تذكرة الفقهاء - ج ٤

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٤

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: ٤٧٨

فروع :

أ : يكره أن يستنيب المسبوق ، لقول الصادق عليه‌السلام : « إذا أحدث الإمام وهو في الصلاة فلا ينبغي له أن يقدّم إلاّ من شهد الإقامة » (١).

ويجوز أن يستنيب المنفرد والسابق ، فإن استنابه ، جاز أن يستنيب ثانيا.

ب : لا فرق في جواز الاستخلاف بين أن يكون الإمام قد سبقه الحدث أو أحدث عمدا.

وقال أبو حنيفة : إن سبقه ، جاز أن يستخلف ، وإن تعمّد ، لم يجز وأتمّوا منفردين (٢). بناء على أصله من أنّ سبق الحدث لا يبطل الصلاة ، فإذا بقي حكمها ، بقي حكمها على الجماعة في جواز الاستخلاف.

ج : استخلاف الإمام ليس بشرط ، فلو تقدّم بعض المأمومين بنفسه وأتمّ الصلاة ، جاز ، وبه قال الشافعي (٣).

وقال أبو حنيفة : لا بدّ من الاستخلاف ، فإن تقدّم بنفسه ، لم يجز أن يصلّوا معه (٤).

د : لو استخلف اثنين حتى يصلّي مع كلّ واحد منهما بعض الناس ، جاز‌ في غير الجمعة.

مسألة ٥٩٤ : ما يدركه المسبوق مع الإمام يكون أول صلاته‌ وإن كان آخر صلاة الإمام ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال علي عليه‌السلام ،

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٤٢ ـ ١٤٦ ، الإستبصار ١ : ٤٣٤ ـ ١٦٧٤.

(٢) بدائع الصنائع ١ : ٢٢٦.

(٣) الام ١ : ١٧٥ ، المجموع ٤ : ٢٤٤.

(٤) بدائع الصنائع ١ : ٢٢٦ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٩.

٣٢١

وعمر وأبو الدرداء والشافعي والأوزاعي وإسحاق ، واختاره ابن المنذر (١) ـ لقول علي عليه‌السلام : « يجعل ما أدرك مع الإمام من الصلاة أوّلها » (٢).

ومن طريق الخاصة : قول الباقر عليه‌السلام : « إذا أدرك الرجل بعض الصلاة جعل أول ما أدرك أول صلاته ، إذا أدرك من الظهر أو العصر ركعتين ، قرأ فيما أدرك مع الإمام مع نفسه أمّ الكتاب وسورة ، فإن لم يدرك السورة تامّة ، أجزأته أمّ الكتاب ، فإذا سلّم الإمام فصلّى ركعتين لا يقرأ فيهما ، لأنّ الصلاة إنّما يقرأ فيها في الأوّلتين » (٣).

ولأنّها ركعة مفتتحة بالإحرام فكانت أول صلاته كالمنفرد.

وللإجماع على أنّه إذا أدرك ركعة في المغرب صلّى أخرى ، وجلس للتشهّد ، فدلّ على أنّها أول صلاته.

وقال الثوري : يكون آخر صلاته ـ وبه قال أحمد وأصحاب الرأي ، وهو المشهور عن مالك ـ لقوله عليه‌السلام : ( ما أدركتم فصلّوا وما فاتكم فاقضوا ) (٤) (٥).

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٢ ، المجموع ٤ : ٢٢٠ ، الام ١ : ١٧٨ ، فتح العزيز ٤ : ٤٢٧ ، حلية العلماء ٢ : ١٥٩ ، المغني ٢ : ٢٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ١١ ، وسنن البيهقي ٢ : ٢٩٩.

(٢) سنن البيهقي ٢ : ٢٩٨ و ٢٩٩ ، ونحوه في التهذيب ٣ : ٤٦ ـ ١٦١ ، والاستبصار ١ : ٤٣٧ ـ ١٦٨٥.

(٣) المعتبر : ٢٤٦ ، وبتفاوت في الفقيه ١ : ٢٥٦ ـ ١١٦٢ ، والتهذيب ٣ : ٤٥ ـ ١٥٨ ، والاستبصار ١ : ٤٣٦ ـ ١٦٨٣.

(٤) مسند أحمد ٢ : ٢٣٨ و ٢٧٠ و ٣١٨ ، سنن النسائي ٢ : ١١٤ ـ ١١٥ ، سنن البيهقي ٣ : ٩٣.

(٥) المغني ٢ : ٢٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ١١ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٩٠ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٤٨ ، المجموع ٤ : ٢٢٠ ، فتح العزيز ٤ : ٤٢٧ ، حلية العلماء ٢ : ١٥٩ ، الميزان للشعراني ١ : ١٧٣ ـ ١٧٤.

٣٢٢

والمروي : ( فأتمّوا ) (١) على أنّ معناه : وما أدركتموه فتابعوه فيه ، وما فاتكم فافعلوه ، وحقيقة القضاء ما فعل بعد خروج وقته ، وإنّما عبّر به عن الفعل.

فروع :

أ : إذا أدرك الأخيرتين من الرباعية ، استحب له أن يقرأ ـ لما يأتي ـ لا واجبا ، لأنّ القراءة تسقط عن المأموم ويقرأ الفاتحة في اخرييه لا غير ، لأنّهما أخريان.

والشافعي وإن وافقنا على أنّهما أخريان ، إلاّ أنّه قال : يقرأ فيهما بالفاتحة وسورة (٢).

واختلف أصحابه في علّة ذلك ، فقال بعضهم : إنّ السورة لم يقرأها في الأوليين ، ولا أدرك قراءة الإمام بها ، فاستحب له أن يأتي بها ، لتحصل له فضيلتها.

وقال بعضهم : إنّما قال ذلك بناء على القول باستحباب السورة في جميع الركعات (٣).

ب : يجب الإسرار في المأتي بها بعد مفارقة الإمام ، لأنّهما أخريان ، وهو أحد قولي الشافعي لكن لا وجوبا ، وفي الآخر : يجهر ليدرك ما فاته من الجهر (٤).

ج : الأجود : أنّه يتخيّر في الأخيرتين بين القراءة والتسبيح وإن كان‌

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٤٢٠ ـ ٦٠٢ ، صحيح البخاري ١ : ١٦٣ ـ ١٦٤ ، سنن أبي داود ١ : ١٥٦ ـ ٥٧٢ ، سنن الدارمي ١ : ٢٩٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٥٥ ـ ٧٧٥ ، سنن الترمذي ٢ : ١٤٩ ـ ٣٢٧ ، مسند أحمد ٢ : ٢٣٩ و ٢٧٠ و ٤٥٢.

(٢) الام ١ : ١٧٨ ، المجموع ٣ : ٣٨٧ و ٤ : ٢٢٠ ، فتح العزيز ٤ : ٤٢٧ ، حلية العلماء ٢ : ١٥٩.

(٣) المجموع ٣ : ٣٨٧ و ٣٨٨ و ٤ : ٢٢٠ ، فتح العزيز ٤ : ٤٢٧ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٠.

(٤) المجموع ٣ : ٣٨٨ و ٤ : ٢٢٠ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٠.

٣٢٣

الإمام قد سبّح في اخرييه ، لأنّهما أخريان ، فلا يسقط حكمهما من التخيير.

ويحتمل : وجوب القراءة إن سبّح الإمام ، لئلاّ تفوت الصلاة من قراءة.

د : إذا أحدث الإمام في الأولى ، فسواء استخلف من شرع معه في الصلاة أو لا ، فإنّه جائز ، لأنّه لا يختلف نظم الصلاة وإن كان في الثانية أو الثالثة ، فإن استخلف مأموما موافقا ، جاز إجماعا ، وإن استخلف مسبوقا ، جاز أيضا ، ويتمّ صلاته على نظم صلاة نفسه.

وقال الشافعي : على نظم صلاة الإمام (١).

مثاله : إذا استخلفه في الثانية ، فإذا صلّى ركعة ، قام إلى ثانيته ، وتشهّد المأمومون تشهّدا خفيفا ولحقوا به.

وقال الشافعي : يقعد للتشهّد وإن لم يكن موضع قعوده (٢).

فإذا صلّى ثانية ، قعد عندنا ، وتشهّد ، وتبعه المأمومون في القعود لا التشهّد.

وقال الشافعي : لا يقعد ، لأنّها الثالثة من صلاة الإمام وإن كان الموضع موضع قعوده (٣).

وإذا صلّى ثالثة ، فقد تمّت صلاة القوم ، فينهض إلى الرابعة ، ثم إن شاء المأمومون المفارقة ، نووا الانفراد وتشهّدوا وسلّموا ، وإن شاءوا انتظروا الإمام حتى يتشهّد ويسلّم بهم.

وقال الشافعي : يتشهّد في ثالثته ، وإذا علم أنّ القوم قد فرغوا من التشهّد ، أشار إليهم بالسلام ويتمّ لنفسه (٤).

ولو استخلف من لم يشرع معه في الصلاة ، جاز عندنا ، خلافا‌

__________________

(١) الأم ١ : ١٧٥ ـ ١٧٦ ، المجموع ٤ : ٢٤٣.

(٢) الأم ١ : ١٧٦ ، المجموع ٤ : ٢٤٣.

(٣) المجموع ٤ : ٢٤٣.

(٤) المجموع ٤ : ٢٤٣.

٣٢٤

للشافعي (١).

مسألة ٥٩٥ : يدرك المأموم الركعة بإدراكها من أوّلها إجماعا ، وبإدراك تكبيرة الركوع أيضا ، لأنّه أدرك معظم الركعة ، والقراءة ليست ركنا.

وهل يدركها بإدراك الإمام راكعا؟ الوجه : ذلك ، خلافا للشيخ (٢) ، وقد مضى البحث في ذلك في باب الجمعة (٣).

إذا ثبت هذا ، فإنّه إذا أدركه راكعا ، كبّر للافتتاح واجبا ، وكبّر ثانيا للركوع مستحبا ، لأنّه ركوع معتدّ به ، ومن انتقل إلى ركوع معتدّ به فمن سننه التكبير كالإمام والمنفرد.

ولو خاف رفع الإمام ، كبّر للافتتاح خاصة ، ونوى الوجوب ، وليس له أن ينوي الافتتاح والركوع ، لتضادّ الوجهين.

ولو كبّر ولم ينو التحريم ولا الركوع ، احتمل قويّا البطلان ، لعدم نيّة الافتتاح. والصحة ، لأنّ قرينة الافتتاح تصرفها إليه.

ويعارض بأنّ قرينة الهوىّ تصرفها إليه.

فروع :

أ : إذا اجتمع مع الإمام في الركوع ، أدرك الركعة ، فإن رفع الإمام رأسه مع ركوع المأموم ، فإن اجتمعا في قدر الإجزاء من الركوع ، وهو : أن يكون رفع ولم يجاوز حدّ الركوع الجائز ـ وهو بلوغ يديه إلى ركبتيه ـ فأدركه المأموم في ذلك وذكر بقدر الواجب ، أجزأه ، وإن أدرك دون ذلك ، لم يجزئه.

ب : لو رفع الإمام رأسه من الركوع ثم ذكر أنه نسي التسبيح ، لم يكن له الرجوع‌ إلى الركوع ، فإن رجع جاهلا بالحكم فدخل مأموم معه ، لم يكن مدركا للركعة ، لأنّه ركوع باطل.

__________________

(١) المجموع ٤ : ٢٤٣.

(٢) النهاية : ١١٤ ، المبسوط للطوسي ١ : ١٥٨.

(٣) تقدّم في الفرع « ب » من المسألة ٣٩٧.

٣٢٥

وقال بعض الشافعية : يجوز (١). وليس بمعتمد.

ج : لو أدركه بعد رفعه من الركوع ، استحبّ له أن يكبّر للهويّ إلى السجود ، ويسجد معه السجدتين‌ ، ولا يعتدّ بهما ، بل إذا قام الإمام إلى اللاحقة ، قام ونوى وكبّر للافتتاح ، وإن شاء أن يتربّص حتى يقوم الإمام ويستفتح معه ، جاز.

وإنّما لم يعتد بالسجدتين ، لأنّ زيادتهما زيادة ركن ، فتبطل الصلاة بها.

ولقول الصادق عليه‌السلام : « إذا سبقك الإمام بركعة فأدركت وقد رفع رأسه فاسجد معه ولا تعتدّ بها » (٢).

ولو كان السجود للركعة الأخيرة ، فعل ما قلناه ، فإذا سلّم الإمام ، قام فاستقبل صلاته بنيّة منفردة وتكبير متجدّد.

ولو أدركه بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة ، جاز أن يكبّر ويجلس معه في تشهّده يتشهّد ، وإن شاء سكت ، فإذا سلّم الإمام ، قام وبنى على تلك التكبيرة إن كان قد نوى للافتتاح ، وليس ذلك فعلا كثيرا مبطلا ، لأنّه من أفعال الصلاة لتحصيل فضيلة الجماعة.

د : إذا لحقه بعد الركوع قبل السجود فقد قلنا : إنّه يكبّر للافتتاح ثم يكبّر للهويّ إلى السجود‌ ـ وهو أحد وجهي الشافعي (٣) ـ لأنّه مأمور بالسجود متابعة للإمام ، فسنّ له التكبير ، كما لو كان السجود من صلب الصلاة.

والثاني : لا يكبّر للسجود ، لعدم الاعتداد به ، وليس متابعا للإمام ، والتكبير كلا تكبير ، بخلاف الركوع المعتدّ به ، والأول أصحّ عندهم (٤).

__________________

(١) المجموع ٤ : ٢١٧.

(٢) التهذيب ٣ : ٤٨ ـ ١٦٦.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٢ ، حلية العلماء ٢ : ١٥٩.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٢ ، حلية العلماء ٢ : ١٥٩.

٣٢٦

أمّا لو أدركه في التشهّد ، فإنّه يكبّر للافتتاح خاصة ، لأنّ الجلوس عن القيام لم يشرع في الصلاة ، فلا تكبير له ، فإذا قام الإمام إلى الثالثة ، لم يتابعه المأموم في التكبير ـ خلافا للشافعي ـ لأنّه قيام أول بالنسبة إليه.

وقال الشافعي : يكبّر متابعة لإمامه (١).

فإذا صلّى ركعتين مع الإمام ثم سلّم الإمام ، قام إلى ثالثته مكبّرا إن قلنا باستحبابه في قيام الثالثة ، لأنّه يقوم إلى ابتداء ركعة ، وبه قال الشافعي (٢).

ولو أدرك الإمام في التشهّد الأخير ، كبّر وجلس بغير تكبير ، فإذا سلّم الإمام ، قام بغير تكبير ، لأنه قد كبّر في ابتداء هذه الركعة.

وهل يتشهّد مع الإمام؟ يحتمل ذلك ، لأنّه إذا جاز أن يقعد في غير موضع قعوده متابعة للإمام ، جاز أن يتبعه في التشهّد ، وليس واجبا عليه ، لأنّ المتابعة تجب في الأفعال لا في الأذكار. ويحتمل العدم ، لأنّه ليس بموضع للتشهّد. وكلاهما للشافعي (٣).

هـ : لو أدركه في التشهّد الأول وقعد معه ثم قام الإمام ، تابعه المأموم ولا يقرأ دعاء الاستفتاح.

ولو كبّر المأموم وقصد أن يقعد فقام الإمام قبل أن يقعد المأموم ، دعا للاستفتاح.

والفرق : أنّه وجد منه في الأول الاشتغال بعد الافتتاح بفعل وجب عليه الإتيان به ، فلم يبق حكم الاستفتاح ، وهنا لم يشتغل بفعل ، فيؤمر بدعائه.

و : الأقرب : أنّه لا تحصل فضيلة الجماعة فيما إذا أدركه بعد رفعه من الركوع الأخير.

ويحتمل الإدراك ، لقول محمد بن مسلم : قلت له : متى يكون يدرك‌

__________________

(١) المجموع ٤ : ٢١٨.

(٢) المجموع ٤ : ٢١٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢٦٢.

(٣) المجموع ٤ : ٢١٩ ، مغني المحتاج ١ : ٢٦١.

٣٢٧

الصلاة مع الإمام؟ قال : « إذا أدرك الإمام وهو في السجدة الأخيرة من صلاته فهو مدرك لفضل الصلاة مع الإمام » (١). وهي مرسلة.

مسألة ٥٩٦ : إذا افتتح الصلاة ثم أحسّ بداخل في المسجد ، لم يستحب له الزيادة في التلاوة‌ ليلتحق به الداخل ، لأنّ غرضه يحصل من إدراك الركوع معه ، فلو زاد في القراءة ، لم يكره ، لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، روي عنه أنّه قال : ( إنّي أحيانا أكون في الصلاة فأفتتح السورة أريد أن أتمّها فأسمع بكاء صبي فأتجوّز في صلاتي مخافة أن تفتتن أمّه ) (٢) فإذا جاز الاختصار رعاية لحقّ الطفل ، جازت الزيادة رعاية لحقّ اللاحق.

ولو ظنّ أنّه يفوته الركوع ، فالوجه : استحباب زيادة القراءة.

ولو أحسّ بداخل وقد فرغ من القراءة وهو يريد الركوع ، فلا يطوّل قيامه ، لحصول غرضه بإدراك الركوع.

ولو أحسّ به وقد رفع من الركوع ، أو كان في السجود أو التشهّد الأول ، لم ينتظر إجماعا ، إذ لا غرض فيه ، لأنّ الذي أدرك من الأفعال لا اعتداد به.

وإن أحسّ بداخل وهو في الركوع ، استحبّ له أن يطيل ركوعه ليلتحق به ـ وبه قال الشعبي والنخعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور والشافعي في أحد القولين (٣) ـ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، صلّى بطائفة صلاة الخوف ركعة ، وانتظرها حتى أتمّت ومضت ، وجاءت الأخرى (٤).

ومن طريق الخاصة : رواية جابر عن الباقر عليه‌السلام ، وقد سأله إنّي‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٥٧ ـ ١٩٧.

(٢) صحيح البخاري ١ : ١٨١ ، صحيح مسلم ١ : ٣٤٣ ـ ٤٧٠ ، وسنن البيهقي ٢ : ٣٩٣ بتفاوت.

(٣) المغني ٢ : ٦٦ ، الشرح الكبير ٢ : ١٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٣ ، المجموع ٤ : ٢٣٠ ، فتح العزيز ٤ : ٢٩٤ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٢.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٧ ـ ١٨ ، صحيح مسلم ١ : ٥٧٤ ـ ٥٧٥ ـ ٨٤٠.

٣٢٨

أؤمّ قوما فأركع ويدخل الناس وأنا راكع فكم أنتظر؟ فقال الباقر عليه‌السلام : « ما أعجب ما تسأل عنه يا جابر!! انتظر مثلي ركوعك ، فإن انقطعوا وإلاّ فارفع رأسك » (١).

ولأنّه فعل يقصد به التقرّب إلى الله تعالى بتحصيل قربة لمسلم.

وقال الشافعي في الآخر : يكره الانتظار ـ وبه قال مالك وداود وأصحاب الرأي ، واختاره ابن المنذر والمزني ـ لأنّه يفعل جزءا من الصلاة لأجل آدمي وقد أمر الله تعالى بأن يصلّى خالصا له تعالى (٢).

ونمنع عدم الإخلاص ، لأنّه تقرّب إليه تعالى بتحصيل القربة للداخل وإن قصد به لحوق آدمي الصلاة ، فإنّ الله تعالى أمر بمنافع الآدميين.

وقال بعض الشافعية : إن كان يعرف الداخل ، لا ينتظره ، لأنّه لا يخلو من نوع مراءاة ، وإن كان لا يعرفه ، لم يكره (٣).

فروع :

أ : إنّما ينتظر إذا كان قريبا‌ وكان لا يطوّل الأمر على المأمومين ، فأمّا إذا كان بعيدا وكان في الانتظار تطويل ، لم ينتظر.

ب : لو أحسّ بداخل وهو في التشهّد الأخير ، فالوجه : الانتظار‌ ، لأنّ في إدراك التشهد غرضا صحيحا.

ج : لو انتظر ، لم تبطل صلاته عندنا‌ ، لأنّه مستحب ، وكذا عند الشافعي على أحد القولين ، وعلى الآخر : وجهان (٤).

مسألة ٥٩٧ : لو دخل المسجد فركع الإمام فخاف فوت الركوع ، جاز‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٤٨ ـ ١٦٧.

(٢) المهذّب للشيرازي ١ : ١٠٣ ، المجموع ٤ : ٢٣٠ و ٢٣٣ ، فتح العزيز ٤ : ٢٩٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٢.

(٣) المجموع ٤ : ٢٣٠ ، الوجيز ١ : ٥٥ ، فتح العزيز ٤ : ٢٩٢.

(٤) المجموع ٤ : ٢٣٠ ، فتح العزيز ٤ : ٢٩٣ ، مغني المحتاج ١ : ٢٣٢.

٣٢٩

أن يكبّر ويركع ، ويمشي راكعا حتى يلتحق بالصف قبل رفع رأس الإمام أو يأتي آخر فيقف معه ، تحصيلا لفضيلة الجماعة.

والمشي في الركوع لإدراك الصف غير مبطل ، وفعل ذلك ابن مسعود وزيد بن وهب وعروة وأبو بكر بن عبد الرحمن وسعيد بن جبير ، وجوّزه الزهري والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد (١).

ومن طريق الخاصة : قول أحدهما عليهما‌السلام ، في الرجل يدخل المسجد فيخاف أن يفوته الركوع ، قال : « يركع قبل أن يبلغ القوم ، ويمشي وهو راكع حتى يبلغهم » (٢).

فروع :

أ : لو كان بعيدا من الصف ، فإن كان يصح أن يأتمّ وهو في مكانه ، وقف وحده‌ لئلاّ يفعل فعلا كثيرا ، فإن مشى ، احتمل الجواز ، لأنّه من أفعال الصلاة. والمنع ، لكثرته ، ولا تبطل صلاته لو وقف وحده ، لما بيّنّا من جوازه.

وإن كان لا يصح أن يأتمّ فيه لبعده ، فالوجه : أنّه لا يعتدّ بذلك الركوع ، ويصبر حتى يلتحق بالإمام في الثانية.

وإن كان لا يصح للحائل ، لم يجز له أن يشرع حتى يخرج عن الحائل.

ب : لو ركع دون الصف ومشى فسجد الإمام قبل التحاقه ، سجد على حاله وقام والتحق بالصف ، فإن ركع الإمام ثانيا ، ركع ومشى في ركوعه ، وصحّت صلاته.

وكرهه الشافعي وأبو حنيفة ومالك ، لما فيه من الانفراد بصف في ركعة تامّة (٣).

__________________

(١) المغني ٢ : ٦٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٢.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥٧ ـ ١١٦٦ ، التهذيب ٣ : ٤٤ ـ ١٥٤ ، الاستبصار ١ : ٤٣٦ ـ ١٦٨١.

(٣) المجموع ٤ : ٢٩٨ ، وحكاه عنهم المحقق في المعتبر : ٢٤٥.

٣٣٠

وقال أحمد : تبطل صلاته (١).

وليس بشي‌ء ، لقول الصادق عليه‌السلام : « إذا خفت أن يركع قبل أن تصل إليه ، فكبّر وأركع ، فإن رفع رأسه فاسجد مكانك ، فإذا قام ، فالحق بالصف ، وإن جلس فاجلس مكانك ، فإذا قام ، فالحق بالصف » (٢).

ج : لو رفع رأسه من الركوع ثم دخل الصف ، أو جاء آخر فوقف معه قبل إتمام الركعة ، صحّت صلاته‌ عندنا ، وكرهه مالك والشافعي وأصحاب الرأي (٣) ، ولا تبطل صلاته ، لأنّ أبا بكرة جاء ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم راكع ، فركع دون الصف ثم مشى إلى الصف ، فلمّا قضى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصلاة ، قال : ( أيّكم الذي ركع دون الصف ثم مشى إلى الصف؟ ) فقال أبو بكرة : أنا ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( زادك الله حرصا ولا تعد ) (٤) ولم يأمره بالإعادة.

وقال أحمد : إن كان جاهلا بتحريم ذلك ، صحّت صلاته ، وإن علم ، لم تصح ، لأنّ قوله عليه‌السلام لأبي بكرة : ( لا تعد ) يدلّ على الفساد (٥).

وهو بناء على تحريم الانفراد بصف ، وقد بيّنّا جوازه ، وقوله عليه‌السلام : ( لا تعد ) المراد به إلى التأخّر.

مسألة ٥٩٨ : قد بيّنّا أنّه يستحب لمن صلّى منفردا إعادة تلك الصلاة‌

__________________

(١) المغني ٢ : ٦٤ ، وحكاه عنه أيضا المحقق في المعتبر : ٢٤٥.

(٢) جاء صدر الحديث هنا متّفقا مع ما في المعتبر : ٢٤٥ ، ومختلفا مع ما في المصادر ، وصدره فيها هكذا : « إذا دخلت المسجد والإمام راكع فظننت أنّك إن مشيت إليه رفع رأسه قبل أن تدركه فكبّر .. ».

انظر : الكافي ٣ : ٣٨٥ ـ ٥ ، الفقيه ١ : ٢٥٤ ـ ١١٤٨ ، التهذيب ٣ : ٤٤ ـ ١٥٥ ، الاستبصار ١ : ٤٣٦ ـ ١٦٨٢.

(٣) انظر : المغني ٢ : ٦٤.

(٤) سنن أبي داود ١ : ١٨٢ ـ ٦٨٤.

(٥) المغني ٢ : ٦٤ ـ ٦٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٢.

٣٣١

مع الجماعة ، تحصيلا لفضيلة الجماعة أيّة صلاة كانت ـ وبه قال علي عليه‌السلام ، وأنس وحذيفة وسعيد بن المسيّب وسعيد بن جبير والزهري والشافعي (١) ـ لأنّ يزيد بن الأسود العامري قال : شهدت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حجّته فصلّيت معه صلاة الفجر في مسجد الخيف وأنا غلام شاب ، فلمّا قضى صلاته إذا هو برجلين في آخر القوم لم يصلّيا معه ، فقال : ( عليّ بهما ) فاتى بهما ترعد فرائصهما ، فقال : ( ما منعكما أن تصلّيا معنا؟ ) فقالا : يا رسول الله كنّا قد صلّينا في رحالنا ، فقال : ( لا تفعلا ، إذا صلّيتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصلّيا معهم فإنّهما لكما نافلة ) (٢).

وأطلق ولم يفرّق.

وقال أحمد كذلك ، إلاّ أنه قال : لا يصلّي العصر والصبح إلاّ مع إمام الحيّ دون غيره (٣).

وقال مالك : إن كان قد صلّى وحده ، أعادها جماعة إلاّ المغرب ، وإن صلاّها جماعة ، لم يعدها (٤).

وقال الأوزاعي : يصلّي ما عدا المغرب والصبح (٥).

وقال أبو حنيفة : لا يعيد إلاّ صلاتين : الظهر والعشاء (٦).

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٢ ، فتح العزيز ٤ : ٢٩٦ ، المجموع ٤ : ٢٢٣ و ٢٢٥ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٠.

(٢) سنن أبي داود ١ : ١٥٧ ـ ٥٧٥ ، سنن الترمذي ١ : ٤٢٤ ـ ٤٢٥ ـ ٢١٩ ، سنن النسائي ٢ : ١١٢ ـ ١١٣ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٠١.

(٣) حلية العلماء ٢ : ١٦١ ، المغني ١ : ٧٨٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦ و ٧.

(٤) حلية العلماء ٢ : ١٦١ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٥٠.

(٥) حلية العلماء ٢ : ١٦١.

(٦) حلية العلماء ٢ : ١٦١ ، المجموع ٤ : ٢٢٥ ، فتح العزيز ٤ : ٢٩٨ ، المغني ١ : ٧٨٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٧.

٣٣٢

واحتجّوا : بقوله عليه‌السلام : ( لا تصلّى صلاة في اليوم مرّتين ) (١).

وقال : ( لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ، ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس ) (٢) والمغرب وتر لا يتنفل بها (٣).

والخبر لا حجّة فيه ، لأنّه لا يصلّيهما على أنّهما واجبتان. والنهي بعد العصر محمول على ما لا سبب له. ونمنع انتفاء التنفل بالوتر.

وقال بعض الشافعية : يضيف إليها رابعة ، ورووه عن حذيفة بن اليمان (٤). وليس بشي‌ء.

فروع :

أ : هل يستحب لمن صلّى جماعة إعادة صلاته في جماعة أخرى؟ قال الشافعي : نعم (٥) وعموم قول الصادق عليه‌السلام ، في الرجل يصلّي الفريضة ثم يجد قوما يصلّون جماعة ، أيجوز أن يعيد الصلاة معهم؟ قال : « نعم وهو أفضل » (٦).

ويحتمل العدم ، لأنّ المطلوب حصل أوّلا ، وهو : إدراك فضيلة الجماعة ، وإنّما سوّغنا الإعادة ، استدراكا لمصلحة الجماعة ، وهو إنّما يتحقّق في المنفرد.

ب : لو صلّى في جماعة ثم حضر واحد وأراد الصلاة ، استحبّ له أن يصلّي معه جماعة‌ إماما أو مأموما ، تحصيلا لفضيلة الجماعة للحاضر.

ج : هل يستحب التكرار ثلاثا فما زاد؟ إشكال ، أقربه : المنع.

د : الوجه : أنّ الفرض هو الاولى ، والثانية سنّة ـ وبه قال أبو حنيفة وأحمد‌

__________________

(١) سنن أبي داود ١ : ١٥٨ ـ ٥٧٩ وفيه : ( لا تصلّوا .. ).

(٢) سنن أبي داود ٢ : ٢٤ ـ ١٢٧٦ ، صحيح مسلم ١ : ٥٦٧ ـ ٨٢٧.

(٣) انظر : المغني ١ : ٧٨٦ ، والشرح الكبير ٢ : ٧.

(٤) المجموع ٤ : ٢٢٥ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٠ ـ ١٦١.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٢ ، المجموع ٤ : ٢٢٣ و ٢٢٥ ، حلية العلماء ٢ : ١٦١.

(٦) التهذيب ٣ : ٥٠ ـ ١٧٥.

٣٣٣

والشافعي في الجديد (١) ـ لقوله عليه‌السلام : ( فتكون لكم نافلة ) (٢).

وقول الصادق عليه‌السلام ، لمّا حكم باستحباب الإعادة ، قلت : فإن لم يفعل؟ قال : « ليس به بأس » (٣).

ولأنّ الأولى قد سقط بها الفرض ، ولهذا لم يجب أن يصلّي ثانيا. ولأنّه صلّى المأمور به على وجهه ، فيخرج عن العهدة.

وقال في القديم : يحتسب الله له بأيّهما شاء ، لأنّه استحبّ إعادة الفريضة ليكملها بالجماعة ، فلو كانت الثانية نافلة ، لم تستحبّ لها الجماعة (٤).

وليس بجيّد ، فإنّ الجماعة (٥) استحبت ، لأنّ الجماعة سببها.

وفي رواية عن الصادق عليه‌السلام ، في الرجل يصلّي الصلاة وحده ثم يجد جماعة ، قال : « يصلّي معهم ويجعلها الفريضة » (٦).

وهي محمولة على ما إذا دخل في الصلاة ثم حضرت الجماعة ، فإنّه يعدل بنيته إلى النفل ، ثم يجعل الثانية هي الفريضة.

هـ : إذا جعلنا الثانية نفلا ، فالأقرب : أنّه ينوي النفل ، لأنّ الفعل يقع نفلا فكيف نأمره بنيّة الفرض!؟ وهو أحد قولي الشافعيّة ، وأصحهما عندهم : أنّه ينوي الفرض ، لأنّ القصد إدراك فضيلة الجماعة ، ولا تشرع الجماعة في‌

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٢ ، المجموع ٤ : ٢٢٤ ، فتح العزيز ٤ : ٣٠١ ، حلية العلماء ٢ : ١٦١ ، الشرح الكبير ٢ : ٨ ، المغني ١ : ٧٨٨.

(٢) سنن النسائي ٢ : ١١٣ ، سنن الترمذي ١ : ٤٢٥ ـ ٢١٩ ، مسند أحمد ٤ : ١٦١ بتفاوت فيها.

(٣) التهذيب ٣ : ٥٠ ـ ١٧٥.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٢ ، المجموع ٤ : ٢٢٣ ـ ٢٢٤ ، فتح العزيز ٤ : ٣٠١ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٢.

(٥) أيّ : صلاة الجماعة.

(٦) الكافي ٣ : ٣٧٩ ـ ١ ، الفقيه ١ : ٢٥١ ـ ١١٣٢ ، التهذيب ٣ : ٥٠ ـ ١٧٦.

٣٣٤

النوافل (١).

وليس بجيّد ، لأنّهم سلّموا أنّها نفل.

مسألة ٥٩٩ : إذا بلغ الطفل سبع سنين ، كان على أبيه أن يعلّمه الطهارة والصلاة‌ ، ويعلّمه الجماعة وحضورها ، ليعتادها ، لأنّ هذا السنّ يحصل فيه التمييز من الصبي في العبادة ، وإذا بلغ عشر سنين ، ضرب عليها ـ وإن كانت غير واجبة ـ لاشتماله على اللطف ، وهو : الاعتياد والتمرّن.

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ، وفرّقوا بينهم في المضاجع ) (٢).

وكذا يفعل ولي الصبي ووصيّه.

وقال الصادق عليه‌السلام : « مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ، فإنّا نأمر أولادنا بالصلاة وهم أبناء خمس ، ونضربهم عليها وهم أبناء سبع » (٣).

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إذا بلغ الصبي سبع سنين أمر بالصلاة ، فإذا بلغ عشرا ، ضرب عليها ، فإذا بلغ ثلاث عشرة سنة ، فرّقوا بينهم في المضاجع ، فإذا بلغ ثمانية عشر ، علّم القرآن ، فإذا بلغ إحدى وعشرين ، انتهى طوله ، فإذا بلغ ثمانية وعشرين ، كمل عقله ، فإذا بلغ ثلاثين ، بلغ أشدّه ، فإذا بلغ أربعين ، عوفي من البلوى الثلاث : الجذام والجنون والبرص ، فإذا بلغ الخمسين ، حبّبت إليه الإنابة ، فإذا بلغ الستّين ، غفرت ذنوبه ، فإذا بلغ السبعين ، عرفه أهل السماء ، فإذا بلغ الثمانين ، كتبت الحسنات ولم تكتب السيّئات ، فإذا بلغ التسعين ، كتب : أسير الله في‌

__________________

(١) فتح العزيز ٤ : ٣٠٣.

(٢) مسند أحمد ٢ : ١٨٠ و ١٨٧ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٣٠ ـ ٢ و ٣ ، سنن البيهقي ٢ : ٢٢٩.

(٣) الكافي ٣ : ٤٠٩ ـ ١ ، الفقيه ١ : ١٨٢ ـ ٨٦١ ، التهذيب ٢ : ٣٨٠ ـ ١٥٨٤ ، الاستبصار ١ : ٤٠٩ ـ ١٥٦٤ بتفاوت واختصار فيها.

٣٣٥

أرضه ، فإذا بلغ المائة ، شفع في سبعين من أهل بيته وجيرانه ومعارفه ) (١).

إذا ثبت هذا ، فإنّ الصلاة لا تجب عليه إلاّ مع البلوغ ، وبه قال الشافعي ، وأحمد في رواية (٢) ، لقوله عليه‌السلام : ( رفع القلم عن ثلاثة .. عن الصبي حتى يبلغ الحلم ) (٣).

وفي رواية عن أحمد : إذا بلغ عشر سنين ، وجبت عليه الصلاة ، لأنّه أمر بضربهم عليها ، والأمر بالضرب لمصلحة الاعتياد ، كما يضرب للتأديب (٤).

مسألة ٦٠٠ : إذا شرع في نافلة فأحرم الإمام ، قطعها‌ إن خشي الفوات ، تحصيلا لفضيلة الجماعة ، سواء خاف فوت النافلة ، أو لا ، ولو لم يخف الفوات ، أتمّ النافلة ثم دخل في الفريضة.

ولو كان في فريضة ، استحب له أن ينقل النية إلى النفل ، ويتمّها اثنتين استحبابا ، ثم يدخل معه في الصلاة ، عند علمائنا ـ وهو أحد قولي الشافعي (٥) ـ للحاجة إلى فضل الجماعة.

ولما رواه سماعة قال : سألته عن رجل كان يصلّي فخرج الإمام وقد صلّى ركعة من فريضة ، قال : « إن كان إماما عدلا فليصلّ اخرى ولينصرف وليجعلهما تطوّعا ، ويدخل مع الإمام في صلاته » (٦).

__________________

(١) أورد نحوه بتفاوت واختصار : الصدوق في الخصال : ٥٤٦ ـ ٥٤٧ ـ ٢٨ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ١٠ : ٢٠٤ ـ ٢٠٦.

(٢) المغني ١ : ٤٤٥ ، الشرح الكبير ١ : ٤١٤.

(٣) سنن أبي داود ٤ : ١٤٠ ـ ١٤١ ـ ٤٤٠٢ ، سنن الترمذي ٤ : ٣٢ ـ ١٤٢٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٥٨ ـ ٢٠٤١ ، سنن الدارمي ٢ : ١٧١ ، مسند أحمد ٦ : ١٠٠ ـ ١٠١ باختلاف في لفظ الحديث.

(٤) المغني ١ : ٤٤٥ ، الشرح الكبير ١ : ٤١٤.

(٥) المجموع ٤ : ٢٠٨.

(٦) الكافي ٣ : ٣٨٠ ـ ٧ ، التهذيب ٣ : ٥١ ـ ١٧٧.

٣٣٦

وفي الآخر للشافعي : إذا نقل نيّته من الفرض إلى النفل ، بطل الفرض ، ولم يحصل له النفل ، لأنّه لم ينوه في جميع الصلاة (١).

وليس بجيد ، لأنّ نيّة النفل دخلت في نيّة الفرض فقد وجدت في جميع الصلاة.

فروع :

أ : لو كان الإمام ممّن لا يقتدى به ، استمرّ على حاله‌ ، لأنّه ليس بمؤتمّ في الحقيقة.

ولقول الصادق عليه‌السلام : « وإن لم يكن إمام عدل ، فليبن على صلاته كما هو ، ويصلّي ركعة أخرى معه يجلس قدر ما يقول أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، ثم يتمّ صلاته معه على ما استطاع ، فإنّ التقية واسعة ، وليس شي‌ء من التقية إلاّ وصاحبها مأجور عليها إن شاء الله تعالى » (٢).

ب : لو كان في فريضة وأحرم إمام الأصل ، قطعها واستأنف الصلاة معه‌ ، لما فيه من المزية المقتضية للاهتمام بمتابعته.

ج : لو تجاوز في الفريضة الاثنتين ثم أحرم الإمام ، فإن كان إمام الأصل ، قطعها‌ ، لما تقدّم ، وإلاّ فالأقرب : الإتمام ثم الدخول معه معيدا لها نافلة ، إذ مفهوم الأحاديث يدلّ على أنّ العدول إلى النفل في الركعتين.

د : لو ابتدأ بالنافلة فأحرم الإمام بالفرض ، قال الشيخ : إن علم أنّه لا يفوته الفرض معه ، تمّم نافلته‌ ، وإن علم فوات الجماعة ، قطعها‌

__________________

(١) المجموع ٤ : ٢١٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٨٠ ـ ٧ ، التهذيب ٣ : ٥١ ـ ١٧٧.

٣٣٧

ودخل في الفريضة (١).

وهذا يحتمل وجهين : أحدهما ، وهو الأظهر في اللفظ : أنّه لو علم فوات الجماعة حتى في الركعة الأخيرة ، قطعها ، وإن علم عدم الفوات بأن يلحق ركوع الأخيرة مثلا ، أتمّ النافلة.

والثاني : أنّه إذا خاف فوات ركعة ما ، قطع النافلة ، محافظة للجماعة فيها ، ولئلاّ يصير مسبوقا ، فيخالف الإمام في بعض أفعاله.

قال الشيخ : وإن أحرم الإمام بالفريضة قبل أن يحرم المأموم بالنافلة فإنّه يتبعه بكلّ حال ، ويصلّي النافلة بعد الفريضة ، سواء كان مع الإمام في المسجد أو خارجا منه ، وبه قال الشافعي.

وقال أبو حنيفة : وإن كان في المسجد فكقولنا ، وإن كان خارجا منه : فإن خاف فوت الثانية ، دخل معه كما قلناه ، وإن لم يخف فواتها ، تمّم ركعتين نافلة ثم دخل المسجد فصلّى معه (٢).

هـ : لو ابتدأ بقضاء الظهر وشرع الإمام في صلاة الصبح ، وخاف إن تمّم ركعتين نافلة ، فاتته الصلاة مع الإمام ، فإن كان إمام الأصل ، أبطل صلاته ، وإلاّ فالوجه : إتمام القضاء وتفويت الجماعة ، لأنّ استدراكها بنقل النية من الفرض إلى النفل ، ولا يحصل الاستدراك بذلك هنا ، فيبقى وجوب الإتمام سالما عن المعارض.

مسألة ٦٠١ : يستحب للإمام أن يخفّف صلاته بتخفيف الأذكار ، ويكمّل أفعالها مثل ركوعها وسجودها وقيامها ، لأنّ أنسا قال : ما صلّيت خلف أحد قطّ أخفّ ولا أتمّ صلاة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

__________________

(١) الخلاف ١ : ٥٦٥ ، المسألة ٣١٨ ، المبسوط للطوسي ١ : ١٥٧.

(٢) الخلاف ١ : ٥٦٥ ، المسألة ٣١٨ ، وانظر : المجموع ٤ : ٥٦ ـ ٥٧ و ٢١٢ ، وحلية العلماء ٢ : ١٢١.

(٣) صحيح البخاري ١ : ١٨١ ، سنن البيهقي ٣ : ١١٤.

٣٣٨

وقال عليه‌السلام : ( من صلّى بالناس فليخفّف فإنّ فيهم السقيم والضعيف ، وإذا صلّى لنفسه فليطل ما شاء ) (١).

ولو أحبّ المأمومون خلفه التطويل ، جاز وكان أولى ، لقوله عليه‌السلام : ( أفضل الصلاة ما طال قنوتها ) (٢).

مسألة ٦٠٢ : لا تجب على المأموم القراءة ، سواء كانت الصلاة جهرية أو إخفاتية ، وسواء سمع قراءة الإمام أو لا ، ولا تستحب في الجهرية مع السماع ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال علي عليه‌السلام ، وسعيد بن المسيب وعروة وأبو سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن جبير ومحمد بن كعب الزهري والنخعي والثوري وابن عيينة ومالك وابن المبارك وإسحاق وأحمد وأصحاب الرأي ، وكثير من السلف (٣) ـ لقوله تعالى ( وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (٤) نزلت في شأن الصلاة (٥).

قال زيد بن أسلم وأبو العالية : كانوا يقرءون خلف الإمام فنزلت ( وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (٦).

وقال عليه‌السلام : ( إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به ، فإذا كبّر فكبّروا وإذا قرأ‌

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ١٨٠ ، سنن أبي داود ١ : ٢١١ ـ ٧٩٤ ، سنن النسائي ٢ : ٩٤.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٥٢٠ ـ ٧٥٦ بتفاوت.

(٣) المغني ١ : ٦٣٦ و ٦٤٠ ـ ٦٤١ ، الشرح الكبير ٢ : ١٢ و ١٣ ، المجموع ٣ : ٣٦٥ ، حلية العلماء ٢ : ٨٨.

(٤) الأعراف : ٢٠٤.

(٥) انظر : مجمع البيان ٢ : ٥١٤ ـ ٥١٥ ، والتبيان ٥ : ٦٧ ـ ٦٨ ، وتفسير أبي السعود ٣ : ٣١٠ ، وتفسير القرطبي ٧ : ٣٥٤.

(٦) أحكام القرآن للجصاص ٣ : ٣٩ ، أسباب النزول ـ للواحدي ـ : ١٣١ ، والمغني ١ : ٦٣٧.

٣٣٩

فأنصتوا ) (١).

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه‌السلام : « إذا كنت خلف إمام تتولاّه وتثق به فإنّه تجزئك قراءته ، وإن أحببت أن تقرأ فاقرأ فيما يخافت فيه ، فإذا جهر فأنصت ، قال الله تعالى ( وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) » (٢).

قال أحمد : ما سمعنا أحدا من أهل الإسلام يقول : إنّ الإمام إذا جهر بالقراءة لا تجزئ صلاة من خلفه إذا لم يقرأ ، هذا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والصحابة والتابعون ، وهذا مالك في أهل الحجاز ، وهذا الثوري في أهل العراق ، وهذا الأوزاعي في أهل الشام ، وهذا الليث في أهل مصر ما قالوا لرجل صلّى خلف إمام قرأ إمامه ولم يقرأ هو : إنّ صلاته باطلة (٣).

ولأنّها قراءة لا تجب على المسبوق ، فلا تجب على غيره.

وللشافعي قولان : أحدهما : أن المأموم كالمنفرد فيما يسرّ به ، ولا يقرأ فيما يجهر به.

وأصحّهما عنده : أنّ المأموم يقرأ فيما أسرّ وجهر ـ وبه قال الليث والأوزاعي وأبو ثور ، واختاره ابن المنذر ـ لأنّ عبادة بن الصامت قال : صلّى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الصبح فثقلت عليه القراءة ، فلمّا انصرف قال : ( إنّي لأراكم تقرءون وراء إمامكم ) قلنا : أجل ، قال : ( لا تفعلوا إلاّ بأمّ القرآن فإنّه لا صلاة لمن لم يقرأ بها ) (٤).

ولأنّه يلزمه قيام القراءة ، فلزمته القراءة كالمنفرد (٥).

__________________

(١) نقله ابن قدامة في الشرح الكبير ٢ : ١٤ نقلا عن سعيد بن منصور.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٣ ـ ١٢٠.

(٣) المغني ١ : ٦٣٨ ، الشرح الكبير ٢ : ١٤.

(٤) سنن الترمذي ٢ : ١١٦ ـ ١١٧ ـ ٣١١ ، سنن البيهقي ٢ : ١٦٤ ، مسند أحمد ٥ : ٣١٦ و ٣٢٢.

(٥) المجموع ٣ : ٣٦٥ ، الوجيز ١ : ٤٢ ، فتح العزيز ٣ : ٣٠٩ ـ ٣١١ ، حلية العلماء ٢ : ٨٨ ، المغني ١ : ٦٣٦ ـ ٦٣٧ ، الشرح الكبير ٢ : ١٤.

٣٤٠