تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - ج ٣٨

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

٣٦٤ ـ [محمود] (١) بن عبد العزيز.

شهاب الدّين الحامديّ ، الهرويّ ، وزير السّلطان رسلان ، ووزير أتابكه إلدكز.

توفّي في ربيع الأوّل من سنة ستّين. وكان من رجال الدّهر حزما ورأيا.

٣٦٥ ـ المظفّر بن هبة الله بن المظفّر.

أبو شجاع ابن المسلمة ، البغداديّ.

سمع : أبا القاسم بن بيان ، وشجاعا الذّهليّ.

روى عنه : يوسف بن الطّفيل الدّمشقيّ.

وتوفّي في رمضان.

 ـ حرف النون ـ

٣٦٦ ـ نصر بن إدريس (٢).

أبو عمرو الشّقوريّ (٣).

الرجل الصّالح ، قاضي شاطبة.

روى عن : أبي الحريز العاص ، ويونس بن مغيث.

ورّخه أبو عبد الله الأبّار.

 ـ حرف الهاء ـ

٣٦٧ ـ هبة الله بن صاعد بن هبة الله بن إبراهيم (٤).

__________________

(١) في الأصل بياض. والمستدرك من : الكامل في التاريخ ١١ / ٣٢١.

(٢) انظر عن (نصر بن إدريس) في : تكملة الصلة لابن الأبار.

(٣) الشّقوري : بفتح أوله ، وبعد الواو الساكنة راء ، نسبة إلى شقورة : مدينة بالأندلس شمالي مرسية. (معجم البلدان ٣ / ٣٥٥).

(٤) انظر عن (هبة الله بن صاعد) في : معجم الأدباء ١٩ / ٢٧٦ ـ ٢٨٢ وخريدة القصر (قسم العراق) ١ / ١٥٥ و ٢ / ٢٨١ ، وتاريخ الحكماء ١٤٤ ، وتاريخ مختصر الدول ٢٠٩ ، ٢١٠ ، وأخبار العلماء بأخبار الحكماء ٢٢٢ ـ ٢٢٤ ، وعيون الأنباء في طبقات الأطباء ١ / ٣٤٩ ـ ٣٧١ ، ووفيات الأعيان ٦ / ٦٩ ـ ٧٧ ، والمختصر في أخبار البشر ٣ / ٤٥ ، والعبر ٤ / ١٧٢ ،=

٣٢١

أمين الدّولة ، أبو الحسن ابن التّلميذ النّصرانيّ ، المسيحيّ ، البغداديّ ، شيخ الطّبّ. سقراط عصره ، وجالينوس زمانه ، شيخ النّصارى لعنهم الله وقسّيسهم.

ذكره العماد في «الخريدة» (١) وما بلغ في وصف هذا الخنزير ، ومن ما قاله : هو سلطان الحكماء ، ومقصد العالم في علم الطّبّ (٢).

وقال الموفّق أحمد بن أبي أصيبعة في تاريخه (٣) : ابن التّلميذ ، أوحد زمانه في صناعة الطّبّ ، ومباشرة أعمالها ، ويدلّ على ذلك ما هو مشهور من تصانيفه وحواشيه على الكتب الطّبّيّة ، وكان [ساعور] (٤) البيمارستان المعتضديّ ببغداد إلى حين وفاته.

__________________

= وسير أعلام النبلاء ٢٠ / ٣٥٤ رقم ٢٤٣ ، وصفحة ٤٢٣ في آخر الترجمة رقم ٢٨٠ ، والإعلام بوفيات الأعلام ٢٣١ ، ونزهة الأرواح (مخطوط) بالمجمع العلمي العراقي ، ورقة ٢٣٤ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ١٠٦ ، ١٠٧ ، ومرآة الجنان ٣ / ٣٤٤ ، والوافي بالوفيات (مخطوط) ٢٧ / ١١٥ ـ ١١٨ ، والبداية والنهاية ١٢ / ٢٥٠ ، وشذرات الذهب ٤ / ١٩٠ ، ١٩١ ، وهدية العارفين ٢ / ٥٠٥ ، وديوان الإسلام لابن الغزّي ٢ / ٤٥ ، ٤٦ رقم ٦٢٦ ، والأعلام ٨ / ٧٢ ، ومعجم المؤلفين ١٣ / ١٣٨.

(١) لم يترجم له في القسم العراقي ، بل أورده عرضا في قول بعض الشعراء فيه.

(٢) وزاد ابن خلكان : بقراط عصره وجالينوس زمانه. ختم به هذا العلم ، ولم يكن في الماضين من بلغ مداه في الطب ، عمّر طويلا ، وعاش نبيلا جليلا ، ورأيته وهو شيخ بهيّ المنظر ، حسن الرواء ، عذب المجتلى والمجتنى ، لطيف الروح ظريف الشخص ، بعيد الهمّ ، وعالي الهمّة ، ذكيّ الخاطر ، مصيب الفكر ، حازم الرأي. شيخ النصارى وقسّيسهم ، ورأسهم ورئيسهم. وله في النظم كلمات رائقة ، وحلاوة جنيّة ، وغزارة بهيّة.

ومن شعره في الميزان لغزا :

ما واحد مختلف الأسماء

يعدل في الأرض وفي السماء

يحكم بالقسط بلا رياء

أعمى يري الإرشاد كلّ راء

أخرس لاعق علّة وداء

يغني عن التصريح بالإيماء

يجيب إن ناداه ذو امتراء

بالرفع والخفض عن النداء

يفصح إن علّق في الهواء

(٣) في عيون الأنباء ١ / ٣٤٩.

(٤) في الأصل بياض ، والمستدرك من : عيون الأنباء ، ومعجم الأدباء. والساعور : مقدّم النصارى في علم الطب.

٣٢٢

سافر في صباه إلى العجم ، وبقي بها في الخدمة زمانا. وكان يكتب خطّا منسوبا ، خبيرا باللّسان السّريانيّ واللّسان الفارسيّ ، واللّغة ، وله نظم حسن ، ظريف. وكان والده أبو العلاء صاعد طبيبا مشهورا.

وكان أمين الدّولة ، وأبو البركات أوحد الزّمان في خدمة المستضيء بأمر الله ، وكان أوحد الزّمان أفضل من أمين الدّولة في العلوم الفلسفيّة ، وله فيها تصانيف. وكان الآخر أبصر بالطّبّ ، وكان بينهما عداوة ، ولكن كان ابن التّلميذ أوفر عقلا ، وأجود طباعا.

وقال ابن خلّكان (١) : كان أوحد الزّمان ، واسمه هبة الله بن محمد بن ملكا (٢) ، يهوديّا فأسلم في آخر أيّامه ، وأصابه الجذام فعالج روحه [بتسليط الأفاعي] (٣) على جسده بعد أن تجرّعها ، فبالغت في نهشه ، فبرئ من الجذام وعمي (٤) ، فعمل ابن التلميذ :

لنا صديق يهوديّ حماقته

إذا تكلّم تبدو فيه من فيه

يتيه والكلب أعلى (٥) منه منزلة

كأنّه بعد لم يخرج من التّيه (٦)

وقال الموفّق عبد اللّطيف بن يوسف : كان ابن التّلميذ كريم الأخلاق ، عنده سخاء ومروءة ، وأعمال في الطّب مشهورة ، وحدوس صائبة ، منها أنّه أدخل إليه رجل ينزف دما [في زمن الصّيف] (٧) فسأل تلاميذه ، وكانوا قدر

__________________

(١) في وفيات الأعيان ٦ / ٧٤.

(٢) في الوفيات : «هبة الله بن علي بن ملكان» ، والمثبت يتفق مع : معجم الأدباء ، وأخبار العلماء ٢٢٤ ، ومن ترجمته الآتية برقم (٣٨٠) ، وجاء في وفيات الأعيان ٦ / ٧٦ : «ملكان جدّ أوحد الزمان ، وهو بفتح الميم والكاف وبينهما لام ساكنة ، وبعد الألف نون».

(٣) في الأصل بياض. والمستدرك من وفيات الأعيان ٦ / ٧٤.

(٤) ستأتي ترجمة أوحد الزمان برقم (٣٨٠).

(٥) في الأصل : «أعلا».

(٦) معجم الأدباء ١٩ / ٢٧٨ ، وفيات الأعيان ٦ / ٧٤ ، أخبار العلماء ٢٢٥ ، تاريخ مختصر الدول ٢١٠.

(٧) في الأصل بياض ، والمستدرك من وفيات الأعيان ٦ / ٧٧.

٣٢٣

خمسين ، فلم يعرفوا المرض ، فأمره أن يأكل خبز شعير مع باذنجان مشويّ ، ففعل ذلك ثلاثة أيّام ، فبرئ ، فسأله أصحابه عن العلّة ، فقال : إنّ دمه قد رقّ ، ومسامّة تفتّحت ، وهذا الغذاء من شأنه تغليظ الدّم وتكثيف المسامّ.

قال : ومن مروءته أنّ ظهر داره كان يلي [المدرسة ال] (١) نظاميّة ، فإذا مرض فقيه نقله إليه ، وقام في مرضه عليه ، فإذا أبلّ وهب له دينارين وصرفه (٢).

وقال الموفّق بن أبي أصيبعة (٣) : كان الخليفة قد فوّض إليه رئاسة الطّبّ ، فلمّا اجتمع الأطبّاء ليمتحنهم ، كان فيه شيخ له هيئة ووقار ، فأكرمه ، وكان للشّيخ ذرّيّة ، وكان يعالج من غير علم. فلمّا انتهى الأمر إليه قال له ابن التّلميذ : لم لا [تلزم] (٤) الجماعة في التّخت لتعلم ما عندهم في هذه الصّنعة؟

فقال : وهل تكلّموا بشيء إلّا وأنا أعلمه ، وسبق لي فهم أضعافه.

قال : فعلى من قرأتم؟

قال : يا سيّدنا إذا صار الإنسان في هذا السّنّ ما يليق به إلّا أن يسأل :

كم لكم من التّلاميذ.

قال : فأخبرني ما قرأت من الكتب.

قال : سبحان الله ، صرنا إلى حدّ الصّبيان. أتسأل مثلي هذا؟ أنا يقال لي : ما صنفتم في الطّبّ ، وكم عندكم من الكتب والمقالات. ولا بدّ أن أعرّفك بنفسي.

ثمّ دنا من أذن أمين الدّولة وقال له سرّا : اعلم أنّني قد شخت وأنا

__________________

(١) في الأصل : «كان يلي نظامية» ، والمستدرك من وفيات الأعيان.

(٢) وفيات الأعيان ٦ / ٧٧.

(٣) في عيون الأنباء.

(٤) في الأصل بياض.

٣٢٤

[جاهل] (١) بالطبّ ، وما عندي إلّا معرفة اصطلاحات مشهورة ، وعمري كلّه الكسب بهذا الفنّ ، ولي عائلة ، فسألتك بالله أن [تسترني] (٢) ولا تفضحني بين الجماعة.

فقال : على شرط أنّك لا تهجم على مريض بما لا تعلمه .... (٣) فقال الشّيخ : هذا مذهبي مذ كنت وما تعدّيت [وصف شراب] (٤) اللّيمون والجلّاب.

فقال ابن التّلميذ للجماعة جهرا : يا شيخ ما كنّا نعرفك فاعذرنا.

وقال ابن أبي أصيبعة : حدّثني سعد الدّين بن أبي سهل البغداديّ : رأيت ابن التّلميذ ، وكان يحبّ صناعة الموسيقى ، وله ميل إلى أهلها.

وكان شيخا ربع القامة ، عريض اللّحية ، حلو الشّمائل ، كثّير النّادرة.

ومن نظم ابن التّلميذ :

[لو كان] (٥) يحسن غصن [البان] (٦)

مشيتها تأوّدا لحكاها غير محتشم

في صدرها كوكبا نور أقلّهما

ركنان لم يقربا (٧) من كفّ مستلم

هتانتهما في حرير من غلائلها

فنحن (٨) في الحلّ والرّكنان في الحرم (٩)

وله :

عانقتها وظلام اللّيل منسدل

ثمّ انتبهت برد الحي في الغلس

__________________

(١) في الأصل بياض.

(٢) في الأصل بياض.

(٣) في الأصل بياض.

(٤) في الأصل بياض.

(٥) في الأصل بياض. والمستدرك من (معجم الأدباء).

(٦) إضافة على الأصل من المعجم.

(٧) في المعجم : «ركنان ما لمسا».

(٨) في المعجم : «فتلك».

(٩) الأبيات في : معجم الأدباء ١٩ / ٢٨١.

٣٢٥

فغرقت [...] (١) خوفا أن أنبّهها

وأتّقي أن يذوب العقد من نفسي

وله :

[.........] (٢) كتمنا

مستقيم فنام نظيرك

[.........] (٣) خصيتك

فلا يقوم ببيض غيرك (٤)

وله من الكتب [أقراباذين] (٥) وهو مشهور يتداوله النّاس ، وآخر اسمه «الموجز» صغير ، واختصار كتاب «الحادي» للرّازيّ ، واختصار «شرح جالينوس» لفصول أبقراط ، «وشرح مسائل [حنين بن إسحاق] (٦) واختصر «الحواشي على القانون» لابن سينا ، ومقابلة في الفصد ، وتصانيف سوى ذلك (٧).

وتوفّي في الثّامن والعشرين من ربيع الأوّل ، وله أربع وتسعون (٨) سنة ،

__________________

(١) في الأصل بياض.

(٢) في الأصل بياض.

(٣) في الأصل بياض.

(٤) ومن شعره :

كانت بلهنية الشبيبة سكرة

فصحوت واستأنفت سيرة مجمل

وقعدت أرتقب الفناء كراكب

عرف المحلّ فبات دون المنزل

(تاريخ مختصر الدول ٢٠٩).

(٥) في الأصل بياض ، والمستدرك من وفيات الأعيان.

(٦) في الأصل بياض ، والمستدرك من معجم الأدباء.

(٧) وذكر ياقوت : «حاشية على المنهاج» لابن جزلة ، و «حاشية على كتاب المائة» للمسيحي ، و «شرح أحاديث نبوية تشتمل على مسائل طبّيّة» ، و «تتمّة جوامع الإسكندرانيّين لكتاب حيلة البرء» ، و «مختصر تفسير تقدمة المعرفة» لأبقراط ، و «كتاب الأشربة» لمسكويه ، و «مختار كتاب أبدال الأدوية لجالينوس» ، و «مختار كتاب المائة للمسيحي» ، و «الكنّاش في الطب» ، و «المقالة الأمينية في الأدوية البيمارستانية» ، و «الأقراباذين» الكبير ، و «الأقراباذين» الصغير ، و «ديوان رسائل» مجلّد ضخم ، و «ديوان شعر» مجلّد صغير. (معجم الأدباء ١٩ / ٢٧٨ ، ٢٧٩).

(٨) في الأصل : «أربع وسبعون» ، والفصيح من معجم الأدباء ١٩ / ٢٧٩ ، ووفيات الأعيان ٦ / ٧٦ وفيه أنه ناهز المائة من عمره.

٣٢٦

لا رحمه‌الله ، وخلّف أموالا جزيلة ، وكتبا فائقة. ورثه ابنه ، ثمّ أسلم ابنه قبيل موته ، وعاش نحوا من الثّمانين (١) ، واختنق في داره ، وأخذ ماله ، ونقلت كتبه على عشر جمال.

وكان ابن التّلميذ قد قرأ الطّبّ على أبي الحسن سعيد بن هبة الله (٢) صاحب المصنّفات.

وذكر الموفّق بن عبد اللّطيف أنّ ولد أمين الدّولة كان شيخه في الطّبّ ، وأنّه انتفع به ، وقال : لم أر من يستحقّ اسم الطّبّ غيره ، وخنق في دهليزه (٣).

قلت : ومن قارب أمين الدّولة لأجل الحكمة :

٣٦٨ ـ معتمد الملك أبو الفرج يحيى بن صاعد بن يحيى ابن التّلميذ (٤).

وكان بارعا في الطّبّ رأسه في الفلسفة ، وله شعر رائق ، وله عدّة تلاميذ. وقد مدحه الشّريف أبو يعلى محمد بن سارية ، وكان قد أتاه إلى أصبهان ، فحصّل له من الأمراء والأعيان مالا كثيرا ، فقال فيه قصيدة منها :

نعمى أبي الفرج بن صاعد الّذي

 ... في المكاسب نائبا

ثقة أخلاقه سيّد الحكماء

معتمد الملوك الفيلسوف الكاتبا

 ـ حرف الياء ـ

٣٦٩ ـ ياغي أرسلان بن دانشمند (٥).

صاحب ملطية جرى بينه وبين قلج أرسلان بن مسعود السلجوقي حروب لأنه كان جاره بقونية. وسببها أن قلج أرسلان تزوج بابنة الملك قتليق

__________________

(١) وفيات الأعيان ٦ / ٧٧.

(٢) في الوفيات ٦ / ٧٥ : «هبة الله بن سعيد» ، والمثبت يتفق مع : عيون الأنباء.

(٣) وفيات الأعيان ٦ / ٧٧.

(٤) انظر عن (معتمد الملك يحيى بن صاعد) في : معجم الأدباء ٢٠ / ٢٠ رقم ٧ ، وأخبار العلماء بأخبار الحكماء ٢٨ ، ٢٢٩.

(٥) في الأصل : «الشمند» ، وفي العبر ٤ / ١٧٢ «الداشمند» ، وفي سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٢٥ «دانشمد» ، وفي شذرات الذهب ٤ / ١٩١ «الداشمند».

٣٢٧

فجهّزت إليه ، فنزل ياغي أرسلان فأخذ العروس وجهازها ثم أراد أن يزوجها بابن أخيه ذي النون فقيل له لا يصلح هذا ، فعلمه بعض فقهاء الرأي أن يأمرها بالردة عن الإسلام فارتدت لينفسخ النكاح ، ثم أسلمت فزوجها لذي النون.

فسار قلج أرسلان لقتاله فعملا مصافا فانهزم قلج أرسلان. وهلك ياغي أرسلان عقب ذلك ، وتملك بعده ابن أخيه إبراهيم بن محمد بن كشمند وأخوه ذو النون واتفقا مع قلج أرسلان.

٣٧٠ ـ يحيى بن محمد بن هبيرة بن سعيد بن الحسن بن جهم (١).

أبو المظفّر [يمين الخلافة] (٢) الوزير عون الدّين.

ولد سنة تسع وتسعين وأربعمائة بدور (٣) ، وهو موضع من سواد العراق ، بقرية بني أوقر (٤) ، ودخل بغداد في صباه ، وطلب العلم ، وعاشر

__________________

(١) انظر عن (يحيى بن محمد) في : الإنباء في تاريخ الخلفاء ٢٢٥ ، ٢٢٦ ، وخريدة القصر (قسم العراق) ١ / ٩٦ ، والمنتظم ١٠ / ٢١٤ ـ ٢١٧ ، والكامل في التاريخ ١١ / ٣٢١ ، وزبدة التواريخ للحسيني ٢٢٦ ، ٢٣٩ ، ٢٤٢ ، ٢٤٥ ، ٢٤٨ ، ٢٥٠ ، ٢٥١ ، ٢٥٩ ، ومختصر التاريخ لابن الكازروني ٢٣١ ، ٢٣٣ ، ومرآة الزمان ٨ / ٢٥٥ ـ ٢٦١ ، وكتاب الروضتين ٢ / ٣٤٩ ، ووفيات الأعيان ٦ / ٢٣٠ ـ ٢٤٤ ، وتاريخ إربل ١ / ١٩٦ و ٢٤٣ ، ومفرّج الكروب ١ / ١٤٧ ، والفخري ٣١٢ ـ ٣١٥ ، وتلخيص معجم الألقاب ج ٤ ق ٢ / ٩٨٨ رقم ١٤٦٤ ، وآثار البلاد وأخبار العباد ٣٦٧ ، ٣٦٨ ، والتذكرة الفخرية ٩٥ ، والمختصر في أخبار البشر ٣ / ٤٢ ، وخلاصة الذهب المسبوك ٢٧٦ ـ ٢٧٨ ، وتراجم ابن عبد الهادي (مخطوط) ٢ / ١١٠ ، والعبر ٤ / ١٧٢ ، والمعين في طبقات المحدّثين ١٦٨ رقم ١٨٠٥ ، والإعلام بوفيات الأعلام ٢٣١ ، والمختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيثي ٣ / ٢٤٨ رقم ١٣٥٨ ، ١٧٣ ، وسير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٢٦ ـ ٤٣٢ رقم ٢٨٢ ، ودول الإسلام ٢ / ٧٤ ، ٧٥ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ١٠٦ ، ومرآة الجنان ٣ / ٣٤٤ ـ ٣٤٦ ، والبداية والنهاية ١٢ / ٢٥١ ، وذيل طبقات الحنابلة ١ / ٢٥١ ـ ٢٨٩ ، رقم ١٣١ ، وتاريخ ابن خلدون ٣ / ٥٢٤ ، ومطالع البدور ٢ / ١١٤ ، والنجوم الزاهرة ٥ / ٣٦٩ ، ٣٧٠ ، وتاريخ الخلفاء ٤٤٤ ، والدرّ المنضّد في رجال أحمد للعليمي (مخطوط) ورقة ٧١ ب ، و ٧٢ أ ، وكشف الظنون ٣٣ ، ١٠٣ ، ١٤٦٢ ، وشذرات الذهب ٤ / ١٩١ ـ ١٩٧ ، وإيضاح المكنون ١ / ٢٥٥ و ٢ / ٧٧ ، وهدية العارفين ٨ / ١٥٩ ـ ١٦٣.

(٢) في الأصل بياض ، والمستدرك من المصادر.

(٣) في الأصل : «دوار» والتصحيح من : آثار البلاد.

(٤) في الأصل : «ذخر». والمثبت من (معجم البلدان ٢ / ٤٨١).

٣٢٨

الفقهاء والأدباء وسمع الحديث ، وقرأ القراءات ، وشارك في فنون عديدة. وكان خبيرا باللّغة ، ويعرف النّحو والعروض. وكان مسدّدا في السّنّة واتّباع السّلف ، ثمّ أمضّه الفقر فتعرّض للكتابة وأدّب ، [وشارف] (١) الخزانة ، ثمّ ولي ديوان الزّمام للمقتفي بأمر الله ، ثمّ استوزره المقتفي سنة أربع وأربعين فدام وزيره ، ثمّ وزر لولده المستنجد إلى أن مات.

وكان من خيار الوزراء أدبا ، وصلاحا ، ورأيا ، وعقلا ، وتواضعا لأهل العلم وبرّا بهم.

سمع : أبا عثمان بن ملّة ، وأبا القاسم بن الحصين ، ومن بعدهما.

وكان يحضر مجلسه الأئمّة والفقهاء ، ويقرأ عنده الحديث على الرّواة ، ويجري من البحوث والفوائد عجائب. دخل عليه الحيص بيص مرّة ، فقال له ابن هبيرة ، قد نظمت بيتين تقدر أن تعزّزهما بثالث؟. فقال : وما هما؟ قال :

زار الخيال نحيلا (٢) مثل مرسلة

فما شفاني منه الضّمّ والقبل

ما زارني قطّ (٣) إلّا أن (٤) يوافقني

على الرّقاد فينفيه ويرتحل

فقال الحيص بيص من غير رويّة :

وما دري أنّ نومي حيلة نصبت

لوصله حين رأى (٥) اليقظة الحيل (٦)

__________________

(١) في الأصل بياض. والمستدرك من (سير أعلام النبلاء).

(٢) في الأصل : «نجلاء» ، وفي التذكرة الفخرية : «نجيلا».

(٣) في سير أعلام النبلاء : «ما زارني الطيف».

(٤) في المصادر : «إلّا كي».

(٥) في المصادر : «حين أعيّا».

(٦) الأبيات في : وفيات الأعيان ٦ / ٥٧ (في ترجمة ابن القطان البغدادي). وفيه إن ابن القطان هو الّذي أنشد البيتين الأولين أمام الوزير عليّ بن طراد الزينبي ، وطلب من الحيص بيص أن يعزّزهما بثالث ، فأنشده البيت الأخير ، وهو في ديوانه ٢ / ١٦. والأبيات الثلاثة في (التذكرة الفخرية) للإربلي ص ٩٥ وفيه إنّ الحيص بيص دخل على الوزير ابن هبيرة وهو ينشد البيتين ، ويقول : هذا والله تامّ وفوق التامّ ، لا بل التامّ جزء منه. فقال الحيص بيص : يا مولانا له تمام ، فقال : انظر ما تقول! قال : نعم بشرط أن يعيده الوزير ، فأعاده. فقال البيت الأخير ، فأجازه وأحسن صلته.

٣٢٩

وذكره أبو الفرج بن الجوزيّ (١) فقال : كان يجتهد في اتّباع الصّواب ، ويحذر الظّلم ، ولا يلبس الحرير. قال لي : لمّا رجعت من الحلّة دخلت على المقتفي ، فقال لي : ادخل هذا البيت وغيّر ثيابك. فدخلت فإذا خادم وفرّاش (٢) ومعهم (٣) خلعة حرير ، فقلت : والله ما ألبسها. فخرج الخادم فأخبر المقتفي فسمعت صوته يقول : قد والله قلت إنّه ما يلبس.

وكان المقتفي معجبا به ولمّا استخلف المستنجد دخل عليه فقال له : يكفي في إخلاصي أنّي ما حابيتك في زمن أبيك. فقال : صدقت.

قال : وقال مرجان الخادم : سمعت المستنجد بالله ينشد لوزيره وقد مثل بين يديه في أثناء مفاوضة ترجع إلى تقرير قواعد الدّين وإصلاح أمور المسلمين ، فأعجب المستنجد به ، فأنشده لنفسه :

صفت نعمتان خصّتاك وعمّتا

فذكرهما حتّى القيامة يذكر (٤)

وجودك والدّنيا إليك فقيرة

وجودك والمعروف في النّاس ينكر (٥)

فلو رام يا يحيى مكانك جعفر

ويحيى لكفّا عنه يحيى وجعفر (٦)

ولم أر من ينوي لك السّوء يا أبا المظفّر

إلا كنت أنت المظفّر (٧)

__________________

(١) في المنتظم ١٠ / ٢١٤ (١٨ / ١٦٦ ، ١٦٧).

(٢) في الأصل : «وأفرش».

(٣) في المنتظم : «ومعه».

(٤) هذا الشطر في ديوان ابن حيّوس : «حديثهما حتّى القيامة يؤثر».

(٥) في ديوان ابن حيّوس : «وجودك والمعروف في الخلق منكر».

(٦) المقصود هما الوزيران : يحيى بن خالد البرمكي ، وابنه جعفر بن يحيى ، وهما وزرا لها دون الرشيد.

(٧) الأبيات في المنتظم ١٠ / ٢١٤ (١٨ / ١٦٧) ، وسير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٢٧ ، ٤٢٨ ، وذيل طبقات الحنابلة ١ / ٢٦٠.

والبيتان الأوّلان ليسا لابن هبيرة بل هما لابن حيّوس الغنوي قالهما من قصيدة يمدح بها نصر بن محمود بن صالح بن مرداس أمير حلب ، مطلعها :

هل العدل إلّا دون ما أنت مظهر

أو الخير إلّا ما تذيع وتضمر

(انظر ديوان ابن حيّوس ـ بتحقيق خليل مردم بك ١ / ٢٦٩ و ٢٧٥).

٣٣٠

قال ابن الجوزيّ (١) : وكان يبالغ في تحصيل التّعظيم للدّولة ، قامعا للمخالفين بأنواع الحيل. حسم أمور السّلاطين السّلجوقيّة (٢) ، وكان شحنة ، قد أذاه في صباه (٣) ، فلمّا وزر أحضره وأكرمه. وكان يتحدّث بنعم الله ، ويذكر في منصبه شدّة فقره القديم.

ثمّ قال : نزلت يوما إلى دجلة وليس معي رغيف أعبر به ، وكان يكثر مجالسة العلماء والفقراء ، وكان يبذل لهم الأموال. وكانت السّنة تدور وعليه ديون ، وقال : ما وجبت عليّ زكاة قطّ (٤).

وكان إذا استفاد شيئا قال : أفادنيه فلان. أفدته معنى حديث (٥) ، فكان يقول : أفادنيه ابن الجوزيّ. فكنت أستحي من الجماعة. وجعل لي مجلسا في داره كلّ جمعة ، وأذن للعوامّ في الحضور. وكان بعض الفقراء يقرأ عنده كثيرا ، فأعجب وقال لزوجته : أريد أن أزوّجه بابنتي. فغضبت الأمّ من ذلك.

وكان يقرأ عنده الحديث كلّ يوم بعد العصر. فحضر فقيه مالكيّ ، فذكرت مسألة ، فخالف فيها الجميع وأصرّ ، فقال الوزير : أحمار أنت! أما ترى الكلّ يخالفونك!؟ فلمّا كان في اليوم الثّاني قال للجماعة : إنّه جرى منّي بالأمس على هذا الرجل ما لا يليق ، فليقل لي كما قلت له ، فما أنا إلّا كأحدكم.

فضجّ المجلس بالبكاء ، واعتذر الفقيه وقال : أنا أولى بالاعتذار. وجعل يقول : القصاص القصاص ، فلم يزل حتّى قال يوسف الدّمشقيّ : إذ أبى (٦) القصاص فالفداء ، فقال الوزير : له حكمه. فقال الفقيه : نعمك عليّ كثيرة ، فأيّ حكم بقي لي؟

قال : لا بدّ.

__________________

(١) في المنتظم ١٠ / ٢١٤ ، ٢١٥ (١٨ / ١٦٧ ، ١٦٨).

(٢) ذكر ابن الجوزي بعدها حكاية.

(٣) ذكر ابن الجوزي حكايته في المنتظم. وانظر : الفخري ٣١٢ و ٣١٣.

(٤) وانظر : الفخري ٣١٢.

(٥) «من فاته حزبه بالليل فصلّاه قبل الزوال كان كأنّه صلاه بالليل». الحديث.

(٦) في المنتظم ١٠ / ٢١٥ (١٨ / ١٦٩) «إذا أبى».

٣٣١

قال : عليّ دين (١) مائة دينار.

فقال : أعطوه مائة دينار لإبراء ذمّته ، ومائة لإبراء ذمّتي. فأحضرت في الحال.

وما أحسن قول الحيص بيص في قصيدته في الوزير :

يهزّ حديث الجود ساكن عطفه

كما هزّ شرب الحيّ صهباء قرقف

إذا قيل عون الدّين يحيى تألّق

الغمام وماس السّمهريّ المثقّف (٢)

قال (٣) : وكان الوزير يتأسّف على ما مضى من زمانه ، ويندم على ما دخل فيه. ولقد قال لي : كان عندنا بالقرية مسجد فيه نخلة تحمل ألف رطل ، فحدّثت نفسي أن أقيم في ذلك المسجد ، وقلت لأخي محبّ الدّين (٤) : أقعد أنا وأنت وحاصلها يكفينا. ثمّ انظر إلى ما صرت. ثم صار يسأل الله الشّهادة ويتعرّض لأسبابها.

وفي ليلة ثالث عشر جمادى الأولى استيقظ وقت السّحر فقاء ، فحضر طبيبه ابن رشادة فسقاه شيئا ، فيقال إنّه سمّه ، فمات وسقي الطّبيب بعده بنصف سنة سمّا ، فكان يقول : سقيت كما سقيت ، فمات.

ورأيت أنا وقت الفجر كأنّي في دار الوزير وهو جالس ، فدخل رجل بيده حربة ، فضربه بها ، فخرج الدّم كالفوّارة ، فالتفتّ فإذا خاتم ذهب ، فأخذته وقلت : لمن أعطيه؟ أنتظر خادما يخرج فأسلّمه له. فانتبهت فأخبرت من كان معي ، فما استممت الحديث حتّى جاء رجل فقال : مات الوزير. فقال واحد : هذا محال أنا فارقته في عافية أمس العصر.

__________________

(١) في المنتظم : «بقية دين».

(٢) البيتان في ديوان الحيص بيص ، ووفيات الأعيان ٦ / ٢٣٥ ، وسير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٢٩. وهما ليسا في رواية ابن الجوزي.

(٣) أي ابن الجوزي في المنتظم ١٠ / ٢١٦ (١٨ / ١٦٩).

(٤) هكذا في الأصل والمنتظم. وفي سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٢٩ «مجد الدين».

٣٣٢

فنفّذوا إليّ ، فقال لي ولده : لا بدّ أن تغسّله. فغسّلته ، ورفعت يده ليدخل الماء في مغابنه (١) ، فسقط الخاتم من يده حيث رأيت ذلك الخاتم. ورأيت آثارا بجسده ووجهه تدلّ على أنّه مسموم. وحملت جنازته إلى جامع القصر ، وخرج معه جمع لم نره لمخلوق قطّ ، وكثر البكاء عليه لما كان يفعله من البرّ والعدل ، ورثاه الشّعراء (٢).

قلت : وقد روى عن المقتفي تلك الأحاديث المقتفوية. سمعتها من الأبرقوهيّ (٣) ، عن ابن الجواليقيّ ، عنه.

وقد شرح صحيحي البخاريّ ومسلم في عدّة (٤) مجلّدات ، وسمّاه كتاب «الإفصاح عن معاني الصّحاح» (٥). وألّف كتاب «العبادات» (٦) في مذهب أحمد ، وأرجوزة في المقصور والممدود ، وأخرى في علم الخطّ ، واختصر «إصلاح المنطق» لابن السّكّيت (٧).

__________________

(١) المغابن : مطاوي البدن مثل الإبط وغيره. واحدها مغبن. بفتح الميم وكسر الباء الموحّدة وسكون الغين المعجمة.

(٢) ومنهم «النميري» كما في ذيل طبقات الحنابلة ١ / ٢٨٦ ، وقد تحرّف في المنتظم بطبعتيه إلى «البحتري» ، فقال في مطلع قصيدة :

ألمم على جدث حوى تاج الملوك وقل : سلام واعقر سويد الضمير ، فليس يقنعني السوام وقال بعضهم :

مات يحيى ولم نجد بعد يحيى

ملكا ماجدا به يستعان

وإذا مات من زمان كريم

مثل يحيى بن يموت الزمان

(٣) الأبرقوهي : بفتح الألف والباء المنقوطة بواحدة وسكون الراء وضم القاف وفي آخرها الهاء هذه النسبة إلى أبرقوه وهي بليدة بنواحي أصبهان على عشرين فرسخا منها. (الأنساب ١ / ١١٥).

(٤) في سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٣٠ : «في عشر مجلّدات».

(٥) قال العماد الكاتب إنه بذل على حفظه ونسخه أمواله حتى كان في زمانه لا يشتغل إلّا به. (الخريدة ٢ / ٩٨).

(٦) في ذيل طبقات الحنابلة ١ / ٢٥٢ «العبادات الخمس».

(٧) وقال ابن رجب : وقد صنّف ابن الجوزي كتاب «المقتبس من الفوائد العونية» وذكر فيه الفوائد التي سمعها من الوزير عون الدين ، وأشار فيه إلى مقاماته في العلوم. وانتقى من زبد كلامه في «الإفصاح» على الحديث كتابا سمّاه «محض المحض». (ذيل طبقات الحنابلة ١ / ٢٥٣).

٣٣٣

وولي الوزارة بعده شرف الدّين أبو جعفر أحمد بن البلديّ ، فأخذ في تتبّع آل هبيرة ، فقبض على ولديه محمد وظفر ثمّ قتلهما (١).

وقال أبو المظفّر (٢) : اضطرّ ورثة ابن هبيرة إلى بيع ثيابهم وأثاثهم ، وبيعت كتب الوزير الموقوفة على مدرسته حتّى أبيع كتاب «البستان» في الرقائق لأبي اللّيث السّمرقنديّ بدانقين وحبّة ، وكان يساوي عشرة دنانير ، فقال واحد : ما أرخص هذا البستان. فقال جمال الدّين بن الحصين : لثقل ما عليه من الخراج. يشير إلى الوقفيّة. فأخذ وضرب وحبس ، فلا قوّة إلّا بالله (٣).

__________________

(١) ترجم لهما العماد في الخريدة (قسم العراق) ٢ / ١٠٠ و ١٠١.

(٢) في مرآة الزمان ٨ / ٢٦٢ وفيه تحرّف اسم «ظفر» إلى «مطر».

(٣) وقال القزويني : كان وزيرا ذا رأي وعلم ودين وثبات في الأمور. حكى الوزير وقال : تطاول علينا مسعود بن محمود السلجوقي ، فعزم المقتفي أن يحاربه ، فقلت : هذا ليس بصواب ، ولا وجه لنا إلّا الالتجاء إلى الله ، فاستصوب رأيي ، فخرجت من عنده يوم الجمعة لأربع وعشرين من جمادى الأولى وقلت : إنّ النبي ، عليه‌السلام ، دعا شهرا فينبغي أن ندعو شهرا ، ثم لازمت الدعاء كل ليلة إلى أن كان يوم الرابع والعشرين من جمادى الآخرة ، فجاء الخبر بأن السلطان مات على سرير ملكه وتبدّد شمل أصحابه ، وأورثنا الله أرضهم وديارهم.

حكي أنه قبل وزارته كان بينه وبين رجل بغداديّ ساكن بالجانب الغربي صداقة ، فسلّم الرجل إلى يحيى ثلاثمائة دينار وقال له : إذا أنا متّ جهّزني منها ، وادفنّي بمقبرة معروف الكرخي ، وتصدّق بالباقي على الفقراء ، فلما مات قام يحيى وجهّزه ودفنه كما وصّى ، والذهب في كمّه عائدا إلى الجانب الشرقي ، قال : فوقفت على الجسر فسقط الذهب من كمّي في الماء وهو مربوط في منديل ، فضربت بيدي على الأخرى وحوقلت ، فقال رجل : ما لك؟ فحكيت له فخلع ثيابه وغاص ، وطلع والمنديل في فمه ، فأخذت المنديل وأعطيته منها خمسة دنانير ، ففرح بذلك ولعن أباه ، فأنكرت عليه ، فقال : إنه مات وأزواني! فسألته عن أبيه ، فإذا هو ابن الرجل الميت ، فقلت : من يشهد لك بذلك؟ فأتى بمن شهد له أنه ابن ذلك الميت ، فسلّمت إليه المال.

وكان كثيرا ما ينشد لنفسه :

يا أيّها الناس ، إني ناصح لكم

فعوا كلامي فإنّي ذو تجاريب

لا تلهينّكم الدنيا بزخرفها

فما يدوم على حسن ولا طيب

وحكى عبد الله بن زرّ قال : كنت بالجزيرة فرأيت في نومي فوجا من الملائكة يقولون : مات الليلة وليّ من أولياء الله! فتحدّثت بها وأرّختها ، فلما رجعت إلى بغداد وسألت قالوا : مات في تلك الليلة الوزير ابن هبيرة ، رحمة الله عليه! ـ

٣٣٤

٣٧١ ـ [يحيى] (١) بن محمد بن رزق.

أبو بكر الأندلسيّ.

قال ابن بشكوال : هو من أهل المريّة. أخذ عن جماعة من شيوخنا وصحبنا عند بعضهم. وكان محدثا حافظا ، متيقّظا ، عارفا بالحديث ورجاله ، ثقة ، ديّنا.

وقد أخذ عنه.

وتوفّي بسبتة في شعبان.

وكان مولده سنة ثلاث وخمسمائة.

__________________

= وحكى عبد الله بن عبد الرحمن المقري قال : رأيت الوزير ابن هبيرة في النوم فسألته عن حاله فأجاب :

قد سئلنا عن حالنا فأجبنا

بعد ما حال حالنا وحجبنا

فوجدنا مضاعفا ما كسبنا

ووجدنا ممحّصا ما اكتسبنا

(آثار البلاد وأخبار العباد ٣٦٧ ، ٣٦٨).

وقال ابن العمراني : وكان كافيا يملأ العين والقلب ، وكان كاتبا بليغا ، فصيحا ، عالما بالنحو ، واللغة ، والفقه ، والأحاديث ، والقرآن العظيم المجيد وتفسيره ، وصنف كتبا في ذلك كله. وكان حسن التدبير للأمور السياسية ، محبّا لأهل العلم ، كثير الميل إلى أرباب الصلاح والدين. ولو أخذت في ذكر مناقبه وحسن سيرته لجاءت مجلّدات عظيمة ولم أقدر أستقصي على بعضها ، ولم يسمع بأن كان لبني العباس وزير مثله قبله ولا بعده .. رضي‌الله‌عنه وأرضاه .. (الإنباء في تاريخ الخلفاء ٢٢٥).

وقد طوّل ابن رجب في ترجمته ، وكذا ابن خلّكان ، وذكرا بعضا من شعره ، وانظر شعره أيضا في الخريدة ، والفخري ، وغيره.

(١) في الأصل بياض ، والمستدرك من : الصلة لابن بشكوال ٢ / ٦٧٣ ، ٦٧٤ رقم ١٤٨٧.

٣٣٥

المتوفون تقريبا

 ـ حرف الألف ـ

٣٧٢ ـ أحمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن عليّ.

القاضي أبو الخطّاب الطّبريّ ، البخاريّ ، العلّامة. أستاذ في علم الخلاف ، قدوة في علم النّظر ، تفقّه على والده ، والإمام البرهان.

وحدّث عن : أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد الدّقاق ، وغيره.

وكان مولده في سنة سبع وتسعين وأربعمائة.

روى عنه : أبو المظفّر عبد الرحيم السّمعانيّ وقال : هو أستاذي في علم الخلاف.

٣٧٣ ـ أحمد بن الحسن بن سيّد (١).

أبو العبّاس الجراويّ (٢) ، المالقيّ (٣).

من كبار النّحاة والأدباء بالأندلس.

حدّث عن : أبي الحسن بن مغيث.

__________________

(١) انظر عن (أحمد بن الحسن) في : التكملة للصلة لابن الأبّار ١ / ٦٩ ، والمقتضب من تحفة القادم ٤٤ ، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة ج ١ ق ١ / ٩٢ ، ٩٣ رقم ١٠٨ ، والوافي بالوفيات ٦ / ٣٠٧ ، ٣٠٨ رقم ٢٨١١ ، وبغية الوعاة ١ / ٣٠٢ رقم ٥٥٥ ، ونفح الطيب ٢ / ٥٦٢.

(٢) في الأصل «الجرداني» ، والمثبت من المصادر.

(٣) وهو يلتبس بأبي العباس ابن علي بن سيد الإشبيلي اللّص ، وهما اثنان. (التكملة ، والذيل).

٣٣٦

قال الأبّار (١) : توفّي نحو السّتين (٢).

ومن شعره :

وبين ضلوعي للصّبابة لوعة

بحكم الهوى تقضي عليّ ولا أقضي

جنى ناظري (٣) منها على القلب ما جنى

فيا من رأى بعضا يعين على بعض (٤)

٣٧٤ ـ [أحمد] (٥) بن قسيّ.

صاحب خلع النّعلين. من أهل الأندلس.

قال عبد الواحد بن عليّ التّميميّ المرّاكشيّ : كان في أوّل أمره يدّعي

__________________

(١) في تكملة الصلة ١ / ٦٩.

(٢) وقال المراكشيّ : وكان متحقّقا بالعربية ، عارفا بالآداب ، درّسهما كثيرا ، شاعرا محسنا ، كاتبا ، بليغا. ونالته وحشة من قبل القاضي أبي محمد ابن أحمد الوحيدي لأمور تقوّلت عليه اضطرّته إلى التحوّل عن مالقة إلى قرطبة ، فسكنها نحو أربعة أعوام ، ثم استمال جانب الوحيدي حتى لان له وخاطبه بالعود إلى وطنه ، فرجع مكرّما مبرورا إلى أن ولّي خطّة القضاء أبو الحكم بن حسّون فاختصّ به وبآله وحظي لديهم ، ثم توجّه إلى مرّاكش عقب الطارئ على آل ابن حسّون فاستخلصه أبو محمد عبد المؤمن بن علي لتأديب بنيه ، فسما قدره وعظم صيته ، وارتقى محلّه ، وأقام على ذلك إلى أن توفي بعد الستين وخمسمائة بيسير في مراكش.

(٣) في تكملة الصلة : «ناظر».

(٤) التكملة ١ / ٦٩ ، الذيل ج ١ ق ١ / ٩٣ ، الوافي بالوفيات ٦ / ٣٠٧.

ومن نظمه حين اغترابه :

تفاجئني الحوادث كل يوم

فتعجمني حصاة لا تهدّ

فيا لله ما أحيي فؤادي

ولكنّي على الأيام جلد

وله :

لمّا رأيتك عين الزمان

وأنّ إليك تحثّ الخطا

بكرت إليك بكور الغراب

ورحت عليك رواح القطا

وله أيضا :

حسدتك نشّاب القسيّ لأن رأت

عينيك أمضى في الإصابة مقصدا

فجنت عليك ويا لها ممّا جنت

لهفي عليك فكم خشيت الحسّدا

(٥) في الأصل بياض ، والمستدرك مما تقدّم في ترجمة «عبد المؤمن بن علي» برقم (٢٨٠).

٣٣٧

الولاية ، وكان ذا حيل وشعبذة ومعرفة بالبلاغة. ثمّ قام بحصن مارتلة ، ودعا إلى بيعته ، ثمّ اختلف عليه أصحابه ، ودسّوا عليه من أخرجه من الحصن بحيلة حتّى أسلموه إلى الموحّدين ، فأتوا به عبد المؤمن ، فقال له : بلغني أنّك دعيت إلى الهداية.

فكان من جوابه أن قال : أليس الفجر فجرين : كاذب وصادق؟ قال : بلى.

قال : فأنا كنت الفجر الكاذب. فضحك عبد المؤمن ثمّ عفا عنه (١).

ولم يزل بحضرة عبد المؤمن حتّى قتل. قتله صاحب له.

قلت : كان سيّئ الاعتقاد ، فلسفيّ التّصوّف ، له في خلع النّعلين أوابد ومصائب.

٣٧٥ ـ إبراهيم بن أحمد (٢).

القاضي أبو إسحاق السّلميّ ، الغرناطيّ ، ويعرف بابن صدقة.

روى ببلده عن : أبي بكر بن غالب بن عطيّة ، وغيره.

وحجّ فسمع من : أبي بكر الطّرطوشيّ ، وأبي الحسن بن الفرّاء.

روى عنه : أبو القاسم بن سمحون.

قال الأبّار : بقي إلى بعد الخمسين.

٣٧٦ ـ إبراهيم بن عطيّة بن عليّ بن طلحة (٣).

أبو إسحاق البصريّ ، الضّرير ، المقرئ ، إمام الجامع.

شيخ صالح ، طريف ، كثير المحفوظ.

سمع من : قاضي البصرة أبي عمر محمد بن أحمد النّهاونديّ. وأحسبه آخر من روى عنه.

__________________

(١) تقدّمت هذه الحكاية عن ابن قسيّ في ترجمة «عبد المؤمن».

(٢) انظر عن (إبراهيم بن أحمد) في : تكملة الصلة لابن الأبّار.

(٣) انظر عن (إبراهيم بن عطية) في : المختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيثي ، ج ١.

٣٣٨

وسمع ببغداد من مالك البانياسيّ.

قال ابن الدّبيثيّ : بقي إلى سنة إحدى وخمسين ، وحدّثنا عنه سعيد بن مخادش ، وأحمد بن مبشّر المقرئ ، وغيرهما.

٣٧٦ ـ إبراهيم بن محمد بن أحمد بن عقيل بن الأشعث.

الحكيم أبو إسحاق السّمرقنديّ ، المعروف جدّه بالدّغوش.

ولد سنة سبع وسبعين وأربعمائة.

قال عبد الرحيم السّمعانيّ : سمعت منه جزءا من حديث قتيبة ، قال : أنبأنا عليّ بن أحمد بن حسن الصّيرفيّ ، أنا عمر بن أحمد بن شاهين السّمرقنديّ سنة إحدى وخمسين وأربعمائة ، أنا محمد بن جعفر بن محمد الدزّماريّ سنة اثنتين وسبعين ، ثنا محمد بن الفضل البلخيّ ، عنه.

٣٧٧ ـ [أخمشاد] (١) بن عبد السّلام بن محمود.

العلّامة الواعظ ، أبو المكارم الغزنويّ ، الحنفيّ.

أحد فحول الفضلاء والعلماء ، بحر يتموّج ، وفجر يتبلّج ، وهمام فتاك ، وحسام بتّاك ، وفقيه مدرة ، وفصيح مفوّه ، وواعظ مذكّر. كان بأصبهان ، ثمّ لحق بالعسكر ، وولّي أرانية (٢) وحيرة. ثمّ لمّا كان محمد شاه محاصرا بغداد ، ورد أبو المكارم هذا من جهة إلدكز ، وعبر إلى الجانب الشّرقيّ ، كأنّه يؤدّي رسالة واجتمع بالوزير ابن هبيرة وعاد ، فاتّهمه محمد شاه ونكبه. ثمّ عاد إلى حيرة ، ومات بعد سنة اثنتين وخمسين وهو في الكهولة.

قال العماد في «الخريدة» : أنشدني لنفسه :

__________________

(١) في الأصل بياض. والمثبت من مصادر ترجمته : الوافي بالوفيات ٨ / ٣٠٨ رقم ٣٧٢٥ ، وفيه : «أحمشاذ» (بالحاء المهملة وذال معجمة) ، والجواهر المضية ١ / ٣٥٩ ، ٣٦٠ رقم ٢٨٨ ، والطبقات السنية ، رقم ٤٤١ وفيه مثل : الوافي بالوفيات.

(٢) في الوافي : «أراينة» بتقديم الياء على النون ، والمثبت عن : الجواهر المضيّة.

٣٣٩

امالك رقّي ما لك اليوم رقّة

على صبوتي والحين [من تبعاتها] (١)

سألت حياتي إذ سألتك قبلة

لي الرّبح فيها خذ حياتي وهامشها (٢)

٣٧٩ ـ [إسماعيل] (٣) بن عليّ بن بركات.

أبو الفضل الغسّانيّ ، الدّمشقيّ ، المقرئ ، ويعرف بابن النجاديّ (٤).

من ذرّية الإمام يحيى بن يحيى الغسّانيّ.

قرأ بالرّوايات على سبيع بن المسلم. وسمع من : الشّريف نسيب الدّولة ، وأبي طاهر الحنّائيّ.

وقدم بغداد سنة اثنتين وخمسين ، فسمّع ولده من أبي الوقت السّجزيّ. ثمّ مات.

قال ابن النّجّار : قرأ عليه شيخنا أحمد بن عبد الملك بن [باتانة] (٥) ، وعبد الوهّاب بن عيسى وأقرأ عنه.

وكان عالما بالقراءات ووجوهها ، صدوقا ، موثّقا ، رحمه‌الله تعالى (٦).

٣٨٠ ـ أوحد الزّمان الطّبيب (٧).

__________________

(١) في الأصل بياض ، والمستدرك من مصادر ترجمته.

(٢) البيتان في : الوافي ٨ / ٣٠٨ ، والجواهر ١ / ٣٦٠ ، والطبقات السنية.

ومن شعره أيضا :

يا عاذلي أقصر وكن عاذري

في حبّ ظبي أكحل الناظر

فأكحل الناظر ذاك الّذي

قد قصد الأكحل من ناظري

حلا مذاقا وهو مستملح

والملح في الحلو من النادر

(٣) في الأصل بياض ، والمثبت من : غاية النهاية ١ / ١٦٦ رقم ٧٧٣.

(٤) هكذا في الأصل. وضبّبها في (غاية النهاية) فأتت النسبة : «الحاوي».

(٥) في الأصل بياض. والمثبت من : غاية النهاية.

(٦) وقال ابن الجزري : قال الذهبي كأنه توفي قبل الستين وخمسمائة.

(٧) انظر عن (أوحد الزمان) في : تاريخ حكماء الإسلام ٣٤٣ ـ ٣٤٦ ، وأخبار العلماء بأخبار الحكماء ٢٢٤ ، وعيون الأنباء في طبقات الأطباء ٣٧٤ ـ ٣٧٦ ، وتاريخ مختصر الدول لابن العبري ٢١٠ ، والمختصر في أخبار البشر ٣ / ٤٣ ، وسير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤١٩ رقم ٢٧٥ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ١٠٧ ، ونكت الهميان ٣٠٤ ، والنجوم الزاهرة ٥ / ٣٦٤ ، ومطالع =

٣٤٠