تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - ج ٣٨

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

والألوس : بالضّمّ وهي ناحية عند حديثة عانة (١).

__________________

= جاويشا ، ولمّا صارت الخلافة إلى المقتفي تكلّم فيه وفي أصحابه بما لا يليق ، فقبض عليه وسجن ، فلبث في السجن عشر سنين وأخرج منه في خلافة المستنجد.

ومن شعره :

رحلوا فأفنيت الدموع لبعدهم

من بعدهم وعجبت إذ أنا باق

وعلمت أنّ العود يقطر ماؤه

عند الوقود لفرقة الأوراق

وأبيت مأسورا وفرحة ذكركم

عندي تعادل فرحة الإطلاق

لا تنكر البلوى سواد مفارقي

فالحرق يحكم صنعة الحرّاق

وقال في صفة القلم :

ومثقّف يغني ويفني دائما

في طوري الميعاد والإيعاد

فلم يفلّ الجيش وهو عرمرم

والبيض ما سلّت من الأغماد

وهبت به الآجام حين نشا بها

كرم السّيول وهيبة الآساد

وقال العماد الكاتب :

بغداديّ الدار ، ترفّع قدره ، وأثرت حاله ، ونفق شعره ، وكان له قبول حسن ، واقتنى أملاكا وعقارا ، وكثر رياشه ، وحسن معاشه ، ثم عثر به الدهر عثرة صعب منها انتعاشه ، وبقي في حبس أمير المؤمنين المقتفي بأمر الله أكثر من عشر سنين إلى أن خرج في زمان أمير المؤمنين المستنجد بالله سنة خمس وخمسين وخمس مائة عند توليته ، من الحبس. ولقيته حينئذ وقد عشي بصره من ظلمة المطمورة التي كان فيها محبوسا. (الخريدة).

(١) قال ابن السمعاني : الألوسي نسبة إلى ألوس وهو موضع بالشام في الساحل عند طرسوس. (الأنساب ١ / ٣٤٣) ، وعقّب ياقوت على قوله بأنه سهو منه ، والصحيح أنها على الفرات قرب عانات والحديثة. (معجم البلدان ١ / ٢٤٦) وتابعه ابن الأثير في (اللباب ١ / ٨٣) وقيّدها ابن شاكر الكتبي : «آلس». بمدّ الألف. (فوات الوفيات ٢ / ٤٥٣). وقال محمد محيي الدين عبد الحميد في تحقيقه لفوات الوفيات (طبعة مطبعة السعادة بمصر) ٢ / ٧٦ : «عطاف بن محمد بن علي أبو سعيد البالسي (كذا) الشاعر المعروف المؤيّد. ولد ببالس (كذا). ثم قال في الحاشية : «لم أعثر له على ترجمة فيما بين يديّ من كتب الرجال»! وقد علّق الدكتور مصطفى جواد على ذلك بقوله : «ليت شعري ما الّذي كان بين يديه من كتب الرجال»! (المختصر المحتاج إليه ، بالحاشية).

وقال ياقوت : واتفق للمؤيّد الشاعر هذا الألوسي قصّة قلّ ما يقع مثلها ، وهو أنّ المقتفي لأمر الله اتّهمه بممالأته السلطان ومكاتبته ، فأمر بحبسه فحبس وطال حبسه ، فتوصل له ابن المهتدي صاحب الخبر في إيصال قصّة إلى المقتفي يسأله فيها الإفراج عنه ، فوقّع المقتفي : أيطلق المؤبّد؟ بالباء الموحّدة. فزاد ابن المهتدي نقطة في «المؤيّد» وتلطّف في كشف الألف من «أيطلق» ، وعرضها على الوزير ، فأمر بإطلاقه ، فمضى إلى منزله ، وكان في أول النهار ، فضاجع زوجته ، فاشتملت على حمل ، ثم بلغ الخليفة إطلاقه فأنكره وأمر بردّه إلى محبسه =

٢٤١

 ـ حرف النون ـ

٢٦٦ ـ [نصر الله] بن علي بن صالح.

أبو الفتح البغداديّ ، الصّوفيّ.

سمع : أبا البركات محمد بن عبد الله الوكيل.

سمع منه بواسط محمد بن عليّ الأنصاريّ في هذه السّنة.

 ـ حرف الهاء ـ

٢٦٧ ـ هبة الله بن أحمد بن محمد بن الشّبليّ (١).

أبو المظفّر القصّار ، الدّقّاق ، المؤذّن.

ولد سنة سبعين وأربعمائة.

وسمع من : أبي نصر الزّينبيّ ، وهو آخر من سمع منه.

وسمع من : طراد ، وأبي الغنائم بن أبي عثمان ، وأبي نصر بن المجلي ، وغيرهم.

روى عنه : إبراهيم الشّعّار ، وأحمد بن طارق ، وأبو طالب بن عبد السّميع ، وأبو الفتوح بن الحصريّ ، وعبد العزيز بن الأخضر ، وظفر وياسين

__________________

= من يومه وبتأديب ابن المهتدي ، فلم يزل محبوسا إلى أن مات المقتفي فأفرج عنه فرجع إلى منزله. وله ولد حسن قد ربّي وتأدّب واسمه محمد. (معجم البلدان ١ / ٢٤٧).

وقال أبو محمد الموصلي : أنشدني الألوسي لنفسه :

أضحت ديار كمال الدين نازحة

عنكم فغالبكم في صفوه القدر

أما اشتفت سودة الأقدار من فلك

نأت به الشمس حتى يخسف القمر

(تاريخ إربل ١ / ٥٨).

(١) انظر عن (هبة الله بن الشبلي) في : الإستدراك لابن نقطة (مخطوط) باب : الشبلي والسلي ، وتاريخ الإربلي ١ / ١٣٨ و ١٩٢ ، ومعجم الألقاب ١ / ٥٢٠ ، والتكملة لوفيات النقلة ١ / ١٢٧ ، والعبر ٤ / ١٦٣ ، وسير أعلام النبلاء ٢٠ / ٣٩٣ ، ٣٩٤ رقم ٢٦٧ ، ودول الإسلام ٢ / ٧٢ ، والمعين في طبقات المحدّثين ١٦٧ رقم ١٧٩٧ ، والإعلام بوفيات الأعلام ٢٢٩ ، والمختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيثي ٣ / ٢١٩ ، ٢٢٠ رقم ١٢٧٨ ، والنجوم الزاهرة ٥ / ٣٦٢ ، وشذرات الذهب ٤ / ١٨١.

٢٤٢

ولدا سالم البيطار ، وأبو حفص عمر بن محمد السّهرورديّ ، وعليّ بن أبي سعد بن نميرة ، وأخته فرحة ، وزيد بن يحيى البيّع ، والنّفيس بن كرم ، وعبيد الله بن عليّ بن جوبا.

وآخر من روى عنه : هبة الله بن عمر بن كمال القطّان (١) ، وتوفّي هو وياسمين في سنة أربع وثلاثين.

وتوفّي الشّبليّ في سلخ ذي الحجّة.

وقع لي من طريقه جزءان.

وآخر من روى عنه بالإجازة : نجيبة (٢) بنت الباقداريّ (٣).

٢٦٨ ـ هبة الله بن أحمد بن محمد (٤).

أبو بكر البغداديّ ، الحفّار.

سمع من : رزق الله التّميميّ.

كتب عنه : عمر بن عليّ ، وإبراهيم بن الشّعّار.

وآخر من روى عنه إجازة كريمة الزّبيريّة.

وتوفّي في شوّال.

أخبرنا محمد بن الحسن الفقيه ، وجماعة آخرهم موتا إبراهيم بن الشّيرازيّ قالوا : أخبرتنا كريمة ، أنا هبة الله بن أحمد الحفّار في كتابه ، أنا أبو محمد التّميميّ ، أنا أبو الحسن أحمد بن محمد الواعظ ، نا المحامليّ ، نا أبو الأشعث ، نا خالد بن الحارث ، نا ابن عجلان ، عن نافع ، عن ابن عمر : أنّ

__________________

(١) في المختصر المحتاج إليه : آخر من سمع منه شهاب الدين السهروردي ، وياسمين بنت البي [طار] ، وهبة الله بن عمر الحلّاج.

(٢) في سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٣٩٤ «عجيبة».

(٣) لم أجد هذه النسبة.

(٤) انظر عن (هبة الله بن أحمد الحفّار) في : ابن الدبيثي ٣ / ٢٢٠ رقم ١٢٧٩ ، والعبر ٤ / ١٦٣ ، وسير أعلام النبلاء ٢٠ / ٣٩٤ (في آخر الترجمة رقم ٢٦٧) ، وشذرات الذهب ٤ / ١٨١.

٢٤٣

النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يدعو على أربعة نفر ، فأنزل الله (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ،) (١) الآية (٢).

 ـ حرف الياء ـ

٢٦٩ ـ [يحيى] (٣) بن بختيار.

أبو زكريّا الشّيرازيّ ، ثمّ الدّمشقيّ (٤).

حدّث عن الفقيه نصر المقدسيّ.

وروى عنه : أبو القاسم بن عساكر ، وقال : توفّي في رجب ، وله ثمانون سنة (٥).

وروى عنه : أبو المواهب بن صصريّ ، وقال : كان صوفيّا ، صالحا ، خيّرا (٦).

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ١٢٨.

(٢) أخرجه الترمذي في التفسير من سورة آل عمران (٤٠٩١) وقال : هذا حديث حسن غريب صحيح يستغرب من هذا الوجه من حديث نافع ، عن ابن عمر.

ورواه يحيى بن أيوب ، عن ابن عجلان.

(٣) في الأصل بياض ، والمستدرك من : تاريخ دمشق ، ومختصر تارخ دمشق لابن منظور ٢٧ / ٢١٨ ، ٢١٩ رقم ١٠٦.

(٤) زاد ابن عساكر : «القرقوبي المعروف بابن كثامة العالمة».

(٥) وكان مولده سنة ٤٧٥ أو ٤٧٦ ه‍.

(٦) وحدّثه نصر المقدسي قال : أنشدني نصر بن معروف المسافر :

نل ما بدا لك أن تنال من الغنى

إن أنت لم تقنع فأنت فقير

يا جامع المال الكثير لغيره

إنّ الصغير غدا يكون كبير

(في البيت إقواء).

وبه قال :

وإذا ائتمنت على عيوب فاخفها

واستر عيوب أخيك حين تطلع

لا تفش سرّك ما حييت إلى امرئ

يفشي إليك سرائر تستودع

فكما تراه بسرّ غيرك صانعا

فكذا بسرّك لا محالة يصنع

٢٤٤

٢٧٠ ـ [يحيى] (١) بن محمد بن يوسف.

أبو بكر الأنصاريّ ، الغرناطيّ ، الشّاعر ، المعروف بابن الصّيرفيّ (٢).

ألّف «تاريخ الدّولة اللّمتونيّة» (٣). وكان من أعيان شعرائها ، ومدّاح أمرائها.

توفّي بأوريولة وله تسعون سنة (٤).

__________________

= وكتاب ربّك كن به متهجّدا

إنّ المحبّ لربّه لا يهجع

(١) في الأصل بياض ، والمستدرك من : تكملة الصلة لابن الأبّار ٧٢٣ ، وبغية الوعاة ٢ / ٣٤٣ رقم ٢١٤٣ ، وإيضاح المكنون ١ / ١١ ، ٢١٥ ، ٤٨٢ ، وهدية العارفين ٢ / ٥٢٠ ، والأعلام ٩ / ٢٠٨ ، ودليل مؤرّخ المغرب لبن سودة ١٥١ ، ومعجم المؤلفين ١٣ / ٢٣٠.

(٢) وقال ابن الزبير : كان من أهل المعرفة بالعربية والآداب واللغات والتاريخ ، ومن الكتّاب المجيدين والشعراء المكثرين. أخذ عن أبي بكر بن العربيّ.

(٣) واسمه : «الأنوار الجليّة في أخبار الدولة المرابطية» ، وله : «إبراز اللطائف» ، و «رسالة الدوريات في قول المديون لربّ الدين».

(٤) قال السيوطي : ومات في حدود السبعين وخمسمائة ، أو قبل ذلك عن سنّ عالية.

٢٤٥

سنة ثمان وخمسين وخمسمائة

 ـ حرف الألف ـ

٢٧١ ـ أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر (١).

الرجل الصّالح ، أبو العبّاس المقدسيّ ، الجماعيليّ ، الحنبليّ. والد الشّيخ أبي عمر ، والشّيخ الموفّق ، نزيل سفح قاسيون رضي‌الله‌عنه.

ولد سنة إحدى وتسعين وأربعمائة ، وهاجر إلى دمشق سنة إحدى وخمسين وخمسمائة ، فنزل بمسجد أبي صالح بظاهر باب شرقيّ نحو سنتين ، وانتقل إلى الجبل ، وبنى الدّير المبارك ، وسكن بالجبل.

وقد حجّ وجاور. وسمع من : زين العبدريّ «صحيح مسلم». وحدّث به.

روى عنه ابناه.

وتوفّي في شوّال.

وكان صالحا ، زاهدا ، عابدا ، قانتا ، صاحب كرامات وأحوال.

جمع أخباره سبطه الحافظ ضياء الدّين ، وساق له عدّة كرامات ، وحكى عن خاله الموفّق ، أنّ أباه قرأ في شهر رمضان بمسجد أبي صالح خمسا وستّين ختمة.

__________________

(١) انظر عن (أحمد بن محمد بن قدامة) في : العبر ٤ / ١٦٤ ، وسير أعلام النبلاء ٢٠ / ٣٧٧ (دون ترجمة) ، والوافي بالوفيات ٨ / ٨٣ ، ومرآة الجنان ٣ / ٣١٤ ، والنجوم الزاهرة ٥ / ٣٦٤ دون ترجمة ، وشذرات الذهب ٤ / ١٨٢.

٢٤٦

ثمّ حكاها عن الشّيخ العماد ، عن الشيخ أحمد ، أنّه قرأ ذلك.

وقال العماد : كان الشّيخ أحمد بين عينيه نور لا يكاد أحد يراه إلّا قبّل يده.

قلت : قبره بمقبرة المقادسة الّتي فوق مرقد الحورانيّ ، مقصود بالزّيارة ، رضي‌الله‌عنه.

٢٧٢ ـ أحمد بن مسعود بن يحيى بن إبراهيم (١).

أبو جعفر بن سكينة القيسيّ ، السّرقسطيّ ، ثمّ الشّاطبيّ.

سمع من : أبي عامر بن حبيب ، وعبد الحقّ بن عطيّة ، وجماعة.

وولّي خطبة الشّورى بشاطبة.

قال ابن الأبار : وكان محدّثا ، حافظا ، متقنا.

أخذ عنه : أبو القاسم بن فيرّه (٢) الضّرير ، وغيره.

قال ابن عيّاد : لم أر بعد أبي الوليد بن الدّبّاغ أحفظ منه لأسماء الرجال. وكان ورعا ، منقبضا ، متواضعا ، تزهّد في آخر عمره ، حتّى عرف بإجابة الدّعوة.

توفّي في رمضان. ويقال ، توفّي سنة سبع وخمسين.

ومولده سنة خمس وخمسمائة.

وكان رحمه‌الله بارعا في كتابة الوثائق (٣).

__________________

(١) انظر عن (أحمد بن مسعود) في : تكملة الصلة لابن الأبار ١ / ٦٥ ، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة ج ١ ق ٢ / ٥٤٠ ، ٥٤١ رقم ٨٢٨ وفيهما : «أحمد بن مسعود بن إبراهيم بن يحيي».

(٢) فيرّه : بكسر الفاء ، وسكون الياء المنقوطة من تحتها باثنتين ، وضم الراء المشدّدة ، ثم هاء.

(٣) وقال المراكشي : وكان محدّثا ، حافظا ، متقنا فيما قيّد ، ثقة فيما روى على منهاج أهل

٢٤٧

 ـ حرف السين ـ

٢٧٣ ـ سخاء بنت المبارك بن عليّ البغداديّ (١).

وتدعى مهناز.

سمعت من : أبي القاسم الرّبعيّ.

روى عنها : أبو المعالي بن هبة ، ونصر بن الحصريّ.

وعاشت إلى هذه السّنة.

* سديد الدّين بن الأنباريّ.

اسمه محمد ، سيأتي إن شاء الله (٢).

٢٧٤ ـ سلامة بن أحمد بن عبد الملك بن الصّدر (٣).

أبو بكر البغداديّ التّاجر ، أخو «مقبل» المذكور سنة سبع (٤).

سمع : رزق الله التّميميّ ، وطرادا ، والنّعاليّ.

وتوفّي في ثامن ربيع الأوّل (٥).

__________________

= الحديث ومن أهل المعرفة به والتمييز لعلله والذكر لرواته بأسمائهم وكناهم وموالدهم ووفياتهم ، عالما بالشروط ، بصيرا بعقدها ، حسن الخط ، دؤوبا على النسخ ، يتنافس فيما يكتب ويقيّد له تنابيه مفيدة.

(١) انظر عن (سخاء بنت المبارك) في : المختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيثي ٣ / ٢٦٣ رقم ١٤٠٨.

(٢) في وفيات هذه السنة برقم (٢٩١) وهو «محمد بن عبد الكريم بن إبراهيم».

(٣) انظر عن (سلامة بن أحمد) في : المختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيثي ٢ / ٩٩ ، ١٠٠ رقم ٧١٢ ، وسير أعلام النبلاء ٢٠ / ٣٧٧ (دون ترجمة).

(٤) كذا في الأصل ، والصواب سنة ست. انظر ترجمة «مقبل بن أحمد» في وفيات سنة ٥٥٦ ه‍. برقم (٢٢٥).

(٥) قال ابن الدبيثي : من بيت معروف بالرواية. وذكر من شيوخه : نصر بن البطر. سمع منه : عمر القرشي ، وإبراهيم الشعار. روى عنه : ابن الأخضر ، وعمر بن محمد الدينَوَريّ ، ويحيى بن القاسم.

٢٤٨

روى عنه : ابن الحصريّ ، وأحمد بن البندنيجيّ (١).

 ـ حرف الشين ـ

٢٧٥ ـ شهردار (٢) بن شيرويه بن شهردار بن شيرويه (٣) بن فنّاخسرو بن خسركان بن رينويه بن خسرو بن زرّود بن ديلم بن الدّبّاس بن لشكريّ بن راجي بن كيّوس بن عبد الرحمن بن عبد الله ابن صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الضّحّاك بن فيروز الدّيلميّ.

أبو منصور ابن المحدّث المؤرّخ أبي شجاع الهمذاني.

قال ابن السّمعانيّ في «الذّيل» : كذا قرأت نسبه في ديباجة كتابه.

ثمّ قال : كان أبو منصور حافظا ، عارفا بالحديث ، فهما ، عارفا بالأدب ، ظريفا ، خفيفا ، لازما مسجده ، متّبعا أثر والده في كتابة الحديث وسماعه وطلبه (٤).

__________________

(١) البندنيجيّ : بفتح الباء المنقوطة بواحدة وسكون النون وفتح الدال المهملة وكسر النون وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها ، وفي آخرها الجيم هذه النسبة إلى بندنيجين وهي بلدة قريبة من بغداد دونهما عشرين فرسا. (الأنساب ٢ / ٣١٣).

(٢) انظر عن (شهردار) في : التحبير ١ / ٣٢٧ ـ ٣٣٠ ، وطبقات الفقهاء الشافعية لابن الصلاح ١ / ٤٨٤ ، ٤٨٥ رقم ١٧٥ ، والوفيات لأبي مسعود الأصبهاني ٤٣ ، والتقييد لابن نقطة ٢٩٧ رقم ٣٦٢ ، وتلخيص مجمع الآداب ق ٣ ج ٤ / ١٨٢ ، ١٨٣ ، والعبر ٤ / ١٦٤ ، وسير أعلام النبلاء ٢٠ / ٣٧٥ ـ ٣٧٧ رقم ٢٥٥ ، والإعلام بوفيات الأعلام ٢٣٠ ، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٧ / ١١٠ ، ١١١ ، والوافي بالوفيات ١٦ / ١٩٣ ، ١٩٤ ، وطبقات الشافعية للإسنويّ ٢ / ٢٠٥ ، وتوضيح المشتبه ١ / ٥٣٤ ، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ١ / ٣٢٤ رقم ٢٨٨ ، والنجوم الزاهرة ٥ / ٣٦٤ ، وتاريخ الخلفاء ٤٤٤ ، وكشف الظنون ١٦٨٤ ، وشذرات الذهب ٤ / ١٨٢ ، وهدية العارفين ١ / ٤١٩ ، والرسالة المستطرفة ٧٥ ، وفهرس المخطوطات المصوّرة ١ / ١٠٢ ، ومعجم المؤلفين ٤ / ٣٠٩.

(٣) في الأصل : «شهرويه» ، والتصحيح من المصادر.

(٤) التقييد ٢٩٧.

٢٤٩

رحل إلى أصبهان مع والده سنة خمس وخمسمائة ، ثمّ رحل إلى بغداد سنة سبع وثلاثين.

سمع : أباه ، وأبا الفتح عبدوس بن عبد الله ، ومكّيّ بن منصور الكرجيّ ، وحمد بن نصر الأعمش ، وقيدس بن عبد الرحمن الشّعرانيّ ، وأبا محمد الدّونيّ.

وبزنخان : الفقيه أبا بكر أحمد بن محمد بن زنجويه. وذكر أنّه سمع منه «مسند أحمد بن حنبل» سنة خمسمائة ، بروايته عن الحسين بن محمد الفلّاكيّ ، عن القطيعيّ. وله إجازة من أبي بكر بن خلف الشّيرازيّ ، وأبي منصور الحسين بن المقوّميّ.

كتبت عنه ، وكان يجمع أسانيد كتاب «الفردوس» لوالده ، ورتّب لذلك ترتيبا عجيبا حسنا. ثمّ رأيت الكتاب سنة ستّ وخمسين بمرو في ثلاث مجلّدات ضخمة ، وقد فرغ منه ، وهذّبه ونقّحه. وقال : أنا المقوّميّ سنة ثلاث وثمانين إجازة ، وفيها ولدت.

قلت : روى عنه : ابنه أبو مسلم أحمد وأبو سهل عبد السّلام السرنولي ، وطائفة.

وسمعنا من طريقه كتاب «الألقاب» لأبي بكر الشّيرازيّ.

وقيّد وفاته في هذه السّنة عبد الرحيم الحاجّيّ.

زاد السّمعانيّ : في رجبها.

 ـ حرف العين ـ

٢٧٦ ـ عبد الله بن عليّ بن أحمد بن عليّ بن حسين (١).

أبو القاسم الأنصاريّ ، الدّمشقيّ ، الشّاهد ، المعروف بابن الشّيرجيّ.

__________________

(١) انظر عن (عبد الله بن علي) في : تاريخ دمشق ، ومختصر تاريخ دمشق ١٣ / ١٤٥ رقم ٢٩.

٢٥٠

سمع من : سعد بن أحمد البسويّ الّذي استشهد بالقدس.

روى عنه : ابن عساكر ، وغيره.

وتوفّي في ربيع الآخر ، رحمه‌الله.

٢٧٧ ـ عبد الرحمن بن أبي الحسن بن إبراهيم بن عبد الله (١).

أبو محمد الكنانيّ ، الدّارانيّ ، الدّمشقيّ ابن أخت محمد بن إبراهيم النّسائيّ.

سمّعه خاله من : أبي الفضل بن الفرات. وسهل بن بشر ، وعبد الله بن عبد الرّزّاق.

روى عنه : ابن عساكر وقال (٢) : لم يكن الحديث من صنعته ، وابنه القاسم ، والمسلم بن أحمد المازنيّ ، ومكرم بن أبي الصّقر ، وكريمة ، وآخرون.

توفّي في الخامس والعشرين من جمادى الأولى.

وقد سمع قطعة كبيرة من «السّنن» الكبير للنّسائيّ على سهل بن بشر الأسفرائينيّ.

٢٧٨ ـ عبد الرحمن بن زيد بن الفضل (٣).

أبو محمد الورّاق. بغداديّ ، ثقة.

ذكره ابن السّمعانيّ وقال : شيخ صالح ، ديّن ، كثير التّلاوة ، والصّلاة ، والعبادة ، مشتغل بما يعنيه.

سمع : أبا الحسن بن العلّاف ، وابن نبهان ، وابن الزّينبيّ.

__________________

(١) انظر عن (عبد الرحمن بن أبي الحسن) في : تاريخ دمشق ٤٠ / ٢٦٤ (مطبوع) ، ومشيخة ابن عساكر (مخطوط) ورقة ١٠٦ ب ، ومختصر تاريخ دمشق ١٤ / ٢٣٧ رقم ١٦٢ ، وسير أعلام النبلاء ٢٠ / ٣٤٨ ، ٣٤٩ رقم ٢٣٥.

(٢) في تاريخ دمشق ، والمشيخة.

(٣) انظر عن (عبد الرحمن بن زيد) في : سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٣٧٧ (دون ترجمة).

٢٥١

ولد في حدود سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة. كتبت عنه.

قلت : هذا كان من الصّالحين ببغداد.

روى عن : ابن طلحة النّعاليّ أيضا.

وعنه : إبراهيم بن محمد بن برهان النّسّاج ، وعبد الواحد بن علوان السّقلاطونيّ ، ومحمد بن عمر العطّار ، وهبة الله بن محمد بن الحسين الحلّاج ، والحرميّون.

وتوفّي في العشرين من شوّال. وأصله مدنيّ.

٢٧٩ ـ عبد اللّطيف ابن المحدّث أبي سعد أحمد بن محمد.

البغداديّ ، ثمّ الأصبهانيّ.

سمع : أبا مطيع ، وأبا الفتح الحدّاد.

وكان صدوقا.

قرأ عليه ابن ناصر.

مات في ذي القعدة بأصبهان.

٢٨٠ ـ عبد المؤمن بن عليّ بن علويّ (١).

القيسيّ المغربيّ ، الكوميّ (٢) التّلمسانيّ.

__________________

(١) انظر عن (عبد المؤمن بن علي) في : الكامل في التاريخ ١١ / ٢٩١ ، ٢٩٢ ، والمعجب ٢٨٤ ـ ٣٠٣ و ٣٢٧ ـ ٣٤٤ ، وخريدة القصر (شعراء الأندلس) ٢ / ٣٣٩ و ٣ / ٤٣٨ ، والروضتين ج ١ ق ١ / ٣٢٢ ، وتاريخ إربل ١ / ٢٥٠ (في ترجمة الفقيه الصنهاجي معاذ بن علي بن يونس ، رقم ١٤٨) ، ومرآة الزمان ٨ / ١٤٤ ، ١٦٣ ، ١٧٢ ، ٢٦٩ ، ٤٥١ ، ٤٦٢ ، ٥٢٢ ، ٥٤٠ ، ٥٦٢ ، ٥٧٨ ، والمختصر في أخبار البشر ٣ / ٤٠ ، ودول الإسلام ٢ / ٧٣ ، وسير أعلام النبلاء ٢٠ / ٣٦٦ ـ ٣٧٥ رقم ٢٥٤ ، والعبر ٤ / ١٦٥ ، والإعلام بوفيات الأعلام ٢٣٠ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ١٠٤ ، والبداية والنهاية ١٢ / ٢٤٦ ، ٢٤٧ ، والحلل الموشّية ١٠٧ ـ ١١٩ ، وشرح رقم الحلل ١٩٠ ، ١٩٩ ، وبغية الرواد ١ / ٨٧ ، ومآثر الإنافة ٢ / ٣٠ ، ٤٣ ، ٤٤ ، ٤٩ ، ٢٥٢ ، وتاريخ ابن خلدون ٦ / ٢٢٩ ، والنجوم الزاهرة ٥ / ٣٦٣ ، ٣٦٤ ، وجذوة الاقتباس ٢٧٢ ، ونفح الطيب ١ / ٤٤٢ ، وشذرات الذهب ٤ / ١٨٣ ، والخلاصة النقية ٥٥ ، والاستقصاء ٢ / ٩٩ ـ ١٤٥ ، وأخبار الدول ٢ / ٤١٠ ، ومعجم الأنساب ١١٣ ، وأخبار المهدي ٢١ ، وأعمال الأعلام ٣٠٧ ، ودائرة المعارف الإسلامية ج ١ / ٣٢١.

(٢) الكومي : نسبة إلى كومية ، وهي قبيلة صغيرة نازلة بساحل البحر من أعمال تلمسان. (وفيات =

٢٥٢

ولد بقرية من ضياع تلمسان ، وكان أبوه صانعا في الفخّار.

نقل عبد الواحد المرّاكشيّ في كتاب «المعجب» (١) فقال إنّ عبد المؤمن قال : إنّما نحن لقيس ، لقيس غيلان من مضر بن نزار ، ولكومية علينا حقّ الولادة فيهم والمنشأ ، وهم أخوالي. وأمّا خطباء المغرب فكانوا يقولون إذا ذكروا الملك عبد المؤمن بعد ابن تومرت. قسيمه في النّسب الكريم.

ولد سنة سبع وثمانين وأربعمائة ، واستقلّ بالملك إحدى وعشرين سنة ، وعاش إحدى وسبعين سنة (٢).

واستوسق (٣) له أمراء العرب بموت أمير المسلمين عليّ بن يوسف بن تاشفين.

قال : وكان أبيض ، ذا جسم عمم (٤) تعلوه [حمرة] (٥) وكان أسود الشّعر ، معتدل القامة ، رصينا ، جهوريّ الصّوت ، فصيحا ، جزل المنطق ، لا يراه أحد إلّا أحبّه بديهة.

قال : وبلغني أنّ ابن تومرت كان إذا رآه أنشد :

تكاملت فيك (٦) أخلاق (٧) خصصت بها

فكلّنا بك مسرور ومغتبط

فالسّنّ ضاحكة والكفّ مانحة

والصّدر منشرح (٨) والوجه منبسط (٩)

وقال ابن خلّكان (١٠) : كان عند موته شيخا نقيّ البياض ، معتدل القامة ،

__________________

= الأعيان ٣ / ٢٤٠ ، الاستقصاء ٢ / ٩٩).

(١) ص ٢٨٨.

(٢) وقيل : كانت ولادته سنة خمسمائة ، وقيل : سنة تسعين وأربعمائة. (وفيات الأعيان ٣ / ٢٣٩).

(٣) استوسق : اجتمع.

(٤) عمم : بالتحريك. عظم الخلق في الناس وغيرهم. (القاموس المحيط).

(٥) ما بين الحاصرتين ساقطة من الأصل ، والمستدرك من (المعجب).

(٦) في الأصل : «بك».

(٧) في وفيات الأعيان : «أوصاف».

(٨) في الوفيات : «والنفس واسعة».

(٩) وفيات الأعيان ٣ / ٢٣٨.

(١٠) في وفيات الأعيان ٣ / ٢٣٩.

٢٥٣

عظيما ، أشهل العينين ، كثّ اللّحية ، شثن الكفّين (١) ، طويل القعدة ، واضح بياض الأسنان. بخدّه الأيمن خال ، عظيم الهامة (٢).

قال صاحب سيرته : هكذا رأيته.

قال ابن خلّكان (٣) : وحكي أنّ عبد المؤمن كان في صباه نائما ، فسمع أبوه دويّا ، فرفع رأسه ، فإذا سحابة سوداء من النّحل قد أهوت مطبقة على بيته ، فنزلت كلّها على عبد المؤمن وهو نائم ، فلم يستيقظ ، ولا أذاه شيء منها ، فصاحت أمّه ، فسكّتها أبوه ، وقال : لا بأس ، ولكنّي متعجّب ممّا يدلّ عليه هذا. ثمّ طار عنه النّحل كلّه ، واستيقظ الصّبيّ سالما فمشى أبوه إلى زاجر فأخبره الأمر ، فقال : يوشك أن يكون له شأن يجتمع على طاعته أهل المغرب.

وقد ذكرنا في ترجمة ابن تومرت كيف وقع بعبد المؤمن ، وأفضى إليه بسرّه. وكان ابن (٤) تومرت يقول لأصحابه : هذا غلّاب الدّول.

وقد مرّ أيضا في ترجمة ابن تومرت : وفي سنة إحدى وعشرين جرت وقعة البحيرة على باب مرّاكش استؤصلت فيها عامّة عسكر الموحّدين ، ولم ينج منهم إلّا أربعمائة مقاتل ، وولّت المصامدة. فلمّا توفّي ابن تومرت سنة أربع وعشرين أخفوا موته ، فكان عبد المؤمن وغيره يخرج الرجل منهم ويقول : قال المهديّ كذا. وأمر بكذا. وجعل عبد المؤمن يخرج بنفسه ، ويغير على البلاد ، وأمرهم يكاد أن يدثر ، حتّى وقع بين المرابطين وبين الفلاكيّ ما أوجب عليه الهرب منهم فقدم إلى جبل ، فتلقّاه عبد المؤمن بالإكرام ، واعتضد به اعتضادا كليّا.

فلمّا كان في سنة تسع وعشرين صرّحوا بموت المهديّ ، ولقّبوا عبد

__________________

(١) في الأصل : «الكتفين».

(٢) قوله : «عظيم الهامة» ليس في (وفيات الأعيان).

(٣) في وفيات الأعيان ٣ / ٣٧ ، ٢٣٨.

(٤) في الأصل : «أبو».

٢٥٤

المؤمن بأمير المؤمنين. ورجعت حصون الفلاكيّ كلّها للموحّدين والفلاكيّ يغير على نواحي السّوس ، وأغمات ، وهم كلّهم تنمو أحوالهم وتستفحل.

قال صاحب «المعجب» (١) : قبل وفاة ابن تومرت بأيّام استدعى المسمّين بالجماعة ، وأهل الخمسين ، والقوّاد الثّلاثة : عمر بن عبد الله الصّنهاجيّ المعروف بعمر أرتاج (٢) ، وعمر بن ومزال المعروف بعمر إينتي ، وعبد الله بن سليمان ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : إنّ الله سبحانه ، وله الحمد ، منّ عليكم أيّتها الطّائفة بتأييده ، وخصّكم من بين أهل هذا العصر بحقيقة توحيده ، وقيّض لكم من ألفاكم ضلّالا لا تهتدون ، وعميا لا تبصرون ، لا تعرفون معروفا ، ولا تنكرون منكرا ، قد فشت فيكم البدع ، واستهوتكم الأباطيل ، وزيّن لكم الشّيطان أباطيل وترّهات ، أنزّه لساني عن النّطق بها ، فهداكم الله به بعد الضّلالة ، وأبصركم به بعد العمى ، وجمعكم بعد الفرقة ، وأعزّكم بعد الذّلّة ، ورفع عنكم سلطان هؤلاء المارقين ، وسيورثكم أرضهم وديارهم ، وذلك بما كسبت أيديكم ، وأضمرته قلوبكم ، فجدّدوا لله خالص نيّاتكم ، وأروه من الشّكر قولا وفعلا ما يزكّي به سعيكم ، واحذروا الفرقة ، وكونوا يدا واحدة على عدوّكم ، فإنّكم إن فعلتم ذلك هابكم النّاس ، وأسرعوا إلى طاعتكم ، وإن لا تفعلوا شملكم الذّلّ ، واحتقرتكم العامّة. وعليكم بمزج الرّأفة بالغلظة ، واللّين بالعنف. وقد اخترنا لكم رجلا منكم ، وجعلناه أميرا عليكم بعد أن بلوناه ، فرأيناه ثبتا في دينه ، متبصّرا في أمره ، وهو هذا ، وأشار إلى عبد المؤمن ، فاسمعوا له وأطيعوا ، ما دام سامعا مطيعا لربّه تعالى وتقدّس ، فإن بدّل ففي الموحّدين بركة وخير ، والأمر أمر الله يقلّده من يشاء.

فبايع القوم عبد المؤمن ، ودعا لهم ابن تومرت ، ومسح صدورهم.

وأمّا ابن خلّكان فقال (٣) : لم يصحّ عنه أنّه استخلفه ، بل راعى أصحابه

__________________

(١) ص ٢٨٥ ـ ٢٨٧.

(٢) في (المعجب) : «أزتاج».

(٣) في وفيات الأعيان ٣ / ٢٣٩.

٢٥٥

في تقديمه إشارته ، فتمّ له الأمر.

قال : وأوّل ما أخذ من البلاد وهران ، ثمّ تلمسان ، ثمّ فاس ، ثم سلا ، ثمّ سبتة. ثمّ إنّه حاصر مرّاكش أحد عشر شهرا ، ثمّ أخذها في أوائل سنة اثنتين وأربعين. وامتدّ ملكه إلى أقصى المغرب وأدناه ، وبلاد إفريقية ، وكثير من الأندلس ، وسمّى نفسه : أمير المؤمنين ، وقصدته الشّعراء وامتدحوه.

ولمّا قال فيه الفقيه محمد بن أبي العبّاس التّيفاشيّ هذه القصيدة وأنشده إيّاها :

ما [هزّ] (١) عطفيه بين البيض والأسل

مثل الخليفة عبد المؤمن بن عليّ (٢)

فلمّا أنشده هذا المطلع أشار إليه أن يقتصر عليه ، وأجازه بألف دينار.

وقال صاحب «المعجب» (٣) : ولم يزل عبد المؤمن بعد موت ابن تومرت يقوى ، ويظهر على النّواحي ، ويدوّخ البلاد. وكان من آخر ما استولى عليه مرّاكش كرسيّ ملك أمير المسلمين عليّ بن يوسف بن تاشفين. وكان لمّا توفّي عليّ عهد إلى ابنه تاشفين ، فلم يتّفق له ما أمّله فيه من استقلاله بالأمور ، فخرج قاصدا نحو تلمسان ، فلم يتهيّأ له من أهلها ما يحبّ ، فقصد مدينة وهران ، وهي على ثلاثة مراحل من تلمسان ، فأقام بها ، فحاصره جيش عبد المؤمن ، فلمّا اشتدّ عليه الحصار خرج راكبا في سلاحه ، فاقتحم البحر ، فهلك.

ويقال : إنّهم أخرجوه وصلبوه ، ثمّ أحرقوه في سنة أربعين. فكانت ولايته ثلاثة أعوام في نكد ، وخوف ، وضعف.

ولمّا ملك عبد المؤمن مرّاكش طلب قبر أمير المسلمين ، وبحث عنه ، فما وقع به. وانقطعت الدّعوة لبني العبّاس بموت أمير المسلمين وابنه

__________________

(١) في الأصل بياض ، والمستدرك من : الكامل والوفيات.

(٢) الكامل في التاريخ ١١ / ٢٤٤ ، وفيات الأعيان ٣ / ٢٣٩ ، سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٣٧٠.

(٣) ص ٢٨٨.

٢٥٦

تاشفين ، فإنّهم كانوا يخطبون لبني العبّاس. ثمّ لم يذكروا إلى الآن ، خلا أعوام يسيرة بإفريقية فقط ، فإنّه تملّكها الأمير يحيى بن غانية ... (١) من جزيرة ميورقة.

وقال [سبط] ابن الجوزيّ في «المرآة» (٢) : استولى عبد المؤمن على مرّاكش ، فقتل المقاتلة ، ولم يتعرّض للرّعيّة ، وأحضر الذّمّيّة وقال : إنّ المهديّ أمرني أن لا أقرّ النّاس إلّا على ملّة الإسلام ، وأنا مخيّركم بين ثلاث : إمّا أن تسلموا ، وإمّا أن تلحقوا بدار الحرب ، وإمّا القتل. فأسلم طائفة ، ولحق بدار الحرب آخرون وخرّب الكنائس وردّها مساجد ، وأبطل الجزية. وفعل ذلك في جميع مملكته. ثمّ فرّق في النّاس بيت المال وكنسه ، وأمر النّاس بالصّلاة فيه اقتداء بعليّ رضي‌الله‌عنه وليعلم النّاس أنّه لا يؤثر جمع المال. ثمّ أقام معالم الإسلام مع السّياسة الكاملة ، وقال : من ترك الصّلاة ثلاثة أيّام فاقتلوه. وكان يصلّي بالنّاس الصّلوات ، ويقرأ كلّ يوم سبعا ، ويلبس الصّوف ، ويصوم الإثنين والخميس ، ويقسّم الفيء على الوجه الشّرعيّ ، فأحبّه النّاس.

وقال عزيز في كتاب «الجمع والبيان» : كان يأخذ الحقّ إذا وجب على ولده ، ولم يدع مشركا في بلاده ، لا يهوديّا ، ولا نصرانيّا ، ولا كنيسة في بقعة من بلاده ، ولا بيعة ، لأنّه من أوّل ولايته كان إذا ملك بلدا إسلاميّا لم يترك ذميّا إلّا عرض عليه الإسلام ، ومن أبى (٣) قتل ، فجميع أهل مملكته مسلمون لا يخالطهم سواهم.

قال عبد الواحد بن عليّ (٤) : ووزر لعبد المؤمن أولا عمر أرتاج (٥) ، ثمّ أحلّه عن الوزارة ورفعه عنها ، واستوزر أبا جعفر أحمد بن عطيّة الكاتب ،

__________________

(١) بياض في الأصل.

(٢) مرآة الزمان ٨ / ١٩٥ (حوادث سنة ٥٤٢ ه‍).

(٣) في الأصل : «أبا».

(٤) في المعجب ٢٩٠.

(٥) في المعجب : «أزتاج».

٢٥٧

وجمع له بين الوزارة والكتابة ، فلمّا افتتح بجّاية استكتب من أهلها أبا القاسم القالميّ (١).

ودامت وزارة ابن عطيّة إلى أن قتله في سنة ثلاث وخمسين ، وأخذ أمواله ، ثمّ استوزر بعده عبد السّلام الكوميّ ، ثمّ قتله سنة سبع وخمسين ، واستوزر ابنه عمر.

وكان قاضيه أبو محمد عبد الله بن جبل الوهرانيّ ، ثمّ عبد الله بن عبد الرحمن المالقيّ ، فلم يزل قاضيا له وصدرا من أيّام ابنه يوسف بن عبد المؤمن.

قال : ولمّا دان له أقصى (٢) المغرب ممّا كان يملكه المرابطون قبله ، سار من مرّاكش إلى بجاية ، فحاصر صاحبها يحيى الصّنهاجيّ ، فهرب يحيى في البحر حتّى أتى مدينة يولة ، وهي أوّل حدّ إفريقية ، ومضى منها إلى قسنطينة (٣) المغرب ، فأرسل عبد المؤمن وراءه جيشا ، فأخذه بالأمان ، وأتوا به عبد المؤمن.

وتملّك عبد المؤمن بجاية وأعمالها ، وكان يحيى بن العزيز ، وأبوه ، وجدّه المنصور ، وجدّ أبيه المنتصر ، وجدّهم حمّاد من الشّيعة الرّافضة بني عبيد ، والقائمين بدعوتهم. وطالت أيّامهم حتّى أخرجهم عبد المؤمن.

واستعمل عبد المؤمن على مملكة بجاية ابنه عبد الله ، ثمّ رجع إلى مرّاكش ومعه يحيى بن العزيز ، وجماعة من أمراء دولة يحيى ، فأمر لهم بخلع ، وبوّأهم المنازل ، وخصّ يحيى به [وصيّره من قوّاده] (٤) ، ونال يحيى عنده مرتبة لا مزيد عليها.

__________________

(١) في الأصل : «الغايمي» ، والتصحيح من المعجب ، وسير أعلام النبلاء ٢٠ / ٣٧١.

(٢) في الأصل : «أقصا».

(٣) في الأصل «قسطنطينية».

(٤) ما بين الحاصرتين استدركته من المعجب ٢٩٠ ، وفي الأصل بياض.

٢٥٨

قال : وكان عبد المؤمن مؤثرا لأهل العلم ، محبّا لهم يستدعيهم من البلاد ، ويجري عليهم الصّلات ، وينوّه بهم.

قال (١) : وتسمّى المصامدة الموحّدين ، لأجل خوض ابن تومرت بهم في علم الاعتقاد. وكان عبد المؤمن في نفسه كامل السّؤدد ، خليقا للإمارة ، سريّ الهمّة ، لا يرضى إلّا بمعالي الأمور ، كأنّه ، ورث الملك كابرا عن كابر. وكان شديد السّطوة ، عظيم الهيبة.

قال عزيز في تاريخه : أخبرني رجل من أهل المهديّة سنة إحدى وخمسين وخمسمائة بصقلّية قال : افتتح عبد المؤمن بجاية ، فأتيتها بأحمال لنبتاع ، فلمّا كنّا على مرحلة منها سرقت لي شدّة من المتاع ، فدخلت وبعت المتاع ، وأفدت فيه فائدة يسيرة. فقلت لتاجر : سرقت لي شدّة ، وأخاف الله عليّ في الباقي. فقال : وما أنهيت ذلك إلى أمير المؤمنين عبد المؤمن؟

قلت : لا.

قال : والله إن علم بك للحقك ضرر. فرحت إلى القصر ، فأدخلني خادم عليه ، فأعلمته ورجعت.

فلمّا كان صبيحة اليوم الثّالث جاءني غلام فقال : أجب أمير المؤمنين.

فخرجت معه ، فإذا جماعة كبيرة ، والمصامدة محيطة بهم ، فقال الغلام لي : هؤلاء أهل الصّقع الّذي أخذ رحلك فيه. فدخلت وأجلست بين يديه ، فاستدعى (٢) مشايخهم ، وقال لي : كم [كان] (٣) لك في الشّدّة الّتي فقدت أختها؟ قلت : كذا وكذا.

فأمر من وزن لي المبلغ وقال : قم ، أنت أخذت حقّك ، وبقي حقّي وحقّ الله. وأمر بإخراج المشايخ ، وبقتل الجميع ، فأقبلوا يتضرّعون ويبكون

__________________

(١) في المعجب.

(٢) في الأصل : «فاستدعا».

(٣) في الأصل بياض.

٢٥٩

وقالوا : تؤاخذ ، سيّدنا ، الصّلحاء بالمفسدين؟ فقال : يخرج كلّ طائفة منكم من فيها من المفسدين.

فصار الرجل يخرج ولده ، وأخاه ، وابن عمّه ، إلى أن اجتمع نحو مائة نفس ، فأمر أهلهم أن يتولّوا قتلهم ، ففعلوا.

فخرجت من المغرب إلى صقلّيّة خوفا على نفسي من أهل المقتولين.

قال عبد الواحد : قلت : كان عبد المؤمن من أفراد العالم في زمانه على هناته.

قال عبد المؤمن بن عمر الكحّال في أخبار ابن تومرت : توجّه أمير المؤمنين عبد المؤمن إلى بلاد إفريقية ، فسار في مائة ألف فارس محصاة في ديوانه ، سوى من يتبعها ، وكانوا يصلّون كلّهم خلف إمام واحد.

قال : وكان هو يصلّي الصّبح مبكرا ، ثمّ يركب ، ويقف عند باب خيثمة ، وبين يديه منادي يقول بصوت عال : الاستعانة بالله ، والتوكّل عليه. فينتظم حوله الكبراء على خيلهم ، ويدعوا ، ويؤمّنون. ثمّ يأخذ في قراءة حزب من القرآن ، وهم يقرءون معه بصوت واحد .... (١).

فإذا فرغ أمسك عنان فرسه ، فيدعوا ويؤمّنون ، ثمّ يلحق أولئك الأعيان ، ويلقّبون بالطّلبة والحفّاظ ، لا بالأمراء والقوّاد ، إلى عساكرهم ، ويبقى وحده ، وحوله ألوف من عبيده السّود ، رجّالة بالرّماح والدّرق.

وكان إذا مرّ على قوم سلّم ودعا لهم ، فيؤمّنون. وكان فصيحا بالعربيّة ، حسن العبارة.

قال : وكان في جوده بالمال كالسّيل ، وفي محبّته لحسن الثّناء كالعاشق. مجلسه مجلس وقار وهيبة ، مع طلاقة الوجه. انعمرت البلاد في أيّامه ، وما لبس قطّ إلّا الصّوف طول عمره. وما كان في مجلسه حصر ، بل

__________________

(١) بياض في الأصل.

٢٦٠