نبراس الضياء

السيّد محمّد باقر المشتهر بمحقّق الداماد

نبراس الضياء

المؤلف:

السيّد محمّد باقر المشتهر بمحقّق الداماد


المحقق: حامد ناجي اصفهاني
الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٥٢

الحروف كلّها. وشبحها الرقمىّ (١) أيضا أصل [ب ـ ٤٧] أشباح الحروف وعنصرها الأوّل وراسمها بأسرها في تطوّراتها المختلفة ، ولا يكون شيء من سائر الحروف عروا (٢) عنها ؛ بل أنّ مرجعها ومعادها جميعا اليها في بطنان الباطن وابطن المراتب بتّة ، وهي لا تتّصل بحرف أصلا ، ويتّصل بما سائر الحروف الّا خمسة ، فلذلك (٣) وضعت بروحانيّتها ، لأن يدلّ بها على مرتبة ذات البارئ الواحد الحقّ جلّ سلطانه بما هو هو ، لا من حيث الاضافة إلى غيره.

[ب] :

والباء : روح درجتها الأثنوة وهي زوج الأوّل وأول تكارير الوحدة ، وصورتها الرقميّة «ب» وهي أوّل ما يرتسم من تطوّرات «ا» وتجليّاتها ، واليها مصيرها في مرتبة الدقيقة الّتي هي أولى مراتب البيّنات. فمن ثمّ جعلت حرف عالم العقل ، أو العقل الاوّل الّذي هو أفضل المبدعات ، وأوّل الثواني ، وعنه التعبير ب «القلم الأعلى» و «اليد اليمنى» وان كان الرحمن عزّ سلطانه يداه المبسوطتان (٤) كلتاهما يمين. (٥)

وليس في سنخ ذاته ازدواج الكثرة التحليليّة وتشافع عقد النكاح الساري بين

__________________

(١) أى شبح الألف المطلقة ، لا ألف همزة ، وهي العنصر الماء الأوّل الذي كان عليه عرش الرحمن. (نورى).

[أيضا منه] : وشبحها الرقمى أيضا أصل الى ذلك الشبح الألفي المسمّى عندنا ب «الألف المطلقة» ، منزلته في سائر الحروف ـ حتّى الألف الهمزة ـ بمنزلة النفس الرحماني الذي يظهر في كلّ شيء من الأشياء بحسبه ، ولا ظهور له عندنا وعند أنظارنا وأبصارنا وبصائرنا من حيث صرافة جوهره ، فانّه هو الاسم المكنون المخزون عنده تعالى. اللهم لمن تجرّد وانسلخ إلى عالمه الذي هو فوق عالم الدهر الأيمن الأعلى وليس عالم السرمد ، فلم يظهر مطلقا ولا يظهر أبدا لنا ما دمنا نحن ولا ظاهر الّا هو ، كما لا باطن الّا هو ، وهو ظهور الحقّ وبطونه. (نورى).

(٢) عروا : مصدر «عرا». وعرا فلانا أى قصده ، ولكن لا يناسب المقام ، والظاهر عريا من عرى ، وعرى ثيابه أى خلعها.

(٣) ليس كذلك ، إذ ذات البارى أجلّ من ذلك (نورى).

(٤) اقتباس من سورة المائدة ، ٦٤ : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ)

(٥) مخ : يمينا. مكان يده اليمنى ، وهي العقل الأوّل الكلّي المسمّى بالمحمدية البيضاء في الدهر الأيمن الأعلى ، ومنزل يده اليسرى وهي النفس الكلية الالهية المسماة بالعلوية العليا في الدهر الأيمن الأسفل ، هذا هو سرّ التفاوت عنهما متى كون كلّ منهما يمينا فتفطّن! (نورى).

٨١

الذراري المدلول عليه في التنزيل الكريم بقوله سبحانه (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (١) الّا من جهة مفهومى (٢) ما بالقوّة وما بالفعل ، والجواز الذاتي ـ بحسب جوهر الذات ـ والوجوب بالغير من تلقاء إفاضة الجاعل ومرتبتى الماهية والإنيّة ، وحيثيتي الجنس والفصل المقوّمين للماهية ومبدعه القيّوم جلّ ذكره هو بنفس ذاته [الف ـ ٤٨] الأحديّة الفاعل له (٣) والغاية والمبدأ والمعاد والأوّل والآخر.

[ج] :

والجيم ، روح صورتها وروحانيّة درجتها من العدد الثلاثة ، ومن خواص هذه المرتبة العددية أنّها جمع ما قبلها من مراتب العدد ، أعني الواحد والاثنين. فدرجة «ج» مجموع درجتى «ا» و «ب» ، وهي فرد أوّل مزاجها «ا» كما مجموع درجتها ودقيقتها واسوتها «ا» في أنّ مراتبها أربع ، وحروف مراتبها ستّة.

وعلاقة ارتباطها ب «ب» ومضاهاتها لها في الانتساب إلى «ا» أكيدة جدّا ، فمزاجها بحسب الدرجة «ا» ، وعددها من حيث الدرجة وحدها عدد «ب» من حيث الدرجة والدقيقة جميعا ، وكما «ب» نالت مزاج الدرجة في الدقيقة نالت هي مزاج الدرجة ومزاج مجموع الدرجة والدقيقة في الثانية ، وكما فازت «ب» بدرجة «ا» في الدقيقة وبدقيقتها في عالم النفس بلحاظ جوهرها ، وهو طبقة الأسفل من عالم الملكوت ، كما النفس خليفة العقل ؛ وعالم العقل (٤) الطبقة الأعلى من ذلك العالم.

__________________

(١) الذاريات ، ٤٩.

(٢) مخ : جهتى مفهوم.

(٣) ولا واسطة بينه وبين ذات فاعلية القيّوم له ، الّا فعل الفاعل وصنعه وابداعه الذي هو قوله «كن» فلا يتوسّط بينهما شيء من الأشياء من ذوات الماهيات (نورى)

(٤) قد أشرنا آنفا الى أنّ عالم العقل الكلّي المسمّى بالقلم الأعلى ، هو عالم الدهر الايمن الأعلى من عالم الملكوت الجبروتي ، وعالم النفس الكلية الجبروتية ، وهو عالم الأمر الأيمن الأسفل من ذلك العالم الشامخ الالهي ، فالأعلى منهما هو الركن الأبيض المحمّدي من العرش ، والأسفل منهما هو الركن الأصفر العلوي منه ، وهما الذرتان البيضاء والصفراء. (نورى).

٨٢

[د] :

والدال : بحسب الدرجة زوج الزوج ، ومربّع «ب» وضعفها ، والنهاية الاولى من نهايات العدد أعنى الأربعة ، وهي عدد ناقص [ب ـ ٤٨] ومزاجها «ج» من مجموع «ا» و «ب» ، وكمالها الظهوري «ى» ، وهي مضاهية ل «ج» في كونها رباعيّة المراتب سداسيّة الحروف ، وفي كون عدد دقيقتها فردا أوّل (١) ومقتدية ب «ب» في اصطياد درجة «ا» في مرتبة دقيقتها ، وعدد مجموع مراتبها (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) (٢) الكلمة الطيبة التوحيدية. فمن جهة تلك الخواصّ وهذه المنزلة جعلت حرف الطبيعة الجوهريّة بما هي هي ، وهي أخيرة مراتب القوى الفعّالة ، واعتبرت في ازاء عالم الطبائع.

[ه] :

والهاء (٣) : حيث أنّ عدد درجتها عدد مراتب كلّ من سلسلتي نظام الوجود والبدئية والعوديّة ، وعدد الصلاة الفرائض اليوميّة ، وعدد اصحاب الكساء من أهل بيت العصمة والتطهير ـ صلوات الله عليهم ، ـ أعني الخمسة الّتي هي فرد ، أوّل مزاجها «ا» ومبدأ الدور الثاني في الآحاد ، والعدد الدائر المستدير التامّ الاستدارة. وبحسب الطباع اوّل مدارات الدور الثاني من الأدوار السبعة على ما قاله امام الحكمة افلاطن الإلهي في «الألواح» ومعلّم مشائيّة اليونانيين ارسطوطاليس فى «الاصطكاكات» ، وهي خماسيّة المراتب ، سداسية الحروف ، نائلة مزاج الدرجة أعني «ا» بعينها في مرتبة الدقيقة على وجه [الف ـ ٤٩] الاتّصال كما «ب» لا من تفاوت.

وعدد مجموع مرتبتيها الدرجة والدقيقة أوّل الأعداد التامّة أعني الستّة ، ومقوّم جملة مراتبها من حيث العدد الكلمة الطيّبة ، ومسطّح «ج» في «ه» وهو كمالها الظهوريّ : أوّل الاوفاق العدديّة ، وهي الخمسة عشر ؛ ومسطّح «ب» في «ه» أخيرة نهايات العدد،

__________________

(١) كذا.

(٢) محمّد ، ١٩.

(٣) والهاء من جهة روحها النازلة من السماء السرمدية الى الارض الزمانيّة بالوحى العامّ الشامل للأمر والنهى مطلقا ، صار حرف ليلة القدر (نورى).

٨٣

وهي عشرة ؛ وشكل صورتها الرقميّة الاستدارة التامّة ، ومن اتّصال درجتها بدرجة ما بعدها يتحصّل «هو» ، وهو الاسم الأعظم كما قد وردت به الرواية عن باب مدينة العلم ودار الحكمة ، مولانا أمير المؤمنين علي بن ابي طالب ـ عليه‌السلام (١).

وقد قال فريق من أئمّة العلوم اللسانيّة والعقليّة (٢) أنّ الأصل في «الله» اسم الذات الأحديّة القيوميّة ، «ه» ثم اشبعت فحصل «هو» والحقت بها اللام تارة ، فصارت له «فله الخلق والامر» (٣) ثمّ الحقت به تارة اللّام الاخرى فصارت «لله» (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) (٤) وتارة اخرى الحقت به الالف واللام فصارت «الله» ، فجعل علما لذات القيّوم الحقّ سبحانه تعالى سلطانه.

فمن حيث جامعيّة هذه المراتب وقاهريّة هذه المنازل والفضائل استحقت «ه» أيضا أن تجعل حرف ذات الباري القيّوم الحقّ جلّ سلطانه ، ولكن لا من حيث نفس الذات بما هو هو ـ كما «ا» ـ بل بحسب لحاظ الاضافة إلى ما دونه ، ونسبة الاضافة لوجود ما سواه.

[و] :

والواو : ومن الحروف الدائرة التامّة ، تكرّرت درجتها بعينها في آخر الدقيقة ، وتوسطت بينهما درجة «ا» بمنزلة القلب ، فضاهت الباء من حيث نيل درجة «ا» في مرتبة الدقيقة ، وصورتها الرقميّة أيضا دائرة تامّة [ب ـ ٤٩] بحسب الشكل على رأس قوس أصغر من النصف. وهى خماسيّة المراتب ، سباعيّة الحروف ؛ عدد درجتها زوج الفرد ، وهو العدد التامّ في دور الآحاد ، أعني السّتة ؛ وهي مسطّح «ب» في «ج» ، وأوّل الاعداد التامّة والعدد الدائر المستدير ، ولكن غير تامّ الاستدارة ، مزاجها الحاصل من أجزائها

__________________

(١) راجع : «التوحيد» ، ص ٨٩ ح ٢.

(٢) منهم : العلامة الخفرى في تفسيره آية الكرسى ، وكأنّه شرح لرسالة «النيروزية» للشيخ الرئيس.

(نورى) أيضا راجع : «الجذوات» ، ص ١٢٤ ـ ١٢٥ نقلا من الخفري.

(٣) اقتباس من سورة الاعراف ، ٥٤ : «ألا له الخلق والأمر».

(٤) النجم ، ٣١.

٨٤

العادة نفس مرتبتها بعينها ، وعدد دقيقتها عدد درجة ما بعدها ، وهو العدد الكامل ، أعني السبعة الّتي هي فرد أوّل والنهاية الثانية العدديّة ، وعدد مجموع مراتبها أيضا فرد أوّل.

فلهذه الخاصيّات والمناسبات ساهمت الباء في كونها أيضا حرف العقل الأوّل ، بل جملة عالم العقل ، ولكن لا بما هو هو بحسب جوهر الذات ، بل من حيث الاضافة الى ما دونه من الطبقات ، والإشراق على سائر العوالم من السافلات.

[ز] :

والزاى : درجتها بحسب العدد مساوية لدقيقة حرف عالم العقل ، أعني الواو ، ومضاهية ل «ج» فى كونها فردا أوّل ، ومزاجها «ا» وهي النهاية الثانية للعدد ، والعدد الكامل مقوّمها العدد التامّ في الآحاد ، وكمالها الظهوري العدد التامّ في العشرات ، وكما حرف عالم العقل اصطادتا درجة «ا» في مرتبة الدقيقة ، فكذلك هي أيضا.

وهي ثنويّة الدقيقة عند قوم ووحدانيّها عند آخرين. ومراتب الأبطن على الأوّل أربع وأخيرتها الثالثة ، وعلى الثاني خمس وأخيرتها الرابعة ، ولكن حروف المراتب ستّة بعدد «و» اتفاقا ، وعندها يتحصّل من جمع الدرجات ثاني الأعداد التامّة ، أعني الثمانية والعشرين ، وذلك عدد الحروف وعدد منازل القمر.

فمن هذه الجهات جعلت مساهمة للجيم في كونها حرف عالم النفس ، لا بحسب جواهر الذات من حيث هي هي ، بل بما اخذت مضافة إلى جملة مالها عليه سلطان [الف ـ ٥٠] التدبير والتأثير من سائر الطبقات والعوالم.

[ح] :

والحاء : عدد درجتها الثمانية ، زوج الزوج الثاني ومسطّح «ب» ، الزوج الأوّل في «د» زوج الزوج الأوّل ؛ ومزاجها درجة الزاى كما مزاج «د» درجة الجيم ، وهي آخر مدارات الدور الثاني كما «د» آخر مدارات الدور الأوّل ؛ واتّصلت بدرجة «ا» في مرتبة الدقيقة كما الباء. ومراتبها خمس ، وحروفها ستّة ، وجمع الدرجات إليها مربّع حرف

٨٥

عالم العقل من حيث الإضافة ، أى أوّل الأعداد التامّة وضعت لأن تكون في ازاء عالم الطبائع والصور النوعيّة ، وجعلت حرف الطبيعة الجوهريّة الّتي هي آخر القوى الفعّالة ، ولكن بما هي هي ـ كما «د» ـ بل لمّا لوحظت مضافة إلى ما يجرى لها عليه الحكم بالولاية والتصرّف.

[ط] :

والطاء : بحسب الطباع أوّل المدارات الأربعة في الدور الثالث من الأدوار السبعة ، وبحسب الأدوار الثلاثة العدديّة آخر المدارات التسعة في دور الآحاد ، خماسيّة المراتب سداسيّة أجزاء المراتب. عدد درجتها النهاية الثالثة العدديّة ، وهي التسعة المتحصّلة من جمع «ب» و «ز» ، أو «ج» و «و» ، أو «د» و «ه». عدد ناقص ولها جزءان عادّان ، مزاجها منهما (١) ، «د» حرف عالم الطبيعة لا من حيث الإضافة.

وهي أخيرة امّهات الحروف وآخر اصول الأعداد ، كما الهيولى جوهر ذاتها أخيرة مراتب السلسلة البدئيّة ، ومتقوّمة الذات بالصورتين الجوهريّتين الجسميّة والنوعيّة ، المستتبّ بهما وجود الطبيعة الجوهريّة [ب ـ ٥٠] وعندها يتحصّل من الكمال الظهورىّ ، أى من جمع الدرجات المساوق لضرب «ه» في «ط» عدد اسم أوّل الأشخاص البشريّه آدم ـ عليه‌السلام ـ والتكسير المساحيّ لسطح (٢) أوّل الأوفاق العدديّة ، وليس حقيقة الوفق إلّا انحفاظ وحدة مرتبة عدديّة بعينها في كلّ ضلع وقطر مع اختلاف التطوّرات ، وتخالف مراتب الأعداد في بيوت الأضلاع والأقطار للسلح على محاذات انحفاظ الوحدة الشخصيّة المبهمة لهيولى عالم العنصريّ في مراتب اختلافات اتّصالات والانفصالات والتبدّلات والانقلابات في صورها الجوهريّة الشخصيّة وو النوعيّة ، كما الحركة التوسطيّة لمتحرّك شخصيّ بعينه واحدة وحدة شخصيّة مبهمة بالقياس الى الأكوان في الحدود الوسطيّة ، منحفظة بشخصيّتها في جميع تلك الحدود.

__________________

(١) كذا.

(٢) خ : يسطح.

٨٦

فلا جرم من جهة هذه الخواصّ والمناسبات جعلت الطاء حرف الهيولى ، ووضعت لعالم الهيوليات ، واذ لا يتصحّح للهيولى وجود بالإضافة إلى شيء تحتها ، فلا يصحّ لها حرفان ؛ فإذن فكما ينجذّ (١) عندها ترتيب الوجود فكذلك تنفذ عند «ط» رتبة الآحاد ، ويتبدأ من بعدها دور العقود ورتبة العشرات.

[ى] :

والياء : أوّل مدارات ثاني الأدوار الثلاثة العدديّة ، وثاني المدارات بحسب الطباع في ثالث الأدوار السبعة [الف ـ ٥١] الحرفيّة ، عدد درجتها العشرة ، أوّل عقود العشرات وجذر أوّل عقود المآت ، ونهاية نهايات العدد ، والنهاية الرابعة الّتي هى النهاية الأخيرة ، والمرتبة الجامعة ينتهي عندها دور العدد ، ثمّ يعود الى الواحد ، وهي منتهي بسائط الأعداد وآخر مفرداتها ، ثمّ منها بداءة التركيب ، فيضمّ اليها الواحد ، ويقال أحد عشر ، وذلك عدد مجموع مرتبتيها الدرجة والدقيقة ، وأوّل الأعداد المركّبة ، والفرد الاوّل في المركّبات. ومزاج العشرة من أجزائها العادّة حرف الطبيعة من حيث اضافة التصرّف والتأثير أعني «ح».

وتحصّلها من تعشير «ا» ومن جمع «ج» و «ز» حرفى النفس بالاعتبارين ، وكذلك من جمع «ب» ـ حرف العقل بما هو هو ـ و «ح» حرف الطبيعة بما هي مضافة ، وكذلك من «و» ـ حرف العقل بما هو مضاف ـ و «د» حرف الطبيعة (٢) بما هي هي ، وكذلك من ضرب «ه» حرف الباري سبحانه من حيث إضافة الإبداع والإيجاد في «ب» حرف العقل بما هو هو. فلذلك كلّه جعلت «ى» حرف الإبداع ودلّ بها على اضافة الأوّل الحقّ تعالى سلطانه إلى العقل بما هو ذات ، لا بما هو مضاف إلى ما بعده ، بل إلى عالم العقل كلّه من حيث هو هو.

__________________

(١) ينجذّ : ينكسر ، ينقطع.

(٢) خ : ودخول الطبيعة.

٨٧

هذا ما ذهب اليه شريكنا السالف (١) وقلّده فيه الأتباع والمقلّدون ، [ب ـ ٥١] وعندي أنّ هذا المذهب ليس برصين (٢) وأنّ عيار سبيكته (٣) غير وزين ولا رزين (٤) ، والصراط السوىّ هو : أنّ «ا» لمّا كانت مرتبتها الواحد بالعدد الذي هو مبدأ الأعداد والوحدة العدديّة الّتي من تكرّرها تحصل حقيقة الكثرة ، والبارئ الواحد الحقّ سبحانه متعالى العزّ والجلال عن أن يوصف ذاته الحقّه الأحديّة بوحدة عدديّة ، بل الوحدة العدديّة قصاراها أنّها ظلّ الوحدة الحقّة الحقيقيّة.

فاذا «ا» انّما رتبتها أن يدلّ بها على القيّوم الحقّ بحسب مرتبة جاعليّة الحقيقيّة سبحانه ، وأمره الابداعيّ جلّ سلطانه بما أنّ نفس مرتبة ذاته القيّوميّة الوجوبيّة يلزمها وينبعث عنها ذلك ، لا من حيث اعتبار النسبة الى ما يصدر عن ذاته بذاته ويترتّب على محوضة أمره وصرافة ابداعه ، أعنى جوهر الذات الّتي هي أجمل مبدعاته وأوّل [الف ـ ٥١] مجعولاته.

ثمّ «ه» اذ أنّها على ما قد تعرّفت من الجهات والحيثيّات وتشكّل صورتها الرقميّة من تطوّر «ا» على صورة القطر وقوسين متّصلتين هما نصفا الدائرة عن جنبتيها اليمين والشمال ، وصورة رقمها العددي عند الحكماء على هيئة قوسين مرسومتين على «ا» في جهتى العلو والسفل ، فلوحظت بما هي كذلك وجعلت حرف إفاضة الذوات وايجاد الممكنات ، فدلّ بها على أمر الإفاضيّ والجاعليّة والايجاديّة ـ أى النفس الرحماني والقول الفعّالي ـ على الضروب الأربعة : الابداع والاختراع والصنع والتكوين بالنسبة الى عالمى الأمر والخلق بما فيها من المراتب الخمس في السلسلة البدئيّة ، والمراتب الخمس فى السلسلة العوديّة جميعا بالنّظر الى نفس ذات الباري الفاطر على الاطلاق ، اذ

__________________

(١) لقد فصّل القول فيه الشريك الرئيس فى النيروزيّة فى فصلين ، وبنى عليه بعض أعلام المتأخرين من المقلّدين في رسالة تفسير آية الكرسى. (منه).

وهو العلامة الخفرى كما صرّح به في «الجذوات». (النورى)

(٢) رصين : محكم ، ثابت.

(٣) السبيكة : القطعة من فضّة أو ذهب ذوبت وأفرغت في قالب.

(٤) الرزين : الأصيل الرأى.

٨٨

سجيّة الفيض العام والجود الشامل وسنّته الرحمة الواسعة ، وبالنظر الى ذوات المفطورات وهويّات المجعولات بأسرها ، اذ مستدعاة ماهياتها ومبتغاة حقائقها بحسب فقر جوهر الذات وليسيّة طباع الامكان أن تستند الى الجاعل القيّوم الواجب بالذات جلّ ذكره بتّة.

و «ب» حيث لوحظت بما لها من الخصوصيّات جعلت حرف العقل الاوّل بل حرف عالم العقل بما له من الجهات بحسب جوهر الحقيقة وبحسب الاستناد الى صقع جنب الربوبيّة ، والاستفادة والاستضاءة من شعاع نوره.

ثمّ «و» أيضا دلّ بها [ب ـ ٥٢] على عالم العقل ، وجعلت حرف ما يترتّب على الابداع ، وينبعث عن محوضة الأمر الابداعي ، ولكن لا بحسب نفس جوهر الحقيقة بما هي هي ، ولا باعتبار النظر الى طوار الجناب الاعلى ، بل بحسب الاضافة الى الجنبة السافلة بالتأثير فيها. والاشراق عليها باذن الله سبحانه من تلقاء الفعليّة المستفاده من فعّاليّته والشعاع المقتبس من نوره ، وهو أوّل ماله الوجوبان ـ السابق واللّاحق ـ بالاستناد إلى ابداعه ، فمن حيث لحاظ اختلاف الجهتين اختلف رقما (٢) و (٦) عند الحكماء في جهتى اليمين والشمال على التعاكس.

ومن الأقاويل المشهورة عندهم أنّ «و» جعلت حرف عالم العقل لما أنّ للعقل الأوّل في حدّ ذاته ستّ حيثيّات تلزم ذاته المتقرّرة بالفعل الماهية والإنّية والجواز الذاتي ، والوجوب بالغير وتعقّل ذاته عقلا حضوريّا وتعقّل ذات الجاعل بقدر الامكان.

فمنهم من أرجعها الى حيثيّات ثلاث ، ومنهم من أرجعها الى حيثيّتين ؛ والتحقيق أنّ الحيثيّات اللازمة لذاته الصادرة بالفعل اثنتا عشرة حيثيّة مضمّنة في تلك الحيثيّات.

وكذلك «ج» و «ز» حرفان لعالم النفوس ، أعني الطبقة الاخيرة من عالم الأمر بحسب الاعتبارين ، وكذلك «د» و «ح» كلاهما لعالم الطبائع من ذينك الاعتبارين ، واختلاف رقمى النفس والطبيعة أعنى (٧) و (٨) في جهتى العلو والسفل على التعاكس [الف ـ ٥٣] لكون عالم النفس فوق عالم الطبيعة.

و «ط» حرف عالم الهيوليات ، آخر السلسلة البدويّة وحامل القوّة الانفعاليّة ،

٨٩

ومحلّ الامكانات الاستعداديّة لما أنّها مربع «ج» ، وتحصّلها من «ا» حرف الأمر الابداعي.

و «ح» حرف الطبيعة ، وكذلك من «ه» و «د» وأيضا معشوقها ومزاجها «د» ، وفضل درجتها على مزاجها «ه» ومقوّمها «ح» ، وهي آخر اصول الأعداد ورقمها (٩) منتهى صور الأرقام.

فأمّا «ي» فحيث أنّها المرتبة الجامعة والنهاية الرابعة وتحصّلها من تعشير «ا» ومن تضعيف «ه» ، وهما حرفا الأمر الابداعيّ والفيض الفعّالي ، ومن جمع «ا» حرف فيّاضيّة القوّة الفعّاليّة الغير المتناهية إلى لا نهاية ، و «ط» حرف حامل القوّة الانفعاليّة الاستعداديّة لا الى نهاية ، وكذلك من جمع حرف العقل وحرف الطبيعة ومن جمع حرفى النفس ومن تخميس حرف العقل ؛ ومزاجها حرف الطبيعة ، وفضل درجتها على مزاجها حرف العقل. فمن المستبين الباتّ ، والمنصرح الصراح أنّ المدلول عليه بها :

[١] : إمّا نسبة الأمر الابداعيّ التامّ والفعّاليّة الايجاديّة المطلقة للمبدع الخلّاق الفعّال على الاطلاق ـ تعالى سلطانه ـ بالاضافة الى نظام الوجود كلّه من صدر البدء الى ساقة العود ، ومن اوّل الآزال الى أقصى الآباد.

[٢] : وإمّا متعلّق هذا الأمر المترتّب عليه المنبعث عنه ، وهو الانسان الكبير الّذي هو الشخص الجملي لنظام عوالم الوجود بأسرها ، وحفيلتها المتحصّل من السلسلتين البدئيّة والعوديّة ، والمراتب الخمس في كلّ منهما بأصيلتها وفصيلتها.

فهذا الشخص الجمليّ والانسان الكلّي مبدع محض ، جاعله التّام مبدعه القيّوم ، وعلّته التامّة عنايته الأولى لا يتصوّر بالنسبة اليه الاختراع ، فضلا عن التكوين ، كما الأمر في أوّل أجزائه وأفضل أعضائه «ا» ، فكيف يعقل أن يكون مجموع ما سوى الله الواحد الحقّ متوقّفا على أمر ما غير ذاته الاحديّة وجاعليّته الابداعية!؟

وما تمسّك به أنّها من ضرب «ه» في «ب» إنّما يظهر جدواه في المسألة الغامضة المعبّر عنها بقولهم [الف ـ ٥٤] «العدد عقل متحرّك» ، وفي كتاب النفس من طبيعيّات

٩٠

«الشفاء» : «النفس عدد متحرّك». (١) وسنلقيها عليك من ذى قبل ان شاء الله العزيز عند بسط القول في تحقيق أمر القلم لا في كونها موضوعة للدلالة بها على اضافة الأوّل الى العقل بالابداع ؛ فليتعرّف وليتبصّر!

لحاقة واستتمام

ثمّ انّه قال (٢) في هذا الفصل بعد ما ذكر : «ولا يصحّ لإضافته الباري أو العقل إلى النفس ، [اذ ليس] عدد يدلّ عليه بحرف واحد ؛ لأنّ «ه» في «ج» «يه» و «و» في «ج» «يح» ، ويكون للأمر وهو من إضافة الأوّل إلى العقل مضافا «ل» ، وهو من ضرب «ه» في «و» ويكون الخلق ، وهو من اضافة الأوّل إلى الطبيعة مضافة «م» ، لأنّه من ضرب «ه» في «ح» ؛ لأنّ الحاء دلالة الطبيعة مضافة ، ويكون التكوين وهو من اضافة الباري إلى الطبيعة ، وهي ذات مدلولا عليه بالكاف ، لأنّه من ضرب «ه» في «د» ، ويكون جمع نسبتى الخلق والأمر ، أعني ترتيب الخلق بواسطة الأمر ، أعني اللام والميم مدلولا عليه بحرف «ع» ، وجمع نسبتى الخلق والتكوين ـ أعني [ب ـ ٥٤] الميم والكاف ـ مدلولا عليه بالسين ، ويكون مجموع نسبتى طرفى الوجود ـ أعني اللّام والكاف ـ مدلولا عليه بالنون ، ويكون جمع نسب الأمر والخلق والتكوين ـ أعني «ل» ، «م» ، «ك» ـ مدلولا عليه ب «ص». ويكون اشتمال الجملة في الابداع ، أعني «ى» في نفسه «ق» ، وهو أيضا من جمع «ص» ؛ و «ى» ويكون ردّها إلى الأوّل الّذي هو مبدأ الكلّ ومنتهاه على أنّه أوّل وآخر ، أعني فاعل وغاية ، كما بيّن في الإلهيّات مدلولا عليه بالراء ضعف «ق». وذلك غرضنا في هذا الفصل (٣).» انتهى كلامه.

وهذه المقالة أيضا ليست بالمركون اليها عندي بجملتها ، بل أنّ الأمر فيها متشابك. والذي تثلج به النفس ، ويستنيم اليه الفؤاد في تامّل أدقّ ونظر أبلغ هو : أنّ «ك» من ضرب

__________________

(١) طبيعيات «الشفاء» ، الفن السادس ، المقالة الاولى ، الفصل الثاني ، ص ٢٨٣ ، ط الحجرى.

(٢) أى : شيخ الرئيس في «رسالة النيروزيّة».

(٣) راجع : «النيروزية» ، ص ٩٥ ، مع اختلاف يسير.

٩١

«هـ» حرف الأمر الفيّاضيّ الفعّاليّ من حيث نسبة الباري سبحانه إلى ما سواه بالمبدئيّه والافاضة في «د» حرف الطبيعة بما هي ذات لا بما هي مضافة ، ومزاج «ط» حرف [الف ـ ٥٥] الهيولى بما هي ذات وبما هي الحامل للقوّة الانفعاليّة. واوّل مدارات العدد الزائد في عقود دور العشرات ؛ اجزاؤه العادّه انّما هي من البسائط الأصول والمفردات «ا» و «ب» و «د» و «ه» و «ى» ، ومزاجه «كب» من المركّبات ، ومزاج «كب» ـ وهو من الأعداد الناقصة ـ «يد» ، ومزاج «يد» من أجزائه العادّة من البسائط ـ وهي : «ا» و «ب» و «ز» ومزاج «ى» ـ «ح» ، حرف الطبيعة بما هي مضافة ، فقد اندمج في تحصّل «ك» حرفا الطبيعة من سبيلين.

فاذا المدلول عليه بالكاف :

[١] : إمّا هو التكوين بخصوصه ، أى الأمر الايجادي التكويني المتعلّق بعالم الطبيعة من حيث اضافة البارى سبحانه الى الطبيعة بكلا الاعتبارين جميعا.

[٢] : وامّا متعلّق هذا الأمر المنبعث عنه ، أعني مكوّنات عالم الخلق وكائنات إقليم الصنع مركّبات سلسلة العود بزمرها واضاميمها قاطبة ؛ وفي ذلك آية بيّنة لذو العقول الصريحة.

إنّ تاثيرات الطبائع وافاعليها إنّما هي باذن الله سبحانه ، وأنّ الايجاد [ب ـ ٥٥] الافاضة على الاطلاق لا يكون الّا من تلقاء فيّاضيّته ومن سلطان فعّاليّته ، وقد نصّ على ذلك معلّم مشائيّه يونان ارسطوطاليس ومن من شيعته وفي حزبه.

[ل] :

و «ل» من ضرب «ه» في «و» ، ومن تعشير «ج» ، وهي معراج درجة «ج» في صعود المرتبة ، منزلة درجتها في دور عقود العشرات منزلة «ج» في دور مراتب الآحاد ، وروحانيّتها عدد زائد ، مزاجه مجموع «ك» ومزاجه ، وفضل المزاج على ذي المزاج أوّل الأعداد الزائدة ، وعلاقة الارتباط لها بالنسبة إلى «ا» متكرّرة من الطرفين ، فاولى طبقتى دقيقة اللام «ا» و «ل» متّصلة الكينونة بها ، وأولى طبقتى دقيقة الألف «ل» و «ا» منفصلة

٩٢

الذات عنها.

ومن هذه المنزلة كانت مقمنة (١) أن دلّ بها تارة على الأمر الابداعيّ واضافة الباري القيّوم الى كلّ عالم الأمر بخصوصه بالفاعليّة والغائيّة والمبدئيّة والمعاديّة ، وأخرى لمجعول هذا الابداع. ومتعلّق هذه الإضافة أعني مجموع عالم الأمر وجميع مراتب الامريّات وهويّات الابداعيّات الشواهق [الف ـ ٥٦] والعوالى من العقول والنفوس بأسرها في وجودها وتماميّتها ، وبدؤها وعودها وذاتها وفعلها بما هي ملحوضة الاستناد في تلك الجهات والاعتبارات الى بارئها الحقّ سبحانه فيلحظ أنّ افاعيل العقول الفعّالة وتأثيرات النفوس المدبّرة بأمر فعّاليّته وصنع تدبيره.

ومن هناك اعتبر تكرير اللام بين الألف والهاء في جهتى الأوّل والآخر ، فصار «الله» علما للذات القيّوميّة الفعّالة الحقّة الأحديّة ، وكان تركيب (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) (٢) كلمة التوحيد من هذه الحروف لا غير.

[م] :

و «م» بحسب الطباع أوّل الدور الرابع من الأدوار السبعة ، وبحسب الرتبة في الأدوار الثلاثة العدديّة المدار الرابع من مدارات دور العشرات ، منزلتها في دور عقود العشرات منزلة «د» في دور مراتب الآحاد ، والعلاقة بينها وبين «ا» متكرّرة من الطرفين فثانية «م» ، «ا» ؛ وفي ثانية «ا» ، «م» ؛ وهي من الحروف الثلاثة الدائرة التامّة الاستدارة تكرّرت درجتها في الدقيقة ، وعددها عقد الأربعين زوج الفرد البالغ تمام نصاب الكمال ، وهو عدد زائد مزاجه من أجزائه العادّة عدد درجة «ن» ، أى عقد الخمسين. وقد تكرّر أيضا في مرتبة الدقيقة أعني [ب ـ ٥٦] «يم» ومجموع مرتبتى درجتها ودقيقها عقد التسعين ، نصاب كمال درجة «ط» ، وكون درجتها متحصّلة من ضرب «ه» في «ح» ، ومن

__________________

(١) مقمنة : مخلقة.

(٢) محمّد ، ١٩.

٩٣

ضرب «د» في «ى» و «ح» و «د» هما حرفا الطبيعة غير مجد (١) طائلا في جعلها حرف الخلق كما أسّسه.

أليست هي معراج كمال حرف الطبيعة ، والطبيعة جوهر سار في الجسم ، هو المبدأ القريب لأفاعيل محلّها الذاتيّة؟ فعروجها في الكمال انسلاخها عن نذالة (٢) الجسمانيّة وسفالة الهيولانيّة ، واعتلاؤها بقوّة الإحاطة الروحانيّة واستعلاؤها بسلطان الاستيلاء العقلانيّ.

ولذلك كان من الاصطلاح الشائع عند الحكماء الراسخين اطلاق الطبيعة المدبّرة الجزئيّة على النفس الناطقة المجرّدة ، واطلاق الطبيعة الكلّيّة على العقول المفارقة الفعالة ، واطلاق الطبيعة الفعّالة الكلّية الحقيقيّة على مدبّر نظام الكلّ وممسكه وحافظه ومقيمه ، أعنى العناية الاولى الإلهيّة ، ولقد اتّخذ هذا الاصطلاح في «الشفاء» (٣) أساسا بنى عليه في الإلهيّات ، وفي الطبيعيّات وفي كتاب البرهان وعندهم أنّ كلّ ما في العالم فهو طبيعيّ بالنظر الى النظام الجمليّ الكلّي وان كان غير طبيعىّ بالنسبة [الف ـ ٥٧] الى النظامات الجزئيّة الشخصيّة ، وقد بسط القول فيه التلميذ (٤) في «التحصيل».

فإذن الحقّ أن يقال : الميم حرف المبدئيّة والمعاديّة ، والأوّليّة والآخريّة ، والفاعلية والغائيّة ، فتارة يدلّ بها على الأمر الابداعيّ من حيث الفاعليّة والغائيّة ، والقيّوميّة الاحاطيّة من حيث الأوليّة والآخريّة ، والمبدئيّة والمعاديّة بالاضافة الى الأنوار القاهرة العقليّة والذوات الامريّة النفسيّة ، والعقول المفارقة الّتي هي الطبائع المجرّدة المستخدمة للطبائع الجسمانيّة ، ويقال لها : «ارباب الانواع».

وتارة اخرى على مرتدفات (٥) هذه الأمر ومتعلّقات هذه الاضافة بحسب منشئها في البدء ، ومصيرها فى العود :

__________________

(١) مجد : نافع.

(٢) نذالة : حساسة ، حقارة.

(٣) راجع : «الشفاء» ، طبيعيات ، الفن الأوّل ، المقالة الاولى ، فصل ٧ ، الطبع الحجرى ، ص ١٦ ـ ١٧.

(٤) أى : بهمنيار. راجع : «التحصيل» ، ص ٦٦١ ـ ٦٦٢.

(٥) مرتدفات : متابعات.

٩٤

[١] : فإمّا أن يكون «م» الدرجة ميم المبدئيّة ، و «م» الدقيقة ميم المعاديّة ، و «ى» المتوسّطة بمنزلة القلب لكمال جامعيّة المرتبة الجامعة للبداءة والنهاية.

[٢] : وإمّا أن يكون «م» الدرجة ميم الملكوت الأعلى ، و «م» الدقيقة ميم الملكوت الأدنى لكون النفس خليفة العقل ، و «ى» الواسطة اشارة الى استجماع جميع الشؤون ، والاشتمال على جميع الصور.

ولا يبعد أن يجعل الميمان للملكوت الأعلى ، كفاية على أنّ النفس القدسيّة الناطقة البشريّة عند استتمام مرتبة العقل المستفاد واستكمال نصاب التألّه والتقدّس ومهاجرة اقليم الحسّ ومرافضة عالم الهيولى ـ الّتي هي بالحقيقة [ب ـ ٥٧] القرية الظالم أهلها (١) تنسلخ عن عوارض (٢) النفسيّة ، وتستحقّ اسم العقل الناصع (٣) وتنخرط في سلك الملكوت الأعلى ؛ وتكون مثابتها في آخر السلسلة العوديّة مثابة العقل في أوّل السلسلة البدئيّة ؛ فاذن كما كان العقل أولى المراتب في سلسلة البدء يعود ، فيصير في سلسلة العود أخيرة المراتب ، فيتكرّر الملكوت الأعلى في دائرة الوجود في النظام الجمليّ أوّلا وآخرا ، كما حرف الميم في الدائرة الحرفيّة.

ومن الحكماء من جعل «م» الدرجة ميم المجرّدات ، أعني مطلق عالم الملكوت جملة ، وميم الدقيقة ميم الماديّات جميعا ، أعني عالم الملك على الاطلاق لكون عالم الملك فرع عالم الملكوت ، و «ي» الواسطة :

[١] : إمّا العالم المثاليّ الذي هو عالم البرزخ المتوسّط بين المجرّد والمادي.

[٢] : وإمّا اشارة الى المراتب العشر البدويّة والعوديّة ، أو الى جامعيّة القوّة الفعّالة الجامعة للصور من حيث الإفاضة والتفعيل ، وجامعيّة القوّة المنفعلة الجامعة من حيث الحامليّة والانفعال.

__________________

(١) اقتباس من النساء ، ٧٥ : «ربّنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها».

(٢) كذا.

(٣) الناصع : الخالص الصافي.

٩٥

[ن] :

و «ن» منزلتها في دور عقود العشرات منزلة «ه» في دور الآحاد ، وهي من الحروف الدائرة ، روحانيّتها عقد الخمسين عدد جملة الحروف والنقاط ، وكمالها الظهوريّ بحسب مبدأ دور العقود الوفق العيسويّ ، كما «ه» كمالها الظهوريّ بحسب مبدأ دور الآحاد الوفق الآدميّ ، ومراتبها ستّ ، الخامسة أخيرتها ، وحروف مراتبها ثمانية وعددها مضروب «ه» في «ى» ، وهو المتحصّل من جمع النسبتين التكوينيّة الخلقيّة والإبداعيّة الأمريّة ، أعنى «ك» و «ل» ، [الف ـ ٥٨] وهما طرفا نظام الوجود ، فاذا هي محقوقة بأن تكون لدائرة عوالم الامكان ، ويدلّ بها على كتاب نظام الوجود.

«ن» الأولى قوس الدرجة للامكان الذاتي ، و «ن» الأخيرة قوس الدقيقة للامكان الاستعدادي ، و «و» في الوسط بمنزلة المركز للوجوب بالغير ، كما في الدائرة الواويّة الحاشيتان للوجوبين السابق واللاحق ، والواسطه للأمر ـ أى الابداع والايجاد ـ فالامكان الاستعداديّ وصف للمادّة ، قائم بها ، ومتأخّر عن وجودها ؛ والامكان الذاتيّ من المراتب السابقة ، فهو قبل مرتبة الوجوب قبليّة بالذات في لحاظ العقل ، ولكنّه غير منسلخ عن مقارنة الوجود والوجوب بحسب نفس الأمر ؛ لأنّه وان كان سلبا بسيطا لطرفى الذات الّا أنّه ليسيّة الذات المتقرّرة من حيث نفس الذات حين ما هي متقرّرة من تلقاء الجاعل ، ولذلك كان بالقوّة أشبه منه بالعدم ، وكان له تعلّق ما بالجاعل من تلك الحيثيّة بالعرض.

وربّما قيل النونان لسلسلتى البدو والعود ؛ أو للعالمين الأعلى والأسفل ، أو للأمرين التكويني الايجادي والتدوينى التشريعيّ. والواو كناية عن الوجوب بالغير أو اشارة إلى أنّ النظام تامّ لا يتصوّر أتمّ منه.

[س] :

والسين دائرة حكميّة روحانيّة ، متساوية الدرجة والدقيقة بحسب العدد ، عدد

٩٦

درجتها في عقود العشرات نصاب كمال أوّل الأعداد التامّة في مراتب الآحاد ، وقد تكرّر في مرتبة الدقيقة ، وهو عدد زائد ، مزاجه من أجزائه العادّة مائة وثمانية ، وهي خماسيّة المراتب ، أخيرتها الرابعة ، وحروفها ثمانية وقد [ب ـ ٥٨] جعلت حرف حقيقة الانسان ومرتبة الحقيقة المحمديّة (١) من وجوه :

الأوّل : أنّها من جمع «ك» حرف عالم الملك و «م» حرف عالم الملكوت ، وكذلك الانسان مؤتلف الحقيقة من جوهرين ، أحدهما : البدن المتحرك الهيولاني ـ وهو خلاصة مكوّنات عالم الملك ـ والآخر : النفس الناطقة الملكوتية ، وهي سلالة مبدعات عالم الملكوت.

الثاني : انّها مجموع «ن» ـ حرف عوالم الامكان بجملتها ـ و «ى» المراتب العشر البدئيّة والعوديّة الّتي هي قطر دائرة نظام الوجود ، والانسان أيضا وهو العالم الصغير بحقيقته الجامعة ، وبمرتبة عقله المستفاد من مراتب نفسه المتقدسة المتألّهة نسخة الهيّة مطابقة لكتاب الله المبين الذي هو العالم الكبير ، أعني جملة العوالم بنظامها الجمليّ من الفاتحة إلى الساقة.

الثالث : أنّها بحسب درجتها في العالم الحرفي عدد زائد ، متحصّل من ضرب «ب» في «ل» ومن ضرب «و» في «ي» ومن ضرب «ج» في «ك». مزاجه مائة وثمانية ، فضل المزاج على ذى المزاج عدد صور الثوابت المرصودة ، وتضعيفه أعني مجموع مرتبتي الدرجة والدقيقة مائة وعشرون. حاصل التضعيف أيضا عدد زائد ، مزاجه ضعفه أى مائتان وأربعون ، وأيضا هو نصاب استكمال العدد التامّ وهو الستّة ، وأيضا هو أقلّ عدد يتصحّح منه أكثر الكسور التسعة ، ولهذه الفضيلة اعتبر المخرج الستّينى في طبقات العلوم التعليميّة ، وكان وتر قوس سدس الدور مساويا لنصف القطر ، والجيب الموضوع لنصف سدس الدور مساويا لقوسه [الف ـ ٥٩].

وكذلك الانسان بحسب درجة جوهر الجسديّ وروحه البخاريّ ـ وهو الجنبة

__________________

(١) حرف مرتبة الحقيقة المحمديّة ، هو حرف مزاج السين ، يوازى هو حقّ مائة وثمانية (كذا) ، ذلك وهو الحقّ المخلوق به الأشياء ، فالحقّ الاضافي الأمري (كذا) ، وكلمة «كن» مطلقا. (نورى)

٩٧

السافلة من الحقيقة الانسانيّة ـ قد انمازه (١) عن أنواع عالم المكوّنات بحمائم (٢) المزايا وكرائم النعم ، واختصّ من بينها بلطائف البدايع وغرائب الحكم ، فجماهير الأطباء والمشرّحين أدركوا في تشريح بدن الانسان خمسة آلاف من المنافع والمصالح والغايات والفوائد ، وعدّدوها تعديدا وفصّلوها تفصيلا ، مع أنّ بضاعة قوّة الادراك البشريّ من المعرفة مزجاة ، وما اوتوا من العلم الّا قليلا (٣).

ومن المستبين أنّ جنبته العالية وطبقته الأعلى ـ أعنى النفس المجرّدة الملكوتيّة الّتي هي من تمامة اقليم القدس وقبّة أرض عالم العقل ـ أوسع وأتمّ بمراتب غير محصاة ودرجات غير محصورة ، كما قال معلّم المشّائين أرسطوطاليس (٤) في «اثولوجيا» (٥) النفس ليست في البدن ، بل البدن في النفس ؛ لأنّها أوسع منه. ومن أراد أن ينظر الى صورة نفسه المجرّدة فليجعل من الحكمة مرآة.

الرابع : أنّ السين أعني المائة والعشرين عدد ثلث الدور وقطر الدائرة بثلاث نقط من فوق ، تبلغ مرتبة الشين المعجمة ، أعنى الثلاثمائة والستّين ، عدد محيط الدائرة التامّة بدرجتها ، وكذلك النفس العاقلة الانسانيّة المفطور جوهر ذاتها [ب ـ ٥٩] في الفطرة الأولى على مرتبة العقل المنفعل الهيولائي تستكمل في الفطرة الثانية مراتبها الثلاث : العقل بالملكة ، والعقل بالفعل ، والعقل المستفاد بالاستفادة والاستشراق من العالم الأعلى ، فاذا بلغت فى الاستكمال النصاب الأعلى والمرتبة القصيا ، صارت عالما قدسيّا عقليّا مضاهيا للعالم الجملىّ الوجودىّ ، ومن حكم التنزيل الحكيم قول الكريم سبحانه : (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ) (٦) على الاضافة إلى الفاعل ، أى رفيع درجاته ، لا رافع للدرجات ، وعدد رفيع «شين» أى والستّون.

__________________

(١) انماز : تميّز.

(٢) حمائم : معظمات.

(٣) اقتباس من الاسراء ، ٨٥ : «وما اوتيتم من العلم الّا قليلا».

(٤) كذا ، فالحقّ : أنّ مؤلف هذه الرسالة ، الشيخ اليوناني ، فلوطين.

(٥) راجع : «اثولوجيا» ، الميمر الثالث في تحقيق منزلة النفس في البدن ص ٤٥.

(٦) غافر ، ١٥.

٩٨

الخامس : أنّ «س» كناية عن السويّة العدليّة والاستواء الاعتدالي ، والانسان مزاجه الجسمانيّ ـ لبدنه الهيولانيّ من تفاعل الصور النوعيّة وتكاسر الكيفيّات الفعليّة والانفعاليّة ـ أعدل الأمزجة الجسمانيّة وأفضلها وأقربها من الاعتدال الحقيقيّ ، ومزاجه العقلاني لنفسه المجرّدة ـ من تعادل أعراق الأخلاق القدسيّة وتقاوم اصول الملكات الملكوتيّة وتضاعف أشعّة الاشراقات العقليّة المنعكسة عليها من عالم الأنوار الفيّاضة ـ أعدل الأمزجة النورية وأبهاها ، وأقربها من النور الحقّ والبهاء [الف ـ ٦٠] الباهر.

وكما استقرّ جرم الارض في وسط عالم الأجسام ـ بتعادل أثقال الجوانب وتقاوم مدافعات الأطراف باذن الله سبحانه من دون عضادة الأساطين ودعامة الدعائم ـ فكذلك الانسان العارف المتقدّس المتألّه القائم بالقسط بجوهر نفسه الناطقة الّتي هى أرض زروع الحقائق ، وأمّ معادن الصور العلميّة والجواهر العقليّة ، فلذلك استواء تقاوم الأسماء والصفات وتعادل الأخلاق والملكات قارّ الاستقرار في وسط العالم العقليّ ، مستوى الوزن في كفّتى ميزان حقيقته الاستواء الاعتدالي والسويّة العدليّة بحسب استكمال نصاب كمال قوّتيه العاقلة والعاملة ، وكما قال اوميرس اليونانيّ «خير امور عالم الحسيّ وأعدلها ، أوسطها. وخير امور العالم العقليّ وأعدلها وأجملها وأفضلها ، أعلاها.» وفي الحديث عن باب مدينة العلم ودار مدين الحكمة مولانا امير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ : «كلّ شيء يعزّ ينزر ، والعلم يعزّ حيث يغزر (١)».

ثم من أسرار تطابق العوالم ما لا يزيغ عنه بصر المتبصّر العارف أنّه كما في الكتاب المبين الايجاديّ الابداعي المحتوي على رطب طباع الامكان ويابسه (٢) صدر بدء الفاتحة العقل وختم عود الساقة الانسان المتألّه المتقدّس الصائر بعقله المستفاد كتابا جامعا وعالما عقليا ، مرتبته فى الساقة مرتبة [ب ـ ٦٠] العقل الأوّل فى الصدر.

فكذلك في الكتاب الكريم الايحائي والمصحف المجيد التنزيلى على هذه السنّة ، حرف العقل أعني باء البسملة في الصدر ، وحرف الانسان أعني سين والناس في

__________________

(١) يغزر : يكثر.

(٢) اقتباس من الأنعام ، ٥٩ : «ولا رطب ولا يابس الّا في كتاب مبين».

٩٩

الساقة ليتطابق المصحفان الفعلي (١) والقولىّ فى الفاتحة والخاتمة.

ولهذا النمط من النظر ضرب من البسط على ذمّة «سدرة المنتهى» وكتاب «تأويل المقطّعات» يسّرنا الله سبحانه لإتمامها.

[ع] :

والعين منزلتها في دور العشرات منزلة الزاى في دور الآحاد ، روح درجتها معراج روح درجتها ، وهو عدد زائد ، فضل مزاجه عليه «د» ، وتحصّله من ضرب «ز» في «ى» ، ومن جمع «ى» و «س» ، ومن جمع «ك» و «ن» ، ومن جمع «ل» و «م» ، فعلى قياس ما دريت يكون عروج درجة حرف النفس بما هي مضافة مقتضاه الانسلاخ عن النفسيّة ، والارتقاء من مرتبتها إلى مرتبة العقل ، والصعود من درجة التدبير الجزئيّ الى درجة العناية الكلّيّة ، فتكون «ع» موضوعة [الف ـ ٦١].

تارة لخصوصيّة طبقة من طبقات عالم العقل ، وهي طبقة العقول المفارقة المدبّرة ، المتعلّقة بطبائع الانواع الجسمانيّة الّتي هي من الصور النوعيّة الجوهريّة المنطبعة في موادّها بمنزلة الأرواح من الاجساد ، وبمنزلة اولات الاظلال من الأشباح الجوهريّة بالقياس الى أظلالها يعبّر عنها ، ب «أرباب الانواع» و «مدبّرات الطبائع». نسبة كلّ منها في سلطان التصرّف وعناية التدبير بالقياس الى جملة أفراد النوع على العموم ، واستخدامه الصورة النوعيّة نسبة النفس المجرّدة إلى بدنها الشخصيّ بخصوصه في سلطانها عليه وعنايتها به وتدبيرها له ، واستخدامها طبيعته الجوهريّة وقواه الادراكيّة والتحريكيّة في جميع الأمور. فكما النخاع خليفة الدماغ ، والطبيعة الجزئيّة المنطبعة خليفة النفس المجردة الشخصيّة ، والنفس الملكوتيّة الأمريّة خليفة العقل الابداعيّ ، فكذلك الصورة النوعيّة الكليّة المنطبعة خليفة العقل المدبّر وطلسمه وظلّه ، وهو بالحقيقة الصورة النوعيّة المجرّدة.

__________________

(١) خ : العقلى.

١٠٠