مجموع رسائل الإمام الهادي إلى الحق القويم يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم عليهم السلام

مجموع رسائل الإمام الهادي إلى الحق القويم يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم عليهم السلام

المؤلف:


المحقق: عبدالله بن محمّد الشاذلي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٨

من معصيته؟

فبيّن بهذه الكلمات الآخرات في المعصية ـ على ما تكلم به في كلمات الطاعة ـ من فظيع ما جاء به من الكفر في قوله ، والتظليم لله ربه. وبين جهله لتباعه دون غيرهم ممن هو على خلاف رأيه ورأيهم ، حين يقول : هل يثيب الله خلقه على ما عملوا به من الطاعة مما لم يجعل لهم السبيل إلى تركه؟ ثم قال : وهل يعاقبهم على ما عملوا به من المعصية؟ فبين مسألته الثانية في المعصية ، ولم يتمها ، كما أتم المسألة في الطاعة ، خوفا من أن يشهد وينطق على نفسه بالكفر والفضيحة ، وذلك أنه كان يجب عليه أن يتم الثانية كما أتم الأولى ، فيقول : وهل يعاقبهم على ما عملوا به من معصيته مما لم يجعل لهم السبيل إلى تركه؟ ولو كان ذلك في الله سبحانه كذلك لكان الله سبحانه المدخل للعاصين في المعصية ، المكره لهم عليها ، ولو كان ذلك كذلك تعالى الله عن ذلك لم يكن في الخلق لله عاص ، بل كان كلهم في أمر الله نافذا ماضيا ، ولم يكن إبليس عند الله بمذموم ، ولا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بمحمود ، ولم تكن الملائكة المقربون بأحمد عند الله من مردة الشياطين ، إذ كل لا سبيل له إلى غير ما يفعل ، ولا حيلة له من العمل في غير ما يعمل ، لحتم الله وقضائه بذلك عليهم ، وإدخالهم بقضائه فيه ، وحملهم وجبرهم وقسرهم عليه ، فتعالى الله عما يشركون ، وتقدس عما يقول المبطلون.

تمت مسائل الحسن بن محمد بن الحنفية في تثبيت الجبر والتشبيه والإلحاد

ورد الهادي إلى الحق ـ أمير المؤمنين يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ـ عليه ، ونفى ذلك

عن الله سبحانه ، وإثبات العدل والتوحيد ، وتصديق الوعد والوعيد

والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد خاتم النبيين وعلى آله

الطيبين وسلم

٤٢١

باب إثبات النبوة

سألت أكرمك الله فقلت : إن سألني ذمي عن إثبات نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أين ثبتت؟ فقلت : ما أقوله له؟

الجواب في ذلك أن يقال له : ثبتت نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصحت من حيث ثبتت نبوة موسى وعيسى صلوات الله عليهما ، والذي ثبتت به نبوتهما في بني إسرائيل ووجبت طاعتهما فيه ثبتت نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سواء سواء.

فإن قال : وما ذلك الذي ثبتت به نبوتهم؟

قيل له : هي المعجزات التي أتوا بها ، والآيات التي أظهروها ، التي لا ينالها مخلوق ، ولا تكون إلا من الخالق ، ومعجزات كل واحد منهم معروفة عند أهل العلم ، وقد شرحنا ذلك في مسائل ابني أبي القاسم التي في إثبات النبوة والوصية والإمامة. والجواب في مسألتك هذه للمسلم والذمي سواء.

ويقال : إن كانت معجزات موسى وعيسى أثبتت نبوتهما على أممهما ، فقد أثبتت نبوة محمد معجزاته على جميع الخلق ، وإن لم تكن معجزاتهما أثبتت نبوتهما عندك ، فأخبرنا بما ثبتت نبوتهما مما هو غير ذلك ، حتى نأتيك في محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحجج تقطعك وتقمعك. فلا تجد بدا إن شاء الله أن تقول : إن المعجزات من الآيات هنّ اللواتي يثبتن ويصححن النبوة ، ويقمن لله ولرسوله الحجة على الأمة. فإذا أقر بنبوة محمد لثبات الحجة عليه ووضوحها لديه ولزومها له ، إذ إقراره بها يثبت نبوة نبيه ، ومكابرته فيها وقوله بالدفع لها تبطل قوله في نبيه قيل له : اتق الله وأجب محمدا داعيا إلى الله ورسوله إليك وإلينا.

فإن قال : قد أثبتم علي الحجة بما لم أقدر أن أدفعه في إثبات نبوته إلا أن أدفع نبوة نبيي فقد أقررت لكم بنبوته حين اضطررت إلى ذلك ، فهو نبيكم ورسولكم وليس إلينا

٤٢٢

برسول.

قيل له : بل هو رسول إليك وإلى آبائك من قبل بإقرارك لا بإنكارك ، فقد أقررت بذلك ولزمك من حيث ثبتت عليك الحجة في الإقرار بنبوته ، وإن كنت لم تعقل ذلك ولم تفهمه (٤١٠) ولم يحط به عقلك فتعلمه.

فإن قال : ومن أين حكمت عليّ بذلك ، وجعلتني في الحكم كذلك؟ أبن لي بذلك قولا صوابا ، وأزح لي به شكا في قلبي وارتيابا.

قيل له : ألست قد أقررت بأنه رسول الله ونبيه؟

فلا تجد (٤١١) بدا أن تقول (٤١٢) : نعم.

فيقال له : هل يجوز على الأنبياء صلوات الله عليهم أن تأتي بشيء من أنفسها ثم تزعم أنه من الله دونها ، وفي ذلك ما لا يخفى عليك من الكذب على الله ، وحاشا لرسل (٤١٣) الله صلوات الله عليهم من ذلك.

فلا يجد بدا من أن يقول : لا يجوز ذلك في الأنبياء صلوات الله عليهم والرسل.

فإذا قال ذلك قيل له : أفليس القرآن الذي جاء به محمد من الله ، وذكر أنه من الله هو من الله.

فلا يجد بدا أن يقول : نعم هو قرآن بعث به إليكم دوننا.

فإذا قال ذلك ، قيل : قد أقررت بنبوته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأقررت بالكتاب الذي جاء به أنه حق من الله ، فقد وجدنا في هذا الكتاب تصديق إرسال محمد إليكم.

فإن قال : وأين (٤١٤) ذلك؟

__________________

(٤١٠) في (ج) : ولا تفهمه.

(٤١١) في (ب) و (ج) : يجد.

(٤١٢) في (ب) و (ج) : يقول.

(٤١٣) في (ج) : وحاشا الرسل.

(٤١٤) في (ج) : فأين.

٤٢٣

قيل له : هو قول الله سبحانه : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [الفتح : ٨ ـ ٩] ، وقوله : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [الأعراف : ١٥٨] ، ويقول : (آمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) [البقرة : ٤١]. فكل هذا القول الذي في الكتاب الذي لم تجد بدا أن تقر به أنه من عند الله ، فإن بطل منه حرف بطل كله ، وإن ثبت أنه من الله ثبت كله ، ووجب عليك ما أمرك الله به فيه ، ولزمك الإيمان به والتصديق ، إذ قد أقررت بنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلا يجد حينئذ الذمي بدا أن ينصف فيقر بالحق ، أو يكابر بعد ثبات الحق وبيانه ، فيستدل بمكابرته على جهله وحمقه ، ويستغنى بظهور جهله عن مناظرته ؛ لأن الجاهل المكابر محيل ، وصاحب المحال لا حجة معه.

٤٢٤

وله أيضا عليه‌السلام :

الدليل على نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

قال يحيى بن الحسين ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

إن سأل سائل فقال : ما الدليل على نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

قيل له : الدلائل كثيرة على ذلك ، ولكن ليس لمنكر أن يسألنا عن هذه المسألة إلا أن يكون من أهل الكتب الذين أجمعوا معنا على التوحيد والنبوات ، فأمّا الملحدون فليس لهم أن يسألونا عن تصحيح النبوة وهم لم يؤمنوا برب الأنبياء عليهم‌السلام ، فمن سألنا من اليهود والنصارى ، وأهل الكتب (٤١٥) المقرين بالتوحيد قلنا لهم : الدلائل كثيرة على تصحيح نبوته عليه‌السلام ، وذلك أنه أتى بما يعجز الخلائق عن مثله ، فلما أن أتى بما يعجز الخلائق عن مثله ، علمنا أنه ليس في قدرة المخلوقين فعله ، وأنه لم يفعله إلا الخالق ، ولم يضعه إلا على يدي أمين صادق.

معجزات سيدنا محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وآله

فإن قال : فما الأعلام التي جاء بها يعجز الخلائق عن مثلها ، قلنا له : ذلك أكثر من أن يحصى ، منه الماء القليل الذي سقى منه العالم الكثير ، ومنه الخبز القليل الذي أطعم منه البشر الكثير ، ومنه أن ذئبا تكلم على نبوته ، ومنه أنه أمر شجرة فأقبلت تخد الأرض ثم

__________________

(٤١٥) في (ب) و (أ) : الكتاب.

٤٢٥

أمرها فرجعت. ومنه كلام الذراع المسمومة له. وواحدة من هذه الأعلام تجزي بعد أن تكون معجزة للخلق ، فلمّا أن أتى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه المعجزات الأعلام التي ذكرنا علمنا أنه نبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فإن قال : فما الدليل على أنه جاء بهذه الأعلام التي تذكرها ومن خالفك لا يقر لك بذلك؟

قيل له : الدلائل على ذلك الأخبار المتواترة التي لا يجوز على مثلها الشك عن قوم مفترقي الديار ، بعيدي الهمم ، مختلفي التجارات والصناعات والألسن والألوان. نعلم (٤١٦) أن مثلهم لا يجوز عليهم الاجتماع والتواطؤ ، فلما أجمعوا ينقلون هذا الخبر علمنا عند خبرهم إذ جاء هذا المجيء أنه حق وصدق ؛ لأنه لو جاز على مثل ما ذكرنا التواطؤ (٤١٧) لكنّا لا ندري لعلنا إذا دخلنا مثل البصرة والكوفة أو بعض هذه الأمصار التي لم ندخلها فقيل لنا هذه مكة ، هذه الكوفة ، وهي المدينة انهم قد كذبوا ، وأن أهل البلد قد تواطؤ على أن يخبرونا بخلاف ذلك.

فإن قلت : لا يجوز لأهل بلد واحد أن يتواطأ ويجتمعوا على شيء واحد.

قلنا : وكذلك لا يجوز أن يكون من خبرنا عن نبينا محمد عليه‌السلام أنه فعل كذا وجاء بكذا ، وأخبر عن كذا ، أن يكونوا كذبوا ، لاختلاف أجناسهم ، وبعد همهم.

فإن كان السائل يهوديا فارجع عليه فقل : بم صحّ عندك نبوة موسى؟ فإنه يقول بالأعلام التي جاء بها التي يعجز الخلائق عن مثلها.

قيل له : وبم علمت أنه جاء بالأعلام؟

فإن قال : بإخبار من خالفنا ، فلما أن أجمعتم معنا والنصارى معكم مع خلافكم لنا علمنا أن مقالنا كما قلنا ، وأن خبرنا حق.

قلنا له : فأخبرنا عن أسلافكم الذين كانوا قبل أن تكونوا إذ كانت النصارى لم تصح

__________________

(٤١٦) في (ج) : يعلم.

(٤١٧) أي على الكذب.

٤٢٦

لكم نبوة موسى.

فإن قال : بلى.

قيل : وبم ولم؟ وليس هناك مسلمون ولا نصارى يجمعون معك ، وزعمت أنه لا يصح الخبر إلا بإجماع من خالفك ، وبعد فلو آمن الناس كلهم بموسى وصاروا على دينك بطلت نبوة موسى ، إذ زعمت أن الأخبار لا تصح إلا بالمخالفين ، فبهذه وللنصارى مثلها على اليهود ، فافهمها.

ومن دلالته صلى الله عليه وعلى أهل بيته وعلامته هذا القرآن ، لا يقدر أحد أن يدعيه ولا أنه جاء به أحد غيره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد أعجز أهل دهره من الفصحاء والبلغاء ، فلم يقدر إلى يومنا هذا كل الخلق أن يأتوا بمثله ، أو بسورة منه. ليس يشبه الشعر ، ولا الرجز ، ولا الخطب ، باين من كلام المخلوقين ، وفيه أخبار الأولين والآخرين. وبعثه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والعرب متوافرة ليس فخرهم إلا الشعر والبلاغة والخطب ، فتحداهم بأجمعهم من أن يأتوا بسورة من مثله ، عجزوا وأقروا بالعجز. فعلمنا إذ عجزوا عن أن يأتوا بمثله وهو بلغتهم أن غيرهم أعجز ، وعلم أهل النهى إذ عجز الخلائق عن مثله أنه من عند أحكم الحاكمين ، وأنزله على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نورا وهدى للعالمين.

ومن معجزاته أن قوما من آل ذريح وهم حي من أحياء العرب وهم بمكة أرادوا أن يذبحوا عجلا لهم وذلك في أول مبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما أضجعوه ليذبحوه أنطق الله العجل ، فقال : «يا آل ذريح أمر نجيح صائح يصيح بلسان فصيح ، يؤذن بمكة لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.» ، فتركوا العجل وأتوا المسجد فإذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائم في المسجد وهو يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأني محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٤٢٧

وله أيضا عليه‌السلام :

جواب مسألة النبوة والإمامة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليما

قال أبو القاسم محمد بن الهادي إلى الحق رضي الله عنه :

سألت أبي صلوات الله عليه عن الحجة والدليل على نبوة الأنبياء وإرسال الله لهم تبارك وتعالى ، وعن الدليل على إقامة الأوصياء أوصياء الأنبياء ، وثبات (٤١٨) حجتهم على الأمة ، وعن ثبات الإمامة لمن ثبتت له من الأئمة ، وبأي سبب ثبتت بها طاعته وعلى البرية وجبت؟

فقال : سألت يا بني ، حاطك الله وهداك رشدك ، عن مسألة هلك فيها خلق من المتكلفين ، وحار عن فهمها كثير من المتكلمين ، فقال من ضل عن الحق وتكمه في ذلك عن طرق (٤١٩) الصدق : إن إمامة الإمام تثبت بإجماع الناس عليه ، وحسن رأيهم فيه. وليس ذلك كذلك ، بل ثبتت الإمامة لمن حكم الله له بها ، وقلده بحكمه إياها ، وكذلك القول في الأنبياء ، فالنبي من تنباه الرحمن ، وبعثه بالهدى والإحسان إلى جميع الإنسان ، فأقام معه الشرائع والبرهان ، وكذلك الأوصياء لا تثبت وصاة نبي إلى وصي حتى تثبت له في ذلك حقائق الصدق ، ودلائل براهين الحق.

__________________

(٤١٨) في (ج) : وإثبات.

(٤١٩) في (ب) : طريق.

٤٢٨

قلت : وما هذه البراهين والدلالات التي حار فيها كثير من أهل المقالات ، وتكلم فيها بالأمور العظيمات المعجبات؟

قال : قد سألت فاستقصيت ، فافهم ما نقول ، وما إليه قولنا يؤول ، ثم اعلم أنه لا تثبت نبؤة نبي في قلوب العالمين ، ولا يستدل عليها أحد من التابعين ، ولا تثبت وصيته (٤٢٠) الوصيّ (٤٢١) ، ولا حجة لحق مضى ، ولا تثبت إمامة إمام ، ولا تجب طاعته على أهل الإسلام إلا باستحقاق وعلامات ، وشرائع ودلالات ، وعلم قائم ، ودليل يدل على أنه هو صاحب ذلك المعنى ، والمتولي لجميع هذه الأشياء.

استحقاق الأنبياء وعلامتهم

فأمّا استحقاق الأنبياء صلوات الله عليهم للنبوة فهو بالطاعة منهم لله ، والاجتهاد منهم في مرضات الله ، والنصح لعباد الله ، فإذا علم الله من ضميرهم أنهم إن بعثوا كانوا كذلك ، وإن أمروا قاموا لله بذلك ، أمرهم سبحانه حينئذ ونهاهم ، وبعثهم واجتباهم. ثم أبان معهم العلم والدليل الذي يدل على أنهم رسل مبعوثون برسالته إلى خلقه ، مبشرين ومنذرين ، مخوفين لعذابه ، مبشرين بثوابه ، هادين إلى طرق سبله ، (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال : ٤٢]. وعلم الأنبياء ودليلها : فهو ما جاءوا به من المعجزات ، وأظهروه للخلق من العلامات الشاهدات على أنهن من عند الرحمن ، اللواتي لا ينالهن ولا يطيق إيجادهن أحد من الإنسان ؛ مثل ما جاء به موسى عليه‌السلام من إدخاله يده في جيبه فخرجت بيضاء من غير سوء ، ومثل ما جاء به من انقلاب العصا إلى خلق حية ، وغير ذلك من باقي التسع الآيات ، وغير ذلك مما كان يأتي به من الدلائل المعجزات والعلامات ؛ ومثل ما جاء به عيسى صلى الله عليه من التكلم في المهد ، ومن

__________________

(٤٢٠) في (ج) : وصاة.

(٤٢١) في (وصيته) الضمير عائد إلى النبي ؛ يعني ولا تثبت وصيته لوصيه إلا باستحقاق. تمت.

٤٢٩

إحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص بإذن الله ، وغير ذلك من علاماته ، مما نكره (٤٢٢) التطويل بذكرها ، وقد يجزي ذكر قليلها عن كثيرها ؛ ومثل ما جاء به محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من معجزاته الهائلات ، وأموره الناطقات ، وأسبابه الشاهدات بالنبوة (٤٢٣) والرسالات ، مثل : مجيء الشجرة إليه ورجوعها إلى موضعها ، وإنباء الناس بما في صدورهم ، وإعلامهم بما في ضميرهم ، وذلك من إنباء الله له بذلك وإعلامه به إياه ، ومثل ما كان من فعله في شاة أم معبد ، وما كان منه من الفعل في التمرات من غداء جابر بن عبد الله ، وذلك أنه أخذ كفا من تمر فوضعه في وسط ثوب كبير ، ثم حركه ودعا فيه ، فزاد وربا حتى امتلأ الثوب تمرا ، وما كان منه في عشاء جابر بن عبد الله ، صاع من شعير وعناق صغيرة أكل منها ألف رجل ، وما كان منه في الوشل (٤٢٤) الذي ورده هو والمسلمون في غزوة تبوك ، فوضع يده تحت الوشل ، فوشل فيها من الماء ملؤها ، ثم ضربه ودعا فيه ، فانفجر بمثل عنق البعير ماء ، فشرب العسكر كله معا ، وتزودوا ما شاءوا من الماء ، وغير ذلك مما يكره التطويل من (٤٢٥) معجزاته ، أنه مفهوم معروف عند أهل العلم ، فكانت هذه المعجزات مع ما ذكرنا من أسباب الاستحقاق من علم النبوة والدليل على نبوة الأنبياء وبعث الله لهم في البرية تبارك وتعالى.

استحقاق الأوصياء وعلمهم

وكذلك الأوصياء ، فلا تثبت للخلائق وصية الأنبياء إليهم إلا بالاستحقاق لذلك والعلم والدليل.

__________________

(٤٢٢) في (ب) : يكره.

(٤٢٣) في (ب) : له.

(٤٢٤) الماء القليل. من هامش (أ) و (د).

(٤٢٥) في (ب) : في.

٤٣٠

فأمّا الاستحقاق منهم لذلك المقام الذي استوجبوا به من الله العلم والدليل فهو فضلهم على أهل دهرهم ، وبيانهم عن جميع أهل ملتهم ، بالعلم البارع والدين والورع والاجتهاد في أمر الله. وعلمهم ودليلهم فهو العلم بغامض علم الأنبياء ، والاطلاع على خفي أسرار الرسل ، وإحاطتهم بما خص الله به أنبياءه ، حتى يوجد عندهم من ذلك ما لا يوجد عند غيرهم من أهل دهرهم ، فيستدل بذلك على ما خصتهم به أنبياؤهم ، وألقته إليهم من مكنون علمها ، وعجايب فوائد ما أوحى الله به إليها ، مما لا يوجد أبدا عند غير الأوصياء. من ذلك ما كان يوجد عند وصي موسى ، وعند وصي عيسى عليهما‌السلام ما لا يوجد عند غيرهم من أهل دهرهم. ومن ذلك ما وجد عند وصي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علي بن أبي طالب رحمة الله عليه ، من ذلك ما أجاب به في مسائل الجاثليق ، ومن ذلك ما كان عنده من علم كتاب الجفر ، وما كان عنده من علم ما يكون إلى يوم القيامة ، مما أطلع الله عليه نبيه ، وأطلع نبيه وصيه ، لم يعلمه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحد غيره ، ولم يقع عليه سواه ، فهذا الذي لم يوجد عند غير الأوصياء من أهل مللهم فهو علم الأوصياء المبين لها ، والدليل الدال بالوصية عليها.

استحقاق الأئمة وعلمهم

وكذلك الأئمة الهادون الداعون إلى الله المرشدون ، بانت إمامتهم ، وثبت عقدها من الله لهم بخصال الاستحقاق ، وبالعلم والدليل الذي بانوا به من غيرهم ، وامتازوا به عن مشاركة أهل دهرهم.

فأما الاستحقاق فهو ولادة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والعلم والورع والزهد ، والدعاء إلى الله ، وتجريد السيوف ، وخوض الحتوف ، وفض الصفوف ، ومجاهدة الألوف ، ورفع الرايات ، ومباينة (٤٢٦) الظالمين ، وإقامة الحدود على من استوجبها ، وأخذ أموال الله

__________________

(٤٢٦) في (ب) و (ج) : ومنابذة.

٤٣١

من مواضعها ، وردها في سبلها التي جعلها الله لها وفيها ، مع الرحمة والرأفة بالمؤمنين ، والشدة والغلظة على الفاسقين ، والشجاعة عند جبن الناس (٤٢٧) ، والمجاهدة للكافرين والمنافقين ، فهذا باب الاستحقاق للإمامة.

والعلم والدليل فهو توفيق الله وتسديده لوليه وتأييده ، وإيتاؤه اياه الحكمة (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) [البقرة : ٢٦٩](ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الحديد : ٢١].

ودليل ذلك وعلمه الذي يدل على أنه قد آتى وليه الحكمة ما يظهر من الإمام من الأمور المعجزات لأهل دهره ، من حسن علمه ، ودقائق فهمه ، وحسن تعبيره ، وتمييزه والمعرفة بالتأني لتعليم رعيته ، وتفهيمها بما تحتاج إلي فهمه حتى يكون معه من الشرح لما يسأل (٤٢٨) عنه والتبيين لما يأتي به ، والاحتجاج فيه وعليه بالحجج البالغة ، والبراهين النيرة التي لا توجد عند غيره ، ولا ينال شرحها والاحتجاج بها سواه ، مع التأني لقبول عقول العالمين (٤٢٩) لما به يأتي من الحق المبين ، والأمر المنير ، مع استنباطه لعلم دقائق الكتاب ، ودقائق الحلال والحرام في كل الأسباب ، التي لا يقع عليها إلا من تولى الله اللطف له ، وتوحد بالهداية لقلبه ، ممن قلده أمر رعيته ، وحكم له بالإمامة على بريته.

وهذه الأشياء التي ذكرنا من حسن البيان ، والشرح ، وإيضاح ما يحتاج إليه من دقائق حسن التعبير ، وجيد التمييز الذي لا يوجد في سواه ، فهي (٤٣٠) العلم والدليل على إمامته وعقد الله سبحانه ما عقد له منها ، وذلك يا بني العلم الأكبر ، والدليل الأوفر على عقد الله الإمامة لمن كان ذلك فيه وعنده ولديه.

والحجة فيما قلنا به من أن هذا أكبر الأعلام والدلائل ، أن الله تبارك وتعالى تعبد الخلق

__________________

(٤٢٧) في (ج) : عند حين البائس ، وفي (ب) : عند البأس.

(٤٢٨) في (ج) : سئل.

(٤٢٩) في (ج) : المعلمين.

(٤٣٠) في (ج) : فهو.

٤٣٢

بمسموع ومعقول ، فالمعقول : ما أدرك بالنظر والتمييز بالعقول ، والمسموع فهو ما يسمع (٤٣١) بالأذن من المسمع المؤدي من نبي ، أو وصي ، أو إمام مهتد. وإذا كان فرض الله ومتعبده لخلقه بالمسموع ، كانت حاجة السامع إلى تأدية المسمع لازمة ، إذ كانت حجة الاستماع على المستمع واجبة ، وإذا كان ذلك كذلك أحتاج الإمام المسمع للرعية إلى أن يكون في الكفاية ، والفهم بالشرح والتبيين ودقائق حسن التعبير وجيد التفصيل ، ومبين التفهيم ، والمعرفة بالتأني لتعليم الرعية وتفهيم البرية لما يحتاجون إليه على غاية ما يكون ؛ لأن ذلك كله تأدية عن الله لما افترض على الخلق من المسموع ، فإذا كمل في هذه الأشياء فقد كمل (٤٣٢) في التأدية عن الله لفرائضه المسموعة في كل معنى ، فلذلك قلنا إن حسن التأدية بلطائف التعبير ، وحسن الاستماع للسامعين في التأدية والتفسير ، أكبر أعلام الإمامة ، وأدل الدلائل على الحكمة التي يؤتيها الله أوليائه ، لأن من آتاه الله الحكمة فهو عند الله من أهل الولاية والمحبة ، ومن تولاه الله وأحبه فهو آهل الناس من الله بالإمامة ، وأولاهم منه سبحانه بالكرامة. فمن كان كذلك من ولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو الإمام المفترض الطاعة الذي لا يجوز لأحد خذلانه ، ولا يسع رفضه ، ولا يؤمن بالله خاذله ، ولا يوقن بالوعد والوعيد تاركه.

فافهم يا بني هداك الله ما شرحنا لك من أعلام النبوة ودلائلها ، وأعلام الأوصياء ودلائلها ، وأعلام الأئمة ودلائلها التي تدل على عقد الله الإمامة لمن عقدها لهم والحكم منه سبحانه بها فيهم ، فقد شرحت ذلك لك شرحا مجملا ، وفسرت لك بعض ما تحتاج إليه تفسيرا كاملا ، فلا تلتفت إلى غير ما قلنا من أقاويل الهرّاجين (٤٣٣) ، وتعبث العبّاثين وزخاريف كلام المتكلمين ، وافتراق أقاويل الجاهلين ، ممن يقول : إن الإمامة بإجماع الرعية ، وقول من يقول : بل هي لما يوجد من الآثار المروية في الملاحم المذكورة ، وقول من يقول :

__________________

(٤٣١) في (ب) : سمع.

(٤٣٢) في (ج) : أكمل.

(٤٣٣) الهرج : كثرة الكذب. اللسان.

٤٣٣

هي بالوراثة لولد بعد والد ، لا يلتفتون ويلهم لما تستحق به الإمامة من البينات ، والشواهد النيرات ، همج رعاع ، وللجهال أتباع ، لم يقتدوا بالحكمة فيعلموا بما به تحق الإمامة لصاحبها على الأمة ، قد جعلوا الحكم بها وفيها لغير من حكم الله ، وجعلوا الحكم بها إلى غير الله ، فركبوا من ذلك مركبا وعرا ، واكتسبوا به في الآخرة نارا وعارا ، اعتمدوا في أكبر أمور الله وفرضه من الإمامة على التقليد ، فقلدوا الحكم بها كبراءهم في كل الحالات ، وطلبوا إثباتها من أبواب الروايات ، جهلا بما عظم الله من قدرها ، وتصغيرا لما كبر الله من أمرها ، فتكمهوا بذلك في ظلم العمايات ، وغرقوا في بحور الجهالات (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء : ٢٢٧] فلا يبعد الله إلا من ظلم ، وأساء وغشم ، وحسبي الله فنعم المولى ونعم النصير ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

فأمّا ما تقول الإمامية الضالة الهالكة العمية ، وتجتري به على الواحد الجليل ، فيما تذكر وتصف من العلم والدليل ، فقول لا يلتفت إليه عاقل ، ولا يشك في بطلانه إلا عم أحمق جاهل ، وذلك أنها زعمت وقالت فيما به تكلمت وذكرت : أن العلم والدليل في إمامها خلاف ما كان في نبي من أنبياء الأمم ، وأنه يأتي بما لم يأت به الأنبياء من بدع محالات في كل الأشياء ، ومن قال بمحال فليس يثبت له قول في حال من الحال ، فزعمت أنه يختم بخاتمه في الصفا ويؤثر فيقرأ نقش خاتمه فيها كما يقرأ في الشمع والطين ، وينادي فيما زعمت الإمامية في السماء مناد : «أن فلان بن فلان إمامكم الهادي المهدي» ، بورا في قولها ، وتعديا في أمرها ، وإحالة في حجتها ، وغلوا في دينها ، ولو كان ذلك يكون لأحد من العالمين ، لكان لمحمد خاتم النبيين ، ولو نادى في السماء مناد بنبوة النبي لما اختلف فيه من فراعنة قريش منصف ولا غوي (٤٣٤) ، فقولها قبحت أقوالها قول شاهد بالزور عليها في كل أحوالها ، لا يلتفت إليه أحد ، ولا يوجد لمتعلق به ملتحد ، فضيحة على من دخل فيه ، ومهتكة هاتكة لمن نسب إليه ، ولا دليل ولا علم ولله الحمد أدل ما به قلنا من دلائل الإمامة ، وشرحنا من معجزاتها التي فسرنا ، فاعلم ذلك علما يقينا ، وليثبت في قلبك ثباتا

__________________

(٤٣٤) يؤيده قوله تعالى : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ).

٤٣٤

مبينا ، يبن لك به الصواب ، وينحل عنك الارتياب ، إن شاء الله والقوة بالله وله.

تمّ والحمد لله وحده

٤٣٥

وله أيضا عليه‌السلام :

تثبيت إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه

بسم الله الرحمن الرحيم

قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه :

تثبت إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رحمة الله عليه من كتاب الله عزوجل ، ومن قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

إن سأل سائل أو تعنت متعنت جاهل عن تثبيت إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضوان الله عليه.

قيل له : أيها السائل المتكلم المسترشد المتعلم ، تثبت له بقول الله سبحانه ، وقول رسوله المصطفى محمد عليه‌السلام.

فإذا قال : أوجدونا في الكتاب ما قال الله ، وثبتوا لنا كيف قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

قيل له : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» ، ثم قال : «أيها الناس إنه سيكذب علي من بعدي كما كذب على الأنبياء من قبلي ؛ فما جاءكم عني من حديث فأعرضوه على كتاب الله ، فما شاكل كتاب الله فهو مني وأنا قلته ، وما لم يشاكل كتاب الله فليس مني ولم أقله.» ، فلما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «علي مني بمنزلة هارون من موسى» علمنا أنه لم يقل ذلك محاباة ، ولا اختيارا منه ولا مصافاة ، إلا بأمر من الله واجب ، وحق مبين ثاقب ، فلما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علي مني بمنزلة هارون من موسى ، وجدنا تصديق قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثبتا في الكتاب وهو قول الله عزوجل : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ

٤٣٦

مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً) [هود : ١٧] ، فلما قال الله ويتلوه شاهد منه صدق قول الله سبحانه قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «علي مني بمنزلة هارون من موسى.» ، لقول الله (شاهِدٌ مِنْهُ) ، فلما قال رسول الله عليه‌السلام «علي مني» ، وقال الله (شاهِدٌ مِنْهُ) ، كان رسول الله من علي وعلي منه ، بقول الله وبقول رسوله عليه‌السلام ، كرهنا أو أحببنا ، شئنا ذلك أو أبينا ، لا ننظر في ذلك إلى قول محب مريد ، ولا نلتفت إلى قول مبغض مكابر عنيد ، ولا نأخذ في ذلك بتصديق محب ، ولا ننظر أيضا في تكذيب مبغض ؛ لأن الله سبحانه قد حكم في ذلك بما حكم ، واختار سبحانه ما اختاره ، فقال تبارك وتعالى في كتابه المنزل على نبيئه المرسل : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) [القصص : ٦٨] ، ثم قال : (سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [القصص : ٦٨] فحكم الله على من اختار سوى خيرته بالشرك ؛ لقوله عزوجل : (سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [القصص : ٦٨] ، فنسمع الله قد اختار عليا بعد محمد لقول الله (شاهِدٌ مِنْهُ) ، ولقول الرسول : «علي مني» ، وذلك لعلم الله تبارك وتعالى في عليّ ؛ لأن عليا سبق الخلق إلى الله وإلى رسوله ، لا يشك في ذلك عاقل ، ولا ينازع فيه إلا (٤٣٥) جاهل ، لأن الله سبحانه يقول : (السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [الواقعة : ١٠] ، فلما شهد الله تبارك وتعالى للسابق بالجنة ، أجمع الخلق أن علي بن أبي طالب رحمة الله عليه أسبق الخلق إلى الله وإلى رسوله ، فشهدنا لعلي بن أبي طالب بما شهد الله له به ورسوله ، لا باختيارنا بل من أصل آذاننا (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي

__________________

(٤٣٥) سقط لفظ (إلا) من (ب) و (ج).

٤٣٧

الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً) [الكهف : ٢٩] ، صدق الله سبحانه ، وبلغت رسله ، وإنا على ذلك من الشاهدين ، والحمد لله رب العالمين (٤٣٦) أولا وآخرا ، وصلى الله على محمد المصطفى وآله النجباء وسلم.

__________________

(٤٣٦) سقط من (أ) : لفظ (رب العالمين).

٤٣٨

وله أيضا عليه‌السلام في :

ذكر خطايا الأنبياء عليهم‌السلام

مما يسأله إبراهيم بن الحسن العلوي (٤٣٧) رحمة الله عليه

بسم الله الرحمن الرحيم

قصة آدم عليه الصلاة والسلام

سئل الهادي إلى الحق يحي بن الحسين صلوات الله عليه عن قول الله تبارك وتعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) [الكهف : ٥٠] ، كيف كان السجود من الملائكة صلوات الله عليهم؟

فقال : معنى قوله : (اسْجُدُوا لِآدَمَ) ، إنما أراد بذلك اسجدوا من أجل آدم تعظيما لخالقه ، إذ خلقه من أضعف الأشياء وأقلها عنده ، وهو الطين ، فجاز أن يقال : اسجدوا لآدم لما أن كان السجود من أجل خلقه.

وقوله : (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) ، وإنما جاز أن يجعل إبليس معهم في الأمر وإن لم يكن

__________________

(٤٣٧) إبراهيم بن المحسن بن الحسين بن علي بن عبد الله بن الحسن بن عبد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، مشهور الآراء والعلوم ، من خيار الزيدية وكبارهم ، هاجر إلى الإمام الهادي عليه‌السلام ، وتولى للإمام الناصر بن الهادي أعمال المشرق والجوف الأعلى ، ومطره ومليح وبران ومسور ، ثم ولي أعمال ريدة والبون ، وهو الذي ينسب إليه المحسنون من العلويين.

٤٣٩

من جنسهم إذ كان حاضرا لأمر الله لهم ، فأمره بالسجود معهم ، وإن لم يكن جنسه جنسهم ؛ لأن الملائكة صلوات الله عليهم إنما خلقوا من الريح والهوى ، وخلقت الجن كلها من مارج النار. ومارج النار فهو الذي ينقطع منها عند توقدها وتأججها.

قلت : فما الدليل على أن إبليس من الجن؟

قال : قول الله جل ذكره : (إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) [الكهف : ٥٠].

قلت : فهل أمرت الجن كلها بالسجود ، أم خص الله إبليس بذلك دونهم؟

قال : لم يأمر الله سبحانه أحدا منهم إلا إبليس فقد أمره الله بالسجود دونهم.

قلت : أفمخصوص كان بذلك دونهم؟

قال : نعم كان مخصوصا بالأمر.

قلت : فعصيان آدم صلوات الله عليه في أكل الشجرة كيف كان ذلك منه أتعمدا أم نسيانا؟

فقال : قد أعلمك الله في كتابه من قوله : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) [طه : ١١٥] يقول لم نجد له عزما على أكلها واعتمادها بعينها.

ولكن سلني فقل لي : فإذا كان آدم في أكل الشجرة ناسيا كيف وجبت عليه العقوبة ، وقد أجمعت الأمة على أنه إذا نسي الرجل فشرب في رمضان وهو ناس ، أو أكل وهو ناس ، أو ترك صلاة حتى يخرج وقتها وهو ناس ، أو جامع امرأته في طمثها وهو ناس ، لم يجب عليه في ذلك عقوبة عند الله ، فكيف يجب على آدم صلوات الله عليه العقوبة في أكل الشجرة ناسيا؟

فإن سألتني عن ذلك قلت لك : إنما عوقب آدم صلوات الله عليه في استعجاله في أكل الشجرة ، وذلك أن الله تبارك وتعالى لما نهاه عن أكل الشجرة وهي البر ، وأمره بالشعير ، ولم يحظره عليه ، فكان يأكل من شجرة الشعير وهي ورق ولم تحمل ثمرا ، فلما صار فيها الحب والثمر أشكل (٤٣٨) عليه أمرها ، فلم يدر أيهما نهي عنها ، فأتاه اللعين بخدعه

__________________

(٤٣٨) في (أ) : اشتكل.

٤٤٠