تذكرة الفقهاء - ج ٤

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٤

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: ٤٧٨

وقول الصادق عليه‌السلام ، في صلاة الكسوف : « إن أعلمك أحد وأنت نائم فعلمت ثم غلبتك عينك فلم تصلّ فعليك قضاؤها » (١).

وقال الشيخ : إن احترق البعض وتركها نسيانا ، لم يقض (٢).

وليس بجيّد.

وقال الجمهور كافّة : لا قضاء مطلقا ، لقوله عليه‌السلام : ( فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله والصلاة حتى ينجلي ) (٣) فجعل الانجلاء غاية للصلاة ، فلم يصلّ بعده. ولأنّها شرّعت لردّ النور وقد حصل (٤).

والحديث المراد به الأداء. ونمنع العليّة ، بل يجوز أن يكون علامة لوجوب الصلاة.

سلّمنا ، لكن لا نسلّم أنّ الرغبة إلى ردّه تستلزم عدم الشكر على الابتداء بردّه.

سلّمنا ، لكن ينتقض عندهم بالاستسقاء ، فإنّهم يصلّون بعد السقي (٥) وإن كانت صلاتهم رغبة في ذلك.

مسألة ٤٨٦ : لو لم يعلم بالكسوف حتى انجلى ، فإن كان قد احترق القرص كلّه ، وجب القضاء ، وإلاّ فلا‌ ، عند علمائنا ـ إلاّ في قول للمفيد : إنّه يقضي لو احترق البعض فرادى لا جماعة (٦) ـ لقول الصادق عليه‌السلام : « إذا انكسف القمر ولم تعلم حتى أصبحت ، ثم بلغك ، فإن احترق كلّه ،

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٩١ ـ ٨٧٦ ، الاستبصار ١ : ٤٥٤ ـ ١٧٦٠.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ١٧٢.

(٣) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٤٦٨ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢٤ و ٣٢٥.

(٤) الام ١ : ٢٤٤ ، المجموع ٥ : ٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٧٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢٩ ، المغني ٢ : ٢٨٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٧٩ ، الشرح الصغير ١ : ١٨٧.

(٥) راجع : المغني ٢ : ٢٩٤ ، والمجموع ٥ : ٨٩ ـ ٩٠.

(٦) المقنعة : ٣٥.

١٨١

فعليك القضاء ، وإن لم يحترق كلّه ، فلا قضاء عليك » (١).

وقوله عليه‌السلام : « إذا انكسفت الشمس كلّها ولم تعلم وعلمت ، فعليك القضاء ، وإن لم تحترق كلّها فلا قضاء عليك » (٢).

وقال الجمهور : لا قضاء (٣) ، لما تقدّم في المسألة السابقة.

والجواب قد تقدّم.

أمّا جاهل غير الكسوف ، مثل الزلزلة والرياح والظلمة الشديدة ، فالوجه سقوطها عن الجاهل عملا بالأصل السالم عن المعارض.

مسألة ٤٨٧ : لا تسقط هذه الصلاة بغيبوبة الشمس منخسفة ، لقوله عليه‌السلام : ( فإذا رأيتم ذلك فصلّوا ) (٤) والأصل البقاء.

وقال الجمهور : لا يصلّي ، لأنّها إذا غابت فقد ذهب سلطانها ، وفات وقتها ، فلم يصلّ لردّها (٥).

وهو ممنوع ، ونمنع أنّ مع ذهاب سلطانها يسقط ما ثبت وجوبه. مع أنّه اجتهاد ، فلا يعارض النصّ. وينتقض بالقمر عندهم (٦).

ولا تسقط صلاة الخسوف بغيبوبة القمر منخسفا إجماعا ، لأنّ وقته باق وهو الليل ، والحاجة داعية إليه.

ولا تسقط صلاة الخسوف والكسوف بستر السحاب إجماعا ، لأنّ الأصل بقاؤهما.

ولو طلعت الشمس والقمر منخسف ، لم تسقط صلاته ، عملا‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٥٧ ـ ٣٣٦.

(٢) التهذيب ٣ : ١٥٧ ـ ١٥٨ ـ ٣٣٩.

(٣) أوعزنا الى مصادره في الهامش (٤) من الصفحة السابقة.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ٤٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٢٣ ـ ١٠ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٣٢.

(٥) الام ١ : ٢٤٤ ، المجموع ٥ : ٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٨٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٣٠ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٨٠.

(٦) المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٨٠ ، المجموع ٥ : ٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٨٠.

١٨٢

بالموجب.

وقال الجمهور : تسقط ، لفوات وقته ، وذهاب سلطانه (١).

ولو طلع الفجر فكذلك عندنا لا تسقط ـ وهو الجديد للشافعي (٢) ـ لبقاء سلطانه قبل طلوع الشمس ، لقوله تعالى ( فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً ) (٣) فما لم تطلع الشمس فالسلطان باق.

والقديم : لا يصلّي ، لذهاب سلطانه بطلوع الفجر ، لأنّه من النهار ، والفجر حاجب الشمس (٤).

ولو ابتدأ الخسوف بعد طلوع الفجر صلاّها عندنا ، خلافا للشافعي في القديم (٥).

ولو كان قد شرع في الصلاة فطلعت الشمس ، لم تبطلها إجماعا ، لأنّها صلاة مؤقّتة ، فلا تبطل بخروج وقتها ، وعندنا أنّ وقتها باق.

مسألة ٤٨٨ : وهذه الصلاة مشروعة مع الإمام وعدمه‌ ، عند علمائنا أجمع ـ وهو قول أكثر العلماء (٦) ـ لعموم الأخبار.

ولأنّ صفوان بن عبد الله بن صفوان قال : رأيت ابن عباس على ظهر زمزم يصلّي الخسوف للشمس والقمر (٧). والظاهر أنّه صلّى منفردا.

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه‌السلام ، في صلاة الكسوف :

__________________

(١) المجموع ٥ : ٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٨٠ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٨٠ ، بلغة السالك ١ : ١٩١.

(٢) المجموع ٥ : ٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٨٠.

(٣) الإسراء : ١٢.

(٤) المجموع ٥ : ٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٨٠.

(٥) المجموع ٥ : ٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٨٠.

(٦) المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٣.

(٧) مصنف عبد الرزاق ٣ : ١٠٢ ـ ١٠٣ ـ ٤٩٣٤ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢٨.

١٨٣

« تصلّى جماعة وفرادى » (١).

ولأنّها صلاة ليس من شرطها البنيان والاستيطان ، فلم يكن من شرطها الجماعة ، كغيرها من النوافل.

وقال الثوري ومحمد : إن صلّى الإمام صلّوها معه ، ولا يصلّون منفردين ، لأنّها صلاة شرّع لها الاجتماع والخطبة ، فلا يصلّيها المنفرد كالجمعة (٢).

ونمنع العلّيّة ، فإنّ الخطبة عندنا ليست مشروعة.

مسألة ٤٨٩ : وتستحبّ الجماعة في هذه الصلاة إجماعا منّا‌ ـ وبه قال الشافعي ومالك وأحمد (٣) ـ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، صلاّها في الجماعة (٤).

وصلّى ابن عباس خسوف القمر في جماعة في عهد علي عليه‌السلام (٥).

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه‌السلام : « إذا انكسفت الشمس والقمر فإنّه ينبغي للناس أن يفزعوا إلى الإمام يصلّي بهم ، وأيّهما كسف بعضه فإنّه يجزئ الرجل أن يصلّي وحده » (٦).

ولأنّ خسوف القمر أحد الكسوفين ، فاستحبّت فيه الجماعة كالآخر.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٩٢ ـ ٨٨٢.

(٢) المجموع ٥ : ٤٥ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٤ ، حلية العلماء ٢ : ٢٧٠.

(٣) الام ١ : ٢٤٢ ، المجموع ٥ : ٤٤ و ٤٥ ، الوجيز ١ : ٧١ ، فتح العزيز ٥ : ٧٤ ، مغني المحتاج ١ : ٣١٨ ، بداية المجتهد ١ : ٢١٠ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٤.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ٤٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٦١٩ ـ ٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٠١ ـ ١٢٦٣ ، سنن النسائي ٣ : ١٢٧ ، سنن الدارمي ١ : ٣٥٩ ، سنن أبي داود ١ : ٣٠٦ ـ ١١٧٧ و ١١٧٨ ، سنن الدار قطني ٢ : ٦٣ ـ ٣ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢٠.

(٥) سنن البيهقي ٣ : ٣٣٨.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٩٢ ـ ٨٨١.

١٨٤

وقال أبو حنيفة : يصلّون للقمر فرادى في بيوتهم ، لأنّ في خروجهم ليلا مشقّة (١).

وينتقض : بالتراويح.

تذنيب : لو أدرك المأموم الإمام راكعا في الأول ، فقد أدرك الركعة‌. ولو أدركه في الركوع الثاني ، أو الثالث ، فالوجه : أنّه فاتته تلك الركعة ـ وبه قال الشافعي (٢) ـ لأن الركوع ركن فيها ، ولا يتحمّل الإمام شيئا سوى القراءة ، لا فعل الركوع ، فحينئذ ينبغي المتابعة حتى يقوم في الثانية ، فيستأنف الصلاة معه ، فإذا قضى صلاته أتمّ هو الثانية ، ويجوز الصبر حتى يبتدئ بالثانية.

وتحتمل المتابعة بنية صحيحة ، فإذا سجد الإمام لم يسجد هو ، بل ينتظر الإمام إلى أن يقوم ، فإذا ركع الإمام أول الثانية ركع معه عن ركعات الأولى ، فإذا انتهى إلى الخامس بالنسبة إليه سجد ، ثم لحق الإمام ، ويتمّ الركعات قبل سجود الثانية.

والوجه : الأول.

مسألة ٤٩٠ : لا خطبة لهذه الصلاة عند علمائنا أجمع‌ ، وبه قال أبو حنيفة ، ومالك (٣) ، عملا بالأصل السالم عن المعارض.

ولأنّه لو كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قد خطب ، لنقل كما نقلت خطبته في العيد والجمعة وغيرهما.

وقال الشافعي : تستحب الخطبة بعد الصلاة على المنبر ـ ولم يذكر‌

__________________

(١) المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٣ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٧٥ ـ ٧٦ ، اللباب ١ : ١٢٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٨٨.

(٢) المجموع ٥ : ٦١ ، الوجيز ١ : ٧١ ، فتح العزيز ٥ : ٧٨ ، مغني المحتاج ١ : ٣١٩.

(٣) الهداية للمرغيناني ١ : ٨٨ ، شرح فتح القدير ٢ : ٥٧ ، اللباب ١ : ١٢٠ ، بلغة السالك ١ : ١٩١ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٨٠ ، المنتقى للباجي ١ : ٣٢٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢١٣ ، المجموع ٥ : ٥٣ ، فتح العزيز ٥ : ٧٥ ـ ٧٦ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٨.

١٨٥

أحمد الخطبة (١) ـ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا خسفت الشمس صلّى ، فوصفت عائشة صلاته إلى أن قالت : فلمّا فرغ وقد تجلّت انصرف وذكر الله تعالى فأثنى عليه وقال : ( يا أيّها الناس إنّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله تعالى ، وكبّروا وانصرفوا ) ثم قال : ( يا امّة محمّد ما أحد أغير من الله تعالى أن يزني ، عبده أو أمته ، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ) (٢) (٣).

ولا حجّة فيه ، لتضمّنه الدعاء والتكبير والإعلام بحكم الكسوف ، وليس ذلك من الخطبة في شي‌ء.

مسألة ٤٩١ : وتجب هذه الصلاة على النساء والرجال والخناثى ، إجماعا منّا وللعموم.

وعند الجمهور بالاستحباب (٤) ، لأنّ أسماء بنت أبي بكر قالت : فزع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يوم كسفت الشمس ، فقام قياما ، فرأيت المرأة التي أكبر منّي ، والمرأة التي أصغر منّي قائمة ، فقلت : أنا أحرى بالصبر على طول القيام (٥).

إذا ثبت هذا ، فإنّه يستحب للعجائز ، ومن لا هيئة لها الصلاة جماعة مع الرجال ، ويكره ذلك للشواب ، ويستحب لهنّ الجماعة تصلّي بهنّ‌

__________________

(١) انظر : المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٨.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٤٢ ـ ٤٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٦١٨ ـ ٩٠١ ، سنن النسائي ٣ : ١٣٠ ـ ١٣٣ ، مسند أحمد ٦ : ١٦٤ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢٢.

(٣) الام ١ : ٢٤٤ ، المجموع ٥ : ٥٢ ، فتح العزيز ٥ : ٧٥ ـ ٧٦ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٨.

(٤) المجموع ٥ : ٤٤ ـ ٤٥ ، المغني ٢ : ٢٨٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٧٣ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٨٠ ، المنتقى للباجي ١ : ٣٢٦.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٦٢٥ ـ ٦٢٦ ـ ٩٠٦ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٤٢.

١٨٦

إحداهنّ.

واستحبّه الشافعي مطلقا ، لكنه لم يستحبّ الخطبة لو صلّين جماعة ، لأنّ الخطبة ليست من سنن النساء ، فإن قامت إحداهنّ وذكّرتهنّ ووعظتهنّ ، كان حسنا عنده (١).

ولو حصل رجل في قرية مع النساء ولا رجل سواه ، تقدّم وصلّى بهنّ وإن كنّ أجانب ـ خلافا للشافعي (٢) ـ إلاّ أن يخاف الافتتان ، فيصلّين فرادى.

إذا ثبت هذا ، فإنّ هذه الصلاة تجب على المسافر كما تجب على الحاضر ، وليس الاستيطان ، ولا البنيان شرطا فيهما إجماعا ، ولا المصر ولا الإمام ، للعموم.

مسألة ٤٩٢ : اختلف علماؤنا في الإعادة بعد الفراغ من الصلاة قبل الانجلاء ، فالأشهر : استحباب إعادة الصلاة ، لأنّ المقتضي للمشروعية باق.

ولقول الصادق عليه‌السلام : « إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد » (٣).

وقال آخرون منّا : بالوجوب ، لثبوت المقتضي له ، وهو : بقاء الكسوف. ولهذا الحديث (٤).

والحقّ خلافه ، لأصالة البراءة.

ولقول الباقر عليه‌السلام : « فإذا فرغت قبل أن ينجلي فاقعد ، وادع الله حتى ينجلي » (٥).

ونمنع كون الكسوف سببا ، بل علامة ووقتا.

__________________

(١) الام ١ : ٢٤٦ ، المجموع ٥ : ٥٩.

(٢) الام ١ : ٢٤٦ ، المجموع ٥ : ٥٩.

(٣) التهذيب ٣ : ١٥٦ ـ ٣٣٤.

(٤) الذي مرّ آنفا.

(٥) الكافي ٣ : ٤٦٣ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ١٥٦ ـ ٣٣٥.

١٨٧

والخبر محمول على الاستحباب ، جمعا بين الأدلّة.

وقال آخرون منّا : لا تعاد الصلاة وجوبا ولا استحبابا ـ وهو قول الجمهور كافة (١) ـ لأنّه لم ينقل عنه عليه‌السلام التكرّر.

ولا حجّة فيه ، لأنّه عليه‌السلام كان يطيل الصلاة بقدر زمانه (٢).

إذا عرفت هذا ، فإنّ الشافعي استحب الخطبة بعدها (٣). وقد أبطلناه.

ويستحب الدعاء والذكر والاستغفار والتكبير والتضرع إلى الله تعالى ، لقوله عليه‌السلام : ( فافزعوا إلى ذكر الله تعالى ، ودعائه واستغفاره ) (٤).

وقالت أسماء : كنّا نؤمر بالعتق في الكسوف (٥).

ولأنّه تخويف من الله تعالى ، فينبغي أن يبادر إلى طاعة الله ليكشفه عن عباده.

مسألة ٤٩٣ : تصلّى هذه الصلاة في أيّ وقت حصل السبب‌ وإن كان أحد الأوقات (٦) الخمسة المكروهة لابتداء النوافل عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي (٧) ـ لأنّها صلاة فرض مؤقتة ، فلا يتناولها النهي.

__________________

(١) الام ١ : ٢٤٤ ، المجموع ٥ : ٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٧١ ، المنتقى للباجي ١ : ٣٢٧ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٨٠.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٤٣ و ٤٤ و ٤٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٦١٨ ـ ٩٠١ و ٦٢٤ ـ ٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٠١ ـ ١٢٦٣ ، سنن الدار قطني ٢ : ٦٣ ـ ٣ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢١ و ٣٢٣ ، المستدرك للحاكم ١ : ٣٢٩.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٩ ، المجموع ٥ : ٥٢ ، فتح العزيز ٥ : ٧٥ ، حلية العلماء ٢ : ٢٦٩.

(٤) سنن النسائي ٣ : ١٥٣ ـ ١٥٤.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ٤٧ ، سنن أبي داود ١ : ٣١٠ ـ ١١٩٢ ، مسند أحمد ٦ : ٣٥٤.

(٦) وهي : طلوع الشمس ، وغروبها ، وقيامها إلى أن تزول ، وبعد صلاتي الصبح والعصر.

(٧) الام ١ : ١٤٩ و ٢٤٣ ، المجموع ٤ : ١٧٠ ، فتح العزيز ٥ : ٦٩ ، بداية المجتهد ١ : ٢١٣ ، عمدة القاري ٧ : ٦٢ و ٧٩.

١٨٨

ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( فإذا رأيتم ذلك فصلّوا ) (١).

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه‌السلام : « وقت صلاة الكسوف الساعة التي تنكسف عند طلوع الشمس وعند غروبها » (٢).

ولأنّها ذات سبب ، فجاز فعلها في الأوقات الخمسة.

وقال مالك وأبو حنيفة : بالمنع ، وعن أحمد روايتان : المنع أشهرهما ، لأنّ عقبة بن عامر قال : ثلاث ساعات (٣) كان النبي عليه‌السلام ينهانا أن نصلّي فيها ، وأن نقبر موتانا (٤) (٥).

وهو مختص بالنوافل ، وقد بيّنّا وجوب هذه الصلاة.

مسألة ٤٩٤ : لو اتّفق في وقت فريضة حاضرة ، فإنّ اتّسع الوقتان ، قدّم الحاضرة استحبابا‌ ، لشدة اعتناء الشارع بها ، ولهذا سوّغ قطع الكسوف والاشتغال بالحاضرة ، فتقديمها أولى.

ولو تضيّق الوقتان ، قدّمت الحاضرة وجوبا ، لما تقدّم ، ثم إن فرّط في صلاة الكسوف بالتأخير مع الإمكان قضى وإلاّ فلا.

ولو تضيّقت إحداهما ، تعيّنت للفعل ، ثم يصلّي الأخرى بعد إكمالها.

ولا يجب مع اتّساع الوقتين الاشتغال بالحاضرة ، لقول الصادق عليه‌السلام : « خمس صلوات لا تترك على حال : إذا طفت بالبيت ، وإذا أردت‌

__________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ٤٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٢٣ ـ ١٠.

(٢) الكافي ٣ : ٤٦٤ ـ ٤ ، التهذيب ٣ : ٢٩٣ ـ ٨٨٦.

(٣) الساعات الثلاث هي : طلوع الشمس وغروبها وزوالها. وانظر : المصادر في الهامش التالي.

(٤) صحيح مسلم ١ : ٥٦٨ ـ ٨٣١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٨٦ ـ ١٥١٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٣٤٨ ـ ١٠٣٠ ، سنن النسائي ١ : ٢٧٥ و ٢٧٧ ، مسند أحمد ٤ : ١٥٢.

(٥) بداية المجتهد ١ : ٢١٣ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٨٢ ، فتح العزيز ٥ : ٦٩ ، المغني ١ : ٧٩٤ و ٢ : ٢٨١ ـ ٢٨٢ ، الشرح الكبير ١ : ٨٤٠.

١٨٩

أن تحرم ، وإذا نسيت فصلّ إذا ذكرت ، وصلاة الكسوف والجنازة » (١) ولا خلاف فيه.

فروع :

أ : لو تلبّس بصلاة الكسوف وتضيّق وقت الحاضرة وخاف فوتها لو أتمّ الكسوف ، قطع إجماعا‌ ، وصلّى بالحاضرة ، تحصيلا للفرض.

ولقول الصادق عليه‌السلام في صلاة الكسوف يخشى فوت الفريضة قال : « اقطعوها وصلّوا الفريضة وعودوا إلى صلاتكم » (٢).

وسأله محمد بن مسلم : ربما ابتلينا بعد المغرب قبل العشاء ، فإن صلّينا الكسوف ، خشينا أن تفوت الفريضة ، قال : « إذا خشيت ذلك فاقطع صلاتك واقض فريضتك ثم عد فيها » (٣).

إذا ثبت هذا ، فإذا قطع الكسوف وصلّى الفريضة هل يعود إلى الكسوف من حيث قطع ، أو يستأنف الصلاة؟.

قال الشيخان والمرتضى : بالأول (٤) ، للروايتين.

وفيه إشكال ينشأ : من أنّ صلاة الفرض يبطلها العمل الكثير ، ودلالة الحديثين ليست قطعيّة ، لاحتمال العود إلى ابتداء الصلاة.

ب : لو اشتغل بالكسوف وخشي فوت الحاضرة لو أتمّها وفوت الكسوف لو اشتغل بالحاضرة ، احتمل تقديم الحاضرة‌ ، لأولويتها ، فيقطع الكسوف ويستأنف.

وإتمام الكسوف ، لأولويته بالشروع فيه ، والنهي عن إبطال العمل ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٨٧ ـ ٢ ، التهذيب ٢ : ١٧٢ ـ ٦٨٣.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٩٣ ـ ٨٨٨.

(٣) التهذيب ٣ : ١٥٥ ـ ٣٣٢.

(٤) النهاية : ١٣٧ ، جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٤٥ ، وحكاه عن الثلاثة ، المحقق في المعتبر : ٢١٨.

١٩٠

ومساواته بالحاضرة في الوجوب.

ويحتمل إتمامها إن أدرك من الحاضرة بعدها ركعة وإلاّ استأنف.

ج : لو اتّسع وقت الحاضرة ، وشرع القرص في الكسوف ، أو حدثت الرياح المظلمة ، فالوجه : تقديم الكسوف والرياح‌ ـ وبه قال الشافعي (١) ـ لجواز عدم طول اللبث ، فيفوت بالاشتغال بالحاضرة.

د : الزلزلة متأخّرة عن الحاضرة‌ مطلقا إن قلنا : وقتها العمر. وإن قلنا : وقتها حدوثها ، فتجب وإن سكنت ، كما قال بعض علمائنا (٢) ، وكالكسوف.

هـ : لو اتّفقت مع صلاة منذورة موقّتة ، بدأ بما يخشى فواته‌ ، ولو أمن فواتهما ، تخيّر فيهما.

و : الكسوف أولى من النافلة الموقّتة كصلاة الليل‌ وغيرها وإن خرج وقتها ، ثم يقضي ندبا.

ز : لو اجتمع الكسوف والعيد وصلاة الجنازة والاستسقاء ، قدّم من الفرائض ما يخشى فواته‌ أو التغيّر ، وإن تساويا ، تخيّر ، أمّا الاستسقاء فتؤخّر ، لأنّ المندوب لا يزاحم الواجب.

وقال الشافعي : تقدّم الجنازة ، لأنّها فرض ، وللخوف من التغيّر ، ثم الخسوف ، لتعلّقها بسبب يخاف فواته ، إلاّ أن تتضيّق العيد فتقدّم ، لأنّ فواته متحقّق وفوات الخسوف غير متحقّق ، ثم الاستسقاء ، لأنّها تصلّى في أيّ وقت كان (٣).

لا يقال : لا يمكن اجتماع العيد والكسوف ، لأنّ الشمس لا تنكسف في العادة إلاّ في التاسع والعشرين من الشهر ، فلا يتصوّر كونه في الفطر ولا الأضحى.

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٣٠ ، المجموع ٥ : ٥٥ و ٥٦ ، فتح العزيز ٥ : ٨١ ، الام ١ : ٢٤٣.

(٢) قاله المحقق في شرائع الإسلام ١ : ١٠٣.

(٣) الام ١ : ٢٤٣ ، مختصر المزني : ٣٢ ، المجموع ٥ : ٥٧.

١٩١

لأنّا نقول : نمنع عدم الإمكان ، والعادة لا تخرج نقيضها عن حدّ الإمكان ، والله على كلّ شي‌ء قدير ، والفقهاء يفرضون الممكن وإن لم يقع عادة ليبيّنوا الأحكام المنوطة به ، كما يفرضون مائة جدّة وما أشبه ذلك.

ثم هذا لا يرد علينا ، لأنّ هذه الصلاة لا تختص بكسوف الشمس ، بل هي واجبة لباقي الآيات الخارجة عن الضابط الزماني.

ح : لو خاف خروج وقت العيد ، قدّمت صلاته‌ ولم يخطب لها حتى يصلّي الخسوف ، فإذا صلّى الخسوف ، خطب للعيد خاصة عندنا ـ وعند الشافعي يخطب لهما (١) ـ وذكر ما يحتاج إلى ذكره لهما.

ط : لو اجتمع الخسوف والجمعة ، فإن اتّسع وقت الجمعة ، بدأ بالخسوف ، ويقصّر في قراءته ، فيقرأ السور القصار ، فإذا فرغ ، اشتغل بخطبة الجمعة خاصة.

وقال الشافعي : يخطب للخسوف والجمعة ، ثم يصلّي الجمعة (٢).

ولو تضيّق الوقت ، بدأ بالخطبة للجمعة مخفّفة ، ثم بالجمعة ثم بالخسوف.

ي : لو كان في الموقف حالة الكسوف ، قدّمت صلاته على الدعاء‌ ولا خطبة.

وقال الشافعي : يخطب راكبا ويدعو (٣).

وإن كسفت وهو في الموضع الذي يصلّى فيه الظهر ، قدّمت صلاته على الدفع إلى عرفة لئلاّ تفوته.

يا : لو خسف القمر بعد الفجر من ليلة المزدلفة وهو بها ، صلّى صلاة الخسوف‌ وإن كان يؤدّي إلى ان يفوته الدفع منها إلى منى قبل طلوع الشمس.

__________________

(١) المجموع ٥ : ٥٧ ، فتح العزيز ٥ : ٨٢.

(٢) الام ١ : ٢٤٣ ، المجموع ٥ : ٥٧ ، حلية العلماء ٢ : ٢٦٩ ، فتح العزيز ٥ : ٨٢.

(٣) الام ١ : ٢٤٤ ، المجموع ٥ : ٥٧ ـ ٥٨.

١٩٢

ويستحب التخفيف ليدفع قبله.

يب : لو خسفت الشمس يوم الثامن بمكة ، وخاف إن اشتغل بصلاة الخسوف أن يفوته فعل الظهر بمنى ، قدّم صلاة الخسوف‌ ، لأنّها واجبة ، بخلاف فعل الظهر بمنى.

يج : لو اتّفق الكسوف مع نافلة ، قدّم الكسوف‌ ولو فاتت النافلة ، راتبة كانت أو لم تكن عند علمائنا ، لأنّها واجبة.

ولقول الصادق عليه‌السلام ، وقد سئل عن صلاة الكسوف وصلاة الليل بأيّتهما نبدأ؟ : « صلّ صلاة الكسوف ، واقض صلاة الليل حين تصبح » (١).

وقال أحمد : يقدّم أكدهما (٢) ، وهو بناء على أنّ صلاة الكسوف مندوبة ، وقد بيّنّا بطلانه.

مسألة ٤٩٥ : قال الشيخ : صلاة كسوف الشمس وخسوف القمر سواء (٣).

وهو صحيح إن قصد المساواة في الهيئة ، أمّا في الإطالة ففيه نظر ، لقول الباقر عليه‌السلام : « صلاة كسوف الشمس أطول من صلاة كسوف القمر ، وهما سواء في القراءة والركوع والسجود » (٤).

مسألة ٤٩٦ : لو ضاق وقت الكسوف عن إدراك ركعة ، لم تجب ، بخلاف الزلزلة ، فإنّها سبب في الوجوب لا وقت له.

( ولو اتّسع لركعة وقصر عن أخفّ صلاة ، ففي الوجوب إشكال ينشأ : من قوله عليه‌السلام : ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ) (٥) ومن‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٥٥ ـ ٣٣٢.

(٢) المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٨٠.

(٣) الخلاف ١ : ٦٨٢ مسألة ٤٥٧.

(٤) الكافي ٣ : ٤٦٣ ـ ٤٦٤ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ١٥٦ ـ ١٥٧ ـ ٣٣٥.

(٥) صحيح البخاري ١ : ١٥١ ، صحيح مسلم ١ : ٤٢٣ ـ ٦٠٧ ، سنن ابن ماجة ١ :

١٩٣

استحالة فرض وقت لعبادة يقصر عنها عقلا ، إلاّ أن يكون القصد القضاء ، ولم يثبت القصد هنا.

فلو اشتغل أحد المكلّفين بها في الابتداء وخرج الوقت وقد أكمل ركعة ، فعلى الأوّل يجب عليه الإكمال ، وعلى الثاني لا يجب ، أمّا الآخر فلا يجب عليه القضاء على التقديرين ) (١).

إذا ثبت هذا ، فلو ضاق الوقت عن العدد ، لم يجز الاقتصار على الأقلّ.

ولو اتّسع للأكثر ، لم تجز الزيادة ، لأنّها فريضة معيّنة.

وللشافعي في كلّ من التقديرين وجهان (٢).

مسألة ٤٩٧ : لا يجوز أن تصلّى هذه الصلاة على الراحلة اختيارا‌ ولا مشيا إلاّ مع الضرورة عند علمائنا ـ خلافا للجمهور ـ لأنّها فريضة فلا تجوز على الراحلة ومشيا اختيارا ، كغيرها من الفرائض.

ولأنّ عبد الله بن سنان سأل الصادق عليه‌السلام : أيصلّي الرجل شيئا من الفروض على الراحلة؟ فقال : « لا » (٣).

أمّا مع الضرورة فتجوز ، دفعا للمشقّة ، كغيرها من الفرائض.

وكتب علي بن فضل الواسطي إلى الرضا عليه‌السلام : إذا كسفت‌

__________________

٣٥٦ ـ ١١٢٣ ، سنن الدارمي ١ : ٢٧٧ ، سنن النسائي ١ : ٢٧٤ ، الموطأ ١ : ١٠ ـ ١٥ ، سنن الترمذي ٢ : ٤٠٣ ـ ٥٢٤.

(١) ورد بدل ما بين القوسين في نسخة « ش » هكذا : ولو اتّسع لركعة وقصر عن أخف صلاة لم يجب لاستحالة فرض وقت لعبادة يقصر عنها عقلا إلاّ أن يكون القصد القضاء ولم يثبت القصد هنا ، فلو اشتغل أحد المكلّفين بها في الابتداء وخرج الوقت وقد أكمل ركعة يحتمل أن يجب عليه الإكمال لأنه مكلّف بالظن فصح ما فعل فيدخل تحت ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ )والأقوى أنّه لا يجب ، أمّا الآخر فلا يجب عليه القضاء على التقديرين.

(١) المجموع ٥ : ٤٧ ـ ٤٨ ، فتح العزيز ٥ : ٧١.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٠٨ ـ ٩٥٤.

١٩٤

الشمس والقمر وأنا راكب لا أقدر على النزول ، فكتب عليه‌السلام : « صلّ على مركبك الذي أنت عليه » (١).

مسألة ٤٩٨ : هل تجب هذه الصلاة في كسف بعض الكواكب بعضا ، أو في كسف أحد النيّرين بأحد الكواكب كما قال بعضهم : إنّه شاهد الزهرة في جرم الشمس كاسفة لها؟ إشكال ينشأ : من عدم التنصيص ، وخفائه ، إذ الحسّ لا يدلّ عليه ، وإنّما يستفاد من المنجّمين الذين لا يوثق بهم ، ومن كونه آية مخوفة ، فتشارك النيّرين في الحكم.

والأول أقوى.

* * *

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٦٥ ـ ٧ ، الفقيه ١ : ٣٤٦ ـ ٥٣١ ، التهذيب ٣ : ٢٩١ ـ ٨٧٨ ، قرب الإسناد : ١٧٤.

١٩٥
١٩٦

الفصل الرابع : في صلاة النذر‌

مسألة ٤٩٩ : صلاة النذر واجبة بحسب ما نذره إجماعا.

ولقوله تعالى ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) (١) وقوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٢) ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً ) (٣) ولقوله تعالى ( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ ) (٤).

ويشترط فيه ما يشترط في الفرائض اليومية من الطهارة والاستقبال وغيرهما إجماعا إلاّ الوقت ، وتزيد الصفات التي عيّنها في نذره ، ولا يجب لو وقع في معصية ، لقبحه إلاّ على وجه الزجر ، وسيأتي.

ولو عيّن الزمان ، تعيّن سواء كان فيه مزية كيوم الجمعة وغيره من الأوقات الشريفة ، أو لا ، لأنّ البقاء غير معلوم ، والتقدّم فعل للواجب قبل وجوبه ، فلا يقع مجزئا ، كما لو صلّى الفرض قبل وقته ، فتعيّن.

ولو قيّده بوقت مكروه للنوافل ، فالأقرب الانعقاد ، لاختصاص الكراهة‌

__________________

(١) الإنسان : ٧.

(٢) المائدة : ١.

(٣) الإسراء : ٣٤.

(٤) النحل : ٩١.

١٩٧

بالنوافل ، وهذه بالنذر خرجت عن كونها نافلة ، وصارت واجبة ذات سبب.

مسألة ٥٠٠ : لو قيّد نذر الصلاة بزمان فأوقعها في غيره ، فقد بيّنّا عدم الإجزاء. ثم إن كان الفعل متقدّما على الزمان ، وجب عليه الإعادة عند حضور الزمان ، فإن أهمل وجب القضاء وكفّارة خلف النذر.

وإن تأخّر الفعل ، فإن كان لعذر أجزأ ولا كفّارة ، وإن كان لغير عذر ، فإن أوقعه بنيّة القضاء ، أجزأ وكفّر ، وإلاّ وجب عليه الفعل ثانيا والكفّارة.

ولو نذر إيقاعه في زمان يتكرّر مثله كيوم الجمعة ، لم يجب في الجمعة الأولى إلاّ مع النذر ، بل يجزئه فعلها في أيّ جمعة شاء ، فإن أوقعها في خميس مثلا لم يجزئه ، ووجب إيقاعها في الجمعة الأخرى أداء لا قضاء.

مسألة ٥٠١ : لو قيّد نذر الصلاة بمكان ، فإن كان له مزيّة ، تعيّن‌ كالمسجد.

وإن لم يكن له مزيّة ، ففي وجوب القيد نظر ينشأ : من أنّه نذر طاعة في موضع مباح فيجب ، ومن أنّ القيد لا مزيّة فيه فلا تجب ، كما لو نذر المشي ولم يعيّن مقصدا ، وهو الأقرب ، فيجوز إيقاعها حينئذ في أيّ موضع شاء.

أمّا لو كان له مزيّة ، فصلاّها في مكان مزيّته أعلى ، فالأقرب : الجواز ، إذ زيادة المزية بالنسبة إلى الآخر كذي المزية بالنسبة إلى غير ذي المزيّة.

ويحتمل العدم ، لأنّه نذر انعقد ، فلا يجوز غيره ، فإن قلنا بالجواز فلا بحث ، وإلاّ وجب القضاء.

ولو قيّده بزمان ومكان ، فأوقعها في ذلك الزمان في غير ذلك المكان ممّا يساويه أو يزيد عليه في المزيّة ، أجزأ على إشكال ، وإلاّ وجب القضاء في ذلك المكان بعينه ، والكفّارة ، لفوات الوقت.

مسألة ٥٠٢ : لو أطلق العدد ، أجزأه ركعتان إجماعا.

وهل تجزئه الواحدة؟ لعلمائنا قولان : أحدهما : ذلك ، للتعبّد بمثلها‌

١٩٨

في الوتر. والآخر : المنع ، صرفا للإطلاق إلى المتعارف وهو الركعتان.

ولو صلاّها ثلاثا أو أربعا ، أجزأ إجماعا ، وفي وجوب التشهّدين إشكال. ولو صلاّها خمسا فإشكال.

ولو قيّد نذره بعدد ، تعيّن إن تعبّد بمثله.

ثم إن أطلق ، احتمل وجوب التسليم عقيب كلّ ركعتين ، ووجوبه عقيب أربع أو ما زاد على إشكال.

وإن لم يتعبّد بمثله ، كالخمس والست ، قال ابن إدريس : لا ينعقد (١).

ويحتمل انعقاده ، لأنّها عبادة ، وعدم التعبّد بمثلها لا يخرجها عن كونها عبادة.

مسألة ٥٠٣ : لو قيّد النذر بقراءة سورة معيّنة ، أو آيات مخصوصة ، أو تسبيح معلوم ، تعيّن‌ ، فيعيد مع المخالفة ، فإن كان مقيّدا بوقت وخرج ، أعاد وكفّر.

ولو نذر أن يقرأ آيات معيّنة عوض السورة ففي الإجزاء نظر ينشأ : من أنّها واجبة ، فتجب السورة مع الحمد كغيرها من الفرائض ، ومن أنّ وجوبها على هذا الحدّ فلا يجب غيره ، فعلى الأول يحتمل عدم انعقاد النذر مطلقا ، كما لو نذر صلاة بغير طهارة ، وانعقاده فتجب سورة كاملة.

ولو نذر آيات من سورة معيّنة عوض السورة ، وقلنا بوجوب السورة في الأول ، وجب هنا عين تلك السورة ليدخل ما نذره ضمنا ، ويحتمل إجزاء غيرها ، لعدم انعقاد النذر في التبعيض.

مسألة ٥٠٤ : لو نذر النافلة في وقتها ، صارت واجبة ، فلو نذر صلاة العيد المندوبة أو الاستسقاء في وقتهما ، لزم ، ولو نذرهما في غير وقتهما ،

__________________

(١) السرائر : ٣٥٧.

١٩٩

فالأقرب : عدم الانعقاد ، لعدم التعبّد بمثله في هذا الوقت. ويحتمل الانعقاد ، لأنّها طاعة تعبّد بمثلها في وقت ما ، فكذا في غيرها.

ولو نذر إحدى المرغّبات ، وجبت ، فإن كانت مقيّدة بوقت ، تقيّد النذر به وإن أطلقه ، كما لو نذر نافلة الظهر ، وإلاّ فلا ، ولو كان الوقت مستحبّا لها ، كصلاة التسبيح المستحب إيقاعها يوم الجمعة ، لم ينعقد إلاّ مع تقيّد النذر به.

ولو نذر صلاة الليل ، وجب ثمان ركعات ، ولا يجب الدعاء. وكذا لو نذر نافلة رمضان ، لم يجب الدعاء المتخلّل بينها إلاّ مع التقييد.

ولو نذر الفريضة اليومية ، فالوجه الانعقاد ، لأنّها طاعة ، بل أقوى الطاعات لوجوبها ، والفائدة : وجوب الكفّارة مع المخالفة.

مسألة ٥٠٥ : لو نذر النافلة على الراحلة ، انعقد‌ المطلق لا المقيّد ، لأولويّة غيره. وكذا لو نذر الصلاة النافلة في إحدى الأماكن المكروهة. ولو فعل ما قيّد النذر به ، أجزأه ، إذ غيره لم يجب ، لعدم نذره.

ولو نذر التنفّل جالسا أو مستدبرا ، فإن أوجبنا القيام أو الاستقبال ، احتمل بطلان النذر ، كما لو نذر الصلاة بغير طهارة ، والانعقاد للمطلق ، فيجب الضّد.

وإن جوّزنا إيقاعها جالسا أو مستدبرا ، أجزأ لو فعلها عليهما أو قائما أو مستقبلا.

واليمين والعهد في ذلك كلّه كالنذر.

* * *

٢٠٠