مجموع رسائل الإمام الهادي إلى الحق القويم يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم عليهم السلام

مجموع رسائل الإمام الهادي إلى الحق القويم يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم عليهم السلام

المؤلف:


المحقق: عبدالله بن محمّد الشاذلي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٨

الحكمة من التفاوت في الخلق

فإن قال قائل : وما في التفاوت بين خلقه في الخلق والأجسام والألوان من الحكمة؟

قيل له : في ذلك أحكم الحكمة ، لما فيه من الدليل على صانعه ، والشهادة على جاعله ، والنطق بوحدانية فاعله ، وحكمة مدبره ؛ لأنه لما أن تصرفت خلقهم ، واختلفت ألوانهم ، وتباينت صورهم ، دل ذلك من حالهم على جاعلهم ، وشهدت بذلك حالهم على وحدانية فاعلهم ، وبعده من شبههم ، واقتداره على فطرهم ، ونفاذ إرادته في تأليفهم (٥٥٧) ، فصح له بذلك عند خلقه القدرة ، وثبتت له الوحدانية ، وصحت له دون غيره الربوبية. فهذا باب الحكمة ، وتفسيرها وشرح أمرها وتثبيتها في ظهور ما أظهر الحكيم من خلقه ، وتفضيل من فضّل في الألوان والأجسام ، وما له كانت الأمور من الله سبحانه كذلك ، وأتى تدبيره جل جلاله على ذلك ، وفي ذلك من قولنا وما يشهد لنا عليه كتاب ربنا ، ما يقول الرحمن فيما نزل من النور والبرهان : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ) [الروم : ٢٢].

فافهم ما به قلنا من تسوية الله سبحانه بين عباده فيما أعطاهم من أصول حججه المركبة في صدورهم ، كما ساوى بينهم فيما ألزمهم من أداء فرضه ، وما قلنا به في الزيادة من الله سبحانه في ذلك لمن شاء من خلقه.

نوع التفاوت بين عقل رسول الله وعقل أبي جهل

وإن كنت تريد بقولك : هل كان عقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل عقل أبي جهل؟ أنه مثله في المساواة والموازنة ، والكمال والاستواء ، ومواد زيادات الله له في الهدى والعطاء ، والتفضيل في كل الأشياء ، والزيادة في الفهم وجودة التمييز ... فلا!! ولا

__________________

(٥٥٧) في هامش (أ) بخط عريض : قف على أن دلالة كونه تعالى صانعا مختارا يكفي في الدلالة على القدرة وغيرها من صفاته تعالى كما هو مذهب قدماء أئمتنا عليهم‌السلام. تمت.

٥٦١

كرامة لأبي جهل!! لا يكون عقله في ذلك كعقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأن مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الزيادات والتفضيلات ، والخصائص والكرامات ، والتوفيق والتسديد ، ما لا يكون مع أحد ، وذلك لكرامة الله لنبيه ، واستحقاق نبيه لذلك من الله بفعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ فلما أن فعل ما ارتضاه الله منه من إخلاص النية وجودة البصيرة ، استحق من الله الزيادة.

ما يفضل الله بسبب علمه بحال العبد مستقبلا

فكانت زيادات الله وعطاؤه لنبيه على صنفين ؛ فصنف ابتدأه بما ابتدأ لما قد علم من رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الاستواء ، وأحاط به علمه قبل خلقه للدنيا من إيثار محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على غيره ، وإخلاصه له في جميع أموره ، وأنه يكون على الاستواء وعلى الغاية في الانتهاء ، اختيارا منه لذلك ، وأثرة منه لربه عن غير جبر من الله له ، ولا إدخال له قسرا في طاعته ، بل يكون ذلك منه اختيارا ، وأثرة لله لا اضطرارا. فلما علم الله منه ذلك ، وأنه يكون في جميع الأمور كذلك ، ابتدأه بالكرامة على ما قد علم من غاية فعله ، وصيرورة أمره ، وابتدأه (٥٥٨) بما هو أهله ، عن غير عمل كان منه لربه ، ولا جبر من ربه على شيء تقدم من فعله ، بل على ما قد علم من صيرورة أمره ، وما علمه مما سيكون من اجتهاده في طاعة ربه ، وتقديمه لإرادته على إرادة نفسه.

والصنف الثاني : فزيادات من الله لنبيه على جزاء فعله ، وما ظهر من نصيحته ، وبان من اجتهاده في التثبت لباب اهتدائه ، فزاده الله من بعد فعله لذلك تثبيتا وهدى ، وزيادة التقوى ، كما قال الله سبحانه : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) [محمد : ١٧] ، فكان اهتداء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعظم الاهتداء ، وتقواه أكبر التقوى ، فكانت زيادة الله له أعظم من كل زيادة ، وهدايته له أكبر من كل هدايه ، فكانت هذه زيادة من الله على طريق المجازاة للنبي على فعله ، وكانت الزيادة الأولة

__________________

(٥٥٨) في (ج) و (ب) : فابتدأه.

٥٦٢

منه على ما قد علم من صيرورة أمره. فاجتمعت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاث خصال : ابتداء الله لإعطائه ما أعطاه من حجة العقل التي ساوى بين العباد فيها في الابتداء لتقوم له بذلك عليهم الحجة في بلوغ أداء فرائضه ، واستدراك معرفته ، والإقرار بوحدانيته ؛ وكرامة الله له وزيادته في ابتدائه بما ابتدأه به على قدر علمه لصيرورة أمره واجتهاده في طاعة ربه ، واقتدائه فيما أمر بالاقتداء به وفي ذلك ما يقول الله سبحانه : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) [محمد : ١٧] ، فكملت له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه الثلاث الخصال ، واجتمعت ، والتأمت وتمت مع غيرها من توفيق الله لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتسديده وتأييده ومعونته ، فعاد ذلك كله زيادات في عقله ، وصار له حبيبا في كل أمره.

فكيف يلحق به أبو جهل اللعين ، أو يشابهه أو يساويه في شيء من عطاء رب العالمين؟! وأبو جهل فلم يستحق من الله تعالى زيادة في شيء من أمره ، لا بنية صالحة نواها ، ولا بطاعة لله من ذلك أتاها ؛ فيستحق على نيته ابتداء ، وعلى ما ظهر من عمله بالصالحات جزاء ، فلم يكن معه ـ عليه لعنة الله ـ غير ما كان من ابتداء حجة الله المركبة في صدره ، المجعولة في قلبه ؛ لتكمل بها عليه الحجة ، فترك استعمالها ، ورفض النصفة لها ؛ فصار بذلك ظالما لما في صدره من حجج الله ، فاستوجب لمكابرته لحجج الله عذاب الله وسخطه ، وخذلانه ولعنته. فكابر أبو جهل ما زرع في قلبه ، ورفض ما أمر به من أمر ربه ، فاستأهل من الله جزاء سيئ فعله ، وحاق به كسب عمله ، وصار في الضلالة متحيرا ، وفي اللعنة من الله متصيرا ، بما كان له من حجج الله في صدره مكابرا. فلن تستوى حال من كان عند الله مرضيا مهتديا ، وكان له وليا مواليا ؛ وحال من كان مسخوطا عند الله مخيبا ، وله سبحانه عدوا معاديا في كل حال من الحال ، وفي كل قول وفعال. لا يستوي ولي الله وعدو الله عند الله في حالة ، ولا تتقارب منهما عنده منزلة ، لا في ثواب ولا في عطاء ، ولا في زيادة ولا هدى. حال أولياء الله عند الله حال الكرامة والثواب ، وحال أعداء الله عند الله حال الخذلان والعقاب. فالحمد لله الذي ميز بين خلقه ، وصدقهم في ذلك ما أوجب لهم من وعيده ووعده.

٥٦٣

تسويغ التفضيل بغير العمل

فإن قال قائل : كيف يكون الابتداء من الله على غير عمل ولا جزاء؟

قيل له : كذلك الله يفعل ما يشاء ، ويعطي من يشاء على ما يعلم منهم من الاهتداء.

فإن قال : أليس بكمال العقل وتمامه تنال فرائض الله ، وتبلغ إرادة الله في قولكم ، إذ كان قد فضل بعضا على بعض في الزيادات في العقل الذي ينال به كل فعل ، ثم كلفهم كلهم ـ بعد أن فضل منهم بالزيادة في العقل من فضل ـ فرضا واحدا ، وألزمهم شرائع سواء ، لم يرض من أحد منهم بترك خصلة واحدة من ذلك ، ولم يوجب على المفضل بالعقل في الفرض زيادة ركعة واحدة من ذلك ، ولا صيام يوم واحد ، ولم ينقص عن المنقوص في عقله من ذلك الفرض قليلا ولا كثيرا ، فأين النصفة والعدل مع ما ترون من الفعل؟

قيل له : إنك جهلت المعنى ، فأتى قولك على غير الاستواء. إن الله تبارك وتعالى قد عدل بين خلقه ، وساوى بين عباده ، فأعطاهم كلهم من حجج العقل ما بأقل قليله ينالون أداء فرضهم وتمييز أمورهم ، والاستدلال على خالقهم ، فساوى بينهم فيما يستدركون به معرفة أمره ، ويستدلون به على التمييز بين أموره ، ويقفون به على معرفته. فلم يوجب على أحد أمرا ولا نهيا ، ولم يجعله عنده على شيء معاقبا إلا وقد أعطاه من حجة العقل ما ينال به ما ينال غيره ، ممن زاده الله بسطة وآتاه كرامة. فلما أن ساوى بين خلقه في مستدركات حججه ، وبالغات معرفة أداء فرضه ، زاد من شاء من فضله ، وأعطاه ما شاء من كرامته ، من بعد أن قطع عنه حجة غيره بما ركب في صدره من مؤكدات حججه ، التي بأقل قليلهن وأصغر صغيرهن يستدرك أكثر مما افترض عليه ، وينال فوق ما ألزم ، وجعل فيه فرضا لازما مؤكدا ، وأمرا واجبا مشددا ، فزالت عن الله لهم الحجة ، وسقطت عنه سبحانه معاني المظلمة ، وثبت له بذلك معاني الحكمة ، وصحت له النصفة ، وبان عدله في خلقه ، بما ساوى بينهم فيه من حجته.

فإن قال قائل : بين لي قولك ، واشرح لي لفظك بحجة يقف عليها عقلي ، وتكون ظاهرة في صدري؟

قيل له : مثل زيادة الله لمن شاء من فضله ، وتفضيله لمن شاء من عباده على من قد

٥٦٤

أعطاه أكثر من حاجته ، وثبت في صدره من وافر حجته ، ما بأقل قليله يؤدي إليه ما ألزمه من فرضه ، مثل رجل له غلامان ، فدفع إلى أحدهما شمعة كبيرة متوقدة ، ودفع إلى الآخر شمعتين ، ثم قال لهما : يحرق كل واحد منكما بيتا من حشيش بما معه من النار.

فإن قال صاحب الشمعة : أعطيتني شمعة واحدة ، وأعطيت صاحبي شمعتين ، ثم ساويت بيننا في إحراق الحشيش ، فقد ظلمتني في ذلك وجرت علي أن كلفتني مثل ما كلفت صاحبي ، وقد زدته شمعة على شمعتي.

هل ترى أيها السائل هذا القائل صاحب الشمعة الواحدة صادقا في قوله ، أو مصيبا في لفظه ، أو ترى له حجة على سيده ، وقد أعطاه من النار ما بأقل قليله يحرق بيوتا كثيرة؟

فإن قال : قد كان العبد في ذلك مصيبا ، وبالحق محتجا ، والسيد له ظالم ، وفي تكليفه له غاشم ، حين كلفه من الإحراق مثل ما كلف صاحبه ، وقد أعطى صاحبه شمعتين ، وأعطاه شمعة واحده ، كان في قوله ذلك محيلا ، وعن الصواب عادلا ، ولم يقل من ذلك حقا ؛ لأن قليل النار يأتي من إحراق الحشيش على ما يأتي كثيرها (٥٥٩) ، ويتفرع منها من الالتهاب عند احتراق الحشيش ما لا يكون لصاحب ثنتين ولا ثلاث ولا أربع فضل في عمله على صاحب الواحدة وفعله ، وكل ينال بما أعطى أكثر مما كلف وأعطي.

فإن (٥٦٠) قال : لا أرى لصاحب الشمعة الواحدة على سيده حجة في دفعه إلى صاحبه شمعتين ؛ لأن المكلف به الذي كلفهما إياه ينال بأقل من واحدة.

فلذلك قلنا : إنه لا حجة لصاحب الواحدة على سيده ، وصاحب الواحدة ظالم لسيده غير محتج بحق على مالكه ؛ لأنه قد ساوى بينه وبين صاحب الثنتين ، فيما دفع إليه من النار ، التي بأقل قليلها ينال من إحراق بيوت كثيرة ما ينال صاحب الثنتين والثلاث والأربع لو كان.

فإذا قال : بالحق ورجع إلى الصدق.

__________________

(٥٥٩) في (ب) : عليه.

(٥٦٠) في (ب) و (ج) : وإن.

٥٦٥

قيل له : عند إقراره بذلك ، ومعرفته بالأمر إذ كان كذلك ، قد أصبت المعنى ، وقلت بالحق ، وثبت على الاستواء ، وثبت لك بذلك ما أحببت معرفته من عدل الله سبحانه في ذلك وحكمته ولطيف صنعه وقدرته.

فعلى هذا المثال يخرج ما تقدم منا من المقال ، فيما أعطى الله العباد من حجة عقولهم ، وساوى بينهم فيما ركب من ذلك في صدورهم ، فجعل كل من لزمه عقاب على فعله ، أو ثواب على عمله في حجة العقل سواء. فكل قد ركب فيه ما بأقل قليله ينال به أكثر مما افترض الله عليه ، ويستدل به على حاجته منه وفيه ، ويميز به بين أعماله ، ويهتدي به إلى فواضل أفعاله ويصل به إلى الاختيار في الحالين ، والتمييز بين العملين ، وسلوك ما شاء من النجدين ، (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ). فلم يكن لمن أعطى من حجة العقل ما ذكرنا على الله سبحانه حجة في شيء من أموره ، ولا بسبب من أسبابه ، بما فضل به عليه غيره من بعد المساواة فيما يحتاج إليه ، كما لم يكن لصاحب الشمعة الواحدة على سيده في إحراق ما أمره بإحراقه حجة ، بإعطائه لصاحبه شمعتين ، إذ المعنى في ذلك واحد في الواحدة والثنتين ، والدرك بالجزء الواحد لما أمر به من النار في إحراق الحشيش كالدرك بالجزءين ، فهذا معنى ما عنه سألت ، فافهم الجواب في ذلك إن شاء الله بحمد الله ، وصلواته على سيدنا محمد النبي وآله وسلم تسليما.

كيفية أخذ الوحي عن الله

وسألت أكرمك الله وحفظك ، وأعانك على طاعته ووفقك ، فقلت : كيف يأخذ جبريل عليه‌السلام الوحي عن الله ، وكيف يعلمه ، وكيف السبيل فيه من الله حتى يفهمه؟

واعلم هداك الله : أن القول فيه عندنا كما قد روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه سأل جبريل عن ذلك ، فقال آخذه من ملك فوقي ، ويأخذه الملك من ملك فوقه.

فقال : كيف يأخذه ذلك الملك ويعلمه؟

٥٦٦

فقال جبريل : يلقى في قلبه القاء ، ويلهمه إياه إلهاما ، وكذلك هو عندنا ، أنه يلهمه الملك الأعلى إلهاما ؛ فيكون ذلك الإلهام من الله إليه وحيا ، كما ألهم تبارك وتعالى النحل ما تحتاج إليه ، وعرفها سبلها حين كان منها من ذلك في بناء شهودها ، وتسوية ما تسوي لأولادها ، وما تجتنيه من الأشجار ، مما تعلم أن فيه الشراب الذي ذكر الله أنه شفاء ، سماه الله سبحانه شفاء للناس ، من العسل الذي يخرج من أجوافها ، فقال تبارك وتعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل : ٦٨].

فكما جاز أن يلهم النحل ما تحتاج إليه فتفهمه حين فهمت الأشجار وميزت الثمار ، فعرفت ما يخرج منه العسل فقصدته ، وعرفت ما لا عسل فيه فتركته ، مع عجائب كثيرة من أمرها ، ودلائل على أثر الصنع في فعلها ، يستدل به من جعل له لب ، ويعرف أثر صنع الله فيه من كان له قلب ... فكذلك فعل الله في الملك يلهمه ما أراد إلهاما ، ويلقيه في فهمه إلقاء ، فيكون فعل الله في ذلك منيرا ساطعا عند كل من كان ذا عقل نافع ، لا يمتنع من قبوله عقل عاقل ، ولا يكون عند ذي تمييز بحائل.

فإذا ألهمه الله ما أراد سبحانه ، ثبت في قلبه بغاية الثبات كلما وقع من ربه في الحالات أثبت وأوضح في قلبه من كلام لو سمعه من غيره ؛ لأن هذا الإلهام من الله فعل مفعول في الملهم ، وما كان من فعل الله والقائه إلى عبده ، فهو أثبت وأوضح من إلقاء مخلوق إلى مخلوق مثله.

فهذا معنى ما عنه سألت من وصول حكم الله ووحيه ، إلى المؤدي عنه من ملائكته ما أراد وشاء من فرضه ، فأعمل فكرك في تدبيره ، يوصلك ذلك إن شاء الله إلى فهمه ، ويوردك إلى ما أردت من علمه.

كيفية الحساب ومعناه

وسألت : كيف يحاسب الله العباد يوم القيامة؟ وما معنى الحساب

٥٦٧

في يوم المعاد؟

والقول في ذلك إن الله ذا الجلال والإحسان قد جعل مع كل إنسان ملكين في كل حال عن اليمين وعن الشمال ، يحفظان عليه فعله ، ويحصيان عمله ، ويكونان شاهدين عليه بكسبه ، محصيين ما يكون من صنعه ، فإذا كان يوم القيامة ، ويوم الحسرة والندامة ، أتى به ملكاه إلى من أمره الله من الملائكة بمحاسبة العباد. ومحاسبتهم فتوقيفهم على أفعالهم ، وتعريفهم ما كان من أعمالهم ، ثم يشهد حافظاه عليه ، ووقفاه على ما كان من أمره ، وبكّتاه بمعاصيه لربه ، ووقفاه على جرأته على خالقه ، فلم يذرا مما تقدم منه شيئا إلا أوقفاه عليه حرفا حرفا ، فهذا معنى محاسبة الرب لعباده.

فإن قلت : فما معنى ذلك إذ كان العقاب لازما على المعاقبين ، والثواب واجبا للمثابين؟

قيل لك : لأن في تعريف المعاقب ما تقدم من فعله ، وتوقيفه على ما أتى به من عمله حسرة عليه في يوم الدين أيما حسرة ، وفي تحسره جزاء عظيم من عذابه ، وكان توقيفه سببا لتحسره وغمه ، وكان تحسره وغمه زيادة في عذابه وخزيه (٥٦١)

وكذلك : معنى توقيف الله الصالحين على فعلهم ، وإعلام حفظتهم لهم ما حفظوا عليهم من عملهم ، فكان ذلك سرورا للمؤمنين ، وإيقانا من المتقين بنجاح فعلهم ، وحسن موقعه عند ربهم ، وبشارة سابقة إليهم من الرحمن ، بما أعدّ لهم من الفضل والجزاء والخير والإحسان ، فكان ذلك زيادة من الله في ثوابهم ، وبشارة سبقت إليهم في يوم معادهم.

فهذا معنى ما عنه سألت من الحساب ومعناه ، وما أراد الله بذلك وشاءه.

معنى يوم القيامة

وسألت فقلت : ما يوم القيامة وأي شيء معنى القيامة؟

__________________

(٥٦١) في (ب) : وحزنه.

٥٦٨

القول في ذلك : أن يوم القيامة يوم جعله الله تبارك وتعالى وقتا لحشره ، وحينا لبعثه ونشره ، أبان فيه وعيده ووعده ، وأبان فيه ما حتم به من حكمه ، أنصف فيه المظلوم ، وأظهر فيه الحق المعلوم ، فأوصل وعده إلى أوليائه ، ووعيده إلى أعدائه ، وأقر كلا في داره ؛ ليعلم كلا صدق قوله ، ويرى إنفاذ ارادته : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [النحل : ٨٩ ـ ٩٠].

فمعنى القيامة هي : قيامة هذه الأشياء التي ذكرنا ، وقيامها فهو ظهورها ، وظهورها فهو كينونتها. من ذلك ما يقول القائل : قد قامت الحرب بينهم. يقول : لقحت وبانت ، وظهرت واستقامت ، ومن ذلك ما يقول القائل (٥٦٢) : قام السوق. يريد استوى ، وقام أمره ، وحضر ما يطلب فيه ويبتغى من البيع والشراء. فهذا معنى ما أحببت علمه من ذكر الحساب والقيامة

وقلت : هل ما ذكر الله من ذلك وما شرح في يوم المعاد فعل يكون ظاهرا ، أو هو مثل ضربه للعباد؟

ولن يكون ذلك أبدا مثلا ، وفيه وعيد الله ووعده ، وثوابه لأوليائه ، وعقابه لأعدائه ، بل أمر لاحق ، وبجميع الناس واقع ، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ).

وجوب الهجرة في سبيل الله

وسألت فقلت : من يجب عليه النفير في سبيل الله؟

واعلم هداك الله أن النفير والهجرة في سبيل الله واجب على كل من عرفه ، ممن عدم أربعة أشياء وكان سالما منها ، وهي : العرج ، والعمى ، والمرض ، والفقر. فمن لم يكن من أهل هذه الأربعة الأشياء ؛ فالهجرة عليه والنفير واجبان ، والجهاد والقيام لازمان ، لا

__________________

(٥٦٢) في (ب) : تقول العرب.

٥٦٩

يفكه عن فرضها ، ولا يزيحه عن واجب أمرهما إلا القيام بهما ، والأثرة لهما ، أو الكفر لمن افترضهما ، كما قال الرحمن الرحيم في ما نزل من القرآن الكريم ، حين يقول تبارك وتعالى : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [التوبة : ٤١].

ثم قال سبحانه قطعا منه لحجج المتعللين ، وإعذارا وإنذارا إلى العالمين ، وتثبيتا لفرضه الأكبر ، وإقامة لدينه الأوفر ، وحضا على ما به قوام الإسلام ، وصلاح دين محمد عليه وآله الصلاة والسلام : (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التوبة : ٣٩].

ثم قال سبحانه إبانة منه للمتخلفين ، وتسمية منه لهم بأسماء الفاسقين ، وإخراجا لهم بذلك من معاني المؤمنين : (قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ) ... إلى قوله : (فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) [التوبة : ٢٤] ، فجعل المتخلفين عن جهاد الظالمين في الحكم عنده سبحانه من الفاسقين.

وما ذكر به من ذلك أولئك ومن كان من الخلق كذلك فكثير في القرآن معلوم عند أهل المعرفة والبيان ، يطول شرحه لو شرحناه ، ويجزي ما ذكرناه عما تركناه. فكيف لا يكون من منع الجهاد وتعلل بالأموال والأولاد من أشر العباد عند ذي العزة والإياد ، وقد هتك الدين ، وباين رب العالمين ، وشرك في دماء المسلمين ، وقوى بذلك جميع الفاسقين ، فكان بخذلانه للدين وقعوده عن المحقين شريكا للكافرين ، ومعاضدا للفاجرين ، إذا كانت بخذلانه نيته وسطوته على المحقين بتخلف المتخلفين مظاهرة ، فكان محل الخاذل ، بخذلانه وقعوده عن الله سبحانه ، محل المحارب بمحاربته ، لا ينفك الخاذل للمؤمنين من المشاركة للفاسقين فيما نالوه من المتقين في حكم أحكم الحاكمين. فليتق الله ربه ، وليقس بفتره شبره ، وليترك عنه التعلات ، وليحذر من الله النقمات ؛ فقد وضح الحق لطالبه ، واستنار الرشد لصاحبه ، فلا عذر في تخلف المختلفين ، ولا حجة في تأويل المتأولين ، ولا بد من النصرة لرب العالمين ، أو الكفر بما أنزل على خاتم النبيين ، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين وسلم.

٥٧٠

معنى كلام الله لموسى

وسألت عن قول الله سبحانه : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) [النساء : ١٦٤] ، فقلت : كيف كان الكلام من الله عزوجل لموسى عليه‌السلام؟ وما معنى قوله : (تَكْلِيماً)؟

واعلم هداك الله أن الله تبارك وتعالى لم يوح إلى أحد من الأنبياء إلا على لسان الملك الكريم جبريل عليه‌السلام ، وكذلك إلى موسى صلى الله عليه ، وقد كان منه الإيحاء إليه على لسان جبريل ، حتى كان في هذا الوقت الذي ذكره الله ـ جل جلاله عن أن يحويه قول الله أو يناله ـ فكان من الله إليه ما ذكر الله سبحانه من الكلام له عليه‌السلام ، وكان معنى ذلك أن الله خلق له كلاما في الشجرة ، سمعه موسى بإذنه كما كان يسمع ما يأتي به الملك إليه من وحي ربه ، فكان فهم موسى وسماعه لذلك الكلام الذي شاء الله إسماعه إياه لما أراد من كرامته واجتبائه ، كفهمه لما به كان يأتيه جبريل عن الله من وحيه سواء سواء ، فلما أن لم يكن بين الله سبحانه وبين موسى صلى الله عليه لهذا الكلام المخلوق في الشجرة مؤد يؤديه إليه ، كما كان يكون فعله في غيره مما ينزله عليه ، جاز أن يقول : (كَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) ، يريد أسمع موسى وأبلغه ما كان يريد من الكلام والوحي إسماعا بلا مؤد لذلك إليه ، فلما أن لم يكن بين الله وبين موسى مؤد للكلام إلى موسى ، وكان المتولي لجعل الكلام وفعله وخلقه على ما سمعه موسى من البيان والكفاية والتبيان ، قال الله سبحانه : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) [النساء : ١٦٤]. ومعنى تكليما : هو تأكيد للإخبار منه عزوجل بما كان من عجيب فعله ، وعظيم قدرته ، وظاهر برهانه ، وما ازداد موسى به بصيرة إلى بصيرته ، من خلقه لكلام ينطق بغير لسان ، كما ينطق به ذو اللهوات والأدوات واللسان والآلات ، فهذا معنى قوله : (تَكْلِيماً) ، لا ما يقول به الجاهلون ، وينسب إلى الله الضالون ، من تشبيهه بخلقه ، ونسب الكلام إليه على طريق التكلم به ، كما يعقلون في كلام الآدميين ، ويعرفون من كلام المخلوقين ، تعالى عن ذلك أرحم الراحمين ، وجل أن يكون كذلك رب العالمين.

٥٧١

معنى النفخ في الصور

وسألت عن الصور ، فقلت : ما هو؟ وكيف هو؟ وعلى أي وصف هو؟

واعلم رحمك الله أنه ليس ثمّ صور ينفخ فيه كما يقول الجاهلون ، ويلفظ به العمون ، وإنما الصور الذي ذكر الرحمن ، فيما نزل من واضح النور والبرهان ، هو جمع (الصور) ، و (الصور) جمع (الصورة) ، فالعرب تقول (صورة) و (صورتان) و (صور) ، ثم تجمع (الصور) ، فيكون جمعها (صور) ؛ هذا معنى (الصور). ونفخ الله فيها في النفخة الأولى ، فهو إفناؤها ، وهو نفخه فيها وهي الأبدان والصور ـ صور المخلوقين وأبدان العالمين ـ لما أراد من هلاكها وفنائها ودمارها ؛ فواقعها وحل بها من الله سبحانه ما أزالها ، وحق بها (٥٦٣) منه ما أبادها ، وواقعها منه ما أتلفها (٥٦٤) فصارت بنفخ الله فيها ، وما وعدها من الموت والفناء إلى الزوال والانقضاء ؛ فهذا معنى ما ذكر الله من النفخة الأولى في الصور المصورة ، والأجسام المفتطرة.

ومعنى النفخة الأخرى فهي نفخة الله الثانية في الصور والأبدان المتمزقة البالية ، لما أراد من حياتها ونشرها ، وتجديدها وبعثها من بعد موتها ، فكان نفخه بالحياة فيها نفخة ثانية أخرى من بعد النفخة المهلكة الأولى. فكانت النفخة الأولى للهلكة والوفاة ، وكانت النفخة الأخرى للنشور والحياة ، قال الله تبارك وتعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) [الزمر : ٦٨]. فأخبر سبحانه أن النفخ على المعنيين ، وأن له حالين مختلفين ، إذ كان حال الأولى ما أوجبه الله من حال الهلاك والانقضاء ، وحال النفخة الأخرى ما جعل الله فيها وبها في حال الحياة بعد الفناء. فافهم ما قلنا ، واعرف من ذلك ما شرحنا ، من شرح النفخ

__________________

(٥٦٣) في جميع النسخ (وحقها) ، وما أثبتناه من (ب).

(٥٦٤) في جميع النسخ (أتاها) ، وما أثبتناه من (ب).

٥٧٢

ومعناه ، وأنه ما واقع الصور الأولى (٥٦٥) والأخرى من مراد الله وفعله ، وما حكم به سبحانه في خلقه.

الروح

وسألت عن الأرواح ، فقلت : ما هي؟ وكيف هي؟ وقلت : كيف يميت الله الجسم ولا يميت الروح والله عدل لا يجور؟

فكذلك الله سبحانه عدل في فعله ، حكيم في صنعه ، لا يجور على أحد من خلقه. فأما (٥٦٦) ما قلت وسألت عنه من صفة الروح وتفسيره ، فالروح : شيء خلقه الله قواما للأبدان ، وحياة للإنسان ، به تعمل الجوارح المجعولات ، وتتصرف الاستطاعة المخلوقة ، تعدم الجوارح الاستطاعة بعدمه ، وتثبت فيها استطاعتها بوجوده ، شيء خلقه الله وصوره وجعله بحكمته ، وافتطره لحياة الأبدان والأعضاء ، ويعيش به ما جعل الله في الأبدان من الأشياء ، به تبصر الأعين المبصرة ، وبه تسمع الآذان السامعة ، وبه تنطق الألسن وتشم الأنف ، وتبطش اليدان ، ويميز القلب ، وتمشي الرجلان ، جعله الله قواما لما حوت الأبدان ، ودليلا على قدرة الرحمن ـ فهذه صفة الروح ونعته ، وبيان ما عنه سألت منه وشرحه ـ ضعيف محدود ، تضمه الأبدان المؤلفة ، وتجمعه الأعضاء المتفرّقة ، ويحويه الجسم ويحده ، مخلوق مجعول ، وكائن بتدبير الله مفعول ، فهذه صفة الروح ، وبيان ما عنه سألت وشرحه.

فإن قلت : انعته لي بصفة غير هذه أقف عليه بها من لون ، وطول ، وعرض ، وغير ذلك من الصفات؟

قلنا لك وأجبناك : بأن الذي ذكرت محجوب عنا ، استأثر الله بعلمه ، وأبى أن يطلع أحدا على قدرته. فقال : لمن سأل نبيئه عما سألت من الروح وتقديره ، وصفته بغير ما

__________________

(٥٦٥) في (ب) و (ج) : أولا وآخرا.

(٥٦٦) في (أ) : وأما.

٥٧٣

وصفناه : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) [الإسراء : ٨٥] ، فلم ينبه عليه‌السلام ، ولا (٥٦٧) إياهم في علم الروح وصفته على غير ما ذكرناه من نعته. وقال : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) ، يقول : من فعل ربي وتدبيره وخلقه وصنعه ، والشاهد له بالحكمة ، ولم يصف الروح بغير ما وصفنا ، ولم يستدل عليه بغير ما دللنا.

وليس في نعت ذلك لأحد حجة ، ولا لأحد إلى علم كيفيته حاجة ، وليس عزوب علم ذلك على الآدميين ، إلا كعزوب علم غيره من الأشياء ، مثل معرفة صورة ملك الموت ، وصورة مالك خازن النار ، وصورة إبليس وجنده ، فهم خلق من خلق الله ، قد اطلع على تكوينهم وتقديرهم وشكلهم ، ومثلهم من الملائكة والشياطين ، وحجب علم ما علمته أشكالهم من تصويرهم وتقديرهم عن الآدميين ، فليس من الآدميين خلق يصف ما ذكرنا بطول ولا عرض ، ولا جسم ولا لون ، فهؤلاء مخلوقون يصفهم بما ذكرنا شكلهم ، ويعرف ذلك مثلهم ، قد عجز عن وصفهم الآدميون ، وانحسروا عن تحديدهم ، وعجزوا عن شرح ألوانهم ، وهم خلق من خلق الله قد أظهره ، وفعل من فعله قد بينه ، لم يحجب عن أمثالهم منه شيئا ، ولم يستر عن أشكالهم منه جزأ ، عجز عقلك ـ وعقول أشكالك أيها السائل ـ عن صفتهم ، وانحسرت ونظراؤك عن تحديدهم ، وانقطعت وهم عن تقديرهم ، فكيف تريد أن تحيط بصفة ما ستر الله علمه ، وتقف على تحديد ما منع الله الخلق فهمه ، ولم يبين من علم كيفيته في نفسه قليلا ولا كثيرا للملائكة المقربين ، ولا للأنبياء المرسلين ، ولا لأحد من المخلوقين. هذا طلب منك للمحال ، وجري في ميادين الضلال ، وتشبث بفاسد من المقال. وقد وصفنا لك الروح وبيّناه بالدلائل التي بينه الله لنا بها ، وهدانا سبحانه إليها ، حتى عرفته بغاية المعرفة المفهومة ، واستدللت عليه بأدل الدلائل المعلومة ، التي دلتك على تحديده ، وأوقفتك على تقديره ، وشهدت لك على أثر صنع الله في تدبيره ، وأوضحت لك أنه فعل من الله مجعول ، وأنه مبعض معمول ، تضمه الأعضاء ،

__________________

(٥٦٧) لعله (ولا هم) إذا بني (لم ينبه) ، للمفعول أو (ولا أتاهم) إذا بني للفاعل والله أعلم. من هامش (أ). وقد ذكر النحاة أن ضمائر الرفع والنصب والجر قد ينوب بعضها عن بعض.

٥٧٤

وتحوزه الأجزاء ، وتحويه الأبدان بأبين البيان وأنور البرهان ؛ فميز قولنا وتدبر شرحنا ، يبن لك أمرك ، ويصح لك من ذلك محبوبك

وقلت : كيف يميت الله البدن ، ولا يميت الروح وكل يموت؟

فأما معنى خبر الله من إحياء الروح ، فإن ذلك بحكمة الله وفضله ، وما أراد من الزيادة في كرامة المؤمنين ، وأراد من الزيادة في عذاب الفاسقين ، فجعل الأرواح حية باقية إلى يوم الدين ؛ ليكون روح المؤمن من بعد فناء بدنه في البشارات والسرور ، والنعيم والحبور ، بما يسمع من تبشير الملائكة بالرضاء والرضوان ، من الواحد ذي الجلال والسلطان ، وما أعدّ له من الخير العظيم ، والثواب الجسيم ، كل ذلك يتناهى إليه علمه ، ويصل به من ربه فهمه ، فيكون ذلك زيادة في ثوابه ومبتدأ ما يريد الله من إكرامه ، حتى يكون يوم القيامة المذكور ، ثم ينفخ في الصور النفخة الأولى ، فيقع بهذا الروح من الموت ما يقع بغيره في ذلك اليوم ، فيموت ويفنى ، كما فني البدن أولا.

وكذلك تدبير الله في إبقاء روح الكافر بعد هلاك بدنه ، لما في بقاء روحه من الحسرة والبلاء بما يعاين ويوقن ويبلغه من أخبار الملائكة وذكرها لما أعد الله له من الجحيم ، والأغلال ، والسعير ، وشرب الحميم ، وما يصير إليه غدا من العذاب الأليم ، فروحه في خزي وبلاء ، وحسرات تدوم ولا تفنى ، وحلول العويل به والشقاء ، فيكون ذلك زيادة في عذابه وبلائه ، ومقدمة لما أراد الله من إخزائه ، حتى ينفخ في الصور ، فيحق بهذا الروح ما حق بغيره من الفوت ، ويواقعه ما واقع جسمه من الموت ، ثم ينفخ النفخة الثانية من بعد موت كل شيء ، وهلاك كل حي ، ما خلى الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، المميت الذي لا يموت ، المحيي الذي لا يخشى من شيء فوتا.

ولو كانت الأرواح تموت مع موت الأبدان ، لكان في ذلك فرج وراحة للكفار ، وغفلة وفرحة للأشرار ، ولكان ذلك غما وكآبة على المؤمنين ، ونقصانا وتضعضعا لسرور الصالحين.

فافهم ثاقب حكمة الله وتقديره ، وصنعه في ذلك وتدبيره ، وما جعل في تأخير موت الأرواح من الكرامة للمؤمنين ، والهوان للفاسقين ، فإنك إن أفكرت في ذلك بخالص لبك ، واستعملت فيه ما جعل الله من مركب فكرك ، صحت لك آثار الحكمة في ذلك ، وبان

٥٧٥

لك الأمر من الله سبحانه كذلك.

فضل الملائكة على الأنبياء

وسألت أكرمك الله عن الملائكة والأنبياء صلوات الله عليهم فقلت : أيهم أفضل؟

والجواب في ذلك أن الملائكة أفضل من الأنبياء. والحجة في ذلك أن الفضيلة لا تكون إلا بفضل الأعمال ، فلما وجدنا الملائكة أفضل أعمالا وأكثر عبادة ، حكمنا لها بالفضل على من دونها عملا. ألا تسمع كيف يشهد الله لها بكثرة العبادة ودوام الطاعة ، حين يقول الله عزوجل : (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) [الأنبياء : ٢٠] ، فذكر سبحانه عنهم ما ذكر من عبادتهم ودوام طاعتهم ، في التسبيح له والتقديس في الليل والنهار لا يفترون ، ومن كان عابدا لله الليل والنهار لا يفتر خلاف من هو يفتر في الليل والنهار ، ويشتغل بلذّات نفسه وشهوات قلبه ، من الجماع ، والمآكل ، والمشارب ، والنوم ، والجلوس ، والحديث. فلما أن صح عندنا أن الملائكة مأمورة منهية كالأنبياء ، مختارة للطاعة كاختيار الأنبياء ، قادرة على ضد الطاعة لو أرادته ، بما جعل الله فيها من الاستطاعة والتمكين ، ثم وجدناها قد استعملت ذلك كله أثرة لله ، وإقبالا على طاعته ، ففرغت أنفسها الليل والنهار في عبادته لا تفتر ، حتى شهد الله لها بذلك ، كانت عندنا أفضل من الأنبياء بما ذكرنا من فضل عملها ، ودوام طاعتها.

ومن الدليل على فضل الملائكة على الأنبياء قول الله عزوجل : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) [النساء : ١٧٢] ، فقال سبحانه : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ) ، ثم قال : (وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) ، فذكر الملائكة بعد المسيح ، فعلمنا أنها أكبر منه وأعظم وأفضل ، وفي أقل مما ذكرنا ما كفى من كان ذا فهم واجتزاء.

معنى قوله تعالى (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ)

وسألت عن قول الله سبحانه : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ)؟

٥٧٦

وهذا رحمك الله فمثل ضربه الله لهم مما تعرفه العرب وتمثل به. وذلك أن العرب تقول لمالك الشيء : هو في يده ؛ وهو في يمينه ؛ تريد بذلك تأكيد الملك له ؛ لأن كل ما كان في يد المالك فهو أقدر ما يكون عليه ، واليد في لسان العرب هي : الملك ، ألا تسمع كيف تقول العرب : بلاد كذا وكذا في يد فلان ؛ وقرية كذا وكذا في يد فلان. وتقول العرب : بنو فلان في يد فلان ؛ يريدون : في طاعته وملكه ، لا بين أصابعه ، ولا في كفه ، فأرادوا بذلك الملك ونفاذ الأمر فيهم ، لا المقبض بالأصابع والضم لها عليهم ، فأخبر الله تبارك وتعالى أن مقدرته على ما ذكر من السموات المطويات فوق مقدرتهم على ما هو في ملكهم.

فأما قوله : (مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) ، فإخبار منه لهم أن السموات مطويات في ملكه ، متصرفات في أمره ، مجموعات في حكمه ، كما يجمع الشيء المطوي جامعه ، ويحوزه ويضم عليه طاوية ، فمثل لهم أمر نفاد حكمه في السموات وقدرته عليهم بما يعرفون من مقدرتهم على ما يطوونه وينشرونه ، من كتب أو صحف ، أو غير ذلك من المطويات المملوكات.

فهذا ما عنه سألت من قول الله سبحانه في السموات إنهن مطويات.

معنى قوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)

وسألت عن قول الله سبحانه : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) [المدثر : ٣٨]؟

فمعنى قوله سبحانه (رَهِينَةٌ) : أي مرتهنة ، ومعنى مرتهنة : مأخوذة ، ومعنى مأخوذة : هو مجازاة بعملها ، مكافاة على فعلها. فأخبر سبحانه أن كل نفس بكسبها مأخوذة ، وكسبها فهو عملها ، وأخذه لها سبحانه بعملها فهو انفاذ وعده ووعيده لها : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [النمل : ٨٩ ـ ٩٠] ، (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [الأنعام : ١٦٠].

٥٧٧

الفرق بين الاسم والمسمى

وسألت عن الفرق بين الاسم والمسمى؟

والفرق بينهما بقاء الاسم وفناء المسمى ، وتناسخ الاسم واشتراك المسميين فيه. فلما أن رأينا الاسم الواحد ينتقل في المسميين علمنا أن الاسم غير المسمى ، وأنه دلالة على المسمى وعلامة له ، ليست به ولا هو بها. ومن الدليل على ذلك أنك تسمى بالاسم مسمى ، ثم يموت المسمى فيبلى والاسم باق لم يفن ، ولو كان الاسم هو المسمى لعدم الجسم ، ولزال بزواله ، ولتغير بتغيره ، ولما أمكن أن يكون لغيره ، وهذا الأمر فأبين ما يكون ، ولن يغلط في الفرق بين الاسم والمسمى حتى يقول إن الاسم هو المسمى إلا جاهل عم ، وضال غو لا يفرق بين علامة ولا معتلم ، ولا دلالة ولا مستدل عليه ، ولا عرض ولا جسم ، فافهم ما قلنا به في ذلك وشرحناه يبن لك إن شاء الله صدق ما قلناه.

كيف تكون وسوسة إبليس إلى الآدمي؟

وسألت عن وسوسة إبليس : كيف تكون منه إلى الآدمي؟

والوسوسة منه فإنما هي المقاربة والمداناة ، والمؤالفة والمساواة. وذلك أن إبليس اللعين بني على الفطنة والذكاء ، والسرعة والمعرفة بمعاني الأشياء التي ربما عرفها الآدميون ، واستدركها منهم الفطنون. فيعرف إبليس اللعين في حركات الإنسان ووجهه ، دلائل يستدل بها على ما أضمر في قلبه من المعاصي لربه ، فإذا رأى تلك الدلائل والعلامات في وجهه ، استدل بهن (٥٦٨) على بعض ضميره ، فإذا رأى في علامات وجهه إضمار المعصية ، وتبين له أنه قد همّ بغير الطاعة ، واستبان ذلك من شواهد حركات الآدمي ـ كما استدرك كثيرا من ذلك الآدميون بعضهم من بعض ، بما يرون من شواهد ذلك ودلالاته وعلاماته ، حتى ربما فطن الإنسان لصاحبه ما يريد منه ، وما يريد في كثير من أمره ،

__________________

(٥٦٨) في (ب) : بها.

٥٧٨

وكذلك يستبين منه الغضب والرضى ، والسرور والغم ، يبين كل واحد من هذه الأشياء في وجه صاحبه ، حتى يعرفه أهل الفطنة والفهم ، بما يظهر من شواهده في وجه مضمره ، وكل يتبين الفزع والرعب في وجه المرعوب والفزع لمن كان ذا فطنة ، فكذلك وعلى ذلك وبالشواهد في وجوه أولئك يعرف إبليس اللعين ما أضمره صاحب المعصية والخطيئة من الآدمي ـ دانى قلبه وقاربه ولاصقه. وإبليس فهمّه وإرادته ومعناه المعصية واللعنة ، فإذا قارب هذا الشكل من إبليس شكل المعصية التي هي في قلب الآدمي ، قويت نية الآدمي بالمعصية ، لمقاربة ما في قلبه من المعصية لشكله ، وهو إبليس ، فيقوى الشكل بمقاربة شكله ، والجنس بمقاربة جنسه ، كما يقوى كل شيء بمداناة مثله أو مقاربة شكله.

فهذا معنى وسوسة إبليس ، هو بالمقاربة والمداناة ، لا بالمكالمة والمناجاة. ومثل قوة المعصية في قلب الآدمي بمداناة شكلها من هذا اللعين الجني مثل الجمر ؛ جعلت منها في بيت فيه جماعة خمسين رطلا جمرا متوقدا يقد بعضه في بعض ، ثم أتيت بمائة رطل أخرى جمرا متوقدا فألقيته إلى جنب ذلك الجمر الأول ، فقوي عمل الأول بعمل الآخر ، وقوي عمل الآخر بعمل الأول ، واشتد عملهما وصعب أمرهما ، حتى لا يطيق من في البيت أن يجلس فيه ولا يقوم ، مع شدة ما فيه من حر النار وتلهبها ، وقوة بعضها ببعض ، فقوي عمل الجزءين لمقاربة أحدهما لصاحبه ، إذ هما شكل واحد ومعنى واحد ، ولو أفرد كل واحد منهما وفرق بينهما لم يكن عملهما متباعدين كعملها متقاربين. فعلى هذا ومثله من قوة الشكل بشكله تكون وسوسة إبليس لصاحبه الآدمي ، المضمر لما أضمر إبليس ، المشاكل له بالإضمار في عمله ، والمقارب بإضماره له في فعله ؛ فافهم معنى ما ذكرنا من معاني الوسوسة ، وفطنة إبليس لما يفطن به في الأدمي من المعصية.

وقد قال غيرنا في ذلك بأقاويل ، فزعموا أنه يجري في الآدمي مجرى الدم (في الأبشار) (٥٦٩) فاستحال ذلك عند من فهم ؛ ، لأنه لا يجوز أن يدخل جسم في جوف جسم ، فيجري في عروقه ، ويجتمع في بدن واحد روحان ، روح ساكن ، وروح متحرك.

__________________

(٥٦٩) زيادة من (ب).

٥٧٩

هذا محال ، أن يستجن في جسم واحد روحان. ولا يدخل في جسم جسم ؛ لأن هذا لا يعرف في الأجسام ولا يتهيأ ، ولا يثبت في العقول ، فلما لم تقبله العقول استحال أن يكون شيئا معقولا.

وقال قوم : يلقى إبليس روح الآدمي عند جولانه في وقت منامه ، فيأمره وينهاه ، ويزين له ما يريده ويشاؤه ، وقالوا : لا تكون الوسوسة من إبليس إلا من بعد النوم ، يلقى روح الآدمي عند خروجه من بدنه ، وجولانه بعد نومه ، فيكون منه إليه ما ذكرنا ، ويلقي إليه ما قلنا. فاستحال هذا من قولهم أيضا ، كما استحال القول الأول ؛ لأنا نظرنا في هذا المعنى فوجدناه باطلا ، وبطلانه أنا وجدنا الآدميين ربما أتوا في أنواع المعاصي وألوانها في مجلس واحد بألوان وهم أيقاظ (٥٧٠) غير نيام ، فلما أن وجدناهم يعملون في مجلس واحد ألوانا كثيرة من المعاصي التي يخطر بعضها على قلوبهم بعد بعض ، وتحدث في صدورهم حادثا بعد حادث ، وخاطرا بعد خاطر ، لم يتعملوا قبل ذلك المجلس في شيء منها ، ولم يضمروا جنسا من جنوسها ، علمنا أن ذلك بوساوس الشيطان ومقاربته. ورأينا من كان كذلك يقظان غير نائم ، والمعاصي تأتي منه أولا فأولا في مجلسه ذلك من قذف المحصنات ، وشرب خمر ، وقتل مسلم ، وأخذ مال يتيم ومسكين ، وضرب مؤمن ، وسفك دم حرام ، وشهادة زور ، وكذب وبهتان ، وتشبيه الله سبحانه وتجويره في فعله ، وإكذاب لوعده ووعيده ، وغير ذلك من ألوان الفسق ، مما يأتي به كفرة الخلق ، فلما رأينا هذه الأشياء تكون من فاعلها في أوقات وساعات لم يدخل بينها منه نوم ولا غفلة ، استحال عندنا أن تكون وسوسة إبليس من بعد النوم وخروج الروح ؛ لأن هذه المعاصي كلها في افتراقها وتشتيت أصنافها كانت منه في يقظة لا نوم فيها ، واستحال عندنا قول من قال بهذا الثاني كما استحال قول من قال بالقول الأول ولم نجد بابا أصح ولا أثبت ولا أقوى ولا أجدر أن لا يكسره أحد أبدا مما قلنا من مداناة الشكل لشكله ، وقوة الشبه لشبهه (٥٧١) ،

__________________

(٥٧٠) في (ب) : وهم يقاظى.

(٥٧١) في (ب) : وقوة الشبيه بشبيهه.

٥٨٠