منار الهدى في النصّ على إمامة الأئمّة الإثني عشر

الشيخ علي البحراني

منار الهدى في النصّ على إمامة الأئمّة الإثني عشر

المؤلف:

الشيخ علي البحراني


المحقق: السيد عبدالزهراء الخطيب
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار المنتظر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٢٠

أتقول هذا لحبائب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) (١) الخبر فانظر الى قول سعد في الرد على عثمان أتقول هذا لحبائب رسول الله فانه قاض بان الأزواج لسن داخلات في آية التطهير عند جميع الصحابة ، ولا كان دخولهن فيها معروفا فيما بينهم ، ولو كان ذلك كذلك لكان الواجب ان يحتج سعد على عثمان بالآية ويقول له أتقول هذا لأهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فانه اوضح في الحجة على عثمان حيث ادعا عليهما المعصية التي احلت له سبهما وعرض باصلهما كانه يريد الهجنة ، اي انهما ليستا من ذوات الشرف في النسب او غير ذلك ، فكان الاحتجاج عليه في رد قوله بما يصرح بطهارتهما عن الذنب الزم فضلا عن ان يكون اولى من الاحتجاج بانهما حبائب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فان كونهما من الحبائب لا يمنع صدور الذنب منهما فان عثمان أيضا بزعم سعد من احباء النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ولم يكن ذلك مانعا من صدور الذنب منه عنده ، والا لما انكر عليه قوله على ان عثمان ما ادعا عليهما الا صدور العصيان منهما المجوز سبهما وعلمه بضعف اصلهما ، فرد قوله بشهادة الله لهما بالتطهير اصرح في قطع حجته وابطال دعواه ، فترك سعد الاحتجاج بالآية لهما وتركهما الاحتجاج بها لأنفسهما مع شدة الاحتياج الى ذلك لكثرة ما شتمتا عثمان وشتمهما كما رواه الخصوم دليل صريح على ان الأزواج غير داخلات فيها وكذا قول عمر لابن عباس ، انما عنيت عظيمكم اهل البيت (٢) وقول المغيرة بن شعبة ا تنظران خيل الحلبة من اهل هذا البيت وسعوها في قريش تتسع (٣) دالان على ان اهل البيت قرابة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) النسبية لا الأزواج ، وان ذلك هو المعروف بين اصحاب النبي (صلى الله

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ٩ / ٥ عن الجوهري.

(٢) في محاورة جرت بينهما (انظر شرح نهج البلاغة ١٢ / ٢٠).

(٣) شرح نهج البلاغة ٦ / ٤٣.

٦٦١

عليه وآله وسلم) ، ويزيد ذلك وضوحا ما جرى بين عائشة وعلي (عليه‌السلام) يوم الجمل من المخاصمات وتصريحه للناس بارتكابها المعصية وما جرى بينهما وبين عبد الله بن العباس من الملاحات حين دخل عليها بعد الهزيمة ، وما جرى بينها وبين عمار بن ياسر من المجادلة ونسبة الكل منهم اياها الى ارتكاب المعصية ولم تحتج على واحد منهم لبراءتها من المعصية بآية التطهير كما كان دائما يحتج بها علي وولده ، ويحتج لهم بها شيعتهم ، ولو وجدت شبهة تتعلق بها في دخولها في الآية وتصول بها على الطهارة لسارعت إليها وسبقت في انتهاز فرصتها كل سابق ولا دلت بها الى الناس ، لكنها لم تجد الى هذا سبيلا وشواهد هذا كثيرة جدا وقد مر جملة منها متفرقا في الكتاب وفيما ذكرناه هنا كفاية مقنع فقد اتينا فيه كما ترى بالفصل ليس بالهزل ، واوضحنا فيه نهج الحق ، وازحنا تعللات اهل الشك ، ومنه تعلم انه ليس في الصحابة ولا في ازواج النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) من يدعي ان آية التطهير يدخل فيها الأزواج فضلا عن كونهن مختصات بها كما قال عكرمة ، وان ادخالهن فيها انا هو قول مولد من بعض المتعصبين قصد به ابطال احتجاج اهل الحق على عصمة علي وفاطمة وابيهما حتى يساوي بينهم وبين من خالفهم وخاصمهم من ائمته ليحتمل الخطأ في كلا الطرفين فيرجع حينئذ الى.

ونسكت عن حرب الصحابة

فالذي جرى بينهم كان اجتهادا مجردا

وهيهات هيهات واني له بذاك وقد اسفر الصبح وصرح الحق عن النصح

ومما يدل على عصمتهم من الكتاب أيضا قوله تعالى : (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) (١) فالمروي عن ابن عباس ان المراد بهم آل محمد ، وبه قال الفخر الرازي (٢) وجماعة من مخالفينا : والآل بالمعنى العام هم اهل الرجل وهم

__________________

(١) الصافات : ١٣٠.

(٢) تفسير الرازي ٢٦ / ١٦٣.

٦٦٢

ذوو قرابته كما ذكر في المصباح المنير وقد يطلق على المشايعين والأتباع ، وعليه جرى قوله تعالى : (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) (١) واما الآل بالمعنى الخاص فهم ذرية الرجل وولده وخاصته من اقاربه ، قال الله تعالى : (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) (٢) فالذين اتاهم الله الكتاب والحكمة والملك العظيم من ذوي ابراهيم ولده وذريته وان دخل فيهم لوط ، فذلك لأنه ابن اخيه كما رواه ابو علي الطبرسي عن ابن عباس وابن زيد وجمهور المفسرين (٣) لا جميع اقاربه بالاتفاق ، وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) (٤) والمصطفى من ابراهيم ولده ومن عمران ولداه موسى وهارون لا الأقارب ولا الزوجات وقال تعالى : (فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ) (٥) اتوا لوطا وخاصة اهله فهم آله وأما قوله تعالى : (إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا امْرَأَتَهُ) (٦) فيحتمل انقطاع الاستثناء او دخول المرأة من حيث المجاورة او اطلاقه هنا على الاتباع والأشياع فتدخل الزوجة والمملوك لا المعنى الخاص ، وبالجملة الآل كالأهل في معانيه بل قال بعض انه هو بنفسه أبدلت هاؤه الفا وآل محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) الذين شاركوه في الصلاة عليه وفي التسليم والطهارة ووجوب المودة هم علي وفاطمة والحسن والحسين كما ذكرنا في بيان العترة وذوي القربى والأهل ويدخل باقي الأئمة بالتبعية كما اوضحناه هناك ، ويدل عليه صريحا ما مر من قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في علي وفاطمة

__________________

(١) غافر : ٤٦.

(٢) النساء : ٥٤.

(٣) مجمع البيان ٨ / ٣٨٠ وفيه «ابن اخته» بدل «ابن اخيه».

(٤) آل عمران : ٣٣٢.

(٥) الحجر : ٦١.

(٦) الحجر : ٥٩.

٦٦٣

والحسنين حين نزلت آية التطهير : (اللهم هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل ابراهيم انك حميد مجيد) (١) واستفادة العصمة من الآية من جهة ان السلام بمعنى السلامة وهي البراءة من العيوب والنجاة من الذنوب كما قال تعالى : (قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا) (٢) وقال : (سَلامٌ عَلى نُوحٍ) (٣) (سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ) (٤) (سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ) (٥) فالمعنى سلامة لآل محمد اي سلموا من العيوب سلامة وبرئوا من الذنوب براءة والسلامة من الذنوب هي العصمة.

ومما يدل عصمتهم من الكتاب أيضا قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٦) فانا قد بينا أولا انها نازلة في ائمتنا وامهم فاطمة وابيهم علي (عليه‌السلام) وبينا أيضا ان المودة هنا بمعنى المتابعة واقمنا على ذلك الأدلة هناك ويشهد للمعنيين جميعا ما رواه الحاكم ابو القاسم الحسكاني في كتاب شواهد التنزيل لقواعد التفصيل مرفوعا الى ابي إمامة الباهلي قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : (ان الله خلق الأنبياء من اشجار شتى وخلقت انا وعلي من شجرة واحدة فانا اصلها وعلي فرعها وفاطمة لقاحها والحسن والحسين ثمارها واشياعنا اوراقها فمن تعلق بغصن من اغصانها نجى ومن زاغ عنها هوى ولو ان عبدا عبد الله بين الصفا والمروة الف عام ثم الف عام ثم الف عام حتى يصير كالشن البالي ثم لم يدرك محبتنا كبه الله على منخريه في النار) ثم تلا : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ

__________________

(١) اسعاف الراغبين ص ١٠٦.

(٢) هود : ٤٨.

(٣) الصافات : ٥٩.

(٤) الصافات : ١٠٩.

(٥) الصافات : ١٢٠.

(٦) الشورى : ٢٣.

٦٦٤

أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (١) والتعلق بمعنى المتابعة البتة واذا كانت متابعتهم واجبة على الاطلاق من دون تقييد بحال دون حال وجب ان يكونوا معصومين من الخطأ في جميع الأحوال ، ومنزهين عن ارتكاب المعاصي بلا اشكال ، ولو لا ذلك لوجب تقييد طاعتهم بما قيد به طاعة الأبوين بقوله تعالى : (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما) (٢) إذ لا يجوز اطاعة المخطئ ولا متابعة العاصي بنص الكتاب ، وحيث اطلق وجوب متابعتهم ولزوم مودتهم دل على الشهادة لهم بالعصمة والطهارة من الأرجاس والأدناس والأمر ظاهر.

واما من السنة فالذي يدل على عصمة ائمتنا كثير منه ما يعم الجميع ومنه ما يختص بامير المؤمنين فاما الذي يختص به(٣).

فمنه قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : (علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار) فان هذا الحديث نص في عصمة علي (عليه‌السلام) اذ قد علمت ان ليس العصمة الا ملازمة الحق والصواب وعدم الخطأ في الأقوال والأفعال فاذ شهد له النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) انه على الحق في جميع احواله كانت تلك شهادة له بالعصمة عن الذنوب وعن الخطأ في الأحكام والقول والفعل ، لأن العاصي ليس على الحق والمخطي ليس معه وكان امير المؤمنين مصيبا للحق وملازما له كان معصوما بالضرورة.

فمنه قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فيه يوم غدير خم في الحديث المتواتر الذي رواه خصومنا عن جملة من الصحابة : (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وادر الحق معه حيثما

__________________

(١) رواه عن الحسكاني الطبرسي في مجمع البيان ٥ / ٤٩ ط مكتبة الحياة.

(٢) لقمان : ١٥.

(٣) تاريخ الخطيب ١٤ / ٦٢١ وتفسير الرازي ١ / ٢٠٥.

٦٦٥

دار) (١) فانه صريح في عصمته لأن وجوب موالاته ونصرته على الاطلاق تستلزم ملازمته للحق فهي شهادة له بالعصمة ، ولو صحت منه المعصية لم تجب موالاته في كل حال اذ لا يجوز موالاة العاصي ولا نصرته ، بل الواجب الانكار عليه بالنص والاجماع لكن موالاة علي (عليه‌السلام) واجبة مطلقا بصريح الخبر فوجب ان يكون معصوما والا لوجب لو صدرت منه المعصية خذلانه ومعاداته في حال وجوب نصرته وموالاته وهذا متناقض ، واما قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : (وادر الحق معه حيثما دار) فدلالته على العصمة اوضح من الشمس في رابعة النهار وتقريره كتقرير الحديث الأول.

ومنه قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فيما رواه الحافظ ابو نعيم واحمد بن حنبل : (من احب ان يحيى حياتي ويموت ميتتي ويتمسك بالقضيب من الياقوتة التي خلقها الله تعالى بيده ثم قال لها كوني فكانت فليتمسك بولاء علي بن ابي طالب) ولفظ احمد (من احب ان يتمسك بالقضيب الأحمر الذي غرسه الله في جنة عدن بيمينه فليتمسك بحب علي بن ابي طالب) (٢) وفي حديث آخر رواه الحافظ (من سرة ان يحيى حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن التي غرسها ربي فليوال عليا من بعدي وليوال وليه) (٣) والتمسك والموالاة هي المتابعة كما اوضحناه فيما مضى ، واذا كان متابعة علي (عليه‌السلام) واجبة على الاطلاق وجب ان يكون ملازما للحق على كل حال وهي العصمة.

ومنه الأحاديث الواردة في وجوب محبته ، وان محبته محبة الله وطاعته طاعة الله ، وفي بعضها ان محبه محب رسول الله وهي كثيرة ، وقد تقدمت ونشير

__________________

(١) مرت مصادر هذا الحديث.

(٢) حلية الأولياء ١ / ٨٦ و ٤ / ١٧٤.

(٣) نقله عن مناقب احمد كما في المتن المحب في الرياض ٢ / ٢١٥.

٦٦٦

هاهنا الى بعض.

فمنها قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في رواية الحافظ عن ابي بردة الأسلمي (ان الله قد عهد الي في علي عهدا فقلت : يا رب بينه لي قال اسمع ان عليا راية الهدى) ـ الى ان قال ـ : (وهو الكلمة التي الزمتها المتقين من احبه فقد أحبني ومن اطاعه اطاعني فبشره بذلك فقلت قد بشرته يا رب) ـ الى ان قال ـ : (وقد دعوت له فقلت اللهم اجل قلبه واجعل ربيعه الايمان بك ، قال قد فعلت) الخبر (١) ومثله قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في حديث احمد في حق علي .. (واما الخامسة فاني لست اخشى عليه ان يعود كافرا بعد ايمان ولا زانيا بعد احصان) (٢) الخبر وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) لعلي (عليه‌السلام) في حديث احمد : (من احبك أحبني وحبيبي حبيب الله وعدوك عدوي وعدوي عدو الله) (٣) وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في حديث احمد أيضا : (اوصيكم بحب ذي قرباها اخي وابن عمي علي بن ابي طالب لا يحبه الا مؤمن ولا يبغضه الا منافق من احبه أحبني) (٤) الخبر وغير ذلك من الأخبار وهي ظاهرة في الشهادة بعصمته واظهرها في المطلب.

الأول لأنه اذا كان طاعة علي (عليه‌السلام) طاعة الله مطلقا وجب ان يكون دائما على الحق والصواب في جميع الأمور لا يجوز عليه الخطأ في الحكم اذ لو اخطأ في الحكم أو ارتكب معصية في قول او فعل لم تكن طاعته طاعة الله ، بل الأمر يكون بالعكس لكن طاعته طاعة الله بنص الخبر فهو معصوم

__________________

(١) حلية الأولياء ١ / ٦٦.

(٢) أيضا ١٠ / ٢١١. ولكنه يختلف قليلا عما في المتن ولعله منقول من مكان آخر من الحلية.

(٣) قال المحب في الرياض ٢ / ٢١٦ : «اخرجه احمد في المناقب».

(٤) رواه المحب في الرياض ٢ / ٢١٤ وقال : «اخرجه احمد في المناقب».

٦٦٧

من ارتكاب القبيح ، ويدل أيضا على انه لا يعمل بالاجتهاد كغيره لأن المجتهد لا يصيب دائما وعلى مصيب دائما فهو ليس بمجتهد فيكون علمه نقلا من الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) والهاما من الله تعالى ، واكثر اخبار الباب مصرحة بهذا المعنى فلنستغن ببيانه هنا عن تكريره فتأمل ، وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) (واجعل ربيعه الايمان) نص في العصمة على قول المعتزلة والربيع هو الجدول ، وهو النهر الصغير كأنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) يريدوا جعل مشربه او مورده الايمان والايمان عند المشار إليهم فعل الواجبات واجتناب الكبائر والصغائر عندهم مكفرة لا تنافي العصمة لأنها لا توجب الذم ، واذا كان علي (عليه‌السلام) بنص الخبر ملازما للايمان كما يصرح به قوله بعد الدعاء (قد فعلت) والايمان عندهم لا يتم الا باجتناب القبيح الذي يستحق فاعله الذم وجب ان يكون معصوما منه ، واني لأعجب من ابن ابي الحديد حيث يروى مثل هذا الخبر الواضح في عصمة علي (عليه‌السلام) ثم يقول في مواضع كثيرة من كتابه : «ان عليا ليس بمعصوم» ويعدله بعمر تارة ويقول : «ان الرجلين ليس ولا واحد منهما عندنا بمعصوم» ولم يفرق بين من لم يعبد الا الله ، ولم يجر عليه اسم فسق ابدا وبين من عبد الأوثان وجرى عليه اسم الكفر والعصيان ، واخطأ في كثير من الأحكام فيا لله للمسلمين ايقاس هذا بذاك وهل تستوي الظلمات والنور ، لكن الرجل وامثاله تاهوا في اودية الجهل وسلكوا الطريق الوعر وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا اعاذنا الله والمؤمنين من طاعة الهوى.

واما لفظ المحبة الوارد في الأخبار المذكورة فهو مفيد للعصمة لما بيناه مرارا من ان المحبة لعلي (عليه‌السلام) اذا وجبت على الاطلاق وكانت كمحبة الله والرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وجب ان يكون منزها عن فعل القبيح اذا العاصي لا تجب محبته البتة ، وعلي (عليه‌السلام) تجب محبته مطلقا فهو لا يعصي ابدا وهو المطلق.

٦٦٨

ومنه قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في رواية الحافظ ابي نعيم : (يا معشر الأنصار الا ادلكم على ما ان تمسكتم به لن تضلوا ابدا) قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : (هذا علي فاحبوه بحبي واكرموه بكرامتي) (١) الخبر ، ومعنى ذلك طاعته بطاعة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) والخبر صريح في ان التمسك بعلي (عليه‌السلام) عاصم من الضلال ابدا فوجب ان يكون معصوما إذ لو ارتكب قبيحا لم يكن التمسك به عاصما من الضلال لكنه عاصم فليس بمرتكب قبيحا ومثله قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في حديث أنس (انه ـ يعني ـ عليا راية الهدى ومنار الايمان وامام اوليائي ونور جميع من اطاعني) (٢) وقوله في رواية ابي بردة : (ان عليا راية الهدى) الخبر وتابع راية الهدى يجب ان يكون مهتديا ولو كان علي (عليه‌السلام) ممن يعصون لم يكن راية الهدى ولم يكن اقتفاؤه عاصما من الضلال لكنه راية الهدى بالنص فيجب ان يكون معصوما من الضلال.

ومنه الأخبار الواردة في ان عليا (عليه‌السلام) كنفس رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وانه منه ومخلوق من نوره المعتضدة على كثرتها بنص القرآن الحكيم مثل قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) (لأبعثن إليكم رجلا كنفسي وفي رواية عديل نفسي) وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) (ان عليا مني وانا من علي) (٣) وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) (كنت انا وعلي نورا بين يدي الله عزوجل) الى ان ذكر قسمة (٤) ذلك النور فقال : (جزء انا وجزء

__________________

(١) حلية الأولياء ١ / ٦٣ وشرح نهج البلاغة ٩ / ١٧٠.

(٢) شرح نهج البلاغة ٩ / ١٦٩.

(٣) أيضا ١ / ٦ و ٩ / ١٦٨ وحديث أبي برزة رواه ابو نعيم في الحلية ١ / ٦٦.

(٤) أيضا ٩ / ١٦٧.

٦٦٩

علي (عليه‌السلام) (١) ومثل ذلك قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في تشبيه علي بالأنبياء : (من اراد ان ينظر الى نوح في عزمه) الى آخر الخبر (٢) والأخبار في هذا المعنى كثيرة قد تقدمت واذا كان علي (عليه‌السلام) من نور رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وعديل نفسه وشبيها بالأنبياء كان معصوما مثله ومثلهم ، اذ لم تخرج من مشابهة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) الا النبوة فيبقى الباقي حاصلا له ومن جملته العصمة فيكون علي معصوما ولذا قال (عليه‌السلام) : (والله ما ضللت ولا ضل بي ولا زللت ولا زل بي) وصدق وهو الأمين المصدق فانه ما زال على الحق ما حاد عنه ولا حال ولم يفارقه ولم يزايله طرفة عين والأخبار الواردة في المعاني المذكورة والمشابهة لها والقريبة منها متعددة واسعة ، وقد ذكرنا جلها وما ذكرناه هنا من التقسيم اصل يرجع إليه في ارجاع كل حديث مما لم نذكره هنا الى بابه فلنقتصر على ما رسمناه ففيه بلوغ المراد ، وتحصيل المطلب ، وكفاية المنصف ، ومقنع المتدبر في هذا الباب والمعاند لا دواء له من الحجة.

واما ما يشتمل على جميع الأئمة من النصوص الشاهدة لهم بالعصمة

فمنه الخبر المتواتر وهو حديث الثقلين وقول رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فيه : (اني تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي اهل بيتي فانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) وهذا اللفظ في بعض طرق هذا الحديث عن زيد بن ارقم وقد ذكرنا بعض طرقه والفاظه فيما مضى وهذا الحديث على جميع الفاظه دال على عصمة العترة من وجهين.

الأول شهادة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بعصمة المتمسك بهم

__________________

(١) أيضا ٩ / ١٧١ عن مسند احمد وفضائله قال : «وذكره صاحب الفردوس وزاد فيه :

(ثم انتقلنا حتى صرنا في عبد المطلب فكان لي النبوة ولعلي الوصية).

(٢) مر هذا الحديث.

٦٧٠

من الضلال دائما ولو جاز عليهم الخطأ وارتكاب المعاصي لما كان اتباعهم عاصما من الضلالة مطلقا كما قررناه مرارا فوجب ان يكونوا مأمونين من الخطأ منزهين عن مقارفة الخطايا وتلك هي العصمة.

الثاني شهادة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) لهم بانهم مع القرآن لا يفارقونه ولا يفارقهم (١) ، والمراد من ذلك انهم ملازمون لأحكامه ، والقرآن حق لا ريب فيه والملازم له دائما على الحق في كل احواله لا يجوز عليه الخطأ اذ لو جاز عليه الخطأ لم يكن ملازما للقرآن ، ولزوم الصواب دائما هو العصمة ، ويلزم من ذلك علمهم بالقرآن من جهة التوقيف النبوي بنقل السابق الى اللاحق ، او الالهام الإلهي ليكونوا مطلعين على مقاصد الله من جهة القطع والتنصيص لا من جهة الاجتهاد والنظر والأخذ بالظواهر ، فان ذلك لا يوجب الاصابة بل خطؤه اكثر من صوابه ولذا اشتهر عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) (ان من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار) فلو ان اهل البيت يعلمون احكام القرآن من طريق الاجتهاد لم يكونوا ملازمين لحكم القرآن لجواز الخطأ في الاجتهاد ، وحيث كانوا ملازمين له بنص النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وجب ان يكون اطلاعهم به من طريق اليقين ومن الجهة التي لا تغير فيها ولا اختلاف ، فهذا الحديث شاهد على عصمتهم وعلمهم بحقيقة احكام القرآن ، وانه لا يخالفهم ولا يخالفونه ، وان علمهم لا يختلف ولا يزول ، وكفى به دليلا على المدعى ، ولذا ورد عنهم صلوات الله عليهم : (لا تقبلوا عنا ما يخالف القرآن وما خالف كتاب الله فانا لم نقله) وفي ذلك بطلان ما ادعته الغلاة والمفوضة واهل المقالات الفاسدة ممن ينسب الى الشيعة

__________________

(١) يشير الى قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : (هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض) ـ كما في الصواعق ص ٧٥ وغيره وحديث الثقلين قد مرت مصادره.

٦٧١

وتزييف ما اوردوه من الأحاديث المزورة التي يوهم ظواهرها ما ادعوا فيجب لذلك ردها او تأويلها بما يوافق القرآن فلا تغتر بما ينمقه اهل الجهالة مما يخالف هذا ، ويسطرونه من زخرف القول وسرابه يشبهون به على ضعفاء الشيعة ويضلونهم عن طريق الهداية زين لهم سوء اعمالهم ، ولنرجع الى المطلب فنقول : ان الحديث يدل على ان غير العترة غير ملازم للقرآن في جميع احواله ولا موافق له في جميع اموره ، وانه يصيب حكمه تارة ويخطئه تارات ، وان المخالف لهم مخالف للقرآن لا محالة.

ومنه الأخبار الواردة في وجوب محبتهم ولزوم مودتهم ، وتحريم بغضهم على جهة الاطلاق والعموم ، وقد قدمنا جملة منها مثل قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في رواية الترمذي والحاكم عن ابن عباس : (احبوا الله لما يغنيكم به ، واحبوني بحب الله ، واحبوا اهل بيتي بحبي) (١) وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في رواية : (الزموا مودتنا اهل البيت فانه من لقى الله عزوجل وهو يودنا دخل الجنة) (٢) الخبر وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في رواية ابي الشيخ عن علي (عليه‌السلام) : (والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحبني ولا يحبني حتى يحب ذريتي) وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في رواية احمد : (من ابغض اهل البيت فهو منافق) (٣) الى غير ذلك مما يعطي هذا المعنى ويصرح؟ وهي على كثرتها دالة على عصمتهم من جهة ان لزوم المحبة على الاطلاق ووجوب المودة على العموم يقتضي كون المحبوب على الصواب في جميع الأحوال ، اذ لا تجوز محبة العاصي ولا مودة المخطئ

__________________

(١) الترمذي ٢ / ٣٠٨ وفيه : (لما يغذوكم به من نعمه) ومستدرك الحاكم ٣ / ١٤٩.

(٢) اسعاف الراغبين ص ١١٣.

(٣) أيضا ص ١١٤ وفي ذخائر العقبى ص ١٨ (لا يحبنا الا مؤمن تقي ولا يبغضنا الا منافق شقي).

٦٧٢

لأنهما بمعنى المتابعة كما مر عليك بيانه.

ومنها ما رواه جماعة من اصحاب الصحاح عن عدة من قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : (مثل اهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك) (١) وفي رواية (غرق) وما شابهه من الأحاديث ، والمراد منه ان من تابعهم نجا ومن خالفهم او سلك غير سبيلهم هلك ، واذا كانت متابعتهم موجبة للنجاة ، ومخالفتهم وسلوك غير سبيلهم موجبين للهلاك ، وجب ان يكونوا على الحق دائما وان مخالفهم على الباطل وكونهم على الحق والهدى لا يفارقونه هو العصمة ـ فالخبر صريح في الشهادة لهم بالعصمة ، وكل هذه الأدلة تعطي ان علمهم لا يختلف ، وانه ليس من طريق الاجتهاد والا لاختلف وحصل فيه الخطأ أحيانا فلم يكونوا على الحق دائما ، وما يعطي هذا المعنى من الأحاديث النبوية كثير من طرق الخصوم قد ذكرنا كثيرا منه سابقا.

واما ما يدل على عصمة العترة من كلام امير المؤمنين فكثير.

فمنه قوله (عليه‌السلام) في خطبة له : (فاين يتاه بكم فكيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم وهم ازمة الحق والسنة الصدق فانزلوهم باحسن منازل القرآن وردوهم ورد الهيم العطاشى) الخطبة (٢) وكل من قوله : (وهم ازمة الحق والسنة الصدق) ظاهر في عصمة العترة ، وقوله : (فانزلوهم باحسن منازل القرآن) صريح فيها ، والتقرير في الجميع على سبيل ما تقدم.

ومنه قوله (عليه‌السلام) في خطبته : (نحن شجرة النبوة ، ومحط

__________________

(١) اسعاف الراغبين ص ١١١ وقال : «رواه جماعة من اصحاب السنن عن جماعة من الصحابة واخرجه الحاكم في المستدرك ٣ / ١٥١ باسناده الى ابي ذر وفيه : «ومن تخلف عنها غرق».

(٢) نهج البلاغة من الخطبة ٨٥.

٦٧٣

الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومعادن العلم ، وينابيع الحكم ناصرنا ومحبنا ينتظر الرحمة ، وعدونا ومبغضنا ينتظر السطوة) (١) وهي صريحة في كونهم على الحق دائما وهو المراد بالعصمة.

ومنه قوله (عليه‌السلام) في خطبته : (انكم لن تعرفوا الرشاد حتى تعرفوا الذي نبذه) ـ الى ان قال ـ : (والتمسوا ذلك من عند اهله ، فانهم عيش العلم ، وموت الجهل يخبركم حكمهم عن علمهم ، وصمتهم عن منطقهم ، وظاهرهم عن باطنهم ، لا يخالفون الدين ، ولا يختلفون فيه ، فهو بينهم شاهد صادق ، وصامت ناطق) (٢) وهذا الكلام يشير به الى نفسه وولده فانه كثيرا ما يسلك هذا المسلك ، وتارة يصرح وهو دال على ما ذكرناه من وفور علمهم ، وانه ليس على جهة الاجتهاد ، والا لوقع بينهم الاختلاف كسائر المجتهدين ، ودال على العصمة من الخطأ خصوصا قوله : (لا يخالفون الدين) والتوجيه كما مر.

ومنه قوله (عليه‌السلام) في خطبته (ونشهد الا إله غيره ، وان محمدا عبده ورسوله ارسله بامره صادعا) الى قوله (عليه‌السلام) : (ومضى رشيدا وخلف فينا راية الحق ، من تقدمها مرق ، ومن تخلف عنها زهق ومن لزمها لحق ، دليلها مكيث الكلام بطى القيام ، سريع اذا قام ، فاذا ألنتم له رقابكم ، واشرتم إليه باصابعكم جاءه الموت فذهب به) ـ الى ان قال ـ : (الا ان مثل آل محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) كمثل نجوم السماء اذا خوى نجم طلع نجم) (٣) الخطبة اراد براية الحق القرآن ـ وبدليلها هو نفسه (عليه‌السلام) ، ودليل راية الحق لا يجوز ان يكون مخطئا للصواب ، اذ لو

__________________

(١) أيضا من الخطبة ١٠٧.

(٢) أيضا من الخطبة ١٤٥.

(٣) أيضا من الخطبة ٩٨.

٦٧٤

اخطأ لما كان دليلا لراية الحق ، ثم صرح بان هذا الأمر يصير من بعده لولده واحدا بعد واحد بقوله : (الا ان مثل آل محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) كمثل نجوم السماء) الخ فبين انه لا بد في كل زمان من دليل للقرآن من آل محمد كلما مات امام خلفه من ذريته امام ، وليست تنقطع دلالة القرآن منهم بموته ، وهم كالنجوم التي لا يزال منها غارب وشارق ابدا ما بقي الزمان ، وفيه دليل على علمهم بالقرآن من طريق اليقين لا النظر الذي تارة يخطئ وتارة يصيب ، وعلى بقاء الامامة فيهم حتى ينقطع التكليف ، وهذا صريح مذهب الامامية ، وهو مضمون حديث الثقلين ، ومثل هذا في كلامه الكثير الواسع من اراده لم يفته ، وقد تبين مما حررناه ووضح مما قررناه في هذا الكتاب صحة مذهب الامامية الاثني عشرية ، وثبات اقدامهم على الصراط السوى ، والمنهج الجلي لمتانة ادلتهم ، وقوة حجتهم واعتراف خصومهم بدليلهم ، وثبت ضعف ما سواه من المذاهب والأقاويل الفاسدة التي ليس عليها من دليل ، ولا لأربابها في اثباتها بالحجة الثابتة من سبيل ، سوى زخارف ما انزل بها من سلطان ، وشبه من القول لا يحصل بها وثوق ولا اطمئنان ، فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون فالحمد لله الذي هدانا لهذا المذهب الواضح ، وألهمنا دليله واسلكنا سبيله وعرفنا برهانه ، واوضح لنا بيانه ، وفهمنا عرفانه ، وارشدنا الى التمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها وهي ولاية اهل بيت الرسول المصطفى الذين اولهم اخوه وابن عمه علي المرتضى واخرهم الامام المنتظر ، والنور الأزهر ، صاحب عصرنا وامام زماننا المهدي بن الحسن العسكري عجل الله فرجه ، وجعلنا من الموالين لأوليائهم ، والمعادين لأعدائهم الى يوم النشور ، ونسأل الله بمنه ولطفه ، ان يثبتنا على هذا المسلك المنير ، ويميتنا على هذا الطريق القويم ، ولنختم كتابنا هذا بذكر شيء من الأحاديث الواردة عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) من طريق اصحابنا في النص على الأئمة الاثني عشر ثم نعقب ذلك بنقل

٦٧٥

خطبة من خطب امير المؤمنين تحتوي على بيان جملة من المطالب التي خضنا فيها وبالله الاستعانة.

روى الشيخ الصدوق رئيس المحدثين ابو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي في كتاب اثبات الغيبة ورفع الحيرة (١) قال : حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال : حدثني عمي محمد بن ابي القاسم عن محمد بن علي الكوفي عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر عن جابر بن يزيد الجعفي عن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن سمرة قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : (لعن المجادلون في دين الله على لسان سبعين نبيا ومن جادل في آيات الله فقد كفر قال الله عزوجل : (ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ) (ومن فسر القرآن برأيه فقد افترى على الله الكذب ، ومن افتى الناس بغير علم لعنته ملائكة السماء والأرض ، وكل بدعة ضلالة سبيلها الى النار) وقال عبد الرحمن بن سمرة فقلت : يا رسول الله أرشدني الى النجاة ، فقال : (يا بن سمرة اذا اختلفت الأهواء وتفرقت الآراء فعليك بعلي بن ابي طالب ، فانه امام امتي وخليفتي عليهم من بعدي ، وهو الفاروق الذي يميز بين الحق والباطل ، من سأله أجابه ، ومن استرشده ارشده ، ومن طلب الحق عنده وجده ، من التمس الهدى لديه صادفه ومن لجأ إليه امنه ، ومن استمسك به نجاه ، ومن اقتدى به هداه.

يا بن سمرة سلم منكم من سلم له ووالاه وهلك من رد عليه وعاداه.

يا بن سمرة ان عليا مني روحه من روحي وطينته من طينتي وهو اخي وانا اخوه ، وهو زوج ابنتي فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين

__________________

(١) يريد باثبات الغيبة كتاب اكمال الدين واتمام النعمة المشهور وهكذا جرت عادة الأوائل ان يسموا كتبهم باكثر من واحد.

٦٧٦

وان منه امامي امتي وابني وسيدي شباب اهل الجنة الحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين تاسعهم قائم امتي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا).

قال : الصدوق حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل (رحمه‌الله) قال : حدثنا محمد بن ابي عبد الله الكوفي قال : حدثنا موسى بن عمران النخعي عن عمه الحسين بن يزيد عن الحسن بن علي بن سالم عن ابيه عن ابي حمزة عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : (ان الله تبارك وتعالى اطلع على الأرض اطلاعة فاختارني منها فجعلني نبيا ، ثم اطلع الثانية فاختار منها عليا وجعله إماما ، ثم امرني ان اتخذه اخا ووليا ووصيا وخليفة ووزيرا ، فعلي مني وانا من علي ، وهو زوج ابنتي وابو سبطي الحسن والحسين ائمة يقومون بامري ، الا وان الله تبارك وتعالى جعلني واياهم حججا على عباده وجعل من صلب الحسين ائمة يقومون بامري ، ويحفظون وصيتي التاسع منهم قائم اهل بيتي ، ومهدي امتي اشبه الناس بي في شمائله واقواله وافعاله يظهر بعد غيبة طويلة ، وحيرة مضلة فسيعلن امر الله ويظهر دين الله جل وعز يؤيد بنصر الله وينصر بملائكة الله ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما) (١).

وقال : حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل قال : حدثني محمد بن ابي عبد الله قال : حدثنا موسى بن عمران النخعي عن عمه الحسين بن يزيد عن علي بن بي حمزة الثمالي عن ابيه عن الصادق جعفر بن محمد عن ابيه عن آبائه (عليهم‌السلام) قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : (حدثني جبرئيل عن رب العزة جل جلاله انه قال : من علم انه لا إله الا انا وحدي ، وان محمدا عبدي ورسولي ، وان علي بن ابي طالب

__________________

(١) اكمال الدين ٢٥٠.

٦٧٧

خليفتي ، وان الأئمة من ولده حججي ادخلته الجنة برحمتي وانجيته من النار بعفوي وابحت له جواري ، له كرامتي واتممت عليه نعمتي ، وجعلته من خاصتي وخالصتي ، ان ناداني لبيته وان سألني اعطيته ، وان سكت ابتدأته ، وان اساء رحمته ، وان فر مني دعوته وان رجع الى قبلته ، وان قرع بابي فتحته ومن لم يشهد الا إله الا انا وحدي ولم يشهد ان محمدا عبدي ورسولي او شهد بذلك ولم يشهد ان علي بن ابي طالب خليفتي أو شهد بذلك ولم يشهد أن الأئمة من ولده حججي فقد جحد نعمتي وصغر عظمتي وكفر بآياتي وكتبت ان قصدني حجبته وان سألني حرمته وان ناداني لم اسمع ندائه وان دعاني لم استجب دعاءه وان رجاني خيبته وذلك جزاؤه مني وما انا بظلام للعبيد) فقام جابر بن عبد الله الأنصاري فقال يا رسول الله ومن الأئمة من ولد علي بن أبي طالب (عليه‌السلام) قال : (الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة ثم سيد العابدين في زمانه علي بن الحسين ثم الباقر محمد بن علي وستدركه يا جابر فاذا ادركته فاقرأه مني السلام ، ثم الصادق جعفر بن محمد ، ثم الكاظم موسى بن جعفر ، ثم الرضا علي بن موسى ، ثم التقي محمد بن علي ، ثم النقي علي بن محمد ، ثم الزكي الحسن بن علي ، ثم ابنه القائم بالحق المهدي ، انه الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، هؤلاء يا جابر خلفائي واوصيائي واولادي وعترتي من اطاعهم فقد اطاعني ومن عصاهم فقد عصاني ومن انكرهم وانكر واحدا منهم فقد انكرني بهم يمسك الله عزوجل السماء ان تقع على الأرض الا باذنه وبهم يحفظ الأرض ان تميد باهلها).

وقال : حدثنا علي بن احمد (رضي الله عنه) قال : حدثنا محمد بن ابي عبد الله الكوفي عن موسى بن عمران عن عمه الحسين بن يزيد عن الحسن بن علي بن ابي حمزة عن ابيه عن يحيى بن القاسم عن الصادق جعفر بن محمد عن ابيه عن جده قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله

٦٧٨

وسلم) : (الأئمة بعدي اثنى عشر اولهم علي بن ابي طالب وآخرهم القائم المهدي ـ هم خلفائي واوصيائي واوليائي وحجج الله على امتي ، المقر بهم مؤمن والمنكر لهم كافر) (١).

وقال : حدثنا علي بن احمد بن عبد الله بن احمد بن ابي عبد الله البرقي عن ابيه عن جده احمد بن ابي عبد الله عن ابيه محمد بن خالد عن محمد بن داود عن محمد بن الجارود العبدي عن اصبغ بن نباتة قال : خرج علينا امير المؤمنين علي بن ابي طالب ويده في يد ابنه الحسن وهو يقول : (خرج علينا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ذات يوم ويدي في يده هكذا وهو يقول : (خير الخلق بعدي وسيدهم اخي هذا وهو امام كل مسلم ، ومولى كل مؤمن بعد وفاتي الا واني اقول ان خير الخلق بعدي وسيدهم ابني هذا وهو امام كل مؤمن ، ومولى كل مسلم ، بعد وفاتي الا وانه سيظلم بعدي كما ظلمت بعد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وخير الخلق وسيدهم بعد الحسن ابني اخوه الحسين المظلوم بعد اخيه المقتول في ارض كربلاء ، اما انه واصحابه من سادات الشهداء يوم القيامة ومن بعد الحسين تسعة من صلبه خلفاء الله في ارضه وحججه على عباده ، وأمناؤه على وحيه ، وائمة المسلمين ، وقادة المؤمنين ، وسادة المتقين ، وتاسعهم قائمهم الذي يملأ الله به الأرض نورا بعد ظلمها وعدلا بعد جورها وعلما بعد جهلها ، والذي بعث محمدا اخي بالنبوة واختصني بالامامة وقد نزل بذلك الوحي من السماء على لسان الروح الأمين جبرئيل ولقد سئل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وانا عنده عن الأئمة بعده فقال للسائل : (والسماء ذات البروج ان عددهم بعدد البروج ، ورب الليالي والأيام والشهور ، ان عدتهم بعدة الشهور) فقال السائل من هم يا رسول الله فوضع رسول الله (صلى الله عليه

__________________

(١) أيضا ٢٥٢.

٦٧٩

وآله وسلم) يده على رأسي فقال : (اولهم هذا وآخرهم المهدي من والاهم فقد والاني ، ومن عاداهم فقد عاداني ، ومن احبهم فقد أحبني ، ومن ابغضهم فقد ابغضني ، ومن انكرهم فقد انكرني ، ومن عرفهم فقد عرفني ، بهم يحفظ الله دينه ، وبهم تعمر بلاده ، وبهم ترزق عباده ، وبهم ينزل القطر من السماء ، وبهم تخرج بركات الأرض ، هؤلاء اصفيائي وخلفائي وائمة المسلمين وموالي المؤمنين) (١).

وقال : حدثنا محمد بن علي ما جيلويه (رحمه‌الله) قال : حدثنا علي بن ابراهيم عن ابيه عن علي بن معبد عن الحسين بن خالد عن علي بن موسى الرضا عن ابيه عن آبائه قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : (من احب ان يستمسك بديني ويركب سفينة النجاة بعدي فليقتد بعلي بن ابي طالب ، وليعاد عدوه وليوال وليه ، فانه وصيي وخليفتي على امتي في حياتي وبعد وفاتي ، وهو امير كل مسلم وامير كل مؤمن بعدي ، قوله قولي وامره امري ونهيه نهيي وتابعه تابعي وناصره ناصري وخاذله خاذلي) ثم قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : (من فارق عليا بعدي لم يرني ولم اره يوم القيامة ، ومن خالف عليا حرم الله عليه الجنة وجعل مأواه النار ، ومن خذل عليا خذله الله يوم يعرض عليه ، ومن نصر عليا نصره الله يوم يلقاه ولقنه حجته عند المنازلة) ثم قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : (والحسن والحسين إماما امتي بعد ابيهما ، وسيدا شباب اهل الجنة ، وامهما سيدة نساء العالمين ، وابوهما سيد الوصيين ، ومن ولد الحسين تسعة ائمة تاسعهم القائم من ولدي ، طاعتهم طاعتي ومعصيتهم معصيتي ، الى الله اشكو المنكرين لفضلهم والمضيعين لحقهم بعدي وكفى بالله وليا وناصرا لعترتي وائمة امتي

__________________

(١) أيضا ٢٥٣.

٦٨٠