعي خمسة أقوال :

أحدها : هذا ـ وبه قال أبو يوسف ومحمّد (٢) ـ لأنّها انعقدت فوجب الإتمام ، لتحقّق شرط الوجوب. واشتراط الاستدامة منفي (٣) بالأصل ، ولا يلزم من اشتراط الابتداء بشي‌ء اشتراط استدامته به ، كعدم الماء في حق المتيمم.

الثاني ـ وهو الأصح عندهم ـ : أنّ العدد شرط في الاستدامة ، كما في الابتداء ، فلو نقص واحد قبل التسليم بطلت جمعة ويتمّها ظهرا ـ وبه قال أحمد (٤) ـ لأنه شرط في الجمعة يختص بها ، يعتبر في ابتدائها فيعتبر في استدامتها كالوقت.

__________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ١٤٣ ـ ١٤٤.

(٢) الهداية للمرغيناني ١ : ٨٣ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٦٧ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣١.

(٣) في « ش » والطبعة الحجرية : ينتفى.

(٤) المغني ٢ : ١٧٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١٧٦ ، فتح العزيز ٤ : ٥٢٨ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣١.

٣٩

والأصل ممنوع على ما تقدّم.

الثالث : إن بقي معه اثنان أتمّها جمعة ، لأنّه بقي عدد تنعقد به الجماعة واختلف في انعقاد الجمعة به ، فلم يبطلها بعد انعقادها.

الرابع : إن بقي معه واحد أتمّها جمعة ، لذلك أيضا.

الخامس : إن انفضّوا بعد ما صلّوا ركعة بسجدتيها أتمّها جمعة. واختاره المزني ـ وهو قول مالك (١) ـ لقوله عليه‌السلام : ( من أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها أخرى ) (٢).

ولا بأس بهذا القول عندي.

وقال أبو حنيفة : إن انفضّوا بعد ما صلّى ركعة بسجدة واحدة أتمّها جمعة وإلاّ فلا ، لأنّه أدرك معظم الركعة من الجمعة فاحتسبت له الجمعة ، كالمسبوق يدرك الركوع (٣).

وينتقض بمن أدرك القيام والقراءة والركوع ، فإنّه يدرك معظمها ولا يتمّ جمعة.

فروع :

أ : لا اعتبار بانفضاض الزائد على العدد‌ مع بقاء العدد إجماعا.

ب : لو انعقدت بالعدد فحضر مساويه‌ وأدركوا ركوع الثانية ثم انفضّ الأولون صحّت الجمعة وإن فاتهم أول الصلاة ، لأنّ العقد والعدد موجود فكان له الإتمام.

__________________

(١) حلية العلماء ٢ : ٢٣١ ، فتح العزيز ٤ : ٥٣٢.

(٢) سنن الدار قطني ٢ : ١٠ ـ ١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٥٦ ـ ١١٢١ ، المستدرك للحاكم ١ : ٢٩١ ، وراجع : المهذب للشيرازي ١ : ١١٧ ، المجموع ٤ : ٥٠٦ ـ ٥٠٧ ، فتح العزيز ٤ : ٥٢٨ و ٥٣١ ـ ٥٣٤ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣١.

(٣) بدائع الصنائع ١ : ٢٦٦ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٨٣ ، الجامع الصغير للشيباني : ١١٢ ، شرح العناية ٢ : ٣١ ، فتح العزيز ٤ : ٥٣٢ ، المغني ٢ : ١٧٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١٧٦.

٤٠