تذكرة الفقهاء - ج ٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-36-1
الصفحات: ٣٨٦

ب ـ لو ذكر قبل الركوع بعد الانتصاب فقد قلنا : إنه يجب عليه الرجوع ، خلافا للشافعي فإنه يمنع منه لأن القيام فرض والتشهّد سنة عنده والفرض لا يقطع بالسنة (١) ، وقد بيّنا وجوبه.

فلو خالف وعاد عامدا عالما بأنه لا يجوز على مذهبه بطلت صلاته عنده (٢) ، وإن كان ناسيا لم تبطل ويقوم كما يذكر ، وإن عاد جاهلا بأنه لا يجوز فوجهان : البطلان لتقصيره بترك العلم وأصحهما : الصحة لأنه قد يخفى فيعذر (٣).

هذا في المنفرد ، وكذا الإمام لا يرجع بعد الانتصاب عنده والمأموم يوافقه ، فإن نوى مفارقته ليتشهد جاز ، وإن نهض المأموم ناسيا فأصح الوجهين عنده : العود لوجوب متابعة الإمام ، والآخر : الصبر إلى أن يلحقه الإمام لأنه ليس فيما فعله إلا التقدم على الإمام بركن وهو غير مبطل ، وإن كان عمدا فلا حاجة إلى الرجوع (٤) ، وهذا كلّه عندنا باطل لوجوب الرجوع قبل الركوع.

ج ـ المراد بالانتصاب الاعتدال قائما‌ ، وهو أحد وجهي الشافعية والآخر : أن يصير أرفع من حدّ أقل الركوع (٥) ، وعند أبي حنيفة ، ومالك : إن صار أقرب إلى القيام لم يعد (٦).

__________________

(١) المجموع ٤ : ١٤٠ ، الوجيز ١ : ٥٠ ـ ٥١ ، فتح العزيز ٤ : ١٥٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٧ ، الميزان ١ : ١٦٢ ، رحمة الأمة ١ : ٥٨.

(٢) المجموع ٤ : ١٢٣ و ١٣٠ ، الوجيز ١ : ٥١ ، فتح العزيز ٤ : ١٥٦ ، كفاية الأخيار ١ : ٧٩.

(٣) المجموع ٤ : ١٣٠ ، فتح العزيز ٤ : ١٥٦ و ١٥٧.

(٤) المجموع ٤ : ١٣١ و ١٣٢ ، فتح العزيز ٤ : ١٥٧ ، الوجيز ١ : ٥١ ، كفاية الأخيار ١ : ٧٩ ، السراج الوهاج : ٥٩.

(٥) المجموع ٤ : ١٣٤ ، فتح العزيز ٤ : ١٥٨ ، كفاية الأخيار ١ : ٧٩.

(٦) اللباب ١ : ٩٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٧٥ ، شرح العناية ١ : ٤٤٣ ، المجموع ٤ : ١٤٠ ، فتح العزيز ٤ : ١٥٨.

٣٤١

د ـ إذا عاد قبل الانتصاب فالأقرب وجوب سجدتي السهو‌ لزيادة بعض القيام ، وهو أحد قولي الشافعي (١) ، وقال بعض علمائنا : لا يجب (٢). وهو ثاني الشافعي (٣).

وقال بعض الشافعية : إن عاد قبل أن ينتهي إلى حدّ الراكعين لم يسجد ، وإن عاد بعد الانتهاء إليه سجد لأنه زاد ركوعا سهوا (٤).

هـ ـ لا فرق بين نسيان التشهد ونسيان بعض الواجب فيه‌ ، وكذا لو نسي الصلاة على النبي وآله عليهم‌السلام ، ولو لم يذكر إلاّ بعد الركوع قضى الصلاة عليهم دون التشهد لقول الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن رجل ينسى من صلاته ركعة ، أو سجدة ، أو الشي‌ء منها ، ثم يذكر بعد ذلك ، فقال : « يقضي ذلك بعينه » فقلت : يعيد الصلاة؟ قال : « لا » (٥).

و ـ لو أخلّ بالتشهد الأخير حتى سلم قضاه وسجد للسهو‌ ، ولو أحدث قبل قضائه ، قال بعض أصحابنا : يعيد الصلاة لأنه أحدث فيها ووقع التسليم في غير موضعه (٦). وليس بجيّد لأن التسليم وقع موقعه مع السهو فحينئذ يتطهر ، ويقضي التشهد ، ويسجد للسهو إن لم يبطل الحدث المتخلل بين الصلاة والجزء المنسي الصلاة.

مسألة ٣٥٥ : لو ذكر ـ وهو في السورة ـ نسيان قراءة الحمد استأنف الحمد وأعاد السورة‌ أو غيرها ، لأن محل القراءة باق ، وكذا لو نسي الركوع ثم ذكر قبل السجود قام وركع ، ثم سجد ، وكذا لو نسي سجدة أو سجدتين وذكر قبل‌

__________________

(١) المجموع ٤ : ١٣٤ ، فتح العزيز ٤ : ١٥٨ و ١٥٩ ، السراج الوهاج : ٦٠.

(٢) قاله المحقق في المعتبر : ٢٣٠.

(٣) المجموع ٤ : ١٣٤ ، فتح العزيز ٤ : ١٥٩ ، كفاية الأخيار ١ : ٧٩.

(٤) المجموع ٤ : ١٣٤ ، فتح العزيز ٤ : ١٥٩.

(٥) التهذيب ٢ : ١٥٠ ـ ٥٨٨ ، الإستبصار ١ : ٣٥٧ ـ ١٣٥٠.

(٦) حكاه عن بعض الأصحاب أيضا المحقق في المعتبر : ٢٣٠.

٣٤٢

الركوع قعد وفعل ما نسيه ، ثم قام فقرأ.

وهل تجب السجدتان للسهو في هذه الأماكن؟ قولان وقد سلف البحث في ذلك كله.

البحث الرابع : فيما يوجب الاحتياط :

مسألة ٣٥٦ : قد بيّنا أن الشك في عدد الثنائية ، أو الثلاثية ، أو الأوليين من الرباعية مبطل‌ ، خلافا للجمهور (١).

أما لو شك في الزائد على الاثنتين في الرباعية مثل أن يشك بين الاثنتين والثلاث ، أو بين الثلاث والأربع ، أو بين الاثنتين والأربع ، أو بين الاثنتين والثلاث والأربع ، فإنه يبني على الأكثر ويسلم بعد إكمال الصلاة ، ويأتي بالفائت ، أو مساوية احتياطا ، فيبني في الأول على الثلاث ، ثم يتمم صلاته ويسلم ، ثم يصلي ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس ، وفي الثانية يبني على الأربع ويفعل ما تقدم ، وفي الثالثة يبني على الأربع ويسلّم ، ثم يصلّي ركعتين من قيام ، وفي الرابعة يبني على الأربع ويصلي ركعتين من قيام وركعتين من جلوس فإن كان قد صلّى اثنتين كانت الركعتان من قيام تمام الصلاة والركعتان من جلوس نافلة وإن كان قد صلّى ثلاثا فبالعكس.

وإن كان قد صلّى أربعا فالجميع نفل لأن البناء على الأقل يحتمل زيادة الركعة وهي مبطلة عمدا وسهوا ، والقول بإعادة الصلاة باطل هنا إجماعا فتعين العمل بما قلناه ، ولأن التسليم في غير موضعه لا يبطل الصلاة سهوا فكذا هنا لأنه يجري مجرى السهو.

ولقول الصادق عليه‌السلام : « إذا سهوت فابن على الأكثر ، فإذا فرغت وسلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنك نقصت ، فإن كنت أتممت لم يكن‌

__________________

(١) المجموع ٤ : ١٠٦ و ١٠٧ ، فتح العزيز ٤ : ١٦٥ ، الوجيز ١ : ٥١ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٦ ، المغني ١ : ٧١١ ، الشرح الكبير ١ : ٧٢٧ ، الشرح الصغير ١ : ١٣٧ ، شرح العناية ١ : ٤٥٢ و ٤٥٣.

٣٤٣

عليك في هذا شي‌ء ، وإن ذكرت أنك نقصت كان ما صليت تمام ما نقصت » (١).

هذا عند أكثر علمائنا (٢) ، وقال الصدوق : يتخير بين ذلك وبين البناء على الأقل (٣) لقول الرضا عليه‌السلام : « يبني على يقينه ويسجد سجدتي السهو » (٤) والمشهور الأول ، فيتعين المصير إليه ، وتحمل الرواية على الظن.

وقال الشافعي : يبني على الأقل ويأتي بالتمام ـ وبه قال مالك ، وإسحاق ، وأبو ثور (٥) ـ لقوله عليه‌السلام : ( إذا شك أحدكم في صلاته فليلغ الشك وليبن على اليقين ، وإذا استيقن التمام سجد سجدتين ، فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة نافلة له والسجدتان ، وإن كانت ناقصة كانت الركعة تماما لصلاته وكانت السجدتان مرغمتي الشيطان ) (٦) وفيما قلناه إلغاء للشك وأخذ باليقين أيضا.

وقال أبو حنيفة : إن كان أول ما أصابه أعاد الصلاة (٧) لقوله عليه‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٤٩ ـ ١٤٤٨.

(٢) منهم : أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٤٨ ، والقاضي ابن البراج في المهذب ١ : ١٥٥ ، وابن إدريس في السرائر : ٥٤ ، والمحقق في المعتبر : ٢٣١ و ٢٣٢.

(٣) انظر : الفقيه ١ : ٢٣٠ ـ ٢٣١.

(٤) الفقيه ١ : ٢٣٠ ـ ١٠٢٣.

(٥) المجموع ٤ : ١١١ ، فتح العزيز ٤ : ١٦٥ ، الوجيز ١ : ٥١ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٦ ، الميزان ١ : ١٦٢ ، رحمة الأمة ١ : ٥٨ ، القوانين الفقهية : ٧٨ ، الشرح الصغير ١ : ١٣٧ ، الشرح الكبير ١ : ٧٢٧ ، عمدة القارئ ٧ : ٣١٢ ـ ٣١٣ ، وفيها الثوري بدل « أبو ثور ».

(٦) سنن أبي داود ١ : ٢٦٩ ـ ١٠٢٤.

(٧) المبسوط للسرخسي ١ : ٢١٩ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٧٦ ، شرح العناية ١ : ٤٥٢ ، عمدة القارئ ٧ : ٣١٣ ، اللباب ١ : ٩٨ ، المجموع ٤ : ١١١ ، رحمة الأمة ١ : ٥٨ ، الشرح الكبير ١ : ٧٢٨.

٣٤٤

السلام : ( لا غرار في الصلاة ) (١) وإن تكرر تحرى وعمل على ما يؤديه تحريه إليه لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب ، وليبن عليه ، ويسلم ، ويسجد سجدتين ) (٢) ونحن نقول بموجبه ، فإن تحري الصواب هو ما قلناه لما تقدم.

وعن أحمد في المنفرد كالشافعي ، وفي الإمام روايتان : إحداهما : ذلك ، والثانية : يبني على غالب ظنه (٣) ، وعن الثوري روايتان : إحداهما : يتحرى ، والثانية : يبني على اليقين (٤).

وقال الحسن البصري : يسجد سجدتي السهو ويجزيه (٥) لقوله عليه‌السلام : ( يأتي الشيطان أحدكم فيلبس عليه صلاته فلا يدري أزاد أم نقص فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين وهو جالس ) (٦) وحديثنا أولى لأنه مبين.

فروع :

أ ـ لو غلب على ظنه أحد طرفي ما شك فيه بنى على ظنه‌ ولا شي‌ء عليه لقول الصادق عليه‌السلام : « إذا لم تدر ثلاثا صليت أم أربعا ووقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث ، وإن وقع رأيك على الأربع فسلّم‌

__________________

(١) سنن أبي داود ١ : ٢٤٤ ـ ٩٢٩ ، مسند أحمد ٢ : ٤٦١ ، مستدرك الحاكم ١ : ٢٦٤ ، سنن البيهقي ٢ : ٢٦٠ و ٢٦١. والغرار في الصلاة : هو نقصان هيئاتها وأركانها ـ النهاية ٣ : ٣٥٦ « غرر ».

(٢) صحيح البخاري ١ : ١١١ ، صحيح مسلم ١ : ٤٠٠ ـ ٥٧٢ ، سنن النسائي ٣ : ٢٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٨٢ ـ ١٢١١ ، سنن أبي داود ١ : ٢٦٨ ـ ١٠٢٠.

(٣) المغني ١ : ٧٠٢ و ٧٠٣ ، كشاف القناع ١ : ٤٠٦ ، عمدة القارئ ٧ : ٣١٢ و ٣١٣ ، القواعد في الفقه الإسلامي : ٣٤٤ و ٣٤٥ ، حلية العلماء ٢ : ١٣٦ ـ ١٣٧.

(٤) المجموع ٤ : ١١١ ، المغني ١ : ٧٠٣.

(٥) الميزان ١ : ١٦٢ ، رحمة الأمة ١ : ٥٨ ، عمدة القارئ ٧ : ٣١٢ ، حلية العلماء ٢ : ١٣٧.

(٦) صحيح مسلم ١ : ٣٩٨ ـ ٣٨٩ ، سنن الترمذي ٢ : ٢٤٤ ـ ٣٩٧ ، الموطأ ١ : ١٠٠ ـ ١ ، سنن النسائي ٣ : ٣١.

٣٤٥

وانصرف ، وإن اعتدل وهمك فانصرف وصلّ ركعتين وأنت جالس » (١).

ويدل على التخيير بين الركعة من قيام والركعتين من جلوس قول الصادق عليه‌السلام : « إذا اعتدل الوهم في الثلاث والأربع فهو بالخيار إن شاء صلى ركعة وهو قائم ، وإن شاء صلى ركعتين وأربع سجدات » (٢).

ب ـ يتخير الشاك بين الاثنتين والثلاث والأربع بين صلاة ركعتين من قيام وركعتين من جلوس ، وبين ركعتين من قيام ويسلّم وركعة أخرى من قيام‌ إذ الركعة قائما تعدل الركعتين جالسا وهي إلى الفائت المعوض عنه أقرب فكان أولى ، وكذا يتخير بين أن يفعل الركعتين من قيام أولا ، أو الركعتين من جلوس ، أو الركعة من قيام.

وقول الصادق عليه‌السلام : « يقوم فيصلّي ركعتين ويسلم ، ثم يصلّي ركعتين من جلوس ويسلّم ، فإن كان قد صلّى أربعا كانت الركعات نافلة وإلاّ تمت الأربع » (٣) الظاهر أنه لا يراد فيه الترتيب وهذه الصورة لا تنفك من وجوب نافلة ، وليس له أن يصلي ركعتين قائما يفصل بينهما بالتسليم ، ولا ست ركعات من جلوس ، ولا ركعة من قيام وأربعا من جلوس.

ج ـ لو شك بين الأربع والخمس بنى على الأربع وتشهد وسلم وسجد سجدتي السهو‌ ـ وبه قال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأحمد (٤) ـ لقوله عليه‌السلام : ( إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر صلّى خمسا أو أربعا فليطرح الشك وليبن على اليقين ثم يسجد سجدتين ) (٥).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٣ ـ ٧ ، التهذيب ٢ : ١٨٤ ـ ٧٣٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٣ ـ ٩ ، التهذيب ٢ : ١٨٤ ـ ٧٣٤.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥٣ ـ ٦ ، التهذيب ٢ : ١٨٧ ـ ٧٤٢.

(٤) المجموع ٤ : ١١١ ، فتح العزيز ٤ : ١٦٥ ، الوجيز ١ : ٥١ ، الميزان ١ : ١٦٢ ، رحمة الأمة ١ : ٥٨ ، اللباب ١ : ٩٩ ، المغني ١ : ٧٠٣ ، الشرح الكبير ١ : ٧٢٧.

(٥) سنن أبي داود ١ : ٢٦٩ ـ ١٠١٤ باختصار ، وأورده نصّا في المعتبر : ٢٣٣.

٣٤٦

ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام : « إذا كنت لا تدري أربعا صليت أم خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلّم بعدهما » (١) ولأن الشك هنا لا يوجب تلافيا ولا إعادة فيجبر بسجدتي السهو.

مسألة ٣٥٧ : المراد بقولنا : بين كذا وكذا ، الشك في الزائد على العدد الأول بعد إكماله.

فلو قال : لا أدري قيامي لثانية أو لثالثة بطلت صلاته لأنه في الحقيقة شك بين الاولى والثانية.

ولو قال : لثالثة أو رابعة فهو شك في الاثنتين والثلاث ، فيكمل الرابعة ويتشهد ويسلم ويصلي ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس.

ولو قال : لرابعة أو خامسة فهو شك بين الثلاث والأربع فيقعد ويتشهد ويسلم ثم يصلي ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس لاحتمال أن يكون القيام إلى رابعة ، ويسجد للسهو إن قلنا بوجوبه على من قام في حال قعود.

ولو قال : لثالثة أو خامسة قعد وسلّم وصلى ركعتين من قيام وسجد للسهو ، ولو قام من الركوع فقال قبل السجود : لا أدري قيامي لثانية أو ثالثة فالأقرب البطلان لأنه لم يحرز الأولتين ، ويحتمل الصحة تنزيلا للأكثر منزلة الجميع وبركوعه حصل أكثر الثانية.

ولو قال : لرابعة أو خامسة بطلت صلاته ، إذ مع الأمر بالإتمام يحتمل الزيادة المبطلة ، وبعدمه يحتمل النقصان المبطل ، وإنما تصح الصلاة لو صحت قطعا على أحد التقديرين وكذا تبطل لو قال : لثالثة أو خامسة.

أما لو قال : لثالثة أو رابعة فإنه يتم الركعة ويتشهد ويسلم ويصلي ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس لاحتمال أن تكون ثالثة فيجبرها الاحتياط ورابعة فتكون الركعة نفلا.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٥ ـ ٣.

٣٤٧

مسألة ٣٥٨ : لا بدّ في الاحتياط من النية وتكبيرة الافتتاح ، لأنها صلاة فعلت بعد تسليم فيجب فيها ذلك كغيرها ، وهل تجب الفاتحة عينا أم يتخير بينها وبين التسبيح؟

قال بعض علمائنا : بالأول ، لأنها صلاة منفردة فتجب الفاتحة (١) لقوله عليه‌السلام : ( لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب ) (٢) وقال آخرون : بالثاني لأنها بدل عن الثالثة أو الرابعة فيثبت فيها ما ثبت في حكم المبدل (٣). ونمنع المقدمتين ، ولا خلاف في إجزاء الفاتحة وعدم الزيادة عليها.

مسألة ٣٥٩ : لو أحدث قبل الاحتياط ، قال بعض علمائنا : تبطل الصلاة‌ ويسقط الاحتياط لأنه في معرض التمامية للصلاة ، وكما تبطل الصلاة بتخلل الحدث بين أجزائها كذا تبطل بتخلله بين ما يقوم مقام الأجزاء ، ويحتمل أن يكون جزءا ، وقال بعضهم : لا تبطل لأنها صلاة منفردة ، ولا يلزم من كونها بدلا مساواتها للمبدل في كل حكم (٤) والأول أحوط.

أما السجدة المنسية ، أو التشهد المنسي ، أو الصلاة على النبي وآله عليهم‌السلام فالوجه اشتراط عدم تخلل الحدث بين الصلاة وبينها ، وكذا الركعة المنسيّة.

ويشترط في السجدة المنسيّة الطهارة لأنها جزء من الصلاة التي تجب الطهارة في جميع أجزائها ، وكذا الاستقبال ، والأداء في الوقت ، فإن خرج الوقت قبل فعلها عمدا بطلت صلاته ، وإن خرج سهوا قضاها ، ويتأخر حينئذ عن الفائتة السابقة.

__________________

(١) منهم : الصدوق في المقنع : ٣١ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٩٠ ، وابن حمزة في الوسيلة : ١٠٢ ، والمحقق في شرائع الإسلام ١ : ١١٨.

(٢) صحيح البخاري ١ : ١٩٢ ، صحيح مسلم ١ : ٢٩٥ ـ ٣٩٤ ، سنن أبي داود ١ : ٢١٦ ـ ٨٢٠ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٧ ، سنن الدارقطني ١ : ٣٢١ ـ ١٦ و ١٧ ، عوالي اللئالي ١ : ١٩٦ ـ ٢.

(٣) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ٢٤ ، وابن إدريس في السرائر : ٥٤.

(٤) حكى القولين ، المحقق في شرائع الإسلام ١ : ١١٨.

٣٤٨

البحث الخامس : في سجدتي السهو وباقي مسائله.

مسألة ٣٦٠ : قال الشيخ في الخلاف : لا تجب سجدتا السهو إلاّ في أربعة مواضع : من تكلم في الصلاة ناسيا ، أو سلّم في غير موضعه ناسيا أو نسي سجدة ولم يذكر حتى يركع ، أو التشهد ولا يذكر حتى يركع في الثالثة ، ولا يجب في غير ذلك فعلا كان أو قولا ، زيادة كان أو نقصانا ، متحققة كانت أو متوهمة ، وعلى كل حال.

وفي أصحابنا من قال : تجب سجدتا السهو في كل زيادة ونقصان (١). وزاد في المبسوط : من شك بين الأربع والخمس (٢) ، وقال المرتضى : من قعد في حال قيام فتلافاه وبالعكس سجد للسهو (٣).

والوجه وجوبهما في كل زيادة ونقصان لقول الصادق عليه‌السلام « يسجد للسهو في كل زيادة ونقصان » (٤).

وقال الشافعي : يجب سجود السهو لأمرين : إما لزيادة أو نقصان ، فالزيادة أما قول أو فعل ، فالقول مثل أن يسلّم ساهيا في غير موضعه ، أو يتكلم ساهيا ، أو يقرأ في غير موضع القراءة كالركوع والسجود.

والفعل إما زيادة متحققة كأن يقعد في موضع قيامه عقيب الاولى والثالثة أكثر من جلسة الاستراحة ، أو يقوم في موضع قعوده وهو أن يقوم عن الثانية ثم يعود للقعود ، أو يقوم بعد الرابعة إلى الخامسة يعتقدها رابعة.

وإما زيادة متوهمة وهو البناء على اليقين في الشك مثل أن يشك هل‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٤٥٩ مسألة ٢٠٢ ، وانظر أيضا : أمالي الصدوق : ١٥٣ المجلس ٩٣ ، والفقيه ١ : ٢٢٥ ـ ٩٩٣.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ١٢٣.

(٣) جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٣٧.

(٤) التهذيب ٢ : ١٥٥ ـ ٦٠٨ ، الاستبصار ١ : ٣٦١ ـ ١٣٦٧.

٣٤٩

صلّى ثلاثا أو أربعا فإنه يضيف إليها أخرى ، وضابط ذلك أن كلّ ما إذا فعله عامدا بطلت صلاته لو فعله ساهيا جبره بسجود السهو.

وأما النقصان فأن يترك التشهد الأول أو الجلوس له ، وكذلك القنوت في الفجر وفي النصف الأخير من شهر رمضان من صلاة الوتر ، وأما الصلاة على النبي في التشهد الأول ففي الجديد على قولين : أحدهما : أنه سنة فيجبره بالسجود ، والثاني ، أنه ليس بسنة فلا يجبره.

وأما ما لا يجبر به فأركان الصلاة وهيئاتها فإن ترك ركنا لم يجبر بسهو لكن إن ذكره قريبا أتى به وسجد للسهو لأجل ما زاد من الفعل بتركه ، وإن ذكره بعيدا بطلت صلاته.

وأما الهيئات فإن ترك دعاء الافتتاح ، والتعوّذ ، والجهر فيما يسر به وبالعكس ، وترك القراءة بعد الفاتحة ، والتكبيرات بعد الإحرام ، والتسبيحات في الركوع والسجود.

وأما الأفعال فترك رفع اليدين مع الافتتاح ، وعند الركوع والرفع منه ، ووضع اليمين على الشمال حال القيام ، وترك وضعهما على الركبتين حال الركوع ، وعلى الفخذين حال الجلوس ، وترك جلسة الاستراحة عقيب الاولى والثالثة ، وترك هيئة ركن من الأفعال كالافتراش في موضع التورك ، والتورك في موضع الافتراش ، وكذلك إذا خطا خطوة أو خطوتين ، أو التفت ، أو لفّ عمامته لفّة أو لفّتين كل هذا ترك هيئات الأركان فلا يجبره بسجود السهو.

والحاصل أن الصلاة تشتمل على أركان فلا تجبر بالسهو ، وعلى هيئات فكذلك ، وعلى مسنونات تجبر بسجدتي السهو (١).

ووافقه أبو حنيفة على ذلك وزاد عليه في خمس مسائل ، فقال : إن جهر‌

__________________

(١) الام ١ : ١٣٠ ـ ١٣٢ ، المجموع ٤ : ١٢٥ ـ ١٢٧ ، فتح العزيز ٤ : ١٣٨ ـ ١٤٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٧ ـ ٩٨.

٣٥٠

فيما يسر ، أو أسر فيما يجهر به ـ يعني الإمام ـ فإن المأموم عنده لا يجهر ، أو ترك فاتحة الكتاب ، أو قرأ سورة قبل الفاتحة ، أو أخر القراءة عن الأولتين إلى الأخريين ، أو ترك التكبيرات المتوالية في العيدين ، أو تورك في موضع الافتراش سجد للجميع (١).

وقال مالك : متى ترك الهيآت سجد ، ودعاء الافتتاح والتعوذ عنده في الصلاة لكن بتكبيرات الصلاة غير الافتتاح ، وترك التسبيح في الركوع والسجود ، وترك الإسرار أو الجهر فمذهبه أنه يجبر كل سهو يقع في الصلاة (٢).

وقال ابن أبي ليلى : إن أسر فيما يجهر فيه ، أو جهر فيما يسر فيه بطلت صلاته (٣) كقولنا ، وقد ذكرنا أكثر هذه المسائل على سبيل التفصيل.

مسألة ٣٦١ : لو جلس في الأولى أو الثالثة للتشهد وتشهد ، ثم ذكر قام وصلّى وتشهّد‌ ، ويسجد سجدتي السهو عند بعض علمائنا على ما تقدم وبه قال الشافعي (٤) لما تقدم.

وحكي عن علقمة والأسود أنهما قالا : لا يسجد لأن الجبران إنما يكون للنقصان لا للزيادة (٥) وهو ممنوع.

ولأن الزيادة تؤثر نقصانا ، ولهذا إذا كانت عمدا أبطلتها ، وإن ذكر قبل أن يتشهد ، فإن كان قد جلس قدر جلسة الاستراحة لم يسجد ، وإن زاد‌

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ١ : ٢٢٠ و ٢٢١ و ٢٢٢ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٧٤ ـ ٧٥ ، اللباب ١ : ٩٥ ـ ٩٦ ، المجموع ٤ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٤ : ١٣٩ ، الميزان ١ : ١٦٣ ، رحمة الأمة ١ : ٥٩.

(٢) المدونة الكبرى ١ : ١٤٠ ، القوانين الفقهية : ٧٧ ، المجموع ٤ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٤ : ١٣٩ ـ ١٤٠.

(٣) المجموع ٤ : ١٢٨.

(٤) المجموع ٤ : ١٣٨ ، فتح العزيز ٤ : ١٦٠ ، مغني المحتاج ١ : ٢٠٨.

(٥) المجموع ٤ : ١٢٧ ، المغني ١ : ٧١٢ ، شرح الأزهار ١ : ٣١٥.

٣٥١

سجد ، وبه قال الشافعي (١).

مسألة ٣٦٢ : لا سجود لترك المندوب‌ لجواز تركه مطلقا فلا يستعقب تركه نسيانا تكليفا ، فلو ترك القنوت في صلاة الصبح أعاده بعد الركوع استحبابا ولا يسجد للسهو ، وقال الشافعي : يسجد (٢).

ولو ذكر بعد الانحطاط إلى السجود لم يعد لفوات محله ، وقال الشافعي : إن سجد لم يجز أن يرجع لأنه تلبس بالفرض فلا يعود إلى السنّة وإن لم يكن وضع جبهته على الأرض عاد إليه ، ويسجد للسهو إن كان قد بلغ حد الراكعين أو زاد ، وإلاّ فلا (٣).

ولو ترك الإمام القنوت لاعتقاده لم يسجد المأموم لأجله ـ وبه قال القفال (٤) ـ إذ لا خلل في صلاة الإمام ، وقال بعض الشافعية : يسجد المأموم لأنه اعتقد أن إمامه ترك مأمورا فاختلت صلاته فعليه جبرها بالسجود (٥).

فروع :

أ ـ ترك التكبيرات المستحبة لا يقتضي سجود السهو ، وبه قال الشافعي (٦). وقال أبو حنيفة : إذا ترك تكبيرات العيدين خاصة سجد لها لأنه‌

__________________

(١) المجموع ٤ : ١٣٨ ـ ١٣٩ ، الوجيز ١ : ٥١ ، فتح العزيز ٤ : ١٦٠ ، مغني المحتاج ١ : ٢٠٨.

(٢) المجموع ٤ : ١٢٥ ، مغني المحتاج ١ : ٢٠٥ ، الميزان ١ : ١٦٣ ، كفاية الأخيار ١ : ٧٩.

(٣) المجموع ٤ : ١٣٦ ، فتح العزيز ٤ : ١٥٩ ـ ١٦٠ ، مغني المحتاج ١ : ٢٠٨ ، السراج الوهاج : ٦٠.

(٤) حلية العلماء ٢ : ١٧١.

(٥) حلية العلماء ٢ : ١٧١.

(٦) الام ١ : ١٣٠ ، مختصر المزني : ١٧ ، المجموع ٤ : ١٢٦ ، فتح العزيز ٤ : ١٣٩ ، كفاية الأخيار ١ : ٨٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٨.

٣٥٢

ذكر في محل واحد ، فإذا تركه سجد له كالتشهد والقنوت (١) وينتقض بدعاء الاستفتاح.

ب ـ لو زاد فعلا مندوبا أو واجبا في غير موضعه سجد للسهو‌ ، فلو قنت في الركعة الأولى ساهيا سجد للسهو ـ وبه قال الشافعي ـ لما تقدم ، واختلف أصحابه في العلّة.

فقيل : إنه نقل ذكرا مقصودا من محله إلى غير محله فيجعل كتركه في محله.

وقيل : إن قيام الاعتدال ركن قصير وقد طوّله بالقنوت (٢).

وتظهر الفائدة فيما لو قنت في الاولى من الصبح عامدا هل تبطل صلاته أم لا؟

أما عندنا فإنها تبطل لأنه زاد ذكرا غير مشروع فيكون حكمه حكم ما لو تكلم في الصلاة بما ليس منها عامدا.

وأما الشافعية فمن علل بالأول لم يبطل ، لأن الصلاة محل الذكر ، وفي سجود السهو قولان.

ومن علل بالثاني أبطلها ، لأن تطويل الركن القصير كزيادة ركن في الصلاة (٣).

ولو قنت قبل الركوع لم يسجد عندنا لأنه المأمور به ، والشافعية قالوا : إنه بعده فهل يسجد؟ إن علل بالأول سجد ، وإلاّ فلا لأن القيام ركن ممتد (٤).

__________________

(١) الهداية للمرغيناني ١ : ٧٤ ، شرح العناية ١ : ٤٣٩ ، اللباب ١ : ٩٥ ، المجموع ٤ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٤ : ١٣٩ ، رحمة الأمة ١ : ٥٩.

(٢) انظر المجموع ٤ : ١٢٦ ـ ١٢٧ ، فتح العزيز ٤ : ١٤٤ ـ ١٤٥.

(٣) انظر المجموع ٤ : ١٢٦ ـ ١٢٧ ، فتح العزيز ٤ : ١٤٤ ـ ١٤٥.

(٤) المجموع ٣ : ٤٩٤ و ٤٩٥.

٣٥٣

ولو تشهد قائما متعمدا بطلت صلاته ، لأن التشهد عندنا فرض في محله وقد أخلّ به عمدا ، وعند الشافعية أنّه مستحب (١) فلا تبطل لأن الذكر في الصلاة لا يبطلها نقله.

والقيام والقعود ركن ممتد ، ولو فعله ساهيا سجد عندنا وتداركه ، ومن علّل من الشافعية بالأول سجد لأنه نقل الذكر ، ومن علّل بالثاني لم يسجد لأن الركن طويل في نفسه.

ج ـ لو عزم أن يفعل فعلا مخالفا للصلاة أو أن يتكلم عامدا ولم يفعل لم يلزمه سجود السهو‌ لأن حديث النفس مرفوع عن هذه الأمة (٢) ، ولا سجود إلاّ في عمل البدن.

د ـ لو سها في صلاة النفل بنى على الأقل‌ استحبابا ، ويجوز البناء على الأكثر ، وبه قال ابن سيرين ، وهو قول الشافعي ، وعنه السجود لترك ما اقتضت التحريمة فعله (٣).

هـ ـ لو سها في سجود السهو‌ بأن ظن ترك سجدة وقلنا بفعله في الصلاة فسجد ، ثم ذكر أنه لم يتركها وأن سجوده للسهو كان سهوا في الصلاة لم يسجد له لما تقدم من أنه لا سهو في سهو ، وعند الشافعية يسجد لوجود السبب وهو السهو (٤).

__________________

(١) المجموع ٣ : ٤٥٠ ، فتح العزيز ٣ : ٤٩٣ و ٤٩٤ ، حلية العلماء ٢ : ١٠٤.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٩٠ و ٧ : ٥٩ و ٨ : ١٦٨ ، صحيح مسلم ١ : ١١٦ ـ ٢٠١ و ٢٠٢ ، سنن النسائي ٦ : ١٥٦ ـ ١٥٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٥٨ ـ ٢٠٤٠ و ٦٥٩ ـ ٢٠٤٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٤٨٩ ـ ١١٨٣.

(٣) المجموع ٤ : ١٦١.

(٤) فتح العزيز ٤ : ١٧٣ ـ ١٧٤.

٣٥٤

و ـ لو سها بعد سجود السهو‌ إذا جعلناه في الصلاة بأن فرغ من السجود وقبل أن يسلّم تكلم ناسيا ، أو قام على ظن أنه رفع رأسه من سجدات الصلوات سجد ثانيا لوجود السبب ، وسجود السهو يجبر ما قبله لا ما بعده ، وبه قال بعض الشافعية (١) ، وظاهر مذهبهم : أنه لا يسجد ثانيا لأنه ربما ( يسهو ) (٢) فيحتاج إلى سجود آخر فيؤدي إلى ما لا يتناهى (٣).

ز ـ المسبوق إذا أدرك الإمام بعد السجود تابعه‌ ولا سجود عليه ، ولو أدركه بعد الرفع من الركوع فإن سوغنا الدخول معه والاعتداد بهذه النية والتكبير لم يسجد للسهو ، وبه قال الشافعي (٤).

وقال عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير : يسجد لوجود زيادة في صلاته لا يعتد بها (٥). ويبطله قوله عليه‌السلام : ( ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا ) (٦) ولم يأمر بسجود.

مسألة ٣٦٣ : سجدتا السهو بعد التسليم‌ مطلقا عند أكثر علمائنا (٧) ـ وبه قال علي عليه‌السلام ، وابن مسعود ، وعمار ، وسعد بن أبي وقاص ، والنخعي ، وابن أبي ليلى ، والثوري ، وأصحاب الرأي ، وهو قول‌

__________________

(١) المجموع ٤ : ١٤١ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٨.

(٢) بدل ما بين القوسين في « م ، ش » والطبع الحجري تشهد. والأنسب بالعبارة ما أثبتناه.

(٣) المجموع ٤ : ١٤١ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢١٣.

(٤) المجموع ٤ : ١٦٣.

(٥) المجموع ٤ : ١٦٣ ، المغني ١ : ٧٣٣ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣٢.

(٦) صحيح البخاري ١ : ١٦٣ و ٢ : ٩ ، سنن أبي داود ١ : ١٥٦ ـ ٥٧٢ ، سنن الترمذي ٢ : ١٤٩ ـ ٣٢٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٥٥ ـ ٧٧٥ ، سنن الدارمي ١ : ٢٩٤ ، مسند أحمد ٢ : ٢٣٨ و ٢٧٠ و ٣١٨ و ٤٨٩ و ٥٣٣ ، صحيح مسلم ١ : ٤٢٠ ـ ٦٠٢ ، مسند أبي عوانة ١ : ٤١٣ ، الموطأ ١ : ٦٨ ـ ٤.

(٧) منهم : السيد المرتضى في جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٣٧ ، والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ١٢٥ ، والمحقق في المعتبر : ٢٣٣.

٣٥٥

الشافعي (١) ـ لقوله عليه‌السلام : ( إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب وليبن عليه ويسلم ويسجد سجدتين ) (٢) وقوله عليه‌السلام : ( لكل سهو سجدتان بعد أن يسلم ) (٣).

ومن طريق الخاصة قول علي عليه‌السلام : « سجدتا السهو بعد السلام وقبل الكلام » (٤) ولأنه زيادة في الصلاة وفعل كثير ليس منها فيكون مبطلا ، ولأن فيه تغييرا لهيئة الصلاة إذ السجود لا يتبع التشهد في شي‌ء من صور الصلاة.

وقال بعض علمائنا : إنّهما قبل التسليم سواء زاد في الصلاة أو نقص (٥) ـ وهو قول أبي هريرة ، وأبي سعيد الخدري ، والزهري ، وسعيد بن المسيب ، وربيعة ، والأوزاعي ، والليث بن سعد (٦) ـ لما رووه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه صلّى صلاة العشاء فقام في ركعتين فقام الناس معه فلما انتظروا تسليمه كبر فسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم ثم سلّم (٧).

__________________

(١) المجموع ٤ : ١٥٤ و ١٥٥ ، فتح العزيز ٤ : ١٨٠ و ١٨١ ، فتح الباري ٣ : ٧٢ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٢١٩ ، عمدة القارئ ٧ : ٣٠١ ، المغني ١ : ٧١٠ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣٤ ، سنن الترمذي ٢ : ٢٣٧.

(٢) صحيح البخاري ١ : ١١١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٨٢ ـ ١٢١١ ، سنن أبي داود ١ : ٢٦٨ ـ ١٠٢٠ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٣٥ و ٣٣٦ ، سنن الدارقطني ١ : ٣٧٥ ـ ١.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٣٨٥ ـ ١٢١٩ ، مسند أحمد ٥ : ٢٨٠ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٣٧.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢٥ ـ ٩٩٤ ، التهذيب ٢ : ١٩٥ ـ ٧٦٨ ، الاستبصار ١ : ٣٨٠ ـ ١٤٣٨.

(٥) هو المحقق في شرائع الإسلام ١ : ١١٩.

(٦) المجموع ٤ : ١٥٥ ، المغني ١ : ٧١٠ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣٤ ، عمدة القارئ ٧ : ٣٠١ ، سنن الترمذي ٢ : ٢٣٧.

(٧) صحيح البخاري ٢ : ٨٥ ، صحيح مسلم ١ : ٣٩٩ ـ ٥٧٠ ، الموطأ ١ : ٩٦ ـ ٦٥ ، سنن الدارمي ١ : ٣٥٣ ، سنن النسائي ٣ : ١٩ و ٢٠ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٣٤.

٣٥٦

ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام : « إنّهما قبل التسليم فإذا سلمت ذهبت حرمة صلاتك » (١).

والحديث الأول ممنوع لمنافاته الأصول الدالة على عصمة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن السهو. والثاني ضعيف السند.

وقال بعض علمائنا بالتفصيل فإن كان للنقصان ففي الصلاة وإن كان للزيادة فبعد التسليم (٢) ـ وبه قال مالك ، والمزني ، وإسحاق ، وأبو ثور ، والشافعي في القديم ـ (٣) لأن خبر ذي اليدين (٤) ذكر السجود بعد السلام لأن السهو في الزيادة ، والخبر السابق ذكر السجود في الصلاة لأنه للنقصان.

ومن طريق الخاصة قول الرضا عليه‌السلام : « إذا نقصت فقبل التسليم وإذا زدت فبعده » (٥) والأولان بيّنا ضعفهما ، والثالث معارض بالأخبار الكثيرة فتكون أرجح.

وقال أحمد : السجود قبل السلام إلاّ في موضع ورد فيه الأثر خاصة ، واختاره ابن المنذر (٦).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٩٥ ـ ٧٧٠ ، الاستبصار ١ : ٣٨٠ ـ ١٤٤٠ ، وفيها عن الامام الباقر عليه‌السلام ، وأورده عن الامام الصادق عليه‌السلام في المعتبر : ٢٣٣ ـ ٢٣٤.

(٢) انظر المبسوط للطوسي ١ : ١٢٥ ، والمعتبر : ٢٣٣.

(٣) المجموع ٤ : ١٥٥ ، فتح العزيز ٤ : ١٨٠ ، السراج الوهاج : ٦١ ، الميزان ١ : ١٦٢ ، القوانين الفقهية : ٧٣ ، بداية المجتهد ١ : ١٩٣ ، المغني ١ : ٧١٠ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣٤ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٢٢٠ ، عمدة القارئ ٧ : ٣٠٢ ، المحلى ٤ : ١٧١ ، الموطأ ١ : ٩٥ ذيل الحديث ٦١ ، سنن الترمذي ٢ : ٢٣٧ و ٢٣٨.

(٤) صحيح البخاري ٩ : ١٠٨ ، صحيح مسلم ١ : ٤٠٣ ـ ٥٧٣ ، سنن الترمذي ٢ : ٢٤٧ ـ ٣٩٩ ، سنن النسائي ٣ : ٢٠ ، الموطأ ١ : ٩٣ ـ ٥٨.

(٥) التهذيب ٢ : ١٩٥ ـ ٧٦٩ ، الإستبصار ١ : ٣٨٠ ـ ١٤٣٩.

(٦) المغني ١ : ٧٠٩ و ٧١٠ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣٣ و ٧٣٤ ، العدة شرح العمدة : ٨٦ ، فتح العزيز ٤ : ١٨١ ، عمدة القارئ ٧ : ٣٠٢ ، حلية العلماء ٢ : ١٥١.

٣٥٧

فروع :

أ ـ لو تعدد الموجب ـ وقلنا بالاتحاد وقبل التسليم إن كان للنقصان وبعده إن كان للزيادة ـ واختلف ، قالت الشافعية : يسجد قبله‌ (١) لأن القائل بأن السجود بعده يسوغه قبله ، ولأنها حالة متقدمة فاعتبارها أولى.

ب ـ إذا قلنا بأنه قبل التسليم فإذا فرغ من التشهد سجدهما ثم سلم بعد الرفع‌ ولا يحتاج إلى إعادة التشهد عند الشافعي (٢) ، والوجه عندنا وجوبه ـ وبه قال أبو حنيفة (٣) ـ لأنهما مستقلان بوجوبه فالتشهد لهما.

ج ـ لو نسي السجود فسلم ثم ذكر سجد‌ لوجود المقتضي ، وقال الشافعي : إن كان الفصل قصيرا سجد وإن طال فقولان (٤).

مسألة ٣٦٤ : لا سجود فيما يترك عمدا‌ لأنه إن كان واجبا أبطل الصلاة ، وإن كان مندوبا لم يشرع له السجود كما تقدم ـ وبه قال أبو حنيفة (٥) ـ لأنه سجود يضاف إلى السهو فيختص به كسجود التلاوة.

وقال الشافعي : يسجد لو ترك التشهد والقنوت عمدا لأنه يسجد لهما‌

__________________

(١) الام ١ : ١٣٠ ، المجموع ٤ : ١٦٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٩ ، السراج الوهاج : ٦١ ، مغني المحتاج ١ : ٢١٢ و ٢١٣.

(٢) الأم ١ : ١٣٠ ، مختصر المزني : ١٧ ، فتح الباري ٣ : ٧٦ ، عمدة القارئ ٧ : ٣٠٣.

(٣) عمدة القارئ ٧ : ٣٠٣ و ٣٠٩ ، الجامع الصغير للشيباني : ١٠٤ ، الحجة على أهل المدينة ١ : ٢٢٣ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٧٤.

(٤) الام ١ : ١٣١ ، المجموع ٤ : ١٥٦ ، مغني المحتاج ١ : ٢١٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٩.

(٥) المغني ١ : ٧٣٤ ، الشرح الكبير ١ : ٧٠٠.

٣٥٨

للسهو فالعمد أولى (١).

والمقدمتان ممنوعتان.

مسألة ٣٦٥ : سجود السهو واجب. قال الشيخ في الخلاف : وشرط في صحة الصلاة (٢) ـ وبه قال مالك (٣) ـ لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام أمروا به (٤) والأمر للوجوب ، ولأنه جبران يفعل في العبادة فكان واجبا كجبران الحج.

وقال أحمد : إنه واجب (٥). وحكى أبو الحسن الكرخي عن أبي حنيفة : أنه واجب وليس بشرط في الصلاة (٦) ، وحكى أصحاب مالك عنه : أنه واجب في النقصان (٧).

وقال الشافعي : إنه ليس بواجب مطلقا (٨) لقوله عليه‌السلام في حديث‌

__________________

(١) المجموع ٤ : ١٢٥ ، فتح العزيز ٤ : ١٣٨ و ١٣٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٨ ، المغني ١ : ٧٣٤ ، الشرح الكبير ١ : ٧٠٠.

(٢) الخلاف ١ : ٤٦٢ مسألة ٢٠٣.

(٣) بداية المجتهد ١ : ١٩١ ، القوانين الفقهية : ٧٣ ، المجموع ٤ : ١٥٢.

(٤) انظر على سبيل المثال الفقيه ١ : ٢٣٠ ـ ١٠١٨ ، التهذيب ٢ : ١٩٦ ـ ٧٧٢ ، الاستبصار ١ : ٣٨٠ ـ ١٤٤١ ، صحيح البخاري ٢ : ٨٧ ، صحيح مسلم ١ : ٣٩٨ ـ ٥٦٩ و ٤٠٠ ـ ٥٧٢ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٨٠ ـ ١٢٠٣ و ١٢٠٤ ، سنن النسائي ٣ : ٢٧ ، و ٢٨ ، و ٣٠ و ٣١ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٥٣ ، سنن الدارقطني ١ : ٣٧٤ ـ ٣٧٥ ـ ١‌

(٥) المغني ١ : ٧٢٥ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣٣ ، المجموع ٤ : ١٥٢ ، فتح العزيز ٤ : ١٣٨ ، الميزان ١ : ١٦١ ، رحمة الأمة ١ : ٥٧.

(٦) المجموع ٤ : ١٥٢ ، حلية العلماء ٢ : ١٥٠.

(٧) بداية المجتهد ١ : ١٩١ ، المجموع ٤ : ١٥٢ ، فتح العزيز ٤ : ١٣٨ ، فتح الباري ٣ : ٧١ ، الميزان ١ : ١٦١ ، رحمة الأمة ١ : ٥٧.

(٨) المجموع ٤ : ١٥٢ ، فتح العزيز ٤ : ١٣٨ ، الوجيز ١ : ٥٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٩ ، فتح الباري ٣ : ٧١ ، رحمة الأمة ١ : ٥٧ ، الميزان ١ : ١٦١ ، بداية المجتهد ١ : ١٩١.

٣٥٩

أبي سعيد الخدري : « فإن كانت الصلاة تامة كانت الركعة والسجدتان نافلة ) (١) ولأنها تفعل تكملة للصلاة وليس بشرط فيها فلم يكن واجبا كسائر المسنونات.

ولا حجة في الحديث إذ كونها نافلة على تقدير لا يقتضي كونها نافلة مطلقا ، ونمنع القياس على المسنونات فإنّ العلّة موجودة في الواجبات.

فروع :

أ ـ قول الشيخ : إنهما شرط في [ صحة ] (٢) الصلاة (٣) ‌إن قصد بذلك بطلان الصلاة بتركهما مع الذكر منعناه عملا بأصالة البراءة والصحة ، وإن قصد وجوبهما فهو مسلم ، فعلى هذا لو لم يسجد لم تبطل صلاته بل يجب عليه السجود دائما إلى أن يفعله.

ب ـ لو نسي السجدتين أتى بهما إذا ذكر‌ سواء تطاولت المدة أو لا ـ وبه قال الأوزاعي (٤) ـ لقول الصادق عليه‌السلام في الرجل ينسى سجدتي السهو : « يسجدهما متى ذكر » (٥) ولأنه مأمور بهما فيأتي بهما عند الذكر ليتحقق الامتثال.

وقال أبو حنيفة : إن تكلم بعد الصلاة أو خرج من المسجد سقط عنه السجود (٦).

__________________

(١) سنن البيهقي ٢ : ٣٥١ ، سنن الدارقطني ١ : ٣٧٢ ـ ٢١.

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

(٣) الخلاف ١ : ٤٦٢ مسألة ٢٠٣.

(٤) المحلى ٤ : ١٦٣ و ١٦٦.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٥٣ ـ ٣٥٤ ـ ١٤٦٦.

(٦) بدائع الصنائع ١ : ١٧٥ ، المجموع ٤ : ١٦١ ، المغني ١ : ٧٢٢ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣٥.

٣٦٠