تذكرة الفقهاء - ج ٤

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٤

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: ٤٧٨

ويحتمل : المنع ، للتقدّم ببعض البدن ، فصار كما لو خرج بعضه عن سمت الكعبة ، فحينئذ يكون الشرط في المساواة والتأخّر بالعقب والأصابع معا.

مسألة ٥٤٢ : يستحب للمصلّين في المسجد الحرام بالجماعة أن يقف الإمام خلف المقام ويقف الناس خلفه.

وقال الشافعي : يستحب أن يقفوا مستديرين بالبيت (١).

وقد بيّنّا التردّد في جواز ذلك ، فإن قلنا به وصلّوا كذلك ، فإن كان بعضهم أقرب إلى البيت ، فإن كان متوجّها إلى الجهة التي توجّه إليها الإمام ، بطلت صلاته ، لأنّه قد تقدّم إمامه.

وفيه للشافعي القولان (٢).

وإن كان متوجّها إلى غيرها ، احتمل ذلك ، لئلاّ يكون متقدّما حكما ، والجواز ـ وبه قال أبو حنيفة وأصحابه (٣) ـ لأنّه لا يظهر به مخالفة منكرة.

ولأنّ قربه من الجهة لا يكاد يضبط ، ويشق مراعاة ذلك ، وفي جهته لا يتعذّر أن يكونوا خلفه. ولأنّ المأموم إذا كان في غير جهة الإمام ، لم يكن بين يديه وإن كان أقرب إلى الكعبة منه.

وكلا الوجهين للشافعي (٤).

أمّا لو صلّوا وسط الكعبة ، فالأقرب : وجوب اتّحاد الجهة.

ويحتمل جواز المخالفة ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة (٥).

__________________

(١) المجموع ٤ : ٣٠٠ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣٩.

(٢) المجموع ٤ : ٣٠٠ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣٩.

(٣) المبسوط للسرخسي ٢ : ٧٨ و ٧٩ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣٩.

(٤) المجموع ٤ : ٣٠٠ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣٩.

(٥) فتح العزيز ٤ : ٣٣٩ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٧٩.

٢٤١

فإن كان المأموم أقرب واتّحدت الجهة ، لم تصح صلاته. وللشافعي قولان (١).

وإن اختلف : فوجهان. وكلاهما للشافعي (٢).

مسألة ٥٤٣ : المأموم إن كان واحدا ذكرا ، استحب أن يقف عن يمين الإمام ، عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد (٣) ـ لأنّ ابن عباس قال : بتّ عند خالتي ميمونة ، فقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلّي ، فقمت عن يساره ، فأخذني بيمينه فحوّلني عن يمينه (٤).

ومن طريق الخاصة : قول أحدهما عليهما‌السلام : « الرجلان يؤمّ أحدهما الآخر يقوم عن يمينه ، فإن كانوا أكثر ، قاموا خلفه » (٥).

وحكى ابن المنذر عن سعيد بن المسيّب أنّه قال : يقيمه عن يساره (٦).

وقال النخعي : يقيمه وراءه ما بين أن يركع ، فإن جاء آخر ، وإلاّ قام عن يمينه (٧).

وفي حديث ابن عباس عدّة فوائد :

أ : وقوف الواحد عن يمين الإمام.

ب : صحّة صلاته لو وقف على يساره.

__________________

(١) فتح العزيز ٤ : ٣٣٩.

(٢) المجموع ٤ : ٣٠٠ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣٩.

(٣) فتح العزيز ٤ : ٣٣٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٦ ، بداية المجتهد ١ : ١٤٨ ، بدائع الصنائع ١ : ١٥٨ ، المغني ٢ : ٤٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٨٠.

(٤) صحيح البخاري ١ : ١٧٩ ، سنن أبي داود ١ : ١٦٦ ـ ٦١٠ ، سنن النسائي ٢ : ٨٧.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٦ ـ ٨٩.

(٦) المجموع ٤ : ٢٩٤ ، المغني ٢ : ٤٣ ، رحمة الأمة ١ : ٧٢ ، الميزان للشعراني ١ : ١٧٨ ، حلية العلماء ٢ : ١٨٠.

(٧) المجموع ٤ : ٢٩٤ ، رحمة الأمة ١ : ٧٢ ، الميزان للشعراني ١ : ١٧٨ ، عمدة القارئ ٥ : ٢٣٥ ، حلية العلماء ٢ : ١٨٠.

٢٤٢

ج : لا يلزمه سجود السهو.

د : استحباب التحوّل إلى اليمين لو وقف على اليسار.

هـ : إذا لم يتحوّل لم يقرّه الإمام ، وحوّله.

و: أن يؤخّره بيمينه دون يساره.

ز : أن يديره من خلفه.

ح : صلاة النفل يحرم فيها الكلام ، لأنّه لم يكلّمه.

ونحن نمنع من الجماعة في النفل ، فإن صحّت رواية ابن عباس فيها ، حملناها على التمرين ، لأنّه صبيّ ، لا أنّها صلاة شرعية ، وتكون الفائدة تعليمه موقف المأموم في الفرض.

ط : عدم البطلان بالفعل اليسير.

ي : أنّ الصبي له موقف في الصف كالبالغ ، لأنّ ابن عباس كان صبيّا.

إذا ثبت هذا ، فإن وقف على يساره ولم يكن على يمينه أحد ، لم يفعل السنّة ، وصحّت صلاته إجماعا ـ إلاّ أحمد فإنّه أبطل صلاته إن صلّى ركعة كاملة (١) ـ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لم يأمر ابن عباس باستئناف الصلاة.

ولأنّه موقف فيما إذا كان عن الجانب الآخر آخر ، فكان موقفا وإن لم يكن آخر كاليمين.

ولأنّه أحد جانبي الإمام ، فأشبه اليمين.

احتجّ أحمد : بأن النبي عليه‌السلام أدار ابن عباس (٢).

ولا يدلّ على الزجر.

وكذا إن وقف متأخرا.

مسألة ٥٤٤ : لو كان المأموم رجلين ، وقفا خلفه ، عندنا وعند أكثر‌

__________________

(١) المغني ٢ : ٤٢ ، الميزان للشعراني ١ : ١٧٨ ، رحمة الأمة ١ : ٧١ ـ ٧٢.

(٢) المغني ٢ : ٤٣.

٢٤٣

العلماء (١) ، لأنّ جابرا قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلّي ، فوقفت عن يمينه ، فدخل جبّار بن صخر ، فوقف عن يساره ، فدفعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى جعلنا خلفه ، ولم ينكر عليه‌السلام إحرامه عن يساره (٢).

وقال أنس : صلّيت خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنا ويتيم لنا ، فصففت أنا واليتيم صفّا وأمّ سليم خلفنا (٣).

ومن طريق الخاصة : قول أحدهما عليهما‌السلام : « فإن كانوا أكثر ـ يعني من واحد ـ قاموا خلفه » (٤).

وحكي عن ابن مسعود : أنّهما يقفان عن جانبيه ، فإن كانوا ثلاثة ، تقدّم عليهم ، لأنّه صلّى بين علقمة والأسود ، فلمّا فرغ قال : هكذا رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعل (٥).

فإن صحّ ، كان منسوخا ، لتأخّر من ذكرنا ، وابن مسعود من المتقدّمين.

مسألة ٥٤٥ : إذا كان المأموم جماعة ، وقفوا خلف الإمام‌ صفّا أو صفوفا استحبابا بلا خلاف ، وإن وقف بعضهم في صفّه عن يمينه ويساره أو عن أحدهما والباقون خلفه ، جاز.

وينبغي تخصيص الصف الأول بأهل الفضل ثم الثاني بالأدون منهم ثم الثالث بالأدون منهما وهكذا ، لقوله عليه‌السلام : ( ليليني منكم أولو الأحلام ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الصبيان ثم النساء ) (٦).

__________________

(١) انظر : المغني ٢ : ٤٤ ، بدائع الصنائع ١ : ١٥٨.

(٢) سنن أبي داود ١ : ١٧١ ـ ٦٣٤ ، سنن البيهقي ٣ : ٩٥.

(٣) سنن البيهقي ٣ : ٩٦.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٦ ـ ٨٩.

(٥) سنن أبي داود ١ : ١٦٦ ـ ٦١٣ ، سنن البيهقي ١ : ٤٠٦ ، والمغني ٢ : ٣.

(٦) صحيح مسلم ١ : ٣٢٣ ـ ٤٣٢ ، سنن أبي داود ١ : ١٨٠ ـ ٦٧٤ ، سنن النسائي ٢ : ٨٧ و ٩٠.

٢٤٤

وقال عليه‌السلام : ( خير صفوف الرجال أولها ، وشرّها آخرها ) (١).

ومن طريق الخاصة : قول الباقر عليه‌السلام : « ليكن الذين يلون الإمام أولو الأحلام ، وأفضل الصفوف أوّلها ما دنا من الإمام » (٢).

ولأنه أفضل ، لقربه من الإمام الأفضل ، فخصّص به أفضل المأمومين.

وللحاجة إليهم في التنبيه لو سها الإمام أو غلط أو ارتجّ عليه أو احتاج إلى الاستخلاف.

إذا ثبت هذا ، فإن تمّ الصف الأول بالرجال ، وقف الصبيان صفّا آخر خلفه ، ووقف النساء صفّا آخر خلف الصبيان.

وقال بعض الشافعية : يقف بين كلّ رجلين صبي ليتعلّم منهما (٣) الصلاة (٤).

وهو غلط ، لقوله عليه‌السلام : ( ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ) (٥) والتعلّم ثابت إذا صلّوا خلفهم.

مسألة ٥٤٦ : الجماعة مشروعة للعراة‌ عند علمائنا ـ وبه قال قتادة وأحمد (٦) ـ لعموم الأمر بالجماعة.

وقال مالك والأوزاعي وأصحاب الرأي : يصلّون فرادى (٧).

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٣٢٦ ـ ٤٤٠ ، سنن أبي داود ١ : ١٨١ ـ ٦٧٨ ، سنن النسائي ٢ : ٩٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٢ ـ ٧ ، التهذيب ٣ : ٢٦٥ ـ ٧٥١.

(٣) في « ش ، م » منه. وما أثبتناه أنسب بسياق العبارة.

(٤) المجموع ٤ : ٢٩٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٨٢ ، الميزان للشعراني ١ : ١٧٩ ، رحمة الأمة ١ : ٧٢.

(٥) صحيح مسلم ١ : ٣٢٣ ـ ٤٣٢ ، سنن أبي داود ١ : ١٨٠ ـ ٦٧٤ ، سنن النسائي ٢ : ٨٧ و ٩٠.

(٦) المغني ١ : ٦٦٨ ، المحرر في الفقه ١ : ١١٨.

(٧) المدونة الكبرى ١ : ٩٥ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٦٤ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٨٦ ، المغني ١ : ٦٦٨ ، المحلّى ٣ : ٢٢٦.

٢٤٥

قال مالك : يتباعد بعضهم من بعض ، وإن كانوا في ظلمة ، صلّوا جماعة ، وتقدّمهم إمامهم (١).

والشافعي ـ في القديم ـ وافقهم (٢).

وقال في موضع آخر : الجماعة والانفراد سواء ، لأن في الجماعة الإخلال بسنّة الموقف ، وفي الانفراد الإخلال بفضيلة الجماعة (٣).

إذا ثبت هذا ، فإنّ إمامهم يجلس وسطهم ، ويتقدّمهم بركبتيه ، وهو قول من سوّغ الجماعة من الجمهور ، إلاّ أنّهم قالوا : يصلّون قياما (٤) ، إلاّ أحمد ، فإنّه وافقنا في الجلوس ، وبه قال الأوزاعي (٥).

وقول المخالف ليس بجيّد ، لمنافاته الستر المطلوب شرعا.

وسأل عبد الله بن سنان ، الصادق عليه‌السلام : عن قوم صلّوا جماعة وهم عراة ، قال : « يتقدّمهم إمامهم بركبتيه ، ويصلّى بهم جلوسا وهو جالس » (٦).

وكذا لو كان العراة نساء صلّين جماعة جلوسا ، وتجلس إمامتهنّ وسطهنّ.

وقال الشافعي : يصلّين قياما (٧).

ولو اجتمع الجنسان ، صلّوا صفوفا جلوسا يتقدّمهم الإمام بركبتيه ، وتتأخّر النساء.

وقال الشافعي : ينفرد النساء بجماعة ، ويقفن كالرجال ، وتقف إمامتهنّ‌

__________________

(١) المدوّنة الكبرى ١ : ٩٥ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٦٤ ، المغني ١ : ٦٨٨.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ٧٣ ، حلية العلماء ٢ : ٥٨ ، المغني ١ : ٦٦٨.

(٣) الام ١ : ٩١ ، المهذب للشيرازي ١ : ٧٣ ، المجموع ٣ : ١٨٦ ، المغني ١ : ٦٦٨.

(٤) المجموع ٣ : ١٨٥ ، المدونة الكبرى ١ : ٩٥.

(٥) المغني ١ : ٦٦٤.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٦٥ ـ ١٥١٣.

(٧) المجموع ٣ : ١٨٦.

٢٤٦

وسطهنّ ، فإن ضاق الموضع ولّى النساء وجوههنّ عن الرجال حتى إذا صلّوا قياما ولّى الرجال وجوههم عنهنّ حتى يصلّين (١).

إذا عرفت هذا ، فإنّهم يومئون للركوع والسجود ، ويكون السجود أخفض من الركوع.

وعن أحمد روايتان ، هذه إحداهما. والأخرى : يسجدون على الأرض. وبه قال الشافعي ومالك (٢) ، وقد سبق.

مسألة ٥٤٧ : إذا كان المأموم امرأة أو نساء أو خناثى مشكل أمرهم ، والإمام رجل ، وقفت أو وقفن خلفه‌ وجوبا على القول بتحريم المحاذاة ، وإلاّ ندبا ، لقوله عليه‌السلام : ( أخّروهنّ من حيث أخّرهنّ الله ) (٣).

فإن كان المأموم خنثى واحدة وقفت خلفه.

وقال أحمد : لا يجوز ، لجواز أن يكون رجلا ، بل يقف عن يمينه ، ولا تبطل صلاة الإمام بوقوف المرأة على جانبه (٤).

والوجه : منع ائتمام أكثر من خنثى واحدة على القول بتحريم المحاذاة.

فإن اجتمعت امرأة وخنثى ، وقفت الخنثى خلف الإمام والمرأة خلفها ، لجواز أن تكون رجلا.

ولو كان الإمام خنثى والمأموم امرأة ، وقفت خلفه وجوبا على القول بتحريم محاذاتها للرجل ، وإلاّ ندبا ، لجواز أن يكون رجلا.

ولو كان المأموم رجلا وامرأة والإمام رجلا ، وقف الرجل على يمينه والمرأة‌

__________________

(١) الام ١ : ٩١ ، المجموع ٣ : ١٨٦ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤٧ ، المغني ١ : ٦٦٩.

(٢) المغني ١ : ٦٦٨ ـ ٦٦٩ ، الشرح الكبير ١ : ٥٠٠ و ٥٠١ ، الانصاف ١ : ٤٦٤ و ٤٦٥ ، الام ١ : ٩١ ، المدونة الكبرى ١ : ٩٥.

(٣) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٤٢٥ ذيل المسألة ١٧١.

(٤) المغني ٢ : ٤٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٩ ، الانصاف ٢ : ٢٨٣.

٢٤٧

خلفه.

وإن حضر رجلان وامرأة ، قام الرجلان خلفه والمرأة خلفهما.

وإن حضر رجل وامرأة وخنثى ، وقف الرجل عن يمينه والخنثى خلفهما والمرأة خلف الخنثى.

قال الشيخ : فإن اجتمع رجال ونساء وخناثى وصبيان ، وقف الرجال وراء الإمام ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء.

وأما جنائزهم فإنّه تترك جنائز الرجال بين يدي الإمام ثم جنائز الصبيان ثم جنائز الخناثى ثم النساء.

وأما دفنهم فالأولى أن يفرد لكلّ واحد منهم قبر ، لما روي عنهم عليهم‌السلام أنّه : « لا يدفن في قبر واحد اثنان ».

فإن دعت ضرورة إلى ذلك ، جاز أن يجمع اثنان وثلاثة في قبر واحد ، كما فعل النبيّ عليه‌السلام يوم أحد.

فإذا اجتمع هؤلاء ، جعل الرجال ممّا يلي القبلة ، والصبيان بعدهم ، ثم الخناثى ثم النساء (١).

مسألة ٥٤٨ : إذا قام المأموم عن يمين الإمام فدخل مأموم آخر ، فإن لم يكن الأول قد أحرم ، تأخّر ووقفا خلف الإمام‌ ، وإن كان قد أحرم فكذلك.

وقال الشافعي : يقف الآخر على يسار الإمام ويحرم ، ثم يتقدّم الإمام ، أو يتأخّر المأمومان ويصطفّان خلفه.

وأيّهما أولى؟ الأصحّ عندنا وعنده : الثاني ، لأنّهما تابعان (٢).

ولأنّه عليه‌السلام ، دفع جابرا وجبّار بن صخر إلى خلفه (٣).

__________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ١٥٥.

(٢) المجموع ٤ : ٢٩٢ ، فتح العزيز ٤ : ٣٤٠ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤٦ ، السراج الوهاج : ٧١.

(٣) سنن أبي داود ١ : ١٧١ ـ ٦٣٤ ، سنن البيهقي ٣ : ٩٥ وانظر : المجموع ٤ : ٢٩٢.

٢٤٨

ولو كان الموضع يحتمل التقدّم دون التأخّر ، تقدّم الإمام حتى يحصلا خلفه ، ولا يقف المأموم الواحد خلفه ابتداء.

واحتجّ : بأنّه إن تأخّر المأموم قبل أن يحرم الثاني ، فقد صار منفردا خلفه ، وإن أحرم الداخل خلفه أوّلا ، فهو أيضا منفرد خلفه.

وما قلناه أولى ، محافظة للصلاة من الفعل الزائد.

ولو دخل والإمام والمأموم جالسان للتشهّد ، كبّر وجلس عن يساره ، ولا يؤمر الإمام بالتقدّم ، ولا المأموم بالتأخّر ، لأنّه يشقّ حالة الجلوس.

مسألة ٥٤٩ : يكره لغير المرأة وخائف الزحام الانفراد بصف ، بل إذا دخل ووجد في صف المأمومين فرجة ، دخل فيه وأحرم ، وإن انفرد ، صحّت صلاته عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الحسن البصري والشافعي وأبو حنيفة والثوري ومالك والأوزاعي وابن المبارك ، وهو مروي عن زيد بن ثابت (١) ـ لأنّ أبا بكرة جاء والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم راكع ، فركع دون الصف ، ثم مشى إلى الصف ، فلمّا قضى رسول الله عليه‌السلام قال : ( أيّكم ركع دون الصف ثم مشى إلى الصف؟ ) فقال أبو بكرة : أنا ، فقال : ( زادك الله حرصا ، ولا تعد ) (٢) ولم يأمره بالإعادة ، والنهي عن العود محمول على الكراهة ، أو : لا تعد إلى التأخّر.

ولأنّه أخطأ موقفا سنّ له إلى موقف لمأموم بحال فأشبه ما إذا وقف على يسار الإمام.

وقال أحمد وإسحاق : تبطل صلاته ـ واختاره ابن المنذر ـ لأنّ وابصة بن معبد قال : صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأبصر رجلا خلف الصفوف‌

__________________

(١) المجموع ٤ : ٢٩٨ ، الميزان للشعراني ١ : ١٧٩ ، بداية المجتهد ١ : ١٤٩ ، المغني ٢ : ٤٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤.

(٢) صحيح البخاري ١ : ١٩٩ ، سنن أبي داود ١ : ١٨٢ ـ ٦٨٤ ، سنن النسائي ٢ : ١١٨ ، سنن البيهقي ٢ : ٩٠ و ٣ : ١٠٦.

٢٤٩

وحده ، فأمره أن يعيد الصلاة (١) (٢).

وهو محمول على الاستحباب.

فروع :

أ : لو لم يجد في الصف الأخير فرجة ، ووجدها في الصفوف المتقدّمة ، فله أن يخرق الصفوف‌ حتى يصل إلى موضع الفرجة ، لأنّ التقصير منهم حيث تركوا الفرجة.

ب : لو لم يجد في الصفوف فرجة ، فوقف عن يسار الإمام ، صحّت صلاته.

وعن أحمد روايتان (٣).

ج : لو لم يجد في الصف مدخلا ، صلّى خلف الصف.

وهل يجذب من الصف واحدا يصلّي معه؟ الأقرب : الكراهة ـ وهو أحد قولي الشافعي (٤) ـ لما فيه من إحداث خلل في الصف ، وحرمان المجذوب فضيلة الصف الأول.

وفي الآخر : يجذب ، ويستحب للرجل إجابته (٥).

د : لو تقدّمت سفينة المأموم ، فإن استصحب نية الائتمام ، بطلت صلاته ، لفوات الشرط ، وهو : عدم التقدّم.

وقال في الخلاف : لا تبطل ، لعدم الدليل (٦).

__________________

(١) سنن الترمذي ١ : ٤٤٥ ـ ٢٣٠ ، سنن أبي داود ١ : ١٨٢ ـ ٦٨٢ ، مسند أحمد ٤ : ٢٢٨ ، سنن البيهقي ٣ : ١٠٤ و ١٠٥.

(٢) المغني ٢ : ٤٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤ ، المجموع ٤ : ٢٩٨ ، الميزان للشعراني ١ : ١٧٩ ، بداية المجتهد ١ : ١٤٩ ، حلية العلماء ٢ : ١٨١.

(٣) المغني ٢ : ٤٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٦.

(٤) المجموع ٤ : ٢٩٧ ـ ٢٩٨ ، حلية العلماء ٢ : ١٨٢ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤٨.

(٥) المجموع ٤ : ٢٩٧ ـ ٢٩٨ ، حلية العلماء ٢ : ١٨٢ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤٨.

(٦) الخلاف ١ : ٥٥٩ ، المسألة ٣٠٧.

٢٥٠

وإن عدل إلى نية الانفراد ، صحّت.

الشرط الثالث : الاجتماع في الموقف ، فلا يجوز تباعد المأموم عن الإمام بما لم تجر العادة به ، ويسمّى كثيرا ، إلاّ مع اتّصال الصفوف به ، عند علمائنا ـ وهو قول أكثر العلماء (١) ـ سواء علم بصلاة الإمام أو لا ، لقوله عليه‌السلام : ( لو صلّيتم في بيوتكم لضللتم ) (٢) وهو يدلّ على أنّ من علم بصلاة الإمام وهو في داره فلا يجوز أن يصلّي بصلاته.

ومن طريق الخاصة : قول الباقر عليه‌السلام : « إذا صلّى قوم وبينهم وبين الإمام ما لا يتخطى ، فليس ذلك لهم بإمام ، وأيّ صف كان أهله يصلّون وبينهم وبين الصف الذي يتقدّمهم قدر ما لا يتخطّى فليس تلك بصلاة » (٣).

وقال عليه‌السلام : « يكون قدر ذلك مسقط الجسد » (٤).

لكن اشتراط ذلك مستبعد ، فيحمل على الاستحباب.

وقال عطاء : إذا كان عالما بصلاته ، صحّ وإن كان على بعد من المسجد ولم يراع قربا ، لأنّه عالم بصلاة الإمام ، فصحّت صلاته ، كما لو كان في المسجد (٥).

وهو غلط ، لاستلزامه ترك السعي الواجب في قوله تعالى ( فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ ) (٦) في حق العالم ، وكان يقتصر الناس على الصلاة في بيوتهم.

__________________

(١) المجموع ٤ : ٣٠٩.

(٢) سنن أبي داود ١ : ١٥٠ ـ ١٥١ ـ ٥٥٠ ، مسند أحمد ١ : ٣٨٢ و ٤١٥.

(٣) الكافي ٣ : ٣٨٥ ـ ٤ ، الفقيه ١ : ٢٥٣ ـ ١١٤٤ ، التهذيب ٣ : ٥٢ ـ ١٨٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٨٥ ـ ذيل الحديث ٤ ، التهذيب ٣ : ٥٢ ذيل الحديث ١٨٢ ، والفقيه ١ : ٢٥٣ ـ ١١٤٣.

(٥) المجموع ٤ : ٣٠٩ ، حلية العلماء ٢ : ١٨٧ ، رحمة الأمة ١ : ٧٣.

(٦) الجمعة : ٩.

٢٥١

مسألة ٥٥٠ : ولا فرق في المنع من التباعد بين أن يجمعهما مسجد أو لا‌ ، للعموم.

وفرّق الشافعي بينهما ، فسوّغ التباعد في المسجد وإن كان متّسعا بأزيد من ثلاثمائة ذراع ـ وظاهر قول الشيخ في المبسوط (١) يعطيه ـ لأنّه بني للجماعة الواحدة ، فكان موجبا للاتّصال بينهما (٢).

قال الشافعي : وكذا المساجد الصغار المتّصلة بالمسجد الكبير حكمها حكمه ، لأنّها بنيت للاتّصال به (٣).

ونمنع إيجاب البناء الاتّحاد مطلقا.

ولا فرق عند الشافعية بين أن يكون الفضاء كلّه ملكا أو كلّه مواتا أو وقفا أو بالتفريق ، ولا بين أن يكون محوطا أو غير محوط ، ولا بين أن يكون الملك لواحد أو لجماعة.

وفي وجه : يشترط في الساحة المملوكة اتصال الصف كالأبنية ، بخلاف الموات فإنه يشبه المسجد.

وفي وجه لهم : إذا وقف أحدهما في ملك والآخر في ملك آخر ، يشترط اتصال الصف (٤).

وقد بيّنا مذهبنا في ذلك.

مسألة ٥٥١ : القرب والبعد المرجع بهما إلى العادة عندنا‌ ـ وبه قال أحمد (٥) ـ لعدم التنصيص شرعا ، فيصرف إلى العرف كالإحراز وغيره.

وقدّر الشافعي البعد بما يزيد على ثلاثمائة ذراع ، والقرب بها وبما‌

__________________

(١) أنظر : المبسوط للطوسي ١ : ١٥٦.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٧ ، المجموع ٤ : ٣٠٢ ، رحمة الأمّة ١ : ٧٣.

(٣) المجموع ٤ : ٣٠٣.

(٤) المجموع ٤ : ٣٠٥ ، فتح العزيز ٤ : ٣٤٧ ـ ٣٤٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤٩.

(٥) المغني ٢ : ٤٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٥.

٢٥٢

دونها ، اعتبارا بصلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخوف ، فإنه صلّى بطائفة ، ومضت إلى وجه العدوّ وهو في الصلاة يحرسهم (١) ، وإنّما يحرس من وقع السهام ، لأنّها أبعد وقعا من جميع السلاح ، وأكثر ما يبلغ السهم ثلاثمائة ذراع (٢).

وهذا ليس بشي‌ء.

ثم اختلف أصحابه هل هو تقريب أو تحديد؟ على قولين (٣).

ولا خلاف في أنّه لو اتّصلت الصفوف إلى أيّ بعد كان ، صحّت الصلاة ، فعندنا الاتّصال بمجرى العادة ، وعند الشافعي أن يكون بين كلّ صفّين ثلاثمائة ذراع فما دون (٤).

ولو كانت الصفوف في المسجد ، جاز أن يصلّي المأموم خارجه مع المشاهدة وعدم البعد الكثير.

وحدّه الشافعي ـ على تقريره ـ بما يزيد على ثلاثمائة ذراع بينه وبين آخر المسجد وإن لم تكن الصفوف في المسجد متّصلة بآخره ، لأنّ المسجد لا يحسب فصلا (٥).

والوجه عندنا : اعتبار الاسم بينه وبين آخر صف فيه.

وقال المرتضى : ينبغي أن يكون بين الصفّين قدر مسقط الجسد ، فإن‌

__________________

(١) انظر : سنن البيهقي ٣ : ٢٥٧ ـ ٢٥٩.

(٢) مختصر المزني : ٢٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٧ ، المجموع ٤ : ٣٠٣ ـ ٣٠٤ ، فتح العزيز ٤ : ٣٤٥ ـ ٣٤٦ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤٩ ، كفاية الأخيار ١ : ٨٥.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٧ ، المجموع ٤ : ٣٠٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٨٣ ، فتح العزيز ٤ : ٣٤٦ ـ ٣٤٧ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤٩ ، كفاية الأخيار ١ : ٨٥.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٧ ، المجموع ٤ : ٣٠٤ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤٩ ، رحمة الأمة ١ : ٧٣.

(٥) المجموع ٤ : ٣٠٧ ، فتح العزيز ٤ : ٣٥٥.

٢٥٣

تجاوز ذلك إلى القدر الذي لا يتخطّى لم يجز (١) ، للرواية (٢).

والظاهر : الكراهة.

ولو وقف صفّ خلف الإمام على حدّ ثلاثمائة ذراع عند الشافعي ، وعلى أبعد مراتب القرب عندنا ، وصفّ آخر خلفهم على النسبة ، وهكذا ، صحّت صلاتهم إجماعا ، ويجعل كلّ صفّ مع الذي خلفه كالإمام مع المأموم.

ولو وقف على يمين الصفّ قوم بينهما حدّ القرب ، أو على يسارهم ، واقتدوا بالإمام ، جاز ، ويكون ذلك حدّ القرب بين المأمومين ، كما هو حدّ القرب بين الصفّين.

مسألة ٥٥٢ : يستحب قرب الصفّ من الإمام‌ ـ وقد قدّره الباقر عليه‌السلام : بمسقط الجسد استحبابا (٣). وروي : « مربض عنز » (٤) ـ ليندرجوا تحت قوله تعالى ( كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ ) (٥) وكذا بين كلّ صفّين.

ويستحب تسوية الصف ، لما رواه الجمهور عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لتسوّون صفوفكم أو ليخالفنّ الله بين قلوبكم ) (٦).

والوقوف عن يمين الإمام أفضل ، لقول البراء بن عازب : كان يعجبنا الوقوف عن يمين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٧).

ولأنّ الإمام يبدأ بالسلام عليهم.

__________________

(١) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٢٣٨.

(٢) الكافي ٣ : ٣٨٥ ـ ٤ ، التهذيب ٣ : ٥٢ ـ ١٨٢ ، والفقيه ١ : ٢٥٣ ـ ١١٤٣ و ١١٤٤ ، وتقدمت الرواية في الصفحة ٢٥١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٨٥ ذيل الحديث ٤ ، الفقيه ١ : ٢٥٣ ـ ١١٤٣ ، التهذيب ٣ : ٥٢ ذيل الحديث ١٨٢.

(٤) الفقيه ١ : ٢٥٣ ـ ١١٤٥.

(٥) الصف : ٤.

(٦) سنن أبي داود ١ : ١٧٨ ـ ٦٦٢ و ٦٦٣.

(٧) صحيح مسلم ١ : ٤٩٢ ـ ٧٠٩ ، سنن النسائي ٢ : ٩٤ نحوه.

٢٥٤

وينبغي أن يقف الإمام في مقابلة وسط الصف ، لما رواه أبو داود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( وسّطوا الإمام وسدّوا الخلل ) (١).

مسألة ٥٥٣ : حيلولة النهر والطريق بين الإمام والمأموم لا تمنع الجماعة‌ مع انتفاء البعد ، عند أكثر علمائنا (٢) ، سواء كان النهر ممّا يتخطّى ، أو لا ـ وبه قال الشافعي ومالك (٣) ـ لأنّ أنسا كان يصلّى في بيوت حميد بن عبد الرحمن بن عوف بصلاة الإمام ، وبينه وبين المسجد طريق (٤) ، ولم ينكر ذلك منكر.

ولأنّ ما بينهما تجوز الصلاة فيه فلا يمنعها.

وقال أبو حنيفة : لا تجوز (٥) ، لما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال : ( من كان بينه وبين الإمام طريق فليس مع الإمام ) (٦).

وهو محمول على البعد أو الكراهة.

إذا عرفت هذا ، فإنّ الجماعة في السفن المتعدّدة جائزة ، سواء اتّصلت أو انفصلت ما لم يخرج إلى حدّ البعد ـ وبه قال الشافعي (٧) ـ لأنّ المقتضي‌

__________________

(١) سنن أبي داود ١ : ١٨٢ ـ ٦٨١.

(٢) منهم : الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٥٥٧ و ٥٥٨ ، المسألتان ٣٠٣ و ٣٠٦ ، والمحقق في المعتبر : ٢٣٨.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٧ ، المجموع ٤ : ٣٠٩ ، حلية العلماء ٢ : ١٨٦ ، فتح العزيز ٤ : ٣٤٧ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤٩ ، الميزان للشعراني ١ : ١٧٥ ، المدونة الكبرى ١ : ٨٢ ، الشرح الصغير ١ : ١٦٠ ، المغني ٢ : ٤١ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٧.

(٤) سنن البيهقي ٣ : ١١١.

(٥) المبسوط للسرخسي ١ : ١٩٣ ، المجموع ٤ : ٣٠٩ ، حلية العلماء ٢ : ١٨٧ ، الميزان للشعراني ١ : ١٧٥ ، المغني ٢ : ٤١ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٧.

(٦) قال النووي في المجموع ٤ : ٣٠٩ : هذا حديث باطل لا أصل له وإنّما يروى عن عمر من رواية ليث بن أبي سليم عن تميم. ونقله عن عمر أيضا السرخسي في المبسوط ١ : ١٩٣.

(٧) المجموع ٤ : ٣٠٧ ، فتح العزيز ٤ : ٣٥٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٨٧ ، مغني المحتاج ١ : ٢٥١ ، كفاية الأخيار ١ : ٨٦ ، المغني ٢ : ٤١ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٧.

٢٥٥

ـ وهو العموم ـ موجود ، والمانع ـ وهو عدم المشاهدة ـ منفي ، لوجودها.

ولأنّ الاستطراق ممكن والماء مانع من ذلك ، كما لو كان بينهما نار.

وقال أبو سعيد من الشافعية : بالمنع مع الانفصال مطلقا ، لأنّ بينهما ماء يمنع الاستطراق (١).

وهو ممنوع ، فإنّ الماء لو نضب (٢) أمكن الاستطراق ، فالحاصل : أنّ الماء ليس بمانع عندنا ، خلافا لأبي حنيفة (٣).

الشرط الرابع : عدم الحيلولة بين الإمام والمأموم الذكر‌ بما يمنع المشاهدة للإمام أو المأموم سواء كان من جدران المسجد أو لا ، وسواء كانا في المسجد أو لا ، عند علمائنا ، لتعذّر الاقتداء.

ولأنّ المانع من المشاهدة مانع من اتّصال الصفوف ، بل هو في ذلك أبلغ من البعد.

ولقول الباقر عليه‌السلام : « وأيّ صفّ كان أهله يصلّون بصلاة إمام وبينهم وبين الصفّ الذي يتقدّمهم قدر ما لا يتخطّى فليس تلك لهم بصلاة ، فإن كان بينهم سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة إلاّ من كان من حيال الباب » (٤).

وقال أبو حنيفة : يجوز مطلقا ، لأنه يمكنه الاقتداء بالإمام فصحّ اقتداؤه به من غير مشاهدة كالأعمى (٥).

ونمنع الإمكان ، للخفاء ، بخلاف الأعمى القريب ، لعلمه بحال‌

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٧ ، المجموع ٤ : ٣٠٧ ، فتح العزيز ٤ : ٣٥٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٨٧.

(٢) نضب الماء : غار في الأرض وسفل. الصحاح ١ : ٢٢٦ « نضب ».

(٣) المبسوط للسرخسي ١ : ١٩٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٨٧ ، المغني ٢ : ٤١ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٧.

(٤) الكافي ٣ : ٣٨٥ ـ ٤ ، الفقيه ١ : ٢٥٣ ـ ١١٤٤ ، التهذيب ٣ : ٥٢ ـ ١٨٢.

(٥) المبسوط للسرخسي ١ : ١٩٣ ، المجموع ٤ : ٣٠٩.

٢٥٦

الإمام.

وقال الشافعي : إن صلّيا في المسجد ، صحّت صلاة المأموم إذا علم بصلاة الإمام ، سواء كان بينهما جدار حائل من مشاهدة الإمام ومشاهدة من يشاهده ، أو لا ، لأنّ المسجد كلّه متصل حكما وإن انفصل إلى بيوت ومساكن (١).

ونمنع الاتّحاد للحائل فلم يجز ، كالخارج.

وإن صلّى المأموم خارج المسجد ، وحال بينهما حائطه ، فقولان : أصحّهما عنده : المنع من الائتمام ، لأنّه بني للفصل بينه وبين غيره. وإن كان الحائل حائط بيته ، منع من الائتمام (٢).

وأيّ فرق بين كون الحائط للمسجد أو لغيره؟

فروع :

أ : الصلاة في المقاصير التي في الجوامع غير المخرّمة باطلة‌ ، لقول الباقر عليه‌السلام : « هذه المقاصير لم تكن في زمن أحد من الناس ، وإنّما أحدثها الجبّارون ، ليس لمن صلّى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة » (٣).

وسوّغه الشافعي وأبو حنيفة (٤).

ب : لو كان الحائل يمنع من الاستطراق دون المشاهدة ، كالشبابيك والحيطان المخرّمة التي لا تمنع من مشاهدة الصفوف ، للشيخ قولان :

أحدهما : المنع (٥) ، لقول الباقر عليه‌السلام : « إن صلّى قوم وبينهم‌

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٧ ، المجموع ٤ : ٣٠٢ ، فتح العزيز ٤ : ٣٤٣ ، كفاية الأخيار ١ : ٨٥ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤٨ ، رحمة الأمة ١ : ٧٣.

(٢) المجموع ٤ : ٣٠٨ ، فتح العزيز ٤ : ٣٥٧ ، حلية العلماء ٢ : ١٨٤ ، مغني المحتاج ١ : ٢٥١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٨٥ ـ ٤ ، التهذيب ٣ : ٥٢ ـ ١٨٢ ، والفقيه ١ : ٢٥٣ ـ ١١٤٤.

(٤) لم نجد قولهما فيما بين أيدينا من المصادر ، نعم نقله عن أبي حنيفة ، المحقق في المعتبر : ٢٣٨ ـ ٢٣٩ ، وراجع : المبسوط للسرخسي ١ : ١٩٣.

(٥) الخلاف ١ : ٥٥٨ ، المسألة ٣٠٥.

٢٥٧

وبين الإمام ما لا يتخطّى ، فليس ذلك الإمام لهم بإمام » (١).

والثاني : الجواز ، لأنّ القصد من التخطّي ـ وهو العلم بحال الإمام ـ حاصل كالنهر (٢). وهو حسن.

وللشافعي قولان (٣).

ج : لو كان الحائل قصيرا يمنع حالة الجلوس خاصة من المشاهدة ، فالأقرب : الجواز.

د : لو وقف الإمام في بيت وبابه مفتوح ، فوقف مأموم خارجا بحذاء الباب بحيث يرى الإمام أو بعض المأمومين ، صحّت صلاته.

وكذا إن صلّى قوم عن يمينه أو شماله أو من ورائه ، صحّت صلاتهم وإن لم يشاهدوا من في البيت ، لأنّهم يرون هذا وهو يرى الإمام أو المأمومين في البيت.

فإن وقف بين يدي هذا الصف صف آخر عن يمين الباب أو شمالها لا يشاهدون من في المسجد ، لم تصح صلاتهم إذا لم يكونوا على سمت المحاذي للباب.

هـ : لو صلّى في داره وبابها مفتوح يرى منه الإمام أو بعض المأمومين ، صحّت صلاته ، ولا يشترط اتّصال الصفوف به.

وللشافعي قولان (٤).

و : لو صلّى بين الأساطين ، فإن اتّصلت الصفوف به أو شاهد الإمام‌ أو‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٨٥ ـ ٤ ، التهذيب ٣ : ٥٢ ـ ١٨٢ ، والفقيه ١ : ٢٥٣ ـ ١١٤٤.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ١٥٦.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٧ ، المجموع ٤ : ٣٠٨ ، فتح العزيز ٤ : ٣٦٠ ، مغني المحتاج ١ : ٢٥١.

(٤) المجموع ٤ : ٣٠٨ ، فتح العزيز ٤ : ٣٦١ ـ ٣٦٢ ، كفاية الأخيار ١ : ٨٥ ، حلية العلماء ٢ : ١٨٤.

٢٥٨

بعض المأمومين ، صحّت صلاته ، لقول الصادق عليه‌السلام : « لا أرى بالصفوف بين الأساطين بأسا » (١).

ز : لو وقف الإمام في المحراب الداخل في الحائط ، فإن صلاة من خلفه صحيحة ، لأنّهم يشاهدونه ، وكذا باقي الصفوف التي من وراء الصف الأول.

أمّا من على يمين الإمام ويساره ، فإن حال بينهم وبين الإمام حائل ، لم تصح صلاتهم ، وإلاّ صحّت ، لقول الصادق عليه‌السلام : « لا بأس بوقوف الإمام في المحراب » (٢).

ح : يجوز أن تصلّي المرأة من وراء الجدار مقتدية بالإمام‌ وإن لم تشاهده ولا من يشاهده ، عند علمائنا ، لأنّ عمّارا سأل الصادق عليه‌السلام ، عن الرجل يصلّي بالقوم وخلفه دار فيها نساء هل يصلّين خلفه؟ قال : « نعم » قلت : إنّ بينه وبينهنّ حائطا أو طريقا ، قال : « لا بأس » (٣).

ولأنّ المرأة عورة ، والجماعة مطلوبة للشارع ، فتجمع بين الصيانة وطلب الفضيلة.

ولا فرق بين الحسناء الشابة والشوهاء العجوز. ولم يفرّق الجمهور بين الرجال والنساء في المنع والجواز.

ط : الماء ليس حائلا ـ على ما بيّنّاه ـ مع المشاهدة وعدم البعد ، خلافا لأبي الصلاح (٤) منّا ، ولأبي حنيفة (٥).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٨٦ ـ ٦ ، الفقيه ١ : ٢٥٣ ـ ١١٤١ ، التهذيب ٣ : ٥٢ ـ ١٨٠.

(٢) أورده المحقق في المعتبر : ٢٣٩ ، والذي يظهر من التهذيب ٣ : ٥٢ ذيل الحديث ١٨٠ : أنّ قوله : لا بأس ، الى آخره من كلام الشيخ الطوسي ، فراجع.

(٣) التهذيب ٣ : ٥٣ ـ ١٨٣.

(٤) الكافي في الفقه : ١٤٤ ـ ١٤٥.

(٥) المبسوط للسرخسي ١ : ١٩٣ ، المجموع ٤ : ٣٠٩ ، الميزان للشعراني ١ : ١٧٥ ، المغني ٢ : ٤١ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٧.

٢٥٩

ي : لو وقف المأموم في بيت دار والإمام في آخر‌ ، فإن كان عن يمينه أو يساره ، واتّصلت الصفوف به بتواصل المناكب ، أو بقيت فرجة لا تتّسع للواقف ، صحّت إذا كان الباب على سمت الإمام أو صفّة.

وإن كان خلفه والباب مفتوح يشاهد منه الإمام أو بعض المأمومين ، صحّ أيضا ، وإلاّ فلا.

الشرط الخامس : عدم علوّ الإمام على موضع المأموم بالمعتدّ به‌ ، فلو صلّى الإمام على موضع أرفع من موضع المأموم بما يعتدّ به ، بطلت صلاة المأموم ، عند علمائنا ، سواء أراد تعليمهم أو لا ، لما رواه الجمهور أنّ عمّار ابن ياسر كان بالمدائن ، فأقيمت الصلاة ، فتقدّم عمّار ، فقام على دكان والناس أسفل منه ، فتقدّم حذيفة فأخذ بيده حتى أنزله ، فلمّا فرغ من صلاته ، قال له حذيفة : ألم تسمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يقول : ( إذا أمّ الرجل القوم فلا يقومنّ في مكان أرفع من مقامهم )؟ قال عمّار : فلذلك اتّبعتك حين أخذت على يدي (١).

وأمّ حذيفة بالمدائن على دكان ، فأخذ عبد الله بن مسعود (٢) ، بقميصه فجبذه (٣) ، فلمّا فرغ من صلاته قال : ألم تعلم أنّهم كانوا ينهون عن ذلك؟

قال : بلى ذكرت حين جبذتني (٤).

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه‌السلام : « إن كان الإمام على شبه دكان أو على موضع أرفع من موضعهم ، لم تجز صلاتهم ، ولو كان أرفع منهم بقدر إصبع أو أكثر أو أقلّ إذا كان الارتفاع بقدر شبر ، وكان (٥) أرضا‌

__________________

(١) سنن أبي داود ١ : ١٦٣ ـ ٥٩٨ ، سنن البيهقي ٣ : ١٠٩.

(٢) كذا في « ش ، م » وفي المصادر : أبو مسعود.

(٣) الجبذ لغة في الجذب. النهاية لابن الأثير ١ : ٢٣٥ « جبذ ».

(٤) سنن أبي داود ١ : ١٦٣ ـ ٥٩٧ ، سنن البيهقي ٣ : ١٠٨ ، وانظر المغني ٢ : ٤١ ـ ٤٢.

(٥) في الكافي : فإن كان. وفي التهذيب : فإن كانت. وفي الفقيه : وإن كانت.

٢٦٠