تذكرة الفقهاء - ج ٤

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٤

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: ٤٧٨

مضرّته عنهم ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا كذلك (١).

ولأنّه أحد الضررين ، فاستحب الدعاء لإزالته كانقطاعه.

ويستحب رفع الأيدي في دعاء الاستسقاء ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، رفعهما فيه حتى رئي بياض إبطيه (٢).

ويجوز أن يستسقي الإمام بغير صلاة ، بأن يستسقي في خطبة الجمعة والعيدين ، وهو دون الأول في الفضل. وكذا يجوز أن يخرج فيدعو دعاء مجدّدا ، وهو دون الثاني.

ويستحب لأهل الخصب أن يستسقوا لأهل الجدب ، لأنّ الله تعالى أثنى على قوم دعوا لإخوانهم بقوله ( وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ ) (٣). ويدعون لأنفسهم بزيادة الخصب.

مسألة ٥٢٦ : لو نذر الإمام أن يستسقي ، انعقد نذره‌ ، لأنّه طاعة ، فإن سقي الناس ، وجب عليه أن يخرج فيوفّي نذره ، وليس له إخراج غيره ، ولا إلزامه بالخروج ، لأنّه لا يملكهم ، وليس له أن يكرههم عليه في غير جدب ، ولو لم يسقوا ، وجب عليه الخروج بنفسه ، وليس له إلزام غيره بذلك ، بل يأمرهم أمر ترغيب لا أمر إلزام.

ولو نذر أن يخرج بالناس ، انعقد نذره في نفسه خاصة ، ووجب عليه إشعار غيره ، وترغيبه في الخروج ، فإن فعل ، وإلاّ لم يجز جبره عليه ، ولو نذر غير الإمام ذلك فكذلك.

__________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ٤٠ ، صحيح مسلم ٢ : ٦١٢ ـ ٦١٤ ـ ٨٩٧ ، سنن أبي داود ١ : ٣٠٤ ـ ١١٧٤ ، سنن النسائي ٣ : ١٥٩ ـ ١٦٠.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٣٩ ـ ٤٠ ، صحيح مسلم ٢ : ٦١٢ ـ ٨٩٥ ، سنن أبي داود ١ : ٣٠٣ ـ ١١٧٠ و ١١٧١ و ٣٠٤ ـ ١١٧٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٧٣ ـ ١١٨٠ ، سنن النسائي ٣ : ١٥٨ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٥٧ ، سنن الدار قطني ٢ : ٦٨ ـ ٦٩ ـ ١٢.

(٣) الحشر : ١٠.

٢٢١

ويستحب له أن يخرج في من يطيعه من أهله وأقاربه وأصحابه.

فإن أطلق النذر ، لم تجب الخطبة ، وإن نذرها ، خطب ، ولا يجب القيام لها.

وإن نذر أن يخطب على المنبر ، قال الشيخ : انعقد نذره ، ولم يجز أن يخطب على حائط وشبهه (١).

وقال الشافعي : لا يجب ، لأنّه لا طاعة فيه إلاّ ليستمع الناس ، فإن كان إماما ، لزمه ذلك ، ويجزئه أن يخطب على جدار ، أو قائما (٢). وليس بجيّد.

وإذا نذر أن يستسقي ، جاز أن يصلّي أين شاء ، ويجزئه في منزله.

وقال الشيخ : يصلّي في الصحراء (٣).

وإن قيّد صلاته بالمسجد ، وجب ، فإن صلاّها في الصحراء حينئذ ، قال الشيخ : لا يجزئه (٤).

وعندي فيه إشكال ينشأ : من أولويّة إيقاعها في الصحراء.

ولو نذر أن يصلّي في المسجد ، لم يجز أن يصلّي في بيته ، خلافا للشافعي (٥).

وكما تجوز صلاة الاستسقاء عند قلّة الأمطار ، كذا تجوز عند نضب ماء العيون أو مياه الآبار ، للحاجة.

قال الشيخ : ولا يجوز أن يقول : مطرنا بنوء كذا ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، نهى عن ذلك (٦).

__________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ١٣٥.

(٢) الام ١ : ٢٤٩ ، المجموع ٥ : ٩٥.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ١٣٥.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ١٣٥.

(٥) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٦٨٩ ، المسألة ٤٦٤.

(٦) المبسوط للطوسي ١ : ١٣٥ ، وانظر : صحيح مسلم ٤ : ١٧٤٤ ـ ١٠٦ ، مسند أحمد ٢ : ٣٩٧ ، سنن أبي داود ٤ : ١٧ ـ ٣٩١٢ ، ولفظ الحديث : ( لا عدوى ولا هامة ولا نوء .. ).

٢٢٢

روى زيد بن خالد الجهني قال : صلّى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، صلاة الصبح بالحديبيّة في أثر سماء كانت من الليل ، فلمّا انصرف أقبل على الناس فقال : ( هل تدرون ما ذا قال ربكم؟ ) قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : ( أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بالكوكب ، وكافر بي ومؤمن بالكوكب ، فمن قال : مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب ، وأمّا من قال : مطرنا بنوء كذا وكذا ، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب ) (١).

والظاهر أن قصده عليه‌السلام أنّ من قصد أنّ النوء هو الممطر والمنزل للغيث كما يقول المشركون فهو كافر ، وأمّا من قصد الوقت الذي أجرى الله تعالى عادته بمجي‌ء المطر فيه فليس بكافر ، كما أجرى العادة بمجي‌ء الحرّ والبرد ، والكسوف والخسوف في أوقات معيّنة.

والنوء : سقوط كوكب وطلوع رقيبه.

وينبغي أن يجلس بحيث يصيبه أول المطر ، لأنّ ابن عباس كان إذا مطرت السماء قال لغلامه : أخرج فراشي ورحلي يصيبه المطر ، فقال له أبو الجوزاء : لم تفعل هذا يرحمك الله؟ قال : لقول الله سبحانه وتعالى : ( وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً ) (٢) فأحبّ أن تصيب البركة فراشي ورحلي (٣).

وروي أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كان يتمطّر في أول المطر (٤).

وكان عليه‌السلام إذا برقت السماء أو رعدت ، عرف ذلك في وجهه ،

__________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ٤١ ، الموطّأ ١ : ١٩٢ ـ ٤ ، سنن النسائي ٣ : ١٦٤ ـ ١٦٥ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٥٧ ـ ٣٥٨.

(٢) ق : ٩.

(٣) الدر المنثور ٦ : ١٠٢ بتفاوت.

(٤) سنن البيهقي ٣ : ٣٥٩.

٢٢٣

فإذا مطرت سرّي (١) عنه (٢).

ولا ينبغي لأحد أن يسبّ الريح ، لأنّه روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال : ( الريح من روح الله تعالى تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب ، فلا تسبّوها واسألوا الله تعالى خيرها ، وتعوّذوا من شرّها ) (٣).

__________________

(١) أي : كشف عنه الخوف. النهاية لابن الأثير ٢ : ٣٦٤.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٦١٦ ـ ٨٩٩ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٦١.

(٣) سنن أبي داود ٤ : ٣٢٦ ـ ٥٠٩٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٢٢٨ ـ ٣٧٢٧ ، مسند أحمد ٢ : ٢٥٠ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٦١.

٢٢٤

المقصد الرابع : في التوابع‌

وفيه فصول‌ :

٢٢٥
٢٢٦

الأول : في الجماعة‌

وفيه مطالب :

الأول : في فضل الجماعة‌

الجماعة مشروعة في الصلوات المفروضة اليومية بغير خلاف بين العلماء كافة ، وهي من جملة شعائر الإسلام وعلاماته.

والأصل فيه قوله تعالى ( وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ ) (١).

وداوم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، على إقامتها حضرا وسفرا ، وكذا أئمّته وخلفاؤه. ولم يزل المسلمون يواظبون عليها بلا خلاف.

مسألة ٥٢٧ : وفي الجماعة فضل كثير. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذّ بسبع وعشرين درجة ) (٢) وفي رواية : ( بخمس وعشرين ) (٣).

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه‌السلام : « الصلاة في جماعة‌

__________________

(١) النساء : ١٠٢.

(٢) صحيح البخاري ١ : ١٦٦ ، مسند أحمد ٢ : ٦٥ و ١١٢ ، سنن النسائي ٢ : ١٠٣ ، سنن البيهقي ٣ : ٥٩.

(٣) مسند أحمد ٣ : ٥٥ ، سنن النسائي ٢ : ١٠٣ ، سنن البيهقي ٣ : ٦٠.

٢٢٧

تفضل على صلاة الفذّ بأربع وعشرين درجة تكون خمسا وعشرين صلاة » (١).

وقال عليه‌السلام : « إنّ أناسا كانوا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أبطأوا عن الصلاة في المسجد ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ليوشك قوم يدعون الصلاة في المسجد أن نؤمر بحطب فيوضع على أبوابهم فتوقد عليهم نار فتحرق عليهم بيوتهم ) (٢).

مسألة ٥٢٨ : الجماعة ليست فرض عين في شي‌ء من الصلوات‌ الخمس ، بل في الجمعة والعيدين خاصة مع حصول الشرائط ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك والثوري (٣) ـ لقوله عليه‌السلام : ( تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذّ بخمس وعشرين درجة ) (٤) وهو يدلّ على جواز صلاة الفذّ.

ومن طريق الخاصة : قول زرارة والفضيل : قلنا له : الصلوات في جماعة فريضة هي؟ فقال : « الصلوات فريضة ، وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلّها ، ولكنها سنّة ، من تركها رغبة عنها وعن جماعة المؤمنين من غير علّة فلا صلاة له » (٥).

ولأنّ الجماعة لو وجبت ، لكانت شرطا في الصلاة كالجمعة.

وقال الأوزاعي وأحمد وأبو ثور وداود وابن المنذر : الجماعة فرض على الأعيان ، وليست شرطا فيها (٦) ، لأنّ ابن عباس روى أنّ النبي صلّى الله عليه‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٥ ـ ٨٥.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٥ ـ ٨٧.

(٣) المجموع ٤ : ١٨٤ ، فتح العزيز ٤ : ٢٨٣ ، الوجيز ١ : ٥٥ ، مغني المحتاج ١ : ٢٢٩ ، اللباب ١ : ٧٨ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٥ ، بلغة السالك ١ : ١٥٢ ، بداية المجتهد ١ : ١٤١.

المنتقى للباجي ١ : ٢٢٨ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٣.

(٤) مسند أحمد ٣ : ٥٥ ، سنن النسائي ٢ : ١٠٣ ، سنن البيهقي ٣ : ٦٠.

(٥) الكافي ٣ : ٣٧٢ ـ ٦.

(٦) المغني ٢ : ٣ ـ ٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٥٥ ، المجموع ٤ : ١٨٩ ، فتح العزيز

٢٢٨

وآله قال : ( من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلاّ من عذر ) (١).

وهو محمول على الجمعة ، أو على نفي الكمال ، لا الإجزاء.

مسألة ٥٢٩ : وليست الجماعة فرض كفاية في شي‌ء من الصلوات ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال أبو حنيفة وأكثر الشافعية (٢) ـ لما تقدّم. وللأصل.

ولأنّها فضيلة في الصلاة ولا تفسد بعدمها ، فلا تكون واجبة كالتكبيرات.

وقال الشافعي : إنّها فرض كفاية ، لقوله عليه‌السلام : ( ما من ثلاثة في قرية أو بلد لا تقام فيهم الصلاة إلاّ استحوذ عليهم الشيطان ، فعليك بالجماعة ، فإن الذئب يأخذ القاصية ) (٣) (٤).

وهو يدلّ على شدّة الاستحباب لا الوجوب ، ولأنّ الاستحواذ على عدم إقامة الصلاة لا على الجماعة ، ولأنّ المفهوم ترك ذلك دائما.

إذا ثبت هذا ، فإن أهل البلد لو تركوها لم يأثموا ولم يقاتلوا ـ وهو أحد قولي الشافعية (٥) ـ لأنّها مستحبّة.

مسألة ٥٣٠ : وفي أيّ موضع جمّع جاز ، لكن تستحب المساجد ، لأنّها مواطن العبادات ، وليس واجبا ، فيجوز أن يصلّي في بيته ، لقوله عليه‌السلام : ( الاثنان فما فوقهما جماعة ) (٦) ولم يفصّل في موضع دون آخر ،

__________________

٤ : ٢٨٣ ، عمدة القاري ٥ : ١٦١.

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٢٦٠ ـ ٧٩٣ ، سنن البيهقي ٣ : ٥٧ ، المستدرك للحاكم ١ : ٢٤٥.

(٢) الهداية للمرغيناني ١ : ٥٥ ، شرح فتح القدير ١ : ٢٩٩ ، المجموع ٤ : ١٨٤ و ١٨٩ ، الوجيز ١ : ٥٥ ، فتح العزيز ٤ : ٢٨٥.

(٣) سنن أبي داود ١ : ١٥٠ ـ ٥٤٧ ، سنن النسائي ٢ : ١٠٦ ، مسند أحمد ٦ : ٤٤٦ ، المستدرك للحاكم ١ : ٢١١.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٠ ، المجموع ٤ : ١٨٤ و ١٨٩ ، فتح العزيز ٤ : ٢٨٥ ، حلية العلماء ٢ : ١٥٥.

(٥) المجموع ٤ : ١٨٦ ، فتح العزيز ٤ : ٢٨٦.

(٦) سنن ابن ماجة ١ : ٣١٢ ـ ٩٧٢ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٨٠ ـ ١ ، المستدرك للحاكم ٤. ٣٣٤ ، وعيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٦١ ـ ٢٤٨.

٢٢٩

وهو أحد قولي الشافعي. وعلى الآخر : لا يكفيه أن يصلّي في بيته جماعة إلاّ إذا ظهرت الجماعة في الأسواق ، لأنّ فرضها يسقط بذلك (١).

ويستحب أن توقع في المسجد الذي تكثر فيه الجماعة ، وهو الجامع ، قريبا كان منه أو بعيدا ، إلاّ أن يكون في جواره مسجد تكثر فيه الجماعات فالأقرب أولى. وكذا لو كانت جماعة المسجد القريب تختلّ ببعده عنه ، أو كان إمام المسجد الأعظم مبدعا أو فاسقا ، أو يعتقد ترك شي‌ء من واجبات الصلاة.

ولا ينبغي لأحد ترك الجماعة وإن صلاّها بنسائه أو عبيده أو إمائه أو أولاده إذا لم يحضر المسجد.

مسألة ٥٣١ : لو رأى رجلا يصلّي وحده ، استحب أن يصلّي معه ، لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، رأى رجلا يصلّي وحده ، فقال : ( ألا رجل يتصدّق على هذا فيصلّي معه؟ ) (٢) فجعل الصلاة معه بمنزلة الصدقة عليه.

مسألة ٥٣٢ : يستحب أن يمشي على عادته إلى الجماعة ولا يسرع. وإن خاف فوتها ، فالأقرب عندي : الإسراع ـ وبه قال إسحاق (٣) ـ لما فيه من المحافظة على الجماعة.

وعن ابن مسعود : أنّه اشتدّ إلى الصلاة ، وقال : بادروا حدّ الصلاة ، يعني التكبيرة الأولى.

__________________

(١) المجموع ٤ : ١٨٥ ، كفاية الأخيار ١ : ٨٢.

(٢) سنن أبي داود ١ : ١٥٧ ـ ٥٧٤ ، سنن الدارمي ١ : ٣١٨ ، سنن البيهقي ٣ : ٦٨ ـ ٦٩ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٧٧ ـ ٢٧٨ ـ ٣ ، المستدرك للحاكم ١ : ٢٠٩.

(٣) المجموع ٤ : ٢٠٧ ، وفي حلية العلماء ٢ : ١٥٧ ، وفتح العزيز ٤ : ٢٨٩ ، والمهذب للشيرازي ١ : ١٠١ : أبو إسحاق ، بدل : إسحاق.

٢٣٠

وكان الأسود بن يزيد يهرول إذا ذهب إلى الصلاة (١).

وقال الشافعي : لا يسرع وإن خاف الفوت ، لقوله عليه‌السلام : ( إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون ، ولكن ائتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة ، فما أدركتم فصلّوا وما فاتكم فاقضوا ) (٢) (٣).

ونمنع الحديث ، أو نحمله على الأمن من الفوات ، فتستحب السكينة ، فإن أدرك صلّى ، وإلاّ قضى ما فاته ، لا على حالة الخوف.

مسألة ٥٣٣ : يجوز ترك الجماعة للعذر وإن لم تكن واجبة ، ويكره لغير عذر. والعذر : عام ، كالمطر والوحل والريح الشديدة في الليلة المظلمة ، وشدّة الحرّ ، لأنّه عليه‌السلام كان يأمر مناديه في الليلة المظلمة والليلة ذات الريح : ( ألا صلّوا في رحالكم ) (٤).

وقال عليه‌السلام : ( إذا ابتلّت النعال فالصلاة في الرحال ) (٥).

وقال عليه‌السلام : ( إذا اشتدّ الحر فأبردوا بالظهر ) (٦).

وخاص : كالأكل ، لشدّة شهوته إلى الطعام ، لقوله عليه‌السلام : ( إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤا بالعشاء ) (٧).

ولأنّه يمنعه من السكون في الصلاة ، والخشوع.

__________________

(١) لم نجد ما نقل عنهما في المصادر المتوفّرة بين أيدينا. وقال النووي في المجموع ٤ : ٢٠٧ : وعن ابن مسعود وابن عمر ، والأسود بن يزيد .. قالوا : إذا خاف فوت تكبيرة الإحرام أسرع.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٤٢٠ ـ ٦٠٢ ، سنن أبي داود ١ : ١٥٦ ـ ٥٧٢ ، سنن النسائي ٢ : ١١٤ ـ ١١٥ ، مسند أحمد ٢ : ٤٥٢ و ٤٨٩.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٠١ ، المجموع ٤ : ٢٠٦ و ٢٠٧.

(٤) صحيح البخاري ١ : ١٦٣ ، سنن أبي داود ١ : ٢٧٩ ـ ١٠٦٢ ، سنن النسائي ٢ : ١١١ ، سنن البيهقي ٣ : ٧٠ ـ ٧١.

(٥) سنن أبي داود ١ : ٢٧٨ ـ ١٠٥٩.

(٦) سنن ابن ماجة ١ : ٢٢٢ ـ ٦٧٨ ، الضعفاء الكبير للعقيلي ٢ : ٢٨١ ـ ٨٤٥.

(٧) سنن الترمذي ٢ : ١٨٤ ـ ٣٥٣ ، سنن النسائي ٢ : ١١١ ، سنن البيهقي ٣ : ٧٣.

٢٣١

وكونه حاقنا ، لقوله عليه‌السلام : ( إذا وجد أحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة ) (١).

أو مريضا أو خائفا من ظالم ، أو فوت رفقة ، أو ضياع مال ، أو غلبة نوم إذا انتظر الجماعة ، أو احتاج إلى تمريض غيره ، أو أكل شي‌ء من المؤذيات : كالبصل والكراث ، لقوله عليه‌السلام : ( من أكل من هذه الشجرة فلا يؤذينا في مسجدنا ) (٢) فإن تمكن من إزالته لم يكن عذرا.

مسألة ٥٣٤ : وتصح الجماعة في كلّ مكان على ما تقدّم (٣) ، سواء كان قريبا من المسجد ، أو لا ، لكن الأفضل قصد المسجد مع انتفاء المشقة ، وليس واجبا ، وهو قول العلماء ، لقوله عليه‌السلام : ( أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي : جعلت لي الأرض طيبة طهورا ، ومسجدا ، فأيّما رجل أدركته الصلاة صلّى حيث كان ) (٤).

ومن طريق الخاصة : قوله عليه‌السلام : « صلاة الرجل في بيته وحده صلاة واحدة » (٥).

وفي رواية عن أحمد : أنّ حضور المسجد القريب منه واجب (٦) ، لقول عليّ عليه‌السلام : « لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد » (٧).

__________________

(١) سنن النسائي ٢ : ١١٠ ـ ١١١ ، سنن البيهقي ٣ : ٧٢.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٣٢٤ ـ ١٠١٥ ، مسند أحمد ٢ : ٢٦٤ و ٢٦٦ ، سنن البيهقي ٣ : ٧٦.

(٣) تقدّم في المسألة : ٥٣٠.

(٤) سنن النسائي ١ : ٢١٠ ـ ٢١١ ، مسند أحمد ٣ : ٣٠٤ ، مسند أبي عوانة ١ : ٣٩٦.

(٥) الفقيه ١ : ١٥٢ ـ ٧٠٣ ، التهذيب ٣ : ٢٥٣ ـ ٦٩٨.

(٦) المغني ٢ : ٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥.

(٧) اختلفت المصادر في نسبة هذه الرواية كما اختلفت النسختان الخطيتان ، ففي نسخة « م » : لقوله ٧. وظاهره قول النبي ٦ كما في المغني ٢ : ٦ ، والشرح الكبير ٢ : ٥ ، وسنن الدار قطني ١ : ٤٢٠ ـ ١ و ٢ ، وسنن البيهقي ٣ : ٥٧ ، والمستدرك للحاكم ١ : ٢٤٦. وفي نسخة « ش » : لقول علي ٧ كما في سنن البيهقي ٣ : ٥٧.

٢٣٢

وهو محمول على نفي الكمال.

مسألة ٥٣٥ : الجماعة في المسجد الحرام أفضل من غيره‌ ، ثم بعده مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم المسجد الأقصى ، ثم المسجد الأعظم من كلّ بلد ، ثم كلّ مسجد تكثر فيه الجماعة ، والتفضيل في الأول بسبب تفاوت الأمكنة في الشرف ، وفي الأخير بسبب الفعل ، وقد تقدم (١).

ولو كان في جواره أو في غير جواره مسجد لا تنعقد الجماعة فيه إلاّ بحضوره ، ففعلها فيه أولى ، لأنّه يعمره بإقامة الجماعة فيه ، ويحصّلها لمن يصلّي فيه.

وإن كانت تقام فيه ، وفي قصده غيره كسر قلب إمامه ، أو جماعته ، فجبر قلوبهم أولى.

وهذا لا يتأتّى عندنا ، لأنّ شرط الإمام العدالة ، والعدل لا ينكسر قلبه بمثل هذا.

وإن لم يكن كذلك ، ففي أولوية قصد الأبعد أو الأقرب احتمال ينشأ : من كثرة الخطإ في طلب الثواب ، ومن الجواز.

وفيه عن أحمد روايتان (٢).

مسألة ٥٣٦ : يكره تكرّر الجماعة في المسجد الواحد‌ ، فإذا صلّى إمام الحيّ في مسجده وحضر قوم آخرون ، صلّوا فرادى ، قاله الشيخ (٣) ، وبه قال الليث والبتي والثوري ومالك وأبو حنيفة والأوزاعي والشافعي (٤) ، إلاّ أنّ الشيخ أطلق ، وهؤلاء قالوا : يكره فيما له إمام راتب في غير ممرّ الناس لا في‌

__________________

(١) تقدّم في المسألة : ٥٣٠.

(٢) المغني ٢ : ٨ ـ ٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦.

(٣) الخلاف ١ : ٥٤٢ ، المسألة ٢٨٠.

(٤) المدونة الكبرى ١ : ٨٩ ، التفريع ١ : ٢٦٢ ، الشرح الصغير ١ : ١٥٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٢ ، المجموع ٤ : ٢٢٢ ، المغني ٢ : ١١ ، الشرح الكبير ٢ : ٨.

٢٣٣

غيره ، وكذا لا يكره لو كان على قارعة الطريق أو في محلة لا يمكن أن يجتمع أهله دفعة واحدة (١).

واحتجّ الشيخ ـ بالأخبار ، ولأنّ فيه اختلاف القلوب ، والعداوة والتهاون بالصلاة مع إمامه.

والذي روى أبو علي الحراني (٢) عن الصادق عليه‌السلام كراهة أن يؤذّن الجماعة الثانية إذا تخلّف أحد من الاولى (٣).

وروى زيد عن أبيه عليه‌السلام ، عن آبائه عليهم‌السلام ، قال : « دخل رجلان المسجد وقد صلّى علي عليه‌السلام بالناس ، فقال لهما : إن شئتما فليؤمّ أحدكما صاحبه ولا يؤذّن ولا يقيم » (٤).

وقال ابن مسعود والحسن والنخعي وقتادة وأحمد وإسحاق : لا تكره الجماعة الثانية ، لعموم قوله عليه‌السلام : ( صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذّ بخمس وعشرين درجة ) (٥).

وجاء رجل وقد صلّى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : ( أيّكم يتّجر على هذا؟ ) فقام رجل فصلّى معه (٦).

__________________

(١) المجموع ٤ : ٢٢٢ ، المغني ٢ : ١١ ، الشرح الكبير ٢ : ٨ ، وراجع أيضا : الخلاف ١ : ٥٤٢ ، المسألة ٢٨٠.

(٢) في « ش ، م » : الجبائي. والصحيح ما أثبتناه ، وهو من جملة الرواة عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، وله كتاب ، وروى عنه محمد بن أبي عمير وهارون بن مسلم.

أنظر : رجال النجاشي : ٤٥٦ ـ ١٢٣٩ والفهرست للطوسي : ١٨٧ وتنقيح المقال ٣ : ٢٧ من فصل الكنى ، ومعجم رجال الحديث ٢١ : ٢٥١ ـ ١٤٥٦٩.

(٣) التهذيب ٣ : ٥٥ ـ ١٩٠ ، الفقيه ١ : ٢٦٦ ـ ١٢١٥.

(٤) التهذيب ٣ : ٥٦ ـ ١٩١.

(٥) سنن النسائي ٢ : ١٠٣ ، مسند أحمد ٣ : ٥٥ ، سنن البيهقي ٣ : ٦٠.

(٦) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٣٢٢ ، سنن الترمذي ١ : ٤٢٧ ـ ٤٢٩ ـ ٢٢٠ ، سنن البيهقي ٣ : ٦٩.

٢٣٤

وفي حديث آخر : ( ألا رجل يتصدّق على هذا فيصلّي معه؟ ) (١).

وفي رواية زيادة : فلمّا صلّيا ، قال : ( وهذان جماعة ) (٢) (٣).

ولا بأس بهذا القول عندي.

وكره أحمد إعادة الجماعة في المسجد الحرام ، ومسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لئلاّ يتوانى الناس في حضور جماعة الإمام الراتب (٤).

والوجه : التسوية.

مسألة ٥٣٧ : ومحل الجماعة الفرض دون النفل‌ ، إلاّ في الاستسقاء والعيدين مع اختلال بعض الشرائط ، عند علمائنا ـ خلافا للجمهور (٥) ـ لأنّ زيد بن ثابت قال : جاء رجال يصلّون صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فخرج مغضبا ، وأمرهم أن يصلّوا النوافل في بيوتهم (٦).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلاّ المكتوبة ) (٧).

ومن طريق الخاصة : قول الصادق والرضا عليهما‌السلام : « لمّا دخل رمضان اصطف الناس خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : أيها الناس هذه نافلة فليصلّ كلّ منكم وحده ، وليعمل ما علّمه الله في كتابه ، واعلموا أنّه لا جماعة في نافلة ، فتفرّق الناس » (٨).

__________________

(١) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٣٢٢ ، مسند أحمد ، ٥ : ٢٥٤ و ٢٦٩ ، سنن أبي داود ١ : ١٥٧ ـ ٥٧٤ ، سنن الدارمي ١ : ٣١٨ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٧٨ ـ ٣ ، المستدرك للحاكم ١ : ٢٠٩.

(٢) مسند أحمد ٥ : ٢٥٤ و ٢٦٩ ، وانظر : المغني ٢ : ١٣ والشرح الكبير ٢ : ٩.

(٣) المغني ٢ : ١٠ ـ ١٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٨ ـ ٩ ، المجموع ٤ : ٢٢٢.

(٤) المغني ٢ : ١٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٩ ، الانصاف ٢ : ٢١٩ و ٢٢٠.

(٥) المجموع ٤ : ٥ ، المغني ١ : ٨١١ ، الشرح الكبير ١ : ٨٠٨.

(٦) نقله المحقق في المعتبر : ٢٣٨.

(٧) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٢٤٥ و ٢٥٦.

(٨) المعتبر : ٢٣٨.

٢٣٥

احتجّوا : بالجواز الأصلي.

وقد يخرج بالنص عن العمل به.

المطلب الثاني : في الشرائط‌

وهي سبعة :

الأول : العدد ، وأقلّه اثنان ، أحدهما : الإمام في كلّ ما يجمّع فيه إلاّ الجمعة والعيدين مع الشرائط بالإجماع.

ولقوله عليه‌السلام : ( الاثنان فما فوقهما جماعة ) (١).

ولأنّها مأخوذة من الاجتماع وهو موجود هنا.

لا يقال : أقلّ الجمع ثلاثة عندكم ، فكيف تذهبون إلى ذلك!؟

لأنّا نقول : ليس بينهما تناف ، لتغايرهما ، لأنّ المراد هنا أنّ فضيلة الجماعة تحصل من الاثنين ، والمراد هنا صيغة الجمع ك‍ « رجال » لا يطلق حقيقة على أقلّ من الثلاثة.

ولا فرق في الجواز بين أن يكونوا ذكورا أو إناثا أو بالتفريق أو ذكورا وخناثى أو إناثا وخنثى (٢).

ولا يجوز أن يكونوا إناثا وخناثى مشكل أمرهم ، ولا خناثى منفردات ، لامتناع أن تكون الإمامة خنثى لمثلها ، لاحتمال أن تكون الإمام أنثى والمأموم رجلا.

مسألة ٥٣٨ : يستحب للنساء أن يصلّين جماعة‌ وإن لم يكن معهنّ رجل ، في الفرض والنفل ، كالرجال ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال عطاء والأوزاعي والثوري وأبو ثور والشافعي وأحمد وإسحاق (٣) ـ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أمر أمّ ورقة بنت عبد الله بن الحارث بن نوفل ـ وكان يزورها ويسمّيها‌

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٣١٢ ـ ٩٧٢ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٨٠ ـ ١ ، المستدرك للحاكم ٤ : ٣٣٤ ، وعيون أخبار الرضا ٢ : ٦١ ـ ٢٤٨‌

(٢) المناسب للعبارة : وخناثى.

(٣) المجموع ٤ : ١٩٩ ، المغني ٢ : ٣٦ ، الميزان للشعراني ١ : ١٧٣ ، والام ١ : ١٦٤.

٢٣٦

الشهيدة ـ بأن تؤمّ أهل دارها ، وجعل لها مؤذّنا (١).

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه‌السلام : « لا بأس » وقد سئل هل تؤمّ المرأة النساء؟ (٢).

ولأنّ النساء من أهل الفرض فسنّت لهنّ الجماعات ، كالرجال.

وقال أبو حنيفة ومالك : إنّه مكروه ـ وحكي عن نافع وعمر بن عبد العزيز ـ لأنّ الأذان يكره لهنّ ، وهو دعاء إلى الجماعة ، فكرهت لهنّ (٣).

وعلّة كراهة الأذان رفع الصوت المنهيّ عنه ، بخلاف الجماعة.

ولأنّ من الصلوات ما لا يؤذّن لها ومن سننها الجماعة.

ولأنّه يستحب لها الإقامة ، فدلّ ذلك على ثبوت الجماعة في حقّها.

مسألة ٥٣٩ : إذا أمّت المرأة النساء ، استحب أن تقف وسطهنّ في صفّهنّ ، ولا نعلم فيه خلافا ، لأنّ صفوان بن سليم قال : من السنّة أن تصلّي المرأة بنساء تقف وسطهنّ (٤).

ومن طريق الخاصة : ما رواه بعض أصحابنا عن المرأة تؤمّ النساء؟ قال : « نعم تقف وسطهنّ » (٥).

ولأنّ ذلك أستر لها كالعراة.

فإن تقدّمت وصلّت ، كره ، وصحّت صلاتهنّ ، كالرجل لو صلّى وسط الرجال.

مسألة ٥٤٠ : الحرّة أولى من الأمة بالإمامة ، لأنّها موضع فضيلة والحرّة‌

__________________

(١) سنن أبي داود ١ : ١٦١ ـ ٥٩٢ ، سنن البيهقي ٣ : ١٣٠.

(٢) التهذيب ٣ : ٣١ ـ ١١١ ، الاستبصار ١ : ٤٢٦ ـ ١٦٤٤.

(٣) المجموع ٤ : ١٩٩ ، المغني ٢ : ٣٦ ، اللباب ١ : ٨٠ ، المنتقى للباجي ١ : ٢٣٦ ، الميزان للشعراني ١ : ١٧٣ ، وأمّا ما حكي عن نافع وعمر بن عبد العزيز فلم نجده فيما بين أيدينا من المصادر.

(٤) مختصر المزني : ٢٤.

(٥) التهذيب ٣ : ٣١ ـ ١١٢ ، الإستبصار ١ : ٤٢٦ ـ ١٦٤٥.

٢٣٧

أكمل.

ولأنّ الحرّة تستتر في الصلاة ، والأمة يجوز أن تكشف رأسها ، فالمستّرة أولى.

فإن تقدّمت الأمة ، جاز وإن كانت مكشوفة الرأس ، لعدم وجوب ستره في حقّها.

فإن كانت قد عتقت ولم تعلم ، فصلّت بغير خمار ، جاز للعالمة به الائتمام بها ، لأنّها صلاة شرعية.

والأقرب : انسحاب ذلك على العالم بنجاسة ثوب الإمام إذا لم توجب الإعادة مع تجدّد العلم في الوقت.

إذا ثبت هذا ، فإن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( المرأة عورة ، وأنّها إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان ) (١) فأقرب ما تكون من وجه الله تعالى وهي في قعر بيتها.

وقال عليه‌السلام : ( صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها ) يعني : صحن دارها ( وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها ) (٢) والمخدع هو : البيت جوف البيت.

ومن طريق الخاصة : قولهم عليهم‌السلام : « خير مساجد نسائكم البيوت » (٣).

مسألة ٥٤١ : يصح أن يؤمّ الرجل النساء الأجنبيات ، لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، صلّى بأنس وبامّه أو خالته (٤). وللأصل.

__________________

(١) سنن الترمذي ٣ : ٤٧٦ ـ ١١٧٣.

(٢) سنن أبي داود ١ : ١٥٦ ـ ٥٧٠ ، سنن البيهقي ٣ : ١٣١ ، المستدرك للحاكم ١ : ٢٠٩.

(٣) الفقيه ١ : ١٥٤ ـ ٧١٩ ، التهذيب ٣ : ٢٥٢ ـ ٦٩٤.

(٤) صحيح البخاري ١ : ١٨٥ و ٢٢٠ ، صحيح مسلم ١ : ٤٥٧ ـ ٤٥٨ ـ ٦٦٠ ، سنن أبي داود ١ : ١٦٥ ـ ٦٠٨ و ١٦٦ ـ ٦٠٩.

٢٣٨

وكذا يصلّى بالصبيّ في الفرض والنفل ، عند علمائنا ، لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أمّ ابن عباس وهو صبي (١).

وقال أحمد : لا تنعقد الجماعة بالصبي وإن كان مأموما ، لنقص حاله ، فأشبه من لا تصح صلاته (٢).

وهو ممنوع ، لأنّه متنفّل ، فصحّ أن يكون مأموما لمفترض كالبالغ ، ولهذا قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من يتصدّق على هذا فيصلّي معه؟ ) (٣).

الشرط الثاني : عدم تقدّم المأموم في الموقف على الإمام‌ ، فإن صلّى قدّامه ، بطلت صلاته ، سواء كان متقدّما عند التحريم ، أو تقدّم في خلالها ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال أبو حنيفة وأحمد والشافعي في الجديد (٤) ـ لقوله عليه‌السلام : ( إنّما جعل الإمام إماما ليؤتمّ به ) (٥).

ولأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فعل ما قلناه ، وكذا الصحابة والتابعون.

ولأنّه أخطأ موقفه إلى موقف ليس بموقف لأحد من المأمومين بحال ، فلم تصح صلاته ، كما لو صلّى في بيته بصلاة الإمام في المسجد.

ولأنّه يحتاج في الاقتداء والمتابعة إلى الالتفات إلى ورائه.

وقال مالك وإسحاق وأبو ثور والشافعي في القديم : تصحّ ، لأنّ مخالفة‌

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ٢١٧ ، سنن أبي داود ١ : ١٦٦ ـ ٦١٠ و ٦١١ ، سنن البيهقي ٣ : ٩٥.

(٢) المغني ٢ : ٥٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤ ، الانصاف ٢ : ٢٦٦ ، المجموع ٤ : ٢٤٩.

(٣) مسند أحمد ٣ : ٥.

(٤) المبسوط للسرخسي ١ : ٤٣ ، المغني ٢ : ٤٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٧ ، المجموع ٤ : ٢٩٩ و ٣٠٠ ، فتح العزيز ٤ : ٢٣٨ ، الميزان للشعراني ١ : ١٧٩ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤٥.

(٥) صحيح البخاري ١ : ١٧٧ و ١٨٧ ، صحيح مسلم ١ : ٣٠٨ ـ ٤١١ ، سنن النسائي ٢ : ٨٣ و ٩٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٩٢ ـ ١٢٣٧.

٢٣٩

الموقف لا تبطل الصلاة ، كما لو وقف على يسار الإمام (١).

والفرق : أنه موقف لبعض المأمومين كالعراة والنساء.

فروع :

أ : الأفضل تأخّر المأموم عن الإمام في الموقف‌ وليس شرطا ، لتحصل صورة التقدّم ، فإن ساواه ، صحّ إجماعا.

ب : الاعتبار في التقدّم والمساواة بالعقب ، فلو تقدّم عقب المأموم ، بطل عندنا ، خلافا لمالك والشافعي في أحد القولين (٢) على ما تقدّم ، وإن ساواه صح.

ج : لو كانت رجل الإمام أكبر ، فوقف المأموم بحيث حاذت أطراف أصابعه أصابع الإمام ولكن تقدّم عقبه على عقب الإمام ، فالوجه : البطلان.

وتحتمل : الصحة ، لأنّه حاذى الإمام ببعض بدنه ، واعتبارا بالأصابع.

وكلاهما للشافعي (٣).

ولو كانت رجل المأموم أطول ، فوقف بحيث يكون عقبه محاذيا لعقب إمامه ، وتقدّمت أطراف أصابعه ، فالوجه : الصحة ـ وبه قال الشافعي (٤) على تقدير المنع ـ لأنّ ابن مسعود صلّى بالأسود وعلقمة ، فأقام أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره ، وكانا أطول قامة (٥).

فالظاهر أنّهما أكبر رجلا ، ولم يأمرهم بالتأخّر.

__________________

(١) بلغة السالك ١ : ١٥٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٧ ، المجموع ٤ : ٢٩٩ و ٣٠٠ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣٩ ، الميزان للشعراني ١ : ١٧٩ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤٥ ، المغني ٢ : ٤٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣.

(٢) بلغة السالك ١ : ١٥٨ ، المجموع ٤ : ٢٩٩ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣٩ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤٥.

(٣) المجموع ٤ : ٢٩٩ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣٩.

(٤) المجموع ٤ : ٢٩٩ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤٥.

(٥) صحيح مسلم ١ : ٣٧٨ ـ ٥٣٤ ، سنن أبي داود ١ : ١٦٦ ـ ٦١٣.

٢٤٠