تذكرة الفقهاء - ج ٤

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٤

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: ٤٧٨

وقال مالك : لا يؤمّ في جمعة ولا عيد (١).

وحكي عن الأوزاعي : أربعة لا يؤمّون الناس ، فذكر العبد إلاّ أن يؤمّ أهله (٢).

وللشيخ قول في التهذيب : إنّ الأحوط أن لا يؤمّ العبد إلاّ أهله ، لقول علي عليه‌السلام : « لا يؤمّ العبد إلاّ أهله » (٣).

وفي السند ضعف ، فالمعتمد الأول. نعم الحرّ أولى منه ، لأنّه أكمل.

وحكم المعتق بعضه ، والمكاتب والمدبّر وأمّ الولد حكم الرقّ.

مسألة ٥٧٧ : يكره أن يأتمّ الحاضر بالمسافر وبالعكس ، ولا تفسد به الصلاة ـ وبه قال أبو حنيفة (٤) ـ لأنّ الأصل يقتضي الجواز. واشتمال الائتمام لكلّ منهما بصاحبه على المفارقة يقتضي الكراهة.

ولقول الصادق عليه‌السلام : « لا يؤمّ الحضري المسافر ، ولا المسافر الحضري ، فإن ابتلى بشي‌ء من ذلك فأمّ قوما حاضرين فإذا أتمّ الركعتين سلّم ، ثم أخذ بيد بعضهم فقدّمه فأمّهم ، وإذا صلّى المسافر خلف المقيم (٥) فليتمّ صلاته ركعتين ويسلّم ، وإن صلّى معهم الظهر ، فليجعل الأوّلتين الظهر ، والأخيرتين العصر » (٦).

وقال الشافعي : يجوز للمسافر أن يقتدي بالمقيم ، لأنّه يلزمه التمام إذا‌

__________________

(١) المدونة الكبرى ١ : ٨٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٤٦ ، التفريع ١ : ٢٢٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٨.

(٢) حلية العلماء ٢ : ١٧٩ ، عمدة القارئ ٥ : ٢٢٥.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٩ والحديث ١٠٢ ، ورواه أيضا في الاستبصار ١ : ٤٢٣ ـ ١٦٣١.

(٤) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٥٦ ، المسألة ٣١١.

(٥) في المصدر : خلف قوم حضور.

(٦) التهذيب ٣ : ١٦٤ ـ ٣٥٥ ، الاستبصار ١ : ٤٢٦ ـ ١٦٤٣.

٣٠١

صلّى خلفه ، ويكره أن يصلّي المقيم خلف المسافر (١).

ويمنع جواز التمام ، لأنّ القصر عندنا عزيمة على ما يأتي (٢).

ولو أتمّ المسافر الإمام الصلاة ، لم يجز عندنا ، خلافا للجمهور (٣).

وقال أحمد في رواية : لو أتمّ الإمام ، لم تجز صلاة المأموم ، لأنّ الزيادة نفل أمّ بها مفترضين (٤).

والأصل عندنا باطل. نعم لو كان المسافر في أحد الأماكن التي يستحب فيها التمام فأتمّ ، صحّت صلاته وصلاة المأمومين خلفه ، لأنّ المأتي بها فرض بكمالها على ما يأتي.

إذا عرفت هذا ، فإنّما يكره ائتمام أحدهما بصاحبه ، لمكان المفارقة ، فلو لم تحصل ، زالت الكراهة ، كما في المغرب والغداة.

مسألة ٥٧٨ : يكره أن يأتمّ المتوضّئ بالمتيمّم‌ ، فإن فعل صحّ بلا خلاف نعلمه ، إلاّ من محمّد بن الحسن ، فإنّه منعه استحبابا (٥) ، لأنّ عمرو ابن العاص صلّى بأصحابه متيمّما ، وبلغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلم ينكره (٦).

وأمّ ابن عباس أصحابه متيمّما وفيهم عمّار بن ياسر في نفر من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلم ينكروه (٧).

ولأنّه متطهّر طهارة صحيحة ، فأشبه المتوضّئ.

__________________

(١) حكاه عنه أيضا الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٥٦١ ، المسألة ٣١١ ، وانظر : الأم ١ : ١٦٣.

(٢) يأتي في المسألة ٦١٢.

(٣) المغني ٢ : ٣٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٣ ، المجموع ٤ : ٣٥٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٩.

(٤) المغني ٢ : ٣٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٤.

(٥) المبسوط للسرخسي ١ : ١١١ ، بدائع الصنائع ١ : ٥٦ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٧ ، عمدة القارئ ٤ : ٢٤.

(٦) سنن أبي داود ١ : ٩٢ ـ ٣٣٤ ، ونقله أيضا ابن قدامة في المغني ٢ : ٥٢.

(٧) نقله ابن قدامة في المغني ٢ : ٥٢ ، وانظر : صحيح البخاري ١ : ٩٣.

٣٠٢

وأمّا الكراهة : فلنقص طهارته.

ولقول علي عليه‌السلام : « لا يؤمّ المقيّد المطلقين ، ولا يؤمّ صاحب الفالج الأصحّاء ، ولا صاحب التيمّم المتوضّئين » (١).

وإنّما قلنا بالكراهة ، لضعف السند.

فروع :

أ : يجوز للطاهر أن تأتم بالمستحاضة ، لأنّها متطهّرة ، فأشبهت المتيمّم.

وللشافعي وجهان (٢).

ومنع أبو حنيفة وأحمد ، لأنّها تصلّي مع خروج الحدث من غير طهارة (٣).

وهو ممنوع ، وأجمعوا على أنّه يجوز للغاسل رجليه أن يأتمّ بمن مسح على خفّيه (٤).

ب : يصحّ ائتمام الصحيح بصاحب السلس ، لأنّه متطهّر ، والحدث الموجود غير مانع كالمتيمّم ، خلافا لأحمد (٥).

ج : يجوز ائتمام الطاهر بمن على بدنه أو ثوبه نجاسة ، لأنّه كالمتيمّم ، خلافا لبعض الجمهور (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٧٥ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٧ ـ ٩٤.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٤ ، المجموع ٤ : ٢٦٣ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٠ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٢ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤١.

(٣) اللباب ١ : ٨٢ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٧ ، المغني ٢ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٠.

(٤) المبسوط للسرخسي ١ : ٢١٤ ، ونقله أيضا الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٥٤٥ ، المسألة ٢٨٣.

(٥) المغني ٢ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٠.

(٦) المغني ٢ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٠ ـ ٤١.

٣٠٣

وللشافعي في ائتمام الطاهر بالمجروح وجهان (١).

د : لا يجوز للمتوضّئ ولا للمتيمّم الائتمام بعادم الماء والتراب ، سواء أوجبنا عليه الصلاة أو لا ، لأنّه غير متطهّر مطلقا.

هـ : قال الشيخ : يجوز للمكتسي أن يأتمّ بالعريان ، وبه قال الشافعي ، خلافا لأبي حنيفة (٢).

وعندي فيه إشكال ، لأنّ العاري إمّا أن يصلّي قاعدا ، فلا يجوز الائتمام به ، أو قائما مومئا ، فلا يصح الائتمام به ، لإخلاله بالركوع والسجود.

نعم لو كان المكتسي يصلّي بالإيماء لمرض ، جاز أن يأتمّ بالعريان حينئذ.

وكذلك لا يجوز للقادر على الاستقبال الائتمام بالعاجز عنه. ويصح لكلّ من هؤلاء الائتمام بمثله.

و : لو صلّت الحرّة خلف أمة مكشوفة الرأس ، صحّت صلاتها‌ ، لعدم وجوب سترة عليها. فإذا أعتقت في الأثناء ، فإن كانت السترة قريبا منها ، أخذتها ، وأتمّت الصلاة إن لم يحصل عمل كثير ، وإن حصل أو احتاجت إلى الاستدبار ، استأنفت ، وتنوي المأمومة المفارقة. وكذا العريان يجد السترة في الأثناء ، وبه قال الشافعي (٣).

وقال أبو حنيفة : العريان إذا وجد السترة ، بطلت صلاته واستأنفها (٤).

مسألة ٥٧٩ : يكره أن يؤمّ قوما وهم له كارهون ، لقوله عليه‌السلام : ( ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم : العبد الآبق حتى يرجع ، وامرأة‌

__________________

(١) المجموع ٤ : ٢٦٣ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤١.

(٢) الخلاف ١ : ٥٤٥ ، المسألة ٢٨٣ ، وانظر : المجموع ٣ : ١٨٦ ، فتح العزيز ٤ : ٩٨ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٧ ، اللباب ١ : ٨٢.

(٣) المجموع ٣ : ١٨٣ ، فتح العزيز ٤ : ١٠٢ و ١٠٣.

(٤) اللباب ١ : ٨٦ ـ ٨٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٦٠.

٣٠٤

باتت وزوجها عليها ساخط ، وإمام أمّ قوما وهم له كارهون ) (١).

وقال علي عليه‌السلام ، لرجل أمّ قوما وهم له كارهون : « إنّك لخروط (٢) » (٣).

والأقرب : أنه إن كان ذا دين فكرهه القوم لذلك ، لم تكره إمامته ، والإثم على من كرهه ، وإلاّ كرهت.

المطلب الرابع : في ترجيح الأئمّة‌

مسألة ٥٨٠ : إذا حضر إمام الأصل ، لم يجز لأحد التقدّم عليه ، وتعيّن هو للإمامة ، لأنّ له الرئاسة العامة ، وقال الله تعالى ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٤) وقال تعالى ( لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ ) (٥) وهو خليفته ، فتكون له هذه المرتبة (٦).

أمّا مع العذر فإنّه يجوز أن يستنيب من شاء ، أو يختار المأمومون من هو بالشرائط.

إذا ثبت هذا ، فغير إمام الأصل تحصل فيه الأولويّة بأمور :

ا : القراءة.

ب : الفقه.

ج : السنّ.

د : الأقدم هجرة.

__________________

(١) مصنف ابن أبي شيبة ١ : ٤٠٧ و ٤٠٨ ، سنن الترمذي ٢ : ١٩٣ ـ ٣٦٠.

(٢) الخروط : الذي يتهوّر في الأمور ويركب رأسه في كلّ ما يريد جهلا وقلّة معرفة. النهاية لابن الأثير ٢ : ٢٣ « خرط ».

(٣) مصنف ابن أبي شيبة ١ : ٤٠٧ ، كنز العمال ٨ : ٢٧٣ ـ ٢٢٨٨٩.

(٤) النساء : ٥٩.

(٥) الحجرات : ١.

(٦) في نسخة « ش » : المنزلة.

٣٠٥

هـ : الأصبح وجها ، وعند الشافعي عوضه : الأشرف نسبا (١).

و: صاحب المنزل والمسجد.

وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى.

مسألة ٥٨١ : إذا تعدّدت الأئمّة ، قدّم من يختاره المأمومون‌ ـ لما تقدّم ـ إذا كان بصفات الإمام. ولو اختلف المأمومون ، قدّم اختيار الأكثر. فإن تساووا ، فلعلمائنا قولان : أحدهما : أنّه يقدّم الأقرأ (٢) ـ وبه قال ابن سيرين والثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي وابن المنذر (٣) ـ لقوله عليه‌السلام : ( يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنّة ، فإن كانوا في السنّة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنّا ) (٤).

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه‌السلام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يتقدّم القوم أقرؤهم للقرآن » (٥).

ولأنّ القراءة ركن في الصلاة ، فكان القادر عليها أولى ، كالقادر على القيام مع العاجز عنه.

وقال بعض علمائنا : يقدّم الأفقه على الأقرأ (٦) ـ وبه قال عطاء ومالك‌

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٥ ، المجموع ٤ : ٢٨٠ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٩.

(٢) وهو اختيار المحقق في المعتبر : ٢٤٤ ونقله أيضا عن أكثر الأصحاب.

(٣) المغني ٢ : ١٦ ، الشرح الكبير ٢ : ١٨ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٧.

(٤) صحيح مسلم ١ : ٤٦٥ ـ ٦٧٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣١٣ ـ ٩٨٠ ، سنن الترمذي ١ : ٤٥٩ ـ ٢٣٥ ، سنن أبي داود ١ : ١٥٩ ـ ٥٨٤ ، سنن النسائي ٢ : ٧٦ ، سنن البيهقي ٣ : ١٢٥.

(٥) الكافي ٣ : ٣٧٦ ـ ٥ ، التهذيب ٣ : ٣١ ـ ١١٣ ، علل الشرائع : ٣٢٦ الباب ٢٠ ، الحديث ٢.

(٦) قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٣ : ٤٧٨ ما نصّه : والمخالف إنّما هو من لا نعرفه من علمائنا .. ويكفيك أنّ الشهيد لم يعرفه حيث قال : ونقل عن بعض الأصحاب .. وإنّما عرف الخلاف من بعض متأخري المتأخرين.

٣٠٦

والأوزاعي والشافعي وأبو ثور (١) ـ إذا كان يقرأ ما يحتاج إليه في الصلاة صحيحا ، لأنّ القراءة التي يحتاج إليها في الصلاة محصورة وهو يحفظها ، وما يحتاج إليه من الفقه غير محصور ، فإنه قد ينوبه في الصلاة أمر يحتاج إلى الفقه في معرفته فكان أولى كالإمامة الكبرى والحكم.

ثم تأوّلوا الخبر : بأنّ الصحابة كانوا إذا تعلّموا القرآن تعلّموا معه أحكامه.

قال ابن مسعود : كنّا لا نجاوز عشر آيات حتى نعرف أمرها ونهيها وأحكامها ، فكان أقرؤهم لكتاب الله أفقههم (٢).

والاعتراض : اللفظ عام ، فالعبرة به لا بخصوص السبب ، وتتمّة الحديث تنافيه ، وهو : قوله عليه‌السلام : ( فإن استووا فأعلمهم بالسنّة ).

إذا ثبت هذا فإنّ أحد القارئين يترجّح على الآخر بكثرة القرآن ، فإن تساويا في قدر ما يحفظ كلّ منهما وكان أحدهما أجود قراءة وإعرابا ، فهو أولى ، لأنّه أقرأ ، وإن كان أحدهما أكثر حفظا ، والآخر أجود قراءة ، فهو أولى ، والوجه أن المراد من قوله عليه‌السلام : ( أقرؤهم ) : أجودهم قراءة.

مسألة ٥٨٢ : إذا تساووا في القراءة ، قدّم الأفقه عند أكثر علمائنا (٣) ـ وهو قول الجمهور (٤) ـ لقوله عليه‌السلام : ( فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنّة ) (٥).

__________________

(١) المدونة الكبرى ١ : ٨٣ ، الشرح الصغير ١ : ١٦٣ ، المجموع ٤ : ٢٨٢ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣٢ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٧ ، المغني ٢ : ١٦ ـ ١٧ ، الشرح الكبير ٢ : ١٨.

(٢) المغني والشرح الكبير ٢ : ١٨.

(٣) منهم : الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ١٥٧ ، والمحقق في المعتبر : ٢٤٤ ونقله أيضا عن الشيخ المفيد.

(٤) المغني ٢ : ١٩ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٧.

(٥) أوعزنا إلى مصادره في المسألة السابقة (٥٨١).

٣٠٧

ولأنّ الفقه يحتاج إليه في الصلاة في جميع أفعالها للإتيان بواجباتها وسننها ، وجبرها إن عرض ما يحوج إليه ، والعلم بالسنّة أهمّ من السنّ ، للاحتياج إليه في تدبير الصلاة ، بخلاف السنّ.

وقال المرتضى : يقدّم الأسنّ ثم الأعلم بالسنّة (١) ، لما رواه مالك بن الحويرث وصاحبه قال : ( يؤمّكما أكبركما ) (٢).

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه‌السلام : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : يؤمّ القوم أقرؤهم للقرآن ، فإن تساووا ، فأقدمهم هجرة ، فإن تساووا ، فأسنّهم ، فإن كانوا سواء فليؤمّهم أعلمهم بالسنّة » (٣).

ولا حجّة في الأول ، لإمكان علمه عليه‌السلام بتساويهما إلاّ في السنّ.

والثاني يدلّ على الجواز ، ونحن نقول به ، والخلاف في الأولويّة.

إذا ثبت هذا ، فإن اجتمع فقيهان قارئان ، وأحدهما أقرأ والآخر أفقه ، قدّم الأقرأ على الأول ، للحديث ، والأفقه على الثاني ، لتميّزه بما لا يستغنى عنه في الصلاة.

فإن اجتمع فقيهان أحدهما أعلم بأحكام الصلاة والآخر أعرف بما سواها ، فالأعلم بأحكام الصلاة أولى ، لأنّ علمه يؤثّر في تكميل الصلاة ، بخلاف الآخر.

مسألة ٥٨٣ : إذا تساووا في الفقه ، قدّم أقدمهم هجرة ، والمراد به : سبق الإسلام ، أو من كان أسبق هجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام ، أو يكون من أولاد من تقدّمت هجرته ، فيقدّم بذلك ، سواء كانت الهجرة قبل الفتح أو بعده.

__________________

(١) حكاه المحقق في المعتبر : ٢٤٤.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٤٦٦ ـ ٢٩٣ ، سنن النسائي ٢ : ٧٧ ، سنن أبي داود ١ : ١٦١ ـ ٥٨٩.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧٦ ـ ٥ ، التهذيب ٣ : ٣١ ـ ١١٣ ، علل الشرائع : ٣٢٦ ، الباب ٢٠ ، الحديث ٢.

٣٠٨

وقوله عليه‌السلام : ( لا هجرة بعد الفتح ) (١) أراد أنه لا تجب ، لقوة الإسلام ، والتمكّن من إظهار شعائره في بلد الشرك ، لأنّ الهجرة قربة وطاعة ، فقدّم السابق إليها ، لسبقه إلى الطاعة.

ولقول الصادق عليه‌السلام : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : يؤمّ القوم أقرؤهم ، فإن كانوا في القراءة سواء ، فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنّا » (٢).

وللشيخ قول : إنّه يقدّم بعد التساوي في الفقه : الأشرف ، فإن تساويا في الشرف ، قدّم الأقدم هجرة (٣) ـ وبه قال الشافعي في القديم (٤) ـ لقوله عليه‌السلام : ( الأئمّة من قريش ) (٥).

والمراد : الإمامة الكبرى ، فلا تعتبر في الصغرى كالشجاعة.

مسألة ٥٨٤ : فإن تساووا في الهجرة إمّا لهجرتهما معا أو لعدمها فيهما ، قدّم الأسنّ ، لحديث الصادق عليه‌السلام (٦).

ولأنّ الأسنّ أحقّ بالتوقير والإعظام والتقدّم ، فكان له مزية في استحقاق التقدّم في الإمامة.

__________________

(١) صحيح البخاري ٤ : ١٨ ، سنن الترمذي ٤ : ١٤٨ ـ ١٥٩٠ ، مسند أحمد ١ : ٢٢٦ و ٢ : ٢١٥ و ٣ : ٢٢ و ٤٦٨ و ٥ : ١٨٧ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٣٩ ، متن عمدة الأحكام : ١٠١ ـ ١٠٢ ـ ٢٧٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٦ ـ ٥ ، التهذيب ٣ : ٣١ ـ ١١٣ ، علل الشرائع : ٣٢٦ ، الباب ٢٠ ، الحديث ٢.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ١٥٧.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٥ ، المجموع ٤ : ٢٨٣ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣٤.

(٥) مسند أحمد ٣ : ١٢٩ و ١٨٣ و ٤ : ٤٢١ ، سنن البيهقي ٣ : ١٢١.

(٦) الكافي ٣ : ٣٧٦ ـ ٥ ، التهذيب ٣ : ٣١ ـ ١١٣ ، علل الشرائع : ٣٢٦ ، الباب ٢٠ ، الحديث ٢.

٣٠٩

وهذا قول أكثر العلماء ، وهو قول الشافعي في القديم (١) ، لقوله عليه‌السلام : ( فإن استووا في الهجرة ، فأقدمهم سنّا ) (٢).

وقال في الجديد : إذا تساووا في الفقه والشرف ، قدّم الأسنّ ، فإن تساووا ، قدّم الأقدم هجرة (٣) ، لقوله عليه‌السلام ، لمالك بن الحويرث : ( إذا حضرت الصلاة فليؤذّن لكم أحدكم وليؤمّكم أكبركم ) (٤).

وقد بيّنا أنّه حكاية حال.

مسألة ٥٨٥ : إذا تساووا في ذلك ، قال الشيخان : يقدّم الأصبح وجها (٥). ورواه المرتضى رواية (٦).

ونقله بعض الشافعية عن بعض المتقدّمين ، ثم اختلف الشافعية في تفسيره ، فقال بعضهم : أراد أحسنهم صورة ، لأنّ ذلك فضيلة كالنسب.

وقال آخرون : إنّما أراد بذلك أحسنهم ذكرا بين الناس (٧). والأخير أحسن.

إذا ثبت هذا ، فإن تساووا في ذلك كلّه ، قدّم أشرفهم ، أي : أعلاهم نسبا ، وأفضلهم في نفسه ، وأعلاهم قدرا ، فإن استووا في هذه الخصال ، قدّم أتقاهم وأورعهم ، لأنه أشرف في الدين وأفضل وأقرب إلى الإجابة ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من أمّ قوما وفيهم من هو أعلم منه لم يزل أمرهم‌

__________________

(١) المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٠ ، معالم السنن للخطابي ١ : ٣٠٤ ، المجموع ٤ : ٢٨٣ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣٤.

(٢) سنن الترمذي ١ : ٤٥٩ ـ ٢٣٥ ، سنن أبي داود ١ : ١٥٩ ـ ٥٨٢.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٥ ، المجموع ٤ : ٢٨٣ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣٤.

(٤) صحيح البخاري ١ : ١٧٥ ، صحيح مسلم ١ : ٤٦٥ ـ ٦٧٤.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ١٥٧ ، وحكاه عنهما أيضا المحقق في المعتبر : ٢٤٤.

(٦) جمل العلم والعمل ضمن رسائل الشريف المرتضى ٣ : ٤٠ ، ونقله عن مصباحه المحقق في المعتبر : ٢٤٤.

(٧) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٦ ، المجموع ٤ : ٢٨٣ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣٥ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٨.

٣١٠

إلى السفال إلى يوم القيامة ) (١).

والأقوى عندي تقديم هذا على الأشرف ، لأنّ شرف الدين خير من شرف الدنيا.

فإن استووا في ذلك كلّه ، فالأقرب القرعة ـ وبه قال أحمد (٢) ـ لأنّ سعد ابن أبي وقاص أقرع بينهم في الأذان (٣) ، فالإمامة أولى.

ولأنّهم تساووا في الاستحقاق ، وتعذّر الجمع ، فأقرع بينهم ، كسائر الحقوق.

وهذا كلّه تقديم استحباب لا تقديم اشتراط ولا إيجاب ، فلو قدّم المفضول جاز ، ولا نعلم فيه خلافا.

مسألة ٥٨٦ : صاحب المنزل أولى بالإمامة فيه‌ من غيره وإن كان فيهم من هو أقرأ منه وأفقه ، إذا كان ممّن يمكنه إمامتهم وتصح صلاتهم وراءه ، ولا نعلم فيه خلافا بين العلماء ، لقوله عليه‌السلام : ( لا يؤمّن الرجل في بيته ولا في سلطانه ، ولا يجلس على تكرمته إلاّ بإذنه ) (٤).

والمراد بالتكرمة : الفراش. وقيل : المائدة.

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه‌السلام : « لا يتقدّمنّ أحدكم الرجل في منزله ولا في سلطانه » (٥).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٤٧ ـ ١١٠٢ ، علل الشرائع : ٣٢٦ ، الباب ٢٠ ، الحديث ٤ ، عقاب الأعمال : ٢٤٦ ، التهذيب ٣ : ٥٦ ـ ١٩٤.

(٢) المغني ٢ : ٢١ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٠ ، الانصاف ٢ : ٢٤٧.

(٣) صحيح البخاري ١ : ١٥٩ ، سنن البيهقي ١ : ٤٢٨ و ٤٢٩ ، إرشاد الساري ٢ : ٩ ، عمدة القارئ ٥ : ١٢٤ ، المغني ١ : ٤٧٨.

(٤) صحيح مسلم ١ : ٤٦٥ ـ ٦٧٣ ، سنن الترمذي ١ : ٤٥٩ ـ ٢٣٥ و ٥ : ٩٩ ـ ٢٧٧٢ ، سنن أبي داود ١ : ١٥٩ ـ ٥٨٢ ، سنن النسائي ٢ : ٧٧ ، سنن البيهقي ٣ : ١١٩ و ١٢٥.

(٥) الكافي ٣ : ٣٧٦ ـ ٥ ، التهذيب ٣ : ٣١ ـ ٣٢ ـ ١١٣ ، علل الشرائع : ٣٢٦ ، الباب ٢٠ ، الحديث ٢.

٣١١

ولو كان في البيت سلطان الحق أو نائبه ، فهو أولى ، لأنّه حاكم على صاحب البيت وغيره ، وأمّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عتبان (١) بن مالك وأنسا في بيوتهما (٢).

مسألة ٥٨٧ : إمام المسجد الراتب أولى من غيره‌ ، لأنّه في معنى صاحب البيت والسلطان.

ولقوله عليه‌السلام : ( من زار قوما فلا يؤمّهم ) (٣) وهو عام في المسجد كالمنزل.

ولأنّ تقديم غيره يورث وحشة.

والوالي من قبل العادل أحقّ ، لأنّه أولى من صاحب البيت مع أنّه مالك له ، فمن إمام المسجد أولى.

والولي وإن كان أحقّ من الوالي في الصلاة على الميّت فليس أولى هنا ، لأنّ الصلاة على الميّت تستحقّ بالقرابة ، والسلطان لا يشارك في ذلك ، وهنا يستحقّ بضرب من الولاية على الدار والمسجد ، والسلطان أقوى ولاية وأعم.

ولأنّ الصلاة على الميّت يقصد بها الدعاء والشفقة والحنوّ ، وهو مختص بالقرابة.

فروع :

أ : لو أذن السلطان لغيره ، جاز وكان أولى من غيره‌ ، وكذا صاحب المنزل لو أذن لبعض الحاضرين.

__________________

(١) في النسخة الحجرية والنسختين الخطيتين « ش ، م » المعتمدتين في التحقيق : غسّان. وما أثبتناه هو الصحيح. أنظر : أسد الغابة ٣ : ٣٥٩ ، وتهذيب التهذيب ٧ : ٨٦ ، وانظر أيضا المصادر الحديثية التالية.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٤٥٥ ( باب الرخصة في التخلّف عن الجماعة بعذر ) و ٤٥٧ ـ ٦٥٨ ، صحيح البخاري ١ : ١٧٠ و ١٧٥ ، سنن النسائي ٢ : ٨٠ و ٨٦ ، موطإ مالك ١ : ١٧٢ ـ ٨٦ ، سنن أبي داود ١ : ١٦٦ ـ ٦١٢ ، سنن البيهقي ٣ : ٩٦.

(٣) سنن أبي داود ١ : ١٦٣ ـ ٥٩٦ ، سنن الترمذي ٢ : ١٨٧ ـ ٣٥٦ ، سنن البيهقي ٣ : ١٢٦.

٣١٢

ب : لو دخل السلطان بلدا فيه خليفة فهو أولى من خليفته ، لعموم ولايته.

ج : لو اجتمع العبد وسيّده في بيت العبد ، فالسيد أولى ، لأنّه صاحب البيت. ولو اجتمع العبد وغير سيّده ، فالعبد أولى.

د : لو اجتمع المالك والمستأجر في الدار المؤجرة ، فالمستأجر أولى ، لأنّه أحقّ بالمنفعة والاستيلاء.

هـ : لو كان المستحقّ ممّن لا تصح الصلاة خلفه فقدّم غيره ممّن تصح الصلاة خلفه ، فالأقرب : أنّه أولى.

و : كلّ موضع حضره الإمام الأعظم أو النائب من جهته ، فهو أولى‌ بالصلاة من غيره ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والأئمّة ما حضروا موضعا إلاّ وأمّوا بالناس.

ز : لو اجتمع المكاتب والسيّد في دار المكاتب ، فالمكاتب أولى ، لأنّ يد السيّد قاصرة عن أملاك المكاتب.

ح : لو اجتمع المستعير والمالك ، فالأقرب : تقديم المالك ، لأنّ تسلّط المستعير ليس بتام من حيث إنّ للمالك أن يعزله متى شاء.

ط : لو حضر جماعة المسجد ، استحب أن يراسل إمامه الراتب حتى يحضر أو يستنيب. ولو كان الموضع بعيدا وخافوا فوت أول الوقت ( وأمنوا الفتنة ) (١) صلّوا جماعة.

ي : الخصال المكتسبة ، كالعلم والقراءة والورع أولى من غير المكتسبة‌ كالسنّ وحسن الوجه.

والأورع أولى من الأعلم ، لأنّ الإمامة سفارة بين الله تعالى وبين خلقه ، وإنّما يقدّم للسفارة من له منزلة عند من ترفع الحاجة إليه ، والمنزلة عند الله‌

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « ش » : واتّفق الفقيه.

٣١٣

تعالى للأتقياء ، قال الله تعالى ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) (١).

المطلب الخامس : في الأحكام‌

مسألة ٥٨٨ : لو كان الإمام ممّن لا يقتدى به ، لم يجز الائتمام به. فإن احتاج إلى الصلاة خلفه ، جاز أن يتابعه في الأفعال ، لكن لا ينوي الاقتداء به ، ويقرأ مع نفسه وإن كانت الصلاة جهرية ، للضرورة ، وتجزئه صلاته ، وهو قول أحمد في إحدى الروايتين. وفي الأخرى : يعيد (٢).

وهو غلط ، لأنّه أتى بأفعال الصلاة وشروطها على الكمال ، فلا تفسد بموافقة غيره في الأفعال ، كما لو لم يقصد الموافقة.

مسألة ٥٨٩ : لو كان الإمام كافرا ، فإن علم المأموم بكفره قبل الصلاة ، أعاد‌ إجماعا ، لأنّه ائتمّ بمن لا يصح الائتمام به.

وإن علمه في الأثناء ، عدل إلى الانفراد واجبا ، فإن لم يفعل واستمرّ ، وجبت الإعادة.

وإن علم بعد الفراغ ، صحّت صلاته عند أكثر علمائنا (٣) ـ وبه قال أبو ثور والمزني (٤) ـ لأنّه فعل المأمور به ، فيخرج عن العهدة.

والثانية ظاهرة ، وأما الأولى : فلأنّه مأمور بالصلاة خلف من يظنّ إسلامه ، لا من يعلمه كذلك ، لامتناع الاطّلاع على الباطن ، فيكتفي بإصلاح الظاهر.

__________________

(١) الحجرات : ١٣.

(٢) المغني والشرح الكبير ٢ : ٣٠.

(٣) منهم : الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٥٥٠ ، المسألة ٢٩٢ ، وابن إدريس في السرائر : ٦١ ، والمحقق في المعتبر : ٢٤٢.

(٤) المغني ٢ : ٣٤ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٧.

٣١٤

ولأنّ الصادق عليه‌السلام ، سئل عن قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال وكان يؤمّهم رجل ، فلمّا صاروا إلى الكوفة علموا أنّه يهودي ، قال : « لا يعيدون » (١).

وقال المرتضى : تجب الإعادة (٢) ـ وبه قال الشافعي وأحمد وأصحاب الرأي (٣) ـ لأنّه ائتمّ بمن ليس من أهل الصلاة ، فلا تصح صلاته ، كما لو أئتمّ بمجنون.

وينتقض : بالمحدث ، فإنه لو أئتمّ به ، صحّت صلاته إجماعا.

إذا ثبت هذا ، فلا فرق بين أن يكون الكفر ممّا يستسرّ به عادة ، كالزندقة أو لا ، وهو أحد وجهي الشافعي ، وفي الآخر : الفرق ، فأوجب الإعادة فيما لا يخفى ، كالتهوّد والتنصّر ، دون ما يخفى ، لمشقّة الوقوف عليه (٤).

مسألة ٥٩٠ : صلاة الكافر لا تكون إسلاما منه ما لم تسمع منه الشهادتان‌ ، سواء كان في دار الحرب أو دار الإسلام ، وسواء صلّى جماعة أو فرادى ، وسواء صلّى في المسجد أو لا ـ وبه قال الشافعي (٥) ـ لأنّ الصلاة من فروع الإسلام ، فلا يصير مسلما بفعلها ، كالحج والصوم والاعتكاف.

ولقوله عليه‌السلام : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلاّ الله ، فإذا قالوها ، عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها ) (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٧٨ ـ ٤ ، التهذيب ٣ : ٤٠ ـ ١٤١.

(٢) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٢٤٢.

(٣) الام ١ : ١٦٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٤ ، المجموع ٤ : ٢٥١ ، الوجيز ١ : ٥٥ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٦ ، مختصر المزني : ٢٣ ، المغني ٢ : ٣٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٣ ، الانصاف ٢ : ٢٥٩.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٤ ، المجموع ٤ : ٢٥١ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٩ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤١.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٤ ، فتح العزيز ٤ : ٣١٢.

(٦) صحيح البخاري ٢ : ١٣١ ، صحيح مسلم ١ : ٥٣ ـ ٣٥ ، سنن النسائي ٧ : ٧٩ ، سنن أبي داود ٣ : ٤٤ ـ ٢٦٤٠ ، سنن الترمذي ٥ : ٣ ـ ٢٦٠٦ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٣٢ ـ ٧ ، المستدرك للحاكم ٢ : ٥٢٢.

٣١٥

وقال بعض الشافعية : إن صلّى في دار الإسلام ، فليس بمسلم ، لأنّه قد يقصد الاستتار بالصلاة وإخفاء دينه ، وإن صلّى في دار الحرب ، فهو مسلم ، لأنّه لا تهمة في حقّه. وهو قول للشافعي (١) أيضا.

أمّا إذا أظهر التشهّد ، فالوجه : أنّه إسلام ، لأنّ الشهادة صريح في الإسلام ، وبه قال الشافعي ، وله وجه آخر : أنّه لا يحكم بإسلامه ، لاحتمال أن يكون ذلك على سبيل الحكاية (٢). وليس بصحيح.

وقال أبو حنيفة : إن صلّى إماما أو مأموما في أيّ موضع كان ، فهو إسلام بحيث لو رجع بعد الصلاة وقال : لم أسلم ، كان مرتدّا ، سواء سمع منه التشهّد أو لا ، وكذا إن صلّى منفردا في المسجد ، وإن أذّن حيث يؤذّن المسلمون ، كان إسلاما منه ، وإن حجّ وطاف ، كان إسلاما منه ، وإن صلّى منفردا في غير المسجد ، لم يكن إسلاما (٣).

وقال مالك وأحمد : يحكم بإسلامه بالصلاة بكلّ حال ، فإن أقام بعد ذلك على الإسلام ، وإلاّ فهو مرتدّ ، وإن مات قبل ظهور ما ينافي الإسلام ، فهو مسلم يرثه ورثته المسلمون دون الكفّار ، لأنّها عبادة يختص بها المسلمون ، فإذا فعلها الكافر ، كان إسلاما منه ، كالشهادتين (٤).

والفرق : أنّ الشهادتين صريح في الإسلام.

وقال محمد بن الحسن : إذا صلى في المسجد منفردا أو في جماعة ،

__________________

(١) المجموع ٤ : ٢٥١ ، فتح العزيز ٤ : ٣١٣ ، المغني ٢ : ٣٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٧.

(٢) المجموع ٤ : ٢٥٢ ، فتح العزيز ٤ : ٣١٣.

(٣) المغني ٢ : ٣٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٧ ، المجموع ٤ : ٢٥٢ ، فتح العزيز ٤ : ٣١٢ و ٣١٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٩.

(٤) المغني ٢ : ٣٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٦ ـ ٣٧ ، فتح العزيز ٤ : ٣١٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٩.

٣١٦

حكم بإسلامه ، وإن صلّى منفردا في بيته ، لم يحكم بإسلامه (١).

والبحث في ظهور فسق الإمام كالبحث في ظهور كفره ، فقال المرتضى : يعيد (٢) ، وبه قال أحمد (٣).

وقال الشيخ : لا يعيد إذا كان ظاهر العدالة ، لأنّها صلاة مشروعة في ظاهر الحكم ، فتكون مجزئة (٤).

ولو علم بعض المأمومين فسقه دون بعض ، صحّت صلاة الجاهل خاصة وإن كان مستور الحال ، مقبول الشهادة عند الحاكم.

فروع :

أ : الكافر إذا أمّ المسلمين ، عزّر‌ ، لأنّه غشّهم.

ب : لو صلّى خلف من أسلم من الكفّار ، فلمّا فرغ من صلاته قال : لم أكن أسلمت ، وإنّما تظاهرت بالإسلام ، لم يلزمه قبول قوله‌ ، لكفره ، ولا إعادة عليه.

ج : إذا كان يعرف لرجل إسلام وارتداد ، فصلّى رجل خلفه ولم يعلم في أيّ الحالين صلّى خلفه ، لم يعد‌ ، لأنّ الشك بعد عمل الصلاة لا يؤثر فيها.

مسألة ٥٩١ : لو كان الإمام جنبا أو محدثا ، لم تصح صلاته ، سواء علم بحدثه ، أو لا ، وتصح صلاة من خلفه إذا لم يعلم بحدثه ـ وبه قال علي عليه‌السلام ، وعمر ، وعثمان ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، ومن التابعين : الحسن البصري والنخعي وسعيد بن جبير ، وبه قال الشافعي‌

__________________

(١) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٥٥١ ، المسألة ٢٩٢.

(٢) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٢٤٣.

(٣) المغني ٢ : ٢٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٤ ـ ٢٥ ، الانصاف ٢ : ٢٥٣.

(٤) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٢٤٣.

٣١٧

والأوزاعي والثوري وأحمد وأبو ثور (١) ـ لأنّ أبا بكرة قال : دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في صلاة الفجر ، فأومأ إليهم أن مكانكم ، ثم ذهب وجاء ورأسه يقطر ، فصلّى بهم (٢).

وهو يدلّ على أنّهم أحرموا معه ، لأنّه أومأ إليهم ولم يكلّمهم ، لأنّ كلام المصلّي مكروه ، وهذا وإن كان باطلا عندنا ، لكنّه ذكر للإلزام.

ومن طريق الخاصة : قول الباقر عليه‌السلام ، وقد سأله محمد بن مسلم عن الرجل يؤمّ القوم وهو على غير طهر ، فلا يعلم حتى تنقضي صلاته؟ قال : « يعيد ولا يعيد من خلفه وإن أعلمهم أنّه على غير طهر » (٣).

ولأنّ المأموم لم يفرط بالائتمام به ، فلم تبطل صلاته ، كما لو سبق الإمام الحدث.

وقال الشعبي وابن سيرين وحمّاد وأصحاب الرأي : تبطل صلاة المأمومين أيضا (٤).

وقال مالك : إن كان الإمام غير عالم بحدث نفسه ، صحّت صلاة المأمومين ، وإن كان عالما ، لم تصح (٥).

وقال عطاء : إن كان حدثه جنابة ، بطلت ، وإن كان غير ذلك ، أعادوا‌

__________________

(١) الام ١ : ١٦٧ ـ ١٦٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٤ ، المجموع ٤ : ٢٦٠ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٤ ، حلية العلماء ٢ : ١٧١ ، المغني ١ : ٧٧٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥ و ٥٦ ، بداية المجتهد ١ : ١٥٦.

(٢) سنن أبي داود ١ : ٦٠ ـ ٢٣٣ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٩٧.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٩ ـ ١٣٧ ، الاستبصار ١ : ٤٣٢ ـ ١٦٦٨.

(٤) المبسوط للسرخسي ١ : ١٨٠ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٢٧ ، المجموع ٤ : ٢٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥ ، المغني ١ : ٧٧٧ ، بداية المجتهد ١ : ١٥٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٢.

(٥) المدونة الكبرى ١ : ٣٣ ، الشرح الصغير ١ : ١٥٦ ، المجموع ٤ : ٢٦٠ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٤ ، بداية المجتهد ١ : ١٥٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٢.

٣١٨

في الوقت (١).

واحتجّوا : بأنّ المأموم اقتدى بمن لا صلاة له ، فتبطل صلاته ، كما لو كان الإمام كافرا أو امرأة.

وقال مالك : إذا علم الإمام بحدثه فصلّى فسق ، ولا تصح الصلاة خلف الفاسق (٢).

والأصل ممنوع ، فإنّا نحكم بصحة الصلاة مع الجهل.

والفرق مع تسليم الأصل ، لأنّه منسوب إلى التفريط بالائتمام بالمرأة والكافر ، إذ لا يجوز أن يكونا إمامين له بحال ، والجنب والمحدث يجوز أن يكونا إمامين بالتيمّم.

مسألة ٥٩٢ : لو أحدث الإمام ، فعلم المأمومون بحدثه ، وجب عليهم مفارقته‌ ، فينوون الانفراد ، فإن تابعوه ، بطلت صلاتهم.

فإن كان حدثه قبل إكمال ركعة قبل القراءة أو بعدها ، فإن كان موضع طهارته قريبا ، أومأ إليهم ومضى وتوضّأ وعاد إلى الصلاة.

وهل ينوون الاقتداء؟ إشكال ينشأ : من جواز نقل نية الانفراد إلى الائتمام.

وقال الشافعي : ينوون الاقتداء (٣) ، فانعقدت الصلاة في الابتداء جماعة بغير إمام ثم صارت جماعة بإمام.

وإن كان بعيدا ، قال الشافعي في القديم : يصلّون لأنفسهم. فمن أصحابه من علّل : بأنّه قاله قبل أن يجوّز الاستخلاف ، لأنّه في القديم لم يجوّز الاستخلاف. ومنهم من علّل : بأنّهم يصلّون فرادى ليخرجوا من‌

__________________

(١) المجموع ٤ : ٢٦٠ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٢.

(٢) المجموع ٤ : ٢٦٠.

(٣) انظر : المجموع ٤ : ٢٦٢.

٣١٩

الخلاف ، فإنّ الناس اختلفوا في الصلاة بإمامين (١).

وإن كان قد صلّى ركعة أو أكثر ، فإنّهم لا ينتظرونه عنده (٢) ، لأنّه إذا عاد وصلّى ، فإنّهم يفارقونه إذا أتمّوا صلاتهم ، وإذا لم يكن قد قرأ ، لم ينتظروه ، وكانوا على فراقه.

تذنيب : لو أدرك الإمام راكعا ، فدخل معه في الصلاة ، فلمّا فرغ أخبره أنّه كان على غير وضوء ، فالوجه : عدم القبول في بطلان صلاة المأموم.

وقال الشافعي : لا يعتدّ بتلك الركعة ، لأنّها لم تصح من الإمام ، فلا ينوب عنه في القراءة فيها ، فيأتي بركعة أخرى (٣). وليس بجيّد.

مسألة ٥٩٣ : لو أحدث الإمام أو أغمي عليه أو مات أو مرض ، قدّم هو أو المأمومون من يتمّ بهم الصلاة ، استحبابا لا وجوبا ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال مالك وأبو حنيفة والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور والشافعي في الجديد (٤) ـ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لم يمكّن أبا بكر من إتمام الإمامة في الصلاة ، وخرج وهو مريض ، فأتمّ هو الصلاة بالناس (٥).

وقال الشافعي في القديم : لا يجوز (٦).

وقد تقدم البحث في ذلك في باب الجمعة (٧).

__________________

(١) حلية العلماء ٢ : ١٧٢ ، المجموع ٤ : ٢٦٢.

(٢) المجموع ٤ : ٢٦٢.

(٣) المجموع ٤ : ٢٥٨.

(٤) الشرح الصغير ١ : ١٦٦ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٥٢ ، المدونة الكبرى ١ : ١٤٥ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٦٩ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٢٤ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٩ ، اللباب ١ : ٨٤ ، المغني ١ : ٧٧٩.

(٥) صحيح البخاري ١ : ١٦٩ ، صحيح مسلم ١ : ٣١٢ ـ ٤١٨ ، سنن الترمذي ٢ : ١٩٧ ذيل الحديث ٣٦٢.

(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٣ ، المجموع ٤ : ٢٤٢ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٦ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٢٤.

(٧) تقدم في المسألة ٣٩١.

٣٢٠