مجموع رسائل الإمام الهادي إلى الحق القويم يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم عليهم السلام

مجموع رسائل الإمام الهادي إلى الحق القويم يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم عليهم السلام

المؤلف:


المحقق: عبدالله بن محمّد الشاذلي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٨

ووجدناه ثابتا عند أهل العقل ، لا ينكره ولا يجحده من وهب لبا وفطنة وفهما.

خلق الملائكة والشياطين

وسألت فقلت : من أي شيء خلقت الملائكة ، ومن أي شيء خلقت الشياطين؟

الجواب في ذلك : أن الملائكة فيما سمعنا وبلغنا ـ والله أعلم وأحكم ـ خلقت من الريح والهواء.

وأما الشياطين فخلقت مما قال الله وحكى من مارج من نار.

والمارج فهو : خالص لهب النار ، والذي هو يمرج من لهبها ، ويتقطع في الهواء منها عند ارتفاع اللهب وعلوه ، فيذهب في الهواء قطعا قطعا ، وينفصل من اللهب تفصلا يستبان ذلك ويعرف عند تأجج النار وتوقدها ، وعظمها وارتفاع لهبها. فعند ارتفاع اللهب وعلوه ، يخلص خالصه ، ويمرج مارجه ، ويتقطع المارج من اللهب ، وينفصل مارج النار من لهبها ، ويذهب في الهواء متقطعا ، وذلك فهو مارج النار الذي ذكر الرحمن أنه خلق منه الجان.

والجان فهي : الجن ، والجن فهي الشياطين ، وإنما سميت جنا وجانا لاستجنانها عن أبصار الآدميين ، واستجنانها فهو غيبتها ، فلما كانت بغيبتها مستجنة سميت باستجنانها جانا. ألا تسمع كيف قال إبليس في آدم عليه‌السلام حين يقول : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) فهذا دليل على ما به قلنا ، وأدل منه قول الله تبارك وتعالى : (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) [الرحمن : ١٥] وهذا مما لا شك فيه ولا امتراء ، والحمد لله العلي الأعلى.

تبديل الأرض والسموات

وسألت عن قول الله سبحانه : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) [إبراهيم : ٤٨]؟

تأويل تبدّل : هو تغير ، وتغييرها هو نسف ما على وجهها من الجبال ، وبعثرة ما فيها

٥٨١

من القبور. وبعثرة القبور فهو إخراج ما فيها من الموتى ، وردهم بعد الفناء أجساما أحياء ، وتسوية تفاوتها ، ودكها دكا ، كما قال الله العلي الأعلى : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) [إبراهيم : ٤٨] إلى آخر الآية. وتبديل حالها تسوية خلقها ، وعدل متفاوتها ، وقشع أوشاجها (٥٧٢) وتجديد بهجتها ، واستواء أقطارها ، حتى تكون الأرض مستوية فيحاء معتدلة الأرجاء ، لا تفاوت فيها ولا اختلاف ، بل تكون في ذلك اليوم كلها على غاية الاستواء والائتلاف ، لا يرى شيء من آلة الدنيا فيها ، ولا أثر فعل من أفاعيل الدهر عليها ، فهذا تبديلها وتغييرها. وكذلك تبديل السموات فهو رد الله لها إلى ما كانت عليه في الابتداء ، ثم يردها على ما هي عليه اليوم من الاستواء ، من بعد أن تصير كالمهل. والمهل فهو : شيء يكون كالدهن يخرج من صفو القطران ، فذكر الرحمن أنها تكون في يوم الدين كالمهل السائل بعد التجسيم الهائل ، فهو قوله سبحانه : (يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) [الدخان : ١٠] يريد أنها تعود إلى ما كانت عليه من الدخان ، ثم ترد سماوات مطبقات ، كما خلقت من الدخان أولا سماوات مقدرات مجعولات ، تبيينا منه سبحانه لقدرته ، وإظهارا لنفاذ أمره فيما افتطر من فطرته.

فهذا معنى ما ذكر الله من تبديل الأرض والسماء ، لا أنه يذهب بهما ويخلق سواهما من غيرهما ، وإنما تبديله لهما وتغييره نقلهما من حالة (٥٧٣) إلى حال ، والأصل واحد مستقيم غير فان ولا معدوم. مثل ذلك مثل خلخال من ذهب أو فضة كسر فصيّر خلخالا أوسع منه قدرا ، أو أصغر منه قدرا ، فكان قد بدلت خلقته ، وغيرت صنعته ، ونقلت حالته من حال إلى حال ، ومن مثال إلى مثال ، فبدل تصويره ، وأصل فضته ثابت لم يبدل ولم يغير ، وإنما غير منها خلقتها وتقديرها ، وصورتها وتمثيلها ، والأصل ثابت قائم موجود من العدم سالم. وكذلك تبديل ما يبدل من الحديد ، فيكون أولا سيفا ، ثم يرد خنجرا ، ثم يجعل الخنجر سكينا ، ثم ينقل السكين فيجعل أوتادا وسككا ، فهو ينقل من حال إلى حال ،

__________________

(٥٧٢) في (أ) : أوساخها.

(٥٧٣) في (ب) : من حال.

٥٨٢

وهو الحديد الأول لم يتغير ولم يبدل ، وإنما المتغير منه تصاويره وتقاديره ، ونقل أحواله ومقاديره ، فهو الحديد الثابت يجعل مرة سيفا كما ذكرنا ويقلب ثانيا صنفا من الصنوف التي ذكرنا ، فهو وإن تغيرت أحواله ، واختلفت مجعولاته ، فهي الحديدة المعروفة الأولة ، الأصلية المفهومة.

وكذلك ما ذكر رب العالمين ، في تبديله السموات والأرضين ، فهو نقله لهما من حالة في التصوير إلى حالة ، ومن صفة في التقدير إلى صفة ، وهن في أصلهن اللواتي كن لم يبدل أصلهن ، ولم يحل ولم ينقل عما كان ولم يزل ، فافهم ما أجبناك به فيما عنه سألت وفسرناه لك فيما شرحت وقلت.

هل العمل من الإيمان؟

وسألت فقلت : من أين يلزم أهل القبلة الكفر وقد سماهم الله مسلمين ومؤمنين؟

الجواب في ذلك يطول ويكثر ، وسنجيبك عليه إن شاء الله بجواب مختصر نجمل لك فيه المعنى ، ونوقفك على الاستواء حتى تفهم في ذلك مرادك ، ويتبين لك إن شاء الله جوابك ، بأصل جامع لهذه الأشياء لا يدفعه إن شاء الله أحد من العلماء.

من ذلك أنا وجدنا الله تبارك وتعالى ألزم من ألزمه من أهل الكبائر القتل على ما يجترم من كبائر عصيانه ، وكذلك فعله فيمن قتل مؤمنا ظلما متعمدا ، وكذلك حكمه فيمن قطع الطريق ، وسفك الدماء ، وكذلك حكمه فيمن عاند أئمة الحق من الباغين ، فأوجب عليهم الحرب والقتال ، والقتل والنكال ، حتى يفيئوا إلى أمر الله ، ويرجعوا إلى حكم الله. فلما وجدنا حكمه سبحانه ـ فيمن بغى من أهل القبلة وتعدى ـ القتل والقتال حتى يرجعوا إلى الحق في كل قول وفعال ، علمنا أنهم في ذلك الوقت ـ وقت وقوع القتل بحكم الله عليهم ووجوب الهلكة فيهم ـ لله أعداء مباينون ، وحرب لله سبحانه محاربون ؛ لأنه سبحانه لا يوجب الحرب والقتل على ولي من أوليائه ، ولا يحكم به سبحانه إلا على عدو من أعدائه ، ولم نجد الله سبحانه عادى إلا كافرا ، ولا والى إلا مؤمنا. فلما أن قتلهم بحكمه ، ومثّل بهم سبحانه بأمره ، علمنا أنهم من الموالاة أبرياء ، وأنهم له بأحق الحقائق

٥٨٣

أعداء ، وأنه لن يعادي سبحانه مؤمنا تقيا ، ولن يباين بالمحاربة له عبدا زكيا. فصح عندنا بإباحة الله لدمائهم ، وافتراضه ما افترض على المؤمنين من جهادهم ، أنهم على غير ما ارتضى ، وأن فعلهم على خلاف ما أحب (٥٧٤) وشاء. ومن كان فعله على خلاف إرادة الله فليس من المؤمنين ، ومن كان اختياره غير ما اختار الله فليس من المتقين ، ومن ترك فرائض الله وسعى في ضدها من حرام الله فليس من المهتدين ، ومن كان كذلك فهو لله من العاصين ، ومن عصى الله وفسق في دينه ، وخالف أمره في نفسه أو غيره ، فلم يحكم في فعله بحكم الله ، ومن لم يحكم بما أنزل الله فهو من الكافرين ، وفي ذلك ما يقول أحكم الحاكمين فيما نزل من الكتاب المبين : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) [المائدة : ٤٤] ، فأخبر سبحانه بالدلالة على الكافرين ، ووصفهم بالعدول عن شرائع الدين ، ومن عدل عن شرائع الدين ولم يحكم في فعله بحكم رب العالمين ، فهو في حكم الله عنده من الكافرين ، لا يسميه ذو عقل وبيان فيما أتى به من المعاندة لحكم الله من العصيان إلا بما سماه الله سبحانه من الكفران.

ومن الحجة في ذلك : أنا لم نجد أصل الكفر والشرك ـ من عبادة الأوثان ، وعبادة الشيطان ، وعبادة النجوم ، والأنصاب والنيران ، والدعاء مع الله إلها آخر ـ غير المعصية ، بل وجدنا هذه الأنواع كلها من المعصية لله سبحانه فيما صح عندنا أن من عبد من دون الله غيره أنه لم يعبده إلا بمعصية الله سبحانه ؛ لأن الله جل ذكره نهاه أن يعبد معه غيره ، فتعدى أمره فكان له عاصيا ، وكان بعصيانه له كافرا ، إذ نهاه أن يعبد معه سواه ، فعبد معه غيره.

وكذلك اليهود والنصارى لم نجد أصل كفرهم وشركهم إلا معصية الله في محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولو اطاعوا الله في محمد والتصديق بما جاء به من عند الله لكانوا مؤمنين ، فثبت عليهم الشرك لمعصية الله وترك طاعتهم لمحمد ، وهم بالله مقرون وله فيما أمر به عاصون ، فلما أن عصوه في أمره كانوا عنده كافرين ، وفي حكمه فاسقين.

__________________

(٥٧٤) في (ب) و (د) : ما أوجب.

٥٨٤

وكذلك من ينتحل اسم الإسلام والإيمان ، وهو مقيم لله سبحانه على كبائر العصيان ، فحاله عندنا حال من ذكرنا من العاصين ، وإن كانوا بمحمد من المقرين ، فهو مقر بلسانه جاحد بفعله ، عن الله معرض بقلبه ، وقد أبى الله عزوجل أن يكون من كان كذلك أو على شيء من ذلك مؤمنا ، حتى يقيم شرائع الإيمان بفعله ، ويصحح القول بعمله وفي ذلك ما يقول الله تبارك وتعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [الحجرات : ١٥] ، فدل بقوله إنما المؤمنون الذين آمنوا وفعلوا ، على أن من لم يفعل ذلك فليس من المؤمنين ، ومن لم يكن من المؤمنين فليس من المتقين ، ومن لم يكن من المؤمنين المتقين فهو من الكافرين الفاسقين. وفي ذلك ما يروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه أنه قال : «الإيمان قول مقول ، وعمل معمول ، وعرفان بالعقول.» ، فبين أن العمل أصل الإيمان ، وأن من لم يكن له عمل زكي فليس بمؤمن تقي ، ومن لم يكن مؤمنا مرضيا فهو كافر شقي. والاحتجاج في هذا فكثير ، وقليله يجزي عن كثيره ، لبيانه لمن علم ، ووضوحه لمن فهم ، وفي الأقل مما به احتججنا من القول كفاية لأهل المعرفة والعقول.

ومما يقال لمن زعم أن من قال بلسانه وترك العمل بجوارحه مؤمن أن يقال له : خبرنا عن من قتل النفس التي حرم الله ، وزنى ، وشهد شهادات الزور ، وأكل الربا ، وقبل الرشا ، وظلم المسلمين ، وعطل أحكام رب العالمين ، وشرب الخمر ، وترك الصلاة ، وأفطر شهر رمضان ، ولم يؤد زكاة ، وركب الذكور من الغلمان ، ولم يحل حلالا فيفعله ، ولم يحرم حراما فيتركه ... هل يكون من كانت فيه هذه الصفات مؤمنا حقا عندك؟

فإن قال : نعم.

قيل له : فالواجب في القياس والحق أن يكون من أقام الصلاة ، وآتى الزكاة ، وحج البيت ، وأتم الصيام ، وحافظ على الصلاة ، واجتنب الزنى ، ولم يركب الذكران ، ولم يشهد شهادات الزور ، ولم يأكل الربا ، ولم يقبل الرشا ، ولم يسفك الدماء على غير حلها ، ولم يأكل أموال المسلمين ، ولا أموال اليتامى ، ولم يحرم لله حلالا فيتركه ، ولم يحلل له حراما فيفعله ، وكان بالله عارفا ، وعن محارمه واقفا كافرا في قولكم حقا ؛ لأن هذين المعنيين المتضادين لا بد أن يفترق معناهما ، ويختلف سبيلهما ، فيكونان

٥٨٥

باختلافهما متباينين ، ويكون أهلهما والفاعلون لهما أيضا مختلفين ، فيجب ما وقع لفاعل أحدهما من اسم وقع ضد ذلك الاسم لفاعل الصنف الآخر. والاسمان المتضادان فهو الإيمان والكفر ، وحيث شئت من هذين الصنفين فأوقع اسم الكفر ، فليس يقع معه اسم الإيمان ، وحيث وقع اسم الإيمان فلن يقع معه اسم الكفر ؛ لأن الاسمين مختلفان متضادان ، ولا يجتمعان في معنى واحد ، كما لا يجتمع ليل ولا نهار في حالة واحدة ، ولا حياة ووفاة على جسم واحد في حالة واحدة. فلا بد لمن سئل عن مثل هذا القول أن يقول الحق ، فيعلم أن الإيمان مع الطاعة ، وأن الكفر مع المعصية ، فيكون من أهل الحق ، ويرجع إليه ويعتمد عليه ، أو ينبذ الحق بعد وضوحه ، ويعاند الصواب بعد شروعه ، فيزعم أن من كانت فيه هذه الشروط المنكرة الفاحشة من معاصي الله والمحاربة له مؤمن بالله ، فيزعم أن الله حضّ على معاصيه ، ورضي بالمعصية لعباده ، وجعل العاصين المتكبرين على رب العالمين إخوة للملائكة المقربين ، وأنهم عند الله خيرة مصطفون ؛ لأن الله عزوجل يقول في كتابه : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات : ١٠] ، والأنبياء والملائكة إخوة للمؤمنين من الآدميين ، ومن زعم أن أهل المعاصي إخوة للملائكة المقربين ، فقد زعم أنهم صفوة الله وخيرته ، وأحباؤه وأهل ثوابه وسكان جنته ، ومن زعم أن الله أسكن جنته المحاربين له العاصين ، وأنه آخى بينهم وبين الملائكة المقربين ، فقد لزمه ووجب عليه في القياس والحق اللازم أن يقول إن الله باعد بين المطيعين العابدين من عباده القائمين القانتين ، الحاكمين بكتابه ، المحتذين بحذو أنبيائه ، وبين رسله وبين الملائكة ، فلم يجعلهم لهم إخوة بطاعتهم له ، وأنه يسكن أولياءه وأهل طاعته ناره ، ويصليهم جحيمه ، ومن قال بهذا ولزمه فقد خرج من حد الإسلام ، وصار عند الله من الجهلة الطغام ، وكان عند الله أولى بالعذاب ممن جعله الله من المؤمنين أهلا للثواب. فميّز رحمك الله ما قلنا ، واستعمل فكرك فيما ذكرنا ينجل لك بذلك الصواب ، وينكشف عن قلبك سجف (٥٧٥) الارتياب.

__________________

(٥٧٥) السجف : الستر. ا ه القاموس.

٥٨٦

إقامة الحد على من لم يشمله عطاء الإمام

وسألت فقلت : كيف تقيم الحد على من لم تشمله جزايتك من العطاء والكسوة ، ولم يستمع ما فيه حياته من العلم؟

وهذا قول مختلف ؛ لأن معنى من لم ينله الإحسان من العطاء والكسوة في مضيّ الحكم عليه خلاف من لم يسمع ما فيه حياته من العلم والهدى ، وسنبين لك إن شاء الله القول في المعنيين ، ونوضح لك القول في المسألتين ، ونوضح لك فعل الإمام في الحالين.

فأما من لم تبلغه الدعوة ، وتقم عليه بذلك الحجة ، ويعلم ما يحل وما يحرم ، وما يجب به عليه الحد عند الإمام ، فلا نذيقه بأسنا ، ولا نقيم عليه حدودنا ، حتى نعلمه ما به تقوم عليه الحدود ، وتلزمه العقوبات اللازمة.

فإذا علم ذلك وأتى عليه ، وعرف ما له وعليه فيه ، وأتى قولنا على سمعه ، وثبت إعذارنا وإنذارنا في قلبه ، ثم أتى بعد ذلك ما عنه نهاه الواحد الرحمن ، واجترى على ما يجب فيه الحد في القرآن ، أقمنا عليه بما أوجب الله من الأدب من بعد أن فهم وأبصر ، وأيقن وخبر.

فأما أن نقيم الحدود على من لا يعلم حلالا من حرام ، ولم يقف على ما فيه الحدود من الآثام ، فليس ذلك قولنا ، ولا ـ ولله الحمد ـ طريقتنا ، وكذلك فعل الله في خلقه وحكمه على بريته ، وحجته على خليقته ، فلا تقع ولا تجب إلا بعد تعريف الله عباده إياها ، وإيقافه لهم عليها.

فأما ما قلت من إقامة الحد على من لم ينله منا الكسوة والعطاء ، فليس الكسوة والعطاء يوجبان حجة. والحدود ماضية على من لم ينل ذلك منا من بعد ما ذكرنا من التفهيم له ، والهداية إلى الحلال والحرام والتوقيف ، ولسنا ندفع عنه بعد تعريفه ما يجب عليه فيه الآداب حدود الله ببطء ما يؤمل منا من الرفد في كل الأسباب ؛ لأن الرفد ، وإن أبطأ مصيره إليه ، لا يدفع عنه حدا إن وجب في حكم الله عليه.

وكيف يندفع عنه حكم الله الجاري عليه على يدي الإمام في أمر يلزمه الحكم عليه في الآخرة عند ذي الجلال والإكرام ، والمعنيان كلاهما من الله حكم لازم على الفاعل؟ فكيف

٥٨٧

يلزم الله عبدا من عباده على فعل من أفعاله حكما حكم به عليه ، وجعله واجبا بفعله عليه في دار الآخرة الباقية ، ويزيله عنه في دار الدنيا الفانية؟ فهذا ما لا يكون ولا يصح في العقول ، بل كل ما كان عليه العبد من الفعل معاقبا في الآخرة فعقوبة الله له عليه في الدنيا لازمة ، وما سقطت عقوبة الله عنه فيه في الآخرة كانت عقوبته ساقطة عن فاعله في الدنيا. ألا ترى كيف أزحنا عن الجاهل بالحلال والحرام ، ومن لم يعرف ما تجري عليه فيه الحدود من الفعال العقوبة في الدنيا ، بتركنا له وطرحنا عنه ما ألزمناه غيره ممن فهم أمرنا ، ووقف على ما يلزم فيه أدبنا ، وتجب به عليه حدود ربنا. وإنما طرحنا ذلك عنه ولم نحكم به فيه ؛ لأن الله سبحانه أسقط عمن كان كذلك عقوبة الآخرة ، فلما سقطت عنه عقوبة الله في الآخرة زالت عنه في الدنيا عقوبة الأئمة.

فافهم الفرق بين المعنيين ، وقف بصافي فكرك ولبك على الحالين.

فأما ما يذكر عن جدي صلوات الله عليه محمد بن إبراهيم (٥٧٦) القائم بالكوفة ، الذي صحبه أبو السرايا (٥٧٧) ، من تخليته للسارق الذي خلاه ، وتركه لم يقطع يده ، وقوله في

__________________

(٥٧٦) الإمام محمد بن إبراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام. أحد الأئمة الدعاة إلى دين الله ، كان جامعا لخصال الفضل والكمال ، من عيون العترة وفضلائهم في عصره ، دعا إلى الله تعالى بالكوفة سنة ١٩٩ ه‍ فبايعه فضلاء أهل البيت في عصره ، وغيرهم من علماء الأمة ، وكان بطلا شجاعا ، قال فيه الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة في الشافي : «إنه أشجع من ركب في الروح» ، وبعث دعاته بالآفاق ، فبعث أخاه الإمام القاسم بن إبراهيم إلى مصر ، وزيد بن موسى بن جعفر إلى البصرة. ورويت فيه أخبار تدل على فضله وتبشر به ، عن الإمام زيد ، وعن الإمام زين العابدين علي بن الحسين ، رواه في الشافي وفي مقاتل الطالبيين وفي الحدائق الوردية. وقتل في عصره من الجنود العباسية زهاء مائتي ألف من جنودهم ، وتوفي عليه‌السلام شهيدا لليلة خلت من رجب سنة ١٩٩ ه‍ ، وعمره ٢٦ سنة.

(٥٧٧) أبو السرايا ، اسمه السري بن منصور الشيباني ، أحد القادة العظماء ، والأمراء المخلصين في ولائهم لأهل البيت عليهم‌السلام. كان شجاعا بطلا مقداما ، قائد الجيوش الإمامية النبوية في عهد

٥٨٨

ذلك : «لم يذق عدلنا فنجري عليه حكمنا.».

وإنما أراد بقوله : (عدلنا) أي : تعليمنا وتفهيمنا ، وتوقيفنا له على حلال الله وحرامه ، حتى يعلم ما يجب به عليه القطع من غيره ، وما يجب به عليه الحدود كلها.

وكذلك فعلنا نحن أيضا في بعض ما دخلنا من القرى ، فأتينا بسكران من جانب المسجد ، وكان ذلك في وقت ما دخلنا ، فسألناه عن فعله فذكر أنه لم يعلم أنا نحرم الخمر ، ولا أنا نحد عليها ، ولا أنه يكون منا أدب فيها ، فأزحنا عنه الحد بما أدلى به من جهله ، وعرفنا له الحق علينا من أمره. وذلك أن سيرتنا والواجب علينا إذ دخلنا بلدا أن نكتب كتابا نبين فيه للأمة ما نقيم فيه الحدود عليها ، ثم نقرأه عليها في أسواقها ، ومساجدها ، ومواضعها ، ومجتمعاتها ، فإذا أثبتنا ذلك لها ، وأعذرنا وأنذرنا بالحق إليها ، جرت بعد ذلك أحكام الله سبحانه عليها ، ومضت حدوده سبحانه فيها. وإنما فعلنا ذلك لعلمنا بكثرة الجهال ، وغلبة الضلال ، وقلة الهدى ، وتراكم الغفلة والهوى ، وذلك لفقدان الدعاء ، وعدم أهل التقوى ، وبعد الأئمة الهادين ، وقرب الأئمة الفاسقين ، الذين لا يلزمون أنفسهم تعريف الأمة رشدا ، ولا اكتسابها برا ولا هدى. فلما كانت أئمتهم كذلك ، كانوا هم أشر من ذلك ، فعموا عن الدين ، وجهلوا فروض رب العالمين ، ولم يعلموا حراما من حلال ، من قول ولا فعال. شابهوا أئمتهم في فعلهم ، واقتدوا بهم في أديانهم ، فهم بأديان أئمتهم يقتدون ، وفي عمى كبرائهم يعمهون. لم يروا محدودا على حد فيخافوا ما ناله ، ولم يروا مهتديا فيتبعوا حاله. ضلّال أشقياء ، متجبرون أردياء ، قد غرقوا في الضلال المبين ، وجنبوا عن طريق الحق واليقين. أتباع كل ناعق ، سيقة كل سائق ، لا يعرفون سبيل رشد فيتبعوه ، ولا طريق هلاك فيتجنبوه. قد اتخذهم كبراؤهم سندا ، وجعلوهم لهم يدا ، يطفئون بها نور الهدى ، ويقتلون بها أهل التقوى ، ويظهرون بها الفحش والردى ، ويخملون بها نور الإسلام ، ويظهرون بها أفعال الطغام ، ويحاربون بها من

__________________

الإمام محمد بن ابراهيم عليه‌السلام. وكان سياسيا محنكا ، أثنى عليه أئمة أهل البيت وشيعتهم ، ولا يسمع فيه قدح أحد من المنحرفين ، توفي سنة ٢٠٠ ه‍ ، رحمة الله عليه.

٥٨٩

دعى إلى دين محمد عليه‌السلام. يتبلغ الجبارون المتكبرون بأتباعهم المتحيرين ، وينالون بهم معصية رب العالمين.

فلما أن علمنا أن هذه حالهم ، ووقفنا على أنها سبيلهم ، لم نستجز بعد ملكهم والقهر لهم ، والعلو بعون الله على جبابرتهم ، أن نقيم الحدود فيهم مع ما قد علمنا من جهلهم ، حتى نبين لهم ما ندعوهم إليه ، وما نوقفهم عليه ، ثم نمضي الحدود بعد الإنذار والإعذار ، (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ).

تسبيح الأشياء وسجودها لله تعالى

وسألت أكرمك الله : عن قول الله سبحانه : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [الإسراء : ٤٤]؟

واعلم أن معنى هذا وأحسن ما يؤول في فهمنا ، أن الله تبارك وتعالى أراد بذلك أنه ليس من شيء إلا وفيه من أثر صنعه وتدبيره وتقديره ما يدل على جاعله ومصوره ، ويوجب له سبحانه على من عرف أثر صنعه فيه التسبيح والتهليل ، والإقرار بالوحدانية والتبجيل ، عند تفكر المتفكر ، واعتبار المعتبر ، بما يرى من عجائب فعله جل جلاله ، فيما خلق من عروق الأشجار الضاربة في الثرى ، وفروعها الباسقة في الهواء ، وما يكون منها من ثمار مختلفة شتى. فإذا نظر إلى أثر تدبير الجبار فيها ، أيقن بالصنع ، وإذا أيقن بالصنع أيقن بالصانع ، فإذا استدل على الصانع ثبتت معرفته في قلبه ، ورسخت وحدانيته في صدره ، فإذا ثبتت المعرفة في قلب المعتبر ، وصحت في جوارح الناظر ، نطق لسانه بالتسبيح لجاعل الأشياء ، وظهرت منه العبادة لصانعها.

فهذا معنى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) ، لمّا كان في الأشياء كلها الدليل على جاعلها ، وفي الدليل على جاعلها ما يوجب الإقرار به ، وفي الإقرار به ما يوجب ذكره بما هو أهله من التقديس والتبجيل ، والتسبيح والمعرفة والإقرار بقدرته جاز أن يقال : يسبح ؛ إذ كان بسببه التسبيح من المسبّح المستدلّ على ربه ، بما بين له في كل شيء من أثر صنعه ، فقال : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) ، وهو يعني بالتسبيح

٥٩٠

تسبيح المسبحين لسبب أثر الصنع من المعتبرين بذلك ، فجاز ذلك ، إذ كان بسبب أثر الصنع في هذه الأشياء كان التسبيح فيها من المسبحين ، المقرين بالله المعترفين.

وما التسبيح إلا كقول الله عزوجل : (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) [النمل : ٤٠] ، وليس الله يزين لأحد قبيحا ، ولكن لما كان سبب زينة الدنيا وما فيها من الله خلقا وجعلا ، وكان منه الإملاء للفاسقين ، والتأخير الذي به تزينت أعمالهم ، جاز أن يقال : زينا ولم يزين لهم سبحانه قبيحا من فعلهم.

كذلك قوله سبحانه : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا) [الكهف : ٢٨] ، فليس الله سبحانه يغفل قلب أحد عن ذكره ، ولا يصرفه عن معرفته ، ولكن لما أن كان منه سبحانه ترك المعاجلة للمسيء على فعله ، والتأخير له في أجله ، جاز أن يقول : أغفلنا ، إذ كانت الغفلة هي الإعراض والترك للحق والتوبة والإنابة ، فجاز من قبل إملاء الله وتأخيره للمسيء المذنب أن يقول : أغفلنا على مجاز الكلام ، ومثل هذا كثير في القرآن ، يعرفه ذو الفهم والبيان.

ومما حكى الله عزوجل عن ولد يعقوب عليه‌السلام : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها) [يوسف : ٨٢] ، فقالوا : القرية ، والقرية فإنما هي البيوت والدور ، وليس البيوت والدور تسأل ، وإنما أراد أهل القرية ؛ لأنها من سبب الأهل ، والأهل من سببها ، فجاز ذلك في اللغة العربية. وكذلك قولهم : (الْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها) ، والعير فإنما هي الجمال المحملة ، وليس الجمال تسأل ولا تجيب ولا تستشهد ، وإنما أرادوا أهل الجمال وأرباب الحمولة ، فقالوا : سل العير ، وإنما أرادوا أهلها.

فكذلك قوله سبحانه : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) [الإسراء : ٤٤] ، يريد وإن من شيء إلا وهو يوجب التسبيح على من اعتبر ونظر ، وفكر في أثر صنع الله بما فيه ، فجاز أن يقال : وإن من شيء إلا يسبح بحمده ، لما أن كان أثر الصنع فيه موجبا للتسبيح لصانعه على المعتبرين من عباده.

فأما قوله : (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [الإسراء : ٤٤] ، فهو ذم لمن لم يعتبر ، ويستدل بآثار الصنع في الأشياء ، فقال : (لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) ، يريد : لا تفقهون ما به من أثر الصنع فيها ، الذي يوجب التسبيح للصانع والإجلال والتوقير ، وكان ذلك ذما لمن لا يعتبر

٥٩١

ولا يتفكر ، ولا يحسن التمييز في أثر صنع الله ، فيعلم بأثر صنعه ما يستدل به على قدرته ، ويصح لربه ما يجب بمعرفته من توحيده ، والإقرار بربوبيته.

وأما قوله : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) [الرحمن : ٦] ، فقد قال بعض العلماء : إن معنى السجود سجود ظلال الأشياء ووقوعها على الارض. وقال بعضهم إن هذا على المثل يقول : إنه لو كان في شيء من الأشياء من الفهم والتمييز مثل ما جعل الله في الآدميين والشياطين والملائكة المقربين إذا لعبد الله كل شيء وسبحه بأكثر من عبادة الآدميين وتسبيحهم. فجعل هذا مثلا كما قال سبحانه : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) [الأحزاب : ٧٢] أراد تبارك وتعالى أنه لو كان في السموات والأرض والجبال من الفهم والتمييز ما في الآدميين ، ثم عرض عليها ما عرض على الآدميين من حمل الأمانات التي قبلها الآدميون ؛ لأشفقت السموات والأرض والجبال من حملها ، ولما قامت بما يقوم به الآدمي من نقضها ، مع ما في الأمانة من الخطر وعظيم الأمر على من لم يؤدها على حقها ، ويقم بها على صدقها.

والأمانة على صنوف شتى : فمنها قول الحق وفعله ، ومنها أداء الشهادة على وجهها ، ومنها أداء الحقوق إلى أهلها من النبيين والمرسلين والأئمة الهادين ، ومنها الودائع من الأموال وغيرها ، ومنها ودائع العهود والعقود من متابعة المحقين ، ومعاهدة الأئمة القائمين ، ومنها العقود التي قال الله تبارك وتعالى فيها وفيما عظم من خطرها وأجلّ من أمرها : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة : ١] ، فكل ما ذكرنا فهو أمانة عند العالمين ، واجب عليهم تأديتها عند رب العالمين.

وأحسن ما أرى والله أعلم ، وأحكم في تأويل قوله سبحانه : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) ، أنه أراد بقوله يسجدان ومعنى يسجدان : فهو لما فيهما من التدبير ، وأثر الصنع والتقدير لله الواحد القدير ، فإذا رأى المعتبرون المؤمنون ما فيهما من جليل صنع الله وعظيم جعله لهما ، وما سخرهما له وجعلهما عليه من جولان النجم في الأفلاك ، تارة مصعدا ، وتارة منحدرا ، وتارة طالعا ، وتارة آفلا ، تقديرا من العزيز العليم ، لما أراد من الدلالة على الدهور والأزمان ، والدلالة على عدد الشهور والسنين والأيام للإنسان ، فإذا

٥٩٢

رأى ذلك كله مسلم تقي ، أو معتبر مهتد ، سجد له بالمعرفة والإيقان ، واستدل عليه سبحانه بذلك الصنع في كل شأن ، فعبده عبادة عارف مقر ، عالم غير منكر ، فسجد له متذللا عارفا ، مستدلا عليه سبحانه بما أبصر من الدلائل في النجوم عليه.

وكذلك حال الشجر ، وما فيه من عجائب الصنع والتدبير ، وما ركّبه الله سبحانه عليه من التقدير في ألوان ثمارها وطعومها ، واختلاف ألوانها ، وهي تسقى بماء واحد ، وتكون في أرض واحده ، كما قال الله سبحانه : (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [الرعد : ٤] ، فكل ذلك من اختلافها دليل على قدرة جاعلها ، ووحدانية فاطرها. فهذا أحسن المعاني عندي ـ والله أعلم وأحكم ـ في يسجدان : أنه يسجد من أثر الصنع فيهما ، وأثر القدرة في تقديرهما كلّ مؤمن عارف بالله ، مقر بصنع الله وحكمته ، يستدل عليه بأثر قدرته. فافهم ما به قلنا في قوله : (يَسْجُدانِ) ، وتفكر فيما شرحنا ، وميز قولنا يبن لك فيه الصواب ، ويزح عنك فيه الشك والارتياب.

علم العبد أنه صادق عند ربه

وسألت فقلت : متى يعلم العبد أنه صادق عند ربه؟

والجواب في ذلك أنه إذا علم من نفسه أنه مطيع لله غير عاص ، صادق غير كاذب ، وقائم بحجته غير مقصر ، ومؤمن لنفسه من عقوبة ربه ، بما يكون منه من طاعة خالقه ، وترك جميع ما يسخط سيده ، فهو ـ إذا أيقن من نفسه بذلك ـ صادق عند ربه ، مقبول ما يكون من عمله محمود في كل فعله.

وسألت عن لقاح العقل؟

وسألت عن لقاح العقل؟

ولقاح العقل فهو التجربة ؛ لأن كل شيء يحتاج إلى العقل ، والعقل محتاج إلى التجربة ومضطر إليها ، غير مستغن عنها.

٥٩٣

رياضة النفس

وسألت عن رياضة النفس : ما هي وكيف تكون؟

واعلم رحمك الله ووفقك ، وهداك للرشد وسددك ، أن رياضة النفس على صنوف ، يجمع الصنوف المختلفة أصل واحد تكون فيه مؤتلفه ، وهو ترغيبها فيما أعد الله للمتقين ، وجعل سبحانه في الآخرة من الثواب للمؤمنين ، وحكم به من الفوز لأوليائه الصالحين ، والترهيب لها بما أعد الله للعاصين من العذاب المهين ، وشراب الحميم ، وطعام الزقوم ، وما أشبه ذلك من ألوان العذاب المقيم ، فهذا أصل رياضة النفس.

ومن فروع ذلك ما روي عن بعض الصالحين فيما كان يرهب به نفسه مما يشبهه بعذاب رب العالمين ، من أنه كان ربما لذع نفسه بالنار إذا طمعت أو همت بالمعصية أو طغت ، فإذا وجدت حرقة النار قال : هذا جزعك من هذه النار الصغيرة ، فكيف تدعيني إلى ما يدخلنى وإياك النار الكبيرة.

ومن رياضة النفس : ما ذكر عن بعض الصالحين من أنه كان يخلو ثم يخاصم نفسه بأرفع ما يكون من الصوت ، كما يخاصم الخصم خصمه ، ويحاور الضد ضده ، فيقول : فعلت بي كذا وكذا ، وفعلت بي كذا وكذا ، وهذا هلكتي وهلكتك ، وتلفي وتلفك ، فلا يزال كذلك حتى تنكسر له نفسه ، وتراجع له.

ومن رياضة النفس : ما هو فرع للأصلين اللذين أثبتناهما ، وذكرناهما لك وفسرناهما : تذكرها للموت والفناء ، وخروجها مما تميل إليه من لذات الدنيا ، وانتقالها من دار سرورها ورخائها ، إلى دار فنائها وبلائها ، وما يكون من تمزق بدنها في الثرى ، ثم ما يكون من بعده من الحسرة في يوم الدين ، والمحاسبة لها من رب العالمين.

ومن رياضتها : تذكيرها هول الوقوف في يوم الحشر ، وما في كتاب الله من وصف حال يوم النشر.

فهذا وما كان متفرعا من الأصلين فهو رياضة النفس وتوقيفها ، وردها إلى الحق وتعريفها ، وأصل ذلك كله وفرعه والذي هو عون لصاحبه على نفسه فهو إخلاص النية إلى ربه ، والاستعانة به على نفسه ، فإن من خلصت له نيته ، وصلحت له علانيته ، أصلح

٥٩٤

الله له سريرته ، وقوّاه على إرادته بالتوفيق والتسديد ، والمعونة والتأييد ؛ لأنه إذا كان منه ما ذكرنا من إخلاص النية والإرادة ، والإقبال إلى الله والتوبة ، فقد اهتدى وإذا اهتدى فقد قبله الله سبحانه فزاده هدى ، ومن زاده هدى فقد أوجب له الحياطة في كل معنى ، ومن حاطه الله وهداه ؛ فقد أعانه على طاعته وتقواه.

علم العبد أنه مجتهد في إرضاء الله

وسألت فقلت : متى يعلم العبد أنه مجتهد في رضاء الله؟

فالجواب : إنه لا يعلم بحقيقة العلم أنه مجتهد لله فيما يرضيه حتى يعلم أبدا أنه لا يعصيه ، فإذا وثق من نفسه أنه لا يأتي لله معصية ، ولا يترك له فريضة ، فعند علمه بذلك من نفسه يعلم أنه مجتهد في رضاء ربه. فعلمه باجتهاده في رضاء ربه تابع لعلمه بالائتمار بأمره ، والانتهاء عن نهيه ، وعلى قدر ما يكون الائتمار من العبد بأمره والانتهاء عن نهية يكون الاجتهاد منه في رضاء خالقه.

علم العبد أنه قد استوجب الجنة

وسألت فقلت : متى يعلم العبد انه قد استوجب الجنة من الله سبحانه؟

الجواب في ذلك : إذا علم بحقيقة العلم أنه قد أخلص التوبة النصوح إلى الله ، وأنه لا يدخل في معصية من معاصي الله ، وأنه لا يدع شيئا من فرض الله ، ثم علم أن ذلك منه بإخلاص واستواء ، وثبات ونية وتقوى ؛ فليعلم عند ذلك أنه من المؤمنين ، وقد أخبر الله بمحل المؤمنين فقال سبحانه : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة : ١٨] ، فإذا أيقن بذلك من نفسه وعلمه ، فليعلم أنه قد صار من أهل الجنة كما ذكر الله في كتابه في هذه الآية التي ذكرنا.

٥٩٥

المساواة في الحق بين الغني والفقير

وسألت فقلت : أكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما يساوي بين الأغنياء والفقراء في الحق؟

وكذلك لعمري كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فإن كنت تريد بقولك : يساوي بينهم في الحق ، أي : يساوي بينهم في الحكم ، وينصف كلا من صاحبه فكذلك لعمري كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وإن كنت تريد بقولك يسوي في الجوائز في العطاء والرزق ، فنعم ، قد كانوا عنده في ذلك سواء ، فيما يجب لهم ويجرى عليهم ، مما تجب التسوية بينهم فيه ، مثل قسم الفيء وقسم الغنائم. وأما في أرزاق المرتزقين ، وسهام الأجناد المتجندين ، فلا يستوون في ذلك ، ولا يكونون في الحق (٥٧٨) سواء كذلك ، بل الأرزاق للمرتزقين على قدر ما يرى إمام المسلمين من جزايتهم وعنايتهم ، وحاجتهم إلى ما كفهم وأغناهم ، وقام بأسبابهم ، فعليه في ذلك حسن النظر لهم ، والتمييز في كل ذلك بينهم.

أخذ الجزية من العروض

وسألت فقلت : أكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأخذ من أهل الذمة ثوبا عسكريا وغيره من العروض من الإنسان منهم؟ ومن أين جاز أن يؤخذ اليوم منهم ثمانية وأربعون درهما ، وأربعة وعشرون ، واثنا عشر؟

القول في ذلك : أنه كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أمره الله بأخذ الجزية من جميع أهل الذمة أخذ منهم ما أمر به ، فكان ما أمر به أن يأخذ من ملوكهم ثمانية وأربعين درهما ، ومن أوساطهم أربعة وعشرين درهما ، ومن فقرائهم اثني عشر. ولم يكن في دهره ولا في أرضه ولا في دار هجرته في ذلك الوقت من ملوكهم أحد ، وكان كل من

__________________

(٥٧٨) في (ب) و (ج) : في الجوائز.

٥٩٦

كان معه في دار هجرته فقراء وأوساطا ، أصحاب اثني عشر وأربعة وعشرين ، وكانت الدراهم تعسر بهم ، ولا يتهيأ في ذلك الوقت معهم ، فكان يأخذ منهم عروضا من ثياب وغيرها بالقيمة التي يقومها من يفهمها ويبصرها. وكذلك فعل من كان بعده أخذوا من أهل الجزية حين وصلوا إلى أهل اليسارة منهم أخذوا الثمانية وأربعين درهما التي ذكرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الله ، وأمر بها فيهم بأمر الله ، وكذلك أيضا لو عسرت اليوم عليهم الدراهم لأخذنا من كل إنسان من تجارته وبضاعته عرضا بقيمة الدراهم ، إذا صح عسرها عليهم ، وثبت امتناعها منهم.

كلام أهل الجنة لأهل النار

وسألت عن كلام أهل الجنة لأهل النار في قولهم : (فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ). فقلت : أمثل هو مضروب ، أم قول مقول؟ وقلت : هل يقرب بينهما حتى يكلم بعضهم بعضا؟

واعلم ـ هديت ووفقت ـ أنه قول مقول منهم ، وعمل معمول من فعلهم.

فأما ما سألت من القرب بينهم حتى يسمع بعضهم قول بعض ، فليس ذلك كذلك فيهم ، ولا ذلك فعل الله تبارك وتعالى بهم ، وكيف يسمع أهل الجنة كلام أهل النار ، وهم لا يسمعون حسيس النار. فحسيس النار أشد حسا وأبعد صوتا من كلام أهلها الذين ذكر الله عنهم ، وشرح سبحانه أنه يكون منهم ، ألا تسمع كيف يقول سبحانه : (لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ) [الأنبياء : ١٠٢] ، فأخبر أن المؤمنين لا يسمعون لها حسيسا ، وأنهم عنها مبعدون. وإنما كلامهم لأهل النار ، وكلام أهل النار لهم عند قولهم : (أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) [الأعراف : ٥٠] ، فهو بالرسائل التي تبلغها الملائكة عنهم ، وتمشي بها بينهم ، وذلك منها صلوات الله عليها فبإذن لها من الله فيه ، وتقدير منه سبحانه لها عليه. وإنما جعلهم الله كذلك ، وأذن لهم في ذلك ؛ ليكون ذلك سرورا للمؤمنين ، ومعرفة منهم بما نزل بالمكذبين الضالين ، فيتجدد لهم بذلك البهج والسرور ، وتكثف لهم به الغبطة والحبور ، ويكون من علم أخبار المؤمنين ، وما هم عليه

٥٩٧

من عطايا رب العالمين ، حسرة في قلوب الكافرين ، وعذابا لهم مع عذاب النار ، وأسفا لما فاتهم من كريم القرار ونعيم الدار ، التي جعلها الله ثوابا للأبرار. فافهم ما عنه سألت ، وقف من الجواب على ما طلبت.

اجتماع أهل البيت الواحد في الجنّة

وسألت فقلت : هل ترد على المؤمنين أزواجهم اللواتي كن معهم في الدنيا؟

واعلم رحمك الله أنهن إن كن مؤمنات مثلهم ، متقيات لله كهم ، جمع الله بينهم في الآخرة الباقية ، كما جمع بينهم في دار الدنيا الفانية. وقد ذكر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن ذلك فقال : نعم يجمع الله بين جميع أهل البيت إذا كانوا مؤمنين في دار ثواب المتقين.

تفسير قول الله سبحانه : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)

وسألت عن قول الله سبحانه : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) [الحج (٤٧]؟

والمعنى في ذلك فهو إخبار من الله سبحانه عن نفاذ قدرته ، وإمضاء مشيئته ، وسرعة فعله ، يخبر سبحانه أنه ينفذ في يوم واحد ما ينفذه جميع الخلق إذا اعتونوا عليه في ألف سنة ، من محاسبة المحاسبين ، وتوقيف الموقفين على ما تقدم منهم من أعمالهم في دنياهم وحياتهم. فهذا معنى ما عنه سألت من قول الله سبحانه : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) [الحج : ٤٧].

كيفية المناصفة بين العباد في الآخرة

وسألت عمن ظلم في الدنيا من دنانير أو دراهم ، كيف يكون لحوقه لحقّه من ذلك في الآخرة وليس في الآخرة دراهم ولا دنانير؟

القول في ذلك : إن الله سبحانه يعطي المظلوم إذا كان مؤمنا من الثواب على ما امتحن

٥٩٨

به من ذهاب ماله في الدنيا فيصبر لله سبحانه على ذلك صبرا حسنا ، فآتاه من الثواب والجزاء أكثر مما لو رد إليه أموال الدنيا ، ويعرفه سبحانه أن ذلك جزاء على ما كان من صبره ، واحتسابه بما ذهب في الدنيا من ماله ، ويستوفي له من ظالمه الفاسق الردي بالزيادة في العذاب الأليم ، حتى يعلم الخائن أن ذلك نزل به خصوصية على مظلمة المؤمن ، ويطلع الله المؤمن على ما أنزل بظالمه ، ويعلمه أن ذلك الذي حل به من الزيادة في العذاب هو من أجل ما غصبه من ماله ، فظلمه به في حقه.

فهذا حال المؤمن المظلوم ، وحال الفاسق الظالم عند الجزاء في الآخرة التي تبقى.

فإن كان الظالم والمظلوم فاسقين ، عذبهما على كفرهما وفسقهما ، وزيد في عذاب الظالم من الفاسقين لصاحبه ، حتى يعلم كلاهما أن تلك الزيادة نزلت بالظالم لتعديه في حكم ربه ، وتناوله لما حرم الله عليه من ظلمه ، ومنع منه من غشمه. فافهم ، هديت ، ما به قلنا ، فيما عنه سألت وشرحنا.

خروج أكثر من إمام في عصر واحد

وسألت عن الأئمة : يخرج واحد واثنان ، وثلاثة وأربعة ، في عصر واحد يكونون أكفياء ، زعمت ، في العلم والجسم والورع ، فقلت : من المستحق منهم؟

واعلم رحمك الله أن الأمر لأفضلهم فضلا ، وأبرعهم معرفة وعلما.

فإن قلت : قد استووا في ذلك ، فلن يستووا ولن يشتبهوا عند من جعل الله له لبا وتمييزا وفهما ، وذلك أنهم إن استووا في الورع فلن يستووا في العلم ، وإن استووا في العلم فلن يستووا في سائر الخصال ، وإن التبس أمرهم في ذلك عند الجهال لم يلتبس أمرهم في التعبير والكلام ، والتبيين والشرح لشرائع الإسلام ، فيكون أولادهم بالإمامة ـ وإن اشتبهوا في العلم والورع والمعرفة ـ أجودهم شرحا وتبيينا وأهداهم إلى تفهيم الرعية ما تحتاج إليه ، وما لا غنى بها عنه ، ولا عذر لها فيه. فمن كان له الفضل في شيء مما ذكرنا ، كان أحق الجماعة بالإمامة من ربنا. فافهم ما قلنا وتبين في مسألتك ما شرحنا.

٥٩٩

من هم أهل الأعراف؟

وسألت عن قول الله سبحانه : (وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ) [الأعراف : ٤٦].

الجواب : في ذلك أن الأعراف : هو ما ارتفع من الأرض وعلا ، وشمخ منها في الهواء ، فتلك أعراف الأرض. والرجال التي عليها في يوم الدين فقد قيل : إنها رجال من المؤمنين (٥٧٩) ، وقيل : إنها الحفظة التي كانت من الملائكة المقربين ، حفظة في الدنيا على العالمين التي قال الله في كتابه وذكرهم وما بيّن من حفظهم لمن كان من الخلق معهم ، حين يقول : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق :] وهذا فأشبه المعنيين عندي ، والله أعلم واحكم.

ومعنى : (يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ) : فهو معرفة أولئك الحفظة لمن كانوا يحفظون.

ومعنى يعرفون : فهو يتعرفون ويتفهمون ، حتى يوقنوا بهم ويعرفوهم ، ويقفوا عليهم ويثبتوهم معرفة.

ومعنى بسيماهم : فهو بحليتهم التي كانوا يعرفونها في الدنيا ، ومعناهم في صفاتهم وخلقهم ، وبنيتهم المعروفة من صورهم.

رفع اليدين في الصلاة

وسألت عن رفع اليدين في التكبير؟

وهذا أمر لا يجيزه في الصلاة علماء آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأن الصلاة إنما هي خشوع وتذلل لذي الجلال والطول. وإرسال اليدين والكف عن رفعهما أكبر في الدين لصاحبهما. وقد قيل إن رفع اليدين فعل جاهلي كانت قريش تفعله لآلهتها

__________________

(٥٧٩) جاء في بعض الأخبار أنه أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وحمزة وجعفر الطيار صلوات الله عليهم أجمعين. ذكر ذلك في أنوار اليقين فيحقق هناك إن شاء الله. تمت من هامش (أ).

٦٠٠