تذكرة الفقهاء - ج ٤

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٤

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: ٤٧٨

فإن أدركتها معهم فصلّ فإنها لك نافلة ) (١).

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه‌السلام : « لا تصلّ خلف الغالي وإن كان يقول بقولك ، والمجهول والمجاهر بالفسق وإن كان مقتصدا » (٢).

وعن الباقر عليه‌السلام « لا تصلّ إلاّ خلف من تثق بدينه وأمانته » (٣).

وسأل إسماعيل ، الرضا عليه‌السلام : رجل يقارف الذنوب وهو عارف بهذا الأمر أصلّي خلفه؟ قال : « لا » (٤).

وحكى المرتضى عن أبي عبد الله البصري أنه موافق لنا ، ويحتجّ على ذلك : بإجماع أهل البيت عليهم‌السلام ، وكان يقول : إنّ إجماعهم حجّة (٥).

وقال الشافعي وأبو حنيفة : تجوز على كراهة (٦) ـ وعن أحمد روايتان (٧) ـ لقوله عليه‌السلام : ( لا تكفّروا أحدا من أهل ملّتكم بالكبائر ، الصلاة خلف كلّ إمام ، والجهاد مع كلّ أمير ، والصلاة على كلّ ميت ) (٨).

ولأنّ الحسن والحسين عليهما‌السلام ، صلّيا خلف مروان (٩). وصلّى ابن‌

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٤٤٨ ـ ٦٤٨ ، سنن البيهقي ٣ : ١٢٨.

(٢) الفقيه ١ : ٢٤٨ ـ ١١١١ ، الخصال : ١٥٤ ـ ١٩٣ ، والتهذيب ٣ : ٣١ ـ ١٠٩ و ٢٨٢ ـ ٨٣٧.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧٤ ـ ٥ ، التهذيب ٣ : ٢٦٦ ـ ٧٥٥.

(٤) الفقيه ١ : ٢٤٩ ـ ١١١٦ ، التهذيب ٣ : ٣١ ـ ١١٠ و ٢٧٧ ـ ٨٠٨.

(٥) نقله الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٥٦٠ ، المسألة ٣١٠.

(٦) الام ١ : ١٦٦ ، المجموع ٤ : ٢٥٣ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣١ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٠ ، الميزان للشعراني ١ : ١٧٦ ـ ١٧٧ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤٢ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٤٠ ، بدائع الصنائع ١ : ١٥٦.

(٧) المغني ٢ : ٢٤ ـ ٢٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٦ ، المحرّر في الفقه ١ : ١٠٤ ، الميزان للشعراني ١ : ١٧٦ ـ ١٧٧ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٠.

(٨) سنن الدار قطني ٢ : ٥٧ ـ ٨.

(٩) سنن البيهقي ٣ : ١٢٢.

٢٨١

عمر مع الحجّاج (١).

وأخبارنا أخصّ فتقدّم ، مع أنّ حديثهم متروك الظاهر ، فإنّ أمير البغاة أمير ولا يجاهد معه ، والميت منهم لا يصلّى عليه ، والصلاة خلف المعتزلة ينكرها أصحاب الشافعي (٢) ، وتجوز للتقيّة ، كما فعل الإمامان عليهما‌السلام ، مع مروان.

فروع :

أ : لو كان فسقه خفيّا وهو عدل في الظاهر‌ ، فالوجه أنّه لا يجوز لمن علم فسقه الائتمام به ، لأنّه ظالم عنده ، مندرج تحت قوله تعالى ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (٣).

ب : لا فرق بين الفرائض اليومية وغيرها من الجمع والأعياد عند علمائنا في اشتراط العدالة.

وقال أحمد : لا تشترط العدالة ، بل يصلّى خلفهم ، لأنّ الله تعالى أوجب الجمعة وهو يعلم أنّ بني العباس سيلونها (٤).

والوجوب منوط بالإمام العادل.

وهل تعاد عنده لو صلاّها خلف الفاسق؟ روايتان (٥).

ولو كان المباشر لها عدلا والمولّي له غير مرضي الحال لبدعته أو فسقه ، صحّت الجمعة ، ولا تعاد قولا واحدا.

ج : المخالف في الفروع الاجتهادية باجتهاد يصح أن يكون إماما.

__________________

(١) سنن البيهقي ٣ : ١٢١.

(٢) المجموع ٤ : ٢٥٤.

(٣) هود : ١١٣.

(٤) المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧.

(٥) المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧.

٢٨٢

ولو علم أنّه يترك واجبا أو شرطا يعتقده المأموم دون الإمام ، فالأقوى عندي : عدم جواز الاقتداء به ، لأنّه يرتكب ما يعتقده المأموم مفسدا للصلاة ، فلم يصح ائتمامه ، كما لو خالفه في القبلة حالة الاجتهاد فيها.

فلا يصح لمن يعتقد وجوب السورة بعد الحمد الصلاة خلف من لا يعتقد وجوبها وإن قرأها ، لأنّه يوقعها على وجه الندب ، فلا تجزئ عن الواجب.

وكذا لا يصح أن يصلّي من يعتقد تحريم لبس السنجاب مثلا خلف من يعتقد تسويغه مع لبسه لا مطلقا.

د : لو فعل الإمام شيئا يعتقد تحريمه من المختلف فيه ، فإن كان ترك ما يعتقده شرطا للصلاة أو واجبا فيها ، فصلاته فاسدة‌ ، لأنّه مأمور بالعمل باجتهاده.

وصلاة من يأتمّ به كذلك وإن اعتقد تسويغ الترك ، لأنّه صلّى خلف من يعتقد بطلان صلاته ، ومن شرط الاقتداء إسقاط صلاة الإمام القضاء.

وإن كان يفعل ما يعتقد تحريمه في غير الصلاة ، كنكاح بنته المخلوقة من الزنا ، فإن داوم عليه فهو فاسق لا تجوز الصلاة خلفه ، وإلاّ فلا.

وإن كان الفاعل عاميّا وقلّد من يعتقد جوازه ، فلم يكن عليه شي‌ء ، لأن فرضه التقليد.

وإن كان يفعل ما يعتقد تحريمه في الصلاة كالقران بين السورتين ، بطلت صلاته وصلاة المأموم أيضا وإن اعتقد تسويغه ، لما تقدّم.

مسألة ٥٦٥ : طهارة المولد شرط في الإمام ، فلا تصح إمامة ولد الزنا عند علمائنا ، لقوله عليه‌السلام : ( ولد الزنا شرّ الثلاثة ) (١) وإذا كان شرّه أعظم من شرّ أبويه ، ولا تصح إمامتهما ، فكذا هو.

ومن طريق الخاصة : قول الباقر عليه‌السلام : « لا تقبل شهادة ولد الزنا‌

__________________

(١) سنن أبي داود ٤ : ٢٩ ـ ٣٩٦٣ ، مسند أحمد ٢ : ٣١١ ، المستدرك للحاكم ٤ : ١٠٠.

٢٨٣

ولا يؤمّ الناس » (١).

ولأنه غير مقبول الشهادة ، فلا يصلح للإمامة ، لأنّها تتضمّن معنى الشهادة بأداء ما وجب عليه من الأفعال.

وكرهه الشافعي وأبو حنيفة وأصحابه ، ومالك (٢). وسوّغه الثوري وأحمد وإسحاق من غير كراهة (٣) ، لقول عائشة : ما عليه من وزر أبويه شي‌ء (٤).

ولا دلالة فيه.

أمّا من لا يعرف أبوه ، ولا علم كونه ولد زنا ، فالوجه : صحّة إمامته ، لظهور العدالة وعدم علم المنافي.

نعم إنّه مكروه ـ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابه ، ومالك (٥) ـ لأنّ رجلا كان يؤمّ الناس بالعقيق لا يعرف أبوه ، فنهاه عمر بن عبد العزيز (٦) ، ولم ينكر عليه أحد.

ولأنّ الإمامة موضع فضيلة ، فلا ينبغي أن يتقدّم من لا يعرف أبوه لنقصانه.

وقال الثوري وأحمد وإسحاق : لا يكره ، واختاره ابن المنذر ، ورواه عن‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٦ ـ ٨ ، التهذيب ٦ : ٢٤٤ ـ ٦١٤.

(٢) المجموع ٤ : ٢٨٨ ، بدائع الصنائع ١ : ١٥٧ ، الشرح الصغير ١ : ١٥٨ ، المغني ٢ : ٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٩.

(٣) المغني ٢ : ٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٩ ، زاد المستقنع : ١٧ ، كشاف القناع ١ : ٤٨٤ ، المجموع ٤ : ٢٩٠.

(٤) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٢١٦ ، والمستدرك للحاكم ٤ : ١٠٠ وفيه عن عائشة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وانظر : المغني ٢ : ٦٠ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٩.

(٥) الام ١ : ١٦٦ ، المجموع ٤ : ٢٨٨ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٩ ، الشرح الصغير ١ : ١٥٨ ، الميزان للشعراني ١ : ١٧٦.

(٦) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٢١٦ ـ ٢١٧.

٢٨٤

مالك (١) ، لأن عائشة قالت : ما عليه من وزر أبويه شي‌ء (٢).

ونحن نقول بموجبه ، إذ ليس عليه إثم الزنا ، لكن الأبوان شرّان باعتبار فعل الزنا وهو عارض لهما ، وهو شرّ باعتبار تولّده عنه.

وكذا تصح إمامة ولد الشبهة.

مسألة ٥٦٦ : يشترط في إمام الرجال والخناثى : الذكورة ، فلا تصح إمامة المرأة ولا الخنثى المشكل للرجل ولا للخنثى عند علمائنا أجمع ـ وبه قال عامة الفقهاء (٣) ـ لقوله عليه‌السلام في خطبته : ( ألا لا تؤمّنّ امرأة رجلا ) (٤).

وقال عليه‌السلام : ( أخّروهنّ من حيث أخّرهنّ الله ) (٥).

ولأنّ المرأة لا تؤذّن للرجال ، فلا تكون إمامة لهم كالكافر.

ولأنّهنّ مأمورات بالستر ، والإمام بالاشتهار ، وهم ضدّان.

وقال أبو ثور والمزني ومحمد بن جرير الطبري : تجوز في صلاة التراويح إذا لم يكن قارئ غيرها ، وتقف خلف الرجال (٦) ، لأنّ النبي عليه‌السلام ، كان يزور أمّ ورقة بنت نوفل في بيتها ، فجعل لها مؤذّنا يؤذّن لها ، وأمرها أن تؤمّ أهل دارها (٧). وهذا عام في الرجال والنساء.

والدار قطني روى أنّه أمرها أن تؤمّ بنساء أهل دارها (٨). ولأنّه محمول عليه ، إذ لا يمكن جريانه على عمومه في الفرائض ، فكذا في النوافل ،

__________________

(١) الميزان للشعراني ١ : ١٧٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٩.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في الهامش (٤) من الصفحة ٢٨٤.

(٣) المغني ٢ : ٣٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٣٤٣ ـ ١٠٨١ ، سنن البيهقي ٣ : ١٧١.

(٥) مصنف عبد الرزاق ٢ : ١٤٩ ـ ٥١١٥ ، كشف الخفاء ١ : ٦٩ ـ ١٥٦ ، تمييز الطيب من الخبيث : ١٦ ـ ٤٦ ، التذكرة في الأحاديث المشتهرة : ٦٢ ، وفيها عن ابن مسعود.

(٦) حلية العلماء ٢ : ١٧٠ ، المجموع ٤ : ٢٥٥ ، وانظر : المغني ٢ : ٣٤ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٢.

(٧) سنن أبي داود ١ : ١٦١ ـ ١٦٢ ـ ٥٩٢ ، سنن البيهقي ٣ : ١٣٠.

(٨) سنن الدار قطني ١ : ٢٧٩ ـ ٢.

٢٨٥

فتختص بالنساء.

فروع :

أ : يصلّي الرجال بالنساء ذوات محارمه ، وإن كنّ أجنبيات ولا رجل معهنّ ، فكذلك.

وكرهه الشافعي (١) ، لأنّه عليه‌السلام ، نهى عن أن يخلو الرجل بالمرأة الأجنبية (٢).

ب : لا يجوز أن يكون الخنثى المشكل إماما للرجل‌ ، لجواز أن تكون امرأة ، ولا يؤمّ خنثى مثله ، ولا أن يأتم بامرأة.

ج : لو صلّى رجل أو خنثى خلف خنثى ، فبان الإمام رجلا ، لم تجزئه صلاته ، لأنّه دخل دخولا منهيّا عنه ، والنهي يقتضي الفساد ، وكان حالة الدخول شاكّا في صلاته. وهو أحد قولي الشافعي. وفي الآخر : لا تجب ، لأنّه ظهر أنّه ممّن تجوز الصلاة خلفه (٣).

د : إذا وقف للصلاة ، جاز للرجال والنساء الاقتداء به ، سواء نوى استتباع الرجال والنساء ، أو استتباع الرجال خاصة ، أو استتباع النساء خاصة ، أو لم ينو استتباع أحد ـ وبه قال الشافعي (٤) ـ لأنّ كلّ طائفة تصح صلاتها خلف الإمام إذا نوى استتباعها جاز وإن لم ينوها ، قياسا على الرجال.

وقال أبو حنيفة : إن نوى استتباع الفرقتين ، جازت صلاتهما معا خلفه.

وكذا إن نوى استتباع النساء خاصّة. وإن نوى استتباع الرجال خاصة ، لم يجز للنساء الصلاة خلفه (٥).

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٥.

(٢) المستدرك للحاكم ١ : ١١٤ ، ومجمع الزوائد ٥ : ٢٢٥ نقلا عن الطبراني في الأوسط.

(٣) المجموع ٤ : ٢٥٥ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٤ ، وقوله : لا تجب. أيّ : لا تجب إعادة الصلاة.

(٤) المجموع ٤ : ٢٠٢ ـ ٢٠٣ ، الوجيز ١ : ٥٧ ، فتح العزيز ٤ : ٣٦٦ ، كفاية الأخيار ١ : ٨١.

(٥) المبسوط للسرخسي ١ : ١٨٥ ، بدائع الصنائع ١ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٤ : ٣٦٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٨١.

٢٨٦

مسألة ٥٦٧ : لا يؤمّ القاعد القيّام‌ عند علمائنا أجمع ، فلو أمّ قاعد قائما ، بطلت صلاة المأموم ـ وهو قول محمد بن الحسن ومالك في إحدى الروايتين (١) ـ لقوله عليه‌السلام : ( لا يؤمنّ أحد بعدي جالسا ) (٢).

ومن طريق الخاصة : قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لا يؤمّ المقيّد المطلقين ولا صاحب الفالج الأصحّاء » (٣).

ولأنّ القيام ركن ، فلا يصح ائتمام القادر عليه بالعاجز عنه ، كسائر الأركان.

وقال أبو حنيفة والشافعي والثوري وأبو ثور ومالك في الرواية الأخرى : يصلّون خلفه قياما وهو قاعد ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، صلّى في مرض موته جالسا وأصحابه قياما (٤) (٥).

ولا يجوز حمل غير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عليه ، لشرفه وعظم منزلته. ولأنّه أراد منع إمامة غيره في تلك الصلاة.

وقال الأوزاعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر : يصلّون خلفه جلوسا ، لأنّ أبا هريرة روى عنه عليه‌السلام : ( إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به فلا تختلفوا‌

__________________

(١) الكافي في فقه أهل المدينة : ٤٨ ، المدونة الكبرى ١ : ٨١ ، المنتقى للباجي ١ : ٢٣٨ ، الشرح الصغير ١ : ١٥٦ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٢١٣ ـ ٢١٤ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٨ ، اللباب ١ : ٨٢ ، المغني ٢ : ٤٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٥ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٣ ، عمدة القارئ ٥ : ١٩١.

(٢) سنن الدار قطني ١ : ٣٩٨ ـ ٦ ، سنن البيهقي ٣ : ٨٠ ، والفقيه ١ : ٢٤٩ ـ ١١١٩.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧٥ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٧ ـ ٩٤.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ٥٩ ، صحيح مسلم ١ : ٣١٤ ـ ٩٥ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٠٤.

(٥) المبسوط للسرخسي ١ : ٢١٣ ، اللباب ١ : ٨٣ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٨ ، شرح فتح القدير ١ : ٣٢٠ ، عمدة القارئ ٥ : ١٩٠ ـ ١٩١ ، المجموع ٤ : ٢٦٥ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٠ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٣ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٤٨ ، بداية المجتهد ١ : ١٥٢ ، المنتقى للباجي ١ : ٢٣٨ ، المغني ٢ : ٤٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦.

٢٨٧

عليه .. وإذا صلّى جالسا فصلّوا جلوسا أجمعون ) (١) (٢).

ولو سلّم ، حمل على عموم العذر.

فروع :

أ : إذا كان الإمام الراتب مريضا لا يقدر على القيام ، لم يجز أن يؤمّ بالقيّام‌ ، لكن يستحب أن يستخلف غيره إجماعا ، ليخرج عن الخلاف.

ب : لو صلّوا خلف القاعد قياما ، بطلت صلاتهم عندنا‌ ، وكذا إن صلّوا جلوسا ، لإخلالهم بالركن.

وأبطل أحمد صلاتهم قياما خلفه في رواية (٣).

وهي من أغرب الأشياء.

ج : شرط أحمد في إمامة القاعد للقادر على القيام أمرين : أن يكون القاعد إمام الحي ، وأن يكون مرضه يرجى زواله (٤).

ولا وجه للشرطين ، بل الحقّ البطلان في الجميع على ما تقدّم.

د : لو صلّى قائما فاعتلّ فجلس ، أتمّوا الصلاة قياما‌ منفردين عنه ، فإن استخلف أو استخلفوا صلّوا جماعة ، وإلاّ انفردوا ، ولا يجوز لهم الائتمام به ، خلافا للجمهور.

وسوّغ أحمد هنا قيامهم ، لأنّ القيام هو الأصل ، فمن بدأ به في الصلاة لزمه في جميعها إذا قدر عليه كالشارع في صلاة المقيم يلزمه إتمامها (٥).

هـ : لو استخلف بعض الأئمة في وقتنا ثم زال عذره فحضر‌ ، فهل يجوز‌

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ١٨٤ ، صحيح مسلم ١ : ٣٠٩ ـ ٤١٤ ، مسند أحمد ٢ : ٣١٤ ، سنن أبي داود ١ : ١٦٤ ـ ٦٠٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٧٦ ـ ٨٤٦ ، سنن البيهقي ٢ : ٩٧ و ١٥٦.

(٢) المغني ٢ : ٤٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٥ ، زاد المستقنع : ١٧ ، الانصاف ٢ : ٢٦١ ، المجموع ٤ : ٢٦٥ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٠ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٣ ، بداية المجتهد ١ : ١٥٢.

(٣) المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٠ ، الإنصاف ٢ : ٢٦١.

(٤) المغني ٢ : ٥٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٤ ، زاد المستقنع : ١٧ ، الانصاف ٢ : ٢٦٠.

(٥) المغني والشرح الكبير ٢ : ٥١ ، زاد المستقنع : ١٧ ، الإنصاف ٢ : ٢٦٢.

٢٨٨

أن يفعل كفعل النبي عليه‌السلام مع أبي بكر (١) إن صلّى قاعدا؟ لم يجز عندنا وقد سبق.

وعن أحمد روايتان : المنع ، لاختصاصه عليه‌السلام به ، لأنّه مخالف للقياس ، فإنّ انتقال الإمام مأموما وانتقال المأمومين من إمام إلى آخر إنّما يجوز مع العذر. والجواز (٢).

و : يجوز للعاجز عن القيام أن يؤمّ مثله إجماعا‌ ، ولا يشترط كونه إماما راتبا ، ولا ممّن يرجى زوال عذره (٣) إجماعا.

ز : لا يجوز أن يكون المومئ إماما للقائم والقاعد‌ ـ وبه قال مالك وأحمد وأصحاب الرأي (٤) ـ لأنه أخلّ بركن لا يسقط في النافلة ، فلم يجز للقادر عليه الائتمام به كالقارئ بالأمّي.

ولأنّه يصلّي بغير ركوع وسجود ، فلا يجوز أن يكون إماما لمن يصلّي بركوع وسجود ، كما لو صلّى صلاة الجنازة.

وقال الشافعي : يجوز ، لأنّه فعل أباحه المرض ، فلم يغيّر حكم الائتمام ، كالقاعد إذا أمّ القائم (٥).

ح : لا يجوز لتارك ركن من الأفعال إمامة القادر عليه‌ كالمضطجع ، ومن‌

__________________

(١) انظر : صحيح البخاري ١ : ١٧٦ ، صحيح مسلم ١ : ٣١٢ ـ ٤١٨ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٠٤.

(٢) المغني والشرح الكبير ٢ : ٥١.

(٣) هذا هو الصحيح. وفي نسختي « ش وم » : ولا ممّن يرجى زوال برئه.

(٤) الشرح الصغير ١ : ١٥٦ ، المغني ٢ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٢ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٢١٥ ، اللباب ١ : ٨٢ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٤.

(٥) المجموع ٤ : ٢٦٤ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٣ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤٠ ، المغني ٢ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٢.

٢٨٩

لا يتمكّن من ركوع أو سجود ، وبه قال مالك وأحمد وأصحاب الرأي (١) ، خلافا للشافعي (٢) ، والتقريب ما تقدّم (٣).

ط : لا يجوز أن يؤمّ المقيّد المطلقين ، لعجزه عن القيام ، ولا صاحب الفالج الأصحّاء كذلك ، للحديث (٤) ، ويجوز أن يؤمّ الأعرج.

ى : تجوز إمامة أقطع اليدين أو الرّجل أو الثلاثة‌ ـ وهو إحدى الروايتين عن أحمد ـ للعموم. وفي الأخرى : لا تصح ، لأنه يخلّ بالسجود على بعض أعضاء السجود ، فأشبه العاجز عن السجود (٥). والفرق ظاهر.

ولا تجوز إمامة أقطع الرجلين ، وتجوز إمامة الخصيّ والجندي.

مسألة ٥٦٨ : لا يجوز أن يأتمّ القارئ بالأمي في الجهرية والإخفاتية‌ عند علمائنا أجمع ، وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد والشافعي في أحد أقواله (٦).

ونعني بالأمّي من لا يحسن قراءة الفاتحة أو لا يحسن القراءة.

وقال الشافعي : الأمّي من لا يحسن الفاتحة أو بعضها ولو كلمة واحدة (٧).

وقالت الحنفية : الأمّي من لا يحسن من القرآن ما يصلّي به (٨) ، لأنّ‌

__________________

(١) بلغة السالك ١ : ١٥٦ ، الشرح الصغير ١ : ١٥٦ ، المغني ٢ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٢ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٢١٥.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٥ ، المجموع ٤ : ٢٦٤ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤٠ ، المغني ٢ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٢.

(٣) تقدم في الفرع السابق.

(٤) الكافي ٣ : ٣٧٥ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٧ ـ ٩٤ ، وتقدّم الحديث في صدر المسألة.

(٥) المغني والشرح الكبير ٢ : ٣١ ـ ٣٢.

(٦) الهداية للمرغيناني ١ : ٥٨ ، القوانين الفقهية : ٦٩ ، الام ١ : ١٦٧ ، المجموع ٤ : ٢٦٧ ، فتح العزيز ٤ : ٣١٨ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٤ ، المغني ٢ : ٣٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧.

(٧) المجموع ٤ : ٢٦٧ ، فتح العزيز ٤ : ٣١٨.

(٨) اللباب ١ : ٨٢.

٢٩٠

القراءة واجبة مع القدرة ، ومع الائتمام بالأمّي تخلو الصلاة عن القراءة ، وقال عليه‌السلام : ( لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب ) (١).

ولأنّ الإمام يتحمّل القراءة عن المأموم ، ومع عجزه لا يتحقّق التحمّل.

وقال أبو ثور والمزني وابن المنذر والشافعي في القديم : يجوز مطلقا ـ وهو مروي عن عطاء وقتادة ـ لأنّ القراءة ركن في الصلاة فجاز أن يكون العاجز عنه إماما للقادر كالقاعد يؤمّ القائم (٢).

والأصل ممنوع ، والفرق : أنّ القيام لا مدخل له في التحمّل ، بخلاف القراءة.

وللشافعي قول ثالث : الجواز في صلاة الإخفات دون الجهر (٣).

والفرق : أنّ المأموم عنده لا تجب عليه القراءة في الجهرية ، وتجب في الإخفاتية (٤).

فروع :

أ : لو صلّى القارئ خلف الأمّي ، بطلت صلاة المأموم خاصة‌ ـ وبه قال الشافعي في الجديد ، وأبو يوسف ومحمد وأحمد (٥) ـ لأنّه أمّ من لا يجوز له أن يأتمّ به ، فتبطل صلاة المؤتمّ خاصة ، كالمرأة تؤمّ الرجل.

__________________

(١) سنن أبي داود ١ : ٢١٦ ـ ٨٢٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٧٣ ـ ٨٣٧ ، سنن الدار قطني ١ : ٣٢١ ـ ١٦ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٧ بتفاوت يسير في الجميع.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٥ ، المجموع ٤ : ٢٦٧ ، مغني المحتاج ١ : ٢٣٩ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٤ ، المغني ٢ : ٣٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧.

(٣) المجموع ٤ : ٢٦٧ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٤ ، مغني المحتاج ١ : ٢٣٩ ، المغني ٢ : ٣٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ٧٩ ، المجموع ٣ : ٣٦٤ ، فتح العزيز ٣ : ٣٠٩.

(٥) المجموع ٤ : ٢٦٨ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٤ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٨ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٨١ ، المغني ٢ : ٣٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧.

٢٩١

وقال أبو حنيفة : تبطل صلاتهما معا (١).

وعلّل أبو حازم : بأنّه أفسد صلاة الأمّي ، لأنّه يمكنه أن يقتدي بالقارئ فيؤدّي صلاته بقراءة (٢).

وهذا يدلّ على أنّه لا يصلّي وحده.

ونحن نقول بموجبه إن كان القارئ مرضيّا عنده.

وعلّل الكرخي : بأنّ الأمّي لمّا أحرم معه ، صح إحرامه معه ، فلمّا دخل معه لزمه القراءة عنه ، فإذا عجز عنها ، بطلت صلاته (٣).

وليس بجيّد ، لأنّ هذا الأمّي بإحرامه لا تجب عليه القراءة لنفسه ، فكيف يجب أن يتحمّل عن غيره؟!

ب : يجوز أن يؤمّ الأمّي مثله بشرط عجز الإمام عن التعلّم أو ضيق الوقت ، لاستوائهما في الأفعال.

ج : الأمّي يجب عليه الائتمام بالقارئ المرضي مع القدرة وعدم التعلّم ، وليس له أن يصلّي منفردا ، هذا هو الأقوى عندي ، لأنّه يتمكّن من الصلاة بقراءة صحيحة ، فيجب عليه.

وقال الشافعي : لا يجب (٤) لأنّ رجلا جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : إنّي لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن ، فقال : ( قل : سبحان الله والحمد لله ) (٥) ولم يأمره بالائتمام بالقارئ.

ونحن نقول بموجبه ، إذ الواجب عليه حالة الانفراد ذلك ، ودليل‌

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ١ : ١٨١ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٨ ، المجموع ٤ : ٢٦٨ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٥ ، المغني ٢ : ٣٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧.

(٢) حلية العلماء ٢ : ١٧٥.

(٣) حلية العلماء ٢ : ١٧٥.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ٨٠ ، المجموع ٣ : ٣٧٤ و ٣٧٩ ، فتح العزيز ٣ : ٣٣٥ ، مغني المحتاج ١ : ١٥٩ ـ ١٦٠.

(٥) سنن أبي داود ١ : ٢٢٠ ـ ٨٣٢ ، سنن النسائي ٢ : ١٤٣.

٢٩٢

الجماعة مستفاد ممّا قلناه.

د : لو أمّ الأمّي قارئا وأمّيا ، أعاد القارئ خاصة. والأمّي إن وجد قارئا مرضيّا وإلاّ فلا. ولو أمّ قارئا واحدا ، بطلت صلاة المؤتمّ على ما قلناه.

وقال أحمد : تبطل صلاة الإمام أيضا ، لأنّه نوى الإمامة وقد صار فذّا (١).

وليس بجيّد ، لأنّ نية الإمامة لا تخرجه عن الإتيان بصلاة المنفرد.

ولأنّه ينتقض بما لو مات المأموم أو أبطل صلاته.

هـ : لو كان أحدهما يحسن الفاتحة ، والآخر السورة ، فالأقرب : ائتمام الآخر بمن يحسن الفاتحة‌ ، للإجماع على وجوبها وأولويتها لو عجز عنهما.

ولو جوّزنا انقلاب المأموم إماما لإمامه ، ائتم الثاني بالأول ، فإذا قرأ الفاتحة ، نوى الأول الايتمام بالثاني.

ولو كان معهما ثالث لا يحسن شيئا ، اقتدى بمن يعرف الفاتحة ، فإن لم يكن مرضيّا ، اقتدى بمن يعرف السورة وجوبا على إشكال.

ولو كان أحدهما يعرف بعض الفاتحة والآخر سورة كملا ، احتمل تخيّر ائتمام أحدهما بالآخر ، وأولوية إمامة من يحسن بعض الفاتحة.

و : لو ائتم القارئ بالأمي ولم يعلم حاله في الإخفاتية ، صحّت صلاته ، لأن الظاهر أنّه لا يتقدّم إلاّ وهو بشرائط الإمامة. وكذا في الجهرية لو خفيت عليه القراءة.

وهو يشكل باشتراط العدالة ، وعلم المأموم بها.

ز : لو أمّ الأخرس مثله ، جاز ، لتساويهما في الأفعال ، فصار كالامّي بمثله.

__________________

(١) المغني ٢ : ٣٣.

٢٩٣

وقال أحمد : لا تجوز ، لأنّه ترك ركنا ـ وهي القراءة ـ لعذر مأيوس من زواله ، فلا تصح ، كالعاجز عن الركوع والسجود (١).

ونمنع الحكم في الأصل إن تساويا ، نعم لا يجوز أن يؤمّ بالصحيح.

ح : تصح إمامة الأصمّ ، لأنّه لا يخلّ بشي‌ء من واجبات الصلاة ولا شروطها.

وقال بعض الجمهور : لا تجوز ، لأنّه لا يمكن تنبيهه إذا سها بتسبيح ولا إشارة (٢).

واحتمال العارض لا يمنع صحة الصلاة ، كالمجنون حال إفاقته.

ط : هل يجوز أن يؤمّ الأخرس الأمّي؟ يحتمل الجواز ، لأنّ التكبير لا يتحمله الإمام ، وهما سواء في القراءة. والمنع ، لأنّ الأمّي قادر على النطق بالتكبير ، بخلاف الأخرس.

ي : لو كان كلّ منهما يحسن بعض الفاتحة ، فإن اتّحد ، صحّ ائتمام أحدهما بالآخر ، وإلاّ فلا ، لأنّ كلّ واحد منهما أمّي في حقّ صاحبه.

مسألة ٥٦٩ : اللحن إن فعله القارئ عمدا ، بطلت صلاته ، سواء أحال المعنى ، كمن يكسر كاف « إيّاك » أو لا ، كمن يفتح همزة « إيّاك » لأنّه ليس بقرآن ، فإنّ القرآن هو العربي ، واللحن ليس بعربي ، فحينئذ لا يصح أن يكون إماما للمتقن.

وإن فعل ذلك سهوا ، لم تبطل صلاته ولا صلاة من خلفه.

وإن كان جاهلا ، فإن أمكنه التعلّم واتّسع الزمان ، لم تصح صلاته ولا صلاة من خلفه ، وإن لم يتمكن أو ضاق الزمان ، صحّ أن يكون إماما لمثله.

وهل يصح أن يكون إماما للمتقن؟ الأقرب : المنع ، لأنّه يتمكّن من الصلاة بقراءة صحيحة ، فلا يجوز العدول إلى الفاسد. والجواز ، لأنّها صلاة‌

__________________

(١) المغني ٢ : ٣١ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٩.

(٢) المغني ٢ : ٣١ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٩.

٢٩٤

صحيحة ، فصحّ الائتمام فيها.

والشيخ ـ قال : تكره إمامة من يلحن في قراءته ، سواء كان في الحمد أو غيرها ، أحال المعنى أو لم يحل إذا لم يحسن إصلاح لسانه ، فإن كان يحسن ويتعمّد اللحن ، فإنّه تبطل صلاته وصلاة من خلفه إن علموا بذلك (١).

وقال الشافعي : إن أمكنه الصواب ، لم تصح صلاته ولا صلاة من خلفه ، وإن لم يمكنه ، صحّت صلاته (٢).

وقال أحمد : تكره إمامة اللحّان الذي لا يحيل المعنى ، وتصحّ صلاته بمن لا يلحن ، لأنّه أتى بفرض القراءة (٣).

مسألة ٥٧٠ : لا يصح أن يؤمّ مؤوف (٤) اللسان صحيحة ، لأنّ الصحيح تلزمه القراءة ، لتمكّنه ، ومع عجز الإمام لا يصحّ التحمّل.

ويصح أن يؤمّ مثله إذا تساويا في النطق ، لأنّهما تساويا في الأفعال ، فصحّت الإمامة كالقارئين.

والتحقيق : أنّه إن تمكّن من إصلاح لسانه ، وجب ، فإن أهمل ، لم تصح صلاته مع سعة الوقت ولا صلاة من خلفه ، وإلاّ فلا.

فروع :

أ : لو أبدل الأعجمي حرفا مع تمكّنه من التعلّم ، لم يصح ، كمن يبدّل الحاء في « الحمد » بالخاء أو بالهاء ، أو يبدّل الميم في « المستقيم » بالنون ، ولا تصح إمامته ، وكذا العربي.

__________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ١٥٣.

(٢) المجموع ٤ : ٢٦٨ ـ ٢٦٩ ، فتح العزيز ٤ : ٣١٩.

(٣) المغني ٢ : ٣٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٨ ، زاد المستقنع : ١٧ ، الانصاف ٢ : ٢٧٢.

(٤) المئوف : الذي فيه آفة وهي : عاهة أو نقص. لسان العرب ٩ : ١٦ ، الصحاح ٤ : ١٣٣٣ « أوف ».

٢٩٥

ب : من لا يفصح ببعض الحروف ، كالصاد والقاف ، لا تصح إمامته ، لأنّه أمّي بالنسبة إلى المفصح ، ويجوز أن يؤمّ مثله.

ج : لو أبدل الضاد من « المغضوب » و « الضالّين » وغيرهما بالظاء ، لم تصح صلاته مع إمكان التعلّم.

وقال بعض الشافعية : تجوز ، لتقارب المخرج (١) ، وليس بمعتمد.

د : تكره إمامة التمتام ، وهو : الذي يردّد التاء ثم يأتي بها ، والفأفاء ، وهو : الذي يردّد الفاء ثم يأتي بها‌ ، لأنّهما يأتيان بالحروف على الكمال ، والزيادة لا تضرّهما ، لأنّهما مغلوبان عليها ، ولكن يكره تقديمهما ، لمكان هذه الزيادة.

هـ : لا يجوز أن يؤمّ الأرت ولا الألثغ ولا الأليغ.

ونعني بالأرت : الذي يبدّل حرفا بحرف.

والألثغ : الذي يعدل بحرف إلى حرف.

وقال الفرّاء : اللثغة بطرف اللسان هو : الذي يجعل الراء على طرف لسانه لا ما ، ويجعل الصاد ثاء. والأرت : وهو الذي يجعل اللام تاء.

وقال الأزهري ، الأليغ : بالياء المنقطة تحتها نقطتين ، هو : الذي لا يبيّن الكلام (٢).

وإنّما لم تصح إمامة هؤلاء ، لأنّ من لا يحسن حرفا أمّي بالنسبة إلى عارفة.

ولو كانت له لثغة خفيفة تمنع من تخليص الحرف ولكن لا يبدّله بغيره ، جاز أن يكون إماما للقارئ.

مسألة ٥٧١ : وفي إمامة الأجذم والأبرص الصحيح قولان‌ لعلمائنا :

__________________

(١) فتح العزيز ٣ : ٣٢٦.

(٢) تهذيب اللغة ٨ : ١٩٩ « لغا ».

٢٩٦

المنع ، اختاره الشيخ والمرتضى ، لعدم انقياد النفس إلى طاعتهما (١). وقول الصادق عليه‌السلام : « خمسة لا يؤمّون الناس على كلّ حال : المجذوم والأبرص والمجنون وولد الزنا والأعرابي » (٢).

وقال بعض علمائنا : بالجواز (٣) ، لأنّ عبد الله بن يزيد سأل الصادق عليه‌السلام ، عن المجذوم والأبرص يؤمّان المسلمين؟ قال : « نعم » قلت : هل يبتلي الله بهما المؤمن؟ قال : « نعم ، وهل كتب الله البلاء إلاّ على المؤمن؟ » (٤).

وحمله الشيخ في التهذيب على الضرورة بأن لا يوجد غيرهما ، أو أن يكونا إمامين لأمثالهم (٥).

مسألة ٥٧٢ : لا يؤمّ الأعرابي بالمهاجرين‌ ـ وبه قال مالك وأبو مجلز (٦) ـ لأنّه لا يعرف محاسن الإسلام وتفاصيل أحكامه.

ولقوله تعالى ( الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلاّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ ) (٧).

وكذا غيره من العوام إذا لم يعرف شرائط الصلاة على التفصيل.

ولم يكرهه عطاء والثوري وإسحاق والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي ،

__________________

(١) النهاية : ١١٢ ، المبسوط ١ : ١٥٥ ، الخلاف ١ : ٥٦١ ، المسألة ٣١٢ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٩١ ، جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٣٩ ، وحكاه عن مصباح السيد المرتضى ، المحقق في المعتبر : ٢٤٥.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٥ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ٢٦ ـ ٩٢ ، الاستبصار ١ : ٤٢٢ ـ ١٦٢٦.

(٣) قاله المحقق في المعتبر : ٢٤٥.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٧ ـ ٩٣ الاستبصار ١ : ٤٢٢ ـ ١٦٢٧.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٧ ذيل الحديث ٩٣.

(٦) المدونة الكبرى ١ : ٨٤ ، المنتقى للباجي ١ : ٢٣٦ ، المغني ٢ : ٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٩ ، والمجموع ٤ : ٢٧٩.

(٧) التوبة : ٩٧.

٢٩٧

لقوله عليه‌السلام : ( يؤمّ القوم أقرؤهم ) (١) (٢).

ولا نزاع فيه ، لكن وجود هذا الوصف فيه بعيد.

أمّا الأعرابي إذا كان قد وصل إليه ما يكفيه اعتماده في التكليف ، وتديّن به ، ولم يكن ممّن تلزمه المهاجرة وجوبا ، جاز أن يكون إماما ، لوجود الشرائط في حقّه.

مسألة ٥٧٣ : يجوز أن يكون الأعمى إماما لمثله وللبصراء‌ بلا خلاف بين العلماء ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، استخلف ابن أمّ مكتوم يؤمّ الناس وكان أعمى (٣).

قال الشعبي : غزا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثلاث عشرة غزوة كلّ ذلك يقدّم ابن أمّ مكتوم يصلّي بالناس (٤).

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه‌السلام : « لا بأس بأن يصلّي الأعمى بالقوم وإن كانوا هم الذين يوجّهونه » (٥).

وعن علي عليه‌السلام : « لا يؤمّ الأعمى في الصحراء إلاّ أن يوجّه إلى القبلة » (٦).

ولأنّ العمى فقد حاسة لا يختلّ به شي‌ء من شرائط الصلاة ، فأشبه الأطروش.

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ١٧٨ ، صحيح مسلم ١ : ٤٦٥ ـ ٢٩٠ و ٢٩١ ، سنن أبي داود ١ : ١٥٩ ـ ٥٨٢ ، سنن النسائي ٢ : ٧٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣١٤ ـ ٩٨٠ ، سنن الترمذي ١ : ٤٥٩ ـ ٢٣٥ ، سنن البيهقي ٣ : ١٢٥.

(٢) المجموع ٤ : ٢٧٩ ، المغني ٢ : ٥٩ ـ ٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٩ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٤٠ ، بدائع الصنائع ١ : ١٥٦.

(٣) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٢١٣ ، سنن أبي داود ١ : ١٦٢ ـ ٥٩٥ ، سنن البيهقي ٣ : ٨٨.

(٤) المغني ٢ : ٣١.

(٥) التهذيب ٣ : ٣٠ ـ ١٠٥.

(٦) الكافي ٣ : ٣٧٥ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٧ ـ ٩٤ ، والمقنع : ٣٥.

٢٩٨

وهل البصير أولى؟ يحتمل ذلك ، لأنّه يتوقّى النجاسات ، والأعمى لا يتمكّن من ذلك.

ويحتمل العكس ، لأنّه أخشع في صلاته من البصير ، لأنّه لا يشغله بصره عن الصلاة.

وكلاهما للشافعية ، ونصّ الشافعي على التساوي (١). وهو أولى ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قدّم الأعمى كما قدّم البصير.

مسألة ٥٧٤ : قال أصحابنا : الأغلف لا يصح أن يكون إماما.

وأطلقوا القول في ذلك ، لما رواه زيد عن آبائه عليهم‌السلام ، عن علي عليه‌السلام ، قال : « الأغلف لا يؤمّ القوم وإن كان أقرأهم ، لأنّه ضيّع من السنّة أعظمها ، ولا تقبل له شهادة ، ولا يصلّى عليه إلاّ أن يكون ترك ذلك خوفا على نفسه » (٢).

والوجه : التفصيل ، وهو : أنّه إن كان متمكّنا من الاختتان وأهمل ، فهو فاسق لا يصلح للإمامة ، وإلاّ فليس بفاسق ، وصحّ أن يكون إماما. والرواية تدلّ على هذا التفصيل. والظاهر أنّ مراد الأصحاب التفصيل أيضا.

مسألة ٥٧٥ : تكره إمامة المحدود بعد توبته ، لأن فسقه وإن زال بالتوبة إلاّ أنّ نقص منزلته وسقوط محلّه من القلوب لم يزل ، فكره لذلك وإن لم يكن محرّما.

أمّا السفيه فإن كان فاسقا ، لم تصح إمامته ، لما روي عن أبي ذر قال : إنّ إمامك شفيعك إلى الله فلا تجعل شفيعك سفيها ولا فاسقا (٣).

__________________

(١) الام ١ : ١٦٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٦ ، المجموع ٤ : ٢٨٦ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٨ ـ ٣٢٩ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٩.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٠ ـ ١٠٨ ، الفقيه ١ : ٢٤٨ ـ ١١٠٧ ، علل الشرائع : ٣٢٧ ، الباب ٢٢ ، المقنع : ٣٥.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٠ ـ ١٠٧ ، الفقيه ١ : ٢٤٧ ـ ١١٠٣ ، علل الشرائع : ٣٦٢ ، الباب ٢٠ ، الحديث ١.

٢٩٩

أما لو لم يكن فاسقا ، ففي إمامته إشكال ينشأ : من نقصه ، وعلوّ منصب الإمامة.

وعاقّ أبويه لا يصح أن يكون إماما ، لأنّه مرتكب للكبيرة ، ولو صدر منه كلام سائغ يؤثر الغضب اليسير لم يؤثّر في الفسوق ، لأنّ عمر بن يزيد سأل الصادق عليه‌السلام ، عن إمام لا بأس به في جميع أمره عارف ، غير أنّه يسمع أبويه الكلام الغليظ الذي يغيظهما أقرأ خلفه؟ قال : « لا تقرأ خلفه ما لم يكن عاقّا قاطعا » (١).

مسألة ٥٧٦ : تجوز إمامة العبد مع الشرائط لمواليه وغيرهم‌ عند أكثر العلماء (٢) ، لقوله عليه‌السلام : ( اسمعوا وأطيعوا ولو أمّر عليكم عبد حبشي أجدع (٣) ، ما أقام فيكم الصلاة ) (٤).

ومن طريق الخاصة : قول أحدهما عليهما‌السلام : « لا بأس » وقد سئل عن العبد يؤمّ القوم إذا رضوا به وكان أكثرهم قرآنا (٥).

ولأنّه يؤذّن للرجال فكان من أهل الإمامة كالحرّ. ولأنّ الرقّ حق يثبت عليه ، فلم يمنع صحة إمامته ، كالدّين.

وكره أبو مجلز إمامة العبد (٦). ونقله الشيخ عن أبي حنيفة (٧).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٠ ـ ١٠٦ ، الفقيه ١ : ٢٤٨ ـ ١١١٤.

(٢) المغني ٢ : ٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٨ ، المجموع ٤ : ٢٩٠ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٧.

(٣) الجدع : القطع في الأنف والأذن والشفة واليد ونحوها. الصحاح ٣ : ١١٩٣ ، القاموس المحيط ٣ : ١١ ، لسان العرب ٨ : ٤١ « جدع ».

(٤) صحيح البخاري ١ : ١٧٨ ، صحيح مسلم ١ : ٤٤٨ ـ ٢٤٠ ، مسند أحمد ٦ : ٤٠٣ ، سنن البيهقي ٣ : ٨٨ بتفاوت.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٩ ـ ٩٩ ، الاستبصار ١ : ٤٢٣ ـ ١٦٢٨.

(٦) المجموع ٤ : ٢٩٠ ، المغني ٢ : ٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٨ ، مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٢١٨ ، وعمدة القارئ ٥ : ٢٢٥.

(٧) الخلاف ١ : ٥٤٧ ، المسألة ٢٨٦.

٣٠٠