تذكرة الفقهاء - ج ٤

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٤

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: ٤٧٨

مبسوطة ، وكان في موضع منها ارتفاع ، فقام الإمام في الموضع المرتفع ، وقام من خلفه أسفل منه ، والأرض مبسوطة إلاّ أنّهم في موضع منحدر ، قال : لا بأس » (١).

ولأنّه يحتاج إلى معرفة حال إمامه في ركوعه وسجوده ، فيحتاج أن يرفع بصره إليه ليشاهده ، وهو منهي عنه في الصلاة.

وقال مالك والأوزاعي وأصحاب الرأي : إنّه مكروه (٢) ـ وهو قول الشيخ في الخلاف (٣) ـ لحديث عمّار وحذيفة (٤).

وهو يدلّ على المنع والنهي ، وظاهرهما : التحريم.

وقال الشافعي : اختار للإمام الذي يعلّم من خلفه أن يصلّي على الشي‌ء المرتفع فيراه من خلفه فيقتدون بركوعه ، لأنّ سهل بن سعد الساعدي قال : صلّى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو على المنبر لمّا صنع له ، فصعد عليه فاستقبل القبلة فكبّر ثم قرأ ثم ركع ثم نزل القهقري فسجد ثم صعد فقرأ ثم ركع ثم نزل القهقري فسجد ، فلمّا فرغ من صلاته قال : ( إنّما فعلت ذلك لتأتمّوا بي وتعلموا صلاتي ) (٥) (٦).

ونمنع الحديث. سلّمنا ، لكن الظاهر أنّه كان على الدرجة السفلى لئلاّ يحتاج إلى عمل كثير في الصعود والنزول ، فيكون ارتفاعا يسيرا.

ولأنّه من خصائصه ، لأنّه فعل شيئا ، ونهى عنه ، فيكون فعله له ونهيه لغيره ، ولهذا لا يستحب مثله لغير النبي عليه‌السلام.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٨٦ ـ ٩ ، التهذيب ٣ : ٥٣ ـ ١٨٥ ، والفقيه ١ : ٢٥٣ ـ ٢٥٤ ـ ١١٤٦.

(٢) المدونة الكبرى ١ : ٨١ ، القوانين الفقهية : ٧٠ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٣٩ ، المغني ٢ : ٤١ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٨.

(٣) الخلاف ١ : ٥٥٦ ، المسألة ٣٠١.

(٤) تقدّما قريبا.

(٥) الام ١ : ١٧٢ ، المجموع ٤ : ٢٩٥ ، المغني ٢ : ٤١ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٨.

(٦) صحيح مسلم ١ : ٣٨٦ ـ ٥٤٤ ، مسند أحمد ٥ : ٣٣٩ ، سنن البيهقي ٣ : ١٠٨.

٢٦١

ولأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لم يتم الصلاة على المنبر ، فإنّ سجوده وجلوسه إنّما كان على الأرض ، بخلاف ما وقع فيه الخلاف ، أو أنّه عليه‌السلام علّم الصلاة ، ولم يقتدوا به.

وحكى الطحاوي عن أبي حنيفة كراهيته إذا كان ارتفاعه يجاوز القامة (١).

فروع :

أ : لو صلّى الإمام على سطح والمأموم على آخر وبينهما طريق ، صحّ‌ مع عدم التباعد وعلوّ سطح الإمام.

ب : لو صلّى المأموم على الموضع المنخفض بالمعتدّ به ، بطلت صلاته‌ ـ وبه قال الأوزاعي (٢) ـ لأنّ النهي يقتضي الفساد.

ولقول الصادق عليه‌السلام : « لم تجز صلاتهم » (٣).

وقال أصحاب الرأي : لا تبطل ، لأنّ عمارا أتمّ صلاته (٤) ، ولو كانت فاسدة ، استأنفها (٥).

ويحمل على الجذب قبل التحريم.

ج : لو كان مع الإمام من هو مساو وأعلى وأسفل ، اختص التحريم بالأسفل ، لوجود المعنى فيه دون غيره.

د : لا تبطل صلاة الإمام لو صلّى على المرتفع ، بل يختص البطلان بالأسفل‌ ، لاختصاص النهي بالأسفل.

وقال بعض الجمهور : تبطل صلاة الإمام ، لأنّه منهي عن القيام في‌

__________________

(١) حلية العلماء ٢ : ١٨٣.

(٢) المغني ٢ : ٤٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٩ ، المجموع ٤ : ٢٩٥.

(٣) الكافي ٣ : ٣٨٦ ـ ٩ ، الفقيه ١ : ٢٥٣ ـ ٢٥٤ ـ ١١٤٦ ، التهذيب ٣ : ٥٣ ـ ١٨٥.

(٤) سنن أبي داود ١ : ١٦٣ ـ ٥٩٨.

(٥) المغني ٢ : ٤٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٩.

٢٦٢

مكان أعلى من مقامهم (١).

ونمنع توجّه النهي إلى الإمام ، بل إلى المأموم خاصة.

هـ : لو كان العلوّ يسيرا ، جاز‌ إجماعا ، وهل يتقدّر بشبر أو بما لا يتخطّى؟ الأقرب : الثاني.

و : لو كان المأموم أعلى من الإمام ، صحّت صلاته‌ وإن كان على شاهق وإن كان خارج المسجد أو كانت الصلاة جمعة ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال أحمد وأصحاب الرأي (٢) ـ لقول الصادق عليه‌السلام : « إن كان الإمام أسفل من موضع المأموم فلا بأس ».

وقال عليه‌السلام : « لو كان رجل فوق بيت أو غير ذلك والإمام على الأرض جاز أن يصلّي خلفه ويقتدي به » (٣).

وللأصل مع عدم النهي وما في معناه.

وقال الشافعي : إذا صلّى في سطح داره بصلاة الإمام في المسجد ، لم تصح ، لأنّها بائنة من المسجد ، وليس بينهما قرار يمكن اتّصال الصفوف فيه ، وإن كان السطح في المسجد وصلّى بإمام في صحنه ، صحّت صلاته (٤).

وقال مالك : إذا صلّى الجمعة فوق سطح المسجد ، أعاد (٥).

وليس بجيّد ، لعدم دليل التخصيص.

الشرط السادس : نية الاقتداء ، بإجماع العلماء ، إذ ليس للمرء من عمله إلاّ ما نواه.

__________________

(١) المغني ٢ : ٤٢ ، والشرح الكبير ٢ : ٧٩.

(٢) المغني ٢ : ٣٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٩ ، الإنصاف ٢ : ٢٩٨.

(٣) الكافي ٣ : ٣٨٦ ـ ٩ ، الفقيه ١ : ٢٥٣ ـ ١١٤٦ ، التهذيب ٣ : ٥٣ ـ ١٨٥.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٧ ، المجموع ٤ : ٣٠٢ و ٣٠٨ ، فتح العزيز ٤ : ٣٤٣ ـ ٣٤٤ و ٣٦١ ، الميزان للشعراني ١ : ١٧٥ ، المغني ٢ : ٣٩ والشرح الكبير ٢ : ٧٩.

(٥) المدونة الكبرى ١ : ١٥١ ، الشرح الصغير ١ : ٦١ و ١٧٩ ، القوانين الفقهية : ٧٩ ، المغني ٢ : ٣٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٩.

٢٦٣

ولا تكفي نيّة الجماعة ، لاشتراكها بين الإمام والمأموم ، فليس في نية الجماعة المطلقة نيّة الاقتداء وربط الفعل بفعل الغير.

ولأنّ المأموم تسقط عنه القراءة الواجبة على المنفرد ، فلا بدّ من نية الائتمام ، ليسقط عنه وجوب القراءة.

فإن لم ينو الاقتداء ، انعقدت صلاته منفردا ، فإن ترك القراءة ، بطلت صلاته ، وإن قرأ معتقدا عدم الوجوب فكذلك ، وإلاّ صحّت ، سواء تابعه في أفعاله أو لا ، لأنّه ليس فيه إلاّ أنّه قرن فعله بفعل غيره ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

وأصحّهما : البطلان ، لأنّه وقّف صلاته على صلاة الغير لا لاكتساب فضيلة الجماعة ، وفيه ما يبطل الخشوع ويشغل القلب (١).

ونمنع اقتضاء ذلك البطلان.

نعم لو طال الانتظار من غير عذر ، فالوجه : البطلان.

ولو اتّفق انقضاء أفعاله مع أفعال الغير ، فليس متابعة ، ولا تبطل به الصلاة إجماعا.

ولو شك في نيّة الاقتداء خلال الصلاة ، فهو كما لو شك في أصل النيّة ، وقد بيّنّا البطلان إن كان المحلّ باقيا ، وعدم الالتفات إن كان قد انتقل.

مسألة ٥٥٤ : يجب تعيين الإمام في نيّته إمّا باسمه أو بوصفه‌ ولو بكونه الإمام الحاضر ، ليمكن متابعته.

ولو عيّن بغير وصف كونه الإمام الحاضر فأخطأ ، بطلت صلاته ، لأنّه لم ينو الاقتداء بهذا المصلّي ، وما نواه لم يقع له ، لعدم إمكانه ، فبطلت صلاته.

__________________

(١) المجموع ٤ : ٢٠٠ ـ ٢٠١ ، فتح العزيز ٤ : ٣٦٣.

٢٦٤

وكذا البحث لو عيّن الميت في صلاة الجنازة وأخطأ ، فإنّه يجب عليه إعادة الصلاة عليه.

ولو كان بين يديه اثنان يصلّيان ، فنوى الائتمام بأحدهما لا بعينه ، لم تصحّ ، لعدم إمكان متابعتهما على تقدير الاختلاف ، وعدم أولويّة أحدهما.

ولو نوى الائتمام بهما معا ، لم تصح ، للاختلاف ، فلا يمكن متابعتهما.

ولو نوى الاقتداء بالمأموم لم تصحّ صلاته إجماعا ، لأنّه لا يجوز أن يكون إماما وهو مأموم.

ولا فرق بين أن يكون عالما أو جاهلا للحكم أو للوصف.

فلو خالف المأموم سنّة الموقف ، فوقف على يسار الإمام ، فنوى الداخل الاقتداء بالمأموم ظنّا أنّه الإمام ، لم تصح صلاته ـ وبه قال الشافعي (١) ـ لأنّه لا يجوز أن يكون إماما وهو مأموم بحال ، فلم يعف عن الخطأ في ذلك.

مسألة ٥٥٥ : لا تشترط نية الإمامة ، فلو صلّى منفردا فدخل قوم وصلّوا بنية الاقتداء به ، صحّت صلاتهم‌ وإن لم يجدّد نية الإمامة.

وكذا لو صلّى بنية الانفراد مع علمه بأنّ من خلفه يأتمّ به ، عند علمائنا ، وبه قال الشافعي ومالك والأوزاعي ، واختاره ابن المنذر ، وبه قال أبو حنيفة أيضا ، إلاّ إذا أمّ النساء فإنه شرط نيّة الإمامة لهنّ (٢).

لرواية أنس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كان يصلّي في رمضان قال :

__________________

(١) المجموع ٤ : ٢٠٢.

(٢) المجموع ٤ : ٢٠٢ و ٢٠٣ ، فتح العزيز ٤ : ٣٦٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٥٧ ، الميزان للشعراني ١ : ١٧٣ ، مغني المحتاج ١ : ٢٥٣ ، كفاية الأخيار ١ : ٨١ ، المدونة الكبرى ١ : ٨٦ ، بلغة السالك ١ : ١٦١ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٨٥ ، بدائع الصنائع ١ : ١٢٨ ، ولم نعثر على قول الأوزاعي وابن المنذر بحدود المصادر المتوفرة لدينا.

٢٦٥

فجئت فقمت إلى جنبه ، وجاء رجل فقام إلى جني حتى كنّا رهطا ، فلمّا أحسّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّا خلفه جعل يتجوّز (١) في الصلاة ، فقلنا له حين فرغ : أفطنت بنا الليلة؟ فقال : ( نعم ذاك الذي حملني على الذي صنعت ) (٢).

ولأن أفعال الإمام مساوية لأفعال المنفرد ، فلا تعتبر نيّة الإمامة ، لعدم الاختلاف في الهيئات والأحكام.

وقال الثوري وأحمد وإسحاق : تشترط نية الإمامة ، فإن لم ينو الإمام الإمامة ، بطلت صلاة المأمومين (٣) ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( الأئمة ضمناء ) (٤) ولا يضمن إلاّ بعد العلم.

ونمنع اشتراط العلم في الضمان ، ولم لا تكفي في ثبوت هذا الضمان نيّة المأموم؟ إذ الإمام إنّما يتحمّل القراءة والسهو ، فهو ضامن لذلك.

فروع :

أ : لو صلّى اثنان ونوى كلّ منهما أنّه إمام لصاحبه ، صحّت صلاتهما‌ ـ وبه قال الشافعي (٥) ـ لأنّ كلاّ منهما احتاط لصلاته بما يجب على المنفرد ، فلم تلزمه الإعادة ، ونيّة الإمامة ليست منافية لصلاة المنفرد ، فلم تقدح في الصلاة.

ولقول علي عليه‌السلام : « صلاتهما تامة » (٦).

__________________

(١) تجوّز : خفّف. الصحاح ٣ : ٨٧١ ، النهاية لابن الأثير ١ : ٣١٥ « جوز ».

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٧٧٥ ـ ١١٠٤.

(٣) المغني ٢ : ٦٠ ، الانصاف ٢ : ٢٧ ، المجموع ٤ : ٢٠٣ ، فتح العزيز ٤ : ٣٦٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٥٧ ، الميزان للشعراني ١ : ١٧٣.

(٤) سنن البيهقي ١ : ٤٣٠ ، كنز العمّال ٧ : ٦٨٦ ـ ٢٠٩١٩.

(٥) الام ١ : ١٧٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠١ ، المجموع ٤ : ٢٠١ ، فتح العزيز ٤ : ٣١٧ ، مغني المحتاج ١ : ٢٣٨.

(٦) الكافي ٣ : ٣٧٥ ـ ٣ ، الفقيه ١ : ٢٥٠ ـ ١١٢٣ ، التهذيب ٣ : ٥٤ ـ ١٨٦.

٢٦٦

وقال أحمد : لا تصح ، لأنّه نوى الإمامة ولا مأموم (١).

ونمنع اقتضاءه البطلان.

ب : لو نوى كلّ منهما أنّه مأموم لصاحبه ، بطلت صلاتهما‌ إجماعا.

ولأنّهما قد أخلاّ بشرط الصلاة ، وهو : وجوب القراءة.

ولقول علي عليه‌السلام ، وقد سئل في رجلين اختلفا ـ إلى أن قال ـ فإن قال كلّ واحد منهما : كنت أئتمّ بك؟ قال : « صلاتهما فاسدة ليستأنفا » (٢).

ج : لو قال كلّ منهما : لم أدر نويت الإمامة أو الائتمام بعد الفراغ من الصلاة ، احتمل أن يعيدا‌ ، لأنّه لم يحصل الاحتياط في أفعال الصلاة بيقين.

والصحة ، لأنّه شك في شي‌ء بعد الفراغ منه.

أما لو شكّا في أثناء الصلاة أيّهما الإمام ، بطلت صلاتهما ، لأنّهما لا يمكنهما المضيّ في الصلاة ، وأن يقتدي أحدهما بالآخر.

د : لو صلّى بصلاة من سبقه منفردا بركعة فما زاد صحّ ائتمامه في الفرض والنفل‌ ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ لأنّ نية الإمامة ليست شرطا.

ولأنّ جابرا وجبّارا دخلا المسجد وقد أحرم عليه‌السلام وحده ، فأحرما معه في الفرض (٤) ، ولم ينكر عليهما.

وقال أحمد : تصح في النفل ، وفي الفرض روايتان (٥).

هـ : لو عيّن الإمام إمامة معيّن فأخطأ ، لم يضر‌ ، لأنّ أصل النية غير واجب عليه ، والخطأ لا يزيد على الترك من الأصل.

و : لو لم ينو الإمام الإمامة ، صحّت صلاته‌ كما قلنا ، وبه قال‌

__________________

(١) المغني ٢ : ٦٠ ، الانصاف ٢ : ٢٨.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٥ ـ ٣ ، الفقيه ١ : ٢٥٠ ـ ١١٢٣ ، التهذيب ٣ : ٥٤ ـ ١٨٦.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٠١ ، المجموع ٤ : ٢٠٩.

(٤) سنن أبي داود ١ : ١٧١ ـ ٦٣٤ ، سنن البيهقي ٣ : ٩٥.

(٥) المغني ٢ : ٦١ ـ ٦٢ ، الانصاف ٢ : ٢٩ ـ ٣٠.

٢٦٧

الشافعي (١).

وهل ينال فضيلة الجماعة؟ الأقرب ذلك ، لحصولها من دون نيته.

وأصحّ وجهي الشافعية : العدم (٢).

ز : لو لم ينو الإمامة في الجمعة ، احتمل بطلان صلاته‌ ، لأنّها لا تقع إلاّ جماعة ، ولا تكفي نيّة الجمعة المستلزمة لنيّة مطلق الجماعة ، لاشتراكها بين الإمام والمأموم. والصحة ، إذ لا يجب التعرّض للشرائط في النية.

مسألة ٥٥٦ : لو أحرم منفردا ثم نوى الائتمام ، قال الشيخ : يجوز ذلك (٣).

وهو أحد قولي الشافعي والمزني وأحمد في رواية (٤).

واستدلّ الشيخ عليه : بإجماع الفرقة ، والأخبار المرويّة عن الأئمة عليهم‌السلام. وبانتفاء المانع من الصحّة فيبقى الأصل سالما. ولأنّه يصح النقل من الانفراد إلى الإمامة للحاجة ، فجاز إلى الائتمام طلبا للثواب.

وقال مالك وأبو حنيفة : لا يجوز. وهو قول للشافعي (٥) ، لقوله عليه‌السلام : ( إذا كبّر الإمام فكبّروا ) (٦).

ولأنّ هذا كان جائزا في ابتداء الإسلام أن يصلّي المسبوق ما فاته ثم يدخل مع الإمام ، فنسخ ، فلا يجوز فعله.

والحديث متوجّه إلى المأموم ، ونحن نقول بموجبه بعد الائتمام ،

__________________

(١) المجموع ٤ : ٢٠٢ و ٢٠٣ ، فتح العزيز ٤ : ٣٦٦ ، مغني المحتاج ١ : ٢٥٣.

(٢) المجموع ٤ : ٢٠٣ ، فتح العزيز ٤ : ٣٦٧ ، مغني المحتاج ١ : ٢٥٣.

(٣) الخلاف ١ : ٥٥٢ ، المسألة ٢٩٣.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٠١ ، المجموع ٤ : ٢٠٩ ، فتح العزيز ٤ : ٤٠٨ ، حلية العلماء ٢ : ١٥٧. مختصر المزني : ٢٣ ، مغني المحتاج ١ : ٢٦٠ ، المغني ٢ : ٦٢.

(٥) المدونة الكبرى ١ : ٨٧ ، الشرح الصغير ١ : ١٦١ ، القوانين الفقهية : ٦٩ ـ ٧٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠١ ، المجموع ٤ : ٢٠٩ ، فتح العزيز ٤ : ٤٠٧ ، حلية العلماء ٢ : ١٥٨.

(٦) صحيح مسلم ١ : ٣٠٨ ـ ٤١١ و ٣١٠ ـ ٤١٤ و ٤١٥ و ٣١١ ـ ٤١٧ ، سنن النسائي ٢ : ٩٧ ، سنن الترمذي ٢ : ١٩٤ ـ ٣٦١ ، سنن البيهقي ٢ : ١٨.

٢٦٨

والفرق بين قضاء المسبوق ودخول المنفرد ظاهر.

وليس هذا القول عندي بعيدا من الصواب ، لورود نقل النية إلى النفل وإبطال الفرض مع إمام الأصل ، والنقل (١) أولى منهما.

وللشافعي قول ثالث : المنع إن خالف الترتيب بأن يدخل معه بعد صلاة ركعة ، والجواز إن دخل مع الإمام قبل أن يركع في الاولى (٢).

ولا دليل على التفصيل مع أصالة الجواز ، ووروده في المسبوق.

إذا عرفت هذا ، فإن كان قد سبقه بركعة ، فإذا قام الإمام إلى الرابعة لم يتابعه ، ولكن يجلس ويتشهّد ، ثم إن شاء سلّم بنيّة المفارقة ، وإن شاء طوّل في الدعاء حتى يجلس الإمام ويسلّم معه.

إذا ثبت هذا ، فإنّه يجوز أن يحرم مأموما ثم يصير إماما في موضع الاستخلاف ، أو إذا نوى مفارقة الإمام ثم ائتمّ به غيره ، وكذا لو نقل نيّته (٣) إلى الائتمام بإمام آخر.

ولو أدرك نفسان بعض الصلاة ، أو ائتمّ بالمسافر مقيمان ، فسلّم الإمام ، جاز أن يأتمّ أحدهما بصاحبه ، ولأحمد وجهان (٤).

ولو نوى الإمام الائتمام بغيره لم تصح ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد. وفي الثانية : الجواز (٥) ، لقصّة أبي بكر (٦). وهي عندنا باطلة.

مسألة ٥٥٧ : يجوز للمأموم أن ينقل نيته من الائتمام إلى الانفراد لعذر‌

__________________

(١) أي : نقل النية إلى الائتمام.

(٢) المجموع ٤ : ٢٠٩ ، فتح العزيز ٤ : ٤٠٩.

(٣) في نسخة « ش » : نفسه.

(٤) المغني ٢ : ٦٤ ، الانصاف ٢ : ٣٦.

(٥) المغني ٢ : ٦٤ ، الانصاف ٢ : ٣٧.

(٦) صحيح مسلم ١ : ٣١١ ـ ٤١٨ ، سنن الترمذي ٢ : ١٩٧ ـ ٣٦٢ ، سنن البيهقي ٣ : ٨٠.

٢٦٩

كان أو لغيره ، عند علمائنا ـ وهو أحد قولي الشافعي (١) ـ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، صلّى بطائفة يوم ذات الرقاع ركعة ، ثم خرجت من صلاته وأتمّت منفردة (٢).

وروى جابر قال : كان معاذ يصلّي مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، العشاء ، ثم يرجع إلى قومه فيؤمّهم ، فأخّر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، صلاة العشاء ، فصلّى معه ، ثم رجع إلى قومه ، فقرأ سورة البقرة ، فتأخّر رجل ، فصلّى معه وحده ، فقيل له : نافقت يا فلان ، فقال : ما نافقت ولكن لآتينّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأخبره ، فأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فذكر ذلك له ، فقال له : ( أفتّان أنت يا معاذ؟ أفتّان أنت يا معاذ؟ ) مرّتين ، ( اقرأ سورة كذا وسورة كذا ) قال : وسورة ذات البروج ، والليل إذا يغشى ، والسماء والطارق ، وهل أتاك حديث الغاشية (٣). ولم ينكره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه‌السلام ، في الرجل صلّى خلف إمام فسلّم قبل الإمام ، قال : « ليس بذلك بأس » (٤).

وعن الرضا عليه‌السلام في الرجل يكون خلف الإمام فيطيل التشهد فيأخذه البول (٥) ، أو يخاف على شي‌ء أو مرض كيف يصنع؟ قال : « يسلّم وينصرف ويدع الإمام » (٦).

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٤ ، المجموع ٤ : ٢٤٦ ، فتح العزيز ٤ : ٤٠٢ ـ ٤٠٣ ، مغني المحتاج ١ : ٢٥٩.

(٢) صحيح البخاري ٥ : ١٤٥ ، صحيح مسلم ١ : ٥٧٥ ـ ٨٤٢ ، سنن أبي داود ٢ : ١٣ ـ ١٢٣٨ ، الموطأ ١ : ١٨٣ ـ ١ ، سنن النسائي ٣ : ١٧١.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٣٣٩ ـ ٤٦٥ ، سنن أبي داود ١ : ٢١٠ ـ ٧٩٠ ، سنن الدارمي ١ : ٢٩٧ ، سنن النسائي ٢ : ١٧٢ ـ ١٧٣ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٩٢ ـ ٣٩٣.

(٤) التهذيب ٣ : ٥٥ ـ ١٨٩.

(٥) في « ش » والطبعة الحجرية بدل « البول » : « المرّة ».

(٦) المعتبر : ٢٤٦. وفي الفقيه ١ : ٢٦١ ـ ١١٩١ ، وقرب الإسناد : ٩٥ ، والتهذيب ٣ : ٢٨٣ ـ ٨٤٢ عن الإمام موسى بن جعفر عليهما‌السلام.

٢٧٠

ولأنّ الجماعة ليست واجبة ابتداء فكذا استدامة.

ولأنّه استفاد بصلاة الإمام فضيلة صلاته ، فيترك بالخروج الفضيلة دون الصحّة.

وقال الشافعي في الآخر : إن ترك لعذر ، جاز ، وإن كان لغيره ، لم يجز. وبه قال أحمد في رواية (١).

والعذر : المشقّة بتطويل الإمام ، أو المرض ، أو خوف غلبة النعاس ، أو شي‌ء يفسد صلاته ، أو خوف فوت مال أو تلفه أو فوت رفيقه.

وقال أبو حنيفة ومالك : تبطل صلاته ، سواء كان لعذر أو لا (٢) ، لقوله عليه‌السلام : ( إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به فلا تختلفوا عليه ) (٣).

ونحن نقول بموجبه ما دام في المتابعة.

فروع :

أ : لو نوى الانفراد قبل شروع الإمام في القراءة ، قرأ هو.

ولو كان الإمام قد قرأ وفرغ ، ركع ولم يقرأ. ولو كان قد فرغ من قراءة الفاتحة ، فالوجه : الاجتزاء بها عنها ، فيقرأ السورة. ولو كان في أثناء الحمد ، فالوجه : الابتداء بها ، مع احتمال القراءة من موضع المفارقة ، والبطلان. وكذا لو كان في أثناء السورة.

ب : لو كان يصلّي مع جماعة فحضرت طائفة أخرى يصلّون جماعة ، فأخرج نفسه عن متابعة إمامه ووصل صلاته بصلاة الإمام الآخر ، فالوجه : الجواز‌ ، لما تقدّم. والخلاف فيه كما سبق.

ج : لو أراد أن يصل صلاته بصلاة الجماعة ، وجب نية الاقتداء. ولو‌

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٤ ، المجموع ٤ : ٢٤٦ ، الوجيز ١ : ٥٨ ، فتح العزيز ٤ : ٤٠٤ ، مغني المحتاج ١ : ٢٥٩ ، المغني ٢ : ٦٣ ، الانصاف ٢ : ٣١.

(٢) الشرح الصغير ١ : ١٦١ ، المجموع ٤ : ٢٤٧ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٧.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٣٠٩ ـ ٣١٠ ـ ٤١٤ ، سنن البيهقي ٣ : ٧٩ ، مسند أحمد ٢ : ٣١٤.

٢٧١

أحدث الإمام فاستخلف غيره ، لم يحتج المأموم إلى نيّة الاقتداء بالخليفة ، لوجود نية الاقتداء في الابتداء ، والخليفة نائبه ، فيمضي على نظم صلاته ، ويكتفي بالنية السابقة على إشكال.

الشرط السابع : توافق نظم الصلاتين في الأركان والأفعال‌ ، فلا تصح مع الاختلاف ، كاليومية مع صلاة الجنازة أو الخسوف أو العيد ـ وبه قال أحمد والشافعي في أحد القولين (١) ـ للنهي عن المخالفة ، ولا تجوز المتابعة ، لخروج صلاة المأموم عن هيئتها.

والثاني للشافعي : الجواز ، لأنّ القصد اكتساب فضيلة الجماعة (٢).

ولم ينقل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ذلك ، وقال : ( صلّوا كما رأيتموني أصلّي ) (٣).

وعلى قوله : يراعي كلّ واحد واجبات صلاته ، فإذا اقتدى في الفريضة بصلاة الجنازة ، لا يتابعه في الأذكار بين التكبيرات ولا فيها ، بل إذا كبّر الإمام الثانية ، أخرج نفسه عن المتابعة ، أو انتظر سلامه.

وإذا اقتدى بمن يصلّي الخسوف ، تابعه في الركوع الأول ، ثم إن شاء رفع رأسه وفارقه وإن شاء انتظره في الركوع إلى أن يعود الإمام إليه (٤).

والوجه : المنع من ذلك كلّه.

مسألة ٥٥٨ : لا يشترط اتّحاد الصلاتين نوعا ولا صنفا ، فللمفترض أن يصلّي خلف المتنفّل وبالعكس ، ومن يصلّي الظهر خلف من يصلّي البواقي وبالعكس ، سواء اختلف العدد أو اتّفق ، عند علمائنا ـ وبه قال عطاء وطاوس‌

__________________

(١) المغني ٢ : ٥٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦١ ، المجموع ٤ : ٢٧٠ ، فتح العزيز ٤ : ٣٧٠ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٦.

(٢) المجموع ٤ : ٢٧٠ ـ ٢٧١ ، فتح العزيز ٤ : ٣٧٠ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٧.

(٣) صحيح البخاري ١ : ١٦٢ ـ ١٦٣ ، سنن الدارمي ١ : ٢٨٦ ، مسند أحمد ٥ : ٥٣ ، سنن الدار قطني ١ : ٣٤٦ ـ ١٠ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٤٥.

(٤) المجموع ٤ : ٢٧٠ ، فتح العزيز ٤ : ٣٧٠ ـ ٣٧١.

٢٧٢

والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأحمد في إحدى الروايتين ، واختاره ابن المنذر والحميدي (١) ـ لأنّ معاذا كان يصلّي مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، العشاء ، ثم يرجع فيصلّيها بقومه في بني سلمة ، هي له تطوّع ولهم مكتوبة (٢).

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه‌السلام : « أجزأت عنه وأجزأت عنهم » في رجل أمّ قوما فصلّى العصر وهي لهم ظهر (٣).

وكتب محمد بن إسماعيل بن بزيع إلى الرضا عليه‌السلام : إنّي أحضر المساجد مع جيرتي فيأمروني بهم وقد صلّيت قبل أن آتيهم ، وربّما صلّى خلفي من يقتدي بصلاتي والمستضعف والجاهل ، وأكره أن أتقدّم وقد صلّيت لحال من يصلّي بصلاتي ممّن سمّيت لك ، فأمرني في ذلك بأمرك أنتهي إليه ، وأعمل به إن شاء الله ، فكتب : « صلّ بهم » (٤).

ولأنّهما صلاتان متّفقتان في الأفعال الظاهرة تصحان جماعة وفرادى ، فجاز أن يكون الإمام في إحداهما ، والمأموم في الأخرى ، كالمتنفّل خلف المفترض.

وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد في الرواية الأخرى : لا يصلّي مفترض خلف متنفّل ، ولا مفترض في غير فرض الإمام ، ويصلّي المتنفّل خلف المفترض ـ وبه قال الزهري وربيعة ـ لقوله عليه‌السلام : ( إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به فلا تختلفوا عليه ) (٥).

وأنّ صلاة المأمومين لا تتأدّى بنية الإمام ، فأشبه الجمعة خلف من يصلّي‌

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٥ ، المجموع ٤ : ٢٦٩ ـ ٢٧١ ، الوجيز ١ : ٥٧ ، فتح العزيز ٤ : ٣٧٢ ، المغني ٢ : ٥٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٩ ـ ٦٠ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٦.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٣٣٩ ـ ١٧٨ و ٣٤٠ ـ ١٨٠ و ١٨١ ، سنن أبي داود ١ : ١٦٣ ـ ٥٩٩ و ٦٠٠ و ٢١٠ ـ ٧٩٠.

(٣) التهذيب ٣ : ٤٩ ـ ١٧٢ ، الإستبصار ١ : ٤٣٩ ـ ١٦٩١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٨٠ ـ ٥ ، التهذيب ٣ : ٥٠ ـ ١٧٤.

(٥) صحيح مسلم ١ : ٣٠٩ ـ ٣١٠ ـ ٤١٤ ، سنن البيهقي ٣ : ٧٩ ، مسند أحمد ٢ : ٤١٤.

٢٧٣

الظهر (١).

والمراد بالخبر : الأفعال الظاهرة ، ويدلّ عليه قوله : ( فإذا كبّر فكبّروا ) (٢) إلى آخره.

والقياس منقوض بمن يصلّي ركعتي الفجر خلف المفترض.

والجمعة لا تصح خلف من يصلّي الظهر ، لأنّ الإمام شرط في صحتها ، بخلاف سائر الجماعات إن منعنا في الجمعة.

على أنّ الفرق أنّ الجمعة من حضرها وجبت عليه ، فلا تجزئه الظهر مع وجوب الجمعة.

وينتقض بمن صلّى خلف الإمام وقد رفع رأسه من الركعة الأخيرة ، فإنّه ينوي الظهر ويأتم به ، لا الجمعة.

فروع :

أ : هل يصح أن يصلّي خلف المتنفّل بها‌ ، كالمعذور إذا قدّم ظهره ، أو خلف مفترض بغيرها ، مثل أن يصلّي صبحا قضاء ، أو ركعتين منذورة؟

الأقرب : المنع.

ب : الأقرب عندي : منع اقتداء المفترض بالمتنفّل ، إلاّ في صورة النصّ ، وهو : ما إذا قدّم فرضه.

ج : هل يصح أن يصلّي المتنفّل خلف مثله؟ الوجه : المنع ، إلاّ في مواضع الاستثناء ، كالعيدين المندوبين والاستسقاء.

د : لو كانت صلاة المأموم ناقصة العدد ، تخيّر‌ مع فراغها بين التسليم‌

__________________

(١) اللباب ١ : ٨٢ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٨ ، شرح العناية ١ : ٣٢٣ ، الشرح الصغير ١ : ١٥٤ و ١٦٢ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٤٧ ، القوانين الفقهية : ٧٠ ، المغني ٢ : ٥٢ ـ ٥٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٩ ـ ٦٠ ، المحرر في الفقه ١ : ١٠١ ، الانصاف ٢ : ٢٧٦ ، المجموع ٤ : ٢٧١ ، فتح العزيز ٤ : ٣٦٥ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٦.

(٢) راجع : المصادر في الهامش (٥) من ص ٢٧٣.

٢٧٤

وينوي مفارقة الإمام ، وبين الصبر إلى أن يفرغ الإمام فيسلّم معه ، ولا يجوز له المتابعة في أفعاله ، لئلاّ يزيد في عدد صلاته.

ولو انعكس الحال ، صلّى مع الإمام ، وتخيّر عند قعود الإمام للتشهّد بين المفارقة ، فيتمّ قبل سلامه ، وبين الصبر إلى أن يسلّم الإمام ، فيقوم ويأتي بما بقي عليه.

هـ : لو قام الإمام إلى الخامسة سهوا ، لم يكن للمسبوق الائتمام فيها.

و : يستحب للمنفرد إعادة صلاته مع الجماعة إماما ، أو مأموما.

وهل يجوز فيهما معا؟ الأقرب : ذلك في صورة واحدة ، وهي : ما إذا صلّى إمام متنفّل بصلاته بقوم مفترضين ، وجاء من صلّى فرضه ، فدخل معهم متنفّلا ، أمّا لو خلت الصلاة عن مفترض ، فإشكال.

مسألة ٥٥٩ : استحباب إعادة الصلاة للمنفرد عام في جميع الصلوات اليومية‌ في أيّ وقت اتّفق ، عند علمائنا ، لقوله عليه‌السلام لبعض أصحابه : ( إذا جئت فصلّ مع الناس وإن كنت قد صلّيت ) (١).

ومن طريق الخاصة : قول الصادق ٧ ، في الرجل يصلّي الفريضة ثم يجد قوما يصلّون جماعة ، أيجوز أن يعيد الصلاة معهم؟ قال : « نعم وهو أفضل » قلت : فإن لم يفعل؟ قال : « ليس به بأس » (٢).

وقال الشافعي : يشترط أن تقام وهو في المسجد ، ويدخل وهم يصلّون. وقال : يعيد إن صلّى وحده إلاّ المغرب (٣).

وهو تقييد لا وجه له.

وقال أبو حنيفة : لا تعاد الفجر ولا العصر ، لأنّها نافلة ، فلا تفعل في‌

__________________

(١) سنن النسائي ٢ : ١١٢ ، سنن الدار قطني ١ : ٤١٥ ـ ١.

(٢) التهذيب ٣ : ٥٠ ـ ١٧٥.

(٣) المجموع ٤ : ٢٢٣ ، فتح العزيز ٤ : ٣٠٠ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٠ ، الميزان للشعراني ١ : ١٧٤.

٢٧٥

وقت النهي ، ولا تعاد المغرب ، لأنّ التطوع لا يكون بوتر (١).

والنهي عام ، وما ذكرناه خاص ، فتقدّم ، ولأنّها ذات سبب هو الاجتماع ، والتنفّل بالوتر ثبت في الوتر.

تتمة : الأذان والإقامة ليسا شرطا في الجماعة ، خلافا للشيخين (٢) ، وقد سلف (٣).

المطلب الثالث : في صفات الإمام‌

مسألة ٥٦٠ : العقل شرط في الإمام‌ بإجماع العلماء ، فلا تصح الصلاة خلف المجنون المطبق ، ولا من يعتوره حال جنونه ، لأنّ صلاته لنفسه باطلة.

ولو كان الجنون يعتوره أدوارا ، صحّت الصلاة خلفه حال إفاقته ، لحصول الشرائط فيه ، لكن يكره ، لإمكان أن يكون قد احتلم حال جنونه ولا يعلم ، ولئلاّ يعرض الجنون في الأثناء.

وكذا لا تصح إمامة الصبيّ غير المميّز إجماعا ، لعدم تفطّنه بما ينبغي فعله.

مسألة ٥٦١ : وهل يشترط البلوغ؟ لعلمائنا قولان ، أحدهما : أنّه شرط (٤) ، فلا تصح إمامة الصبي وإن كان مميزا مراهقا في الفريضة ـ وبه قال ابن مسعود وابن عباس وعطاء ومجاهد والشعبي ومالك والثوري والأوزاعي‌

__________________

(١) الهداية للمرغيناني ١ : ٥٨ ، الكفاية ١ : ٤١٤ ، الجامع الصغير للشيباني : ٩٠ ، الهداية في شرح البداية للأنصاري : ١٣٥ ، المجموع ٤ : ٢٢٥ ، فتح العزيز ٤ : ٢٩٨.

(٢) المقنعة : ١٥ ، المبسوط للطوسي ١ : ٩٥ و ١٥٢.

(٣) تقدّم في ج ٣ ص ٧٥ ، المسألة ١٨١.

(٤) هذا قول الشيخ الطوسي في النهاية : ١١٣ ، والقاضي ابن البراج في المهذب ١ : ٨٠.

٢٧٦

وأبو حنيفة وأحمد (١) ـ لقول علي عليه‌السلام : « لا بأس أن يؤذّن الغلام قبل أن يحتلم ، ولا يؤمّ حتى يحتلم ، فإن أمّ ، جازت صلاته ، وفسدت صلاة من خلفه » (٢).

ولأنّ الإمامة من المناصب الجليلة وهي حالة كمال ، والصبي ليس من أهل الكمال ، فلا يؤمّ الرجال كالمرأة.

ولأنّها فريضة ، فلا يكون الصبي إماما فيها ، كالجمعة.

ولأنّه عارف بعدم المؤاخذة له ، فلا يؤمن أن يترك شرطا.

والثاني لعلمائنا : عدم الاشتراط (٣) ، فتصح إمامة المميّز المراهق ـ وبه قال الشافعي وإسحاق والحسن البصري وابن المنذر (٤) ـ لأنّ عمرو بن أبي سلمة قال : كنت غلاما حافظا قد حفظت قرآنا كثيرا ، فانطلق أبي وافدا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في نفر من قومه ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( يؤمّكم أقرؤكم لكتاب الله ) فقدّموني فكنت أصلّي بهم وأنا ابن سبع سنين أو ثمان (٥).

ومن طريق الخاصة : قول علي عليه‌السلام : « لا بأس أن يؤذّن الغلام الذي لم يحتلم وأن يؤمّ » (٦).

__________________

(١) الكافي في فقه أهل المدينة : ٤٦ و ٤٧ ، الشرح الصغير ١ : ١٥٧ ، القوانين الفقهية : ٦٨ ، اللباب ١ : ٨٠ ، المغني ٢ : ٥٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤ ، زاد المستقنع : ١٧ ، المجموع ٤ : ٢٤٩ ـ ٢٥٠ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٧.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥٨ ـ ١١٦٩ ، التهذيب ٣ : ٢٩ ـ ١٠٣.

(٣) هذا قول السيد المرتضى في المصباح كما في المعتبر : ٢٤٣ ، والقول الثاني للشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ١٥٤ ، والخلاف ١ : ٥٥٣ ، المسألة ٢٩٥.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٤ ، المجموع ٤ : ٢٤٨ و ٢٤٩ ، الوجيز ١ : ٥٥ ـ ٥٦ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٧ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤٠ ، المغني ٢ : ٥٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤.

(٥) سنن أبي داود ١ : ١٥٩ ـ ٥٨٥ ، سنن النسائي ٢ : ٨٠ ، سنن البيهقي ٣ : ٩١.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٩ ـ ١٠٤ ، الاستبصار ١ : ٤٢٤ ـ ١٦٣٣.

٢٧٧

ولأنّ من جاز أن يكون إماما في النفل جاز أن يكون إماما في الفرض.

والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يوجّه الخطاب إلى عمرو ، بل إلى المكلّفين. وتقديمهم ليس بحجّة. وفي طريق الرواية الثانية ضعف.

والفرق بين الفرض والنفل ظاهر ، فإنّ النفل مبني على التخفيف.

على أنّا نمنع الحكم في الأصل.

وهل يصحّ أن يكون إماما في النفل؟ إن قلنا : إنّ فعله شرعيّ ، صحّ ، وبه قال أبو حنيفة ومالك والثوري (١) ، وإلاّ فلا ، وبه قال ابن عباس (٢) ، وعن احمد روايتان (٣).

وأمّا الجمعة ، فالوجه : أنّه لا يصح أن يكون إماما فيها ، وللشافعي قولان (٤).

مسألة ٥٦٢ : الإسلام شرط في الإمام‌ بإجماع العلماء ، فلا تصح الصلاة خلف الكافر وإن كان عدلا في دينه بالإجماع.

ولقوله تعالى ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ ) (٥).

ولأنّ الأئمة ضمناء والكافر ليس أهلا لضمان الصلاة.

ولا تصح خلف من يشكّ في إسلامه ، لأنّ الشكّ في الشرط شكّ في المشروط.

وقال أحمد : تصح صلاته ، لأنّ الظاهر أنّه لا يتقدّم للإمامة إلاّ‌

__________________

(١) بدائع الصنائع ١ : ١٥٧ ، اللباب ١ : ٨٠ ، الشرح الصغير ١ : ١٥٧ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٤٧ ، المجموع ٤ : ٢٤٩ و ٢٥٠ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٨.

(٢) المجموع ٤ : ٢٥٠ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٨.

(٣) المغني ٢ : ٥٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥ ، الانصاف ٢ : ٢٦٦ ـ ٢٦٧ ، المجموع ٤ : ٢٤٩ ـ ٢٥٠.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٤ ، المجموع ٤ : ٢٤٨ ، فتح العزيز ٤ : ٥٤٢ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٤.

(٥) هود : ١١٣.

٢٧٨

مسلم (١). وليس بمعتمد.

مسألة ٥٦٣ : الإيمان شرط في الإمام‌ ، فلا تصحّ الصلاة خلف أهل البدع والأهواء ومن خالف الحق ، سواء أظهر البدعة أو لا ـ وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، وبه قال مالك (٢) ـ لقول جابر : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، على منبره يقول : ( لا تؤمّنّ امرأة رجلا ، ولا فاجر مؤمنا إلاّ أن يقهره بسلطان ، أو يخاف سوطه أو سيفه ) (٣).

ومن طريق الخاصة : قول الباقر والصادق عليهما‌السلام : « عدوّ الله فاسق لا ينبغي لنا أن نقتدي به » (٤).

وكتب البرقي إلى أبي جعفر عليه‌السلام : أتجوز الصلاة خلف من وقف على أبيك وجدّك صلوات الله عليهما؟ فأجاب : « لا تصلّ وراءه » (٥).

وسأل إسماعيل الجعفي ، الباقر عليه‌السلام : رجل يحبّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ، لا يبرأ من عدوّه ، فقال : « هذا مخلّط فهو عدوّ ، ولا تصلّ خلفه إلاّ أن تتّقيه » (٦).

ولأنّه ظالم ، فيدخل تحت قوله تعالى ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (٧).

وقال الشافعي وأبو حنيفة والحسن : إنّه مكروه ليس بمحرّم ، لقوله عليه‌

__________________

(١) المغني ٢ : ٣٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٤.

(٢) المغني ٢ : ٢٢ و ٢٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٥ ، المدونة الكبرى ١ : ٨٤ ، الشرح الصغير ١ : ١٥٧.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٣٤٣ ـ ١٠٨١ ، سنن البيهقي ٣ : ١٧١.

(٤) المعتبر : ٢٤٢.

(٥) الفقيه ١ : ٢٤٨ ـ ١١١٣ ، التهذيب ٣ : ٢٨ ـ ٩٨.

(٦) الفقيه ١ : ٢٤٩ ـ ١١١٨ ، التهذيب ٣ : ٢٨ ـ ٩٧.

(٧) هود : ١١٣.

٢٧٩

السلام : ( صلّوا خلف من قال : لا إله إلاّ الله ) (١).

ولأنّ صلاته صحيحة ، فصحّت إمامته ، كالعدل (٢).

والخاص مقدّم ، والقياس باطل ، لقيام الفرق بين العدل المقبول إخباره والفاسق المردود قوله.

قالت الشافعيّة : المختلفون في المذاهب ثلاثة أقسام : قسم لا نكفّرهم ولا نفسّقهم ، وهم : المختلفون في الفروع كالحنفية والمالكيّة ، ولا يكره الائتمام بهم. وقسم نكفّرهم ، وهم : المعتزلة ، فلا يجوز الائتمام بهم.

وقسم نفسّقهم ولا نكفّرهم ، وهم : الذين يسبّون السلف ، والخطّابية ، وحكم هؤلاء حكم من يفسق بالزنا وشرب الخمر وغيرهما ، ويكره الائتمام بهم (٣).

إذا عرفت هذا ، فلا فرق بين أن يكون إماما لمحق أو لمخالف مثله ، ولا بين أن يستند في مذهب إلى شبهة أو تقليد.

مسألة ٥٦٤ : العدالة شرط في الإمام‌ ، فلا تصح خلف الفاسق وإن كان معتقدا للحق ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال مالك (٤) ـ لقوله عليه‌السلام : ( لا تؤمّن امرأة رجلا ولا فاجر مؤمنا ) (٥).

وقوله عليه‌السلام ، لأبي ذر : ( كيف أنت إذا كان عليك أمراء يؤخّرون الصلاة عن وقتها؟ ) قال : قلت : فما تأمرني؟ قال : ( صلّ الصلاة لوقتها ،

__________________

(١) الام ١ : ١٦٦ ، المجموع ٤ : ٢٥٣ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣١ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤٢ ، بدائع الصنائع ١ : ١٥٧ ، عمدة القاري ٥ : ٢٣٢ ، وانظر : المغني ٢ : ٢٣ ، والشرح الكبير ٢ : ٢٥.

(٢) سنن الدار قطني ٢ : ٥٦ ـ ٣.

(٣) حكاه عنهم الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٥٤٩ ، المسألة ٢٩٠.

(٤) المجموع ٤ : ٢٥٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٠ ، الميزان للشعراني ١ : ١٧٧ ، بدائع الصنائع ١ : ١٥٦.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٣٤٣ ـ ١٠٨١ ، سنن البيهقي ٣ : ١٧١.

٢٨٠