تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - ج ٣٣

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

مجيء طغتكين إلى دمشق وتمكّنه

واتّفق مجيء طغتكين هو وجماعة من خواصّ تتش قد سلموا ، فخرج لتلقّيهم دقاق وأكرمهم. وقيل كانوا أسروا يوم المصافّ ، ثمّ تخلّصوا. وكان طغتكين زوج أمّ دقاق ، فتمكّن من الأمور ، وعمل على قتل الخادم فقتله (١).

[وزارة الخوارزميّ]

وجاء إلى الخدمة ياغى سيان صاحب أنطاكية ، ومعه أبو القاسم الخوارزميّ ، فاستوزره دقاق (٢).

[وفاة المعتمد بن عبّاد]

وفيها توفّي المعتمد بن عبّاد مسجونا بأغمات (٣) وكان من محاسن الدّنيا جودا ، وشجاعة ، وسؤددا ، وفصاحة ، وأدبا ، وما أحسن قوله :

سلّت عليّ يد الخطوب سيوفها

فجذذن من جسدي الخصيب الأفتنا (٤)

ضربت بها أيدي الخطوب ، وإنّما

ضربت رقاب الآملين بنا المنى (٥)

يا آملي العادات من نفحاتنا

كفّوا ، فإنّ الدّهر كفّ أكفّنا (٦)

[وفاة الوزير أبي شجاع]

وفيها توفّي الوزير أبو شجاع وزير الخليفة مجاورا بالمدينة (٧).

__________________

(١) تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) ٣٥٨ (وتحقيق سويّم) ٢٤ ، ذيل تاريخ دمشق لابن القلانسي ١٣٠ ، ١٣١ ، الكامل في التاريخ ١٠ / ٢٤٨ ، زبدة الحلب ٢ / ١٢١ ، ١٢٢ ، نهاية الأرب ٢٧ / ٧١ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ٢٠٧ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٨ ، الدرّة المضيّة ٤٤٧.

(٢) الكامل في التاريخ ١٠ / ٢٤٨ ، نهاية الأرب ٢٧ / ٧١ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ٢٠٧ ، البداية والنهاية ١٢ / ١٤٩ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٨.

(٣) الخبر في : الكامل ، والمختصر في أخبار البشر ٢ / ٢٠٧ ، ٢٠٨ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ٨ ، ومآثر الإنافة ٢ / ٩ ، والنجوم الزاهرة ٥ / ١٥٧.

(٤) في الكامل : «الحصيف الأمتنا».

(٥) في الأصل : «المنا».

(٦) الأبيات في (الكامل في التاريخ. پ / ٢٤٩).

(٧) الكامل في التاريخ ١٠ / ٢٥٠ ، الفخري لابن طباطبا ٢٩٩ وفيه وفاته في سنة ٥١٣ ه‍.

٤١

[بناء سور الحريم ببغداد]

وفيها عملوا سور الحريم ببغداد ، فزيّنوا البلد لذلك ، وعملوا القباب والمغاني ، وجدّوا فيه (١).

[جرح السلطان بركياروق]

وفي رمضان وثب رجل فجرح السّلطان بركياروق (٢).

[قدوم الغزالي الشام وتصنيفه كتاب الإحياء]

وفيها قدم الغزاليّ ، رحمه‌الله ، إلى الشام متزهّدا ، وصنّف كتاب «الإحياء» وأسمعه بدمشق ، وأقام بها سنتين ، ثمّ حجّ ، وسار إلى خراسان (٣).

[وزارة فخر الملك لبركياروق]

وفيها عزل بركياروق مؤيّد الملك بن نظام الملك من الوزارة بأخيه فخر الملك (٤).

__________________

(١) الكامل في التاريخ ١٠ / ٢٥١ ، نهاية الأرب ٢٣ / ٢٥٤ ، البداية والنهاية ١٢ / ١٤٩.

(٢) المنتظم ٩ / ٨٦ (١٧ / ١٧ ، ١٨) ، الكامل في التاريخ ١٠ / ٢٥١ ، ٢٥٢ ، البداية والنهاية ١٢ / ١٤٩.

(٣) المنتظم ٩ / ٨٧ (١٧ / ١٨) ، الكامل في التاريخ ١٠ / ٢٥٢ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ٢٠٨ ، العبر ٣ / ٣١٩ ، مرآة الجنان ٣ / ١٤٥ ، ١٤٦ وفيه : «هكذا ذكر بعض المؤرّخين أنه قدم في السنة المذكورة إلى دمشق ، وذكر بعضهم أن توجّهه فيها كان إلى بيت المقدس لابسا الثياب الخشنة ، وناب عنه أخوه في التدريس. وذكر أنه بعد ذلك توجّه من القدس إلى دمشق ، فأقام بها مدّة يذكر الدروس في زاوية الجامع في الجانب الغربي منه : «ثم ذكر أنه انتقل منها إلى بيت المقدس واجتهد في العبادة وزيارة المشاهد والمواضع المعظمة.

أما قول الذهبي إنه صنّف «الإحياء» وأسمعه بدمشق فمخالف لما ذكر الإمام أبو حامد المذكور في كتابه (المنقذ من الضلال) أنه أقام في الشام قريبا من سنتين مختليا بنفسه ، ولم يذكر إسماعه «الإحياء» ولا تصنيفه إيّاه ، ولو كان لذكره كما ذكر علوما أخرى صنّف فيها قبل السفر أيضا. فتصنيف «الإحياء» مع ما اشتمل عليه من العلوم الواسعة المحاكية للبحر الّذي أمواجه متعاقبة لا يمكن وضعه في سنتين ولا ثالثة ولا رابعة ..» ، البداية والنهاية ١٢ / ١٤٩ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٨ ، تاريخ الخميس ٢ / ٤٠٢ ، شذرات الذهب ٣ / ٣٨٣.

(٤) الكامل في التاريخ ١٠ / ٢٥٢ ، نهاية الأرب ٢٦ / ٣٣٩.

٤٢

سنة تسع وثمانين وأربعمائة

[تملّك كربوقا الموصل]

قد ذكرنا أنّ تتش سجنه فأطلقه رضوان بن تتش ، وأطلق أخاه ألتونتاش ، فالتفّ عليهما كثير من العسكر البطّالين ، فأتيا حرّان ، وجاء إليهما محمد بن شرف الدّولة مسلم بن قريش يستنصر بهما على أخيه عليّ صاحب الموصل من جهة تتش ، فسار كربوقا ، ثمّ غدر بمحمد ، وقبض عليه ، وغرّقه ، ونازل الموصل على فرسخ منها ، ونزل أخوه ألتونتاش من الجهة الأخرى ، فجاء صاحب الجزيرة العمرية جكرمش ليكشف عنهم ، فهزمه ألتونتاش ، وطالت مصابرتهما لأهل الموصل حتّى عدمت بها الأقوات ، وكلّ شيء حتّى ما يوقدونه ، ودام الحصار تسعة أشهر ، ففارقها صاحبها ، وسار إلى الحلّة إلى الأمير صدقة ، واستولى كربوقا على الموصل ، وشرع ألتونتاش في مصادرة النّاس ، فقتله أخوه وأحسن السّيرة ، ثمّ سار فملك الرّحبة (١).

[اجتماع الكواكب السبعة وغرق الحجّاج]

وفيها اجتمعت الكواكب السّبعة ، سوى زحل في برج الحوت ، فحكم المنجّمون بطوفان يقارب طوفان نوح ، فاتّفق أنّ الحجّاج نزلوا في وادي المناقب (٢) ، فأتاهم سيل ، فغرّق أكثرهم. كذا ذكر «ابن الأثير» (٣) ، ونجا من تعلّق بالجبال ، وذهبت الجمال والأزواد (٤).

__________________

(١) الكامل في التاريخ ١٠ / ٢٥٨ ، ٢٥٩ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ٢٠٨ ، العبر ٣ / ٣٢٤ ، دول الإسلام ٢ / ١٨ ، البداية النهاية ١٢ / ١٥٢ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٩ ، الروضتين ١ / ٦٧.

(٢) في الكامل في التاريخ : «المياقت» ، وفي تاريخ الخميس ٢ / ٤٠٢ «دار المناقب».

(٣) في الكامل ١٠ / ٢٥٩ ، ٢٦٠.

(٤) المنتظم ٩ / ٩٧ (١٧ / ٣١ ، ٣٢) ، ذيل تاريخ دمشق لابن القلانسي ١٣٣ (حوادث سنة

٤٣

[تدريس الطبري بالنّظامية]

وفيها درّس بالنّظاميّة ببغداد أبو عبد الله الطّبريّ الفقيه (١).

__________________

=٤٩٠ ه.) ، تاريخ الزمان لابن العبري ١٢٢ ، ١٢٣ ، تاريخ مختصر الدول ، له ١٩٦ ، الكامل في التاريخ ١٠ / ٢٥٩ ، ٢٦٠ ، نهاية الأرب ٢٣ / ٢٥٤ ، ٢٥٥ ، سير أعلام النبلاء ١٩ / ١٠٠ ، البداية والنهاية ١٢ / ١٥٢ ، تاريخ الخميس ٢ / ٤٠٢ ، شفاء الغرام ٢ / ٣٦٤ ، النجوم الزاهرة ٥ / ١٥٨ ، تاريخ الخلفاء ٤٢٦ ، أخبار الدول للقرماني (الطبعة الجديدة) ٢ / ٦٦ ، ١٦٧.

(١) الكامل في التاريخ ١٠ / ٢٦٠ ، البداية والنهاية ١٢ / ١٥٢.

٤٤

سنة تسعين وأربعمائة

[قتل الملك أرسلان أرغون]

فيها قتل الملك أرسلان أرغون (١) ابن السّلطان ألب أرسلان السّلجوقيّ بمرو ، وكان قد حكم على خراسان. وسبب قتله أنّه كان مؤذيا لغلمانه ، جبّارا عليهم ، فوثب عليه غلام بسكّين قتله (٢).

وكان قد ملك مرو ، وبلخ ، ونيسابور ، وترمذ ، وأساء السّيرة ، وخرّب أسوار مدن خراسان ، وصادر وزيره عماد الملك بن نظام الملك وأخذ منه ثلاثمائة ألف دينار ، ثمّ قتله (٣).

[عصيان متولّي صور وقتله]

وفيها عصى متولّي صور على المصريّين ، فسار لحربه جيش ، وحاصروه ، ثمّ افتتحوها عنوة وقتلوا بها خلقا ونهبوها ، وحمل واليها إلى مصر ، فقتل بها (٤).

[تسلّم بركياروق سائر خراسان]

وكان بركياروق قد جهّز العساكر مع أخيه الملك سنجر لقتال عمّه أرسلان

__________________

(١) في نهاية الأرب ٢٦ / ٣٣٩ «أرغو». والمثبت عن الأصل ، والكامل في التاريخ.

(٢) نهاية الأرب ٢٦ / ٣٣٩ ، العبر ٣ / ٣٢٧ ، دول الإسلام ٢ / ١٨. تاريخ ابن الوردي ٢ / ٩.

(٣) الكامل في التاريخ ١٠ / ٢٦٢ ـ ٢٦٤ ، تاريخ مختصر الدول لابن العبري ١٩٦ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ٢٠٩ ، مرآة الجنان ٣ / ١٥٢ ، النجوم الزاهرة ٥ / ١٦١ ، تاريخ الخلفاء ٤٢٧ شذرات الذهب ٣ / ٣٩٤.

(٤) ذيل تاريخ دمشق لابن القلانسي ١٣٣ ، ١٣٤ ، أخبار مصر لابن ميسّر ٢ / ٣٩ ، الكامل في التاريخ ١٠ / ٢٦٤ ، الدرّة المضيّة ٤٥٠ وفيه أنه فتح دمشق ، وهو وهم ، اتعاظ الحنفا ٣ / ٢٠ ، النجوم الزاهرة ٥ / ١٥٩.

٤٥

أرغون المتغلّب على خراسان ، فلمّا بلغوا الدّامغان أتاهم قتله ، ثمّ لحقهم السّلطان بركياروق ، وسار إلى نيسابور ، فتسلّمها ، ثمّ تسلّم سائر خراسان بلا قتال ، ثمّ نازل بلخ وتسلّمها ، وبقي بها سبعة أشهر ، وخطبوا له بسمرقند ، وغيرها. ودانت له البلاد ، وخضعت له العباد. واستعمل أخاه سنجر على خراسان ، ورتّب في خدمته من يسوس الممالك ، لأنّه كان حدثا (١).

[ولاية محمد بن أنوشتكين على خوارزم]

وفيها أقرّ بركياروق الأمير محمد بن أنوشتكين على خوارزم. وكان أبوه مملوك الأمير بلكابك (٢) السّلجوقيّ ، فطلع نجيبا ، كامل الأوصاف ، فولد له محمد هذا ، فعلّمه وأدّبه ، وترقّت به الحال إلى أن ولي خوارزم ، ولقّب خوارزم شاه.

وكان كريما ، عادلا ، محسنا ، محبّا للعلماء (٣). فلمّا تملّك السّلطان سنجر أقرّ محمدا على خوارزم. ولمّا توفّي ولي بعده ولده أتسز بن خوارزم شاه ، فمدّ ظلل الأمن ، ونشر العدل ، وكان عزيزا على السّلطان سنجر ، وأصلا عنده لشهامته وكفايته وشجاعته. وهو والد السّلطان خوارزم شاه محمد الّذي خرج عليه جنكزخان (٤).

[انهزام دقاق عند قنّسرين أمام أخيه]

وفيها نازل رضوان صاحب حلب مدينة دمشق ليأخذها من أخيه دقاق ، فرأى حصانتها ، فسار ليأخذ القدس فلم يمكنه ، وانقطعت عنه العساكر. وكان معه ياغي (٥) سيان ملك أنطاكية ، فانفصل عنه ، وأتى دمشق ، وحسّن لدقّاق محاصرة حلب ، فسار معه. واستنجد رضوان بسقمان بن أرتق ، فنجده بجيش

__________________

(١) الكامل في التاريخ ١٠ / ٢٦٥ ، تاريخ مختصر الدول لابن العبري ١٩٦ ، نهاية الأرب ٢٦ / ٣٤٠ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ٢٠٩ ، العبر ٣ / ٣٢٧.

(٢) في الكامل : «بلكباك» ، وفي العبر ٣ / ٣٢٧ «ملكايل».

(٣) المختصر في أخبار البشر ٢ / ٢٠٩ ، العبر ٣ / ٣٢٩.

(٤) الكامل في التاريخ ١٠ / ٢٦٧ ، ٢٦٨ ، نهاية الأرب ٢٣ / ٢٥٥ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ٢٠٩ ، دول الإسلام ٢ / ١٨ ، البداية والنهاية ١٢ / ١٥٤ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٩ ، ١٠.

(٥) في المختصر في أخبار البشر ٢ / ٢١٠ : «باغي».

٤٦

التّركمان ، وخاض الفرات إليه. والتقى دقاق ورضوان بقنّسرين ، فانهزم دقاق وجمعه ، ونهبوا ، ورجعوا بأسوإ حال. ثمّ قدّم رضوان في الخطبة على أخيه بدمشق ، واصطلحا (١).

[الخطبة للمستعلي بالله بولاية رضوان بن تتش]

وفيها خطب للمستعلي بالله المصريّ في ولاية رضوان بن تتش ، لأنّ جناح الدّولة زوج أمّ رضوان رأى من رضوان تغيّرا ، فسار إلى حمص ، وهي يومئذ له ، فجاء حينئذ ياغي سيان إلى حلب ، وصالح رضوان. وكان لرضوان منجّم باطنيّ اسمه أسعد ، فحسّن له مذهب المصريّين ، وأتته رسل المستعلي تدعوه إلى طاعته ، على أن يمدّه بالجيوش ، ويبعث له الأموال ليتملّك دمشق ، فخطب للمستعلي بحلب ، وأنطاكية ، والمعرّة ، وشيزر شهرا. فجاءه سقمان ، وياغي سيان ، فأنكرا عليه وخوّفاه ، فأعاد الخطبة العبّاسيّة (٢).

[منازلة الفرنج أنطاكية]

وردّ ياغي سيان إلى أنطاكية ، فما استقرّ بها حتّى نازلتها الفرنج يحاصرونها (٣).

وكانوا قد خرجوا في هذه السّنة في جمع كثير ، وافتتحوا نيقية ، وهو أوّل بلد افتتحوه ، ووصلوا إلى فامية ، وكفر طاب ، واستباحوا تلك النّواحي (٤). فكان هذا أوّل مظهر من الفرنج بالشّام. قدموا في بحر القسطنطينيّة في جمع عظيم ، وانزعجت الملوك والرّعيّة ، وعظم الخطب ، ولا سيما سلطان بلاد الروم سليمان ، فجمع وحشد ، واستخدم خلقا من التّركمان ، وزحف إلى معابرهم ،

__________________

(١) الكامل في التاريخ ١٠ / ٢٦٩ ، زبدة الحلب ٢ / ١٢٥ ، ١٢٦ ، نهاية الأرب ٢٧ / ٧٢ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ٢٠٩ ، ٢١٠ ، العبر ٣ / ٣٢٧ ، دول الإسلام ٢ / ١٩ ، مرآة الجنان ٣ / ١٥٢.

(٢) تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) ٣٥٩ (وتحقيق سويّم) ٢٥ ، الكامل في التاريخ ١٠ / ٢٦٩ ، ٢٧٠ ، زبدة الحلب ٢ / ١٢٧ ، ١٢٨ ، نهاية الأرب ٢٣ / ٢٥٥ و ٢٧ / ٧٢ ، ٧٣ و ٢٨ / ٢٤٦ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ٢١٠ ، العبر ٣ / ٣٢٩ ، ٣٣٠ ، مرآة الجنان ٣ / ١٥٢ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ١٠ ، تاريخ الخلفاء ٤٢٧.

(٣) نهاية الأرب ٢٧ / ٧٣ ، الإعلام والتبيين ٨.

(٤) العبر ٣ / ٣٢٨.

٤٧

فأوقع بخلق من الفرنج. ثمّ إنّهم التقوه ، ففلّوا جمعه ، وأسروا عسكره ، واشتدّ القلق ، وزاد الفرق ، وكان المصافّ في رجب (١).

__________________

(١) ذيل تاريخ دمشق لابن القلانسي ١٣٤ ، تاريخ الزمان لابن العبري ١٢٢ ، أخبار الدولة المنقطعة لابن ظافر ٨٢ ، زبدة الحلب ٢ / ١٣٠ ، ١٣١ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ٢١٠ ، دول الإسلام ٢ / ١٩.

٤٨

ذكر من توفي في هذه الطبقة

سنة إحدى وثمانين وأربعمائة من المشاهير

ـ حرف الألف ـ

١ ـ أحمد بن إبراهيم (١).

أبو بكر القرشيّ الدّرعيّ الهرويّ.

توفّي بهراة في شهر صفر.

سمع : أبا الفضل الجاروديّ.

٢ ـ أحمد بن عبد الصّمد بن أبي الفضل (٢).

أبو بكر الغورجيّ (٣) الهرويّ التّاجر.

سمع «الجامع» لأبي عيسى من الجرّاح.

روى عنه : المؤتمن السّاجيّ ، وعبد الملك الكروخيّ (٤).

وتوفّي في ذي الحجّة بهراة.

وثّقه الحسين بن محمد الكتبيّ (٥).

__________________

(١) لم أجد مصدر ترجمته.

(٢) انظر عن (أحمد بن عبد الصمد) في : تقييد المهمل (مخطوط) ورقة ٢٤ أ ، والمنتظم ٩ / ٤٤ رقم ٦٤ (١٦ / ٢٧٨ رقم ٣٥٨٦) ، ومعجم البلدان ٣١٧٤ ، واللباب ٢ / ٣٩٣ ، والكامل في التاريخ ١٠ / ١٦٨ ، والتقييد لابن نقطة ١٤٧ ، ١٤٨ رقم ١٦٩ ، والعبر ٣ / ٢٩٧ ، والمعين في طبقات المحدّثين ١٣٩ رقم ١٥٢٤ ، وسير أعلام النبلاء ١٩ / ٧ رقم ٣ ، ومرآة الجنان ٣ / ١٣٣ ، وتبصير المنتبه ١٠٦١ ، وشذرات الذهب ٣ / ٣٦٥.

(٣) الغورجيّ : بضم الغين ، وسكون الواو ، وفتح الراء ، نسبة إلى غورة. وقال بعضهم : غورج : قرية من قرى هراة. (اللباب ٢ / ٣٩٣ ، معجم البلدان ٤ / ٢١٦).

(٤) في الأصل : «الكروجي».

(٥) التقييد ١٤٨.

٤٩

٣ ـ أحمد بن محمد بن حسن بن خضر (١).

أبو طاهر الجواليقيّ (٢) ، والد أبي منصور الجواليقيّ.

كان صالحا صحيح السّماع (٣).

سمع : أبا القاسم بن بشران.

وعنه : عبد الوهّاب الأنماطيّ.

٤ ـ أحمد بن محمد بن أحمد (٤).

أبو نصر الثّعالبيّ (٥) الصّوفيّ.

توفّي في رجب بخراسان.

روى عن : ابن محمش ، وأبي عبد الرحمن السّلميّ ، وجماعة.

٥ ـ أحمد بن محمد بن عبيد الله (٦).

أبو الفضل الرّصّاص الأصبهانيّ.

سمع : محمد بن إبراهيم الجرجانيّ.

وعنه : مسعود الثّقفيّ ، والرّستميّ.

توفّي في هذه السّنة تقريبا.

٦ ـ إبراهيم بن محمد بن إبراهيم (٧).

__________________

(١) انظر عن (أحمد بن محمد الجواليقيّ) في : المنتظم ٩ / ٤٤ رقم ٦٥ (١٦ / ٢٧٨ رقم ٣٥٨٧) ، والأنساب ٣ / ٣٣٦ ، ٣٣٧.

(٢) الجواليقيّ : بفتح الجيم والواو وكسر اللام بعد الألف وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفي آخرها القاف. هذه النسبة إلى الجواليق وهي جمع جوالق. قال ابن السمعاني : ولعلّ بعض أجداد المنتسب إليها كان يبيعها أو يعملها. (الأنساب ٣ / ٣٣٥).

(٣) وقال ابن السمعاني : والد شيخنا أبي منصور ، كان شيخا صالحا سديدا. (الأنساب).

وقال ابن الجوزي : قال شيخنا ابن ناصر : كان شيخا صالحا متعبّدا ، من أهل البيوتات القديمة ببغداد ، ذا مذهب حسن وتعبّد ، وكان جدّه الخضر صاحب قرى وضياع ، ودخل كثير. وتوفي أبو طاهر فجأة في رجب هذه السنة. (المنتظم).

(٤) لم أجد مصدر ترجمته.

(٥) الثعالبي : نسبة إلى خياطة جلود الثعالب وعمل الفراء منها. (الأنساب).

(٦) لم أجد مصدر ترجمته.

(٧) انظر عن (إبراهيم بن محمد) في : الأنساب ٨ / ٢٨٦ ، والإعلام بوفيات الأعلام ١٩٨ ، والعبر ٣ / ٢٩٧.

٥٠

أبو إسحاق الأصبهانيّ الطّيّان القفّال.

سمع : إبراهيم بن خرّشيد قوله.

وعنه : مسعود الثّقفيّ ، والرّستميّ.

توفّي في صفر (١).

وقد سئل أبو سعد البغداديّ عنه فقال : شيخ صالح. سمعت أنّه كان يخدم ابن خرّشيد قوله في صغره ، وما سمعت فيه إلّا خيرا.

٧ ـ إسماعيل بن عليّ بن محمد بن عبد الله (٢).

أبو الفضل الدّلشاذيّ (٣) الفقيه.

من تلامذة أبي محمد الجوينيّ.

صالح مستور.

حدّث عن : أبي القاسم عبد الرحمن السّرّاج ، وأبي بكر الحيريّ ، وأبي سعيد الصّيرفيّ.

روى عنه : عبد الغافر الفارسيّ ، وقال : توفّي في الحادي والعشرين من المحرّم (٤).

٨ ـ إسماعيل بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن محمد بن نوح (٥).

القاضي الخطيب أبو محمد النّوحيّ (٦) السّمرقنديّ.

توفّي يوم عيد الأضحى.

وحدّث عن : جعفر المستغفريّ.

وعنه : عمر بن محمد النّسفيّ ، وغيره.

__________________

(١) قال ابن السمعاني : توفي في حدود سنة ثمانين وأربعمائة. (الأنساب).

(٢) انظر عن (إسماعيل بن علي) في : المنتخب من السياق ١٤٣ ، ١٤٤ رقم ٣٢٨.

(٣) لم أقف على هذه النسبة.

(٤) وقال عبد الغافر : خفّ حاله في آخر عمره ، ورأيته يختلف كثيرا للسواد إلى درس عبد الرزاق المنيعي على طريق المراعاة.

(٥) انظر عن (إسماعيل بن محمد) في : الأنساب ١٢ / ١٥١.

(٦) النّوحي : بضم النون وسكون الواو وفي آخرها الحاء. هذه النسبة إلى نوح ، وهو اسم لبعض أجداد المنتسب إليه.

٥١

وعاش تسعا وخمسين سنة (١).

ـ حرف الجيم ـ

٩ ـ جعفر بن حيدر (٢).

أبو المعالي العلويّ الهرويّ الزّاهد.

أحد الكبار ، بنى بهراة الخانقاه.

وكان له مريدون وأصحاب أشعريّون.

سمع : عبد الغافر الفارسيّ (٣) ، وجماعة.

ـ حرف الحاء ـ

١٠ ـ حجّاج بن قاسم (٤).

أبو محمد المأمونيّ السّبتيّ الفقيه.

سمع من : أبيه ، وبمكّة من : أبي ذرّ عبد الهرويّ ، وأبي بكر المطّوعي (٥).

وسكن المريّة ، وصار رئيس علمائها. وبعد ذلك انتقل إلى سبتة.

وحدّث «بصحيح البخاريّ».

سمع منه : قاضي القضاة أبو محمد بن منصور ، وأبو عليّ بن طريف ، وأبو القاسم بن العجوز.

وكان أبوه قاسم بن محمد الرّعينيّ ممّن لقي ابن أبي زيد. توفّي سنة ثمان وأربعين. (ث) : يعني أباه.

__________________

(١) قال ابن السمعاني : كتب الحديث بسمرقند ، وجلس فيها للعامّة كثيرا ، وخطب على منبر سمرقند ، وكانت ولادته في شعبان سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة.

(٢) انظر عن (جعفر بن حيدر) في : المنتخب من السياق ١٧٦ رقم ٤٦٣ وفيه اسمه : «جعفر بن حيدر بن محمد بن حمزة بن جعفر بن كفل بن جعفر الملك بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب».

(٣) سمع منه «صحيح مسلم» ، وسمع مشايخ الوقت كابن مسرور ، وشيخ الإسلام ، والكنجروذي.

(٤) انظر عن (حجّاج بن قاسم) في : الصلة لابن بشكوال ١ / ١٥٢ ، وبغية الملتمس ٢٨٠ ، وسير أعلام النبلاء ١٨ / ٧ ، ٨ رقم ٤ وص ٥٢٥ رقم ٤.

(٥) المطّوّعيّ : بضم الميم وتشديد الطاء المهملة وفتحها ، والواو مشدّدة مكسورة ، والعين المهملة ، نسبة إلى المطّوّعة ، وهم جماعة فرّغوا أنفسهم للغزو ومرابطة الثغور. (اللباب ٣ / ٢٢٦).

٥٢

١١ ـ الحسن بن محمد بن الحسن (١).

أبو القاسم الخوافيّ (٢). نزيل نيسابور.

سمع من : ابن محمش ، وعبد الله بن يوسف ، والسّلميّ.

روى عنه : أبو البركات الفراويّ ، وعائشة بنت الصّفّار ، ومحمد بن الحسن الزّوزنيّ.

قال ابن السّمعانيّ : مات بعد سنة ثمانين.

ـ حرف العين ـ

١٢ ـ عبد الله بن محمد بن عليّ بن محمد بن أحمد بن عليّ بن جعفر بن منصور بن متّ (٣).

شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاريّ الهرويّ الحافظ العارف.

من ولد صاحب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبي أيّوب الأنصاريّ.

قال أبو النّضر (٤) الفاميّ : كان بكر الزّمان ، (٥) وواسطة عقد المعاني (٦) ،

__________________

(١) انظر عن (الحسن بن محمد الخوافي) في : المنتخب من السياق ١٨٨ رقم ٥٣٠.

(٢) الخوافي : بفتح الخاء المعجمة وفي آخرها الفاء بعد الواو والألف. هذه النسبة إلى خواف ، وهي ناحية من نواحي نيسابور ، متّصلة بحدود الزوزن. (الأنساب ٥ / ١٩٩).

(٣) انظر عن (عبد الله بن محمد الأنصاري) في : المنتظم ٩ / ٤٤ ، ٤٥ رقم ٦٦ (١٦ / ٢٧٨ ، ٢٧٩ رقم ٣٥٨٨) ، ودمية القصر للباخرزي ٢ / ٨٨٨ ، وطبقات الحنابلة ٢ / ٢٤٧ ، ٢٤٨ ، رقم ٦٨٤ ، والمنتخب من السياق ٢٨٤ ، ٢٨٥ رقم ٩٣٨ ، والكامل في التاريخ ١٠ / ١٦٨ ، والتقييد لابن نقطة ٣٢٢ ، ٣٢٣ رقم ٣٨٦ ، والعبر ٣ / ٢٩٦ ، ٢٩٨ ، والمعين في طبقات المحدّثين ١٣٩ رقم ١٥٢٥ ، وسير أعلام النبلاء ١٨ / ٥٠٣ ـ ٥١٨ رقم ٢٦٠ ، والإعلام بوفيات الأعلام ١٩٨ ، ودول الإسلام ٢ / ١٠ ، وتذكرة الحفاظ ٣ / ١١٨٣ ـ ١١٩١ ، ومرآة الجنان ٣ / ١٣٣ ، والوافي بالوفيات ١٧ / ٥٩٧ ، رقم ٤٧٦ ، والذيل على طبقات الحنابلة ١ / ٥٠ ـ ٦٨ رقم ٢٧ ، والبداية والنهاية ١٢ / ١٣٥ ، وتاريخ الخميس للدياربكري ٢ / ٤٠٢ ، وطبقات الحفاظ ٤٤١ ، ٤٤٢ ، وطبقات المفسّرين ، للسيوطي ٢٥ ، وطبقات المفسّرين للداوديّ ١ / ٢٤٩ ، ٢٥٠ ، وطبقات المفسّرين للأدنه وي (مخطوط) ورقة ٣٥ ب ، وكشف الظنون ١ / ٥٦ ، ٤٢٠ ، ٨٢٨ و ٢ / ١٨٢٨ ، ١٨٣٦ ، وشذرات الذهب ٣ / ٣٦٥ ، ٣٦٦ ، وإيضاح المكنون ١ / ٣١٠ و ٢ / ١١٨ ، وهدية العارفين ١ / ٤٥٢ ، ٤٥٣ ، وديوان الإسلام لابن الغزّي ١ / ١٥٠ ، ١٥١ رقم ٢١٥ ، والرسالة المستطرفة ٤٥ ، ومعجم المؤلّفين ٦ / ١٣٣ ، ١٣٤ ، ومعجم طبقات الحفاظ والمفسّرين ١٢٠ رقم ٩٩٣.

(٤) في الأصل وذيل طبقات الحنابلة ١ / ٦٣ «أبو النصر» بالصاد المهملة.

(٥) زاد في (ذيل طبقات الحنابلة) : «وزناد الفلك».

(٦) زاد في (الذيل) : «والمعالي».

٥٣

وصورة الإقبال ، في فنون الفضائل ، وأنواع المحاسن ، منها نصرة الدّين والسّنّة (١) من غير مداهنة ولا مراقبة لسلطان ولا وزير (٢). وقد قاسي بذلك (٣) قصد الحسّاد في كلّ وقت (٤) ، وسعوا في روحه مرارا ، وعمدوا إلى هلاكه أطوارا (٥) فوقاه الله شرّهم (٦) ، وجعل قصدهم (٧) أقوى سبب لارتفاع شأنه (٨).

قلت : سمع من : عبد الجبّار الجرّاحيّ «جامع التّرمذيّ» ، وسمع من :الحافظ أبي الفضل محمد بن أحمد الجاروديّ ، والقاضي أبي منصور محمد بن محمد الأزديّ ، وأحمد بن محمد بن العالي ، ويحيى بن عمّار السّجزيّ المفسّر ، ومحمد بن جبريل بن ماح ، وأبي يعقوب القرّاب ، وأبي ذرّ عبد بن أحمد الهرويّ.

ورحل إلى نيسابور ، فسمع من : محمد بن موسى الحرشيّ ، وأحمد بن محمد السّليطيّ ، وعلي بن محمد الطّرّازيّ الحنبليّ أصحاب الأصمّ ، والحافظ أحمد بن عليّ بن فنجويه الأصبهانيّ.

وسمع من خلق كثير بهراة ، أصحاب الرّفّاء فمن بعدهم.

وصنّف كتاب «الفاروق في الصّفات» ، وكتاب «ذمّ الكلام» ، وكتاب «الأربعين حديثا» في السّنّة. وكان جذعا في أعين المتكلّمين ، وسيفا مسلولا على المخالفين ، وطودا في السّنّة لا تزعزعه الرّياح.

وقد امتحن مرّات.

قال الحافظ محمد بن طاهر : سمعت أبا إسماعيل الأنصاريّ يقول بهراة :عرضت على السّيف خمس مرّات ، لا يقال لي : ارجع عن مذهبك ، لكن يقال

__________________

(١) زاد في (الذيل) : «والصلابة في قهر أعداء الملّة ، والمتحلّين بالبدعة ، حيي على ذلك عمره».

(٢) زاد في (الذيل) : «ولا ملاينة. مع كبير ولا صغير».

(٣) في (الذيل) : «بذلك السبب».

(٤) زاد في (الذيل) : «وزمان» ، ومني بكيد الأعداء في كل حين وأوان».

(٥) زاد في (الذيل) : «مقدّرين بذلك الخلاص من يده ولسانه ، وإظهار ما أضمروا في زمانه».

(٦) زاد في (الذيل) : «وأحاط بهم مكرهم».

(٧) ورد في (الذيل) : «لارتفاع أمره وعلوّ شأنه أقوى سبب».

(٨) الذيل على طبقات الحنابلة ١ / ٦٣ ، وانظر : تذكرة الحفاظ ٣ / ١١٨٤ ، وسير أعلام النبلاء ١٨ / ٥١٠.

٥٤

لي : اسكت عمّن خالفك ، فأقول : لا أسكت (١).

وسمعته يقول : أحفظ اثني عشر ألف حديث أسردها سردا (٢).

قلت : خرّج أبو إسماعيل خلقا كثيرا بهراة ، وفسّر القرآن زمانا ، وفضائله كثيرة. وله في السّوق كتاب «منازل السّائرين» (٣) وهو كتاب نفيس في التّصوّف ، ورأيت الاتّحادية تعظّم هذا الكتاب وتنتحله ، وتزعم أنّه على تصوّفهم الفلسفيّ (٤).

وقد كان شيخنا ابن تيمية بعد تعظيمه لشيخ الإسلام يحطّ عليه ويرميه بالعظائم بسبب ما في هذا الكتاب. نسأل الله العفو.

وله قصيدة في السّنّة (٥) ، وله كتاب في مناقب أحمد بن حنبل ، وتصانيف

__________________

(١) ذيل طبقات الحنابلة ١ / ٥٣ ، ٥٤.

(٢) تذكرة الحفاظ ٣ / ١١٨٤ ، سير أعلام النبلاء ١٨ / ٥٠٩.

(٣) طبع مع شرحه «مدارج السالكين» لابن قيّم الجوزية ، تحقيق الشيخ محمد حامد الفقي ، بمطبعة السعادة بمصر.

(٤) وقال المؤلّف الذهبي ـ رحمه‌الله ـ عن كتاب «منازل السائرين» :

«ففيه أشياء مطربة ، وفيه أشياء مشكلة ، ومن تأمّله لاح له ما أشرت إليه ، والسّنّة المحمدية صلفة ، ولا ينهض الذوق والوجد إلا على تأسيس الكتاب والسّنّة.

وقد كان هذا الرجل سيفا مسلولا على المتكلّمين ، له صولة وهيبة واستيلاء على النفوس ببلده ، يعظّمونه ، ويتغالون فيه ، ويبذلون أرواحهم فيما يأمر به. كان عندهم أطوع وأرفع من السلطان بكثير ، وكان طودا راسيا في السّنّة لا يتزلزل ولا يلين ، لو لا ما كدّر كتابه «الفاروق في الصفات» بذكر أحاديث باطلة يجب بيانها وهتكها ، والله يغفر له بحسن قصده». (السير ١٨ / ٥٠٩).

وقال أيضا :«قد انتفع به خلق ، وجهل آخرون ، فإنّ طائفة من صوفة الفلسفة والاتحاد يخضعون لكلامه في «منازل السائرين» وينتحلونه ، ويزعمون أنه موافقهم ، كلا ، بل هو رجل أثريّ لهج بإثبات نصوص الصفات ، منافر للكلام وأهله جدّا ، وفي «منازله» إشارات إلى المحو والفناء ، وإنما مراده بذلك الفناء هو الغيبة عن شهود السّوى ، ولم يرد محو السّوى في الخارج ، ويا ليته لا صنّف ذلك ، فما أحلى تصوّف الصحابة والتابعين ، ما خاضوا في هذه الخطرات والوساوس ، بل عبدوا الله ، وذلّوا له ، وتوكّلوا عليه ، وهم من خشيته مشفقون ، ولأعدائه مجاهدون ، وفي الطاعة مسارعون ، وعن اللّغو معرضون ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم». (السير ١٨ / ٥١٠).

(٥) هي قصيدة نونية طويلة مشهورة ذكر فيها أصول السّنّة ومدح أحمد وأصحابه ، ذكر ابن رجب بعضا من أبياتها في (الذيل على طبقات الحنابلة ١ / ٥٣) ، ومنها بيتان في (طبقات الحنابلة=

٥٥

أخر لا تحضرني.

روى عنه : المؤتمن السّاجيّ ، ومحمد بن طاهر المقدسيّ ، وعبد الله بن أحمد السّمرقنديّ ، وعبد الصّبور بن عبد السّلام الهرويّ ، وعبد الملك الكروخيّ ، وأبو الفتح محمد بن إسماعيل الفاميّ ، وعطاء بن أبي الفضل المعلّم ، وحنبل بن عليّ البخاريّ ، وأبو الوقت عبد الأوّل ، وعبد الجليل بن أبي سعد ، وخلّق سواهم.

وآخر من روى عنه بالإجازة أبو الفتح نصر بن سيّار.

قال السّلفيّ : سألت المؤتمن عنه فقال : كان آية في لسان التّذكير والتّصوّف ، من سلاطين العلماء (١).

سمع ببغداد من أبي محمد الخلّال ، وغيره.

يروي في مجالس وعظه أحاديث بالإسناد ، وينهى عن تعليقها عنه.

وكان بارعا في اللّغة ، حافظا للحديث (٢). قرأت عليه كتاب «ذمّ الكلام» ، وكان قد روى فيه حديثا عن : عليّ بن بشرى ، عن أبي عبد الله بن مندة ، عن إبراهيم بن مرزوق.

فقلت له : هذا هكذا؟

قال : نعم. وإبراهيم هو شيخ الأصمّ وطبقته. وهو إلى الآن في كتابه على هذا الوجه (٣).

قلت : وكذا سقط عليه رجلان في حديثين مخرّجين من «جامع التّرمذيّ».

وكذا ، وقعت لنا في «ذمّ الكلام». نبهّت عليه في نسختي ، واعتقدتها سقطت على «المنتقى من ذمّ الكلام» ، ثمّ رأيت غير نسخة كما في «المنتقى» (٤).

قال المؤتمن : وكان يدخل على الأمراء والجبابرة ، فما كان يبالي بهم ،

__________________

= لابن أبي يعلى ٢ / ٢٤٨).

(١) التقييد لابن نقطة ٣٢٣.

(٢) التقييد ٣٢٣.

(٣) التقييد ٣٢٣ ، ٣٢٤.

(٤) تذكرة الحفاظ ٣ / ١١٨٥ ، ١١٨٦ ، سير أعلام النبلاء ١٨ / ٥٠٥ ، ٥٠٦.

٥٦

وكان يرى الغريب من المحدّثين ، فيكرمه إكراما يتعجّب منه الخاصّ والعامّ (١).

وقال لي مرّة : هذا الشّأن شأن من ليس له شأن سوى هذا الشّأن (٢). يعني طلب الحديث.

وسمعته يقول : تركت الحيريّ لله ، يعني القاضي أبا بكر أحمد بن الحسن صاحب الأصمّ (٣).

قال : وإنّما تركه لأنّه سمع منه شيئا يخالف السّنّة (٤).

وقال : أبو عبد الله الحسين بن عليّ الكتبيّ في «تاريخه» : خرّج شيخ الإسلام لجماعة (٥) الفوائد بخطّه ، إلى أن ذهب بصره ، فلمّا ذهب بصره أمر واحدا بأن يكتب لهم ما يخرّج ، ثمّ يصحّح عليه. وكان يخرّج لهم متبرّعا لحبّه للحديث. وقد تواضع بأن خرّج لي فوائد. ولم يبق أحد خرّج له سواي (٦).

وقال الحافظ محمد بن طاهر : سمعت أبا إسماعيل الأنصاريّ يقول : إذا ذكرت التّفسير ، فإنّما أذكره من مائة وسبعة تفاسير (٧).

وسمعت أبا إسماعيل ينشد على المنير :

أنا حنبليّ ما حييت ، وإن أمت

فوصيّتي للنّاس أن يتحنبلوا (٨)

وسمعت أبا إسماعيل يقول : لمّا قصدت الشّيخ أبا الحسن الحرقانيّ (٩) الصّوفيّ ، وعزمت على الرجوع ، وقع في نفسي أن أقصد أبا حاتم بن حاموش الحافظ بالرّيّ وألتقي به ـ وكان مقدّم أهل السّنّة بالرّيّ ، وذلك أنّ السّلطان

__________________

(١) ذيل طبقات الحنابلة ١ / ٦٠.

(٢) التقييد ٣٢٤.

(٣) قال عبد الغافر الفارسيّ في ترجمته : «ورأى القاضي أبا بكر الحيريّ ولم يسمع منه بسبب بدر منه في مجلسه». (المنتخب من السياق ٢٨٥).

(٤) انظر : تذكرة الحفاظ ٣ / ١١٨٦ ، وسير أعلام النبلاء ١٨ / ٥٠٦.

(٥) في الأصل : «بجماعة».

(٦) انظر : تذكرة الحفاظ ٣ / ١١٨٦ ، وسير أعلام النبلاء ١٨ / ٥٠٦.

(٧) الذيل على طبقات الحنابلة ١ / ٥٨.

(٨) الذيل على طبقات الحنابلة ١ / ٥٣.

(٩) تحرّف في : الذيل ١ / ٥١ إلى «الجركاني».

٥٧

محمود بن سبكتكين لمّا دخل الرّيّ ، وقتل بها الباطنيّة ، منع سائر الفرق من الكلام على المنابر ، غير أبي حاتم ، وكان من دخل الرّيّ من سائر الفرق ، يعرض اعتقاده عليه ، فإن رضيه أذن له في الكلام على النّاس وإلّا منعه ـ فلمّا قربت من الرّيّ كان معي في الطّريق رجل من أهلها ، فسألني عن مذهبي.

فقلت : أنا حنبليّ. فقال : مذهب ما سمعت به وهذه بدعة. وأخذ بثوبي وقال : لا أفارقك حتّى أذهب بك إلى الشّيخ أبي حاتم. فقلت : خيرة.

فذهب بي إلى داره ، وكان له ذلك اليوم مجلس عظيم ، فقال : هذا سألته عن مذهبه ، فذكر مذهبا لم أسمع به قطّ.

قال : ما قال؟

قال : أنا حنبليّ.

فقال : دعه ، فكلّ من لم يكن حنبليّا فليس بمسلم.

فقلت : الرجل كما وصف لي. ولزمته أيّاما وانصرفت (١).

قال ابن طاهر : حكى لي أصحابنا أنّ السّلطان ألب أرسلان قدم هراة ومعه وزيره نظام الملك ، فاجتمع إليه أئمّة الفريقين من الشّافعية والحنفيّة للشّكاية من الأنصاريّ ، ومطالبته بالمناظرة. فاستدعاه الوزير ، فلمّا حضر قال : إنّ هؤلاء قد اجتمعوا لمناظرتك ، فإن يكن الحقّ معك رجعوا إلى مذهبك ، وإن يكن الحقّ معهم إمّا أن ترجع وإمّا أن تسكت عنهم.

فقام الأنصاريّ وقال : أناظر على ما في كمّيّ!؟

فقال : وما في كمّيك؟

قال : كتاب الله ، وأشار إلى كمّه الأيمن ، وسنّة رسوله ، وأشار إلى كمّه اليسار ، وكان فيه «الصّحيحان».

فنظر الوزير إليهم كالمستفهم لهم ، فلم يكن فيهم من يمكنه أن يناظره من هذا الطّريق (٢).

__________________

(١) روى هذا الخبر : «محمد بن طاهر الحافظ» في كتابه «المنثور من الحكايات والسؤالات» ، كما في (ذيل طبقات الحنابلة ١ / ٥١ ، ٥٢).

(٢) الذيل على طبقات الحنابلة ١ / ٥٤.

٥٨

وسمعت أحمد بن أميرجة القلانسيّ خادم الأنصاريّ يقول : حضرت مع شيخ الإسلام على الوزير أبي عليّ ، يعني نظام الملك ، وكان أصحابه كلّفوه الخروج إليه ، وذلك بعد المحنة ورجوعه من بلخ.

قلت : وكان قد غرّب عن هراة إلى بلخ.

قال : فلمّا دخل عليه أكرمه وبجّله. وكان في العسكر أئمّة الفريقين. في ذلك اليوم ، قد علموا أنّ الشّيخ يأتي ، فاتّفقوا على أن يسألوه عن مسألة بين يدي الوزير ، فإن أجاب بما يجيب بهراة سقط من عين الوزير ، وإن لم يجب سقط من عيون أصحابه. فلمّا استقر به المجلس قال العلويّ الدّبّوسيّ : يأذن الشّيخ الإمام في أن أسأل مسألة؟

قال : سل.

فقال : لم تلعن أبا الحسن الأشعريّ؟

فسكت ، وأطرق الوزير. فلمّا كان بعد ساعة ، قال له الوزير : أجبه.

فقال : لا أعرف الأشعريّ ، وإنّما ألعن من لم يعتقد أنّ الله في السّماء ، وأنّ القرآن في المصحف ، وأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نبيّ غير خطّاء.

ثمّ قام وانصرف ، فلم يمكن أحد أن يتكلّم بكلمة من هيبته وصلابته وصولته. فقال الوزير للسائل أو من معه : هذا أردتم ، كنّا نسمع أنّه يذكر هذا بهراة ، فاجتهدتم حتى سمعناه بآذاننا. وما عسى أن أفعل به؟ ثمّ بعث خلفه خلعا وصلة ، فلم يقبلها ، وخرج من فوره إلى هراة ولم يتلبّث (١).

قال : وسمعت أصحابنا بهراة يقولون : لمّا قدم السّلطان ألب أرسلان هراة في بعض قدماته اجتمع مشايخ البلد ورؤساؤه ، ودخلوا على أبي إسماعيل الأنصاريّ ، وسلّموا عليه وقالوا : قد ورد السّلطان ، ونحن على عزم أن نخرج ونسلّم عليه ، فأحببنا أن نبدأ بالسّلام على الشّيخ الإمام ، ثمّ نخرج إلى هناك.

وكانوا قد تواطئوا (٢) على أن حملوا معهم صنما من نحاس صغيرا ،

__________________

(١) الذيل على طبقات الحنابلة ١ / ٥٤ ، ٥٥.

(٢) في الأصل : «تواطؤا». (بواو واحدة).

٥٩

وجعلوه في المحراب تحت سجّادة الشّيخ ، وخرجوا. وذهب الشّيخ إلى خلوته. ودخلوا على السّلطان ، واستغاثوا من الأنصاريّ أنّه مجسّم ، وأنّه يترك في محرابه صنما ، ويقول إنّ الله على صورته. وإن بعث السّلطان الآن يجد الصّنم في قبلة مسجده.

فعظم ذلك على السّلطان ، وبعث غلاما ومعه جماعة ، ودخلوا الدّار وقصدوا المحراب ، وأخذوا الصّنم من تحت السّجّادة ، ورجع الغلام بالصّنم ، فوضعه بين يدي السّلطان ، فبعث السّلطان من أحضر الأنصاريّ ، فلمّا دخل رأى مشايخ البلد جلوسا ، ورأى ذلك الصّنم بين يدي السّلطان مطروحا ، والسّلطان قد اشتدّ غضبه. فقال له السّلطان : ما هذا؟

قال : هذا صنم يعمل من الصّفر شبه اللّعبة.

قال : لست عن هذا أسألك.

فقال : فعمّ يسألني السّلطان؟

قال : إنّ هؤلاء يزعمون أنّك تعبد هذا ، وأنّك تقول إنّ الله على صورته.

فقال الأنصاريّ : سبحانك ، هذا بهتان عظيم. بصوت جهوريّ وصولة ، فوقع في قلب السّلطان أنّهم كذبوا عليه. فأمر به ، فأخرج إلى داره مكرّما.

وقال لهم : أصدقوني. وهدّدهم ، فقالوا : نحن في يد هذا الرجل في بليّة من استيلائه علينا بالعامّة ، فأردنا أن نقطع شرّه عنّا. فأمر بهم ، ووكّل بكلّ منهم ، ولم يرجع إلى منزله حتّى كتب بخطّه بمبلغ عظيم يحمله إلى الخزانة. وسلموا بأرواحهم بعد الهوان والجناية (١).

وقال أبو الوقت السّجزيّ : دخلت نيسابور ، وحضرت عند الأستاذ أبي المعالي الجوينيّ فقال : من أنت؟

قلت : خادم الشّيخ أبي إسماعيل الأنصاريّ.

فقال : رضي‌الله‌عنه (٢).

__________________

(١) الذيل على طبقات الحنابلة ١ / ٥٥ ، ٥٦.

(٢) انظر : تذكرة الحفاظ ٣ / ١١٨٩ ، وسير أعلام النبلاء ١٨ / ٥١٣.

٦٠