نبراس الضياء

السيّد محمّد باقر المشتهر بمحقّق الداماد

نبراس الضياء

المؤلف:

السيّد محمّد باقر المشتهر بمحقّق الداماد


المحقق: حامد ناجي اصفهاني
الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٥٢

واحدة» الدفعة الآنيّة والمرّة الزمانيّة ، بل كان يعنى بها المرّة الواحدة الدهريّ المضمّنة فيها المرّات الزمانيّة والدفعات الآنيّة الى أقصى الأبد ، وكان يقول : والتقدّم والتأخّر انّما يقع في حدوثها الزمانيّ [ب ـ ٣٥] دون حدوثها الدهريّ ، مكان قوله : «انّما يقع في ظهورها دون حدوثها ووجودها» لكان قد أصاب محزّ (١) الأمر ومفصل القول ومرّ (٢) الحقّ ودخلة الحكمة ، ولكان آخذا مقالته من الحكماء المتالّهين ، الراسخين في العلم (٣) ، دون الطبيعيّين من أصحاب القول بالكمون والبروز.

فاذا قد بطل قول اليهود بالفراغ من الأمر ، وانقلعت شجرة شبهة التعطيل من عرقها ، واستتبّ (٤) استناد الزمانيّات من التدريجيّات والدفعيّات. والضرب الثالث (٥) منها الى صنعه وافاضته سبحانه من غير انثلام فى حريم قدوسيّة الحقّة وطوار محيطيّته المطلقة ، (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٦).

تذكرة وتكشاف

هل أنت متذكر ما أسلفناه لك من قبل فى شرح ما في الحديث عنهم صلوات الله وتسليماته على أرواحهم وأجسادهم ، أنّه لا بدّ [الف ـ ٣٦] في اطلاق الأسماء على الله جلّ وعزّ من الخروج من الحدّين حدّ التعطيل وحدّ التشبيه ، وفى طائفة من الروايات لا بدّ أن تخرجه من حدّ الإبطال ومن حدّ التشبيه من سبيل ثلاثة :

الأوّل : انّه لمّا كان طباع الامكان الذاتىّ هو العلة المحوجة الى العلّة الجاعلة ورأس ماله وعرق شجرته الفاقة الصرفة الساذجة ، المفقرة الى الاستناد الى القيّوم الواجب

__________________

(١) محزّ : موضع الحزّ أى القطع.

(٢) فهذا منه ـ قدس سرّه ـ ماخوذ من قولهم «الحقّ مرّ» فلا تغفل! وأمّا قوله : «دخلة» أى باطنها ولبّها. فتأمّل (نورى).

(٣) خ : علم.

(٤) استتبّ : استبان ، وضح.

(٥) يعنى من الضرب الثالث : [أى] ، الزمانيّات الغير المنطبقة على الزمان ، كما سبق منه. ولكنّ الدهر عندنا أنّ الزمانيّات مطلقا انطباقيّة ، بناء على مشربنا من القول بالحركة الجوهرية. (نورى)

(٦) الأنعام ، ٤٥.

٦١

بالذات ، فيجب فى مذهب العرفان أن يستيقن أنّ كلّ ذات وكلّ كمال ذات وكلّ كمال ما لذات ، وكلّ وجود وكلّ كمال وجود ، وكلّ كمال ما لموجود ، فهو مجعول الباري الخلّاق ، ومفطور الفعّال الفاطر على الاطلاق ؛ فما في عالم الامكان جميعا صنع جوده وهبة رحمته. ومن المستبين المنصرح أنّه لا يهب الكمال القاصر عنه.

فاذن ليس لنا مجاز من وصفه سبحانه بصفات الكمال جملة ، واطلاق الأسماء المتعالية المجديّة وألفاظ المتواطئة الكماليّة عليه جميعا ؛ وذلك هو الخروج من حدّ الابطال والتعطيل ؛ واذ من المعلوم بتّة أنّه جلّ سلطانه بحقيقته وانيّته وذاته وصفاته متمجّد عن جميع ما عداه متقدّس عن سائر ما سواه ، وكلّ ما فى منّة العقول إدراكه ، فانّه في الهبوط عن حريم جناب الربوبيّة بمراحل لا يتناهى.

فمن الواجب المحتوم أن يعلم مع ذلك أنّ [ب ـ ٣٦] كلّ اسم يتعاطاه من تلك الأسماء القدسيّة وكلّ لفظة نستعملها من تلك الألفاظ الكماليّة في شيء من شؤونه وصفاته وجهاته واعتباراته ، لا يصحّ أن يكون هناك الّا على سبيل آخر متقدّس متمجّد متعال عن سبيل المعني الذي نعقله ونتصوّره من ذلك الاسم ومن تلك اللفظة ومن أيّة لفظة استعملناها مكانها ، فكلّ لفظة كماليّة فهي في صقع الربوبيّة بمعنى أقدس وأرفع ممّا في وسع ادراك العقول والأوهام ، وكلّ اسم قدسيّ لكمال حقيقي فهو له سبحانه بمعنى أعلى وأمجد من أن يعقل ويوصف ، والبارئ الحقّ بحيث لا يناسبه ولا يشاكله ولا يضاهيه ولا يدانيه شيء من الأشياء في انيّته وذاته ، ولا في شيء من أوصافه وحيثياته ، حتّى اذا قلنا : «إنّه موجود» علمنا مع ذلك أنّ وجوده لا كوجود سائر ما دونه. واذا قلنا : «انّه حيّ» علمنا أنّه بمعنى أقدس وأعلى ممّا نعقله من الحيّ الّذي هو دونه. واذا قلنا : «انّه عالم» علمنا أنّه بمعنى أمجد وأسنى ممّا نعلمه من العالم الذي هو غيره.

وكذلك في سائر الأسماء العزّية الجلاليّة والألفاظ القدسيّة الكماليّة ، فيجب أن يفرض على ذمم عقولنا فرضا حاتما أن يكون على أقصى العقل المستفاد في هذه المعرفة لا يعزب عن بالنا أنّ المعاني الالهيّة الّتي نعبّر عنها بهذه الألفاظ العليا التمجيديّة والأسماء الحسنى الإلهيّة ، ليست هي الّا بنوع أرفع وأعلى من كلّ ما في منّتنا ، ووسعنا أن نتصوّره

٦٢

[الف ـ ٣٧] ـ في قوّتنا ـ وجدنا أن نتعقّله ، فهذا هو الخروج من حدّ التشبيه.

الثاني : انّ كلّ ما هو من الكمال المطلق للموجود بما هو موجود من الأسماء والصفات يجب إثباته للموجود الحقّ الذي هو بارئ الوجود وفاطر الذوات وجاعل الموجودات على الاطلاق ، وذلك هو الخروج من حدّ الابطال والتعطيل ، ويجب مع ذلك أن يعقل عقلا مستفادا أنّ كلّ اسم وصفة يثبت له سبحانه ، فإنّه بحسب نفس مرتبة الذات ومصداقه ومطابقه بحت نفس الحقيقة ، ولا كذلك الأمر فيما سواه أصلا ، فكلّ موجود دونه ، فانّ أيّة صفة اثبتت له ، وأىّ اسم أجرى عليه وراء اسم ذاته ، انّما يتصحّح له ذلك ، لا بحسب نفس الذات ، بل بحسب مرتبة متأخّرة عن مرتبة نفس الحقيقة ، وباعتبار أمر آخر وراء سنخ جوهر الذات ، زائد على صرف أصل الحقيقه ؛ فهذا هو الخروج من حدّ التشبيه.

الثالث : انّ حيثيّة وجوب الذات ووجوب الوجود بالذات هي بعينها حيثيّة الوجوب الحقّ من كلّ وجه والفعليّة المحضة من كلّ جهة ، فجميع الحيثيّات الكمالات المطلقة ، وقاطبة جهات الصفات الحقيقيّة مضمّنة في هذه الحيثيّة الحقّة القيّوميّة الوجوبيّة ، وهي بوحدتها الحقّة الحقيقيّة مستحقّه أسماء جهات المجد والكمال واعتبارات حيثيّات العزّ والجلال بأسرها ، وهذا ما قد اقترّ في مقرّه في علم ما فوق الطبيعة انّ الواجب الوجود بالذّات واجب الوجود من جميع الجهات [ب ـ ٣٧] وذلك هو الخروج من حدّ الابطال والتعطيل.

واذ ذلك بالفحص البالغ والنظر الغائر مستوجب أن يكون جملة الأسماء المختلفة التقديسيّة والتمجيديّة والعقود الكماليّة الايجابيّة والسلبيّة مطابقها ومصداقها ، وما بازائها جميعا نفس الحيثيّة الواحدة الحقّة القيّوميّة الوجوبيّة بمرتبة ذاتها ، وأسماء الصفات الحقيقيّة الكماليّة مرجعها بأسرها هنالك الى اسم الذات الواجبة الحقّة القيّوميّة بنفس مرتبتها ، إذ هي بنفسها تستحقّ جملة تلك الأسماء والعقود بالذات حقيقة لا بالعرض ولا بالمجاز ؛ فالقيّوم الواجب بالذات ـ عزّ مجده ـ له جملة الأسماء الحسنى والأمثال العليا من حيث نفس مرتبة ذاته الأحديّة من كلّ وجه وبحسب صرف حيثيّة

٦٣

وحقيقته الصمدانيّة من كلّ جهة ، لا من تلقاء حيثيّة ما وراء بحت الذات وصرف الحقيقة أصلا ، لا تقييديّة ولا تعليليّة ؛ اذ حيثيّة الوجوب الذاتيّ بصرافة وحدتها الحقّة مثابتها مثابة جملة الحيثيّات الكماليّة التمجيديّة والتقديسيّة الايجابيّة والسلبيّة ، وليس الأمر كذلك في شيء من سائر الحقائق.

فكلّ ذات من الذوات الجائزة وكلّ موجود من الموجودات الممكنة ، فانّه إنّما يتسحقّ كلّ اسم من الأسماء المختلفة المفهومات من حيث حيثيّة خاصّة ، لا يصحّ بحسبها الّا ذلك الاسم بخصوصه ، ففي حقائق عالم الامكان لا يتصحّح (١) اسمان مختلفان بالمعنى بحسب جهة واحدة بخصوصها ولمرتبة متعيّنة [الف ـ ٣٨] بعينها ومن تلقاء حيثيّة احديّة بصرافتها ، فهذا هو الخروج (٢) من حدّ التشبيه (٣).

وليعلم أنّ وجوب اعتبار الخروج من الحدّين هنالك ليس يتخصّص بالصفات الحقيقيّة ، بل انّه يعمّ اسم الذات واسم الوجود وأسماء الصفات الحقيقيّة ، وأسماء الصفات الاضافيّة والاضافات المحضة وأسماء الأفعال جميعا ، فيجب في شريعة البرهان ودين العرفان اثبات الذات لله سبحانه خروجا من حدّ الابطال والتعطيل ، ومعرفة انّ ذاته سبحانه أقدس وأعلى من مضاهاة الحقائق ومشابهة الذوات ، فانّه جلّ سلطانه ينبوع

__________________

(١) يمكن أن يتصحّح على أصل الماهية ، وضابطة اصالتها التي قال بها ومال إليها ـ قدّس الله روحه المقدّس ـ وما أظهرنا أن يتوجّه على أصلنا الذي هو القول باصالة الوجود كما هو المحقّق عند المحقّقين المحقّين ، أحسن التأمّل فيه! (نورى).

قوله «لا يتصحح» فيه ما فيه ، السرّ فيه : هو كون الحقائق الوجوديه الجوازية بما هي وجودات بسيطة مطابقة المعانى والمفهومات الكماليّة بما هي عنوانات لكمالات الوجود لموجود بما هو موجود من جهة واحدة ، اذ كل مرتبة كانت يكون بحسب نفس مرتبتها الوجوديّة وحقيقتها الموجوديّة مطابقة الصفات والجهات الكماليّة ، كالموجودية والعالمية والمعلوميّة والحياة وغير ذلك. ومصداقها كما ينكشف عنه قوله تعالى (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) [الاسراء / ٤٤] الآية. (نورى).

(٢) سرّ عدم الحاجة في ذلك الخروج إلى ما قرّره ـ قدّس الله روحه المقدّس ـ هو حصول الخروج من حدّ التشبيه من مجرّد تحقيق البينونة والصفة الّتي هى أتمّ أنحاء البينونة لا يبقى معها مجال توهّم التشبيه وتصوّره ، فضلا عن تحققه سبب فيه. (نورى).

(٣) لعمر الحبيب أنّ الخروج من حدّ التشبيه لا حاجة له الى ما قرّره ـ قدّس سره ـ من امتناع صدق اسمين مختلفين من جهة المعنى والمفهوم ، كالموجود العالم في الذوات الجوازية من جهة واحدة ، كما اشرنا اليه في الحاشية قبيل هذا. (نورى).

٦٤

الذوات وجاعل الحقائق وفعّال الماهيات خروجا من حدّ التشبيه ، وكذلك القول في الموجود والشيئيّة (١) فهو موجود لا كسائر الموجودات ، وشيء لا كسائر الأشياء ، من تلقائه شيئيّة كلّ شيء ووجود كلّ موجود ، وكذلك في الصفات الحقيقيّة على ما قد تعرّفت والاضافات أيضا خارجة هنالك من حدّ الابطال والتعطيل ، ولكن سنتها (٢) في عالم الربوبيّة على خلاف شاكلتها في عوالم الامكان.

ألم يستبن في العلم الّذي فوق الطبيعة أنّ ماهيات الجائزات مجعولة بالجعل البسيط ، فكلّ ما هو جائز الذات فإنّه بنفس مرتبة ذاته وسنخ جوهر حقيقته مجعول الجاعل الحقّ ، وفعله وصنعه وفيضه وأثره الصادر عنه ؛ إنّ جاعل الذات والوجود يجب أن يكون ثابت الذات والوجود في مرتبة ذات مجعولة ومتقدّما [ب ـ ٣٨] عليه تقدّما بالماهيّة وتقدّما بالذات بحسب مرتبة الوجود.

فاذا كلّ من الجائزات تعرضه اضافة (٣) المجعوليّة بالفعل بحسب مرتبة نفس الذات ، والقيّوم الواجب بالذات (٤) جلّ ذكره ـ انّما تعرضه (٥) اضافة (٦) الجاعليّة بالفعل ، لا بحسب مرتبة ذاتها المتقدّمة على مرتبة ذات مجعوله (٧) ، بل بحسب مرتبته المتأخّرة الّتي هي مع مرتبة ذات المجعول.

__________________

(١) خ : في الموجود والتشيئة.

(٢) خ : سننها.

(٣) خ : افاضة.

(٤) والحقّ عندنا أنّ واجب الوجود للذات واجب الوجود من جميع الجهات كمالية حقيقة ، كانت الجهات والصفات هو غير حقيقيّة كمالية فكلّ اعتبار من الاعتبارات محلّ اثباته له تعالى بحسب ملاحظة نفس ذاته البحتة من حول حيثيته خارجة عن حيثية الذات الأحدية ، لا تقييدية ولا تعليلة ، كما تقرّر في محلّه. (نورى).

(٥) كأنّه غير ملائم لما تقدّم منه من تعميم حكم الخروج من الحدين وشموله لكلّ من الطائفتين من الصفات والأسماء الحقيقية والاضافية مطلقا ، حتّى الاضافات المحضة ، كما صرّح به بقوله : وتتعلم أن وجوب اعتبار الخروج الى آخره. والحقّ الحرىّ بالتصديق هو ذلك التعميم كما تقرّر في محلّه والتكليف هاهنا نوع مجال ، لا مجال منّا لبيانه ولكن فيه ما فيه (نورى).

(٦) خ : افاضة.

(٧) كذا.

٦٥

وأيضا أنّ الاضافات العارضة (١) لذاته الحقّة الأحديّة عزّ سلطانه لا تكون متعاقبة الحصول شيئا بعد شيء بالنسبة الى ذات المعروض ، اذ ليس هناك من جهة ذاته الحقّة الّا الفعليّة المحضة من كلّ جهة ؛ بل انّما لها التعاقب والتدريج بالنسبة بحسب النسبة الى ما اليه الاضافة. وأمّا الاضافات العارضة لما في عالم الامكان فعلى غير ذلك السبيل ، فاذا في اثبات الاضافات أيضا خروجا من حدّ التعطيل ومن حدّ التشبيه من سبيلين.

وكذلك الأمر في أسماء الأفعال (٢) ، فكما ذاته القيّوميّة لا تقاس بالحقائق والذوات ولا شؤونه وصفاته بالعوارض والصفات ، ولا اضافات ذاته بالنسب والاضافات ، فكذلك أفعاله وافاضاته (٣) [الف ـ ٣٩] لا تقاس بالأفاعيل والتأثيرات ، سبيل فعله سبحانه خارج من حدّ التعطيل ومن حدّ التشبيه ، ابداع ثابت وايجاد صريح وتكوين باتّ ، لا دفعيّ ولا تدريجيّ ولا زمانيّ ، اذ لا تعتوره الأزمنة والآنات ، ولا تعتريه الحدود والآماد والآجال والاوقات ، ولا هو كتأثيرات الطبائع ، ولا كأفاعيل المختارين من ذوى الهمامات والارادات (٤) ، ومشيّته جلّ سلطانه لأفعال العباد أيضا بين أمرين (٥) ، خارج من حدّ

__________________

(١) يشهد لما حقّقنا وأظهرنا من لزوم كون جميع الصفات العليا والأسماء الحسنى حقيقيّة كانت ، أو اضافية سلبية ، أو ثبوتية واقعة صادقة على ذاته الحقة الاحدية بالنظر إلى مجرد ذاته بذاته ، مع قطع النظر عن كل حيثية وجهة خارجة عن نفس ذاته الحقّة تقييديّة كانت الحيثية في الجهة ، أو ، تعليلية خارجية عينية كانت ، أم اعتبارية انتزاعية ؛ فانه لو ثبت لذاته الاحدية صفة من الصفات ، وحكم بها عليه تعالى بالنظر الى حيثية خارجة مغايرة زائدة على ذاته الأقدس الأحدية ، فيلزم أن تكون تلك الصفة بالنظر الى ذاته تعالى مع قطع النظر عن تلك الجهة الخارجة بالقوة وبالامكان ، ويلزم من هاهنا نظر في جهة القوة والخارجة الفاقة والى ذاته الأحدية الغنية الواجبة من جميع الجهات ، كما لا يخفى. (نورى).

(٢) هذا منه ـ قدس الله روحه المقدس ـ وان كان منافيا لما قرّره في خصوص صفات الاضافية والاضافات النسبيّة الملحوظة بالقياس الى المعلومات كما مرّ منه ، لكنّه هو الصراح من الحق والقراح من الصواب وهو فصل الخطاب ، فعليك بالتزامه وحفظه فى كل باب ، فافهم! (نورى).

(٣) خ : اضافاته.

(٤) ولكن كلامنا هذا صعب مستصعب جدّا لا يحتمله الّا مؤمن ممتحن. (نورى).

(٥) وهذا منّا لا ينافي تنزيهه تعالى عن مشية القبائح والمعاصى بالذات ؛ فانّ تعلق مشيته حقيقة بالشرور ، إنّما هو بمقتضى صفة العدل وبالعرض ، فافهم! (نورى).

[أيضا منه] : حقّ معنى الأمر بين الأمرين هاهنا ، هو كون منزلة مشية العبد في أفعاله الاختيارية من مشيته سبحانه وجلّ سلطانه ، منزلة ظل الشيء ومثاله من ذلك الشيء (أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) وجودا وعلما وقدرة وارادة إلى غير ذلك من الاعتبارات الصادقة الواقعية.

٦٦

الجبر ومن حدّ التفويض ، وهو قدير على ما يشاء ، فعّال لما يريد (١) ، فهذا مرّ الحقّ في كنه هذه المسألة (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) (٢).

بسط وتحصيل

انّما المنتزع منه ، ومطابق الانتزاع للوجود المطلق الشامل الفطريّ التصوّر نفس ذات القيّوم الحقّ الواجب بالذات من دون حيثيّة ما أصلا ، لا تقييديّة ولا تعليليّة ؛ اذ الوجود هو شرح الذات المتقرّرة وحكاية عن حقّيّة الحقيقة ، لا وصف عينيّ أو ذهنيّ وراء نفس الذات المتقرّرة يقوم بها ، فيصحّح انتزاع الموجوديّة. فاذا كانت الذات متقرّر بنفسها كانت الموجوديّة منتزعة لا محالة من كنه نفسها من غير حيثيّة وراء بحت الذات أصلا ؛ فالوجود هناك عين الذات ، والماهية نفس الإنّية.

وأمّا الذات الجائزة (٣) فانّ تقررها [ب ـ ٣٩] وحقيقتها من تلقاء الجاعل لا من حيث نفسها وبحسب جوهرها ، فمطابق انتزاع الموجوديّة من الجائزات حيثيّة ارتباطها بالقيّوم الحقّ الواجب بالذاتي ـ جلّ ذكره ـ بالصدور عنه ، واستنادها اليه بالمجعوليّة لا حيثيّة جوهر الذات (٤).

__________________

فالعبد مختار في فعله حقيقة ، وفى اختياره مقهور لا مجبور ، وبين المقهورية المقصودة لنا هاهنا وبين المجبورية المنظورة لنا ، بون كالبون بين السماء والارض ؛ فان منزلة ظل الشيء عنه منزلة البائن من الشيء بمجرّد بينونة الحكم والصفة لا البائن بينونة العزلة ، كما في صورة الجبر المعروف ، وسرّ الأمر فيما ظهرنا وأشرنا به ، لأهل الاشارة هو ما قال قبلة الموحّدين على ـ عليه‌السلام ـ : «توحيده تمييزه عن خلقه وحكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة». (نورى)

(١) اقتباس من سورة هود ، ١٠٧ : «انّ ربّك فعّال لما يريد».

(٢) الاعراف ، ٤٣.

(٣) اعلم أنّ بناء قوله ـ قدس‌سره ـ هذا على اصالة الماهية في باب الجعل والمجعولية واستقلالها فيهما ، وبناء قولنا كما أشرنا على اصالة الوجود وتابعية الماهية فيهما ، وكلّ من الوجود والماهية مجعول عندنا حقيقة ، ولكن أحدهما وهو الماهية بوساطة الآخر. فتبصّر فإن فيه لجمعا بين الحقّين ، وكون الوجود اعتبارية بحتة ، كما هو مذهب طائفة باطل ، أو كان الماهية وهمية بحتة كما هو توهّم الصوفية كفر محض. (نورى).

(٤) لسائل أن يسأل هل يكون حيثية جوهر الذات المجعولة حيثية مغايرة بالذات والحقيقة لحيثية الصدور والاستناد والفيضان والارتباط ، أولا ؛ بل المغايرة انّما هي بمجرّد المفهوم والمعنى الانتزاعي ، فلو كانت المغايرة بالذات والحقيقة ، فيلزم حصول حيثيّتين مغايرتين بالذات.

٦٧

وليس سبيل الايجاد والافاضة أن ينفصل من ذات المفيض الموجد شيء أو يتّصل بذات المجعول الفائض أمر ، بل سبيله أنّه اذا احاط علم الجاعل الفيّاض بأن شيئا ما من الجائزات بحسب ذاته من خيرات نظام الوجود ومنتظرات وجوده ومصحّحات مجعوليّته حاصلة بالفعل ، يترتّب (١) على علمه وانبعث من ارادته في متن الواقع جوهر ذات ذلك الشيء ، وصدرت عن فيّاضيّته وفعّاليته نفس حقيقته وسنخ هويّته وماهيته كما من باب ضرب الأمثال ، وان لم يكن على مضاهاة ومداناة ومشابهة ومناسبة.

اذا تأكّد شوق النفس المجرّدة الّتي لا سلطان لها على البدن وقواه الجسمانيّة الّا بالتدبير والاستخدام ، وبلغ في تأكّده في مرتبة الاجماع انبعث عنه اهتزاز الأعضاء ، وترتّبت عليه حركة الأعضاء الأدوية ، وكما اذا ما بدأ جرم الشمس فاض عنها شعاع النور ، وكما اذا ما دنت زجاجة زيت السراج من بيدر (٢) النار اشتعلت عنه الفتيلة.

والصدور ، وأعني به الجعل والايجاد والافاضة يطلق في اصطلاح العلم ولغة الحكمة على معان ثلاثة :

__________________

إحداهما : فائضة مجعولة مستندة مرتبطة بالذات إلى ذات الجاعل تعالى ، وهو المسمّى بالوجود عندنا بالبرهان الباهر القاطع.

والاخرى : الماهية التابعة في المجعولية ، والصادرة بالعرض لا بالذات جعلا وصدورا تبعيّا ، مجعولية ظل الشيء بتبعيّته.

ولو كانت المغايرة والبينونة بينهما بمجرّد الاعتبارات التعلميّة الذهنية ، وكانت الحقيقة حيثية واحدة ، فلا يتوجّه ولا يتصحّح قوله : «لا حيثية جوهر الذات» فانّ حيثية جوهر الذات هي بعينها تحت حيثية الاستناد والصدور حقيقة ، فلا نتصوّر لجوهر الذات وحقيقتها حيثية اخرى غير حيثية محوضة الاستناد والارتباط ، والارتباط مرتبطة الى ذات الجاعل المذوّت لجوهر ذات مجعولة جعلا بسيطا وتذويتا بحتا صرفا ، بارتباط زائد على حاقّ حقيقة الذات ، مغاير لها بالذات.

فالحقّ الحقيق بالتحقيق والحرىّ بالتصديق ، هو القول بتركّب الأعيان الجوازيّة الموجودة المجعولة من الحيثيتين ، حيثية الوجود ، الفائضة المجعولة أوّلا وبالذات ، وحيثية الماهية المجعولة الصادرة ثانيا وبالعرض بنفس جعل حيثية الوجود ، لا بجعل مستأنف. فالجعل بسيط والمجعول بسيط من وجه. وفيه تركيب من وجه آخر. قال عزّ من قائل (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس / ٨٢] فقوله : جعل ايجاد وتأثير وافاضة فائضة بالذات الذي يكون بقول «كن» هو العين الجوازي الذي يجب بإيجابه تعالى ويوجد بايجاده تعالى. (نورى)

(١) خ : يترتّب.

(٢) بيدر : الموضع الذي يجمع فيه الحصيد ويداس.

٦٨

أوّلها : الجاعليّة الاضافيّة المضائفة للمجعوليّة ، والمتضائفتان حاصلتان معا في مرتبة واحدة ، ومتأخّرتان [الف ـ ٤٠] معا بحسب المرتبة عن مرتبتى ذات الجاعل وذات المجعول ، فحقيقة الاضافة ليست إلّا النسبة المتكرّرة على خلاف مطلق النسبة ، اذ لا يعتبر فيها التكرّر ، بل إنّها أعمّ وأوسع (١).

وثانيها : حيثيّة الجاعليّة الحقيقيّة الّتي هي مستتبعة ذات المجعول ، ومنها ينبعث جوهر ذاته ، وذلك كون الجاعل بحيث من تلقائه يجب ، وعنه يصدر هذا المجعول بخصوصه ، وهذه الجاعليّة الحقيقيّة مبدأ الجاعليّة الاضافيّة ومتقدّمة عليها بمرتبتين ، إذ هي ينبوع وجوب المجعول وفعليّته ، ومنبع تقرّره ووجوده ، وهي من المراتب السابقة على جوهر ذاته.

والجاعلية الاضافيّة فرع تحقّق المضافين ، والمراتب السابقة مفصّلة معدودة ، في كتابنا «الافق المبين» ، وهي مضاهية الجاعليّة الاضافيّة في كونها واحدة اذا كان المجعول واحدا ومتكثّرة بحسب تكثّر المجعولات ، وفي أنّها أيضا ليست عين ذات الجاعل الحقّ على الإطلاق (٢) ، بل إنّها أمر زائد على نفس ذاته ـ جلّ كبرياؤه ـ كما الجاعليّة الاضافيّة إذ ليست هي من الكمال المطلق للوجود بما هو وجود. ومن الصفات الحقيقيّة للموجود الحقّ من حيث هو موجود حتّى يجب أن تكون هي عين حقيقة القيّوم الحقّ الواجب ، [ب ـ ٤٠] ولكنّها من لوازم ذات الحقيقة الحقّة القيّوميّة وعوارضها بالذّات بحسب خصوصيّة ذات هذا المجعول وخيريّته لنظام الوجود ، وتمام مناسبته وقرب جوهره بنصاب كمال الحقيقة وقسط بهاء الانيّة من حريم الجناب القدّوسيّ القيّوميّ.

وما قاله حامل عرش العلم والتحصيل في «شرح الاشارات» حيث قال : الصدور

__________________

(١) خ : اسع.

(٢) هذا هو الحقّ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من ربّ العالمين ، كما قال عزّ من قائل : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس / ٨٢] وتلك الجاعليّة الحقيقيّة ان هي الّا قول «كن» الّذي هو أمره تعالى ، وهو فيضه المقدّس المسمّى بالنور المحمّدى ، الساري في السماوات والأرضين ، وهو الحقيقة المحمّديّة التي هي حقيقة الحقائق الأشياء كلّها ، وهي الفائضة أوّلا وبالذات عن حضرة الذات الأحدية الأقدس ، ثمّ خلقت الأشياء بها. (النورى).

٦٩

يطلق على معنيين :

أحدهما : أمر اضافيّ يعرض للعلّة والمعلول من حيث يكونان معا ، وكلامنا ليس فيه.

والثاني : كون العلّة بحيث يصدر عنها المعلول ، وهو بهذا المعني متقدّم على المعلول ، ثمّ على الاضافة العارضة لهما ؛ وكلامنا فيه. وهو أمر واحد ان كان المعلول واحدا ، وذلك الأمر قد يكون هو ذات العلّة بعينها ان كانت العلّة علّة لذاتها ، وقد يكون حالة تعرض لها ان كانت علّة لا لذاتها ، بل بحسب حالة اخرى. أمّا اذا كان المعلول فوق واحد ـ فلا محالة يكون ذلك الأمر مختلفا ، ويلزم منه التكثّر في ذات العلّة ـ فليس بوزين في ميزان [الف ـ ٤١] التفتيش الغائص ولا بمعابر بمعيار الفحص البالغ.

أليس امكان ذات المعلول من المراتب المتقدّمة على هذه العلّيّة الحقيقيّة الغير الاضافيّة ، وليس هو بمتقدّم على مرتبة ذات العلّة بما هي بتّة!؟ وكون العلّة علّة لذاتها انّما يستلزم أن يكون ايجاد هذا المعلول لا أن يكون هو نفس مرتبة ذات العلّة بعينها بما هي هي (١) وافاضة المعلول الأوّل بخصوصه ليست هي الكمال المطلق حتّى تكون عين مرتبة ذات الجاعل على الاطلاق ، وكيف يصحّ أن تكون هي عين ذات الجاعل الحقّ؟

والقيّوم الواجب بالذات متعالى الذات بوحدته الحقّة عن الوحدة العدديّة على ما هو المنصرح لاولى العقل الصراح ، ووحدة افاضة المعلول الأوّل عدديّة على ما المعلول الأوّل وعلى وفقها ، فالجاعليّة بهذا المعنى هي الّتي عبّر «القرآن الكريم» عنها الأمر وقول كن (٢) (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٣) وعالم المفارقات انّما

__________________

(١) هذا محل كلام ، لا يسع المجال هاهنا لبيانه. ونفس المعلول الأوّل المسمّى بعقل الكلّ كون وحدته عدديّة غير مسلّم ، كيف لا!؟ وأنّه الكل في الكلّ ، فاحسن التأمّل! (نورى).

(٢) لا يخفي أنّ الجاعليّة الحقيقيّة الأمرية المعبّر عنها بقوله «كن» واحدة بالذات ، متكثّرة بتبعية تكثّر المتعلّقات ، وليست بحسب تجوهر ذاتها وقوام نفسها متكثّرة ، بل واحدة كما قال تعالى : (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ) [القمر / ٥٠] كيف لا ، وهي الفائض الصادر أوّلا وبالذات عن حضرة الذات الأحدية؟! ولقد تقرّر بالبرهان الباهر «أنّ الواحد لا يصدر عنه الا الواحد» فهى واحدة بالوحدة الحقة الظليّة ، أو منزلتها من حضرة الذات الأحدية منزلة الظلّ والصورة ، فالوحدة الحقة الغير العددية لها مرتبتان مترتبتان.

أوّلها : مرتبة كنه حضرة الذات الأقدس.

٧٠

سمّى عالم الأمر لمكانة وجوده بمحوضة الامر الإلهيّ ، وقول «كن» من دون مادّة هي الحامل لجوهر الذات ، وامكانه الاستعدادي ، واستعداد هو المستدعي لجريان الافاضة وفعلية التقرّر.

وثالثها : الجاعلية الحقّة (٤) الّتي هي كمال مطلب للوجود بما هو وجود ، وهي عين مرتبة ذات الموجود الحقّ عزّ مجده ، وذلك كونه سبحانه في مرتبة ذاته بحيث تجب وتصدر عنه خيرات نظام الوجود على الاطلاق ، وتفيض عنه كلّ وجود [ب ـ ٤١] وكلّ كمال وجود وكلّ كمال لموجود.

فالجاعليّة بهذا المعني مبدأ للجاعليّة بالمعنى الثاني ، كما تلك مبدأ لجوهر ذات المجعول ، ثمّ للجاعليّة الاضافيّة وليست بمتأخّرة في المرتبة عن إمكان ذات المجعول تأخّرا بالذات ، كما تلك متأخّرة عنه ووجوب ذات المجعول بعينه من تلقاء الجاعليّة الحقيقية وجوب سابق ، فالشيء ما لم يجب لم يتقرّر ، وما لم يجب لم يوجد. ثمّ اذا ما وقع في دائرة الفعلية لزمه وجوب لاحق يعرضه ويقال له الضرورة بشرط المحمول ، ولا يكون عقد فعليّ منسلخا عنه أصلا ، «فكل ممكن محفوف بوجوبين سابق ولا حق». والجاعليّات الحقيقيّة المتكثّرة الّتي هى بازاء خصوصيّات هويّات المجعولات المختلفة تنزّلات وتجلّيّات للجاعليّة الواحدة الحقّة التي هي عين ذات الجاعل الحقّ على الاطلاق ، وبالاضافة الى جميع المجعولات والمعلولات على قياس واحد ونسبة واحدة.

تفصلة فيها تبصرة

فاعلمن أنّ مطلق التاثير وهو عبارة عن الجعل والايجاد والافاضة عند الراسخين

__________________

والثانية : مرتبة تلك الجاعلية الحقيقة الأمرية : والقول بكونها واحدة بالعدد على خلاف ما اخترنا [ه] مختلّ الاساس. (نورى)

(٣) يس ، ٨٢.

(٤) فالجاعلية الحقيقية المسماة بالنور المحمّدى (ص) الفائض أوّلا وبالذات عن حضرة الذات الأحدية ، كما أنّها ايجاد وإفاضة لوجود الأشياء ، فهو كلّ ايجاب مسابق على وجودها ، وهي وجود الأشياء وصدق ايجادها في وجه ، وكذلك في باب الوجود والايجاب ، فلا تغفل! (نورى).

٧١

في العلم والإلهيّين من حكماء الحكمة اليمانية (١) وفلاسفة الفلسفة اليونانيّة على أنواع أربعة : ابداع واختراع وصنع وتكوين.

الابداع والاختراع متعلّقان بالحوادث الدهريّة التي لها الحدوث الذاتي والحدوث الدهري [الف ـ ٤٢].

والصنع والتكوين يتعلّقان (٢) بالحوادث الزمانيّة الّتي لها انحاء الحدوث الثلاثة جميعا.

فالابداع : جعل جوهر الماهية وتأسيس أيس الذات من كتم الليس المطلق الذاتي وإخراجه من جوّ العدم الصريح الدهريّ من غير سبق مادّة ومدّة أصلا ، لا سبقا بالزمان ، ولا سبقا بالدهر ، ولا سبقا بالذات ، ولا يكون ذلك الّا في القدسيّات الّتي هي مفارقات المادّة وعلائقها على الجملة رأسا ؛ وأحقّ المبدعات بالمبدعيّة الصادر الأوّل ، وهو الجوهر العقلي المحض (٣) الّذي ليس هو مسبوق الذات (٤) ولا متعلّق الوجود بشيء وراء بحت الذات القيّوم الحقّ الجاعل على الاطلاق.

والأبرقلسيون والارسطاطاليسيّون من المشّائين الذاهبون الى قدم المبدعات لا يتصحّح عندهم السبق الدهرى للعدم الصريح مع الابداع ؛ وانّما عندهم سبق الليس المطلق على أيس المبدعات في الدهر ، السبق بالذات لا غير. وليس الابداع على ما يزعمون الّا تأييس الأيس من الليس المطلق بحسب الحدوث الذاتى فقط.

__________________

(١) «الحكمة اليمانية» : هى الحكمة المحمديّة المنسوبة الى اليمن ، وسر ذلك الانتساب هو كون نفس الرحمن المسمّى بالحقيقة المحمديّة والنور المحمدى يمانيا ، فلا تغفل! (نورى)

(٢) خ : متعلّقان.

(٣) «والجوهر العقلي المحض» المسمّى بعالم الجبروت الكلّي الإلهي ، وهو الدهر الأيمن مسبوق الوجود عندنا وعند إخواننا الراسخين بكلمة «كن» ، المسمّى بالابداع المسبوق بصرف الذات الأقدس تعالى ، فللذات الأقدس تعالى تقدّم على ذلك النور الجوهري ، وبجوهر النوري المسمّى بالركن الأبيض من العرش بمرتبتين ، وهو النور المحمدية أيضا ، والسابق عليه بعد حضرة الذات الأقدس تعالى عن النور المحمّدي المطلق المنزّه عن التلوّن والانصباغ بلون باقى الألوان ـ واللون هاهنا كناية عن تعيّنات ماهيات الأشياء الجوازية ـ وعالم النور المحمّدي ـ صلّى الله عليه ـ هو عالم البرزخ بين الوجوب والامكان والقدم والحدثان ، وفى هاهنا تقدّم الحقيقة المحمّدية المطلقة على كلية عالم الإمكان. (نورى)

(٤) خ : لا.

٧٢

ورهط منهم يخصّون الابداع بالعقل الاوّل ، اذ لا يتقدّم عليه تقدّما بالذّات ، الّا ذات مبدعه القيّوم جلّ ذكره ، فهو الّذي [ب ـ ٤٢] قد أيّسه وأخرجه مبدعه الحقّ من الليس المطلق دون ما بعده من العقول في السلسلة الطوليّة لسبق المتوسّط عليه وان لم يكن المادة. وهذا المسلك فى الاصطلاح منقول «الشفاء» (١) فى الإلهيّات ومسلوك «الاشارات» في النمط السادس (٢).

والاختراع : جعل جوهر الذات واخراج إنّ الحقيقة وأيسها من جوف الليسيّة الذاتية وجوّ العدم الصريح الدهريّ مع سبق المادّة ، سبقا بالذات لا غير ، من غير سبق مدّة بشيء من أنواع السبق أصلا ؛ وانّما ذلك في الفلكيّات وكلّيات بسايط العناصر.

ومن ذهب (٣) وهمه الى القدم اعتبر فيه الإخراج من الليس الذاتي مع سبق المادّة بالذات من غير المسبوقيّة بعدم صريح دهريّ ، والذاهب الى التخصيص (٤) منهم يعتبر فيه التأسيس من اللّيس مع سبق الجوهر المفارق المتوسّط بالذات من غير مسبوقيّة بمادّة ومدّة ، ويقول ساير العقول بعد الصادر الاوّل مخترعات لا مبدعات.

والصنع : المتعلّق بالحوادث الكونيّة الزمانيّة ، هو جعل جوهر الذات الكائنة الحادثة ، واخراج نفس هويّتها في متن الواقع من جوّ الليس بحسب الحدوث الذاتي ، ومن كتم العدم الصريح بحسب الحدوث الدهري مسبوقا بالمادّة مسبوقيّة بالطبع (٥).

والتكوين : اخراج هويّة الحادث الكونيّ الكيانيّ من امتداد العدم ، وايقاع وجوده [الف ـ ٤٣] المكوّن في عضّة من الزمان مسبوقا بوجود مادّته الحاملة لا مكانه الاستعدادي ، وبزمان عدمه المستمرّ مسبوقيّة زمانيّة.

__________________

(١) «الشفاء» ، المقالة الثانية ، الفصل الثالث ، ص ٣٢٢.

(٢) «شرح الاشارات» ج ٣ / ٢٥٤.

(٣) سرّ عدم المنافاة : القدمة الزمانية عندهم سبق الليس المطلق المسمى بالليس الذاتى هو كون سبق الليس المعبّر عنه بالامكان الذاتى فى ظرف التعمّل الذهني ، لا في متن الدهر الواقع. (نورى).

(٤) أى : تخصيص الابداع بالعقل الأوّل (نورى).

(٥) التقدّم بالطبع هاهنا من كون التقدّم بالزمان غير موجّهة ؛ اللهم الّا بضرب من الاعتبار ، كما ذهب اليه فريق وهو الموجّه عندنا. (نورى)

٧٣

وانّ فريقا يعتبرون (١) انواع الجعل والايجاد على ضروب ثلاثة ، ويجعلون الصنع والتكوين نوعا واحدا متعلّقا بالحوادث الزمانيّة باعتبارين مختلفين صنعا بحسب اعتبار الحدوث الدهري ، وتكوينا بحسب اعتبار الحدوث الزمانيّ. ونحن فى «الصحيفة الملكوتيّة» وفي «تقويم الايمان» وفي «الرواشح السماويّة (٢)» آثرنا طريق التثليث ، وجعلنا الاحداث مستوعبا للأنواع الثلاثة ؛ وقلنا : مطلق الجعل والافاضة إمّا احداث دهريّ وهو ينقسم إلى الإبداع والاختراع ؛ وإمّا احداث زمانيّ وهو التكوين [والصنع] ، والصنع تارة يقابل التكوين ، فيشمل الابداع والاختراع ؛ وتارة يختصّ بالتكوين ، ولكن باعتبار الإحداث في الدهر لا بحسب الإيقاع في الزمان. وأفضل الأنواع : الابداع ، وأفضل الابداعات : إبداع الصادر الأوّل.

وفي طريق التثليث مسلك آخر ، هو مسلوك النمط الخامس من «الاشارات (٣)» لشريكنا السالف ، حيث جعل الأنواع الثلاثة ابداعا وتكوينا واحداثا ، والاحداث افاضة الوجود الزمانيّ مسبوقا بالزمان ؛ والتكوين إفاضة الوجود الماديّ مسبوقا بالمادّة بالذّات لا بالزمان ، فكلّ منهما يقابل الابداع من وجه ، وهو متقدّم عليهما ؛ اذ لا يتصحّح حصول [ب ـ ٤٣] المادّة بالتكوين ولا حصول الزمان بالاحداث ، والّا لزم أن يكون للمادّة الاولى مادّة وللزمان زمان. فالتكوين والاحداث مترتّبان على الابداع ، والابداع هو الأعلى منهما رتبة والأقدام حصولا والأقرب نسبة بالقياس الى جاعل كلّ شيء على الاطلاق.

ولكنّه قد خولف ذلك فى الرسالة «النيروزيّة» ذهابا الى مذهب التربيع في الأقسام حيث قال فيها بهذه العبارة : «موجد الوجود هو مبدع المبدعات ومنشي الكلّ ، وهو ذات لا يمكن أن يكون متكثّرا أو متغيّرا أو متحيّزا (٤) أو متقوّما بسبب في ذاته أو مباين

__________________

(١) هذا هو الحقّ الذي يجب أن يصدّق به عندنا. (نورى)

(٢) راجع : «الرواشح السماوية» ، الطبع الحجرى ، ص ١٣ ـ ١٦.

(٣) «شرح الاشارات» ج ٣ / ٦٧.

(٤) خ : متجزنا.

٧٤

لذاته ، ولا يمكن أن يكون وجود ، في مرتبة وجوده ، فضلا عن أن يكون فوقه ، ولا وجود غيره ليس هو المفيد ايّاه وقوامه ، فضلا عن أن يكون مستفيدا عن وجود غيره وجوده ؛ بل هو ذات هو الوجود المحض والحقّ المحض والوجود المحض والعلم المحض والقدرة المحضة والحياة المحضة من غير أن يدلّ بكلّ واحد من هذه [الف ـ ٤٤] الألفاظ على معني مفرد على حدة ؛ بل المفهوم منها (١) عند الحكماء معنى واحد وذات واحدة ، ولا يمكن أن يكون له مادّة (٢) ، أو يخالطه ما بالقوّة ، أو يتأخّر عنه (٣) شيء من اوصاف جلالته ذاتيا أو فعليّا.

وأوّل ما يبدع عنه عالم العقل وهو جملة تشتمل (٤) على عدّة من الموجودات ، قائمة بلا موادّ ، خالية عن القوّة والاستعداد ، عقول ظاهرة (٥) وصور باهرة ليس في طباعها أن تتغيّر أو تتكثّر أو تتحيّز ، كلّها مشتاق الى الأوّل والاقتداء به (٦) والاظهار لأمره ، واقف من قربه ، والالتذاذ (٧) بالقرب العقليّ منه سرمد الدهر على نسبة واحدة.

ثمّ العالم النفسي ، وهو مشتمل (٨) على جملة كثيرة من ذوات معقولة ، ليست مفارقة الموادّ كلّ المفارقة ، بل هي ملابستها نوعا من الملابسة ، وموادّها موادّ ثابتة سماويّة ، فلذلك هى أفضل الصور الماديّة وهي مدبّرات الأجرام الفلكية وبوساطتها للعنصرية ، ولها في طباعها نوع من التغيّر ونوع من التكثّر لا على الاطلاق ؛ وكلّها عشّاق (٩) للعالم العقليّ ، لكلّ عدة [ب ـ ٤٤] مرتبطة في جملة منها ارتباط بواحد من العقول المترتّبة ،

__________________

(١) خ ل : ومن الكلّ.

(٢) خ ل : في مادّة.

(٣) خ ل : عنه.

(٤) خ ل : جملة مشتمل.

(٥) خ ل : طاهرة.

(٦) خ ل : عشاق للأول وللاقتداء به.

(٧) خ ل : وملتذّ.

(٨) خ ل : يشتمل.

(٩) خ ل : مشتاق.

٧٥

فهو عامل (١) على المثال الكلّي المرتسم في ذات مبداه ، المفارق مستفادا من ذات الاوّل الحقّ.

ثمّ عالم الطبيعة ، ويشتمل على قوى سارية في الأجسام ملابسة للمادّة على التمام ، تفعل فيها الحركات والسكونات (٢) الذاتية ، وتربى (٣) عليها الكمالات (٤) الجوهريّة على سبيل التسخير ، فهذه القوى كلّها فعّال.

وبعدها العالم الجسمانيّ ، وهو ينقسم إلى اثيريّ وعنصريّ ، وخاصيّة الأثيريّ استدارة الشكل والحركة ، واستغراق الصورة للمادّة ، وخلوّ الجوهر عن المضادّة ، وخاصيّة العنصرىّ التهيّؤ للأشكال المختلفة والأحوال المتغايرة.

وانقسام المادّة بين الصورتين المتضادتين (٥) ايّهما (٦) كانت بالفعل كانت الاخرى بالقوة ، وليس وجود إحداهما لها وجودا سرمديّا ، بل وجودا زمانيّا ، ومباديه الفعّالة فيه من القوى السماويّة بتوسّط الحركات ويسبق كماله الأخير أبدا ما بالقوّة ، ويكون ما هو أوّل فيه بالطبع آخرا في الشرف والفضل ، ولكلّ واحد (٧) من القوى المذكورة [الف ـ ٤٥] اعتبار بذاته واعتبار بالاضافة الى تاليه الكائن عنه ، ونسبة الثواني (٨) كلّها الى الأوّل بحسب الشركة نسبة الابداع. وأمّا على التفصيل فتخصّ العقل نسبة الابداع.

ثمّ اذا قام متوسّطا بينه وبين الثوالث (٩) صار له نسبة الأمر واندرج فيه معه النفس ، ثمّ

__________________

(١) خ ل : عاقل.

(٢) خ ل : السكنات.

(٣) خ ل : ترقى.

(٤) خ ل : كلمات.

(٥) خ ل : المتباستين.

(٦) خ ل : أيّتهما.

(٧) خ ل : واحدة.

(٨) والثوانى : العقول الفعّالة الكليّة الفيّاضة ، ثمّ العقول المدبّرة النفسانيّة المسماة بالنوعات والانواع ، ثمّ الطبائع عند الشيخ. وأمّا عند الصوفية فالتاليات لعالم العقول المدبّرات هى الأنفس الملكوتية المثاليّة ، ثمّ عالم الطبائع ثم عالم الأجسام العلويّة ، ثم السفليّة. (نورى)

(٩) خ ل : التوالي.

٧٦

كان بعده نسبة الخلق والامور العنصريّة بما هي كائنة فاسدة نسبة التكوين. والابداع (١) يختصّ بالعقل ، والأمر يفيض منه الى النفس ، والخلق يختصّ بالموجودات الطبيعيّة ويعمّ جميعها ، والتكوين يختصّ بالكاينة الفاسدة منها.

واذا كانت الموجودات بالقسمة الكلّيّة إمّا روحانيّة وامّا جسمانيّة ، فالنسبة الكلّيّة للمبدإ الحقّ اليها (٢) أنّه الّذي له الخلق والأمر ، فالأمر متعلّق بكلّ ذى ادراك ، والخلق متعلّق بكلّ ذى تسخير ، وهذا هو غرضنا فى الفصل الأوّل» انتهى كلامه (٣).

وله في فصلين بعد هذا الفصل في تحقيق حقائق الحروف والخوض فى أسرار مقطّعات [ب ـ ٤٥] القرآن فحص موفور وسعى مشكور قد أوردنا ذلك في «الجذوات (٤) والمواقيت» وفي «تأويل المقطّعات» ، ونقدناه نقدا ، وبسطنا حقّ القول فيه بسطا.

استيقاظ

فإذن أمر الافاضة من الفيّاض الحقّ على الاطلاق بالنسبة الى شخصيّة النظام الجملي لجملة الموجودات بأسرها ، ولعالم الوجود كلّه ابداع ، وكذا بالنسبة الى عالم العقول المحضة ابداع وبالنسبة الى عالم المجرّدات ـ وهو مجموع العالم العقليّ والعالم النفسي ـ أمر ، وبالنسبة الى عموم عالم الجسمانيّات خلق وبالنسبة الى كيانيات الكائنة الفاسدة بما هي كائنة فاسدة على التخصيص.

ومن سبيل آخر الأمر الإلهي والنفس الرّحماني المعبّر عنه بقول «كن» في عالم

__________________

(١) فالابداع هو أمر الله المتوجّه الى العقل الكلّي القلمي ، والامر هو أمر الله المتوجّه بتوسط العقل القلمي الى لوح النفوس الكلية وصورها العقلية التي هي العقول المدبّرة والجواهر الروحية الكلية المتعلّق كلّ منها بنوع من الأنواع الخلقية ، علوية أو سفلية. والأمر المتوجّه بتوسّط هذه العقول المدبّرة هو الخلق أو الصنع المتعلّق بالموجودات الطبيعيّة مطلقا ، والأمر المتوجّه الى الموادّ المستعدة يكون بعد ان لم يكن وهو خاصيّة العنصريات. (نورى)

(٢) خ ل : الى المبدأ الحقّ الأوّل لها.

(٣) «رسالة النيروزية» ، ص ٩٣ ، ذيل مجموعة «تسع رسائل» ، طبع مصر.

(٤) راجع : «الجذوات» ، الجذوة العاشرة في علم ارثماطيقي ، ص ٨١ وبعدها.

٧٧

الخلق منقسم الى أمر تكوينيّ صنعيّ ايجاديّ وأمر تدوينيّ حكميّ تشريعيّ ، والقيّوم الواجب بالذّات عزّ سلطانه بنفس مرتبة ذاته الأحدية فى ابداع النظام الجملي ، وكذا في ابداع أفضل أجزاء النظام في سلسلة البدء ـ وهو المجعول الأوّل ـ فاعل تامّ وغاية قريبة ؛ وفي افاضة ساير أجزاء عالم الأمر ، وجملة عالم الخلق وعامّة [الف ـ ٤٦] ذرّات نظام الوجود ، صانع جوهر الذات وغاية غايات الصنع والايجاد. وكما نفس ذاته الحقّة في الأمر التكويني الايجاديّ منتهى الغايات ومصير الأغراض فكذلك في الأمر التدوينيّ التشريعي غاية الغايات المتسلسلة وغرض الأغراض المترتبة ، بحت ذاته القيّوميّة القدوسيّة.

فمن هذا السبيل أيضا ذاته الحقّة أوّل وآخر مبدأ ومعاد لنظام الوجود ولذرّات أجزاء النظام جميعا و (أَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) (١) وهذا أحد وجوه أوليّته وآخريته ومبدأيّته ومعاديّته جلّ جناب مهيمنيّته وأحديّته.

فأوّل تنزّلات وحدته الحقّة الّتي هي عين مرتبة ذاته القيّوميّة مرتبة الجاعليّة الحقيقيّة (٢) التي وحدتها وحدة عدديّة هي ظلّ ذات الوحدة الحقّة ومستتبعة الوحدة العدديّة للانسان الكبير الذي هو النظام الجملي المتّسق الشخصي الواحد بالعدد ولا شرف أعضائه والصادر الأوّل من أجزائه في السلسلة البدويّة ، ولذلك ما جعل اسم هذه المرتبة تالى اسم الذات في قوله عزّ قائلا (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٣).

ثمّ ليعلم أنّ المخاطب (٤) بقول «كن» والمأمور بأمر الصدور نفس جوهر الماهية

__________________

(١) النجم ، ٤٢.

(٢) انّ الجاعلية الحقيقية التي منزلتها من حضرة الأحدية تعالى ، منزلة الظل ؛ وهي النور المحمدي الساري في السماوات والأرضين ، لا ينبغى أن يكون واحدا بالوحدة العددية التي لها شأن في جنسه ، بل يجب أن يكون واحدا بالوحدة الحقّة الظلّية الحاكية الكاشفة عن الوحدة ، والوحدانية الحقة الحقيقية التي هي عين ذاته الأحدية الأقدس كيف لا وهي توحيده سبحانه نفسه! كما قال سبحانه (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) [آل عمران / ١٨] وكونها توحيدا بهذا الوجه لا يتصوّر الّا بكونه واحدا حقّا ظليا فافهم! (نورى).

(٣) الحمد ، ٢.

(٤) في النبوي كما روى «خلق الله الخلق في ظلمة ثمّ رشّ عليهم من نوره.» وله وجوه من التأويلات ، فمنها ما أشرنا إليه في تصحيح أمر الخطاب قبل وجود الأشياء ، فافهم ان كنت أهلا للاشارة! (نورى).

٧٨

بحسب مرتبة المائيّة الاسميّة الشارحة [ب ـ ٤٦] للاسم ، والصادر نفس جوهرها الصائر بالصدور مائيّة حقيقيّة ، فالحروف والاعداد كأنّها ذهن الأعيان وضمير الواقع ومتخيّلة الخارج ، فاذ انطبعت وتمثّلت الماهية فيها استتبع ذلك حصولها بعينها في متن الواقع وفي نفس الامر خارج الذهن ، وهذا أحد أسباب استثمار الأدعية والأذكار لإيعاء (١) البغية (٢) فى وعاء الحصول.

ولقد أسّسنا في مظانّه في غير موضع واحد من صحفنا وكتبنا أنّ الوجوب والايجاب متحدان (٣) بالذات ، متغايران بالاعتبار. فالصدور بما هو ايجاب وايجاد من نعوت ذات الجاعل وشؤونه ، وهو أمر آلهىّ ونفس رحمانىّ يعبّر عنه بقول «كن» ، وبما هو وجوب ووجود وحصول ، فهو أثر للجاعل ، ومنسوب الى ذات المجعول ، كما الفعل والانفعال والحركة متّحدة بالذات متغايرة بالاعتبار.

ومن لطائف الأسرار أنّ من باب تطابق العوالم الوجوب والايجاب بحسب درجات الحروف متّحدان بالعدد ، وكذلك الوجود والايجاد ، واذا ادخلت الالف واللّام على كلّ منهما للتعريف حصل عدد كون حرف أبواب كتاب عالم الامكان بأجمعها وهو أيضا عدد مجموع الحروف والنقاط في العالم الحرفي أعني : الخمسين ،

__________________

[أيضا منه] : هذا انّما يستقيم على مذهبه ويتوجّه على مذاقه ومشربه ـ نوّر الله ضريحه المطهّر ـ وأمّا حقيقة الأمر كما هو عليه فهي أدقّ وأعمق وأغمض وألطف فما يتيسّر بينها لكلّ أحد ، اللهم الّا على الأوحدى الوحيد في الاعصار ، فاعتبروا يا أولى الابصار! (نورى).

[أيضا منه] : بل المخاطب عندنا وعند إخواننا هو نفس جوهريات الماهيات الجوازية ، والأعيان الثابتة التي هي عنده ـ قدّس الله روحه المقدّس ـ نفس الآثار المجعولة بالذات ، المرتّبة على قول «كن» وكون المخاطب أنفس جوهريات الماهيات قبل صدورها ووجودها بأمر بارى الكل تعالى في العين الوجودى ، والواقع الموجود يتصحّح به كون الامكان من الصفات السابقة على الوجوب ، والوجود في حقّ الممكن ، وأمّا على مشربه ـ قدّس سره ـ فلا مجال لتلك السابقية الّا في التعمّلات الذهنية ، كما تقرر عند جمهور المتفلسفة. (نورى).

(١) الايعاء : الجمع ، الحفظ.

(٢) البغية : الطلب.

(٣) اللهم الّا على تكلّف القول باختلاف نفس جوهر الماهية شدة وضعفا حسب اختلاف وتفاوت ما في المائية الشارحة والمائية الحقيقية ، والجوهر واحد والتفاوت يتقرّر بالشدة والضعف ، هذا غاية ما تيسّر لى في توجيه مشربه هاهنا ، ففيه ما فيه. (نورى).

٧٩

فليتبصّر!

استصباح

[في المباحث الحروفية والعددية]

ألم يقرع سمعك في طبقات العلم الّذي فوق الطبيعة ، أنّ انطباق العوالم بعضها على بعض من أصول ما ضبطته القوانين وأعطته البراهين ، وأنّ [الف ـ ٤٧] أساطين الحكماء الإلهيين الذين يذوقون مطاعم الحقائق وينالونها بذائقة القوّة القدسيّة ويدركون طعوم الدقائق ويعرفونها بقوّة الذائقة الحدسيّة ، مطبقون على أنّ العالم الحرفي كالجسد ، والعالم العددي كالروح الساري فيه ، وهما ـ بما فيهما من تأليفات النسب وامتزاجات الخواصّ ـ منطبقان على عوالم التكوين بما فيها من النسب الكونية والبدايع الصنعيّة ، وكالاظلال والعكوس والثمرات والفروع بالاضافة إلى أضواء عالم الأنوار العقليّة ، بما هنالك من ازدواجات مشافعة الجهات والحيثيّات ، والابتهاجات المنبعثة عن أشعّة الشروقات والاشراقات.

فمن امّهات المسائل أنّ نسبة الثواني إلى الأوّل أمّ جميع النسب ، وربّما قالوا نسبة الجوهر الأوّل الى القيّوم الأوّل أمّ جميع النسب. واذ روحانيّة العدد للحرف فى حساب الجمّل ـ بضمّ الجيم وتشديد الميم المفتوحة ـ انّما يعتبر بحسب شبح مرتبة الدرجة ، المعبّر عنها «بالزبر» ، أعني الصورة الرقميّة (١).

[ألف] :

والألف ، روحانيّة درجتها الوحدة ، وهي بتكرّرها راسم (٢) عوالم العدد ، ومبدأ مراتب الكثرة. ومخرج الألف المتحرّكة في اقليم النطق وهي الهمزة متقدّم على مخارج

__________________

(١) فلا رقم له في عالم الصورة خاصة ، الّا في ضمن سائر الحروف ، فتبصّر! (نورى).

(٢) مخ : راسمة.

٨٠