مجموع رسائل الإمام الهادي إلى الحق القويم يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم عليهم السلام

مجموع رسائل الإمام الهادي إلى الحق القويم يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم عليهم السلام

المؤلف:


المحقق: عبدالله بن محمّد الشاذلي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٨

الْمُفْلِحُونَ) [المجادلة : ٢٢] ، (٦٩) أهل فضاضة على الكافرين وغلظة ، ذوو رحمة (٧٠) بالمؤمنين ورأفة ورقّة ، يقيمون الصلاة ، ويؤتون الزكاة ، ويبتغون الفضل من الله والنجاة ، ويطلبون منه الرضوان والرحمة والحياة ، فهم كما قال الله فيهم وفيمن تقدم قبلهم من آبائهم ومن سلك مسلكهم (٧١) من أولادهم (٧٢) ، بهم ضرب الله الأماثيل (٧٣) في التوراة المطهرة والإنجيل ، وهم وعدوا في واضح التنزيل المغفرة والرحمة والجزاء العظيم ، ألا تسمع كيف يقول في ذلك الرحمن الرحيم : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [الفتح : ٢٩].

فأي عزة أعز (٧٤) من عزة أولياء الرحمن وحزبه ، وأعداء الشيطان وحزبه ، الذين جعلهم الله حكام أرضه ، وأطلق أيديهم في إنفاذ حكمه ، وأوجب طاعتهم على جميع خلقه ، فأمرهم بمجاهدة الكافرين وضمن لهم النصر على من خالفهم من الفاسقين ، أولاد النبي ، ونسل الوصي ، ومعدن العلم والرحمة ، والبر والفضل والحكمة ، ومختلف الملائكة المقربين ، ومهبط وحي ربّ العالمين ، الذين من الرجس طهّروا ، وبولادة الرسول كرّموا ، وبذلك في التنزيل ذكروا ، وذلك قول الرحمن الرحيم فيما نزل من النور الكريم : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ

__________________

(٦٩) في (ب) : فهم.

(٧٠) في (ب) : ورحمة.

(٧١) في (ب) : سبيلهم.

(٧٢) في (ب) : من أودائهم.

(٧٣) في (ب) : الأمثال.

(٧٤) في (ب) : عزا.

١٠١

لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب : ٣٣] ولكثير (٧٥) ما جاء من تفضيل الله عزوجل لآل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما نزل في (٧٦) واضح التنزيل ، والقول مما يطول لو شرحنا به الكتاب ، ويعظم ويجل القول والخطاب ، والحمد لله على ما خصنا به من الفضل المبين ، وجنبنا سبحانه عن الحظ الغبين.

باب معنى الإرادة من الله

إن سأل سائل : فقال أخبرونا عن إرادة الله ذي الجلال ، أتقولون إنها قديمة أزلية كالعلم والقدرة أوّلية؟

قيل له : إن العلم والقدرة خلاف ما سألت عنه من الإرادة ، لأن العلم والقدرة من صفات الذات ، والإرادة حادثة بإحداث المحدثات ، والإرادة ، فمخلوقة محدثه كسائر المحدثين ، والعلم والقدرة فأزليان غير مخلوقين ، والدليل على ما قلنا به وفيه من ذلك والشاهد لنا على أنه في الله سبحانه كذلك أن العلم والقدرة لو كانا شيئين محدثين لكان يلحق بالله جل جلاله العجز والجهل في الحالين ، لأنه إن جاز أن يكون فينة (٧٧) غير عالم فقد كان بلا شك جاهلا ، وإن جاز أن يكون فينة من الدهر غير قادر فقد كان بلا مرية في العجز داخلا ، فقد ثبت بحمد الله أنه لم يزل قادرا عالما ، ومن الآفات والصفات الزائلات الناقصات سالما ، وإذا قد صح أنه لم يزل عالما قادرا في (٧٨) كل الحالات والأوقات ، فقد صح أن العلم والقدرة من صفات الذات.

وأما الإرادة منه جل جلاله وتقدس عن أن يحويه قول أو يناله ، فمحدثة مكونة

__________________

(٧٥) في (ب) : والكثير.

(٧٦) في (ب) : من.

(٧٧) الفينة : الساعة والطرف من الدهر. تمت من القاموس.

(٧٨) في (ب) : وفي.

١٠٢

موجودة وعن صفات ذاته زائغة باينة ، تحدث بإحداث فعله ، إذ ليس هي غير خلقه وصنعه ؛ لأن إرادته للشيء خلقه له ، وخلقه له فهو إيجاده إياه ، وإيجاده إياه فهو إرادته له ، فإذا خلق فقد أراد وشاء ، وإذا أراد فقد خلق وبرا ، لا فرق بين إرادته في خلق الأجسام ومراده ؛ لأن إرادته لإيجاد الاجسام هو خلقه لما فطر من الصور التوام ، لا تتقدم له إرادة فعلا ، ولا يتقدم له أبدا فعل إرادة ، ولا تفترق إرادته وصنعه ، بل صنعه مراده ، ومراده إيجاده. وإنما يتقدم الإرادة فعل المفعول إذا كان الفعل مخالفا للمفعول المجعول ، وكان الفعل متوسطا بين الفاعل ومفعوله ، فحينئذ تتقدم إرادة المريد أفاعيله ومعموله ، وذلك فلا يكون إلا في المخلوقين ، ولن يوجد ذلك أبدا في رب العالمين ؛ لأن كل مفعول للمربوبين فإنما قام وتجسم واستوى من بعد العدم وتم بالفعل المتقدم له من الحركات ، بالرفع والوضع في الحالات ، من ذلك ما يعلم ويرى من عمل الصانع البناء وإحكامه لما يحكم من البناء ، فالفاعل للبناء قبل الفعل ، والفعل قبل المفعول ؛ لأن فعل البناء هو الحركات ، والتحيل بالرفع والتسوية ، والتقدير والوضع لحجر فوق حجر ، ومدر بعد (٧٩) مدر حتى يتم له بفعله مفعوله ، ويلتئم له ببعض حركاته معموله ، ولو لا ما كان منه من فعله لما تم له ما تم من مفعوله ، فبفعل الفاعل كان المفعول ، وبتحيله قام وتمّ له المجعول. فالفاعل من الآدميين جسم وأدوات ، وفعله فعرض بيّن بالحركات ، ومفعوله فبعد عرض الفعل يوجد في الحالات ، فكل جدار وجد أو دار أو عقدة (٨٠) معقودة ، أو ثوب مخيط بخيوط أو رسم بكتاب مكتوب ، أو غير ذلك من الأمور والأسباب ، التي هي من أفعال العباد ، فلم تكن إلا من بعد الحركات ، اللواتي هن أعراض غير متلاحقات ، ولذلك جاز فيها تقدم الإرادات والنيات. وكلما أوجده الرحمن فهو فعل لذي الجلال والسلطان ، ولا يقال إنه له مفعول إلا على مجاز (٨١) الكلام المعقول لما بينا وشرحنا في أول الكلام ، وقلنا من أن

__________________

(٧٩) في (ب) : ومدر فوق مدر. والمدر : قطع الطين اليابس. القاموس.

(٨٠) في (ب) : أو عقد معقود.

(٨١) اعلم أن مراد الإمام صلوات الله عليه بهذا الكلام بيان التأثير من الله سبحانه في المصنوعات ، ـ

١٠٣

المفعول لا يكون إلا وقد تقدم قبله الفعل من الفاعل ، فلا يكون فعل بين فاعل ومفعول إلا وهو حركات بأدوات وتحيل وتفكر وآلات ، فتعالى عن ذلك ذو المن والجلال والسلطان ، وتقدس عن التحيل والحركات الواحد الرحمن (٨٢) ، الذي كل خلقه له فعل ، الذي إذا أراد أن يكون شيئا كان بلا كلفة ولا عون أعوان ، أمره نافذ كائن ، ومراده لمراد غيره فمفارق مباين.

ومن الحجة على من زعم أن إرادة الله متقدمة لفعله أن يقال له : ألست تزعم أن إرادته متقدمة لأفعاله؟ فإذا قال : كذلك أقول. قيل له : ألست تعلم في صحيح العقول أن ذلك إن كان كذلك أنهما شيئان اثنان ، الإرادة شيء ، والفعل شيء؟ فلا يجد بدا من أن يقول أجل. فيقال له : فأي الاثنين تقدم صاحبه فكان وحدث قبله؟ فإن قال : الإرادة حدثت قبل الفعل. فسواء كان بينهما قليل أم كثير ، فقد أوجب وأدخل بذلك على ربه النية والضمير ، والانطواء على ما لا يجوز في اللطيف الخبير ، ومتى قال بذلك قائل فقد شبه ربه بالمخلوق الزائل ذي الجوانح المضمرات ، والأدوات المتصرفات ، والآراء المتناقلات ، وهذا فإبطال التوحيد ، ونفس الكذب على الواحد الحميد ، ونقض ما نزل في الكتاب المجيد. فإن (٨٣) هو قال : بل الفعل سبق الإرادة. وقد علمنا أن الفعل هو المخلوق فقد قال : إن

__________________

وأنها مفعولات لله عزوجل على الإطلاق ، أي لم يقع عليها فعل الفاعل بعد وجودها إذ هذه يقال لها مفعولات بها كما هو حدها عند أهل العربية ، ولذا قال بعضهم إن السماوات في خلق الله السماوات مفعول مطلق ، فإذا لا يقال لما خلقه الله واخترعه سبحانه مفعول إلا على سبيل المجاز لأنه يتبادر منه المفعول به إذ هو حقيقة فيه ، وهذا المجاز الذي أفاده الإمام صلوات الله عليه من باب الاستعارة المصرحة والعلاقة ما بينهما من المشابهة. فلنتدبر لمدارك هذه العبارات الشريفة وموارد هذه الكلمات الهاديات المنيفة المؤيدة بالتنوير الإلهي والتوفيق الرباني. تمت إملاء المولى العلامة المجتهد / مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى وجزاه خيرا ، عام ١٣٥٩ ه‍ من هامش (أ).

(٨٢) في (ب) : الواحد المنان.

(٨٣) في (ب) : وإن.

١٠٤

الخالق للمخلوقين غير الله رب العالمين ؛ لأن الله سبحانه وجل عن كل شأن شأنه لا يخلق إلا ما يشاء ، ولا يشاء إلا ما يريد من الأشياء ، وكذلك قال الرحمن فيما نزل من الفرقان : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) [القصص : ٦٨] وقال سبحانه : (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) [الحج : ١٤] ، وقال سبحانه : (وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) [الحج : ١٨] ، ففي كل ذلك يخبر أنه لن يفعل إلا ما يشاء ولن يشاء إلا ما يريد من الأشياء ، وكذلك الله تبارك وتعالى. أولا ترى أن الفاعل لما لا يريد فجاهل مذموم من العبيد ، فكيف يقال بذلك في الله الواحد الحميد؟!

ومن الحجة على من قال : إن الإرادة من الله سابقة للمراد ، وإنها في الله ذي العزة والإياد كالعلم والقدرة ، وإنه لم يزل مريدا كما لم يزل قادرا عالما أن يقال له (٨٤) : هل كان الله في الأبد والقدم خالقا لما أراد أن يخلق ، إذ لم يزل في قولك مريدا للخلق كما أنه لم يزل عالما بما يكون ، قادرا على فعل ما يشاء إذا أراد فعله وشاءه؟ فإن قال : نعم ؛ فقد أثبت الخلق مع الخالق في القدم ، فتعالى عن ذلك ذو الجلال والكرم ، إذ قد جعل معناه ومعنى غيره من العلم والقدرة سواء ، ومتى كانا سواء فلم يفترقا في سبب ولا معنى ، فكل ما نزل بأحد هذه الثلاثة الأشياء من العلم ، والقدرة ، والإرادة فهو نازل بصاحبيه ، وحال بمشاكليه ، ومحيط بمناظريه ، ولا يخلو من جعل المشيئة والإرادة كالعلم والقدرة من أن يحمل العلم والقدرة على معنى المشية والإرادة ، أو أن يحمل معنى المشية والإرادة على معنى العلم والقدرة ، فإن حمل العلم والقدرة على معنى الإرادة والمشية والخلق جعلهما مخلوقين محدثين بأحق الحق ، وإن حمل معنى الإرادة والمشية والخلق على معنى العلم والقدرة جعل الإرادة والمشية والخلق شيئا قديما أزليا ، وفي أزلية الإرادة أزلية الخلق ، وفي ذلك إبطال التوحيد ، والشرك بالله الواحد الحميد. فقد بطل قول من قال بأحد هذين المعنيين لما بان لأهلهما فيهما من الفساد في كلتا الحالتين ، وثبت ما قلنا به من أنه لا فرق بين إرادة الله ومراده ، وأن الإرادة منه هي المراد وأن مراده هو الموجود المدبّر الكائن المخلوق المجعول ،

__________________

(٨٤) في (ب) : لهم.

١٠٥

إذا أراده فقد كونه ، وإذا كونه فقد أراده ، لا تسبق له حالة حالة في الفعل منه سبحانه والإرادة ، فسبحان علام الغيوب ، ومقلّب القلوب ، ونسأل الله الواحد الحميد أن ينفعنا بما علمنا ، وأن يمن علينا بإيزاع الشكر فيما امتن به علينا.

ومما يحتج به على أهل هذا المقال ، المتحيرين في الله الضّلال ، أن يقال لهم : خبرونا عن إرادة الله سبحانه لخلق السماوات والأرض؟ هل هي إرادته لإبادتهما وتبديلهما في يوم الدين؟ فإن قالوا نعم قيل لهم : فهلا وقعت بهما الإبادة والتبديل مع وجود خلقهما سواء سواء؟ فقد يلزمكم في أصل قولكم وقياسكم أن تقولوا إن الأرض والسماء قد بادتا وبدلتا ساعة ما خلقتا وأوجدتا ؛ إذ الله سبحانه قادر على ما يشاء ، وإذ مراده نافذ ماض أبدا ؛ لأنكم تزعمون أن إرادة الله سبحانه لخلقهما وإيجادهما هي إرادته لإبادتهما وتبديلهما ، ومتى كانت الإرادة في ذلك واحدة سواء (٨٥) ؛ فلا شك أن المراد يقع مجتمعا معا ، لا يسبق بعضه بعضا ؛ إذ لم يتقدم من الإرادة شيء شيئا ، وإن (٨٦) قالوا ليست الإرادة من الله لخلقهما بإرادته لتبديلهما وإبادتهما ؛ لأن إرادته نافذة ؛ وقدرته ماضية ، وقد أراد أن يخلقهما فخلقهما ، وإذا أراد أن يبدلهما بدلهما ، فقد أقروا أن لله إرادة تحدث في كل الحالات ، ومتى كانت كذلك لم يكن (٨٧) أبدا أزليه ، وزال عنها اسم القدم والأولية ، وإذا ثبت أنها حادثة ، ثبت أنها محدثة ، وإذا ثبت أنها محدثة ، ثبت أنها مجعولة مقدرة ، وإذا ثبت أنها مجعولة مقدرة ، ثبت أن المجعول المقدر هو المخلوق المدبر ، وأن الإرادة ليست غير الموجود المفطور المصور ، وإذا قد ثبت ذلك فقد ذهب ما يقولون به من الفرق بين إرادة الله وفعله ، وثبت أن فعله إرادته ، وأن إرادته سبحانه فعله ، إذا أوجد شيئا فقد أراده ، وإذا أراده فقد أوجده ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد خاتم النبيين ، وعلى أهل بيته الطاهرين.

__________________

(٨٥) في (ب) : سقط لفظ (سوء).

(٨٦) في (ب) : فإن.

(٨٧) في (ب) : تكن.

١٠٦

ومن الحجة على من فرق بين إرادة الله وفعله ، فزعم أن إرادة الله سبحانه متقدمة لإيجاده وصنعه قول الله سبحانه : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس : ٨٢] ، فمعنى قوله سبحانه لمراده كن فهو إيجاده له ، وخلقه إياه ، لا أنه يكون منه إليه قول ، ولا له ؛ لأنه لو كان كما يظن الجاهلون أنه يأمره بالكون فيكون ، لكان القول من القائل متوسطا بين الفاعل والمفعول ، والقول فهو فعل ، ولو توسط الفعل من الرحمن ، لكان مشابها لفعل الإنسان ، بأبين ما يكون من البيان ، فقد بطل بحمد الله أن يكون كذلك لما ذكرنا واحتججنا به أولا في ذلك.

ومن الحجة عليهم ، ومما يبطل ما هو في أيديهم ، أنه لو كان منه أمر له كما يقولون ، لم يخل من أن يكون يأمره وهو عدم غير موجود ، ومخاطبة العدم الزائل المفقود فأحول المحال ، ومخاطبة العدم من الآدميين فأضل الضلال ، فكيف يجوز أن ينسب ذلك إلى الواحد ذي الجلال! أو يكون أمره وهو موجود كائن قائم غير مفقود فأمر الكائن القائم الموجود بأن يكون محال ؛ لأنه قد استغنى بتجسمه وكينونته عن التكوين في حال من الحال ، كما لا يجوز أن يؤمر القائم بالقيام ، ولا النائم بالمنام ، ولا الراكب في حال ركوبه بالركوب ، ولا المهرول المدبر بالخبوب (٨٨) ؛ لأنه إذا كان في حال كذلك مستغن عن أن يؤمر بشيء من ذلك ، فقد سقط أن يكون أمر من الله للشيء في حال من الحال ، فإذا سقط ؛ سقط ما يتعلقون به وفيه من زور المقال ، وثبت ما قلنا به من إيجاد الله له ذي الجلال.

فإن قال قائل : إن معنى قول الله سبحانه للشيء كن فيكون ، هو أن يقول للشيء كن شيئا آخر مثل الصلصال الحما ، قال له كن صورة وبشرا ، فكان كما أمره ربه حقا ، ومثل النطفة قال لها كوني علقة ، فكانت علقة ، ثم أمر العلقة ، فكانت مضغة ، ثم قال للمضغة كوني عظاما ، فكانت عظاما ثم كساها لحما وجسمها بقدرته جسما ، فهذه أشياء غير مفقودة ، تؤمر فتنتقل أجساما موجودة.

قيل له : إن الفروع لا يقاس عليها الأصول ، وإنما ترد الفروع إلى ما هي منه من

__________________

(٨٨) الخب : السرعة. تمت من اللسان.

١٠٧

الأصول ، وهذه الأشياء التي ذكرت ، فإنما هي مخلوقات تنتقل من خلق إلى خلق في الحالات ، وكذلك قال فيها وسمّاها بالخلق ، ودعاها رب الأرباب ، فيما نزل من محكم الكتاب ، ألا تسمع كيف يذكر أنه خلقها؟ ولم يذكر في شيء من ذلك أنه أمرها ، وذلك قوله : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [المؤمنون : ١٢ ـ ١٤] ففي ذلك يذكر تبارك وتعالى أنه خالق مصور لعبده ، منقل له في هذه الأشياء ، ولم يذكر فيما احتججت به في هذه الآية له دون الخلق أمرا ، والخلق من الله فلا اختلاف بيننا وبينكم فيه ، وإنما الاختلاف بيننا وبينكم في الأمر الذي أزحتموه عن معنى الخلق ، ولم تقيسوه عليه طمعا أن تثبتوا قدم الإرادة على الفعل من الله الحميد ، فتثبتوا عليه بذلك سبحانه التشبيه ، وتدفعوا التوحيد ، فتشاركوا النصارى في قولها ، وتمازجوا بأموركم أمرها ، ولو أنكم أنصفتم عقولكم ، وتركتم المكابرة عنكم ، ثم رددتم متشابه الأمور إلى محكمها ، وما شذ من فرعها إلى أصلها ثم نظرتم إلى أمر النطفة مم هي ومم كانت حتى تنتهوا إلى ما منه ابتدئت وبانت (٨٩) ، لوجدتم أصل ذلك إن شاء الله من الطين ، وأصل الطين فمن الماء بأيقن اليقين ، وكذلك فأصل خلق الشياطين فمن مارج من نار. فإذا رجعتم إلى الأصول الثلاثة المبتدعة المفطورة من الريح الجارية المسخرة ، وما خلق سبحانه من الماء ، وما فطر فوقه من عجيب الهوى ، ثم خلق من هذه الثلاثة الأشياء جميع ما ذرأ وبرأ ، لكان حينئذ يصح لكم القياس ، ولا يقع عليكم إن شاء الالتباس ، ويبطل الأمر الذي تقولون به وتذهبون إليه ، إذ لا بد أن تقروا أن هذه الثلاثة الأشياء خلقت وابتدعت من غير ما أصل مبتدأ ، وأن الله الأول الموجد لأصل كلما يوجد ويرى ، فيسقط ما قلتم به في معنى القول من الله للشيء أنه أمر من الآمر للمأمور ، ويثبت القول للموحدين ، بأن القول من الله للشيء هو الإيجاد له والتكوين والتقدير ، والإخراج من العدم إلى الوجود والتصوير ، أو يثبتوا مع الله في الأزلية

__________________

(٨٩) في (ب) : وكانت.

١٠٨

والقدم شيئا (٩٠) ، فتعالى عن ذلك العلي الأعلى ، ومن قال من المخلوقين بذلك ، وقع بحمد الله في غيابات المهالك ، وخرج من معرفة الرحمن ، وأكذب ما ذكر الله في القرآن من قوله : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) [الزمر : ٦٢ ـ ٦٣] ولو كان شيئا غير واحد ، إذا لما كان خالقا لكل ما ذكر من الأشياء ، وفي أقل ما قلنا به وتكلمنا ، فرق بين إرادة الله وإرادتنا.

تفسير إرادة الله لأفعال العباد

فإن قال قائل (٩١) من المتكمهين (٩٢) الضلال ، المتعلقين بالشبهات والمحال : أليس قد أراد الله من الخلق أن يطيعوه ، ويعبدوه ولا يعصوه؟

قيل له (٩٣) : كذلك الله تبارك وتعالى ، وفي ذلك ما يقول العلي الأعلى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦] ، وقال (٩٤) : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة : ٢١] فلما أن أمرهم بطاعته علمنا أنه لم يخلقهم إلا لعبادته ، وذلك فمراده منهم ، إذ له أوجدهم.

فإن قال : فهل كان ما أراد ذو الجلال والسلطان؟ فإنكم إن قلتم إنه قد كان ما أراد الرحمن (٩٥) ، أوجبتم أن يكون الخلق كلهم مطيعين ، ونفيتم أن يكون فيهم أحد من

__________________

(٩٠) في (ب) : وأشياء.

(٩١) ذو مقال. نخ.

(٩٢) في (ب) : المتكلفين.

(٩٣) في (ب) : لهم.

(٩٤) في (ب) : ويقول.

(٩٥) في (ب) : الرحيم.

١٠٩

العاصين ، وإن قلتم إنه لم يكن ما أراد الواحد ذو الجلال ، فقد أقررتم بتقديم إرادة الله على كل حال.

قلنا له : إن إرادة الله في فعله ، هي خلاف إرادته في فعل غيره ، وكلامنا فإنما هو في فعل الرحمن ، لا فيمن خلق وذرأ من الإنسان ، فإرادته فيما خلق (٩٦) ، هو إيجاده له على ما تقدم في أول كلامنا من القول فيه ، وإرادته في أفعال عباده فإنما هي إرادة نهي وأمر ، لا إرادة حتم وجبر ، أراد منهم الطاعة غير مكره لهم عليها ، كما أراد أن لا يكون منهم المعصية غير حائل بينهم وبينها ، بل بالطوع منهم أراد كونها ، لا بالإكراه لهم والقسر عليها والإجبار ، فأمرهم ونهاهم ، وبصرهم وهداهم ، ومكنهم من العملين ، وهداهم في ذلك النجدين ، ثم قال سبحانه : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [القصص : ٨٤] ثم قال جل جلاله ، عن أن يحويه قول أو يناله : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) [الكهف : ٢٩] فكانت إرادته في أفعالهم الأمر لهم بالمرضي من أعمالهم ، فنفذت إرادته في الأمر لهم كما أراد ، ولو أراد أن يجبرهم (٩٧) لجبرهم ، ولو جبرهم على صنعهم وفعالهم لكان العامل لما يعملونه دونهم من أعمالهم ، ولو كان العامل لما يعملونه دونهم لكان الآمر لنفسه دونهم بما فعلوه ، ولكان هو المشرك بنفسه لا هم ، ولكان العابد لأصنامهم دونهم ، لو كان على ما يقولون ، إذ هو الصانع لكل ما صنعوا ، والممضي دونهم لكل ما أمضوا ، ولكانوا هم من كل مذموم أبرياء ، وفي حكم الحق مطيعين أتقياء ، وعند الله للثواب مستاهلين سعداء ، إذ هم فيما صرفهم ربهم متصرفون ، وفي قضائه ومشيته ماضون ، فتعالى الله الرحمن الرحيم ، عمّا يقول (٩٨) فيه حزب الشيطان الرجيم.

__________________

(٩٦) في (ب) : يخلق.

(٩٧) في (ب) زيادة : على طاعته.

(٩٨) في (ب) : في : يقولون.

١١٠

إرادة الله لإخباره

فإن قال قائل : قد فهمنا ما احتججتم به في الفرق بين إرادة الله في فعله وإرادة الله فيما سوى ذلك من فعل غيره ، فما عندكم فيما قصه الله وذكره وأخبر به من أخبار الآخرة ، وقيام الساعة ، فهل أراد تبارك وتعالى أن تقوم القيامة ، ويكون الثواب ، ويقع بأهله العقاب؟ فقد نجده قد أخبرنا بذلك كله ، فهل أراده كما أراد الإخبار به؟

فقولنا : إن شاء الله لمن سأل عن ذلك ، إن الله تبارك وتعالى أراد أن يخبر بما أخبر به ويذكر ما ذكر ، فكان ما أراد ، وكانت إرادته في ذلك هي المراد ، من الإخبار نفسه ، فأمّا أن يكون أراد أن تقوم القيامة ويقع الجزاء عند ما أخبر به من خبرهما فلم يرد ذلك ، ولو كان مراده فيه كذلك ، لكان أول الخلق قد واقع وعاين القيامة والجزاء ، وكان قد انقطع النسل والنماء ، وحل بالأولين دون الآخرين ما يتقى ، ولكنه سبحانه أخبر عما سيكون من فعله ، وهو سبحانه بغير شك يريد أن يقيمها في وقت ما شاء ، والوقت فهو في علمه معلوم مسمى ، فإذا أراد إقامتها قامت ، وإذا شاء أن يجليها تجلت ، ولم يشاء سبحانه أن يجليها ، إلا في وقتها الذي إليه أجلها كما قال سبحانه : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) [الأعراف : ١٨٧] إلى آخر الآية ، فهو سبحانه يريد أن يقيمها لوقتها ، ولم يرد أن يقيمها في دون ما جعل من مدتها ، وبين يريد وأراد في اللغة واللسان ، فرق عند جميع أهل اللغة العربية والبيان ، لأن معنى يريد ، فهو سيفعل لا أنه قد فعل ، ومعنى أراد ، فهو أمضى وفعل لا سيفعل ، وبين الفعل المستقبل والفعل الماضي فرق في جميع المعاني من القول والإعراب ، وغير ذلك من غوامض الأسباب ، يعرفه ويعلمه ويقف عليه ذوو الألباب ، وليس من قيل له إنه يريد أن يفعل كذا وكذا في الحكم ، كمن قيل له إنه قد فعل ما به أقدم وعليه اجترى ، والحكم عليه من الله ومن رسوله ومن الأئمة الهادين بالقطع

١١١

والصلب ، والقتل والضرب ، والحبس والتنكيل ، فلا يقع على من يريد عمل ما جعل (٩٩) فيه (١٠٠) ذلك ولم يفعله ، وإنما يقع ذلك ويجب على من دخل فيه واكتسبه وفعله ، وفي أقل من ذلك نور وبرهان ، وفرق بين أراد ويريد وفصل وتبيان (١٠١) ، عند كل ذي علم وحجى ، وبصيرة ويقين واهتدى.

والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على محمد النبي المصطفى ، وعلى من طاب من عترته وزكى.

باب تفسير معنى الأعلى

الأعلى هو : العظيم المستعلي على الأشياء بقدرته ، القاهر الذي لا يرام لعزته وعظمته ، الواحد البائن عن مشابهة شيء من خلقه ، وكذلك معنى : (تعالى علوا كبيرا) لا يتوهم الجاهلون أنه مستعل فوق شيء عال ، يحيط به ذلك الشيء ويحويه ويحدق به ، تعالى عن ذلك وحاشاه ، وكيف يكون كذلك ، أو يجوز فيه القول بذلك ، وهو بكل مكان كما قال سبحانه في واضح الفرقان : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [المجادلة : ٧] ، ولو كان كما يقول الضالون ، ويصفه به المشبهون ، لبطل ما قال في القرآن من أنه جل وعز بكل مكان.

باب تفسير معنى الكبير ومخرج ذلك في اللطيف الخبير

معنى الكبير فهو : البائن عن مشابهة المخلوقات ، القديم الأزلي الذي لا تنقصه

__________________

(٩٩) في (ب) : يجعل.

(١٠٠) أي عمل ما جعل عليه من العقاب.

(١٠١) في (ب) : وبيان.

١١٢

الساعات ، الأوّل الذي لا تراه العيون ولا تعروه السنات ، ولا تستتر منه غوامض أسرار القلوب المحجوبات ، ولا تحيط به الأقطار ولا تشتبه عليه اللغات ، الذي هو من تخوم الأرضين كهو من أعالي السماوات ، وكذلك القول في معنى قوله (الجليل) ، فتبارك من لا إله غيره ولا شيء يشبهه ، المصور لكل صورة من خلقه ، المقدر الذي لا يكون فعل كفعله.

باب تفسير معنى : إن الله بكل مكان

إن سأل سائل مسترشد أو متعنت ، فقال : ما معنى قولكم إن الله بكل مكان؟ تبارك ذو المن والإحسان.

قلنا له : معنى قولنا ذلك في ربنا ، إنما نريد أنه هو الشاهد لنا غير الغائب عنّا ، لا يغيب عن الأشياء ، ولا يغيب عنه شيء قرب أو نأى ، وهو الله الواحد الجليل الأعلى ، لأن من غاب عن الأشياء كان في عزلة منها ، والعزلة فموجدة للحد والتحديد (١٠٢) ، ومن غابت عنه المعلومات ، كان من أمرها في أجهل الجهالات ، وكانت عنه عازبة غائبة ، والله سبحانه فلا تخفى عليه خافية ، سرا كانت ولا علانية ، فعلى ذلك يخرج قولنا إن الله بكل مكان ، نريد أنه العالم الشاهد لكل شأن.

باب تفسير معنى : أين الله؟

إن سأل سائل : فقال أين الله؟ قيل له : مسألتك تحتمل وجهين ، وتنصرف في اللغة على معنيين ، أحدهما : أن تكون (١٠٣) تريد أين الله حال ، وهذا فباطل فاسد من المقال ، متعال عنه ذو القوة والعزة والجلال ، لأن ذلك يوجب التحديد ، ومتى وقع التحديد وقع

__________________

(١٠٢) لأن المعتزل لا بد أن يكون معتزلا في مكان ، ومن كان في مكان كان له حدود.

(١٠٣) في نخ من هامش (أ) : (تكون) وفي الأصل : (تكن).

١١٣

التّبعيض ، ومتى وقع التّبعيض وقع التشبيه ، فإذا وقع التشبيه ، زالت الربوبيّة بلا شك عن ذلك الشيء المبعض المحدد المجزّأ ؛ لأن الخالق على خلاف المخلوقين ، ومن وصف بصفة المربوبين فقد أزيل عنه أن يكون جاعلا ، وصحّ أنه من المخلوقين ، وبطلت وبعدت منه الوحدانية ، وزالت من صفاته بغير ما لبس الأزلية ، والله جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله ، فهو الواحد الأزلي ، والخالق المحدث الباري ، الذي ليس له ضد ولا شبيه ولا مثل ولا عديل ، وهو الله الواحد الفرد الصمد الجليل.

وإن كنت تريد بقولك أين الرحمن؟ تقول : أين هو مدبر فاعل لكل شأن؟ فهو كما ذكر عن نفسه بكل مكان مدبر فاعل ، يفعل في كل يوم ما يريد ، يميت ويحيي ، ويخلق ويرزق ، وهو الواحد الحميد ، العالم لا يخفى عليه مختف ، بل علمه به كعلمه بالظاهر المتجلي ، فهو سبحانه كذلك ، وهذا جوابنا ، وقولنا لمن سأل عن ذلك ، لا ما يذهب إليه المشبهون لربهم ، المتكمهون (١٠٤) في بحور ضلالهم ، والعابدون لغير إلههم ، إذ هم يعبدون الذي هم يذكرون ، ويصفون وينعتون ، ويحددون ويبعضون ، والله الخالق الباري ، فخلاف ما يصفون ، فلذلك قلنا إنهم غيره يعبدون ، فالجاهلون يعبدون صورة وجسما ، والله فهو المجسّم المصوّر لكل جسم ، ومصوّر المصوّر فخلاف المصوّر ، لأن المصوّر فاعل ، والمصوّر مفعول به ، والفاعل فليس بالمفعول ، لأن الفاعل قبل مفعوله ، فقد بان أن المشبهين يعبدون غير رب العالمين ، فقد كفروا بالخالق ، وعبدوا المخلوق ، فبعدا لأصحاب السعير ، والحمد لله الواحد القدير.

__________________

(١٠٤) قال في القاموس : والمكمه العينين ك (معظم) : من لم تنفتح عيناه ، والكامه من يركب رأسه ، ولا يدري أين يتوجه كالمتكمه منه باللفظ ، وأيضا منه الكمه : محركة العمى يولد به الإنسان منه. ا ه من هامش (أ).

١١٤

باب تفسير معنى القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر

القدوس فهو : المستحق من خلقه للتقديس ، والتقديس فهو التنزيه والتعظيم ، وكذلك ربنا الواحد الكريم.

والسّلام فهو : السالم من الآفات التي تحل بغيره ، النازلات بالخلائق الحالة بهم ، الهاجمة عليهم.

والمؤمن فهو : المؤمّن لأوليائه من أليم عذابه ، الصارف عنهم ما يوقع بأعدائه من عقابه.

والمهيمن فهو : المتقدس الحاكم ، الشاهد على خلقه بحكمه العادل.

والعزيز فهو : الغالب الجليل ، الممتنع المتعالي عن التشبيه والتمثيل ، المتعزز فلا يرام ، العظيم الجليل فلا يضام ، المعز لأوليائه ، المذل لأعدائه.

والجبار فهو : المالك القاهر ، الذي ما جبر من الأشياء كلها انجبر ، فكان على ما جبره وصوره من الأجسام ، فتبارك الله ذو الجلال والإنعام ، الذي جبل الأشياء وجبرها على ما شاء من تصوير خلقها ، وتركيب أجسامها وأبعاضها ، وتقدير ألوانها وأماكنها ، وتغيير طعم مأكولها ، واختلافها ، فجبر السماوات على ما أراد من الارتفاع ، وجبر وجبل الأرضين على ما أراد من الاندحاء والاتضاع ، وجبر ما بينهما على ما يشاء من التصوير ، والخلق والتقدير ، والتركيب ، وجبل وجبر العباد على ما شاء من تصويرهم ، وخلق ما خلق من تقديرهم ، فجعلهم من ضعف ، ثم جعل من بعد الضعف قوة ، ثم جعل من بعد القوة ضعفا وشيبة ، كما قال الله سبحانه : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) [الروم : ٥٤] ، وكذلك جبلهم على ما شاء من خلق أجسامهم ، فجعل منهم الطويل والقصير ، وجعل منهم النبيل في جسمه والحقير ، وكلهم يريد الأفضل من الأمور ، فكانوا كما شاء أن يجعلهم ، وجعل فعله فيهم وفي غيرهم آية لهم كما قال سبحانه : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ) [الروم : ٢٢] ، فكان تركيب خلقهم ، كما أراد من تصويرهم ، لا اختلاف في ذلك ولا تفاوت ، كما قال

١١٥

سبحانه : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) [الملك : ٣] ، فالحمد لله الذي جبل العباد وجبرهم على ما يشاء من تركيب خلقهم ، محبوبهم من ذلك وغير محبوبهم ، ولم يجبرهم على شيء من أفعالهم صغيرها ولا كبيرها ، دقيقها ولا جليلها ، بل أمرهم ونهاهم ، وبصرهم غيّهم وهداهم ، ثم بعث إليهم النبيين فأمروهم بطاعة رب العالمين ، وحذروهم أن يكونوا له من العاصين ، وخلق للمطيعين ثوابا وللعاصين نكالا وعقابا ، ثم لم يحل بين أحد وبين طاعته ، ولم يجبر أحدا على معصيته ، بل أمر عباده تخييرا ، ونهاهم سبحانه تحذيرا ، ثم قال ذو المن والعزة والجلال ، من بعد إكمال الحجة عليهم في كل حال : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً) [الكهف : ٢٩] ، وقال تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة : ٧ ـ ٨] ، فتبارك المتقدس عن خلق أفعالهم ، المتعالي عن جبرهم على شيء من أعمالهم ، العدل في كل أفعاله ، الصادق في كل مقاله ، البري من شبه المجعولات ، المتعالي عن درك الغفلة والسنات.

والمتكبر فهو : العظيم الخبير ، الذي لا يشبهه في القدرة والعظمة كبير.

تم الجزء الأول من جزءين من كتاب المسترشد بمن الله وعونه

يتلوه الكلام في الجزء الثاني

١١٦

كتاب المسترشد في التوحيد

الجزء الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليما

باب تفسير قول الله سبحانه (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) ، ومعنى مخرج النفس في الله في اللغة

قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه : إن سأل عن النفس سائل فقال : ما معناها عندكم في الله تبارك وتعالى ، وعلى ما يخرج فيها تفسيركم؟ فقد نجد الله تعالى يقول لنبيه موسى صلى الله عليه : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) [طه : ٤١] ، ويقول : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) [آل عمران : ٢٨].

قلنا له : أيها القائل المتحير في أمره السائل ، إن الله سبحانه وتعالى عن كل شأن شأنه ، لم يرد النفس التي تتوهم ، وإياها تقصد حين تتكلم ، من الأنفس المتنفسة بالروح ، المحتاجة إلى الراحة والروح ، المستكنة في الأجواف ، الجائلة في كل الأعطاف ، وكيف يكون ذلك؟! وكل روح أو نفس فمن خلقه كانا ، بغير ما شك ولا لبس ، ألا تسمع كيف يقول عزوجل؟! (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء : ٨٥] ، يريد سبحانه من خلق خالقي ، وإحداث فاعلي ومحدثي ، ولو كان على ما يتوهمه المشبهون ، ويقول فيه المبطلون ، من أنها نفس في شيء ، إذا لقيل إنهما اثنان ، إذ النفس والشيء شيئان ، ولو كانت نفسا مستجنة في شيء ، لكانت النفس خلافا لذلك الشيء ، وللزم ذلك الشيء العدد والتحديد ، والتحرك والتحرف ، والانحدار والتصعيد ،

١١٧

فتبارك من ليس كذلك ، ولا على شيء من ذلك ، بل هو الله الواحد الأحد ، المتقدس الصمد الذي ليس له شبه ولا مثيل ، ولا ضد ولا عديل.

فأما قوله سبحانه : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) [طه : ٤١] ، فإنما أراد بذلك اصطنعتك لي ، وقربتك نجبا مني ، وكذلك قوله : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) [آل عمران : ٢٨] يريد يحذركم عقابه لتخافوه ، وفي كل أموركم تتقوه ، وفي سرائركم تراقبوه ، والقرآن فإنما نزل على العرب بلغتهم ، وخاطبهم الله فيه بكلامهم ، والنفس تدخلها العرب في كلامها صلة لجميع ما تأتي به من مقالها ، وقد تزيد غير ذلك في مخاطبتها ، وما تسطره من أخبارها ، مثل (ما) ، و (لا) ، وغير ذلك ، مما ليس له عندها معنى ، غير أنها تحسن به كلامها ، وتصل به قيلها وقالها ، من ذلك قول الرجل لصاحبه : (أتيتك بنفسي) ، و (أتيتني بنفسك) ، وإنما يريد : أتيتني أنت دون غيرك ، وتقول العرب : (ما منعك ألا تأتيني) ، تريد : ما منعك أن تأتيني ، فأدخلت (لا) صلة لكلامها ، وأثبتتها كذلك في كتابها ، وفي ذلك ما يقول الرحمن الرحيم ، فيما نزل على نبيه من الفرقان العظيم ، من قول موسى عليه‌السلام (يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) [طه : ٩٢] ، فإنما أراد صلى الله عليه : أن تتبعني ، فأدخل (لا) صلة في الكلام ، ومثل هذا كثير ، فيما نزّل ذو الجلال والإكرام ، من ذلك قوله سبحانه : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران : ١٥٩] ، وقوله : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ) [المائدة : ١٣] ، يريد سبحانه وعظم عن كل شأن شأنه : فبرحمة من الله لنت لهم ، وأراد : فبنقضهم ميثاقهم ، فأتى فيهما ب (ما) صله بغير سبب ولا معنى ، وكذلك وفي مثل ذلك ما يقول الشاعر :

بيوم جدود ما فضحتم أباكم

وسالمتم والخيل تدمى شكيمها

فقال : ما فضحتم أباكم ؛ وإنما أراد : فضحتم أباكم ، فأتى ب (ما) صلة لغير معنى.

وقال الله ذو الجبروت والإنعام ، يحكي عن نبيه عيسى عليه‌السلام في قوله : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) [المائدة : ١١٦] ، يعني صلى الله عليه تعلم غيب أمري وعلانيتي وسري ، ولا أعلم ما غاب من فعلك ولا أطلع إلا على ما اطلعتني عليه من وحيك ، فهذا معنى ما عنه سألت ، لا ما إليه من فاحش القول ذهبت في

١١٨

الله رب الأرباب ، ومسبب ما يشاء من الأسباب. بل كيف يزعم المشبهون ، ويقول على الله المبطلون ، إن الله جسم وصورة ، وأن فيما ذكروا من الصورة له نفسا تجول فيه من مكان إلى مكان!! وقد يسمعون ويرون ما يقول الرحمن الرحيم ، فيما نزل على نبيئه من الوحي الكريم ، حين يقول جل جلاله ، عن أن يحويه قول أو يناله : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) [الأنبياء : ٣٥] فما ذا يقولون لو كانت نفسا كما يزعمون تعالى عن ذلك الرحمن ، وتقدس ذو العرش والبرهان ، أتموت وتفوت ، أم لا تموت ولا تفوت ؛ فإن قالوا تموت كفروا ، ومن الإسلام خرجوا ، وعند أنفسهم فضلا عن غيرهم من أضدادهم ومناظريهم افتضحوا ، وإن قالوا : لا تموت ولا تفوت ، قيل لهم : من أين قلتم ذلك ، وكان عندكم كذلك ، وقد تسمعون (١٠٥) ما حتم به الرحمن ، على كل نفس في القرآن ، ولم يستثن في ذلك نفسا له ولا لغيره ، كما استثنى في غير ذلك من قوله : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص : ٨٨] ، وقوله : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) [الرحمن : ٢٦] واستثنى عند هلاك الأشياء ، أنه الباقي الوارث لكل الأحياء ، واستثنى عند الزوال والفناء وجهه ذو الجلال والبقاء ـ والوجه من الرحمن ، فليس غيره تعالى ذو العزة والسلطان ، ووجهه في اللغة والبيان فهو ذاته بأبين البيان ، فذاته وجهه ، ووجهه سبحانه ذاته ، ليس بذي تحديد ولا أعضاء ، وهو الله الواحد العلي الأعلى ـ ولم يستثن عند هلاك الأنفس وموتها نفسا لخالقها ومدبرها ومشيئها ؛ أفأنتم في قولكم أعلم بالله منه بذاته ، إذ قد نسبتموه إلى غير ما نسب إليه نفسه من صفاته؟! ولو كان كما تقولون ، وإليه في قولكم تذهبون ، إذا لاستثنى نفسه من الأنفس التي تموت وتفنى ، كما استثنى بقاه من الأشياء التي تزول وتبلى ، تعال الله عن ذلك الرحمن الرحيم ، وتقدس الواحد الكريم. فمن أين قلتم إنها له نفس في صورة تبقى ، دون الأنفس التي حتم عليها بالفناء؟ أوجدونا بذلك حجة وتبيانا واشرعوا لنا فيه قولا وبرهانا ، في الكتاب والتنزيل ، والسنة والتأويل ، فلا تجدون ولله الحمد حجة ولا قولا ، ولا تستطيعون إلى إثبات باطل سبيلا ، وكيف

__________________

(١٠٥) في (ب) : سمعتم.

١١٩

يكون ذلك ، أو تقدرون على شيء من ذلك ، والله ذو الطول فيما نزل من الفرقان يقول : (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) [الأنبياء : ١٨] فإن انصفوا كانوا من قولهم خارجين ، وإلى قول المحقين راجعين ، وإن كابروا وجحدوا وتمردوا وعتوا ، كانوا عند جميع الخلق مفتضحين ، وبضد الحق متعلقين ، والحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين.

باب تفسير قول الله سبحانه : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) الرحمن : ٢٦ والرد على من قال أن لله وجها وأنه صورة

يقال لأهل الجهالة والضلال ، فيما يقولون به في الله ذي الجلال ، ويصفونه به من الكذب والمحال ، وينسبون إليه من فاسد المقال ، ما ذا تقولون في قول الله ربكم وما تعتقدون ـ إذ أنتم في قولكم تزعمون أن لربكم وجها كالوجوه التي تعقلون ، وأنه ذو أبعاض فيما تصفون ـ (إذ يقول) (١٠٦) : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [القصص : ٨٨].

أفتقولون : إنما سوى وجهه من سائر أعضائه التي تذكرون يبقى معه أم يفنى دونه؟

فإن قالوا : تبقى معه.

قيل : وكيف يكون ذلك كذلك؟ ولم يذكر البقاء لشيء من ذلك ، فلقد قلتم بخلاف قول العلي الأعلى ، إذ لم يحكم لغير الوجه بالبقاء ، وأنتم تقولون إنه يبقى مع الوجه غيره من الأعضاء ، فلقد بقي مع الوجه إذا شيء وأشياء!!

وإن قالوا : لا يبقى مع الوجه غيره من الأعضاء.

قيل لهم : فقد دخل على الله سبحانه في قولكم الزوال والفناء ، والامحاق والذهاب ، والهلاك والبلاء ، إذ بعضه في قولكم يموت ، ويزول ويتغير ويفوت ، فلقد أدخلتم على

__________________

(١٠٦) زيادة من (ب).

١٢٠