تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - ج ٣٨

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

مفروش بالحصباء ، وله سجّادة من الخوص تحته خاصّة.

وأمّا الأندلس فاختلّت أحوالها اختلالا بيّنا ، أوجب تخاذل المرابطين وميلهم إلى الراحة ، فهانوا على النّاس ، واجترأ عليهم الفرنج ، وقام بكلّ مدينة بالأندلس رئيس منهم ، فاستبدّ بالأمر ، وأخرج من عنده من المرابطين. وكادت الأندلس تعود إلى مثل سيرتها بعد الأربعمائة عند زوال دولة بني أميّة.

وأمّا بلاد مراغة فاستولى عليها صاحب أرغن ، لعنه الله ، ثمّ أخذ سرقسطة ونواحيها ، فلا قوّة إلّا بالله.

وأمّا أهل شرق الأندلس بلنسية ومرسية ، فاتّفقوا على تقديم الزّاهد عبد الرحمن بن عياض. بلغني عن غير واحد أنّه كان مجاب الدّعوة ، بكّاء ، رقيقا ، فإذا ركب للحرب لا يقوم له أحد. كان الفرنج يعدّونه بمائة فارس ، فحمى الله بابن عياض تلك النّاحية مدّة إلى أن توفّي ، رحمه‌الله ، ولا أتحقّق تاريخ وفاته ، فقام بعده خادمه محمد بن سعد وهو خليفته على النّاس ، فاستمرّت أيّامه إلى أن مات سنة ثمان وستّين وخمسمائة.

وأمّا أهل المريّة فأخرجوا عنهم أيضا المرابطين ، وندبوا للأمر عليهم الأمير أبا عبد الله بن ميمون الدّانيّ ، فأبى عليهم وقال : إنّما وظيفتي البحر وبه عرفت. فقدّموا عليهم عبد الله بن محمد بن الزّيميّ ، فلم يزل على المريّة إلى أن دخلها الفرنج واستباحوها.

وأمّا جيّان ، وحصن شقّورة ، وتلك النّاحية فاستولى عليها عبد الله بن همشك ، وربّما تملّك قرطبة أيّاما يسيرة.

وأمّا إشبيلية ، وغرناطة فأقامت على طاعة المرابطين.

وأمّا غرب الأندلس ، فقام به دعاة فتن ورءوس ضلالة ، منهم أحمد بن قسيّ ، وكان في أوّل أمره يدّعي الولاية ، وكان ذا حيل وشعوذة ، ومعرفة بالبلاغة ، فقام بحصن مارتلة ، ثمّ اختلف عليه أصحابه وتحيّلوا ، فأخرجوه

٢٦١

وأسلموه إلى جند عبد المؤمن ، فأتوه به ، وهو الّذي قال له عبد المؤمن : بلغني أنّك دعيت إلى الهداية. فقال : أليس الفجر فجرين ، كاذب وصادق؟ فأنا كنت الفجر الكاذب. فضحك وعفا عنه (١).

وجهّز عبد المؤمن الشّيخ أبا حفص عمر إينتي ، فعدّى البحر إلى الأندلس ، فافتتح الجزيرة الخضراء ، رندة ، ثمّ افتتح إشبيلية ، وغرناطة ، وقرطبة. وسار عبد المؤمن في جيوشه وعبر من زقاق سبتة ، فنزل جبل طارق ، وسمّاه : جبل الفتح. فأقام هناك شهرا ، وابتنى هناك قصرا عظيمة ومدينة ، فوفد إليه رؤساء الأندلس ، ومدحه شعراؤها ، فمن ذلك :

ما للعدى جنّة أوفى من الهرب

أين المفرّ وخيل الله في الطّلب

فأين يذهب من في رأس شاهقة

وقد رمته سهام الله بالشّهب

حدّث عن الروم في أقطار أندلس

والبحر قد ملأ البرّين بالعرب (٢)

فلمّا أتمّ القصيدة (٣) قال عبد المؤمن : بمثل هذا تمدح الخلفاء.

ثمّ استعمل على إشبيلية ولده يوسف الّذي ولي الأمر بعده ، واستعمل على قرطبة وبلادها أبا حفص إينتي ، واستعمل على غرناطة ابنه عثمان بن عبد المؤمن.

وكان قد استخدم العرب الّذين ببلاد بجاية ، وهم قبائل من بني هلال بن عامر ، خرجوا إلى البلاد حين خلّى بنو (٤) عبيد بينهم وبين الطّريق إلى المغرب ، فعاثوا في القيروان عيثا شديدا وجب خرابها إلى اليوم ، ودوّخوا مملكة بني زيرك بن مناد ، وهذا كان بعد موت المعزّ بن باديس ، فانتقل ابنه تميم إلى المهديّة ، وسار هؤلاء العربان حتّى نزلوا على المنصور الحماديّ ، فصالحهم على أن يجعل لهم نصف غلّة البلاد ، فأقاموا على ذلك إلى أن

__________________

(١) سيعيد المؤلف هذه الحكاية في ترجمة أحمد بن قسيّ الآتية برقم (٣٧٤).

(٢) المعجب ٣١٤ ، ٣١٥.

(٣) هكذا في الأصل. ولم يذكر اسم المنشد.

(٤) في الأصل : «بني».

٢٦٢

حاربوا عبد المؤمن في سنة ثمان وأربعين ، فتحزّبوا عليه ، وهم بنو هلال ، وبنو الأثجّ ، وبنو عديّ وبنو رباح ، وغيرهم من القبائل ، وقالوا : لو جاورنا عبد المؤمن أجلانا وتحالفوا عليه. فبذل لهم رجار الفرنجيّ ملك صقلّيّة نجدة بخمسة آلاف مقاتل ، فقالوا : لا نستعين إلّا بمسلم. وساروا في عدد عظيم ، وسار جيش عبد المؤمن في ثلاثين ألفا ، عليهم عبد الله بن عمر الهنتانيّ. فالتقوا ، وانهزمت العرب ، وأخذت البربر جميع متاعهم ونسائهم وأطفالهم ، وأتوا بها عبد المؤمن ، فقسّم المتاع والمال ، وصان الحريم وأحسن إليهم ، وكاتب العرب واستمالهم ، وحلف لهم ، فأتوا مرّاكش ، فخلع عليهم ، وبالغ في إكرامهم.

ثمّ استخدمهم عبد المؤمن ، وأنزلهم بنواحي إشبيلية وشريش ، فهم باقون إلى وقتنا.

قال : وعبور عبد المؤمن إلى الأندلس في سنة ثمان وأربعين وخمسمائة. وكان قد كتب إلى أمراء هؤلاء العربان رسالة فيها أبيات قالها هو وهي :

أقيموا إلى العلياء هوج الرّواحل

وقودوا إلى الهيجاء جرد الصّواهل

وقوموا لنصر الدّين قومة ثائر

وشدّوا على الأعداء شدّة صائل

فما العزّ إلّا ظهر أجرد سابح

وأبيض مأثور وليس بسائل (١)

بني العمّ من عليا هلال ابن عامر

وما جمعت من باسل وابن باسل

تعالوا فقد شدّت إلى [الغزو نيّة] (٢)

عواقبها منصورة بالأوائل

هي الغزوة الغرّاء والموعد الّذي

تنجّز من بعد المدى المتطاول

بها نفتح الدّنيا بها نبلغ المنى

بها ننصف التّحقيق من كلّ باطل

__________________

(١) في (المعجب ٣٢٩) جعل هذا البيت بيتين :

فما العزّ إلّا ظهر أجود سابح

يفوت الصبا في شدّه المتواصل

وأبيض مأثور كأنّ فرنده

على الماء منسوج ، وليس بسائل

(٢) في الأصل بياض ، والمستدرك من : المعجب ، وسير أعلام النبلاء.

٢٦٣

فلا تتوانوا فالبدار غنيمة

وللمدلج السّاري صفاء المناهل (١)

قال عبد الواحد بن عليّ المراكشيّ : أخبرني غير واحد ممّن أرضى (٢) نقله ، أنّ عبد المؤمن لمّا نزل مدينة سلا ، وهي على البحر المحيط ، ينصبّ إليها نهر عظيم يصبّ في البحر ، عبر النّهر ، وضربت له خيمة ، وجعلت الجيوش تعبر قبيلة قبيلة ، فخرّ ساجدا ، ثمّ رفع رأسه ، وقد بلّ الدّمع لحيته ، والتفّ إليه الخواصّ وقال : أعرف ثلاثة وردوا هذه المدينة لا شيء لهم إلّا رغيف واحد ، فراموا عبور هذا النّهر ، فبذلوا الرّغيف لصاحب القارب على أن يعدّي بهم ، فقال : لا آخذه إلّا على اثنين خاصّة. فقال له أحدهم ، وكان شابّا ، خذ ثيابي ، وأنا أعبر سباحة. ففعل ذلك. فكان كلّما أعيا من السّباحة دنا من القارب ووضع يده عليه ليستريح ، فيضربه صاحبه بالمجذاف الّذي معه ، فما عدّى إلّا بعد جهد.

قال : فما شكّ السّامعون أنّه هو العابر سباحة ، وأنّ الآخرين ابن تومرت ، وعبد الواحد الشّرقيّ (٣).

ثمّ نزل عبد المؤمن مرّاكش ، وأقبل على البناء والغراس (٤) ، وترتيب المملكة ، وبسط العدل ، وجعل ابنه عبد الله الّذي على بجاية يشنّ الغارات على نواحي إفريقية بعد القيروان ، فحاصرها ، وقطع أشجارها ، وغوّر مياهها ، وبها يومئذ عبد الله بن خراسان نائب صاحبها لوجار (٥) بن الدّوقة الروميّ ، لعنه الله ، وهو صاحب صقلّيّة. فلمّا طال على ابن خراسان الحصار ، أجمع رأيه على مناجزة المصامدة ، فخرج ، فالتقوا ، فانهزم المصامدة ، وقتل منهم خلق ، وردّ ابن خراسان إلى البلد ، فكتب عبد الله بن عبد المؤمن إلى أبيه

__________________

(١) الأبيات في المعجب ٣٢٩ ، ٣٣٠ وفيه زيادة ثلاثة أبيات أخرى قبل البيت الأخير.

(٢) في الأصل : «أرضا».

(٣) المعجب ٣٣١.

(٤) وذكر القزويني إنه كان له بها بستان يعرف باسمه ، طوله ثلاثة فراسخ ، وكان ماؤه من الآبار فجلب إليها ماء من أعماق تسير تسقي بساتين لها. (آثار البلاد ١١٢).

(٥) في الكامل ١١ / ١٨٥ «رجّار».

٢٦٤

يخبره. فلمّا كان في آخر سنة ثلاث وخمسين تهيّأ عبد المؤمن لتونس ، وسار حتّى نازلها ، ثمّ افتتحها عنوة ، وفصل عنها إلى المهديّة ، وبها النّصارى أصحاب ابن الدّوقة ، وهي له ، ولكنّ نائبة بها يحيى بن حسن بن تميم بن المعزّ بن باديس ، فحاصرها عبد المؤمن أشدّ الحصار ، لأنّها حصينة إلى الغاية.

بلغني أنّ عرض سورها ممرّ ستّة أفراس ، وأكثرها في البحر ، فكانت الأمداد تأتيها في البحر من صقلّيّة. فأقام يحاصرها سبعة أشهر ، فنقل ابن الأثير (١) : نازل عبد المؤمن المهديّة ، فكانت الفرنج تخرج شجعانهم لقتال العسكر ويعودون ، فأمر ببناء سور من غربيّها ، وأحاط أسطوله بالبحر ، وركب عبد المؤمن في شيني ، ومعه الحسن بن عليّ بن باديس الّذي كان صاحبها ، وأخذتها الفرنج منه من سنوات ، فطاف بها في البحر ، فهال عبد المؤمن ما رأى من حصانتها ، وعرف أنّها لا تؤخذ بقتال ، وليس إلّا المطاولة ، فأمر بجلب الأقوات ، وترك القتال ، فلم يمض إلّا أيّام حتّى صار في العسكر كالجبلين من القمح والشّعير ، وكان من يجيء من بعيد يقول : متى حدثت هذه الجبال؟ فيقال : إنّما هي غلّة. وتمادى الحصار. وفي مدّته أخذ بالأمان سفاقس ، وبلد طرابلس ، وقصور إفريقية ، وافتتح قابس بالسّيف. وكانت عساكره تغير. وجاءت جيوش صاحب صقلّيّة ، لعنه الله ، فكانت مائتين وخمسين شينيّا ، فنصر الله عليهم أسطول عبد المؤمن.

قال عبد المؤمن : قال عبد الواحد : واشتدّ على جيشه الغلاء. بلغني عن غير واحد أنهم اشتروا سبع باقلّات بدرهم مؤمنيّ ، وهو نصف درهم ... (٢) ، ثمّ افتتحها بعد أن أمّن النّصارى على أن يلحقوا بصقلّية.

ثمّ جهّز إلى قابس من افتتحها ، ثمّ افتتح طرابلس الغرب. وأرسل إلى توزر وبلاد الجريد ، فافتتحت كلّها ، وأخرج الفرنج منها وألحقهم ببلادهم ،

__________________

(١) في الكامل ١١ / ٢٤١ ـ ٢٤٥ حوادث سنة ٥٥٤ ه‍.

(٢) في الأصل بياض.

٢٦٥

وتطهّرت افريقية من الكفر ، وتمّ له ملك المغرب من طرابلس إلى سوس الأقصى ، وأكثر جزيرة الأندلس.

قال : وهذه مملكة لا أعلمها انتظمت لأحد قبله منذ أيام مروان الحمار.

وقيل : إنّه بدا له أن يمرّ في هذا الوجه على قرية باجسرى ، وبها ولد ، ليزور قبر أمّه وليصل من هناك من ذوي رحمه ، فلمّا أطلّ عليها والجيوش قد نشرت بين يديه ، والرّايات قد خفقت على رأسه ، أكثر من ثلاثمائة راية من بنود وألوية ، وهزّت أكثر من مائتي طبل ، وطبولهم في نهاية الكبر ، وغاية الضّخامة ، يخيّل لسامعها إذا ضربت أنّ الأرض من تحته تهتزّ ، فخرج أهل القرية للقائه ، فقالت عجوز منهم : هكذا يعود الغريب إلى بلده ، ورفعت صوتها (١).

وفي سنة ثمان وخمسين أمر النّاس بالجهاد لغزو الروم بالأندلس ، واستنفر أهل مملكته ثمّ سار حتّى نزل مدينة سلا ، فمرض ، ثمّ مات بها في السّابع والعشرين من جمادى الآخرة. وكان قد جعل وليّ عهده محمد ، ولده الكبير ، وكان لا يصلح ، لإدمانه الخمور ، وكثرة طيشه. وقيل كان به جذام. فلمّا مات اضطرب محمد هذا ، وخلعوه بعد شهر ونصف ، وأجمعت الدّولة على تولية أحد أخويه يوسف أو عمر ، فأباها عمر ، فبايعوا أبا يعقوب يوسف ، فبقي في الخلافة اثنتين وعشرين سنة.

وخلّف عبد المؤمن ستّة عشر ابنا ، وهم : محمد المخلوع ، وعليّ ، وعمر ، ويوسف ، وعثمان ، وسليمان ، ويحيى ، وإسماعيل ، والحسن ، والحسين ، وعبد الله ، وعبد الرحمن ، وعيسى ، وموسى ، وإبراهيم ، ويعقوب (٢).

__________________

(١) المعجب ٣٣٩ ، ٣٤٠.

(٢) المعجب ٢٨٩.

٢٦٦

قال صاحب «الجمع والبيان» : وقفت على كتاب كتبه عنه بعض كتّابه ، يقول بعد البسملة : من الخليفة المعصوم الرضيّ الزّكيّ ، الّذي وردت البشائر به من النّبيّ العربيّ ، القامع لكلّ مجسّم غويّ ، النّاصر لدين الله الكبير العليّ ، أمير المؤمنين الوليّ ، عبد المؤمن بن عليّ (١).

٢٨١ ـ عليّ بن أحمد (٢).

أبو الحسن ابن الدّلاء الدّمشقيّ.

روى عن نصر الدّمشقيّ مجلسا ، سمعه منه أبو القاسم بن عساكر (٣) ، وقال : توفّي في شعبان ، وله ثلاث وثمانون سنة (٤).

__________________

(١) وقال أبو الخير معاذ بن علي بن يونس بن المنصور الفقيه المغربي الصنهاجي : حدّثني غير واحد ممن أدرك عبد المؤمن أمير المغرب ، قال : كان عبد المؤمن رجلا ، عالما ، ورعا ، فقيها. وكان لا يخلو مجلسه من العلماء بكل فن من فنون العلم ، ومتى خاضوا فنّا خاض معهم فيه كأحدهم ، فاتفق أن حضر مجلسه خلق كثير من العلماء والفقهاء والشعراء ، فجرت مسألة فسكتوا لاستماع كلامه فقال لهم : لم لا تتكلّمون؟ فابتدر أحدهم فقال : لا علم لنا إلّا ما علّمتنا. فسمع بعض من كان حاضرا ، فكتب في الحال رقعة لطيفة ، فيها :

يا ذا الّذي قهر العباد بسيفه

ما ذا يصدّك أن تكون إلها؟

أنطق بها فيما ابتدعت ، فإنه

لم يبق شيء لم تقله سواها

ثم ألقاها في غمار المجلس ، من غير أن يعلم أحد. فلمّا قاموا لمحها عبد المؤمن فدعا بها واعتقد أنها لمظلوم أو طالب حاجة ، فلما قرأها أمر بكل من يعرف بقول الشعر أن يحبس ، فحبس جماعة كثيرة ، فلما رأى ذلك قائلها ، لم ير أن يؤخذ بها غيره ممن ليس له ذنب ، فطالع عبد المؤمن بذلك. فدعاه ، فلما وقف بين يديه قال له : ما الّذي دعاك إلى هذه؟ فأعلمه أنه فعله غير مرة غيرة على دينه ، ولم يرض ما خوطب به من قول القائل : لا علم لنا إلا ما علّمتنا ، إذ هذا خطاب الملائكة لله ـ جلّ وعلا ـ فقال : يا شيخ مثلك من نبّه على حسن ونهى عن مكروه. ووصله وصلة حسنة ، ولم يهجه بما خاطبه به من قوله : انطق بها فيما ابتدعت ، ولا أنكره عليه. (تاريخ إربل ١ / ٢٥٠).

(٢) انظر عن (علي بن أحمد) في : تاريخ دمشق ، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور ١٤ / ١٧٦ رقم ٥٧.

(٣) وهو قال : كان يجيد اللعب بالشطرنج ، ويحاضر الأمراء لأجله ، ثم صلحت طريقته قبل موته.

(٤) سئل ابن الدلاء عن مولده فقال : في سنة خمس وسبعين وأربعمائة.

٢٦٧

٢٨٢ ـ عليّ بن عبد الرحيم بن محمد بن عليّ بن أبي موسى.

الهاشميّ الشّريف أبو المظفر البغداديّ.

نبيل. ذكر وفاته أبو بكر محمد بن مشّق.

 ـ حرف الكاف ـ

٢٨٣ ـ كمال (١) بنت المحدّث أبي محمد عبد الله بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث ابن السّمرقنديّ.

أمّ الحسين.

صالحة خيّرة. وهي زوجة أبي الفرج عبد الخالق بن أحمد اليوسفيّ.

سمّعها أبوها من : طراد الزّينبيّ ، وأبي عبد الله النّعاليّ ، وابن البطر ، وجماعة في سنة إحدى وخمسين.

ومولدها سنة نيّف وأربعمائة.

روى عنها : إبراهيم بن محمد بن برهان النّسّاج.

 ـ حرف الميم ـ

٢٨٤ ـ محمد بن أحمد بن سفيان.

أبو بكر السّلميّ ، المرسيّ.

روى عن : أبي محمد بن أبي جعفر الفقيه ، وأبي القاسم بن أبي المتان.

روى عنه : أبو عبد الله بن عبد الحقّ التّلمسانيّ.

توفّي في هذا العام ظنّا أو قبله.

٢٨٥ ـ محمد بن أحمد بن محمد.

الدّبّاس ، المنقريّ (٢).

__________________

(١) انظر عن (كمال بنت أبي محمد) في : سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٢٠ رقم ٢٧٦ ، وذكرها في صفحة ٣٧٧ (دون ترجمة) ، وأعلام النساء ٤ / ٢٦٢.

(٢) المنقري : بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف ، وراء ، هذه النسبة إلى بني منقر بن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن كعب ... بن عدنان. (الأنساب ١١ / ٥٠٢).

٢٦٨

هو ابن أخي أبي عبد الله البارع. كان صالحا مقرئا ، ورّاقا.

سمع : مالكا البانياسيّ ، والنّعاليّ.

وعنه : ابن الأخضر.

عاش ثمانين سنة.

مات في صفر.

٢٨٦ ـ محمد بن أحمد بن أبي العافية.

أبو عبد الله الملحميّ (١) ، المرسيّ ، يعرف بالقسطليّ.

روى عن : أبي عليّ بن سكّرة ، وتفقّه عليه.

وكان بصيرا بمذهب الإمام مالك ، موصوفا بذلك.

تفقّه عليه : أبو عبد الله محمد بن سليمان بن برطلة.

٢٨٧ ـ محمد بن الحسين (٢).

الملك سيف الدّين ابن الملك علاء الدّين الغوريّ ، صاحب الغور.

تفرّد من عسكره يتفرّج ويتصيّد ، فشعر به أمراء الغزّ ، فأسرعوا إليه وأحاطوا به ، فقاتلهم أشدّ قتال ، إلى أن قتل هو وجماعة ، وأسر الباقون.

وبلغ جيشه الخبر ، فانهزموا.

وكان عاملا ، حسن السّيرة. لمّا ملك منع جنده من أذيّة المسلمين.

قتل في رجب وله نحو من عشرين سنة.

٢٨٨ ـ محمد بن حمّاد.

أبو غالب الموسويّ ، المروزيّ.

سمع : أبا المظفّر بن السّمعانيّ وخدمه مدّة ، وإسماعيل بن محمد الزّاهريّ.

__________________

(١) الملحميّ : بضم الميم وسكون اللام وفتح الحاء المهملة ، وفي آخرها الميم. هذه النسبة إلى الملحم ، وهي ثياب تنسج من الإبريسم.

(٢) انظر عن (محمد بن الحسين) في : الكامل في التاريخ ١١ / ٢٩٣ ، ٢٩٤ ، ودول الإسلام ٢ / ٧٢ ، والبداية والنهاية ١٢ / ٢٤٦.

٢٦٩

قال أبو سعد الحافظ : اتّصل بالأمراء ، وكان يوافقهم على شرب الخمر ، وكان رافضيا مبالغا.

توفّي في جمادى الآخرة وله ثمانون سنة.

٢٨٩ ـ محمد بن عبد الله بن سفيان بن سيّد ... (١).

التّجيبيّ ، الشّاطبيّ.

روى عن : أبي القاسم بن الجنان ، وأبي بكر بن أسد.

وتفقّه بصهره أبي بكر بن أسد. وكان عارفا بالحديث. له مجموع في رجال الأندلس ذيّل به على «الصّلة» لابن بشكوال.

وتوفّي قبله سنة ثمان هذه.

٢٩٠ ـ محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن البيضاويّ (٢).

القاضي أبو عبد الله ، بغداديّ ، فاضل ، نبيل.

ولد سنة ستّ وثمانين وأربعمائة ، وحدّث.

وتوفّي في شوّال.

روى عن : ابن طلحة النّعاليّ ، وابن البطر ، وأبي الحسن بن الطّيوريّ.

وعنه : أبو الفرج بن الجوزيّ (٣) ، وأبو محمد بن الأخضر ، وإسماعيل بن حمدي (٤).

__________________

(١) في الأصل بياض.

(٢) انظر عن (محمد بن عبد الله البيضاوي) في : المنتظم ١٠ / ٢٠٦ رقم ٢٩٨ (١٨ / ١٥٧ رقم ٤٢٤٩) ، وتاريخ إربل ١ / ٣٦٨ ، ٣٦٩ رقم ٢٦٧ وفيه «محمد بن عبد الله بن أبي الفتح الإربلي».

(٣) وهو قال : قرأت عليه أشياء من مسموعاته.

(٤) وقال ابن المستوفي : «محمد الإربلي هو محمد بن عبد الله بن أبي الفتح الإربلي. كذا وجدت في آخر جزء سمعه على أبي بكر محمد بن علي الأنصاري الجياني ، جماعة بجامع

٢٧٠

٢٩١ ـ محمد بن عبد الكريم بن إبراهيم بن عبد الكريم بن رفاعة (١).

سديد الدّولة الشّيبانيّ ، المعروف بابن الأنباريّ.

كاتب الإنشاء بالدّيوان العزيز. أقام بديوان الإنشاء خمسين سنة (٢) ، وناب في الوزارة ، ونفّذ رسولا إلى ملوك الشّام ، وخراسان ، وكان ذا رأي وتدبير وحسن سيرة. وكان بينه وبين أبي محمد الحريريّ مصنّف «المقامات» رسائل ، وقد دوّنت.

حدّث عن : ابن الحصين ، وأبي محمد بن السّمرقنديّ.

وسمع من أحمد بن محمد الخيّاط (٣) ، وأبي عبد الله محمد بن نصر القيسرانيّ بعض شعرهما.

سمع منه : أحمد بن صالح بن شافع ، والمبارك بن عبد الله بن النّقّور ، وعبد المحسن بن خطلخ.

وعاش نيّفا وثمانين سنة.

__________________

= الموصل يوم الجمعة سادس عشر المحرّم ، سنة ثمان وخمسين وخمسمائة ، محمد بن عبد الله هذا منهم. ووجدته سمع كتاب «الدعاء» للحسين بن إسماعيل المحاملي ، على محمد بن بركة بن خلف بن الحسن بن كرما الصلحي بالموصل في محرّم سنة ثمان وخمسين وخمسمائة.

(١) انظر عن (محمد بن عبد الكريم) في : المنتظم ١٠ / ٢٠٦ رقم ٢٩٩ (١٨ / ١٥٧ رقم ٤٢٥٠) ، والكامل في التاريخ ١١ / ٢٩٧ ، والمختصر في أخبار البشر ٣ / ٤١ ، والعبر ٤ / ١٦٥ ، ١٦٦ ، وسير أعلام النبلاء ٢٠ / ٣٥٠ ، ٣٥١ رقم ٢٣٨ ، وصفحة ٣٧٧ ، والوافي بالوفيات ٣ / ٢٧٩ ، ٢٨٠ ، والبداية والنهاية ١٢ / ٢٤٧ ، ومرآة الجنان ٣ / ٣١٨. والنجوم الزاهرة ٥ / ٣٦٤ ، وشذرات الذهب ٤ / ١٨٤ ، ١٨٥.

(٢) وقال ابن الجوزي : كان شيخا مليح الشيبة ، ظريف الصورة ، فيه فضل وأدب ، وانفرد بإنشاء المكاتبات ، وبعث رسولا إلى سنجر وغيره من السلاطين ، وخدم الخلفاء والسلاطين من سنة ثلاث وخمسمائة ، وعمّر حتى قارب التسعين. (المنتظم).

(٣) في الأصل «الحناط» بالحاء المهملة والنون ، وكذا في : الوافي بالوفيات ٣ / ٣ / ٢٧٩ وهو غلط ، والصحيح ما أثبتناه. وابن الخياط هو الشاعر الدمشقيّ المشهور صاحب الديوان. توفي سنة ٥١٧ ه‍.

٢٧١

وشيّعه ابن هبيرة الوزير فمن دونه. وكان رائق اللّفظ ، بليغ الكتابة ، مليح الخطّ.

وقد مدحه إبراهيم الغزّيّ ، وأبو بكر الأرّجانيّ ، ومحمد بن نصر القيسرانيّ. وللأرّجانيّ فيه أشعار لو دوّنت لجاءت تخلّده. وله قصّة في كتابته للإنشاء ، فأنبأني أحمد بن سلامة ، عن أحمد بن طارق ، أنّه سمع سديد الدّولة ابن الأنباريّ يقول : كتب إليّ صديقي هبة الله بن السّقطيّ المحدّث سنة ستّ وخمسمائة رقعة ، وقد مات كاتب الإنشاء ابن رضوان :

قل لسديد الدّولة المجتبى

في الأصل والإفضال والغرس

قد عنّت لرتبة فانهض لها

واخطب جديد كتبة المجلس

قال : فكتبت على ظهرها :

يا من هوى مع فضله همّة

بغير ثوب الشّكر لا تكتسي

أرهقت عزمي في طلب العلا

لو رغبوا في كاتب مفلس (١)

__________________

(١) ومن شعر سديد الدولة :

يا قلب إلام لا يفيد النصح

دع مزحك كم هوى جناه المزح

ما جارحة منك خلّاها جرح

ما تشعر بالخمار حتى تصحو

ومن شعره أيضا :

لا تيأسنّ إذا حويت فضيلة

من العلم من نيل المرام الأبعد

بينا ترى الإبريز يلقى في الثّرى

إذ صار تاجا فوق مفرق أصيد

وله :

يا ابن الكرام نداء من أخي ثقة

تطويه نحوك أشواق وتنشره

ما اختار بعدك لكن للزمان يد

على خلاف الّذي يهواه تجيره

وله :

إن قدّم الصاحب ذا ثروة

وعاف ذا فقر وإفلاس

فالله لم يدع إلى بيته

سوى المياسير من الناس

(الوافي بالوفيات)

٢٧٢

ودفعتها إلى الرسول ، وكان صبيّا ، فخرج في الحال ، فاجتاز بباب العامّة والرّقعة بيده ، والخطّ رطب ، فأخذ ترابا ينشّفه ، فصادف ابن الحلوانيّ صاحب الخبر فقال : يا صبيّ ما هذه الرّقعة؟ قال : كتبها ابن السّقطيّ إلى سديد الدّولة ابن الأنباريّ.

فكتب نسختها وعرضها على الإمام المستظهر بالله ، فلمّا كان من الغد إذا رقعة ظهير الدّين صاحب المخزن جاءتني إلى داري ، يذكر فيها : إن رأى التّجشّم إلى داره الّتي أنا ساكنها لألقي إليه ما رسم فقل إن شاء الله. فركبت إليه في الحال ، فحين دخلت قام متمثّلا وقال للجماعة : الخلوة. فانصرفوا ، فقال : أمير المؤمنين يهدي إليك السّلام ويقول : قد رغبنا في كاتب مفلس.

فقلت في الحال : التّصريح بطلب الرّتب ما لا يقتضيه الأدب. فقلّدت ولي يومئذ خمس وثلاثون سنة.

وأنبأني أحمد ، عن ابن طارق : حدّثني سديد الدّولة أنّ الحريريّ صاحب «المقامات» كتب إليه رقعة ، فكتب إليه في كتاب بديها :

أهلا بمن أهدى إليّ صحيفة

صافحتها بالرّوح لا بالرّاح

وتبلّجت فتأرّجت نفحاتها

كالمسك شيب فسيحه بالرّاح

فكتب إليّ جواب هذه : لقد صدقت رواة الأخبار أن معدن الكتابة الأنبار (١).

وقد ذكر وفاته ابن الأثير في «الكامل» في سنة خمس وثلاثين ، والنّسخة سقيمة فلعلّه بدل «توفّي» : «عزل» ، أو نحوه (٢).

__________________

= ولهبة الله بن الفضل بن عبد العزيز المتّوثي قصيدة في مدح سديد الدولة ابن الأنباري ، ستأتي في ترجمته القريبة برقم (٢٩٦).

(١) سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٣٥١.

(٢) لقد ذكر ابن الأثير وفاته في التاريخ الصحيح سنة ٥٥٨ ه‍. وقال إنه خدم من سنة ثلاثين وخمسمائة إلى الآن ديوان الخلافة ، وعاش حتى قارب تسعين سنة. (الكامل ١١ / ٢٩٧).

٢٧٣

٢٩٢ ـ محمد بن عليّ بن خطّاب بن أبي الفتح (١).

أبو شجاع الدّينوريّ ، ثمّ البغداديّ ، الخيميّ ، أخو يحيى.

سمع : أبو الفضل أحمد بن خيرون ، وأبا غالب الباقلّانيّ ، ومحمد بن عبد السّلام.

روى عنه : أبو محمد بن الخشّاب ، وعمر القرشيّ ، وابن أخيه عبد اللّطيف بن يحيى ، وابن الحصريّ.

توفّي في شوّال.

٢٩٣ ـ المبارك بن أبي طاهر (٢).

أبو نصر بن الملّاح. بغداديّ.

روى عن : الحسين بن عليّ البسري ، وغيره (٣).

٢٩٤ ـ مكّيّ بن عليّ بن المبارك بن طليب.

الحربيّ ، شيخ صالح.

سمع من : أبي الحسن بن الطّيوريّ ، وغيره.

وروى عنه : عبد الله بن خجستويه ، وعبد العزيز بن الأخضر.

وتوفّي في رجب.

 ـ حرف النون ـ

٢٩٥ ـ نصر الله بن أحمد بن أبي العزّ محمد بن المختار بن المؤيّد بالله.

أبو العبّاس بن أبي تمّام الهاشميّ ، الخريميّ (٤) ، التّاجر ، السّفّار.

__________________

(١) انظر عن (محمد بن علي بن خطاب) في : ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن الدبيثي ٢ / ١١٥ ، ١١٦ رقم ٣٣٨ ، والمختصر المحتاج إليه لابن الدبيثي باختصار الذهبي ١ / ٨٨.

(٢) انظر عن (المبارك بن أبي طاهر) في : المختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيثي ٣ / ١٨٠ رقم ١١٦٤.

(٣) سمع منه عمر القرشي.

(٤) الخريمي : بضم الخاء المعجمة وفتح الراء وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفي آخرها الميم. هذه النسبة إلى خريم وهو اسم رجل (الأنساب ٥ / ٩٩).

٢٧٤

كثير المال ، من بيت العلم والشّرف.

حدّث بمرو عن جدّه.

ومات بسمرقند.

وروى عنه : ابن السّمعانيّ ، وابنه عبد الرحيم.

 ـ حرف الهاء ـ

٢٩٦ ـ هبة الله بن الفضل بن عبد العزيز بن محمد بن الحسين بن عليّ (١).

أبو القاسم بن القطّان المتّوثيّ (٢) ، الشّاعر.

سمع : أباه الفضل ، وأبا الفضل بن خيرون ، وأبا طاهر أحمد بن الحسين الباقلّانيّ ، وأبا عبد الله النّعاليّ ، وغيرهم.

وكان شاعرا محسنا ، بليغ الهجاء (٣).

روى عنه : أبو سعد السّمعانيّ ، وقال : سألته عن مولده فقال : سنة ثمان وسبعين.

وتوفّي يوم عيد الفطر.

__________________

(١) انظر عن (هبة الله بن الفضل) في : خريدة القصر (قسم العراق) ٢ / ٢٧٠ ، والمنتظم ١٠ / ٢٠٧ رقم ٣٠٠ (١٨ / ١٥٧ ، ١٥٨ رقم ٤٢٥١) ، وأخبار الدولة السلجوقية ١٢٠ ، وعيون الأنباء في طبقات الأطباء ٣٨٠ ـ ٣٨٩ ، ووفيات الأعيان ٦ / ٥٣ ـ ٦١ ، وسير أعلام النبلاء ٢٠ / ٣٣٩ ، ٣٤٠ رقم ٢٣١ ، وصفحة ٣٧٧ ، ومرآة الجنان ٣ / ٣١٥ ، ولسان الميزان ٦ / ١٨٩ ، وفوات الوفيات ٢ / ٣١٤ ، ومفتاح السعادة ١ / ٧١٤ ، والأعلام ٨ / ٧٥.

(٢) المتّوثي : بفتح الميم ، وضم التاء المشدّدة ، وفي آخرها الثاء المثلّثة ، هذه النسبة إلى متّوث وهي بليدة بين قرقوب وكور الأهواز. (الأنساب ١١ / ١٢٥ ، ١٢٦ ، اللباب ٣ / ١٦٢).

(٣) في المنتظم : كان شاعرا مطبوعا لكنه كان كثير الهجاء متفسّحا.

وفي الخريدة ، رأيته شيخا مسنّا ، مطبوعا ، حاضر النادرة .. له شعر كثير لم يدوّن ، والغالب عليه الهجاء والمجون ، وما خلا من ذلك لا يكون له طلاوة. هجا الأكابر ولم يغادر أحدا من أهل زمانه.

سمعته ينشد بيتا له في نفي الخيال الكرى ، وهو :

ما زارني طيفها إلّا موافقة

على الكرى ، ثم ينفيه وينصرف

ورأيته كثيرا ينشد الوزير ابن هبيرة ويمدحه ويجتديه ، وقال يوما : ارحم يتيما في سنّي.

٢٧٥

قلت : وكان يعرف الطّبّ والكحالة ، وديوانه مشهور.

وقد هجا الحيص بيص ، وهو الّذي شهره بهذا اللّقب.

وله قصيدة طنّانة في كاتب الإنشاء سديد الدّولة محمد بن الأنباريّ ، أوّلها :

يا من هجرت فلا (١) تبالي

هل ترجع [دولة] (٢) الوصال

ما (٣) أطمع يا حياة (٤) قلبي

أن ينعم في هواك بالي

الطّرف من الصّدود (٥) باك

الجسم ، كما ترين ، بالي (٦)

أهواك (٧) وأنت حظّ غيري

يا قاتلتي ، فما احتيالي (٨)

واللّوّم (٩) فيك يزجر [وني] (١٠)

عن حبّك ما لهم ، وما لي (١١)؟

طلّقت تجلّدي ثلاثا

والصّبوة بعد في خيالي (١٢)

__________________

(١) في الخريدة : «ولا» ، ومثله في الكامل.

(٢) في الأصل بياض ، والمستدرك من المصادر.

(٣) في البداية والنهاية : «هل» ، ومثله في الكامل ١١ / ٢٩٧.

(٤) في الخريدة ، والمنتظم ، والكامل : «يا عذاب».

(٥) في الخريدة ، والكامل : «الطرف كما عهدت».

(٦) هذا البيت ليس في المنتظم.

(٧) في المصادر بيت قبله :

ما ضرّك أن تعلّليني

في الوصل بموعد محال

(٨) في المصادر بيت بعده :

أيام عناي فيك سود

ما أشبههنّ بالليالي

(٩) في المصادر : «العذّل».

(١٠) في الأصل بياض ، والمستدرك من : المنتظم.

وفي الخريدة : «العذل فيك قد نهبوني».

وفي البداية والنهاية : «العذل فيك يعدلوني».

(١١) بعد هذا البيت ثلاثة أبيات في المصادر :

يا ملزمي السّلوّ عنها

الصّبّ أنا ، وأنت سالي

والقول بتركها صواب

ما أحسنه لو استوى لي

في طاعتها بلا اختياري

قد صحّ بعشقها اختلالي

(١٢) في المنتظم والخريدة : «حبالي». والمثبت يتفق مع : البداية والنهاية.

وبعد هذا البيت بيت أخير :

٢٧٦

روى عنه : أبو الفتوح بن الحصري ، وثابت بن مشرّف ، وابن الأخضر.

وكان عسرا في الرّواية. كذا (١).

 ـ حرف الياء ـ

٢٩٧ ـ ياقوت المسترشديّ (٢).

عن : أبي غالب بن البنّاء.

وعنه : أبو الفتوح بن الحصريّ (٣).

ورّخه ابن الدّبيثي.

٢٩٨ ـ يحيى بن سالم (٤) بن سعد بن يحيى.

الفقيه ، أبو الخير بن أبي الخير العمراني ، الشّافعيّ.

مصنّف كتاب «البيان» في المذهب. قيل إنّه كان يكرّر على المذهب لأبي إسحاق ، فكان يقرأه في ليلة واحدة.

وله مصنّفات مفيدة منها : «غريب كتاب الوسيط» للغزاليّ.

نشر العلم باليمن ، ورحل النّاس إليه ، وتفقّهوا عليه (٥).

__________________

= ذا الحكم عليّ من قضاه

من أرخصني لكلّ غال؟

(١) ذكر العماد كثيرا من شعره في الخريدة.

(٢) انظر عن (ياقوت المسترشدي) في : المختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيثي ٣ / ٢٥٥ رقم ١٣٧٩.

(٣) وسمع منه : أبو بكر الباقداري.

(٤) في الأصل : «يحيى بن سام» ، والتصحيح من : طبقات فقهاء اليمن ١٧٤ ، ومعجم البلدان ٣ / ٢٩٦ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٢ / ٢٧٨ ، وسير أعلام النبلاء ٢٠ / ٣٧٨ (دون رقم) ، ومرآة الجنان ٣ / ٣١٨ ، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٧ / ٣٣٦ ـ ٣٣٨ ، وطبقات الشافعية للإسنويّ ١ / ٢١٢ ، ٢١٣ ، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ١ / ٣٣٥ ، ٣٣٦ رقم ٣٠٢ ، وطبقات الشافعية لابن هداية الله ٢١٠ ، ١١) ، وشذرات الذهب ٤ / ١٨٥ ، وهدية العارفين ٢ / ٥٢٠.

(٥) وقال ابن قاضي شهبة : ولد سنة تسع وثمانين وأربعمائة. تفقه على جماعات منهم زيد البقاعي. كان شيخ الشافعية في بلاد اليمن ، وكان إماما! زاهدا ، ورعا ، عالما ، خيّرا ،=

٢٧٧

وتوفّي في هذه السّنة رحمه‌الله تعالى.

٢٩٩ ـ يغمر بن ألب سارخ (١).

الفقيه أبو النّدى (٢) التركيّ ، المقرئ.

كان أبوه جنديّا (٣).

قال ابن عساكر : كان يعمل في القراءة ، وتفقّه على شيخنا أبي الحسن بن مسلم ، وكان يحفظ قطعة صالحة من الأخبار والأشعار. وكان يحثّني على تبييض التّاريخ ، وكان قد حصل عندي فتور عن تبييضه (٤) ، فلمّا

__________________

= مشهور الاسم ، بعيد الصيت ، عارفا بالفقه وأصوله والكلام والنحو ، من أعرف أهل الأرض بتصانيف الشيخ أبي إسحاق الشيرازي في الفقه والأصول والخلاف ، يحفظ المهذب عن ظهر قلب.

وقيل : إنه كان يقرأه في كل ليلة واحدة ، وكان ورده في كل ليلة أكثر من مائة ركعة بسبع من القرآن العظيم. رحل إليه الطلبة من البلاد.

قال النووي في التنقيح : إنه يحكي طريقة العراقين ، وفي بعض الأماكن ينقل الطريقتين.

ومن تصانيفه : «البيان» في نحو عشرات مجلّدات ، واصطلاحه أن يعبّر ب «المسألة» عمّا في «المهذّب» وب «الفرع» عمّا زاد عليه. وكتاب «الزوائد» له جزءان ، جمع فيه فروعا زائدة على «المهذّب» من كتب معدودة ، وكتاب «السّؤال عمّا في المهذّب من الإشكال» وهو مختصر ، و «الفتاوى» مختصر أيضا ، و «غرائب الوسيط» ، و «مختصر الإحياء». وله في علم الكلام كتاب «الانتصار» في الردّ على القدرية. وابتدأ تصنيف «الزوائد» في سنة سبع عشرة ، فمكث فيها أربع سنين إلا قليلا. وكان ذلك منه بإشارة شيخه زيد البقاعي. وابتدأ تصنيف البيان سنة ثمان وعشرين ، وفرغ منه في سنة ثلاث وثلاثين. نقل الرافعي عنه في أول النجاسات أنه حكى وجها أنّ النبيذ طاهر. ثم في الوضوء ، ثم في الاستنجاء ، ثم في نواقض الوضوء ، ثم في الحيض ، ثم كرّر النقل عنه». (طبقات الشافعية).

(١) في الأصل : «يعمر» (بالعين المهملة) بن ألب «سارج» (بالجيم) ، والتصحيح من : تاريخ دمشق ، ومختصره لابن منظور ٢٨ / ٦٢ ، ٦٣ رقم ٤٧.

(٢) في الأصل : «أبو البدر».

(٣) وزاد ابن عساكر : كان يختلف إلى الدرس بالمدرسة الأمينية ، ويلقّن القرآن في المسجد الجامع ، ويؤم بالناس في الصلوات الخمس في مسجد العقيبة ، وكانت له مروءة مع ضعف ذلك ، يضيف من نزل به في مسجده وكان حسن الاعتقاد ، ذا صلابة في الدين.

(٤) وفي التاريخ زيادة : حتى أنه عزم عند وجود فترة مني عنه ، وانصراف همّتي عن تبييضه على =

٢٧٨

مات في هذه السّنة وكنت في جنازته فكّرت وقلت : أنا والله أحقّ بالاهتمام بهذا التّاريخ فصرفت همّتي إليه وشرعت في تبييضه (١).

٣٠٠ ـ يوسف بن محمد بن مقلّد بن عيسى (٢).

أبو الحجّاج الدّمشقيّ ، المعروف بابن الدّوانيقيّ (٣).

قال ابن عساكر : سمع معنا من : هبة الله بن الأكفانيّ ، وطاهر بن سهل بن بشر ، ورحل فسمع ببغداد : أبا القاسم بن الحصين ، وأبا غالب بن البنّاء.

وتفقّه على أبي منصور بن الرّزّاز.

واستوطن بغداد ، وتصوّف وصحب أبا النّجيب السّهرورديّ. ووعظ وناظر ، وقدم دمشق ومرض بالاستسقاء [فعدته في المنزل الّذي كان فيه] (٤).

وقرأ لابني أبي الفتح ثلاثة أحاديث من حفظه ، ومات في عاشر شهر صفر (٥).

وأنشدنا أبو الحسين أحمد بن حمزة أنشدنا يوسف بن محمد التّنوخيّ لنفسه :

__________________

= أن يكتب إلى الملك العادل نور الدين قصّة على لسان أصحاب الحديث يسأله أن يتقدّم إليّ بإنجازه ، فنهاه بعض أصحابنا عن ذلك ، إلى أن يسّر الله الشروع فيه بعد وفاته .. ويا ليت أنه كان بقي حتى يراه ، ولو كان رآه لعلم أنه أكثر مما وقع في نفسه.

(١) وزاد : ويسّر الله تمامه بهمّة يغمر ، فإنه كان صالحا ، وكان يتأسّف على ترك الشروع فيه ، وكان شديد الاهتمام به ، يكاد يبكي إذا ذكره ، ويقول : لو تمّ هذا الكتاب لا يكون في الإسلام كتاب مثله.

(٢) انظر عن (يوسف بن محمد) في : تاريخ دمشق ، ومختصره لابن منظور ٢٨ / ٩١ رقم ٧٤.

(٣) في تاريخ دمشق «الدونقي».

(٤) في الأصل بياض ، وما بين الحاصرتين مستدرك من تاريخ دمشق.

(٥) وكان يناظر في مسائل الخلاف ، ويعقد المجلس للتذكير ، ويتردّد من بغداد إلى الموصل للوعظ ، ثم رجع إلى دمشق في آخر عمره.

وقال في مرضه الّذي مات فيه : أنا أبرأ إلى الله من اعتقاد التشبيه.

٢٧٩

أنوم بعد ما هجع النّيام

وظلم بعد ما انقشع الظّلام

[نور] (١) الصبح في الفوزين باد

ينادي ما بقي إلّا منام

فبادر يا فتى قبل المنايا

فما لك بعد ذا عذر يقام

فعند الله موقفنا جميعا

وبين يديه ينفصل الخصام

__________________

(١) في الأصل بياض.

٢٨٠