منار الهدى في النصّ على إمامة الأئمّة الإثني عشر

الشيخ علي البحراني

منار الهدى في النصّ على إمامة الأئمّة الإثني عشر

المؤلف:

الشيخ علي البحراني


المحقق: السيد عبدالزهراء الخطيب
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار المنتظر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٢٠

ابنتيهما طلبتاهما ، هذا هو الظاهر ، وقول رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وقد اجتمعوا كلهم عنده : (انصرفوا فان تكن لي حاجة بعثت إليكم) قول من عنده ضجر وغضب باطن لحضورهما وتهمة للنساء في استدعائهما فكيف يطابق هذا الفعل وهذا القول ما روى ان عائشة قالت : لما عين ابوها للصلاة ان ابي رجل رقيق فمر عمر واين ذلك الحرص من هذا الاستعفاء والاستقالة؟ وهذا يوهم صحة ما تقوله الشيعة من ان صلاة ابي بكر كانت عن امر عائشة وان كنت لا اقول بذلك ولا اذهب إليه ، الا ان تأمل هذا الخبر ولمح مضمونه يوهم ذلك هذا كلامه وهو مصرح بإرادة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) الوصية الى علي (عليه‌السلام) وباستفادته من الخبر مع ذلك صحة ما تقوله الشيعة من ان صلاة ابي بكر كانت عن امر عائشة ، ثم يقول : انه لا يقول بذلك ولا يذهب إليه ، وانظر الى قوله : ان قول رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) (انصرفوا) ـ الى ان قال ـ : قول من عنده ضجر وغضب باطن لحضورهما وتهمة للنساء في استدعائهم ، ثم هو يقول برضا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بخلافتهما ورضاه عن بنتيهما ومن يضجر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ويغضب من حضوره لئلا يسمع وصيته على شخص آخر ويتهم من احضره كيف يأمره بالصلاة بالناس وكيف يرض بتخلفه من بعده على امته ، وكيف يكون راضيا على من احضره ، وهذا يدلك على ان هذا الرجل واشباهه يتركون العمل باخبارهم اذا وافقت اقوال ائمتنا (عليهم‌السلام) ومذاهب اصحابنا ، ويضربون عنها صفحا ، ولو لا ذلك لما قال بعد فهمه صحة قولنا من الخبر انه لا يقول به ولا يذهب إليه وهذه الطريقة بعينها هي التي انكروا بها النص على امير المؤمنين (عليه‌السلام) مع روايتهم الكثير الوافر منه ، وهي عين العصبية واذا روى لهم ما يخالف مذهبنا وان كان عمن يحكمون بفسقه تلقوه بالقبول ، واذعنوا له تمام الإذعان ، ورضوا به غاية

٥٦١

الرضا ، وذلك دليل ما نسبناه إليهم من تعمدهم ارتكاب الخطأ وترك الصواب ، ولو انهم تركوا التعصّب والعناد وعملوا بما دل من اخبارهم على صحة قولنا اذن لارتفع الخلاف ، وحصل الايتلاف فانها كثيرة ومخالفها ضعيف ، ولو لم يكن من ضعفه الا الخلاف في صحته بيننا وبينهم بل بينهم في بعضها والاتفاق على صحة الموافق منا ومنهم لكفى ، فان الاجتماع اقوى اسباب الترجيح واوثق المرجحات عند جميع الأصوليين ، بل عند جميع الأمة لا يشك فيه احد لكنهم ارتكبوا خلاف التحقيق ، واخلدوا الى الشك ، ونبذوا اليقين فقامت منهم سوق الخلاف على ساق فالحاكم الله بيننا وبينهم يوم فصل القضاء.

الثالثة اختلاف رواياتهم الواردة في امر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) أبا بكر بالصلاة لفظا ومضمونا بما يدل على كذبها وبطلانها واصطناعها ووجوب رفع اليد عنها ، ففي رواية ابن ابي مليكة عن عائشة : ان بلالا لما نادى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بالصلاة قال قولوا له : (فليقل لأبي بكر يصلي بالناس) وان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) قد خرج يتهادى بين علي (عليه‌السلام) والفضل بن العباس وان أبا بكر اراد التنحي عن مقامه لما احس برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فدفعه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فاقامه مقامه ، وقعد الى جانبه فجعل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) يكبر والناس يكبرون بتكبير ابي بكر ، قالت : فصلّى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بالناس (١).

وفي الحديث المتقدم عن الأرقم عن ابن عباس ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) امر أبا بكر ثم عمر بمشورة عائشة ، وان رسول الله خرج فصلى بالناس ، وفيه تصريح بمخالفة عمر لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) أيضا : ١٣ / ٣٤.

٥٦٢

وسلم) حيث امره بالتقدم فلم يتقدم وقدم أبا بكر ، وان أبا بكر تقدم بعد نسخ امره بالصلاة بأمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) عمر بها فكانت صلاته بامر عمر لا بأمر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وهذا المعنى مما لم يلتفت إليه ابن ابي الحديد ولا لحظه ، اما لعدم تفطن أو لإخفاء وكلا الخبرين دال على أنّ النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) عزله عن إمامة الصلاة وجعله مسمعا الناس التكبير ، وهذا يدل على انه لو أمر أبا بكر بالصلاة لما جاز عزله عنها لأنه يكون نسخا للأمر قبل تقضي زمان العلم به وهو غير مجوز عند العدلية منا ومن المعتزلة ، فآخر الحديثين يعارض اولهما وكل منهما مخالف للآخر في كيفية صدور الأمر عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بالصلاة خلف الرجل مع ما في حديث الأرقم من النقص العظيم على الشيخين الذي بينه ابن ابي الحديد واوضحناه نحن وهو دليل واضح على كذب الخبرين.

وفي الخبر الذي رواه الخصم باسناده عن الزهري عن انس بن مالك قال : لما مرض رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) مرضه الذي مات فيه اتاه بلال يؤذنه بالصلاة فقال بعد مرتين : (يا بلال قد ابلغت فمن شاء فليصل بالناس ومن شاء فليدع) قال : ورفعت الستور عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فنظرنا إليه كأنه ورقة بيضاء عليه خميصة له فرجع إليه بلال فقال : (مروا أبا بكر فليصل بالناس) قال : رأيناه بعد ذلك (١) مخالفة للأولين في كيفية صدور الأمر وفي عدم خروج النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وان أبا بكر اتم الصلاة بالناس ، فان صح الأولان بطل هذا ، وان صح هذا بطل الأولان لا محالة.

وفي حديث عبد الله بن عمر انه جاء ابن أمّ مكتوم فاذن النبي (صلى الله

__________________

(١) أيضا ٦ / ٤٤.

٥٦٣

عليه وآله وسلم) في مرضه الذي مات فيه بالصلاة الأولى فلم يستطع ان يقوم من شدة المرض فقال له : (قل لأبي بكر يقيم للناس صلاتهم) وان عائشة طلبت من النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) اقالة ابيها من ذلك ، وان ابن أمّ مكتوم انتظر ما يكون من جواب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فقال له : (مر أبا بكر ان يقيم للناس صلواتهم) ولم يجب عائشة بشيء فنظرت عائشة الى حفصة واشارت إليها ان تسأله أن يأمر اباها فقالت : يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) لو امرت عمر فصفق رسول الله بيده وقال : (انكن صويحبان يوسف) (١) مخالفة للجميع في ان المؤذن للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) هو عبد الله بن أمّ مكتوم ، وفي كيفية صدور الأمر ومخالفة المرأتين رسول الله حتى اغضبتاه وهذا الخبر اكذب الأخبار في هذا الباب ومن اشد مخالفته للأخبار الأول قوله في آخره : فكان ابو بكر يقيم للناس صلاتهم اياما حتى قبض رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ، ووجه المخالفة اشتمال تلك الأخبار على ان الأمر كان في آخر مرض النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ، وانه انما ثقل عن الصلاة في آخر مرضه ، واشتمال هذا على وقوع الأمر اوساط مرض النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ، وان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ، قد ثقل عن الصلاة في المسجد قبل موته بايام ، وجهة اخرى وهي عدم ذكره خروج النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وعزله أبا بكر في شيء من الصلاة واشتمال السابقة على ذلك.

وفي حديث الزهرى ان اوّل شكوى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في بيت ميمونة وانه قال لعبد الله بن عتبة : (قل للناس فليصلوا) فلقى عمر فقال : صل بالناس فتقدم عمر فسمع النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) أيضا ٩ / ١٩٨.

٥٦٤

وسلم) فقال : (أليس هذا صوت عمر) قالوا نعم قال : (يأبى الله ذلك والمسلمون فليصل بالناس ابو بكر) وفيه ان عائشة طلبت منه اقالة ابيها وراجعته في ذلك مرتين او ثلاثا فقال : (ليصل بالناس ابو بكر فانكن صويحبات يوسف) (١) وهو مخالف لجميع ما تقدم في جميع الوجوه فمن تأمل هذه الأخبار واختلافاتها ، وما فيها من التعارض والتدافع القاضيين عليها باختلاق علم انها مزورة مصنوعة ، وتأكد عنده ان الصحيح ما رواه اصحابنا مما مضمونه ان عائشة وحفصة لما ثقل مرض النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ارسلتا الى ابويهما تخبرانهما بذلك وهما خارج المدينة في جيش اسامة فدخلا المدينة ليلا ومعهما ابو عبيدة بعد ان ذكروا لاسامة ما اذن لهم لأجله ان يدخلوا وامرهم ان يخفوا انفسهم لئلا يرجع غيرهم من الجيش ، وانهم ان عوفي النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) رجعوا الى معسكرهم وان حدث به حدث عرفوه حتى يدخل فيما يدخل فيه الناس ، فلما كان وقت الصلاة أرسلت عائشة الى ابيها تأمره ان يتقدم الى المحراب وانها تأمر بلالا أن يأمر الناس بالصلاة خلفه لتوهم الناس ان ذلك عن امر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فيتم ما دبروا من الحيلة ، وان بلالا لما اتى يؤذن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بالصلاة قالت : لبلال ان رسول الله قد ثقل ورأسه في حجر علي (عليه‌السلام) فمر أبا بكر ليصلي بالناس فلما رأت حفصته ذلك قالت : مر عمر ليصلي بالناس ، فسمع النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ذلك منهما فقال : (انكن كصويحبات يوسف) فاغمى عليه فخرج بلال وهو يظن ان قول عائشة عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فقال : للناس صلوا خلف ابي بكر فتمت الشبهة ، فلما افاق النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وسمع تكبير ابي بكر خرج متحاملا يتهادى بين

__________________

(١) أيضا.

٥٦٥

علي والفضل بن العباس لتلافي الأمر وازالة الشبهة فعزل أبا بكر ونحاه قصدا لذلك فما زالت الشبهة ولا ذهبت.

وقد ذكر ابن ابي الحديد عن بعض اصحابه وهو شيخه ابو يعقوب يوسف بن اسماعيل اللمعاني ان رجوع ابي بكر من جيش اسامة كان بارسال عائشة إليه بان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) يموت وان خروج النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في تلك الحال لما ذكرناه من قصده عزل ابي بكر عن الصلاة لئلا تكون شبهة له في دعوى الخلافة فما تم له ما اراد ، ويصدق ذلك ما ورد في رواياتهم المتقدمة لقد اقر الرجل المزبور بان جملة من محدثيهم قائلون ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) نحى أبا بكر وصلى بالناس ، وقال في موضع من كتابه : ثم جرى حديث صلاة ابي بكر بالناس فتزعم الشيعة ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) لم يأمر بذلك ، وانه انما صلى بالناس عن امر عائشة ابنته ، وان رسول الله خرج متحاملا وهو مثقل فنحاه عن المحراب وزعم معظم المحدّثين ان ذلك كان عن امر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وقوله ، ثم اختلفوا فمنهم من قال نحاه وصلى هو بالناس ، ومنهم من قال : بل ائتم بابي بكر كسائر الناس ، ومنهم من قال كان الناس يصلون بصلاة ابي بكر وابو بكر يصلي بصلاة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) (١) انتهى.

قلت اما القول الأول فهو موافق لقول الشيعة ومن المحال ان يأمر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) أبا بكر بالصلاة ثم يخرج متحاملا لينحيه ويعزله بل المعروف ان فعله هذا يدل على ان صلاة ابي بكر ليست عن امره ، وانه انما خرج على تلك الحال لازالة الشبهة كما ذكرناه أولا ، ويدل خروجه أيضا

__________________

(١) أيضا. ٩ / ١٩٧.

٥٦٦

على الحال المذكورة على ان في نفسه غضبا شديدا من فعل الرجل ومن امره لتقدم.

واما الثالث فهو أيضا موافق لنا في عزل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) أبا بكر عن الامامة وجعله مبلغا يبلغ الناس التكبير للركوع والسجود ، اذ لا يجوز ان يكون في الصلاة إمامان ، فهو راجع الى القول الأول فلم يبق الا الثاني وهو مع ضعفه لمخالفته اتفاق معظم الأمة وقلة القائل به لا يوافق شيئا من رواياتهم ، فكيف يصح الاعتماد على هذه الروايات والأقوال مع ما سمعته فيها من الاختلاف؟ ومن اين يحصل الظن فضلا عن القطع بصحة دعوى القوم ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) امر أبا بكر بالصلاة وحال رواياتهم التي استندوا إليها فيها واقوالهم ما رأيت؟ فلا شك انها بملاحظة الجهات الثلاث المذكورة تكون واضحة البطلان ، منهدمة الأركان ، على ان بعض المصنفين قد نقل عن كثير من اهل الرواية علماء المعتزلة ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) لما ثقل جاء بلال ليؤذنه بالصلاة فقالت عائشة : ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ثقيل قد اغمى عليه فلا تؤذه ، وقل لأبي بكر فليصل بالناس فخرج إليه فاخبره ، فتقدم فسمع النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) صوته فقال : (ما هذا) فقالت عائشة أنا امرت أبا بكر ان يصلي بالناس ، فقال : (انكن صويحبات يوسف) واخذ بيد علي يتوكأ عليه فخرج واخرج أبا بكر من الصلاة وصلى بالناس ومات من يومه وهذه الرواية توافق مضمون القصة وتطابق خروج النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) متحاملا في حال شدة المرض ، وهي مبطلة لدعواهم ويشهد لصحتها ما رواه ابن ابي الحديد عن شيخه من ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) كما روى قال : (ليصل بهم احدهم) ولم يعين وكانت صلاة الصبح فخرج رسول الله (صلى الله عليه

٥٦٧

وآله وسلم) وهو في آخر رمق يتهادى بين علي والفضل بن العباس حتى قام في المحراب كما ورد في الخبر ثم دخل فمات ارتفاع الضحى هذا كلامه ، وقد سمعت السابق منه وقد ذكر ابن ابي الحديد ان هذا الشيخ كان شديد الاعتزال ولم يكن يتشيع (١) وهذا القول دال أيضا على بطلان ما قاله : ان أبا بكر صلى بالناس قبل موت النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بيومين ، فهذا حال صلاته وقد سمعت ما فيها من الكلام وبلغت ان شاء الله تعالى في ابطالها غاية المرام.

واعلم انه ليس مرادنا من اقامة الدليل على بطلان ما ادعوا من كون صلاة الرجل عن امر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) انها لو صحت انها بأمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) لأوجب ذلك الامامة او كانت معارضة للنصوص الواردة على إمامة علي (عليه‌السلام) ، وانما مرادنا توضيح بطلان تلك الدعوى بالدليل ، وبيان ان من تمسكوا بها واعتمدوا عليها تمسكوا بغير متمسك واعتمدوا على غير معتمد لكنهم شبهوا بها على ضعفاء العقول ، وناقصي الروية ، وشيدها من نصب العداوة لأهل البيت ، ورام التوصل الى اغتصاب مقامهم ، ولو ان ذلك كان صحيحا لم يقتض نصا على إمامة الرجل لأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) امر جماعة كثيرة من اصحابه يصلون بالناس فامر تارة على المشايخ الثلاثة وغيرهم أبا عبيدة ، واخرى عمرو بن العاص ، وخالد بن الوليد وتارة عليهم وعلى ابي عبيدة معهم اسامة بن زيد وصلوا خلفهم ، واستخلف على المدينة في غزواته وسفره رجالا من اصحابه كابن أمّ مكتوم وغيره ، واستخلف في غزوة تبوك عليها امير المؤمنين ، واستخلف على مكة عتاب بن اسيد الأموي يصلي بالناس ، وغير هؤلاء ممن استعملهم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) على

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ٩ / ١٩٩.

٥٦٨

السرايا وعلى البلدان ولم يجعل احد من مخالفينا صلاة احد من اولئك بالناس نصا على إمامته ولامومية إليها ، بل ولا يجعلون لواحد منهم فضلا بها ولا يذكرونه بها في مدح ولا تشريف ، فما الفارق بين صلاة ابي بكر بالناس لو صح انها بأمر الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وبين صلاة اولئك المذكورين ، على ان الخصوم قد رووا ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) صلى خلف عبد الرحمن بن عوف حيث انتهى (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) الى محل ، وعبد الرحمن يصلي بقوم هناك (١) وهذا اعظم منزلة من صلاة ابي بكر بالناس بامره (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وما رأينا عمر ولا غيره جعلوا لعبد الرحمن خلافة بهذا فكيف اوجبت صلاة الاشارة الى ابي بكر بالخلافة فاين تقع من النصوص الواردة في استخلاف امير المؤمنين (عليه‌السلام)؟ ومن اي وجه تقوى على معارضتها؟ هذا كله مع جواز ان يكون التقدم لأبي بكر ما لم يكن على حاضرا أو متمكنا من الحضور ، ومن المتفق عليه ان عليا (عليه‌السلام) لم يكن حاضر المسجد وكان مشغولا بتمريض رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) لا يفارقه ، خصوصا في ذلك الوقت الذي ثقل فيه حاله كما يدل عليه ما في الروايات من ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) خرج يتوكأ عليه وعلى الفضل بن العباس ، فصرحت الروايات لو صحت بان أبا بكر لم يأمر بالتقدم على علي (عليه‌السلام) لأنه مع النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فيختص جواز تقديمه بما اذا لم يكن علي (عليه‌السلام) حاضرا كما ان تأمير النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) الأمراء على الجيوش اذا لم يكن علي (عليه‌السلام) معهم فاذا كان معهم كان هو الأمير من قبله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) على الكل ، وهذا على مجاراة الخصم وجه جامع تزول به المعارضة بين النصين لو صحت المعارضة ، والكل ـ بعون الله وتسديده ـ

__________________

(١) المصدر السابق ١٧ / ١٩٨.

٥٦٩

ظاهر واضح والشك فيه زائل ، والحمد لله على سلوك طريق الصواب.

المسألة الثانية (١) في النص على إمامة العترة المحمدية وينبغي أولا بيان معنى العترة ومن يطلق عليه هذا اللفظ من هذه الأمة على الحقيقة فنقول : قال الشهاب الفيومي في المصباح المنير : العترة نسل الانسان ، قال الأزهري : وروى ثعلب عن ابن الأعرابي : ان العترة ولد الرجل وذريته وعقبه من صلبه ولا تعرف العرب من العترة غير ذلك ، ويقال : رهطه الأدنون ويقال : أقرباؤه وعليه قول ابن السكيت : العترة والرهط بمعنى ورهط الرجل قومه وقبيلته الأقربون انتهى وقد اختلفوا في عدد الرهط فقال الأكثر : هو ما دون عشرة من الرجال ليس فيهم امرأة وهو قول ابي زيد ، وقيل : من سبعة الى عشرة وقيل ما فوق العشرة الى الأربعين وهو قول الاصمعي ونقله ابن فارس ، وقيل : هو بمعنى العشيرة وهو المنقول عن ابن السكيت وقريب منه على تأويل قول ثعلب ذكر هذه الأقوال جميعها في المصباح (٢) فعلى ما قال الأزهري وابن الأعرابي في معنى العترة فالأمر ظاهر ان عترة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ذريّته من فاطمة (عليها‌السلام) وعلى ما قيل ان العترة هي الرهط فعلى جميع الأقوال في معنى الرهط تختص العترة ببني هاشم حتى على قول ابن السكيت ، لأن اقرب الناس الى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بنوا هاشم فهم قومه وعشيرته الأقربون على الحقيقة دون باقي بطون قريش فما سواهم ، انما يقال له عترة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) على طريق المجاز والتوسع في الألفاظ او بالنسبة الى الأبعد كالقرشي بالنسبة الى باقي بطون مضر ، وكالمضري بالنسبة الى الربيعي والأيادي ، وكالنزاري بالنسبة الى القحطاني ، وقد قال المعتزلي ذلك واعترف به قال : وعترة النبي (صلى

__________________

(١) لا يخفى ان المسألة الاولى كانت بعد الفصل الثاني مباشرة.

(٢) المصباح المنير ص ٥٣٤ في (عتر) وانظر تهذيب اللغة للأزهري ٢ / ٢٦٤.

٥٧٠

الله عليه وآله وسلم) اهله الأدنون ونسله ، وليس بصحيح قول من قال انهم رهطه وان بعدوا ، وانما قال ابو بكر يوم السقيفة او بعده : نحن عترة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وبيضته التي تفقأت عنه ، على طريق المجاز لأنهم بالنسبة الى الأنصار عترة له لا في الحقيقة ، الا ترى ان العدناني يفاخر القحطاني ، فيقول انا ابن عم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ليس يعني انه ابن عمه على الحقيقة وانما هو بالإضافة الى القحطاني ابن عمه (١) انتهى.

وحكى أحمد بن يحيى الشيباني عن محمد بن عبد الجبار عن ابي العباس ثعلب عن ابن الأعرابي : ان العترة ولد الضب وذريته من صلبه ولذلك سميت ذرية محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) من علي وفاطمة (عليهم‌السلام) عترة محمد قال ثعلب : فقلت لابن الأعرابي : فما معنى قول ابي بكر في السقيفة : نحن عترة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) قال : فان قال اراد بلدته وبيضته وعترة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ولد فاطمة (٢) انتهى.

قلت : ويؤيد ذلك ان عليا (عليه‌السلام) لما احتج على ابي بكر واصحابه بالقرابة من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) حيث احتجوا هم بها على الأنصار لم يجيبوه بانا واياك جميعا عترة الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فلا مزية لك علينا في ذلك بل سلموا له القرابة دونهم واجابوه بغير ذلك من الأعذار كحداثة السن وغير ذلك مما تقدم في الرواية ، وهو ظاهر ان لم يكن صريحا في ان المعروف عند العرب بحيث لا ينكر ان العترة هم الأدنون من الرجل نسبا والأشدون به نوطا دون الاباعد في النسب وان كانوا من القبيلة والعشيرة ، وان اطلاق لفظ العترة على غيرهم انما هو على

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ٦ / ٣٧٥.

(٢) أيضا.

٥٧١

ضرب من المجاز فعترة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) هم الأقربون منه وشيجة ، والأدنون منه نسبا ، من بني هاشم دون غيرهم من قريش ، هذا باعتبار اللغة العربية ، واما باعتبار العرف الشرعي فان العترة هم امير المؤمنين (عليه‌السلام) وفاطمة وولداهما الحسن والحسين والأئمة من ذرية الحسين (عليهم‌السلام) قال ابن ابي الحديد : وقد بين رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) عترته من هي لما قال : (اني تارك فيكم الثقلين) فقال : (عترتي اهل بيتي) وبين من اهل بيته حين طرح عليهم كساء وقال حين نزلت : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) : (اللهم هؤلاء اهل بيتي فاذهب الرجس عنهم) فان قلت : فمن هي العترة التي عناها امير المؤمنين بهذا الكلام قلت : نفسه وولداه والأصل في الحقيقة نفسه ، لأن ولديه تابعان له ونسبتهما إليه نسبة الكواكب المضيئة مع طلوع الشمس المشرقة ، وقد نبه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) على ذلك بقوله : (وابوهما خير منهما) (١) انتهى.

قلت عني المعتزلي بالكلام قول امير المؤمنين (عليه‌السلام) في الخطبة التي هذا الكلام من جملة شرحها : (وكيف تعمهون وفيكم عترة نبيكم) واما البيت فسيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى.

وقال في الصواعق : المراد باهل البيت والآل وذوي القربى في كل ما جاء في فضلهم مؤمنو بني هاشم والمطلب وكان الثلاثة العترة فالألفاظ الأربعة بمعنى واحد.

قلت لعمري ان الألفاظ الأربعة بمعنى واحد ، لكن ليس المراد منها الا عليا وفاطمة وابنيهما كما قال به اكثر القوم من المتقدمين والمتأخرين كأبي عامر

__________________

(١) أيضا ٦ / ٣٧٦ وفيه (وأبوكما خير منكما) و ٤ / ٩٦.

٥٧٢

الشعبي ويحيى بن يعمر وابن الأعرابي ومحمد بن طلحة الشافعي وظاهر الحسن البصري ، ويشهد لذلك ما روى اهل الصحاح ممن لا ينكر روايتهم معتزلي ولا اشعري وهم الطبراني وابن ابي حاتم وابن مردويه وابو الحسن البغوي في تفسيره عن ابن عباس انه لما نزلت : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (١) قالوا : يا رسول الله من قرابتك الذين نزلت فيهم الآية قال : (علي وفاطمة وابناهما) ولفظ البغوي من هؤلاء الذين امرنا الله بمودتهم قال : (علي الخ) وغيره سيأتي على كثرته وهو مبطل لما قاله ابن حجر وما قال غيره مما يخالف ما ذكرناه.

وروى الديلمي عن ابن ابي سعيد انه يعني النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) قال : (اشتد غضب الله على من اذاني في عترتي) (٢) وروى ابو داود الطيالسي عن عبد الرحمن بن عوف (واوصيكم بعترتي خيرا وان موعدكم الحوض) فالمعنى بهذا علي (عليه‌السلام) وفاطمة والحسن والحسين (عليهم‌السلام) ، وقد صح في اخبارهم ان الحسن والحسين ذرية رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وبنوه لصلبه وقد تقدم ان العترة ذرية الرجل وعقبه من صلب.

فمن ذلك ما رواه الطبراني مرفوعا عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : (ان الله جعل ذرية كل نبي من صلبه وجعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب) (٣) واخرج الطبراني وغيره انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) الشورى : ٢٣.

(٢) فيض القدير ١ / ٥١٥ وقال : «اخرجه الديلمي في الفردوس ومثله في اسعاف الراغبين ص ١١٤.

(٣) اسعاف الراغبين ص ١٣٢ وفيض القدير ٢ / ٢٢٣ والصواعق ص ٧٤ وفيه اخراج الطبراني له.

٥٧٣

وسلم) قال : (كل بني أم ينتمون الى عصبتهم الا ولد فاطمة فانا وليهم وانا عصبتهم) (١).

قال محمد الصبان الشافعي في اسعاف الراغبين وفي رواية صحيحة (كل بني انثى عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فاني انا ابوهم وعصبتهم) (٢) الى غير ذلك ومما يدل على ان ذرية الحسين عترة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ما اخرجه مسلم وابو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي وآخرون عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) (المهدي من عترتي) (٣) وما اخرج احمد والترمذي وابو داود وابن ماجه عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : (لو لم يبق من الدهر الا يوم لبعث الله فيه رجلا من عترتي يملأها عدلا كما ملئت جورا) (٤) واخرج الحاكم في صحيحه عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : (يحل بامتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع ببلاء اشد منه حتى لا يجد الرجل ملجأ فيبعث الله رجلا من عترتي اهل بيتي يملأ الأرض قسطا وعدلا) (٥) الخبر ..

واخرج ابو نعيم عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : (ليبعثن الله رجلا من عترتي افرق الثنايا اجلا الجبهة يملأ الأرض عدلا يفيض المال فيضا) (٦).

__________________

(١) كنز العمال ٦ / ٢٢٠ وذكر ان الطبراني اخرجه.

(٢) اسعاف الراغبين ص ١٣٣ ورواه في كنز العرفان ٦ / ٢٢٠ بحروف رواية الصبان واشار الى اخراج الطبراني له.

(٣) سنن الترمذي ٢ / ٣٦ وفيه (من اهل بيتي) سنن ابي داود ٧ / ١٣٤.

(٤) مسند احمد / ٩٩ و ٣ / ١٠ و ٢٨ و ٣٧ و ٧٠.

(٥) مستدرك لحاكم ٤ / ٤٦٥.

(٦) حلية الأولياء ٣ / ١٠١.

٥٧٤

واخرج احمد والماوردي انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) قال : (ابشروا بالمهدي رجل من قريش من عترتي يخرج في اختلاف من الناس وزلزال فيملأ الأرض عدلا وقسطا) (١) الخبر الى غير ذلك وكل هذه الأخبار مصرحة بان المهدي من عترة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) والمهدي من ذرية الحسين (عليه‌السلام) كما سنبينه ، فيكون ذرية الحسين من عترة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وذوي قرباه واهل بيته وآله ، وبهذا يبطل ما ذكره المعتزلي من اختصاص العترة بعلي (عليه‌السلام) والحسن والحسين ، نعم ان اريد انهم الأصل في العترة والأئمة بعدهم تابعون لهم في ذلك كان صحيحا لا اشكال فيه ، لأن وصلتهم بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بسبب اولئك الكرام صلوات الله عليهم اجمعين.

والامامة يختص بها العترة بهذا المعنى الخاص لا بما يفيده اصل اللغة العربية فيختص بها أطايب عترة علي (عليه‌السلام) وابرار ذريته ، لأن هؤلاء هم عترة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) شرعا كما ذكرناه ، وقد اشار امير المؤمنين (عليه‌السلام) الى هذا في خطبة رواها المعتزلي عن شيخه الجاحظ عن ابي عبيدة وهي طويلة ومحل الاستدلال منها قوله (عليه‌السلام) : (الا ان ابرار عترتي ، وأطايب ارومتي ، احلم الناس صغارا ، واعلم الناس كبارا الا وانا اهل بيت من علم الله علمنا ، وبحكم الله حكمنا ، ومن قول صادق سمعنا فان تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا) الخطبة (٢) حيث جعل الاقتداء بهم كالاقتداء ورتب عليه الاهتداء ، وهذا الكلام مشير الى اهل الطهارة والعلم الغزير والحلم الواسع من ذريته (عليه‌السلام) ، ولم يكن

__________________

(١) كل ما ذكره المؤلف ابتداء من رقم ٥ الى هنا نقله المؤلف من اسعاف الراغبين ص ١٣٣ فما بعد فلاحظ.

(٢) شرح نهج البلاغة ١ / ٢٧٦ والبيان والتبيين للجاحظ ١ / ١٧٥.

٥٧٥

بهذا الوصف الا ائمتنا المعروفون ذرية الحسين (عليهم‌السلام) ، لأنهم تميزوا عن جميع الذرية المحمدية والسلالة الحيدرية بغزارة العلم وسعة الحلم ، وصحة اليقين ، وصدق النية ، والزهد في الدنيا ، شهد بذلك لهم اولياؤهم واعداؤهم ومن قال بامامتهم ومن لم يقل بها ، هذا دليل واضح على صحة مذهب الامامية من اصحابنا ومبطل لما سواه من مذاهب فرق الشيعة وغيرهم ، فالأئمة الأحد عشر من ذرية امير المؤمنين هم العترة بالمعنى الخاص ، فما ورد من النصوص الدالة على إمامة العترة فهو مختص بهم دون غيرهم من باقي الذرية ، وكما يختص بهم ما ورد من النص على العترة كذلك يختص بهم ما ورد من النص على ذوي القربى واهل البيت والآل بالمعنى الخاص لاتفاق الألفاظ الأربعة في المعنى كما سمعت ، والذي يدل على ان العترة بالمعنى الأخص مختص بالأئمة دون سائر ذرية الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ما رواه ابن ابي الحديد عن حلية الأولياء فيما تقدم من قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وليقتد بالأئمة من بعدي فانهم عترتي خلقوا من طينتي) الخبر فانه صريح في ان العترة هم الأئمة وان الأئمة هم العترة ، وان من ليس من العترة ليس بامام ، ومن ليس بامام ليس من العترة لافادة الحمل ذلك لأنه في القضية المذكورة بمعنى حمل الشيء على الآخر على انه هو هو لا الحمل المشهور ومثله قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في حديث الثقلين (كتاب الله وعترتي اهل بيتي) لمعلومية ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) لم يأمر الأمة بالتمسك الا بمن كان من الذرية معروفا بالطهارة والعلم والزهد والورع ، معلوما بملازمة القرآن ، غير مخالف لأحكامه ولا صادف عنه الى غيره من رأى او قياس او غير ذلك ، ولا يكون كذلك الا من اجتباه الله وهداه وسدده وايده ، وهذه صفة الامام على ما يقول اصحابنا ، وليس كل الذرية الفاطمية على هذا الوصف لأن منهم من هو قاصر العلم ، ومنهم من لا علم له ، ومنهم من ليس مرضيا مذهبه ولا محمودا هديه ، فليس يجوز ان

٥٧٦

يأمر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بالتمسك بمثل هؤلاء ، ولما كان العترة يختص بها من امر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بالتمسك به ، وهو يختص بمن جمع اوصاف الامامة كان الأئمة هم العترة والعترة هم الأئمة ، وهم اهل البيت أيضا ، ويدل عليه أيضا قول امير المؤمنين في الخطبة التي قدمنا ذكرها : (فانه لما قبض الله نبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) قلنا نحن اهله وورثته وعترته) (١) ـ لظهور انه (عليه‌السلام) لا يريد باستحقاق الامامة وخلافة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) الا نفسه وولديه دون باقي بني هاشم كأخيه عقيل وغيره ، وسيأتي في ذكر النصوص ما يعاضد هذا الدليل ويزيد هذا المعنى توضيحا وبيانا ، وقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في المهدي (رجلا من عترتي) يعني انه من الأئمة ، لأنا نقول انه خاتمهم وتمام عدتهم فلا نقض علينا به اذ ليس يتعين ان المراد به رجلا من ذرّيتي ، لأن المعنى الأول يقتضيه فصح من هذا ان كلما ورد من النصوص القرآنية والنبوية الدالة على إمامة العترة او ذوي القربى او اهل البيت او الآل او وجوب مودتهم او التمسك بهم او عصمتهم عن مقارفة الذنوب فيراد بهم الأئمة (عليهم‌السلام) فهو شامل لهم بالتبعية وان كان موردها في امير المؤمنين (عليه‌السلام) والحسنين بالاصالة للمماثلة الحاصلة والمشابهة الصحيحة ، وسيأتي للفظ ذوي القربى واهل البيت والآل زيادة توضيح وتصريح في ذكر الأدلة ان شاء الله بما يزيد شبهات المشبهين فترقب.

اذا تقرر هذا فلنذكر النصوص على العترة ، واعلم انها انواع.

فمنها ما ورد بلفظ الامامة وما ورد بلفظ التمسك ومنها ما ورد بلفظ السيادة ، ومنها ما ورد بلفظ المودة والمحبة وغير ذلك ، وسنذكرها مفصلة.

__________________

(١) حلية الأولياء ١ / ٨٦.

٥٧٧

فما ورد بلفظ الامامة الحديث المتقدم عن الحلية وهو قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) (من سره ان يحيى حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن التي غرسها ربي فليوال عليا من بعدي وليوال وليه وليقتد بالأئمة من بعدي فانهم عترتي ، خلقوا من فاضل طينتي ، ورزقوا فهما وعلما فويل للمكذبين من امتي القاطعين فيهم صلتي لا انا لهم الله شفاعتي وهذا الخبر صريح في النص على إمامة العترة الطاهرة بما لا مزيد عليه من الصراحة وذلك من وجوه.

الأول ايجابه الاقتداء بهم ولا يجب الاقتداء عينا الا بالامام.

الثاني تسميتهم ائمة وهو اصرح الألفاظ في الامامة العامة ، اذ من المعلوم انه لا يريد هنا مطلق الأئمة كامام الجماعة وامام الحاج وأمراء البلدان والجيوش والفقهاء ولا يحتمل كلامه ذلك لأن وصفهم بانهم عترته وما بعده من الأوصاف موجب لاخراج المذكورين منهم ، ويخصص الأئمة بالخلفاء المستحقين لمقامه.

الثالث خلقهم من فاضل طينته فانه يدل على الوصلة التامة والمماثلة الخاصة كما ذكرنا سابقا في خلق علي من نور النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وذلك يقتضي كونهم قائمين مقامه وحالين في منزلته وحيث امتنعت فيهم النبوة لختمها به فهم قائمون مقامه في الامامة فيكونون خلفاءه على الأمة.

الرابع قوله : (رزقوا فهما وعلما) فانه مصرح بانهم كانوا مستحقين للامامة لأن الله اختصهم بالفهم والعلم فهم احق بمنصب الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) واولى بخلافته ممن ليس له هذه الصفة وفيه اشارة الى انه لا يجوز لمن يجهل شيئا من امر الأمة في دينهم ان يكون إماما وهو حقيقة قول اصحابنا ونصه.

٥٧٨

الخامس قوله : (فويل للمكذبين من امتي) الخ فانه صريح في ان من كذب بامامتهم فقد استحق الويل وقطع صلة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ، وكان اهلا لحرمان الشفاعة والخلود في الهاوية ، فهو في مقابلة المقتدي فانه مستحق لأن يحيى حياة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ويموت مماته ويدخل جنة عدن التي غرسها ربه واي نص اصرح من هذا النص في الامامة لو لا تنكب القوم الطريق وسلوكهم في المضيق.

ومنه قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) للحسن والحسين (عليهما‌السلام) : (انتما الامامان ولأمكما الشفاعة) في حديث رواه في المناقب مختصر مناقب الحافظ ابي عبد الله محمد بن يوسف البلخي الشافعي نقلا من مسند احمد بن حنبل (١) وهو صريح في المطلوب لا يحتاج الى بيان.

وما ورد بلفظ التمسك الخبر المتواتر وهو قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في خطبته : (ايها الناس انما انا بشر مثلكم يوشك ان يأتيني رسول ربي فاجيب ، واني تارك فيكم ثقلين كتاب الله فيه الهدى والنور فتمسكوا بكتاب الله عزوجل وخذوا به واهل بيتي ، اذكركم الله في اهل بيتي اذكركم الله في اهل بيتي ، اذكركم الله في اهل بيتي) وفي رواية : (اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي) والروايتان بهذا اللفظ لمسلم بن الحجاج القشيري في صحيحه (٢) واما لفظ احمد بن حنبل فهذا : (اني اوشك ان ادعى فاجيب واني تارك فيكم الثقلين كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض ، وعترتي اهل بيتي وان اللطيف الخبير اخبرني انهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض فانظروا بما تخلفوني فيهما) (٣) ولفظ ابن ابي

__________________

(١) مسند الامام احمد

(٢) صحيح مسلم / كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل علي بن ابي طالب.

(٣) مسند الامام احمد ٣ / ١٧ و ٥ / ١٨١.

٥٧٩

الحديد : (خلفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي حبلان ممدودان من السماء الى الأرض لا يفترقان حتى يردا على الحوض) وفي رواية : (قد خلفت فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله واهل بيتي) الى تمام الأول وفيه زيادة (حوضي ما بين بصرى وصنعاء عدد انيته عدد النجوم ان الله مسائلكم كيف خلفتموني في كتابه واهل بيتي) وهذا اللفظ للزهري وذكره في حديث الغدير وهذا الخبر على اختلاف لفظ رواته صريح في النص على العترة بالامامة وانه (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) عهد بذلك الى الناس حين تحقق دنو انتقاله من الدنيا الى الرفيق الأعلى ، الا ترى الى قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) (يوشك ان يأتيني رسول ربي) و (اوشك ان ادعى فاجيب) فانه مشعر بذلك ومنبه لهم على قرب رحيلة عنهم ، لأن اوشك فعل معناه المقاربة ومشارفة الأمر ، واصرح منه في ذلك قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في رواية ابي الفتوح اسعد بن ابي الفضائل في كتابه الموجز في فضل الخلفاء الأربعة : (ايها الناس اني قد نبأني اللطيف الخبير انه لن يعمر نبي الا نصف عمر النبي الذي كان قبله ، واني لأظن باني ادعى فاجيب) الخبر (١) فأوصاهم بالتمسك بالكتاب والعترة ، ولا معنى للتمسك الا الأخذ باحكامهما والرجوع إليها عند الاختلاف ، فهذا معنى الامامة ، فالكتاب الامام الصامت ، والعترة الامام الناطق ، كل منهما يصدق صاحبه ، فلا يجوز لأحد مخالفة واحد منهما وبين (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ان التمسك بهما عاصم من الضلالة ومخالفتهما موجبة للهلاك ، وصرح بانهما حبلان ممدودان من السماء الى الأرض ، فهما وصلة بين الله وبين خلقه ، من اقتدى بهما توصل الى مرضاة الله ، ومن تركهما باء بسخط من الله ، اذ لا سبب الى الله بعد

__________________

(١) لم اعثر على كتاب الموجز لأبي الفتوح والخبر المشار إليه رواه الهيثمي في مجمع الزوائد ٥ / ١٦٤.

٥٨٠