تذكرة الفقهاء - ج ٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-36-1
الصفحات: ٣٨٦

وقال أحمد : يقطعها الكلب الأسود ، والمرأة ، والحمار (١) لأن أبا هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( يقطع الصلاة المرأة ، والحمار ، والكلب ) (٢) وهو منسوخ بما تقدم من الأحاديث للإجماع على نسخ حكم المرأة.

فروع :

أ ـ لو جعل بينه وبين ما يمر به حاجزا زالت الكراهة‌ ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصلّ ، ولا يبالي ما وراء ذلك ) (٣).

ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام « كان رحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذراعا ، وكان إذا صلى وضعه بين يديه يستتر به ممن يمرّ بين يديه » (٤).

ب ـ لو لم يتفق له سترة استحب له دفع المار بين يديه‌ لقوله عليه‌السلام : ( لا يقطع الصلاة شي‌ء ، فادرؤا ما استطعتم ) (٥) ، وكذا قول الصادق عليه‌السلام (٦).

ج ـ لا فرق بين فرض الصلاة ونفلها إجماعا.

د ـ لو كان الكلب واقفا بين يديه لم تبطل صلاته‌ على قولنا ، وعن‌

__________________

(١) المغني ٢ : ٨١ ، الانصاف ٢ : ١٠٦ ـ ١٠٧ ، المحرر في الفقه ١ : ٧٦ ، مسائل أحمد : ٤٤ ، المجموع ٣ : ٢٥٠.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٣٦٥ ـ ٣٦٦ ـ ٥١١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٠٥ ـ ٩٥٠ ، مسند أحمد ٢ : ٤٢٥ ، سنن البيهقي ٢ : ٢٧٤.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٣٥٨ ـ ٤٩٩ ، سنن الترمذي ٢ : ١٥٦ ـ ٣٣٥.

(٤) الكافي ٣ : ٢٩٦ ـ ٢ ، التهذيب ٢ : ٣٢٢ ـ ١٣١٧ ، الاستبصار ١ : ٤٠٦ ـ ١٥٤٩.

(٥) سنن أبي داود ١ : ١٩١ ـ ٧١٩ ، سنن البيهقي ٢ : ٢٧٨.

(٦) الكافي ٣ : ٢٩٧ ـ ٣ ، التهذيب ٢ : ٣٢٢ ـ ١٣١٨ ، الإستبصار ١ : ٤٠٦ ـ ١٥٥٢.

٣٠١

أحمد روايتان : إحداهما : البطلان لشبهه بالمارّ (١).

مسألة ٣٣٣ : لا يقطع الصلاة رعاف ، ولا قي‌ء ، ولو عرض الرعاف في الصلاة أزاله وأتم الصلاة ما لم يحتج إلى فعل كثير ، أو كلام ، أو استدبار لأن ذلك ليس بناقض للطهارة ، وهو إجماع منّا ، والأصل يعطيه.

مسألة ٣٣٤ : حكم المرأة حكم الرجل في جميع الأحكام‌ لكن لا جهر عليها ، ولا أذان ، ولا إقامة ، فإن أذنت وأقامت خافتت فيهما.

ويستحب لها اعتماد ما رواه زرارة ، قال : « إذا قامت المرأة في الصلاة جمعت بين قدميها ، ولا تفرج بينهما ، وتضم يديها إلى صدرها لمكان ثدييها ، فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلا تتطأطأ كثيرا ، فإذا جلست فعلى أليتيها كما يقعد الرجل ، فإذا سقطت للسجود بدأت بالقعود وبالركبتين قبل اليدين ، ثم تسجد لاطئة بالأرض ، وإذا كانت في جلوسها ضمت فخذيها ورفعت ركبتيها ، فإذا نهضت انسلّت انسلالا لا ترفع عجيزتها أوّلا » (٢).

وفي رواية ابن أبي يعفور عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « إذا سجدت المرأة بسطت ذراعيها » (٣) وبهذا قال الشافعي أيضا (٤) ، وقال أبو حنيفة : تجلس كأستر ما يكون (٥). وقال الشعبي : تجلس كما يتيسر عليها (٦). وكان ابن عمر يأمر نساءه أن يجلسن متربعات (٧).

__________________

(١) المغني ٢ : ٨٤ ، الانصاف ٢ : ١٠٨.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٥ ـ ٢ ، الفقيه ١ : ٢٤٣ ، التهذيب ٢ : ٩٤ ـ ٣٥٠.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣٦ ـ ٤ ، التهذيب ٢ : ٩٤ ـ ٣٥١.

(٤) حلية العلماء ٢ : ١١٣.

(٥) انظر : المبسوط للسرخسي ١ : ٢٥.

(٦) حلية العلماء ٢ : ١١٣ ، المغني ١ : ٦٣٦.

(٧) حلية العلماء ٢ : ١١٣ ، المغني ١ : ٦٣٦ ، الشرح الكبير ١ : ٦٣٦.

٣٠٢

الفصل الرابع :

في أحكام السهو

وفيه مباحث :

الأول : فيما يوجب الإعادة :

مسألة ٣٣٥ : من أخل بشي‌ء من واجبات الصلاة عمدا بطلت صلاته‌ سواء كان شرطا كالطهارة ، والاستقبال ، وستر العورة ، أو جزءا منها ، سواء كان ركنا كالركوع ، أو غيره كالتسبيح فيه ، أو كيفية كالطمأنينة. وسواء كان عالما ، أو جاهلا لأن الإخلال بالشرط يستلزم الإخلال بالمشروط ، فلو صحت بدونه لم يكن ما فرضناه شرطا بشرط ، هذا خلف.

والإخلال بجزء من الماهية يستلزم الإخلال بها لتوقف وجود المركب على وجود أجزائه فلا يكون المخلّ ببعض الأجزاء آتيا بالصلاة المأمور بها شرعا ، فيبقى في عهدة التكليف عدا الجهر والإخفات ، فقد عذر الجاهل فيهما بالإخلال بهما باتفاق الموجبين له لقول الباقر عليه‌السلام في رجل جهر فيما لا ينبغي الجهر فيه ، أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، فقال : « إن فعل ذلك متعمدا فقد نقض صلاته ، وعليه الإعادة ، فإن فعل ذلك ناسيا ، أو ساهيا ولا يدري فلا شي‌ء عليه » (١) وكذا لو فعل شيئا لا يجوز فعله في الصلاة عمدا بطلت صلاته كالكلام وشبهه وقد تقدم.

ولو جهل غصبية الثوب الذي يصلّي فيه ، أو المكان ، أو نجاسة‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٢٧ ـ ١٠٠٣ ، التهذيب ٢ : ١٤٧ ـ ٥٧٧.

٣٠٣

الثوب ، أو البدن ، أو موضع السجود فلا إعادة ، ولو توضأ بماء مغصوب مع علم الغصبية وصلّى أعاد الطهارة والصلاة ، ولو جهل الغصبية لم يعد إحداهما ، ولا يعذر جاهل الحكم ، ولا الناسي على إشكال ينشأ من إلحاقه بالعامد ، وبالنجس إن قلنا بالعذر فيه.

ولو لم يعلم أن الجلد ميتة وصلى فيه ثم علم لم يعد إذا كان في يد مسلم غير مستحل ، أو شراه من سوق المسلمين ، فإن أخذه من غير مسلم أو منه وكان مستحلا ، أو وجده مطروحا أعاد لأصالة الموت ، ولو لم يعلم أنه من جنس ما يصلّى فيه أعاد لتفريطه.

مسألة ٣٣٦ : وتبطل الصلاة لو أخل بركن سهوا أو عمدا‌ ، وقد عرفت أن الركن هو ما تبطل بتركه الصلاة عمدا وسهوا.

واختلف علماؤنا في عدد الأركان فالمشهور أنها خمسة : النية ، والقيام ، وتكبيرة الافتتاح ، والركوع ، ومجموع السجدتين في ركعة ، وأسقط بعضهم القيام (١) ، وأثبت آخرون مع الخمسة القراءة (٢).

وفي كون النيّة من الأركان أو الشروط احتمال من حيث انها تتعلق بالصلاة فتكون خارجة عنها وإلاّ لتعلقت بنفسها ، ومن إمكان تعلقها بسائر الأركان وهي من الصلاة.

هذا إذا تجاوز المحل كما لو سها عن القيام حتى نوى ، أو عن النيّة حتى كبّر للإحرام ، أو عن تكبيرة الإحرام حتى قرأ ، أو عن الركوع حتى سجد ، أو عن السجدتين حتى ركع ؛ لقول الكاظم عليه‌السلام : « يعيد الصلاة » لما سئل عن الرجل ينسى التكبيرة حتى قرأ (٣).

__________________

(١) هو ابن أبي عقيل كما في المختلف ـ للمصنّف ـ : ٩١ ، ومفتاح الكرامة ٢ : ٣٠٢.

(٢) هو ابن حمزة كما نسبه اليه الفاضل السيوري في التنقيح الرائع ١ : ١٩٧ ، وليس في الوسيلة لذلك ذكر ، وإنّما عدّ الاستقبال فيها ركنا. انظر : الوسيلة : ٩٣.

(٣) المعتبر : ٢٢٨ ، وفي التهذيب ٢ : ١٤٣ ـ ٥٦٠ ، والاستبصار ١ : ٣٥١ ـ ٣٥٢ ـ ١٣٢٩ : ينسى أن يفتتح الصلاة حتى يركع.

٣٠٤

أما لو كان في محله فإنه يأتي به لإمكانه على وجه لا يخل بهيئة الصلاة ، ولقول الصادق عليه‌السلام لمّا سأله أبو بصير عن رجل يشك وهو قائم فلا يدري ركع أم لم يركع ، قال : « يركع ويسجد » (١).

وعند الشافعية أن الصلاة تشتمل على أركان وأبعاض وهيئات ، فالركن ما إذا تركه عمدا بطلت صلاته ، وإن تركه سهوا لزمه العود إليه ولا يجبر بالسجود ، وهي خمسة عشر : النية ، والتكبير ، والقيام ، والقراءة ، والركوع والاعتدال عنه ، والرفع والاعتدال عنه ، والسجود والاعتدال عنه ، والجلسة بين السجدتين ، والقعود للتشهد الأخير ، وقراءة التشهد الأخير ، والصلاة على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الأخير ، والتسليم الأول ، ومراعاة الترتيب بين الأركان ، والموالاة بين الأفعال حتى لو فرقها لم تصح صلاته.

وزاد بعضهم : الطمأنينة في الركوع والسجود ، والصلاة على الآل عليهم‌السلام ، ونيّة الخروج عن الصلاة.

وأما الأبعاض فهي التي لا تبطل الصلاة بتركها ولكنها تقتضي السجود ، وهي القنوت في صلاة الصبح ، والقعود في التشهّد الأول ، وقراءة التشهد الأول ، والصلاة على النبيّ في التشهّد الأول على قول ، والصلاة على آله في الأخير في وجه.

وأما الهيئات فما عدا ذلك ، ولا يقتضي تركها بطلان الصلاة ، ولا سجود السهو (٢).

مسألة ٣٣٧ : ولا فرق بين الأولتين والآخرتين في الإبطال بترك الركن‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٤٨ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ١٥٠ ـ ٥٩٠ ، الاستبصار ١ : ٣٥٧ ـ ١٣٥٢.

(٢) المجموع ٣ : ٥١٢ ـ ٥١٧ ، فتح العزيز ٣ : ٢٥٣ ـ ٢٥٧ ، الوجيز ١ : ٣٩ و ٤٠ ، كفاية الأخيار ١ : ٦٣ ـ ٦٩ و ٧١ ـ ٧٤ و ٨٠ ، السراج الوهاج : ٤١ وما بعدها ، مغني المحتاج ١ : ١٤٨ وما بعدها ، فتح الوهاب ١ : ٣٨ وما بعدها باختلاف في كميّة الأركان في جميعها.

٣٠٥

سهواً عند أكثر علمائنا (١) فلو نسي ركوع الأولى ، أو الثانية ، أو الثالثة ، أو الرابعة بطلت صلاته ، وكذا لو ترك سجدتين من ركعة واحدة أيها كانت لأنه أخلّ بركن من الصلاة حتى دخل في آخر فسقط الثاني ، فلو أعاد الأول لزاد ركنا ، ولو لم يأت به نقص ركنا ، وكلاهما مبطل ، ولأن الزائد لا يكون من الصلاة وهو فعل كثير فيكون مبطلا.

ولقول الصادق عليه‌السلام : « إذا أيقن الرجل أنه ترك ركعة من الصلاة وقد سجد سجدتين ، وترك الركوع استأنف الصلاة » (٢) وسئل عليه‌السلام عن الرجل ينسى الركوع حتى يسجد ، ويقوم ، قال : « يستقبل » (٣).

وقال الشيخ : إن كان في الأولتين أبطل الصلاة ، وإن كان في الأخيرتين حذف الزائد وأتى بالفائت فيلفّق فلو ترك الركوع في الثالثة حتى سجد سجدتيها أسقطهما وركع وأعاد السجدتين ، وكذا لو ترك سجدتيها حتى ركع في الرابعة أسقط الركوع وسجد للثالثة ، ثم أتى بالرابعة (٤) لقول الباقر عليه‌السلام في رجل شك بعد ما سجد أنه لم يركع ، قال : « إذا استيقن فليلق السجدتين اللتين لا ركعة فيهما ، ويبني على صلاته ، وإن لم يستيقن إلاّ بعد ما فرغ وانصرف فليصل ركعة ويسجد سجدتين ولا شي‌ء عليه » (٥).

وهو معارض بالأحاديث الكثيرة ، ويحمل على النافلة جمعا بين الأدلة ، وبعض علمائنا (٦) يلفق مطلقا لا يعتد بالزيادة.

__________________

(١) منهم : السيد المرتضى في جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٣٥ ، وسلاّر في المراسم : ٨٨ ـ ٨٩ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١١٨ ، وابن البراج في المهذب ١ : ١٥٣ ، وابن إدريس في السرائر : ٥١ ـ ٥٢.

(٢) التهذيب ٢ : ١٤٨ ـ ٥٨٠ و ١٤٩ ـ ٥٨٧ ، الاستبصار ١ : ٣٥٥ ـ ١٣٤٣ و ٣٥٦ ـ ١٣٤٩.

(٣) التهذيب ٢ : ١٤٨ ـ ٥٨١ ، الاستبصار ١ : ٣٥٥ ـ ١٣٤٤.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ١١٩.

(٥) الفقيه ١ : ٢٢٨ ـ ١٠٠٦ ، التهذيب ٢ : ١٤٩ ـ ٥٨٥ ، الاستبصار ١ : ٣٥٦ ـ ١٣٤٨.

(٦) هو أبو علي ابن الجنيد وعلي بن بابويه كما في المختلف : ١٢٩.

٣٠٦

تذنيب : لو ترك ركوعا من رباعية ولم يدر من أي الركعات أعاد على ما اخترناه‌ ـ وعلى مذهب الشيخ أيضا (١) ـ لاحتمال أن يكون من الأوّلتين ، ولو تيقن سلامتهما أضاف إليهما ركعة ، وعلى مذهب من يلفق مطلقا يضيف إليها ركعة.

ولو ترك سجدتين ولم يدر من أي الأربع أعاد على ما اخترناه مطلقا ، وكذا على قول الشيخ (٢) ، إلاّ أن يتحقق سلامة الأولتين فتصير الرابعة ثالثة ويتمم بركعة ويسقط حكم الركوع المتخلل لأنه وقع سهوا ، وعلى المذهب الآخر يتم له ثلاث ركعات ويضيف إليها ركعة.

ولو لم يعلم هل هما من ركعة أو ركعتين أعاد مراعاة للاحتياط.

مسألة ٣٣٨ : زيادة الركن عمدا وسهوا مبطلة كنقصانه‌ لما فيه من تغيير هيئة الصلاة إلا زيادة القيام سهوا ، فلو زاد ركوعا أو سجدتين دفعة أعاد ، ولأنه فعل كثير فتبطل الصلاة ، ولقول الصادق عليه‌السلام في رجل صلّى وذكر أنه زاد سجدة : « لا يعيد الصلاة من سجدة ويعيدها من ركعة » (٣).

وقال الشافعي ، وأحمد ، وأبو حنيفة : لا يعيد لو زاد سهوا بل يسجد للسهو (٤) لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الظهر خمسا ، فلمّا قيل له سجد للسهو (٥).

ونمنع تطرق السهو إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، سلّمنا لكن جاز أن‌

__________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ١١٩.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ١٢٠.

(٣) الفقيه ١ : ٢٢٨ ـ ١٠٠٩ ، التهذيب ٢ : ١٥٦ ـ ٦١٠.

(٤) المجموع ٤ : ٩١ ، المغني ١ : ٧١٨ ، الشرح الكبير ١ : ٧٠١ ، بدائع الصنائع ١ : ١٦٤.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٣٨٠ ـ ١٢٠٥ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٤١.

٣٠٧

يكون قعد بعد الرابعة ، سلّمنا لكن يحتمل أنه لم يكن يظن قولهم بل حدث عنده شك ، والشك في الزيادة لا يبطل بل يسجد للسهو.

مسألة ٣٣٩ : لو زاد على الرباعية خامسة سهوا فإن لم يكن قد جلس عقيب الرابعة وجب عليه إعادة الصلاة‌ عند علمائنا أجمع.

وإن كان قد جلس عقيب الرابعة بقدر التشهّد صحّت صلاته وتشهّد ، وسلّم ، وسجد للسهو عند بعض علمائنا (١) ـ وبه قال أبو حنيفة (٢) ـ لأن أبا سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إذا شك أحدكم في صلاته فليلغ الشك ، وليبن على اليقين ، وإذا استيقن التمام سجد سجدتين فإن كانت الصلاة تامة كانت الركعة نافلة له والسجدتان ، وإن كانت ناقصة كانت الركعة تماما لصلاته وكانت السجدتان مرغمتي الشيطان ) (٣).

ومن طريق الخاصة قول الباقر عليه‌السلام في رجل استيقن أنه صلّى الظهر خمسا فقال : « إن كان علم أنه جلس في الرابعة فصلاته الظهر تامة ويضيف إلى الخامسة ركعة ويسجد سجدتين فيكونان نافلة ولا شي‌ء عليه » (٤). ولأن نسيان التشهّد غير مبطل ، فإذا جلس قدر التشهد يكون قد فصل بين الفرض والزيادة.

أما إذا لم يجلس عقيب الرابعة فإن النافلة قد اختلطت بالفرض فصار جميعه نفلا ، ومع الجلوس يكون قد خرج من الصلاة لأن التشهد ليس بركن‌

__________________

(١) نسب هذا القول المصنّف في المختلف : ١٣٥ الى ابن الجنيد.

(٢) المبسوط للسرخسي ١ : ٢٢٨ ، اللباب ١ : ٩٨ ، كتاب الحجة ١ : ٢٤٠ ، المجموع ٤ : ١٦٣ ، المغني ١ : ٧٢١ ، الشرح الكبير ١ : ٧٠٢.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٣٨٢ ـ ١٢١٠ ، سنن الدارقطني ١ : ٣٧٢ ـ ٢١ ، مستدرك الحاكم ١ : ٣٢٢.

(٤) التهذيب ٢ : ١٩٤ ـ ٧٦٥ ، الاستبصار ١ : ٣٧٧ ـ ١٤٣٠.

٣٠٨

والتسليم ليس بواجب ، ولقول الصادق عليه‌السلام : « من زاد في صلاته فعليه الإعادة » (١) ولأنها زيادة مغيّرة لهيئة الصلاة فتكون مبطلة.

وقال الشافعي : يسجد للسهو وتصح صلاته مطلقا ـ وبه قال الحسن البصري ، وعطاء ، والزهري ، ومالك ، والليث بن سعد ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور (٢) ـ لأن عبد الله بن مسعود قال : صلّى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسا فلمّا انفتل تشوش القوم بينهم فقال : ( ما شأنكم؟ ) قالوا : يا رسول الله هل زيد في الصلاة؟ قال : ( لا ) قالوا : فإنك قد صليت خمسا ، فانفتل فسجد سجدتين ثم سلّم ثم قال : ( إنّما أنا بشر أنسى كما تنسون ) (٣) وهذا لا يصح على ما بيّناه في علم الكلام من عصمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن السهو (٤).

فروع :

أ ـ لو ذكر الزيادة قبل الركوع جلس ، وتشهد ، وسلم ، وسجد للسهو‌ ـ وبه قال الشافعي ، وأبو حنيفة ، ومالك ، وأحمد (٥) ـ لأنه لم يأت بركن يغيّر هيئة الصلاة.

ب ـ لو ذكر الزيادة بعد السجود‌ وكان قد جلس بعد الرابعة احتمل أن يضيف إلى الخامسة ركعة ويسجد سجدتين وتكون نافلة ، لقول الباقر عليه‌السلام : « ويضيف إلى الخامسة ركعة ، ويسجد سجدتين فتكونان نافلة (٦) ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٥ ـ ٥ ، التهذيب ٢ : ١٩٤ ـ ٧٦٤ ، الاستبصار ١ : ٣٧٦ ـ ١٤٢٩.

(٢) المجموع ٤ : ١٣٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٧ ، الأم ١ : ١٣١ ، مختصر المزني : ١٧ ، المدونة الكبرى ١ : ١٣٥ ، القوانين الفقهية : ٧٥ ، المغني ١ : ٧٢٠ ـ ٧٢١ ، الشرح الكبير ١ : ٧٠٢.

(٣) سنن البيهقي ٢ : ٣٤٢.

(٤) أنظر الباب الحادي عشر مع شرحيه : ٣٧.

(٥) المجموع ٤ : ١٣٩ ، حلية العلماء ٢ : ١٤١ المغني ١ : ٧٢٠ ـ ٧٢١ ، الشرح الكبير ١ : ٧٠٢.

(٦) التهذيب ٢ : ١٩٤ ـ ٧٦٥ ، الاستبصار ١ : ٣٧٧ ـ ١٤٣٠.

٣٠٩

وبه قال أبو حنيفة (١) ، ويحتمل التسليم ويسجد للسهو ويلغي الركعة إذا لم يقصد النفل بها.

ج ـ لو ذكر الزيادة بعد الركوع قبل السجود احتمل الجلوس ، والتشهد ، والتسليم ، ويسجد للسهو‌ لأنه لو أكمل الركعة فعل ذلك ففي بعضها أولى ، والبطلان لأنّا إن أمرناه بالسجود زاد ركنا آخر ، وإن لم نأمره زاد ركوعا غير معتد به بخلاف الركعة لصلاحيتها للنفل ، ويحتمل إتمامها وإضافة أخرى ، ويسجد للسهو كما لو كان بعد السجدة.

أما الشافعي فقال : إن ذكر في الخامسة فإن كان بعد ما جلس وتشهد فإنه يسجد للسهو ويسلّم ، وإن ذكر بعد ما سلّم فكذلك ، وإن ذكر قبل أن يجلس بأن يذكر في القيام إليها ، أو الركوع ، أو السجود ، فإن كان لم يتشهد في الرابعة جلس وتشهد وسجد للسهو وسلّم ، وإن كان تشهد في الرابعة جلس وسجد للسهو وسلم (٢) ، وفي إعادة التشهد قولان (٣).

د ـ لو ذكر الزيادة بعد السجود فقد بيّنا أنها تبطل‌ إن لم يكن جلس عقيب الرابعة بقدر التشهد ، وبه قال أبو حنيفة إلاّ أن أبا حنيفة قال : تبطل فرضا وتكون نافلة فيضيف إليها سادسة (٤) ، وهو ممنوع إذا لم يقصد النفل.

مسألة ٣٤٠ : لو نقص من عدد صلاته ناسيا وسلّم ثم ذكر‌ بعد فعل المبطل عمدا وسهوا ، كالحدث إجماعا ، والاستدبار خلافا للشافعي (٥) بطلت‌

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ١ : ٢٢٨ ، اللباب ١ : ٩٨ ، المجموع ٤ : ١٦٢ ـ ١٦٣ ، فتح العزيز ٤ : ١٦٣ ، المغني ١ : ٧٢١ ، الشرح الكبير ١ : ٧٠٢.

(٢) الام ١ : ١٣١ ، مختصر المزني : ١٧ ، المجموع ٤ : ١٣٩ و ١٦٣ ، فتح العزيز ٤ : ١٦٢ ، المغني ١ : ٧٢٠ ـ ٧٢١ ، الشرح الكبير ١ : ٧٠٢ ، الميزان ١ : ١٦٢ ، حلية العلماء ٢ : ١٤١.

(٣) المجموع ٤ : ١٣٩ ، فتح العزيز ٤ : ١٦٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٤١.

(٤) المبسوط للسرخسي ١ : ٢٢٧ ، اللباب ١ : ٩٧ ، فتح العزيز ٤ : ١٦٣ ، المغني ١ : ٧٢١ ، الشرح الكبير ١ : ٧٠٢.

(٥) المجموع ٤ : ١١٥ ، فتح العزيز ٣ : ٢١٥.

٣١٠

صلاته ، كما لو سلّم في الأولتين من الرباعية ، أو الثلاثية ، أو تشهد في الاولى من الثنائية وسلّم ناسيا ، ثم أحدث أو استدبر ، لأن ذلك يبطل صلاة المصلّي حقيقة فكيف من هو في حكمه؟! ولأنه لا يمكن الإتيان بالفائت من غير خلل في هيئة الصلاة ، ولأنه قد فعل المنافي للصلاة فلا يصح معه الإتمام.

ولقول أحدهما عليهما‌السلام : « إذا حوّل وجهه عن القبلة استقبل الصلاة استقبالا » (١) ولقول الصادق عليه‌السلام : « إن كنت انصرفت فعليك الإعادة » (٢).

وإن كان بعد فعل المبطل عمدا كالكلام فللشيخ قولان : أحدهما : الإتمام ويسجد للسهو (٣) ـ وبه قال الشافعي ، ومالك ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور (٤) ـ لحديث ذي اليدين (٥).

ومن طريق الخاصة قول الباقر عليه‌السلام في الرجل يتكلم ثم يذكر أنه لم يتم صلاته ، قال : « يتم ما بقي من صلاته ، ولا شي‌ء عليه » (٦).

وقال أبو حنيفة : يعيد مع الكلام (٧) وهو الثاني للشيخ (٨) لقوله عليه‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٨٤ ـ ٧٣٢ ، الإستبصار ١ : ٣٦٧ ـ ٣٦٨ ـ ١٤٠١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٨٣ ـ ١١ ، التهذيب ٢ : ١٨٣ ـ ٧٣١ ، الاستبصار ١ : ٣٦٨ ـ ١٤٠٠.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ١١٨.

(٤) الأم ١ : ١٢٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٧ ـ ٩٨ ، المغني ١ : ٧٣٨ ، الشرح الكبير ١ : ٧١٠ ، وانظر المدونة الكبرى ١ : ١٣٣.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ٨٦ ، صحيح مسلم ١ : ٤٠٤ ـ ٥٧٣ ، سنن الترمذي ٢ : ٢٤٧ ـ ٣٩٩ ، سنن النسائي ٣ : ٢٢ ، الموطأ ١ : ٩٣ ـ ٥٨.

(٦) التهذيب ٢ : ١٩١ ـ ٧٥٧ ، الإستبصار ١ : ٣٧٩ ـ ١٤٣٦.

(٧) بدائع الصنائع ١ : ٢٣٣ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٧٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٦١ ، اللباب ١ : ٨٥ ، المغني ١ : ٧٣٨ ، سبل السلام ١ : ٣٤٤.

(٨) المبسوط للطوسي ١ : ١١٨.

٣١١

السلام : « إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شي‌ء من كلام الآدميين » (١) ونحن نقول بموجبه إذ الظاهر حمله على العمد.

فروع :

أ ـ لو فعل المبطل عمدا على وجه السهو وتطاول الفصل ، ظاهر كلام علمائنا : عدم البطلان‌ ـ وبه قال الأوزاعي ، والليث ، ويحيى الأنصاري (٢) ـ لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ثلاث ركعات من العصر ثم قام فدخل الحجرة فقام رجل بسيط اليدين فقال : أقصرت الصلاة يا رسول الله؟ فخرج مغضبا فصلّى الركعة التي كان ترك ، ثم سلّم ، ثم سجد سجدتي السهو ، ثم سلّم (٣) وهو عندنا ممنوع.

وقال الشافعي : إن طال الفصل استأنف الصلاة ـ وبه قال مالك ، وأحمد ـ لأنها صلاة واحدة فلم يجز بناء بعضها على بعض في طول الفصل كما لو انتقض الوضوء (٤) ولا بأس عندي بهذا القول لخروجه عن كونه مصليا.

ب ـ إن قلنا بالأخير رجع في حد التطاول إلى العرف‌ ـ وهو ظاهر كلام الشافعي في الأم ـ (٥) واختلفت الشافعية ، فقال بعضهم : حدّه ما زاد على فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦) فإنه بعد ما سلم قام ومشى إلى مقدم المسجد وجلس وراجعه ذو اليدين فسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصحابة عن الحال فأخبروه فعاد إلى الصلاة (٧).

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٣٨١ ـ ٥٣٧ ، سنن النسائي ٣ : ١٧ ، مسند أحمد ٥ : ٤٤٨.

(٢) المغني ١ : ٧٠١ ، الشرح الكبير ١ : ٧٠٩.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٣٨٤ ـ ١٢٥١ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٥٩.

(٤) المجموع ٤ : ١١٣ ، كفاية الأخيار ١ : ٧٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٦ ، المغني ١ : ٧٠١ ، الشرح الكبير ١ : ٧٠٩.

(٥) حكاه النووي نقلا عن الام في المجموع ٤ : ١١٤ ، وأيضا الرافعي في فتح العزيز ٤ : ١٦٦.

(٦) المجموع ٤ : ١١٥ ، فتح العزيز ٤ : ١٦٦.

(٧) صحيح مسلم ١ : ٤٠٣ ـ ٩٨ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٥٧.

٣١٢

وقال آخرون : أن يمضي مقدار ركعة تامة ، وهو قول الشافعي في البويطي (١) ، وقال آخرون : مقدار الصلاة التي هو فيها (٢) وهو غلط لأدائه إلى اختلاف التطاول باختلاف عدد الصلوات.

ج ـ لو ذكر بعد أن شرع في صلاة أخرى فإن طال الفصل بطلت الاولى وصحت الثانية ، وإن لم يطل الفصل عاد إلى الأولى فأتمها ، وبه قال الشافعي (٣) ويحتمل البطلان لأنه زاد ركنا هو النية ، والتكبير وهو مبطل ، وإن كان سهوا ، ويمكن الجواب بأنه ليس ركنا في تلك الصلاة فلا يبطلها.

وهل تبنى الثانية على الاولى؟ يحتمل ذلك فيجعل ما شرع فيه من الصلاة الثانية تمام الاولى فيكون وجود السلام كعدمه لأنه سهو معذور فيه ، ويحتمل بطلان الثانية ، لأنها لم تقع بنيّة الاولى فلا تصير بعد عدمه منها ، فحينئذ لا فرق بين أن يكون ما شرع فيه ثانيا فرضا أو نفلا ، أما على احتمال البناء ، فقال بعض الشافعية : إن كان فرضا صح له البناء بخلاف النافلة لأنه لا يتأدى الفرض بنية النفل.

ولو نوى المسافر القصر فصلى أربعا ناسيا ثم نوى الإقامة لم يحتسب له بالركعتين ، وعليه أن يصلي ركعتين بعد نية الإتمام ، لأن وجوب الركعتين بعد الفراغ من الزائدتين ، فلم يعتد بهما ، وعلى ما اخترناه نحن إن كان جلس عقيب الركعتين صحت صلاته وإلاّ فلا.

د ـ إذا أراد أن يبني على صلاته لم يحتج إلى النية ، ولا إلى التكبير لأن التحريمة الأولى باقية فلو كبر ونوى الافتتاح بطلت صلاته.

__________________

(١) المجموع ٤ : ١١٥ ، فتح العزيز ٤ : ١٦٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٦ ـ ٩٧ ، المغني ١ : ٧٠٢.

(٢) المجموع ٤ : ١١٤ ، فتح العزيز ٤ : ١٦٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٧ ، المغني ١ : ٧٠٢.

(٣) مغني المحتاج ١ : ٢١٤ ، المغني ١ : ٧٠٢ ، الشرح الكبير ١ : ٧٠٩.

٣١٣

هـ ـ لو كان قد قام عن موضعه لم يعد إليه‌ بل يبني على الصلاة في الموضع الذي ذكر فيه ، لأن عوده إلى مكان الصلاة ليس من مصلحتها.

و ـ لو شك بعد أن سلم هل ترك بعض الركعات أم لا؟ لم يلتفت إليه‌ لأنه قد شك في شي‌ء بعد انتقاله عنه فلا يؤثر فيه ، وإلاّ لزم الحرج لتطرق الشك دائما في الصلوات الماضية ، والأصل صحة الصلاة ، وهو قول الشافعي في القديم ، وفي الجديد : يلزمه إتمام الصلاة لأنها في الذمة بيقين فلا يبرأ بدونه ، فإن كان الفصل قريبا بنى ، وإن طال استأنف (١).

ز ـ لو سلّم عن ركعتين ، فقال له إنسان : سلّمت عن ركعتين فإن تداخله شك احتمل عدم الالتفات‌ عملا بالأصل ، والإتمام ، لأن إخبار المسلم على أصل الصحة.

ولو اشتغل بجوابه فلم يذكر فأراد العود إلى صلاته جاز لأن الكلام وقع ناسيا ، ومنعت الشافعية منه ، أما لو لم يتداخله شك فأجابه ، وقال : بل أتممت ، ثم ذكر النقصان فإنه يبني عندهم أيضا لخبر ذي اليدين (٢).

مسألة ٣٤١ : لو شك في عدد الركعات‌ فإن كان في الثنائية كالصبح ، وصلاة المسافر ، والجمعة ، والعيدين ، والكسوف ، أو في الثلاثية كالمغرب ، أو في الأوليين من الرباعية أعاد عند علمائنا.

وإن كان في الأخيرتين من الرباعية احتاط بما يأتي.

__________________

(١) المجموع ٤ : ١١٦ ، الوجيز ١ : ٥١ ، السراج الوهاج : ٦٠ ، فتح العزيز ٤ : ١٦٥ ، مغني المحتاج ١ : ٢١٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٧.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٨٦ ، صحيح مسلم ١ : ٤٠٤ ـ ٥٧٣ ، سنن الترمذي ٢ : ٢٤٧ ـ ٣٩٩ ، سنن النسائي ٣ : ٢٢ ، الموطأ ١ : ٩٣ ـ ٥٨.

٣١٤

ولم يفرق أحد من الجمهور بين الصلوات بل سوّوا بينها في الحكم (١) ـ وهو قول الصدوق منا (٢) ـ والحق ما قلناه ، لأنّ الصلاة في الذمة بيقين فلا يخرج عن العهدة بدونه ، ولأنّه إن أمر بالانفصال احتمل النقصان وهو مبطل قطعا ، وإن أمر بالإتمام احتملت الزيادة وهي مبطلة قطعا فيكون المأتي به مترددا بين الصحة والبطلان فلا يبرأ عن عهدة التكليف.

ولا ينتقض بالأخيرتين لأن عناية الشارع بالأولتين أتم ، ولهذا سقطت الأخيرتان في السفر ، ولقول الصادق عليه‌السلام وقد سأله العلاء عن الشك في الغداة : « إذا لم تدر واحدة صليت أم اثنتين فأعد الصلاة من أولها » (٣) ، وسأل محمد بن مسلم أحدهما عليهما‌السلام عن السهو في المغرب ، قال : « يعيد حتى يحفظ أنها ليست مثل الشفع » (٤).

وقال الصادق عليه‌السلام : « إذا لم تحفظ الركعتين الأولتين فأعد صلاتك » (٥) وسأله العلاء عن الرجل يشك في الفجر فقال عليه‌السلام : « يعيد » قلت : والمغرب ، قال : « نعم ، والوتر والجمعة » من غير أن أسأله (٦).

واحتجاج الصدوق بقول الكاظم عليه‌السلام في الرجل لا يدري صلّى‌

__________________

(١) مغني المحتاج ١ : ٢٠٩ ، الميزان ١ : ١٦٢ ، المغني ١ : ٧١١ ، الشرح الكبير ١ : ٧٢٧ ، المجموع ٤ : ١٠٦.

(٢) لم نعثر على قوله ، ونسبه المصنّف في المختلف : ١٣٢ الى علي بن بابويه. فلاحظ.

(٣) التهذيب ٢ : ١٧٩ ـ ٧٢٠ ، الاستبصار ١ : ٣٦٦ ـ ١٣٩٤ ، والحديث مضمر مروي عن سماعة ، وأورده عن العلاء في المعتبر : ٢٣٠.

(٤) التهذيب ٢ : ١٧٩ ـ ٧١٧ ، الاستبصار ١ : ٣٧٠ ـ ١٤٠٦.

(٥) التهذيب ٢ : ١٧٩ ـ ٧١٧ ، الاستبصار ١ : ٣٧٠ ـ ١٤٠٦.

(٦) التهذيب ٢ : ١٨٠ ـ ٧٢٢ ، الإستبصار ١ : ٣٦٦ ـ ١٣٩٥.

٣١٥

ركعة أو ركعتين؟ : « يبني على الركعة » (١) محمول على النوافل لأنها مطلقة ، وما قلناه مقيد.

فروع :

أ ـ لو شك في جزء منهما لا في عدد كالركوع ، أو السجود ، أو الذكر فيهما ، أو الطمأنينة ، أو القراءة كان حكمه حكم الشك في غيرهما‌ ـ وسيأتي ـ عند أكثر علمائنا (٢) لأصالة البراءة ، وقال الشيخان : يعيد (٣) لقول الصادق عليه‌السلام : « إذا لم تحفظ الأولتين فأعد صلاتك » (٤) والمشهور الأول ، وتحمل الرواية على العدد.

ب ـ لا فرق عند علمائنا بين الركن وغيره‌ من الواجبات بل أوجب الشيخان الإعادة بالشك في الجزء من الأولتين مطلقا (٥) والباقون على الصحة مطلقا (٦) وليس بعيدا من الصواب الفرق بين الركن وغيره ، لأن ترك الركن سهوا مبطل كعمده فالشك فيه في الحقيقة شك في الركعة إذ لا فرق بين الشك في فعلها وعدمه ، وبين الشك في فعلها على وجه الصحة والبطلان.

ج ـ هل الشك في أجزاء ثالثة المغرب وكيفياتها الواجبة كالشك في الأولتين أو في الأخيرتين؟ لم ينص علماؤنا على شي‌ء منهما وكلاهما يحتمل لإجراء الثالثة مجرى الثانية في الشك عددا فكذا كيفية للمساواة في طلب المحافظة عليها ، وعدم التنصيص الثابت في الأولتين.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٧٧ ـ ١٧٨ ـ ٧١١ ، الاستبصار ١ : ٣٦٥ ـ ١٣٨٨.

(٢) منهم : المحقق في المعتبر ٢٣٠ ـ ٢٣١.

(٣) المقنعة : ٢٤ ، النهاية : ٩٢ ، وانظر المبسوط ١ : ١٢٠.

(٤) التهذيب ٢ : ١٧٧ ـ ٧٠٧ ، الإستبصار ١ : ٣٦٤ ـ ١٣٨٤.

(٥) المقنعة : ٢٤ وانظر النهاية : ٩٢ ، والمبسوط ١ : ١٢٠.

(٦) منهم : المحقق في المعتبر : ٢٣٠ ـ ٢٣١.

٣١٦

د ـ لو شك في ركعات الكسوف أعاد‌ على قول الشيخ ، وعلى ما اخترناه من الفرق بين الركن وغيره ، أما على قول الباقين فإنه يأتي به لأنه لم يتجاوز محله إن شك في العدد مطلقا أو في الأخير ، أما لو شك في سابق كما لو شك هل ركع عقيب قراءة التوحيد ـ مثلا وكان قد قرأها ـ أو لا فإنه لا يلتفت لانتقاله عن محله.

هـ ـ لو شك في عدد الثنائية ثم ذكر قبل فعل المبطل أتم صلاته‌ على ما ذكره وإلاّ بطلت.

مسألة ٣٤٢ : لو شك فلا يدري كم صلّى أعاد‌ إذ لا طريق له إلى براءة ذمته إلاّ ذلك ، ولقول الصادق عليه‌السلام : « إذا لم تدر في ثلاث أنت أم في اثنتين ، أم في واحدة ، أو أربع فأعد ، ولا تمض على الشك » (١) وقول الكاظم عليه‌السلام : « إذا لم تدر كم صليت ولم يقع وهمك على شي‌ء فأعد الصلاة » (٢).

مسألة ٣٤٣ : لو شك في الإتيان بركن أو غيره من الواجبات فإن كان قد تجاوز المحل لم يلتفت‌ مثل أن يشك في النيّة وقد كبّر ، أو في تكبيرة الافتتاح وقد قرأ ، أو في القراءة وقد ركع ، أو في الركوع وقد سجد ، أو في السجود ، أو التشهد وقد قام ـ وإن كان في محلّه لم يتجاوز عنه فإنّه يأتي به ـ لأنّ الأصل ـ بعد التجاوز ـ الفعل ؛ إذ العادة قاضية بأن الإنسان لا ينتقل عن فعل إلاّ بعد إكماله. ولأنّ اعتبار الشك بعد الانتقال حرج ؛ لعروضه غالبا.

ولقول الصادق عليه‌السلام : « إذا خرجت من شي‌ء ودخلت في غيره فشكّك ليس بشي‌ء » (٣).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٨ ـ ٣ ، التهذيب ٢ : ١٨٧ ـ ٧٤٣ ، الإستبصار ١ : ٣٧٣ ـ ١٤١٨.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٨ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ١٨٧ ـ ٧٤٤ ، الإستبصار ١ : ٣٧٣ ـ ١٤١٩.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٥٢ ـ ١٤٥٩.

٣١٧

أما في المحل فإن الأصل عدم الفعل ، والإتيان به ممكن من غير خلل ولا تغيير لهيئة الصلاة ، ولقول الصادق عليه‌السلام : « يركع ويسجد » لمّا سأله أبو بصير عن رجل شك وهو قائم فلا يدري ركع أم لم يركع (١).

وقال الشافعي : لو شك الراكع في ترك القراءة ، أو الساجد في ترك الركوع فعليه أن يعود في الوقت إلى ما شك في فعله لأنّ الفرض قد توجه عليه فلا يسقط إلاّ بيقين (٢). ونمنع التوجه مطلقا.

إذا ثبت هذا فإن ذكر أنه كان قد فعله قبل أعاد الصلاة إن كان ركنا كالركوع والسجدتين لأن زيادته مطلقا مبطلة ، وإن لم يكن ركنا كالسجدة الواحدة ، والتشهد ، والقراءة لم يعد لعدم الإبطال بسهوه ، ولقول الصادق عليه‌السلام : « لا يعيد الصلاة من سجدة ، ويعيدها من ركعة » (٣).

فروع :

أ ـ لو شك في الركوع وهو قائم فأتى به ثم ذكر أنه كان قد ركع قبل أن ينتصب أعاد‌ ـ وبه قال ابن أبي عقيل منّا (٤) ـ لأن الركوع الانحناء وقد وجد فيكون قد زاد ركنا وصار كما لو ذكر بعد الانتصاب.

وقال الشيخ ، والمرتضى : يهوي للسجود ولا يرفع رأسه لأن ركوعه مع هويه لازم فلا يعد زيادة (٥). وهو ممنوع لأن مسمّى الركوع وهو الانحناء قد حصل ، والرفع ليس جزءا منه بل انفصال عنه وقد قصد الركوع.

ب ـ لو شك في قراءة الفاتحة وهو في السورة قرأ الفاتحة وأعاد السورة‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٤٨ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ١٥٠ ـ ٥٩٠ ، الإستبصار ١ : ٣٥٧ ـ ١٣٥٢.

(٢) فتح العزيز ٣ : ٣٣١ ، مغني المحتاج ١ : ١٧٩ ، السراج الوهاج : ٥٠ ، حاشية إعانة الطالبين ١ : ١٧٩.

(٣) الفقيه ١ : ٢٢٨ ـ ١٠٠٩ ، التهذيب ٢ : ١٥٦ ـ ٦١٠.

(٤) حكاه المحقق في المعتبر : ٢٣١ عنه.

(٥) النهاية : ٩٢ ، المبسوط للطوسي ١ : ١٢٢ ، جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٣٦.

٣١٨

لأن محل القراءتين واحد.

ج ـ لو شك في السجود وهو قائم ، أو في التشهد ، قال الشيخ : يرجع ويسجد أو يتشهد ثم يقوم‌ (١) لأن القيام والقراءة ليسا ركنين فيكون في حكم ركن السجود ، ولقول الصادق عليه‌السلام : « يسجد » في رجل نهض من سجوده فشك قبل أن يستوي قائما فلم يدر سجد أم لم يسجد (٢). وقد بيّنا أن القيام ركن وقبل الاستواء مغاير للاستواء ، والنزاع في الثاني ، والوجه عدم الالتفات لقول الصادق عليه‌السلام : « إن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وإن شك في السجود بعد ما قام فليمض ، كل شي‌ء شك فيه وقد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه » (٣).

د ـ لو سها عن ركن ولم يذكر إلاّ بعد انتقاله أعاد الصلاة‌ لأن ترك الركن مبطل سواء كان عن عمد أو سهو.

البحث الثاني : فيما لا حكم له‌

مسألة ٣٤٤ : لو نسي القراءة حتى ركع مضى في صلاته‌ ولم يجب عليه تدارك القراءة ، وكذا لو نسي الحمد أو السورة لأنه عذر فيسقط معه الوجوب ، ولأن الأصل براءة الذمة ، ولقول الصادق عليه‌السلام وقد قال له منصور بن حازم : صليت المكتوبة ونسيت أن أقرأ في صلاتي كلها : « أليس قد أتممت الركوع والسجود؟ » قلت : بلى ، قال : « تمت صلاتك » (٤).

وقال الشافعي : يتدارك القراءة ثم يأتي بما بعدها (٥).

وهل تجب سجدتا السهو؟ لعلمائنا قولان : أحدهما : الوجوب وهو‌

__________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ١٢٢.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٣ ـ ٦٠٣ ، الاستبصار ١ : ٣٦٢ ـ ١٣٧١.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٣ ـ ٦٠٢ ، الاستبصار ١ : ٣٥٨ ـ ١٣٥٩ ، وفيه عن الامام الباقر عليه‌السلام.

(٤) الكافي ٣ : ٣٤٨ ـ ٣ ، التهذيب ٢ : ١٤٦ ـ ٥٧٠ ، الاستبصار ١ : ٣٥٣ ـ ١٣٣٦.

(٥) المجموع ٣ : ٣٣٢.

٣١٩

أقوى لما يأتي ، والثاني : المنع عملا بالبراءة.

مسألة ٣٤٥ : لو نسي الجهر والإخفات حتى فرغ من القراءة مضى في صلاته‌ ولا يستأنف القراءة وإن كان لم يركع لأنه فعل المأمور به وهو القراءة ، والكيفية لا تجب مع النسيان لأنه عذر ، ولقول الباقر عليه‌السلام وقد سأله زرارة عن رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي أن يجهر فيه وأخفى فيما لا ينبغي الإخفات فيه وترك القراءة فيما ينبغي القراءة فيه وقرأ فيما لا ينبغي القراءة فيه فقال : « إن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا فلا شي‌ء عليه » (١) ولأنه لو ترك أصل القراءة ناسيا صحت صلاته فالكيفية أولى.

وهل يسجد له؟ لعلمائنا قولان : أحدهما : الوجوب بناء على أن كل سهو يلحق الإنسان يجب فيه السجدتان على ما يأتي.

والثاني : المنع لأن قول الباقر عليه‌السلام : « لا شي‌ء عليه » (٢) يقتضي نفي السجود.

وبالأول قال مالك (٣) لقوله عليه‌السلام : ( لكل سهو سجدتان ) (٤) وبالثاني قال الشافعي ، والأوزاعي (٥) لأن أنسا جهر في العصر فلم يسجد له (٦) ، ولأنها هيئة مسنونة فلم يسجد لتركها كرفع اليدين.

ولا حجة في فعل أنس مع أنها شهادة نفي ، ونمنع الجامع لأنه عندنا‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٤٧ ـ ٥٧٧.

(٢) التهذيب ٢ : ١٤٧ ـ ٥٧٧.

(٣) المدونة الكبرى ١ : ١٤٠ ، القوانين الفقهية : ٧٧ ، المجموع ٤ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٤ : ١٣٩ ، الميزان ١ : ١٦٣ ، المغني ١ : ٧٢٠.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٣٨٥ ـ ١٢١٩ ، مسند أحمد ٥ : ٢٨٠.

(٥) المجموع ٤ : ١٢٦ و ١٢٨ ، مختصر المزني : ١٧ ، الميزان ١ : ١٦٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٨ ، المغني ١ : ٧٢٠.

(٦) المغني ١ : ٧٢٠ ، فتح العزيز ٤ : ١٤٠.

٣٢٠