تذكرة الفقهاء - ج ٤

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٤

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: ٤٧٨

له ، ولا قضاء عليه ». (١)

ولأنّ القضاء منفي بالأصل ولم يوجد المعارض.

وقال أحمد : إنّها تقضى ركعتان ـ وللشافعي كالقولين ، وكذا عن أبي حنيفة روايتان (٢) ـ لأنّ ركبا جاءوا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فشهدوا أنّهم رأوا الهلال بالأمس ، فأمرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أن يفطروا ، وإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاّهم (٣). ولأنّها صلاة أصل مؤقتة ، فلا تسقط بفوات الوقت كالفرائض (٤).

ولا حجة في الحديث ، لاحتمال عدم الوثوق بهم ، فلزمهم الإفطار تديينا لهم بما عرفوه ، ولم يثبت بشهادتهم الهلال ، والمضيّ إلى العيد تبعا لعمل الناس ، والقضاء في الفرائض بالنص.

واختلفت الشافعية ، فقال بعضهم : لا تقضى أبدا. وقال بعضهم : تقضى أبدا. وقال بعضهم : لا تقضى إلاّ في الحادي والثلاثين. وقال بعضهم : تقضى في شهر العيد كلّه (٥).

فروع :

أ : قال الشيخ : إن شاء صلّى أربعا ، وإن شاء اثنتين من غير أن يقصد القضاء (٦) ، لقول الصادق عليه‌السلام : « من فاتته صلاة العيد فليصلّ أربعا » (٧).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٢٨ ـ ٢٧٣ ، الاستبصار ١ : ٤٤٤ ـ ١٧١٤.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٨ ، المجموع ٥ : ٢٧ و ٢٩ ، الوجيز ١ : ٧٠ ، حلية العلماء ٢ : ٢٦٠.

(٣) سنن أبي داود ١ : ٣٠٠ ـ ١١٥٧ ، سنن النسائي ٣ : ١٨٠ ، سنن البيهقي ٣ : ٣١٦.

(٤) المغني ٢ : ٢٤٤ ـ ٢٤٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٢٥.

(٥) المجموع ٥ : ٢٨ ـ ٢٩ ، الوجيز ١ : ٧٠ ، فتح العزيز ٥ : ٦٢.

(٦) التهذيب ٣ : ١٣٤ ، ذيل الحديث ٢٩٢.

(٧) التهذيب ٣ : ١٣٥ ـ ٢٩٥ ، الاستبصار ١ : ٤٤٦ ـ ١٧٢٥.

١٦١

والسند ضعيف. وبقول الشيخ قال أحمد والثوري (١).

ب : لو أدرك الإمام في التشهّد ، جلس معه ، فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعتين ـ إن قلنا بالقضاء ـ يأتي فيهما بالتكبير.

ج : لو أدركه في ركوع الثانية ، وجبت المتابعة‌ ، لأنّه مدرك للفرض حينئذ ، فيركع ، فإذا سلّم الإمام ، قام فأتمّ الصلاة وقد فاته تكبير الاولى ، وفي قضائه ما تقدّم.

ولو أدركه رافعا من ركوعها ، فاتته الصلاة.

ولو أدركه في أثناء التكبير ، تابعه في الباقي ، فإن تمكّن بعد ذلك من التكبير ولاء قضاء عمّا فات ، فعل ، وإلاّ سقط.

د : يحرم السفر بعد طلوع الشمس على المكلّف بها‌ حتى يصلّي العيد ، لتوجّه الأمر حينئذ ، فيحرم عليه الإخلال به ، ويكره بعد الفجر قبل طلوع الشمس ، لقرب وقت العبادة ، فلا ينبغي الإخلال بها.

ولقول الصادق عليه‌السلام : « إذا أردت الشخوص في يوم عيد فانفجر الصبح وأنت في البلد ، فلا تخرج حتى تشهد ذلك العيد » (٢).

ولا بأس به قبل الفجر إجماعا.

مسألة ٤٦٥ : إذا أصبح صائما يوم الثلاثين فشهد شاهدان أنّ الهلال كان بالأمس‌ وأنّ اليوم يوم عيد فعدّلا قبل الزوال ، أو شهدا ليلة الثلاثين وعدّلا يوم الثلاثين قبل الزوال ، خرج الإمام وصلّى بالناس العيد ، صغيرا كان البلد أو كبيرا ، إجماعا ، لأنّ الوقت باق إلى زوال الشمس.

ولو شهدا يوم الحادي والثلاثين أنّ الهلال كان ليلة الثلاثين ، أو شهدا بعد غروب الشمس ليلة الحادي والثلاثين أنّ الهلال كان ليلة الثلاثين وعدّلا ،

__________________

(١) المغني ٢ : ٢٤٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٦١ ، العدة شرح العمدة : ١١٣ ، رحمة الأمة ١ : ٨٧ ـ ٨٨.

(٢) الفقيه ١ : ٣٢٣ ـ ١٤٨٠ ، التهذيب ٣ : ٢٨٦ ـ ٨٥٣.

١٦٢

فقد فات العيد ، وفات وقت صلاته ، ولا قضاء عندنا ، وبه قال أبو حنيفة.

وقال الشافعي : يصلّي بالناس يوم الحادي والثلاثين قبل الزوال ، وتكون الصلاة أداء لا قضاء. وبه قال الأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق.

لقوله عليه‌السلام : ( فطركم يوم تفطرون ، وأضحاكم يوم تضحّون ، وعرفتكم يوم تعرفون ) (١).

وهو محمول على ما إذا لم يثبت.

وإن شهدا قبل الزوال يوم الثلاثين أنّ الهلال كان البارحة وعدّلا بعد الزوال ، أو شهدا بعد الزوال وعدّلا بعده ، فلا قضاء في ذلك ، لفوات وقت الصلاة ـ وهو أحد قولي الشافعي ، وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة ، وبه قال مالك والمزني وأبو ثور وداود ـ لأنّها لو قضيت في غد يومها لقضيت في يومها بل كان أولى.

والقول الثاني للشافعي : إنّها تقضى ، وبه قال أحمد ، لما تقدّم في حديث الركب (٢).

ثم قال ـ على تقدير القضاء ـ : إن كان البلد صغيرا يمكن اجتماع الناس في بقية اليوم ، جمع الناس ، وإن لم يمكن ذلك لكبر البلد قضى من الغد.

وعند أصحاب أبي حنيفة وأحمد أنّها تقضى من الغد مطلقا. وقد تقدّم.

فإن شهد يوم الثلاثين قبل الزوال وعدّلا يوم الحادي والثلاثين أو ليلته ، أو شهدا بعد الزوال وعدّلا يوم الحادي والثلاثين أو ليلته ، فلا قضاء عندنا ـ وهو أحد قولي الشافعي ـ لما تقدّم.

__________________

(١) سنن البيهقي ٥ : ١٧٦ ، والام ١ : ٢٣٠ ، وكنز العمال ٨ : ٤٨٨ ـ ٢٣٧٦١ ، والجامع الصغير للسيوطي ٢ : ٢١٨ ـ ٥٨٩١.

(٢) تقدّم في المسألة ٤٦٤.

١٦٣

وفي الثاني : تقضى ، لأنّ الاعتبار بالشهادة إذا عدّلا بحال إقامتها لا بحال التعديل ، فإذا عدّلا يوم الحادي والثلاثين وكانت الشهادة يوم الثلاثين حكمنا بأنّ الفطر كان حين الشهادة فيكون فطرهم بالأمس ، ويكون فعلها قضاء (١).

مسألة ٤٦٦ : ويستحب إذا مشى في طريق أن يرجع في غيرها‌ ـ وبه قال مالك والشافعي وأحمد (٢) ـ لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعله (٣) ، إمّا قصدا لسلوك الأبعد في الذهاب ليكثر ثوابه بكثرة خطواته إلى الصلاة ، ويعود في الأقرب ، لأنّه أسهل وهو راجع إلى منزله ، أو ليشهد له الطريقان ، أو ليساوي بين أهل الطريقين من الضعفاء في التبرّك بمروره وسرورهم برؤيته ، وينتفعون بمسألته ، أو ليتصدّق على أهل الطريقين من الضعفاء ، أو ليتبرّك الطريقان بوطئه عليهما ، فينبغي الاقتداء به ، لاحتمال بقاء المعنى الذي فعله من أجله.

ولأنّه قد يفعل الشي‌ء لمعنى ويبقى في حقّ غيره سنّة مع زوال المعنى كالرمل (٤) والاضطباع (٥) في طواف القدوم ، فعله هو وأصحابه (٦) لإظهار الجلد‌

__________________

(١) راجع بشأن الفروع المذكورة من قوله : ولو شهدا يوم الحادي والثلاثين ، إلى آخره : الخلاف ١ : ٦٧٢ ـ ٦٧٣ ، المسألة ٤٤٧.

(٢) المدونة الكبرى ١ : ١٦٨ ، بداية المجتهد ١ : ٢٢٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢٦ ، المجموع ٥ : ١٢ ، الوجيز ١ : ٧٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦ ، المغني ٢ : ٢٤٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٣٥.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ٢٩ ، سنن الترمذي ٢ : ٤٢٤ ـ ٥٤١ ، سنن أبي داود ١ : ٣٠٠ ـ ١١٥٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤١٢ ـ ١٢٩٨ ـ ١٣٠١ ، المستدرك للحاكم ١ : ٢٩٦.

(٤) الرمل ، بالتحريك : إسراع المشي مع تقارب الخطإ. انظر : النهاية لابن الأثير ٢ : ٢٦٥ ، مجمع البحرين ٥ : ٣٨٥ « رمل ».

(٥) الاضطباع : هو أن يأخذ الإزار فيجعل وسطه تحت إبطه الأيمن ويلقي طرفيه على كتفه الأيسر من جهتي صدره وظهره. النهاية لابن الأثير ٣ : ٧٣ « ضبع ».

(٦) راجع : سنن أبي داود ٢ : ١٧٧ ـ ١٨٨٣ و ١٨٨٤ ، وسنن ابن ماجة ٢ : ٩٨٣ ـ ٩٨٤ ـ ٢٩٥٠ و ٢٩٥١ و ٢٩٥٤ ، وسنن البيهقي ٥ : ٧٩.

١٦٤

للكفّار وبقي سنّة بعد زوالهم ، ولهذا قال عمر : فيم الرمل الآن؟ ولم نبدي مناكبنا وقد نفى الله المشركين؟ (١).

مسألة ٤٦٧ : يكره الخروج بالسلاح إلى صلاة العيدين ، لمنافاته الخضوع والاستكانة إلاّ أن يخاف العدوّ فيجوز. ولقول الباقر عليه‌السلام : « نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يخرج السلاح في العيدين إلاّ أن يكون عدوّ ظاهر » (٢).

مسألة ٤٦٨ : يستحب التعريف عشية عرفة‌ بالأمصار في المساجد ، لما فيه من الاجتماع لذكر الله تعالى. وفعله ابن عباس بالبصرة (٣).

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه‌السلام : « من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل وليتطيّب ، وليصلّ وحده كما يصلّى في الجماعة ، وفي يوم عرفة يجتمعون بغير إمام في الأمصار يدعون الله عزّ وجلّ » (٤).

مسألة ٤٦٩ : يحرم على الرجال التزين يوم العيد وغيره بلبس الحرير المحض‌ ـ وقد تقدّم (٥) ـ والقز من الحرير.

وفيه وجه للشافعية ، لأنّه ليس من ثياب الزينة (٦).

والمركّب من الإبريسم وغيره سائغ إن تساويا ، أو كان الإبريسم أكثر ما لم يخرج بالاسم إليه.

وللشافعي قولان : أحدهما : إن كان الإبريسم أكثر كالخز سداه إبريسم‌

__________________

(١) المغني ٢ : ٢٤٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٣٦ ، وفي سنن أبي داود ٢ : ١٧٨ ـ ١٨٨٧ ، وسنن ابن ماجة ٢ : ٩٨٤ ـ ٢٩٥٢ ، وسنن البيهقي ٥ : ٧٩ نحوه.

(٢) الكافي ٣ : ٤٦٠ ـ ٦ ، التهذيب ٣ : ١٣٧ ـ ٣٠٥.

(٣) حكاه ابنا قدامة في المغني ٢ : ٢٥٠ ، والشرح الكبير ٢ : ٢٧١.

(٤) التهذيب ٣ : ١٣٦ ـ ٢٩٧ و ٢٩٨.

(٥) تقدم في ج ٢ ص ٤٧٠ ، المسألة ١٢٤.

(٦) فتح العزيز ٥ : ٢٩.

١٦٥

ولحمته صوف لم يحرم ، وإن انعكس حرم ، وإن تساويا فوجهان : أصحّهما : أنّه لا يحرم. والثاني : أنّه لا ينظر إلى القلّة والكثرة ، بل إلى الظهور ، فإن ظهر حرم وإن كان أقل ، وإلاّ حلّ وإن كان أكثر (١).

ولا بأس بافتراشه ـ خلافا للشافعي (٢) ـ للرجال والنساء ، وعنده في النساء وجهان (٣).

ويجوز للمسافر لخوف القمّل والحكة ، وكذا للحكة في الحضر.

وللشافعية فيه وجهان (٤).

* * *

__________________

(١) الوجيز ١ : ٦٩ ، فتح العزيز ٥ : ٢٩ ، كفاية الأخيار ١ : ١٠٠.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٣٤ ، كفاية الأخيار ١ : ٩٩.

(٣) المجموع ٣ : ١٨٠ ، الوجيز ١ : ٦٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣٤ ـ ٣٥ ، كفاية الأخيار ١ : ١٠٠.

(٤) الوجيز ١ : ٧٠ ، فتح العزيز ٥ : ٣٧.

١٦٦

الفصل الثالث : صلاة الكسوف

وفيه مطلبان :

الأول : الماهية‌

مسألة ٤٧٠ : هذه الصلاة فرض على الأعيان عند علمائنا أجمع ، لقوله تعالى ( لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ ) الآية (١) ، ذكر الله تعالى جميع الآيات ، وخصّ هاتين بالسجود عند ذكرهما ، فاختصّا بتلك العبادة.

وقال ابن عباس : خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يصلّي والناس معه ، ثم قال : ( أيّها الناس : إنّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله سبحانه ، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك ، فأفزعوا إلى ذكر الله تعالى ) (٢).

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه‌السلام : « هي فريضة » (٣).

وقول الكاظم عليه‌السلام : « إنّه لما قبض إبراهيم ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، جرت ثلاث سنن : أمّا واحدة ، فإنّه لمّا مات انكسفت الشمس لفقد ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فصعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا أيّها الناس إنّ الشمس والقمر آيتان‌

__________________

(١) فصّلت : ٣٧.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٤٨ ، اختلاف الحديث ١٣٥ و ١٤٠ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢١.

(٣) الكافي ٣ : ٤٦٤ ـ ٤ ، التهذيب ٣ : ٢٩٣ ـ ٨٨٦.

١٦٧

من آيات الله ، يجريان بأمره ، مطيعان له ، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا انكسفتا أو واحدة منهما فصلّوا ، ثم نزل فصلّى بالناس صلاة الكسوف » (١).

والأمر للوجوب ، وقد حصل من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قولا وفعلا.

وقال الجمهور كافّة : بالاستحباب (٢) ، للأصل.

وما ذكرناه يقتضي العدول عنه.

مسألة ٤٧١ : وهي ركعتان تشتمل كلّ ركعة على خمس ركوعات ، وسجدتين‌ عند علمائنا أجمع ، لقول أبي بن كعب : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ركع خمس ركوعات ، ثم سجد سجدتين ، وفعل في الثانية مثل ذلك (٣).

ومثله روى جابر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤).

وصلّى عليّ عليه‌السلام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل ذلك (٥).

ومن طريق الخاصة : قول الباقر عليه‌السلام : « هي عشر ركعات بأربع سجدات » (٦).

وقال أبو حنيفة وإبراهيم النخعي والثوري : إنّها ركعتان كالفجر ، فإن زاد ركوعا بطلت صلاته ، لأنّ قبيصة روى : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٠٨ ـ ٧ و ٤٦٣ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ١٥٤ ـ ٣٢٩.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٩ ، المجموع ٥ : ٤٤ ، فتح العزيز ٥ : ٦٩ ، الوجيز ١ : ٧١ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٨٠ ، الشرح الصغير ١ : ١٨٩ ، المدونة الكبرى ١ : ١٦٤ ، المغني ٢ : ٢٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٧٣.

(٣) سنن البيهقي ٣ : ٣٢٩.

(٤) لم نعثر عليه بحدود المصادر المتوفرة لدينا.

(٥) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٤٦٨ ، مجمع الزوائد ٢ : ٢٠٧ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢٩.

(٦) الكافي ٣ : ٤٦٣ ـ ٤٦٤ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ١٥٦ ـ ٣٣٥.

١٦٨

قال : ( إذا رأيتموها فصلّوا كأحدث صلاة صلّيتموها من المكتوبة ) (١) (٢).

ولا حجّة فيه ، لأنّه مرسل. ولاحتمال أنّه صلّى ركعتين في كلّ ركعة خمس ركوعات. ولأنّ أخبارنا أولى ، لاشتمالها على الزيادة مع عدم لفظ يدلّ على المنافاة.

وقال الشافعي : يصلّي ركعتين في كلّ ركعة ركوعان وسجدتان وقيامان وقراءتان ـ وبه قال مالك وأحمد وإسحاق ، وروي عن ابن عباس وعثمان ـ لأنّ ابن عباس وعائشة وصفا صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في كلّ ركعة ركوعان وسجدتان وقيامان (٣) (٤).

وأحاديثنا أولى ، لاشتمالها على الزيادة. ولأنّ أبيّا أسنّ من ابن عباس وعائشة ، وأعرف بأفعال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لعدم مخالطة عائشة الرجال ، وصغر ابن عباس ، خصوصا مع فعل علي عليه‌السلام ، وأهل بيته ، كما قلناه.

وقال إسحاق وابن المنذر : إنّه يصلّي ست ركعات وأربع سجدات. وهو مروي عن ابن عباس وعائشة. ورواه الجمهور عن عليّ عليه‌السلام. وجوّزه أحمد (٥).

مسألة ٤٧٢ : وكيفيتها عند علمائنا‌ أن يكبّر للافتتاح أوّلا ثمّ يقرأ الحمد‌

__________________

(١) سنن أبي داود ١ : ٣٠٨ ـ ٣٠٩ ـ ١١٨٥ ، سنن النسائي ٣ : ١٤٤ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٣٤.

(٢) المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٦ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٧٤ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٨٠ ، المجموع ٥ : ٦٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢١٠ ،

(٣) سنن أبي داود ١ : ٣٠٧ ـ ١١٨٠ و ١١٨١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٠١ ـ ١٢٦٣ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢٧.

(٤) الام ١ : ٢٤٥ ، المجموع ٥ : ٤٧ و ٦٢ ، حلية العلماء ٢ : ٢٦٧ ـ ٢٦٨ ، بداية المجتهد ١ : ٢١٠ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٧٩ ، التفريع ١ : ٢٣٥ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٥.

(٥) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٤٧٠ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢٧ ـ ٣٢٨ ، المغني ٢ : ٢٧٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٨١ و ٢٨٢.

١٦٩

وسورة أيّها شاء أو بعضها ، ثم يركع فيذكر الله تعالى ، ثم ينتصب ، فإن كان قد قرأ أوّلا السورة كملا ، قرأ الحمد ثانيا ، وسورة أو بعضها ، ثم يركع فيذكر الله تعالى ، ثم ينتصب ، فإن كان قد أتمّ السورة ، قرأ الحمد وسورة أو بعضها ، وهكذا خمس مرّات ، ثم يسجد سجدتين إذا انتصب من الركوع الخامس بغير قراءة ، ثم يقوم فيعتمد ما فعله أوّلا خمس مرّات ، ثم يسجد

مرّتين ، ثم يتشهد ويسلّم وكلّ قيام لم يكمل فيه السورة إذا انتصب من الركوع بعده تمّم السورة أو بعضها من غير أن يقرأ الحمد.

لقول أحدهما عليهما‌السلام : « تبدأ فتكبّر لافتتاح الصلاة ، ثم تقرأ أمّ الكتاب وسورة ، ثم تركع ، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أمّ الكتاب وسورة ، ثم تركع الثالثة ، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أمّ الكتاب وسورة ، ثم تركع الرابعة ، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أمّ الكتاب وسورة ، ثم تركع الخامسة ، فإذا رفعت رأسك قلت : سمع الله لمن حمده ، ثم تخرّ ساجدا فتسجد سجدتين ، ثم تقوم فتصنع مثل ما صنعت في الأولى » قال : قلت : وإن هو قرأ سورة واحدة في الخمس ركعات يفرّقها بينها؟ قال : « أجزأه أمّ الكتاب في أول مرّة ، وإن قرأ خمس سور ، فمع كلّ سورة أمّ الكتاب » (١).

فروع :

أ : لو قرأ في القيام الأول الحمد وبعض السورة‌ هل يتعيّن عليه في الثاني الابتداء من الموضع الذي انتهى إليه ، أم يجوز له أن يقرأ من أيّ موضع اتفق؟

الأحوط : الأول.

ب : لو قرأ بعض السورة في الأول هل يجوز له العدول إلى سورة أخرى؟ ظاهر كلامه في المبسوط (٢) ذلك ، فيتعيّن أن يقرأ الحمد أوّلا على‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٥٥ ـ ٣٣٣.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ١٧٣.

١٧٠

إشكال.

ج : لو قرأ بعض السورة في الأول وسوّغنا العدول ، أو الابتداء بأيّ موضع شاء ، جاز له أن يبتدئ من أول السورة التي قطعها.

وهل تتعيّن حينئذ الفاتحة؟ إشكال ينشأ : من إجزاء بعضها بغير الحمد فالكلّ أولى ، ومن وجوب قراءة الحمد مع الابتداء بأول السورة.

د : الأقرب : وجوب كمال السورة في الخمس‌ لصيرورتها حينئذ بمنزلة ركعة فيجب فيها الحمد وسورة.

وهل يجوز تفريق سورتين أو ثلاث؟ إشكال ينشأ : من تجويز قراءة خمس وسورة فجاز الوسط ، ومن كونها بمنزلة ركعة فلا تجوز الزيادة أو خمس فيجب الخمس. والأقرب : الجواز.

هـ : الأقرب : جواز أن يقرأ في الخمس سورة‌ وبعض أخرى ، فإذا قام إلى الثانية ، ابتدأ بالحمد وجوبا ، لأنّه قيام عن سجود ، فوجب فيه الفاتحة ، ثم يبتدئ بسورة من أولها ، ثم إمّا أن يكملها أو يقرأ بعضها.

ويحتمل أن يقرأ من الموضع الذي انتهى إليه أوّلا من غير أن يقرأ الحمد ، لكن يجب أن يقرأ الحمد في الركعة الثانية بحيث لا يجوز له الاكتفاء بالحمد مرّة في الركعتين معا.

و : الأقرب : أنّه ليس له إذا قرأ في قيام بعض السورة أن يقرأ في القيام الذي بعده بعضا من سورة أخرى‌ ، بل إمّا أن يكملها ، أو يقرأ من الموضع الذي انتهى إليه بعضها.

ز : يستحب له بعد تكبيرة الافتتاح أن يدعو بالتوجّه‌ كغيرها من الفرائض.

مسألة ٤٧٣ : يستحب أن يقرأ السور الطوال مع السعة ، مثل : الكهف والأنبياء ، لقول زرارة ومحمد بن مسلم : كان الباقر عليه‌السلام

١٧١

يستحب أن يقرأ فيها بالكهف والحجر ، إلاّ أن يكون إماما يشقّ على من خلفه (١).

وفي رواية أبي بصير : « مثل يس والنور » (٢).

وقال الشافعي : يقرأ في الأولى سورة البقرة أو بقدر آيها ، وكذا في القيام الثاني ، ثم يسجد ، ثم يقوم فيقرأ بعد الحمد مائة وخمسين آية من البقرة ، وفي القيام الثاني بقدر مائة آية من البقرة ، ولو ضاق الوقت لم تجز الإطالة (٣).

مسألة ٤٧٤ : يستحب الإطالة بقدر الكسوف ، وبه قال الفقهاء ـ خلافا لأبي حنيفة (٤) ـ لأنّ عائشة قالت : خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فصلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في المسجد بالناس ، وقرأ قراءة طويلة ، وركع ركوعا طويلا (٥).

ومن طريق الخاصة : قول الباقر عليه‌السلام : « كسفت الشمس في زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فصلّى بالناس ركعتين ، وطوّل حتى غشي على بعض القوم ممّن كان وراءه من طول القيام » (٦).

ولأنّ الغاية استدفاع المخوف وطلب ردّ النور ، فينبغي الاستمرار باستمراره.

مسألة ٤٧٥ : ويستحب إطالة الركوع والسجود.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٦٤ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ١٥٦ ـ ٣٣٥.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٩٤ ـ ٨٩٠.

(٣) الام ١ : ٢٤٥ ، المجموع ٥ : ٤٨ ، مختصر المزني : ٣٢ ، الوجيز ١ : ٧٠ ، فتح العزيز ٥ : ٧٣ ، حلية العلماء ٢ : ٢٦٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢١٢.

(٤) المبسوط للسرخسي ٢ : ٧٤ و ٧٥ ، اللباب ١ : ١١٩ ـ ١٢٠.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٦١٨ ـ ٦١٩ ـ ٩٠١ ، سنن أبي داود ١ : ٣٠٧ ـ ١١٨٠ ، سنن الترمذي ٢ : ٤٤٩ ـ ٥٦١ ، سنن النسائي ٣ : ١٣٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٠١ ـ ١٢٦٣ ، سنن الدار قطني ٢ : ٦٣ ـ ٣ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢١.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٩٣ ـ ٨٨٥.

١٧٢

أمّا إطالة الركوع : فقال علماؤنا : يستحب أن يكون بقدر قراءته ، لأنّ عبد الله بن عمر قال في صفة صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قام قياما طويلا ، وركع ركوعا طويلا (١). وظاهره المساواة في نظيره.

ومن طريق الخاصة : قول الباقر عليه‌السلام : « وتطيل القنوت على قدر القراءة والركوع والسجود ، فإن تجلّى قبل أن تفرغ أتمّ ما بقي » (٢).

وهو أحد قولي الشافعي ، وبه قال مالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور (٣).

وفي الآخر : يركع فيسبّح في الأول بقدر مائة آية من سورة البقرة ، وفي الركوع الثاني بقدر ثلثي الركوع الأول ، وفي الركوع الثالث ـ الذي هو أول ركوع الثانية ـ بقدر سبعين من سورة البقرة ، وفي الرابع ـ وهو ثاني الثانية ـ بقدر خمسين آية من سورة البقرة ، لرواية ابن عباس (٤) (٥).

وقال أبو حنيفة : يركع مثل ركوع الفجر (٦).

وأمّا إطالة السجود : فاستحبّه علماؤنا ـ وبه قال أحمد والشافعي في أحد القولين (٧) ـ لقول ابن عمر في صفة صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في الكسوف : ثم سجد فلم يكد يرفع (٨).

ومن طريق الخاصة : قول الباقر عليه‌السلام : « تطيل الركوع‌

__________________

(١) سنن أبي داود ١ : ٣١٠ ـ ١١٩٤ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢٤.

(٢) الكافي ٣ : ٤٦٣ ـ ٤٦٤ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ١٥٦ ـ ٣٣٥.

(٣) المجموع ٥ : ٤٩ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٧٩ ، التفريع ١ : ٢٣٦ ، الشرح الصغير ١ : ١٩٠ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٥.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ٤٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٢٦ ـ ٩٠٧ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢١.

(٥) الام ١ : ٢٤٥ ، مختصر المزني : ٣٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢٩ ، فتح العزيز ٥ : ٧٣ ، مغني المحتاج ١ : ٣١٨ ـ ٣١٩.

(٦) المبسوط للسرخسي ٢ : ٧٤ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٨٨ ، المجموع ٥ : ٦٢ ، حلية العلماء ٢ : ٢٦٨ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٦.

(٧) المجموع ٥ : ٤٩ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٥ ، كشاف القناع ٢ : ٦٣.

(٨) سنن أبي داود ١ : ٣١٠ ـ ١١٩٤ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢٤.

١٧٣

والسجود » (١).

وقال الشافعي في الآخر : لا يستحب إطالة السجود ، لأنّه لم ينقل (٢).

وهو ممنوع.

مسألة ٤٧٦ : يستحب له أن يكبّر كلّما انتصب من الركوع ، إلاّ في الخامس والعاشر ، فإنّه يقول فيهما : سمع الله لمن حمده ، عند علمائنا ، لأنّ التكبير أعظم وأتمّ في الإجلال فكان أولى.

ولأنّ الركوعات وإن تكرّرت فهي تجري مجرى ركعة واحدة ، فيكون « سمع الله » في آخرها كغيرها من الفرائض.

وقول الصادق عليه‌السلام : « تركع وتكبّر وترفع رأسك بالتكبير ، إلاّ في الخامسة والعاشرة ، تقول : سمع الله لمن حمده » (٣).

وقال الجمهور : تقول في كلّ رفع : سمع الله لمن حمده ربّنا ولك الحمد ، لأنّه قيام عن الركوع ، فاستحبّ هذا القول كغيرها من الفرائض (٤).

والفرق ما تقدّم.

مسألة ٤٧٧ : يستحب أن يقنت خمس مرّات : في القيام الثاني من الركوعات ، والرابع والسادس والثامن والعاشر‌ ـ خلافا للجمهور ، فإنّهم أنكروا القنوت (٥) ـ لقول الباقر والصادق عليهما‌السلام : « والقنوت في الركعة الثانية قبل الركوع ، ثم في الرابعة والسادسة والثامنة والعاشرة » (٦).

ولأن القنوت مظنّة إجابة الدعاء ، فشرّع للحاجة ، كما قنت النبي صلّى‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٦٤ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ١٥٦ ـ ٣٣٥.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٩ ، المجموع ٥ : ٤٩ ، الوجيز ١ : ٧١ ، فتح العزيز ٥ : ٧٣.

(٣) الكافي ٣ : ٤٦٤ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ١٥٦ ـ ٣٣٥ وفيهما عن الإمام الباقر عليه‌السلام.

(٤) المجموع ٥ : ٥٢ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٥.

(٥) كما في المعتبر للمحقق الحلّي : ٢١٨.

(٦) التهذيب ٣ : ١٥٥ ـ ١٥٦ ـ ٣٣٣.

١٧٤

الله عليه وآله ، على المشركين (١).

مسألة ٤٧٨ : يستحب إيقاعها تحت السماء ، لأنّه في موضع سؤال وطلب حاجة ردّ النور ، فاستحبت تحت السماء ، كغيرها من صلوات الحوائج.

ولأنّه مقام خضوع واستكانة واستعطاف ، فشرّع فيها البروز تحت السماء ، كالاستسقاء.

وقول الباقر عليه‌السلام : « وإن استطعت أن تكون صلاتك بارزا لا يجنّك (٢) بيت فافعل » (٣).

وقال الشافعي : يكون في المساجد ، وأطلق ، وكذا أحمد (٤) ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، صلاّها في المسجد (٥).

ولأنّ وقته ضيّق ، فلو خرج إلى المصلّى احتمل الانجلاء قبل فعلها.

ولا يلزم من صلاته عليه‌السلام في المسجد منافاة ما قلناه ، لأنّ مسجده عليه‌السلام كان بارزا.

ولا نقول بالخروج إلى المصلّى مع ضيق الوقت ، بل أين صلّيت تصلّى تحت السماء.

مسألة ٤٧٩ : يستحب الجهر بالقراءة في الكسوفين عند علمائنا‌ ـ وبه قال أحمد وأبو يوسف ومحمد وإسحاق (٦) ـ لأنّ عائشة قالت : خسفت الشمس‌

__________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ٣٢ ، صحيح مسلم ١ : ٤٦٨ ـ ٦٧٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٦٨ ـ ١٤٤٢ و ١٤٤٣ ، سنن النسائي ٢ : ٢٠٠ ، مسند أحمد ٣ : ١٩٦.

(٢) جنّ : ستر. القاموس المحيط ٤ : ٢١٠ « جنن ».

(٣) الكافي ٣ : ٤٦٣ ـ ٤٦٤ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ١٥٦ ـ ١٥٧ ـ ٣٣٥.

(٤) المجموع ٥ : ٤٤ ، فتح العزيز ٥ : ٧٥ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٤.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ٤٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٦١٩ ـ ٣ ، سنن أبي داود ١ : ٣٠٧ ـ ١١٨٠ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٤١ ، سنن الدار قطني ٢ : ٦٣ ـ ٣.

(٦) المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٥ ، المجموع ٥ : ٥٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢١٢ ، المبسوط

١٧٥

على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فصلّى ، وجهر في صلاته بالقراءة (١).

ومن طريق الخاصة : قول الشيخ في الخلاف : روي عن علي عليه‌السلام أنه صلّى لكسوف الشمس ، فجهر فيها بالقراءة (٢).

قال الشيخ : وعليه إجماع الفرقة (٣).

وقال الشافعي : يسر في خسوف الشمس ، ويجهر في خسوف القمر ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك (٤) ـ لأنّ سمرة بن جندب قال : خسفت الشمس فصلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقام أطول قيامه في صلاة قطّ ، ولم أسمع له حسّا (٥).

ولأنّها صلاة نهار فلم يجهر فيها كالظهر (٦).

وهذا القول عندي لا بأس به ، لقول الباقر عليه‌السلام ، في حديث صحيح : « ولا تجهر بالقراءة » (٧) وهو أصحّ حديث بلغنا في هذا الباب.

__________________

للسرخسي ٢ : ٧٦ ، اللباب ١ : ١١٩ ، سبل السلام ٢ : ٥٠٧ ، حلية العلماء ٢ : ٢٦٨.

(١) صحيح البخاري ٢ : ٤٩ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٢٠ ـ ٥ ، سنن الترمذي ٢ : ٤٥٢ ـ ٥٦٣ ، سنن النسائي ٣ : ١٤٨ ، سنن الدار قطني ٢ : ٦٣ ـ ٥.

(٢) الخلاف ١ : ٦٨١ المسألة ٤٥٥ وانظر : سنن البيهقي ٣ : ٣٣٦.

(٣) الخلاف ١ : ٦٨١ المسألة ٤٥٥.

(٤) المبسوط للسرخسي ٢ : ٧٦ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٨٨ ، الاختيار ١ : ٩١ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٧٩ ، التفريع ١ : ٢٣٥ ، بداية المجتهد ١ : ٢١٢ ، فتح العزيز ٥ : ٧٦ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٥ ، حلية العلماء ٢ : ٢٦٨.

(٥) سنن أبي داود ١ : ٣٠٨ ـ ١١٨٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٠٢ ـ ١٢٦٤ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٣٥.

(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٩ ، المجموع ٥ : ٥٢ ، فتح العزيز ٥ : ٧٦ ، حلية العلماء ٢ : ٢٦٨ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٥ ـ ٢٧٦.

(٧) لم نعثر على هذه الرواية بهذا اللفظ ، بل الموجود في الكافي ٣ : ٤٦٣ ـ ٤٦٤ ـ ٢ ، والتهذيب ٣ : ١٥٦ ـ ٣٣٥ : رواية زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : « .. وتجهر

١٧٦

وعلى كلّ تقدير ، فإنّ الخلاف في الاستحباب لا الوجوب ، فلو جهر في الكسوف وخافت في خسوف القمر ، جاز إجماعا.

المطلب الثاني : في الموجب واللواحق‌

مسألة ٤٨٠ : كسوف الشمس سبب لهذه الصلاة‌ إجماعا ، وجوبا عندنا ، واستحبابا عند الجمهور.

وكذا خسوف القمر عند علمائنا أجمع ـ وبه قال عطاء والحسن والنخعي والشافعي وأحمد وإسحاق (١) ـ لقوله عليه‌السلام : ( إنّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك فصلّوا ) (٢) فأمر بالصلاة لهما أمرا واحدا.

ومن طريق الخاصة : قول الكاظم عليه‌السلام : « فصعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيّها الناس إنّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله يجريان بأمره ، مطيعان له ، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا انكسفا أو واحدة منهما فصلّوا ، ثم نزل فصلّى بالناس صلاة الكسوف » (٣).

__________________

بالقراءة ».

وقد اختلف كلام المصنف ـ في هذه المسألة وكيفيّة استدلاله بهذه الرواية : ففي هذا الكتاب خالف ما ذهب إليه علماؤنا ، ورجّح قول الشافعي بالسرّ في كسوف الشمس .. مستدلاّ برواية الإمام الباقر عليه‌السلام وبلفظ « ولا تجهر بالقراءة ».

وفي المنتهى ١ : ٣٥١ أيّد ما ذهب إليه علماؤنا ، واستدلّ أيضا بقول الباقر عليه السلام ، لكنّه أورده بلفظ « وتجهر بالقراءة ».

(١) المجموع ٥ : ٤٤ ، فتح العزيز ٥ : ٦٩ ، مغني المحتاج ١ : ٣١٦ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٣.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٤٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٣٠ ـ ٩١٤ و ٩١٥ ، سنن الدار قطني ٢ : ٦٥ ـ ١١ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢٠.

(٣) الكافي ٣ : ٢٠٨ ـ ٧ و ٤٦٣ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ١٥٤ ـ ٣٢٩.

١٧٧

ولأنّه أحد الكسوفين ، وهو من الأمور المخوفة ، ويطلب فيه ردّ النور ، فشرّعت الصلاة له كالشمس.

وقال مالك : ليس لكسوف القمر سنّة (١).

مسألة ٤٨١ : وتجب هذه الصلاة عند الزلزلة عند علمائنا أجمع‌ ـ وبه قال أبو ثور وإسحاق وأبو حنيفة لا وجوبا بل استحبابا كالكسوفين (٢) ـ لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إنّ هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك فصلّوا ) (٣).

ولأنّه عليه‌السلام علّل الكسوف : بأنه آية من آيات الله يخوّف بها عباده (٤).

وصلّى ابن عباس للزلزلة بالبصرة (٥).

ومن طريق الخاصة قول الباقر عليه‌السلام ، والصادق عليه‌السلام : « إنّ صلاة كسوف الشمس والقمر ، والرجفة والزلزلة عشر ركعات ، وأربع سجدات » (٦).

ولأنّ المقتضي ـ وهو الخوف ـ موجود هنا ، فثبت معلوله.

وقال مالك والشافعي : لا يصلّى لغير الكسوفين ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لم يفعله (٧).

__________________

(١) المدونة الكبرى ١ : ١٦٤.

(٢) بدائع الصنائع ١ : ٢٨٢ ، الحجة على أهل المدينة ١ : ٣٢٤ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٨٢.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٢٨ ـ ٦٢٩ ـ ٩١٢ ، سنن النسائي ٣ : ١٥٤.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٢٨ ـ ٦٢٩ ـ ٩١٢ ، سنن النسائي ٣ : ١٥٤.

(٥) مصنف عبد الرزاق ٣ : ١٠١ ـ ٤٩٢٩ ، مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٤٧٢ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٤٣.

(٦) التهذيب ٣ : ١٥٥ ـ ٣٣٣.

(٧) بلغة السالك ١ : ١٩٠ ، القوانين الفقهية : ٨٥ ، الوجيز ١ : ٧٢ ، فتح العزيز ٥ : ٨٤ ـ ٨٥ ، حلية العلماء ٢ : ٢٧٠ ، المغني ٢ : ٢٨٢ ـ ٢٨٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٨٣.

١٧٨

وهو ممنوع بما تقدّم‌

مسألة ٤٨٢ : وتجب هذه الصلاة لأخاويف السماء‌ ، كالظلمة العارضة والحمرة الشديدة والرياح العظيمة والصيحة ـ وبه قال أبو حنيفة استحبابا (١) ـ لعموم قوله عليه‌السلام : ( إنّ هذه الآيات ) (٢). ولأنّه علّل الكسوف : بأنّه آية (٣).

ومن طريق الخاصة : قول الباقر عليه‌السلام : « كلّ أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصلّ له صلاة الكسوف حتى يسكن » (٤).

ولأنّه أمر مخوف ، فشرّع فيه الصلاة ، كالكسوف.

وقال باقي الجمهور : لا يصلّى لها شي‌ء ، لعدم النقل (٥). وقد بيّناه.

مسألة ٤٨٣ : وقت صلاة الكسوفين من حين الابتداء في الكسف إلى ابتداء الانجلاء‌ عند علمائنا ، لزوال الحذر.

ولقول الصادق عليه‌السلام : « إذا انجلى منه شي‌ء فقد انجلى » (٦).

وقال أبو حنيفة والشافعي واحمد : إلى أن ينجلي بكماله (٧) ، لقوله عليه‌السلام : ( فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله تعالى ، والصلاة حتى‌

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ٢ : ٧٥ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٨٢ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٨٢.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٢٨ ـ ٦٢٩ ـ ٩١٢ ، سنن النسائي ٣ : ١٥٤.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٢٨ ـ ٦٢٩ ـ ٩١٢ ، سنن النسائي ٣ : ١٥٤.

(٤) الكافي ٣ : ٤٦٤ ـ ٣ ، الفقيه ١ : ٣٤٦ ـ ١٥٢٩ ، التهذيب ٣ : ١٥٥ ـ ٣٣٠.

(٥) المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٨٣ ، بلغة السالك ١ : ١٩٠ ، الميزان للشعراني ١ : ٢٠٠ ، حلية العلماء ٢ : ٢٧٠ ، الوجيز ١ : ٧٢ ، فتح العزيز ٥ : ٨٤ ـ ٨٥.

(٦) الفقيه ١ : ٣٤٧ ـ ١٥٣٥ ، التهذيب ٣ : ٢٩١ ـ ٨٧٧.

(٧) المجموع ٥ : ٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٧٩ ، مغني المحتاج ١ : ٣١٩ ، المغني ٢ : ٢٨٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٧٩ ، وانظر : المبسوط للسرخسي ٢ : ٧٦ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٨٢ ، وعمدة القارئ ٧ : ٧٩.

١٧٩

ينجلي ) (١).

ولأنّ المطلوب ردّ النور بكماله.

ولأنّه لو انكسف بعضها في الابتداء صلّى لها وكذلك إذا بقي بعضها.

ونحن نقول بموجب الحديث ، لأنّه إذا انجلى البعض فقد انجلى.

والحذر قد زال بسبب الشروع في ردّ النور.

والفرق بين ابتداء الكسوف وابتداء الانجلاء ظاهر.

مسألة ٤٨٤ : وقت الرياح المظلمة والظلمة الشديدة والحمرة الشديدة : مدّتها ، أما الزلزلة : فإنّ وقتها مدّة العمر ، فتصلّي أداء وإن سكنت ، لأنّها سبب في الوجوب. وكذا الصيحة. وبالجملة كلّ آية يضيق وقتها عن العبادة يكون وقتها دائما ، أمّا ما نقص عن فعلها وقتا دون آخر ، فإنّ وقتها مدّة الفعل ، فإن قصر ، لم تصلّ.

مسألة ٤٨٥ : إذا علم بالكسوف أو الخسوف ، وأهمل الصلاة عمدا أو نسيانا ، أعاد‌ سواء احترق القرص كلّه أو بعضه ، لقوله عليه‌السلام : ( من فاتته صلاة فريضة فليقضها إذا ذكرها ) (٢).

وقوله عليه‌السلام : ( من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها ) (٣).

ومن طريق الخاصة : قول الباقر عليه‌السلام : « من نسي صلاة أو نام عنها فليقضها إذا ذكرها » (٤).

__________________

(١) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٤٦٨ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢٤ و ٣٢٥.

(٢) أورده المحقق في المعتبر : ٢٣٥.

(٣) صحيح البخاري ١ : ١٥٥ ، صحيح مسلم ١ : ٤٧٧ ـ ٦٨٤ ، مصنف ابن أبي شيبة ٢٦٤ ، سنن الدارمي ١ : ٢٨٠ ، سنن أبي داود ١ : ١١٩ ـ ٤٣٥ ، سنن النسائي ١ : ٣ : و ٢٩٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٢٨ ـ ٦٩٨ ، سنن الترمذي ١ : ٣٣٤ ـ ١٧٧ ، سنن الدار قطني ١ : ٣٨٦ ـ ١٤ ، مسند أحمد ٣ : ١٠٠.

(٤) الكافي ٣ : ٢٩٢ ـ ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٦٦ ـ ١٠٥٩ و ٣ : ١٥٩ ـ ٣٤١ ، الاستبصار ١ : ٢٨٦ ـ ١٠٤٦.

١٨٠