تذكرة الفقهاء - ج ٤

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٤

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: ٤٧٨

وأفضل الثياب البيض ، لقوله عليه‌السلام : « أحب الثياب إلى الله تعالى البيض ، يلبسها أحياؤكم ، ويكفّن فيها موتاكم » (١).

وينبغي للإمام الزيادة في التجمّل ، لأنّه المنظور إليه ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يعتمّ ويرتدي ، ويخرج في الجمعة والعيدين على أحسن هيئة (٢).

مسألة ٤٢٥ : تستحب المباكرة إلى الجامع‌ ـ خلافا لمالك ، فإنّه أنكر استحباب السعي قبل النداء (٣) ـ لقوله عليه‌السلام : ( من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنّما قرّب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنّما قرّب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنّما قرّب كبشا أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنّما قرّب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنّما قرّب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر ) (٤).

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه‌السلام : « إنّ الجنان لتزخرف وتزيّن يوم الجمعة لمن أتاها ، وإنّكم تتسابقون إلى الجنّة على قدر سبقكم إلى الجمعة ، وإنّ أبواب الجنة لتفتح لصعود أعمال العباد » (٥).

ولما فيه من المسارعة إلى الطاعات ، والتفرّغ للعبادة في المسجد الأعظم.

__________________

(١) مصنف عبد الرزاق ٣ : ٤٢٩ ـ ١٦٩٨ ( نحوه ).

(٢) انظر : سنن البيهقي ٣ : ٢٤٦ و ٢٤٧.

(٣) التفريع ١ : ٢٣١ ، المغني ٢ : ١٤٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٠٣.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٥٨٢ ـ ٨٥٠ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٧٢ ـ ٤٩٩ ، سنن أبي داود ١ : ٩٦ ـ ٣٥١ ، سنن النسائي ٣ : ٩٩ ، الموطأ ١ : ١٠١ ـ ١.

(٥) الكافي ٣ : ٤١٥ ـ ٩ ، التهذيب ٣ : ٣ ـ ٤ ـ ٦.

١٠١

فروع :

أ : المراد بالساعة الأولى هنا بعد الفجر‌ ، لما فيه من المبادرة إلى الجامع المرغّب فيه وإيقاع صلاة الصبح فيه ، ولأنّه أول النهار ، وهو قول بعض الشافعية (١).

وقال بعضهم : بعد طلوع الشمس ، لأنّ أهل الحساب يعدّون أول النهار طلوع الشمس (٢).

ب : يستحب الدعاء أمام التوجّه‌ ، لقول الباقر عليه‌السلام لأبي حمزة الثمالي : « ادع في العيدين ويوم الجمعة إذا تهيّأت للخروج بهذا الدعاء : اللهم من تهيّأ وتعبّأ » (٣) إلى آخره.

ج : قال الشيخ في الخلاف : الوقت الذي يرجى استجابة الدعاء فيه : ما بين فراغ الإمام من الخطبة إلى أن يستوي الناس في الصفوف‌ ، لقول الصادق عليه‌السلام : « الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة ما بين فراغ الإمام من الخطبة إلى أن يستوي الناس في الصفوف » (٤).

وقال الشافعي : هو آخر النهار عند غروب الشمس (٥).

وفي رواية لنا : استجابة الدعاء في الساعتين معا عن الصادق عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ قال : « الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة ما بين فراغ الإمام من الخطبة إلى أن يستوي الناس في الصفوف ، وساعة أخرى من آخر النهار إلى غروب الشمس » (٦).

__________________

(١) المجموع ٤ : ٥٤٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢١.

(٢) المجموع ٤ : ٥٤٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢١.

(٣) التهذيب ٣ : ١٤٢ ـ ٣١٦.

(٤) الكافي ٣ : ٤١٤ ـ ٤ ، التهذيب ٣ : ٢٣٥ ـ ٦١٩.

(٥) الخلاف ١ : ٦١٧ ، المسألة ٣٨٥ ، وراجع : المجموع ٤ : ٥٤١ و ٥٤٩.

(٦) الكافي ٣ : ٤١٤ ـ ٤ ، التهذيب ٣ : ٢٣٥ ـ ٦١٩‌

١٠٢

د : يستحب الإكثار من الصلاة على النبي وآله عليهم‌السلام‌ ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أقربكم منّي في الجنّة أكثركم صلاة عليّ ، فأكثروا الصلاة عليّ في الليلة الغرّاء واليوم الأزهر ) (١).

قال الصادق عليه‌السلام عن يوم الجمعة وليلتها : « ليلتها ليلة غرّاء ، ويومها يوم أزهر » (٢).

وقال عليه‌السلام : « إذا كان ليلة الجمعة نزل من السماء ملائكة بعدد الذّر في أيديهم أقلام الذهب ، وقراطيس الفضّة ، لا يكتبون إلى ليلة السبت إلاّ الصلاة على محمد وعلى آل محمد ، فأكثروا منها » ثم قال : « إن من السنّة أن تصلّي على محمد وعلى أهل بيته في كلّ جمعة ألف مرة وفي سائر الأيام مائة مرة » (٣).

هـ : يكره لغير الإمام أن يتخطّى رقاب الناس‌ قبل ظهور الإمام وبعده ، سواء كانت له عادة بالصلاة في موضع أو لم تكن ـ وبه قال عطاء وسعيد بن المسيب والشافعي وأحمد (٤) ـ لأنّ رجلا جاء يتخطّى رقاب الناس والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخطب ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( اجلس فقد آذيت ) (٥).

ولما فيه من أذى الغير.

وقال مالك : إن لم يكن الإمام ظهر لم يكره ، وكذا إن ظهر وكان له عادة بالصلاة في موضع معيّن ، وإلاّ كره (٦).

__________________

(١) أورد نحوه البيهقي في سننه ٣ : ٢٤٩.

(٢) الكافي ٣ : ٤٢٨ ـ ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٤١٦ ـ ١٣ ، التهذيب ٣ : ٤ ـ ٩.

(٤) المجموع ٤ : ٥٤٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢١ ، كفاية الأخيار ١ : ٩٣ ، المغني ٢ : ٢٠٣.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٣٥٤ ـ ١١١٥ ، سنن أبي داود ١ : ٢٩٢ ـ ١١١٨ ، سنن النسائي ٣ : ١٠٣.

(٦) المدونة الكبرى ١ : ١٥٩ ، المنتقى للباجي ١ : ٢٠٣ ، المجموع ٤ : ٥٤٦ ـ ٥٤٧.

١٠٣

و : لا يجوز له أن يقيم أحدا من مجلسه الذي سبق إليه ، لقوله عليه‌السلام : ( لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه ، ولكن يقول : تفسّحوا وتوسّعوا ) (١).

ولا تكره إقامته في مواضع : إمّا بأن يجلس في مصلّى الإمام ، أو في طريق الناس ، أو يستقبل المصلّين والموضع ضيّق عليهم ، ولو كان متسعا تنحّوا عنه يمينا وشمالا ، لئلاّ يستقبلوه بالصلاة.

نعم إذا اعتاد إنسان القعود في موضع ، كره لغيره مزاحمته له ، كما في السوق ، ولو قام لحاجة عرضت له بنيّة العود ، فجاء غيره وقعد ، استحب للقاعد أن يقوم من موضعه حتى يعود إليه ، من غير وجوب.

ولو فرش له منديل أو مصلّى ، لم يكن موجبا للاختصاص لو رفعه غيره وإن كان مخطئا.

ولو ازدحم الناس في آخر المسجد وبين أيديهم فرجة ، لم يكره التخطّي.

ز ـ قصد الجامع لمن اختلّت شرائط الجمعة في حقّه مستحب‌ ، لأنّ الباقر عليه‌السلام كان يبكر إلى المسجد الجامع يوم الجمعة حين تكون الشمس قدر رمح ، فإذا كان شهر رمضان يكون قبل ذلك (٢).

ح ـ لو لم يكن الإمام مرضيا ، قدّم المصلّي ظهره على صلاة الإمام ، ويجوز أن يصلّي معه ركعتين ثم يتمّ الظهر بعد فراغ الإمام ، لقول الصادق عليه‌السلام : « في كتاب علي عليه‌السلام إذا صلّوا الجمعة في وقت فصلّوا معهم ولا تقومنّ من مقعدك حتى تصلّي ركعتين أخريين » (٣).

ولو صلّى في منزله أوّلا جاز ، لأنّ أبا بكر الحضرمي قال للباقر عليه‌

__________________

(١) مسند أحمد ٢ : ١٠٢.

(٢) الكافي ٣ : ٤٢٩ ـ ٨ ، التهذيب ٣ : ٢٤٤ ـ ٦٦٠.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٨ ـ ٩٦.

١٠٤

السلام : إنّي أصلّي في منزلي ثم أخرج فأصلّي معهم ، قال : « كذا أصنع » (١).

مسألة ٤٢٦ : يستحب التنفّل يوم الجمعة زيادة على نوافل الظهرين‌ بأربع ركعات.

قال الشيخ : ويستحب تقديم نوافل الظهر قبل الزوال ، ولم أجد لأحد من الفقهاء وفاقا في ذلك ، ويستحبّ بالإجماع منّا ، لأنّ منّا من يستحبّ تقديمها ، ومنّا من يستحبّ تقديم أكثرها.

ولما رواه علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن النافلة التي تصلّى يوم الجمعة قبل الجمعة أفضل أو بعدها؟ قال : « قبل الصلاة » (٢) (٣). وعليها عمل الشيخ في أكثر كتبه (٤).

إذا عرفت هذا ، فقد روي عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « أمّا أنا إذا كان يوم الجمعة وكانت الشمس من المشرق مقدارها من المغرب في وقت العصر صلّيت ست ركعات ، فإذا انتفخ النهار صلّيت ست ركعات ، فإذا زاغت الشمس صلّيت ركعتين ، ثم صلّيت الظهر ، ثم صلّيت بعدها ستّا » (٥).

ومثله عن الرضا عليه‌السلام (٦).

ولو أخّرها جاز إجماعا منّا.

واستحبّ أحمد ركعتين بعد الجمعة ، وإن شاء أربعا ، وإن شاء ستا (٧).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٤٦ ـ ٦٧١.

(٢) التهذيب ٣ : ١٢ ـ ٣٨ و ٢٤٦ ـ ٦٧٢ ، الاستبصار ١ : ٤١١ ـ ١٥٧٠.

(٣) الخلاف ١ : ٦٣٢ المسألة ٤٠٦.

(٤) راجع : المبسوط للطوسي ١ : ١٥٠ ، والنهاية : ١٠٤ ، والخلاف ١ : ٦٣٢ ، المسألة ٤٠٦.

(٥) الكافي ٣ : ٤٢٨ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ١١ ـ ٣٥ ، الإستبصار ١ : ٤١٠ ـ ١٥٦٦.

(٦) الكافي ٣ : ٤٢٧ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ١٠ ـ ٣٤ ، الإستبصار ١ : ٤٠٩ ـ ١٥٦٥.

(٧) المغني ٢ : ٢١٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١٩٦ ، مسائل أحمد : ٥٩.

١٠٥

واستحبّ أبو حنيفة أربعا (١).

مسألة ٤٢٧ : الأذان الثاني بدعة عند علمائنا‌ ، لقول الباقر عليه‌السلام : « الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة » (٢).

وسمّاه بالثالث ـ كما هو في عبارة بعض علمائنا (٣) ـ بالنسبة إلى الإقامة.

ولأن النبيّ عليه‌السلام لم يفعله اتّفاقا ، وشرّع للصلاة أذانا واحدا وإقامة ، فالزيادة الثالثة بدعة.

وكان الأذان يوم الجمعة حين يجلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعلى عهد أبي بكر وعمر ، فلّما كان زمن عثمان كثر الناس ، فأمر بالأذان الثالث بالزوراء (٤) (٥).

ولا اعتبار بما فعله عثمان مخالفة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقال عطاء : أول من فعله معاوية (٦).

قال الشافعي : ما فعله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأبو بكر وعمر أحبّ إليّ (٧).

إذا عرفت هذا ، فإنّه يستحبّ أن يؤذّن بعد جلوس الإمام على المنبر ، قاله الشافعي ، قال : وأن يكون المؤذّن واحدا ، لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) شرح فتح القدير ٢ : ٣١٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٣٣ ، كتاب الحجة على أهل المدينة ١ : ٢٩٤‌

(٢) الكافي ٣ : ٤٢١ ـ ٥ ، التهذيب ٣ : ١٩ ـ ٦٧.

(٣) كما في السرائر : ٦٤ ، والمعتبر : ٢٠٦.

(٤) الزوراء : موضع بالمدينة يقف المؤذنون على سطحه للنداء. مجمع البحرين ٣ : ٣٢٠ ، معجم البلدان ٣ : ١٥٦ « زور ».

(٥) صحيح البخاري ٢ : ١٠ ، سنن أبي داود ١ : ٢٨٥ ـ ١٠٨٧ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٩٢ ـ ٥١٦ ، سنن النسائي ٣ : ١٠٠ ـ ١٠١ ، سنن البيهقي ٣ : ٢٠٥ ، مسند أحمد ٣ : ٤٥٠.

(٦ و ٧) الام ١ : ١٩٥.

١٠٦

كان له مؤذّن واحد (١).

وعندي فيهما إشكال.

إذا ثبت هذا ، فإنّ الأذان لصلاة العصر يوم الجمعة مكروه ، بل إذا فرغ من الظهر صلّى العصر بغير أذان ، للمشقّة بالحضور إلى الجامع ، والإعلام قد حصل.

إذا ثبت هذا ، فالأقرب أنّه لا يستحبّ حكاية هذا الأذان لو وقع ، إذ الأمر بالحكاية ينصرف إلى المشروع. وكذا أذان المرأة ، والأذان المكروه كأذان العصر يوم الجمعة ويوم عرفة ومزدلفة.

والوجه : استحباب حكاية أذان الفجر لو وقع قبله وإن استحبّ إعادته بعده ، وأذان من أخذ عليه اجرة وإن حرمت ، دون أذان المجنون والكافر.

مسألة ٤٢٨ : البيع بعد النداء يوم الجمعة حرام‌ بالنص والإجماع.

قال الله تعالى ( وَذَرُوا الْبَيْعَ ) (٢) والأمر للوجوب ، والنهي للتحريم.

ولا خلاف بين العلماء في تحريمه.

والنداء الذي يتعلّق به التحريم هو النداء الذي يقع بعد الزوال والخطيب جالس على المنبر ، قاله الشيخ ـ وبه قال الشافعي وعمر بن عبد العزيز وعطاء والزهري (٣) ـ لأنّه تعالى علّق التحريم بالنداء ، وإنّما ينصرف إلى الأذان الذي فعله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، دون الوقت ، فينتفي التحريم قبل النداء (٤).

__________________

(١) الام ١ : ١٩٥ ، المجموع ٣ : ١٢٤.

(٢) الجمعة : ٩.

(٣) كما في الخلاف للشيخ الطوسي ١ : ٦٣٠ ، المسألة ٤٠٢ ، وراجع : المجموع ٤ : ٥٠٠ ، وفتح العزيز ٤ : ٦٢٤ ، وعمدة القارئ ٦ : ٢٠٤.

(٤) الخلاف ١ : ٦٢٩ ـ ٦٣٠ ، المسألة ٤٠٢ ، والمبسوط للطوسي ١ : ١٥٠.

١٠٧

وقال مالك وأحمد : إذا زالت الشمس حرم البيع جلس الإمام أو لم يجلس (١).

وليس بجيّد ، لما تقدّم.

فروع :

أ ـ لو جوّزنا الخطبة قبل الزوال ـ كما ذهب إليه بعض علمائنا (٢) ـ لم يسغ الأذان قبله‌ مع احتماله.

ومتى يحرم البيع حينئذ؟ إن قلنا بتقديم الأذان ، حرم البيع معه ـ وبه قال أحمد (٣) ـ لأنّ المقتضي ـ وهو سماع الذكر ـ موجود. وإلاّ فإشكال ينشأ : من تعليق التحريم بالنداء ، ومن حصول الغاية.

ب ـ البيع بعد الزوال قبل النداء مكروه عندنا‌ ، لما فيه من التشاغل عن التأهّب للجمعة ، وبه قال الشافعي (٤).

وعند أحمد ومالك أنّه محرّم (٥). وقد تقدّم.

ج ـ لو كان بعيدا من الجمعة يفتقر إلى قطع المسافة قبل الزوال ، وجب السعي وحرم البيع‌ إن منع ، وإلاّ فلا.

د ـ لو تبايعا بعد السعي حال الأذان فإشكال ، وبالجملة لو لم يمنع البيع من سماع الخطبة ، أو منع وقلنا بعدم الوجوب ومنع تحريم الكلام فالوجه : التحريم ، للعموم (٦).

__________________

(١) حكاه عنهما الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٦٣٠ ، المسألة ٤٠٢ ، وراجع : المغني ٢ : ١٤٥ ، وتفسير القرطبي ١٨ : ١٠٨.

(٢) ذهب إليه الشيخ الطوسي في النهاية : ١٠٥ ، والمبسوط ١ : ١٥١ ، والمحقق في شرائع الإسلام ١ : ٩٥ ، والمعتبر : ٢٠٤.

(٣) انظر : المغني ٢ : ١٤٤ و ١٤٥.

(٤) المجموع ٤ : ٥٠٠ ، فتح العزيز ٤ : ٤٢٦ ، رحمة الأمة ١ : ٨٠.

(٥) المغني ٢ : ١٤٥ ، وانظر لقولهما أيضا : الخلاف ١ : ٦٣٠ المسألة ٤٠٢.

(٦) المستفاد من الآية ٩ من سورة الجمعة.

١٠٨

هـ ـ التحريم مختص بمن يجب عليه السعي‌ دون غيرهم ، كالنساء والصبيان والمسافرين وغيرهم عند علمائنا ، وبه قال الشافعي (١).

وعن أحمد رواية بالتحريم (٢).

وقال مالك : يمنع العبيد كالأحرار أيضا (٣).

وليس بمعتمد ، لأنّ النهي عن البيع متوجّه إلى من أمر بالسعي.

ولو كانوا في قرية لا جمعة على أهلها ، لم يحرم البيع ولا كره أيضا إجماعا.

و ـ لو كان أحد المتبايعين مخاطبا دون الآخر ، حرم بالنسبة إلى المخاطب‌ إجماعا ، وهل يحرم على الآخر؟

قال الشيخ : إنّه يكره ، لأنّ فيه إعانة على فعل محرّم ، وهو يقتضي التحريم ، لقوله تعالى ( وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ ) (٤) (٥).

والوجه عندي : التحريم في حقّه أيضا ، للآية (٦) ، وبه قال الشافعي (٧).

ز ـ لو تبايعا ، فعلا حراما ، وهل ينعقد البيع؟ لعلمائنا قولان :

المنع (٨) ـ وبه قال أحمد ومالك وداود (٩) ـ لأنّ النهي يقتضي الفساد.

__________________

(١) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٦٣٠ ، المسألة ٤٠٣ ، وراجع : الام ١ : ١٩٥.

(٢) المغني ٢ : ١٤٦.

(٣) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٦٣٠ ، المسألة ٤٠٣ ، وراجع : المدوّنة الكبرى ١ : ١٥٤.

(٤) المائدة : ٢.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ١٥٠.

(٦) الجمعة : ٩.

(٧) المجموع ٤ : ٥٠٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٧.

(٨) ممّن قال بعدم الانعقاد : الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٦٣١ المسألة ٤٠٤ ، والمبسوط ١ : ١٥٠ ، والفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ١٧٧.

(٩) المجموع ٤ : ٥٠١ ، بلغة السالك ١ : ١٨٣ ، تفسير القرطبي ١٨ : ١٠٨ ، أحكام القرآن للجصاص ٣ : ٤٤٨ ، فتح العزيز ٤ : ٦٢٤.

١٠٩

والصحّة (١) ـ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة (٢) ـ لأنّ النهي في المعاملات لا يقتضي الفساد ، بل في العبادات.

ولأنّ البيع غير مقصود بالنهي ، فإنّه لو ترك الصلاة والمبايعة ، كان عاصيا ، وإذا لم يكن مقصودا ، فالتحريم لا يمنع انعقاده ، كما لو ترك الصلاة المفروضة بعد ضيق الوقت واشتغل بالبيع ، فإنّه يصحّ إجماعا.

ح ـ هل يحرم غير البيع من الإجارة والنكاح والصلح وغيرها؟ إشكال‌ ينشأ : من اختصاص النهي بالبيع فلا يتعدّاه. ومن المشاركة في العلّة.

مسألة ٤٢٩ : المصر ليس شرطا في الجمعة‌ ، فتجب على أهل القرى مع الاستيطان عند علمائنا أجمع ـ وبه قال عمر بن عبد العزيز ومالك وأحمد وإسحاق والشافعي (٣) ـ لعموم الأمر (٤).

ولأنّ ابن عباس قال : إنّ أول جمعة جمّعت بعد جمعة بالمدينة لجمعة جمّعت بجواثا (٥) من البحرين من قرى عبد القيس (٦).

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه‌السلام : « إذا كان قوم في قرية صلّوا الجمعة أربع ركعات ، فإن كان لهم من يخطب جمّعوا إذا كانوا خمسة‌

__________________

(١) ممّن قال بصحّة البيع : المحقق في المعتبر : ٢٠٧ ، وشرائع الإسلام ١ : ٩٨ ، ومختصر النافع : ٣٦ ، ويحيى بن سعيد الحلي في الجامع للشرائع : ٩٦.

(٢) الام ١ : ١٩٥ ، المجموع ٤ : ٥٠٠ و ٥٠١ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٧ ، أحكام القرآن للجصاص ٣ : ٤٤٨.

(٣) المجموع ٤ : ٥٠٥ ، كفاية الأخيار ١ : ٩٠ ، المنتقى للباجي ١ : ١٩٦ ، المغني ٢ : ١٧٥ ، الشرح الكبير ٢ : ١٧٣ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٢٣.

(٤) الجمعة : ٩.

(٥) جواثا بالضم : حصن لعبد القيس بالبحرين فتحه العلاء الحضرمي في أيام أبي بكر سنة ١٢ ه‍. معجم البلدان ٢ : ١٧٤ مادّة ( جواثا ).

(٦) صحيح البخاري ٢ : ٦ ، سنن أبي داود ١ : ٢٨٠ ـ ١٠٦٨ ، سنن البيهقي ٣ : ١٧٦.

١١٠

نفر ، وإنّما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين » (١).

ولأنه بناء استوطنه العدد ، فيجب عليهم الجمعة ، كأهل المصر.

وقال أبو حنيفة والثوري : لا تصح إقامة الجمعة إلاّ في مصر جامع ، فلا تجب على أهل القرى والسواد ، لقول علي عليه‌السلام : « لا جمعة ولا تشريق إلاّ في مصر جامع » (٢) (٣).

ونحن نقول بموجبه ، فإنّ الاعتبار بكونه جامعا للعدد والشرائط الباقية ، لا بكونه مصرا.

قال أبو يوسف : المصر ما كان فيه سوق ، وقاض يستوفي الحقوق ، ووال يستوفي الحدود (٤).

فإن سافر الإمام فدخل قرية ، فإن كان أهلها يقيمون الجمعة ، صلّى الجمعة ، وإلاّ لم يصلّها.

مسألة ٤٣٠ : وليس البنيان شرطا عندنا‌ ، بل الاستيطان ، فتجب على أهل الخيم والبادية إذا كانوا مستوطنين ـ وهو أحد قولي الشافعي ، وقول أبي ثور (٥) ـ للعموم (٦).

ولقوله عليه‌السلام : ( جمّعوا حيث كنتم ) (٧).

والآخر : لا يجب إلاّ على أهل مصر أو قرية مبنيّة بالحجارة ، أو الآجر ،

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٣٨ ـ ٦٣٤ ، الاستبصار ١ : ٤٢٠ ـ ١٦١٤.

(٢) مصنّف ابن أبي شيبة ٢ : ١٠١ ، سنن البيهقي ٣ : ١٧٩.

(٣) المبسوط للسرخسي ٢ : ٢٣ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٨٢ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٥٩ ، المجموع ٤ : ٥٠٥ ، حلية العلماء ٢ : ٢٢٩ ، المغني ٢ : ١٧٥ ، الشرح الكبير ٢ : ١٧٣.

(٤) المبسوط للسرخسي ٢ : ٢٣ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٥٩.

(٥) المجموع ٤ : ٥٠١ ، فتح العزيز ٤ : ٤٩٥ ، حلية العلماء ٢ : ٢٢٩.

(٦) المستفاد من الآية ٩ من سورة الجمعة.

(٧) مصنّف ابن أبي شيبة ٢ : ١٠١ ، وفيه هذا القول منسوب الى عمر ، كما أنّ المصنّف نسبه إليه في المنتهى ١ : ٣٢٠.

١١١

أو اللّبن ، أو السعف والجريد والشجر متّصلة البناء ، فلو كانت متفرّقة ، فإن تقاربت ، فكالواحدة ، وإن تباعدت ، لم تجب الجمعة (١).

واختلف أصحابه في القرب ، فقيل : إذا كان بين منزلين دون ثلاثمائة ذراع ، فقريب كما هو قريب في الائتمام.

وقيل : بتجويز القصر عند إرادة السفر ، فإن كان البعد بين المنزلين قدرا إذا خرج من منزله بقصد السفر يشترط أن يتجاوزه في استباحة القصر فقريب ، وإلاّ فلا (٢).

فإن انهدمت أو احترقت ، فإن بقي العدد ملازمين ليصلحوها ، جمّعوا وإن لم يكونوا تحت ظلال ، لأنّهم لم يخرجوا بذلك عن الاستيطان في ذلك المكان.

مسألة ٤٣١ : ولا يشترط استيطانهم شتاء وصيفا في منزل واحد‌ لا يظعنون عنه إن قحطوا ، ولا يرغبون عنه بخصب غيره ـ وبه قال أبو ثور (٣) ـ للعموم (٤).

ولأنّ عبد الله بن عمر كان يرى أهل المياه بين مكّة والمدينة يجمّعون فلا يعتب (٥) عليهم (٦).

وقال الشافعي : يجب ذلك إن أوجبنا الجمعة عليهم ، لأنّ قبائل العرب كانت حول المدينة فلم ينقل أنّه عليه‌السلام أمرهم بإقامة الجمعة ولا أقاموها ، ولو كان ذلك ، لنقل فدلّ على أنّها لا تقام في بادية ، بل إن سمعوا النداء‌

__________________

(١) الام ١ : ١٩٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٧ ، المجموع ٤ : ٥٠١ ، الوجيز ١ : ٦١ ، فتح العزيز ٤ : ٤٩٥ ، حلية العلماء ٢ : ٢٢٩ ، كفاية الأخيار ١ : ٩٠.

(٢) انظر : فتح العزيز ٤ : ٤٩٦.

(٣) حلية العلماء ٢ : ٢٢٩.

(٤) المستفاد من الآية ٩ من سورة الجمعة.

(٥) في نسخة « ش » : فلا يعيب.

(٦) مصنف عبد الرزاق ٣ : ١٧٤ ـ ٥١٨٥.

١١٢

من بلد أو قرية ، لزمهم قصدها وإلاّ فلا (١). وهو ممنوع.

إذا عرفت هذا ، فإن استوطنوا منزلا ثم سافروا عنه إلى مسافة بعد عشرة أيام فصاعدا لم تجب عليهم الجمعة في مسيرهم بل في مقصدهم إن عزموا إقامة المدّة فيه ، وكذا لو سافروا إلى ما دون المسافة ، فإنّه تجب عليهم الجمعة في المسافة والمقصد معا.

ولو أقاموا دون عشرة ثم سافروا إلى المسافة ، فالوجه : وجوبها عليهم في المسافة والمقصد ، لوجوب الإتمام عليهم. وإن كان فيه إشكال ينشأ : من مفهوم الاستيطان هل المراد منه المقام ، أو ما يجب فيه التمام؟

مسألة ٤٣٢ : تجوز إقامة الجمعة خارج المصر‌ ـ وبه قال أبو حنيفة وأحمد (٢) ـ للامتثال بالإتيان بالجمعة ، ولأنّها صلاة شرّع لها الاجتماع والخطبة ، فجاز فعلها خارج المصر كالعيد.

وقال الشافعي : لا يجوز أن يصلّي الإمام الجمعة بأهل المصر خارج المصر ، لأنّه موضع يجوز لأهل المصر قصر الصلاة فيه ، فلم يجز لهم إقامة الجمعة فيه كالبعيد ، بخلاف العيد ، لأنّها ليست مردودة من فرض إلى فرض ، وهذه مردودة ، فجاز أن يختص فعلها بمكان (٣).

وتجويز الاختصاص لا يستلزمه.

ونمنع في البعيد أيضا إذا لم يبلغ المسافة ، خلافا لأبي حنيفة (٤).

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١١٧ ، المجموع ٤ : ٥٠١ و ٥٠٥ ، الوجيز ١ : ٦١ ، فتح العزيز ٤ : ٤٩٥ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨١ ، كفاية الأخيار ١ : ٩١.

(٢) بدائع الصنائع ١ : ٢٦٠ ، المغني ٢ : ١٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ١٧٢ ، المجموع ٤ : ٥٠٥ ، فتح العزيز ٤ : ٤٩٣ ، الميزان ١ : ١٨٨.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١١٧ ، المجموع ٤ : ٥٠١ ، الوجيز ١ : ٦١ ، فتح العزيز ٤ : ٤٩٣ ، الميزان ١ : ١٨٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٠ ، السراج الوهاج : ٨٥ ، المغني ٢ : ١٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ١٧٢.

(٤) بدائع الصنائع ١ : ٢٦٠ ، فتح العزيز ٤ : ٤٩٣ ، الميزان ١ : ١٨٨ ، المغني ٢ : ١٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ١٧٢ ، المجموع ٤ : ٥٠٥.

١١٣

والقصر باعتبار السفر لا باعتبار خروجه عن المصر ، لأنّ الأصل عدم الاشتراط ، ولا نصّ في اشتراطه ولا معنى نصّ.

مسألة ٤٣٣ : يسقط وجوب الجمعة عمّن صلّى العيد‌ لو اتّفقا في يوم واحد عدا الإمام ، فإنّه يجب عليه الحضور ، وغيره يتخيّر ، ويستحبّ له إعلامهم ذلك ، ذهب إليه علماؤنا ، عدا أبا الصلاح (١) ـ وبه قال علي عليه‌السلام ، وعمر وعثمان وسعيد وابن عمر وابن عباس وابن الزبير والشعبي والنخعي والأوزاعي وعطاء وأحمد (٢) ـ لأنّه اجتمع على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عيدان ، فصلّى العيد وخطب فقال : ( أيها الناس قد اجتمع عيدان في يوم ، فمن أراد أن يشهد الجمعة فليشهد ، ومن أراد أن ينصرف فلينصرف ) (٣).

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه‌السلام : « اجتمع على عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام عيدان ، فقال : هذا يوم قد اجتمع فيه عيدان ، فمن أحبّ أن يجمّع معنا فليفعل ، ومن لم يفعل فإنّ له رخصة » (٤).

ولأن الجمعة إنّما زادت على الظهر بالخطبة وقد حصل سماعها في العيد ، فأجزأ عن سماعها ثانيا.

ولأنّ وقتهما متقارب ، فتسقط إحداهما بالأخرى ، كالجمعة مع الظهر.

ولأنّه يوم عيد جعل للراحة واللذّة ، فإن أقام المصلّي إلى الزوال ، لحقته المشقّة ، وإن عاد ، لحقته المشقّة أيضا.

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٥٥.

(٢) المغني ٢ : ٢١٢ ، الشرح الكبير ٢ : ١٩٣ ، المحرر في الفقه ١ : ١٥٩ ، الإنصاف ٢ : ٤٠٣ ، المجموع ٤ : ٤٩٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢١٩.

(٣) مصنف عبد الرزاق ٣ : ٣٠٤ ـ ٣٠٥ ـ ٥٧٢٩ نحوه‌

(٤) الكافي ٣ : ٤٦١ ـ ٨ ، التهذيب ٣ : ١٣٧ ـ ٣٠٦.

١١٤

وقال أبو الصلاح منّا (١) وباقي الفقهاء من الجمهور : لا تسقط (٢) ، للعموم (٣).

ولأنّها ليست من فرائض الأعيان فلا يسقط بها ما هو من فرائض الأعيان.

والعموم مخصوص بالأدلّة ، وكونها ليست من فرائض الأعيان ممنوع على ما يأتي.

أمّا الإمام فلا يجوز له التخلّف إجماعا طلبا لإقامتها مع من يحضر وجوبا ، أو استحبابا.

خاتمة : قال الرضا عليه‌السلام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الجمعة سيد الأيام‌ تضاعف فيه الحسنات ، وتمحى فيه السيئات ، وترفع فيه الدرجات ، وتستجاب فيه الدعوات ، وتكشف فيه الكربات ، وتقضى فيه الحاجات العظام ، وهو يوم المزيد ، لله فيه عتقاء وطلقاء من النار ، ما دعا الله فيه أحد من الناس وعرف حقّه وحرمته إلاّ كان حقّا على الله أن يجعله من عتقائه وطلقائه من النار ، فإن مات في يومه وليلته مات شهيدا ، وبعث آمنا ، وما استخفّ أحد بحرمته وضيّع حقّه إلاّ كان حقّا على الله عزّ وجلّ أن يصليه نار جهنم إلاّ أن يتوب » (٤).

وقال الصادق عليه‌السلام : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستحبّ إذا دخل وإذا خرج في الشتاء أن يكون في ليلة الجمعة » (٥).

وقال الباقر عليه‌السلام : « إنّ الله تعالى لينادي كلّ ليلة جمعة من فوق‌

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٥٥.

(٢) الام ١ : ٢٣٩ ، المجموع ٤ : ٤٩٢ ، فتح العزيز ٥ : ٦٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٦١ ، المغني ٢ : ٢١٢ ، الشرح الكبير ٢ : ١٩٣ ، بداية المجتهد ١ : ٢١٩.

(٣) المستفاد من الآية ٩ من سورة الجمعة.

(٤) الكافي ٣ : ٤١٤ ـ ٥ ، التهذيب ٣ : ٢ ـ ٢ ، المقنعة : ٢٥ ، مصباح المتهجد : ٢٣٠.

(٥) الكافي ٣ : ٤١٣ ـ ٣ ، التهذيب ٣ : ٤ ـ ١٠.

١١٥

عرشه من أول الليل إلى آخره : ألا عبد مؤمن يدعوني لآخرته ودنياه قبل طلوع الفجر فأجيبه ، ألا عبد مؤمن يتوب إليّ من ذنوبه قبل طلوع الفجر فأتوب عليه ، ألا عبد مؤمن قد قترت عليه رزقه فيسألني الزيادة في رزقه قبل طلوع الفجر فأزيده وأوسّع عليه ، ألا عبد مؤمن سقيم يسألني أن أشفيه قبل طلوع الفجر فأعافيه ، ألا عبد مؤمن محبوس مغموم يسألني أن أطلقه من حبسه وأخلّي سربه ، ألا عبد مؤمن مظلوم يسألني أن آخذ له بظلامته قبل طلوع الفجر فأنتصر له ، وآخذ له بظلامته » قال : « فلا يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر » (١).

وقال الباقر عليه‌السلام : « إذا صلّيت العصر يوم الجمعة فقل : اللهم صلّ على محمّد وآل محمد الأوصياء المرضيين بأفضل صلواتك ، وبارك عليهم بأفضل بركاتك ، وعليهم‌السلام وعلى أرواحهم وأجسادهم ورحمة الله وبركاته » قال : « من قالها في دبر العصر كتب الله له مائة ألف حسنة ، ومحا عنه مائة ألف سيّئة ، وقضى له مائة ألف حاجة ، ورفع له بها مائة ألف درجة » (٢).

وقال زين العابدين عليه‌السلام : « جاء أعرابي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقال له : قليب ، فقال له : يا رسول الله إنّي تهيّأت إلى الحجّ كذا وكذا مرّة فما قدّر لي ، فقال له : يا قليب عليك بالجمعة فإنّها حجّ المساكين » (٣).

ويستحب الصلاة على محمّد وآل محمد عليهم‌السلام ، بأن يقول : اللهم صلّ على محمّد وآل محمد ، وعجّل فرجهم ، وأهلك عدوّهم من الجنّ والإنس من الأولين والآخرين ، مائة مرة ، أو ما قدر عليه.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٧١ ـ ١٢٣٧ ، التهذيب ٣ : ٥ ـ ١١ ، المقنعة : ٢٥.

(٢) التهذيب ٣ : ١٩ ـ ٦٨.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٣٦ ـ ٢٣٧ ـ ٦٢٥.

١١٦

ويستحبّ أن يقرأ ليلة الجمعة : بني إسرائيل ، والكهف ، والطواسين الثلاث (١) ، وسجدة لقمان (٢) ، و « حم » السجدة (٣) ، و « حم » الدخان ، والواقعة.

* * *

__________________

(١) الطواسين الثلاث هي : الشعراء والنمل والقصص.

(٢) المراد : سورة السجدة التي تلي سورة لقمان.

(٣) « حم » السجدة هي سورة فصّلت.

١١٧
١١٨

الفصل الثاني : في صلاة العيدين‌

وفيه مطلبان :

الأول : الماهية‌

مسألة ٤٣٤ : صلاة العيدين واجبة على الأعيان‌ عند علمائنا أجمع ـ وبه قال أبو حنيفة (١) ، إلاّ أنّه لم يسمّها فرضا ، وهي منازعة لفظية ـ لقوله تعالى ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) (٢).

والمشهور في التفسير : أنّ المراد صلاة العيد (٣).

ولأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، داوم عليها ولم يخلّ بها في وقت من الأوقات ، ولو كانت تطوّعا ، لأهملها (٤) في بعض الأوقات ، ليدلّ بذلك على نفي وجوبها.

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه‌السلام : « صلاة العيد‌

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ٢ : ٣٧ ، شرح فتح القدير ٢ : ٣٩ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٨٥ ، اللباب ١ : ١١٥ ، الميزان ١ : ١٩٤ ، رحمة الأمة ١ : ٨٦ ، عمدة القارئ ٦ : ٢٧٣ ، المغني ٢ : ٢٢٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٢٣ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٧٤ ـ ٢٧٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤ و ٥.

(٢) الكوثر : ٢.

(٣) انظر : أحكام القرآن لابن العربي ٤ : ١٩٨٦ ، تفسير الطبري ٣٠ : ٢١١ ، تفسير غرائب القرآن ٣٠ : ١٧٩ ، الكشاف للزمخشري ٤ : ٢٩١.

(٤) في هامش الطبعة الحجرية نسخة بدل : « لأخلّ بها ».

١١٩

فريضة » (١).

ولأنّها لو لم تجب لم يجز قتال تاركيها كسائر السنن ، لأنّ القتال عقوبة فلا يتوجّه إلى تارك المندوب.

ولأنّها من شعائر الدين الظاهرة وأعلامه ، فتكون واجبة على الأعيان كالجمعة.

وقال أحمد بن حنبل : إنّها واجبة على الكفاية لا على الأعيان ـ وهو قول للشافعية (٢) ـ لأنّها صلاة سنّ فيها تكبير متكرّر متوال ، فكانت واجبة على الكفاية ، كصلاة الجنازة (٣).

والملازمة ممنوعة. ولأنّ الأصل في الوجوب عدم السقوط بفعل البعض.

وقال مالك وأكثر الشافعية : إنّها مندوبة لا واجبة ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر للأعرابي خمس صلوات ، فقال : هل عليّ غيرها؟ فقال : ( لا ، إلاّ أن تطوّع ) (٤).

ولأنّها صلاة ذات ركوع لم يسنّ لها الإقامة ، فلم تكن واجبة بالشرع ابتداء ، كصلاة الاستسقاء (٥).

والسقوط عن الأعرابي لا يستلزمه في حقّ غيره ، لعدم الاستيطان فيه.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٢٠ ـ ١٤٥٧ ، التهذيب ٣ : ١٢٧ ـ ٢٦٩ و ٢٧٠ ، الاستبصار ١ : ٤٤٣ ـ ١٧١٠ و ١٧١١.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٥ ، المجموع ٥ : ٢ ، فتح العزيز ٥ : ٤ ، حلية العلماء ٢ : ٢٥٣.

(٣) المغني ٢ : ٢٢٣ ـ ٢٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٢٣ ، فتح العزيز ٥ : ٤.

(٤) صحيح مسلم ١ : ٤٠ ـ ٤١ ـ ١١ ، سنن أبي داود ١ : ١٠٦ ـ ٣٩١ ، سنن البيهقي ١ : ٣٦١ ، الموطّأ ١ : ١٧٥ ـ ٩٤.

(٥) الكافي في فقه أهل المدينة : ٧٧ ، المغني ٢ : ٢٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٢٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢٥ ، المجموع ٥ : ٢ و ٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣ ـ ٤.

١٢٠