منار الهدى في النصّ على إمامة الأئمّة الإثني عشر

الشيخ علي البحراني

منار الهدى في النصّ على إمامة الأئمّة الإثني عشر

المؤلف:

الشيخ علي البحراني


المحقق: السيد عبدالزهراء الخطيب
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار المنتظر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٢٠

كالكلمة التي في مرض رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) (١) يعني بها قوله : «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ليهجر» وكقوله : «متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) حلال انا محرمهما ومعاقب عليهما متعة الحج ومتعة النساء» (٢) وانه لم يقصد بها ظواهرها ولا يستطيع الا اخراجها كما هي ، فلم يكن قاصدا عيب علي بالدعابة وغير ذلك من الأعذار الركيكة التي اطالها في مواضع من كتابه ليس بشيء وان اراد بالدعابة التي نسبها الى امير المؤمنين (عليه‌السلام) المزاح الموجب للخفة كما نسبه عمرو بن العاص ومعاوية إليه (٣) فقد ابطل في دعواه باجماع مواليه ومعاديه ، وان عليا (عليه‌السلام) : بريء من ذلك كبيرا وشابا وطفلا ، وما زال عليه بهاء الايمان ، وهيبة التقوى ، ونضارة الورع ، وخشونة الدين ، وذلة التواضع ، وعزة الكمال ، وخشوع الزهد ، ورزانة العقل ، ورصانة الحلم ، ونور العرفان ، ورونق الحكمة ، وضياء العلم ، وجمال العفة ، وقميص الأمانة ، ودرع الصيانة ، وجلباب الديانة ، وكمال البصيرة ، وهيئة الزعامة ، ودلائل الشهامة ، وأبهة الرئاسة ، وجلالة السيادة ، بعيد الهمة عن همز كل هامز ، ورفيع القدر عن لمز كل لامز ، قال صعصعة بن صوحان (٤) في وصفه : كان فينا كأحدنا لين جانب وشدة

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ١ / ١٨٣ و ٢ / ٢٧.

(٢) نفس المصدر ١ / ١٨٢.

(٣) قال ابن ابي الحديد : «اما ما كان يقول عمرو بن العاص في علي (عليه‌السلام) لأهل الشام : «ان فيه دعابة» يروم ان يعيبه بذلك عندهم فاصل ذلك كلمة قالها عمر فتلفقها حتى جعلها اعداؤه عيبا وطعنا عليه» (شرح نهج البلاغة ٦ / ٣٢٦).

وقال في الجزء الأول ص ٢٥ : «وعمرو بن العاص انما أخذها عن عمر بن الخطاب لقوله له لما عزم على استخلافه : لله ابوك لو لا دعابة فيك.

(٤) صعصعة صوحان العبدي اسلم على عهد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ولم

٥٢١

تواضع وكنا نهابه مهابة الأسير المربوط للسياف الواقف على رأسه ولما قال معاوية لقيس بن سعد بن عبادة : رحم الله أبا الحسن فلقد كان هشا بشا ذا فكاهة ، قال قيس : نعم كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) يمزح ويبسم الى اصحابه ، واراك تسر حسوا في ارتغاء وتعيبه بذلك ، اما والله لقد كان مع تلك الفكاهة والطلاقة اهيب من ذي لبدتين ، قد مسه الطوى ، وتلك هيبة التقوى ، ليس كما يهابك طغام اهل الشام ، الى غير ذلك مما وصف به من الهيبة والوقار ، روى ذلك ابن ابي الحديد وغيره من معتزلة واشاعرة ، فليس مما نسبه عمر إليه في شيء ، كما أن قول ابن العاص بهت منه وزور وافتراء ، والله ولى الجزاء ، ودع ذا كله أليس في اعتذار عمر عن تقدمه وتقدم صاحبه على امير المؤمنين في الخلافة بما ذكره من الأعذار بعد شهادته بانها حقه وانه اولى الناس بها دليل ظاهر على انه كان رادا لنص الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بالرأي؟ وذلك هو المقصد. والمراد وهو المدعى الذي نحن بصدد اثباته والله الهادي الى الصواب.

قال ابن ابي الحديد بعد روايته الأخبار التي ذكرناها وغيرها مما اورده هناك في المعنى : سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن محمد بن ابي زيد وقد قرأت عليه هذه الأخبار ، فقلت له : ما اراها الا تكاد تكون دالة على النص ، ولكني استبعد ان تجتمع الصحابة على دفع نص رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) على شخص بعينه كما استبعد من الصحابة رد نصه على الكعبة وشهر رمضان وغيرهما من معالم الدين ، قال : فقال : ابيت الا ميلا الى

__________________

يره لصغره ويعد هو واخوه زيد بن صوحان في اصحاب علي (عليه‌السلام) اما زيد فاستشهد معه يوم الجمل ، وقد روى ابن الأثير في اسد الغابة بترجمة زيد رواية عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) تدل على فضل عظيم وبشارة بالشهادة واما صعصعة فقد شهد مع علي (عليه‌السلام) حروبة الثلاثة ومات في ايام معاوية.

٥٢٢

المعتزلة ، وذكر عن النقيب المذكور اجوبة طويلة في دفع استبعاده من الصحابة مخالفة الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ، وذكر ان ذلك خلاصة ما حفظه من كلام النقيب ، ونحن نستخلص من تلك الخلاصة زبدة فنوردها وحاصل ذلك : ان القوم لم يذهبوا الى ان الامامة من معالم الدين كالصلاة والصيام والحج وانما كانوا يجرونها مجرى الأمور الدنيوية كتأمير الأمراء وسياسة الرعية ، وما كانوا يرون بأسا بمخالفة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في امثال ذلك اذا رأوا مصلحة في المخالفة ، كما ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) نص على اخراج ابي بكر وعمر في جيش اسامة فلم يخرجا لما رأياه من المصلحة في التأخير ، واسقطوا سهم ذوي القربى من الخمس وسهم المؤلفة قلوبهم بالرأي ، وهما ادخل في باب الدين منهما في ابواب الدنيا ، وان القوم كانوا يخالفون النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وهو حي في امثال ذلك ، ولقد اوصاهم في مرضه (ان اخرجوا النصارى من جزيرة العرب) فلم يخرجوهم حتى مضى صدر من خلافة عمر ، وعملوا في زمن ابي بكر برأيهم ، وهم الذين هدموا المسجد بالمدينة ، وحولوا المقام بمكة عما وضعه فيه ابراهيم الخليل ونبينا (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) الى ما وضعته الجاهلية.

قلت : وكان المحول له عمر.

قال : ولم يقفوا على موارد النصوص ، واقتدى بهم الفقهاء فرجح الكثير منهم القياس على النص فاستحالت الشريعة الى شريعة جديدة على ما ادى إليه القياس ، واكثر ما كانوا يعملون بآرائهم فيما يجري مجرى الولايات والتأمير وتقرير قواعد الدولة ولا يقفون مع نصوص الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وتدبيراته اذا رأوا المصلحة في خلافة كأنهم يقيدون اطلاق نصوصه بقيد غير مذكور لفظا ، وليس ذلك يمكن بهم فيما هو جار مجرى

٥٢٣

محض الدين كالصلاة والوضوء ، مثل ان يقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) الوضوء شرط في الصلاة فيجمعوا على خلافه ، وكذا في الصوم والحج اذ لا غرض لهم فيه ولا يقدرون على اظهار مصلحة كانت خفيت على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بزعمهم كما امكنهم اظهار ذلك في إمامة علي (عليه‌السلام) من كراهية العرب له اما للوتر والثأر ، واما لمحض الحسد والبغض ، واما لصغر السن وغير ذلك مما زعموه ، واسكتوا به من يخاطبهم ويذاكرهم بنص الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) عليه ، وتعللوا مع اقرارهم بالنص في المبادرة الى عقد الأمر لأبي بكر بخوف الفتنة ، ورجاء تداول الخلافة في بطون قريش فلا يختص بها قوم الى غير ذلك من الزخارف التي ذكروها ، وكان عمر جريا على مخالفة الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في زمانه كما خالفه في وقت مرضه لما امر باحضار الدواة وقال : (هلم اكتب لكم كتابا لا تضلون بعدي ابدا) فقال : انه ليهجر حسبنا كتاب الله ، وان الحاضرين افترقوا فصوب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فريق ، وصوب عمر فريق ، وهذا من اغرب الأمور ، فمن بلغت همته الى مثل هذا كيف يبعد عليه رد نص النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بعد موته على علي (عليه‌السلام) بالخلافة؟ ومن كان ينكر عليه ذلك؟ مع ان ذاك اشد من مخالفة النص في الخلافة وافضع ، على ان الرجل ما أهمل نفسه ، بل اعد لذلك اعذارا وذلك انه قال لقوم عرضوا له بحديث النص : ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) رجع عن ذلك بأمره أبا بكر بالصلاة وأوهمهم ان ذلك يجري مجرى النص عليه بالخلافة ، وقال يوم السقيفة : رضيك رسول الله لديننا أفلا نرضاك لدنيانا؟ واعانه على مثل ذلك قوم افتعلوا كذبا كافتعاله وجعلوه كالناسخ لقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) فكان حال الصلاة والكعبة والصوم والحج غير حال الخلافة.

٥٢٤

قال ابن ابي الحديد بعد سرد كلام النقيب جميعه : ان النقيب لم يكن امامي المذهب ، ولا كان يبرأ من السلف ، ولا يرتضي قول المسرفين من الشيعة ، ولكنه كلام اجراه على لسانه البحث والجدل بيني وبينه انتهى (١).

قلت : واكثره وان كان على قواعد القوم منطبقا وانه كلام من يحملهم على الخير لكنه كاف في دفع الاستبعاد واف بالمراد ، والا فالوجه في مثل هذا ما قدمناه من ان القوم كانوا يخالفون النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فيما يحصل لهم فيه غرض دنيوي ، لأنهم طلبوا الدنيا دون محض الدين واقامتهم على دعوة الاسلام انما هي لحصول الغرض الأعظم هي الرئاسة الكبرى فما كان يخرجهم في ظاهر الحال عند عامة المسلمين من الاسلام كترك الصلاة ، وتغيير القبلة ، واشباه ذلك لا يردون نص الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) عليه حفظا لأنفسهم من ان ينسبوا الى الردة فترضخ رءوسهم بالجندل ، او يرجعوا اذنابا ويملكهم غيرهم ، ان وافقهم الناس على تغيير الشريعة ، وما لم يكن بهذه المنزلة من الأمور الدينية والدنيوية فكثيرا ما غيروه وبدلوه وادخلوا فيه ما ليس منه كالوضوء وما ادخلوا فيه من غسل الرجلين والمسح على الخفين وغير ذلك ، وكما اسقطوا من الأذان ما اسقطوا وزادوا فيه ما زادوا او كتحريم المتعتين وتجويز صوم شهر رمضان للمسافر وغير ذلك من الأحكام التي غيروها في ابواب العبادات والمعاملات والمواريث والسياسات مما يطول بذكره الكلام ، ومن نظر كتب الفقه والحديث اطلع على ذلك ، ثم ان الأولين كانا بمكان مكين من البصيرة في الأمور الدنيوية فلازما مع ذلك كله ما يصلحهما عند العامة ، وواظبا على ما يوجب لهما صرف قلوب الخاصة ، فظلفا انفسهما عن الملاذ الظاهرية ، وعن الرغبة في المال وسلكا مسلك الزهد

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ١٢ / ١٩ ولا يخفى ان ما نقله المؤلف من كلام النقيب هنا هو زبدة كلام النقيب كما اشار الى ذلك.

٥٢٥

والقناعة ، واظهرا الخشوع والورع ، وعمدا الى من تقبل قوله العامة ومن ينتصرون به ان خاصمهم مخاصم في امر الخلافة فحملوهم على الرقاب ، وولوهم الولايات والأعمال ، ووفروهم في العطاء ، وحثوا لهم الأموال حثوا ، واغمضوا عنهم في الحدود ، واسقطوا عنهم عقوبات الجنايات بالمدافعة والرأي ، فلذا اطيعا وبجلا في الحياة والممات ، ولم يكن الثالث كذلك ، بل اراد ان يسلك مسلك الملوك مع ادعائه انه في مقام النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فجرى عليه ما جرى ولو انهما فعلا مثل فعله لأصابهما مثل ما أصابه ، فليسا باعز ناصرا منه ، ولا اكثر نفرا ، ولو فعل مثلما فعلا لنال من طاعة العامة ما نالا ، ولما ذا لم يفرق ابن ابي الحديد بين امر الخلافة وما يتعلق بها من الأغراض الدنيوية ، والشهوات النفسية ، ولم يستلزم مخالفة النص فيها الخروج عن الملة سند جمهور الصحابة ، بل تزيد تقوية في الدين عندهم وبين تغيير الكعبة وشهر رمضان الذي يوجب عند كافة المسلمين الارتداد والخروج من دين الاسلام مع انه لا يتعلق لهم به غرض ، ولا يوجب لهم صلاح امر لو سلموا من الضرر اذا فعلوه ، ألا تراهم اذا أمنوا في تحويل المقام عن موضعه حولوه فاستبعد منهم تغيير النص في الخلافة كما استبعد منهم تغيير الكعبة التي كان اهل الجاهلية يعظمونها ويهدون الهدى إليها فضلا عن المسلمين ، وشهر رمضان الذي هو عند اهل الاسلام بمنزلة الصلاة تارك صومه كافر واين هذا من ذاك؟ وهل يرتاب لبيب في الفرق بين الأمرين او يشك فطن في ان ما يتعلق بالخلافة من الأغراض غير ما يتعلق بالكعبة وشهر رمضان؟ ثم اترك ذا جانبا واقض عجبا من ابن ابي الحديد فانه يسمع من يقول انا ظلمنا عليا وغصبنا حقه لأنه صغير السن او كذا مما ذكر فيجيبه بنفي هذا الاعتراف ويقول : انا استبعد منك ذلك كما استبعد منك ان تترك الصلاة والصوم ، او تصلي لغير الكعبة ، وهذه الشبهة الضئيلة المتهافتة هي أيضا معتمد الاشاعرة في انكار النص كما هي معتمد المعتزلة ، وفي بعض

٥٢٦

كلام القوشجي الذي نقلناه عنه سابقا إليها اشارة بينة ، وهذا معتمد ضعيف ومستند واه ، لأن الاستبعاد ليس دليلا في نفسه فكيف يعارض به الدليل القاطع بل يرجح عليه ولو عارضنا بالاستبعاد والاستغراب الأدلة الشرعية لارتفع اكثر الشريعة لغرابته مثل الطواف والأحرام والسعي والهرولة ، ورمى الجمار ، ولذا انكره الزنادقة بان الحكيم لا يأمر بمثل هذه الأفعال ، والسجود في الصلاة والوضوء لها ولذا انكرها المشركون لاشتمالها على السجود وفيه اعتلاء الاست على الرأس ، وهو مستغرب وغير ذلك مما يعرفه المتتبع مما لا يسع المقام ذكره ، فبطل ما اعتمدوا عليه في انكار النص من الاستبعاد ، وثبت وجود النص من النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) على علي (عليه‌السلام) بالامامة صريحا ، وانهم قد خالفوه وهو المراد وهذا اخر الطريق الثاني.

واما الطريق الثالث : وهو ظهور المعجز على يد علي (عليه‌السلام) فمعروف مشهور ومعاجزة كثيرة.

فمنها : قلع باب خيبر وعجز عن حمله سبعون رجلا من الأقوياء. (١).

ومنها مخاطبة الثعبان على منبر الكوفة فسأل عنه فقال : انه من حكام الجن اشكل عليه مسألة فاجبته عنها (٢).

__________________

(١) قلع علي (عليه‌السلام) لباب خيبر مروية في اكثر كتب السيرة النبوية والتاريخ نذكر منها تاريخ الطبري في حوادث سنة ٨ ، مسند الامام احمد ج ٦ ص ٨ والرياض النضرة ٢ / ٨٨ وفيه اجتمع عليه سبعون رجلا فكان جهدهم ان اعادوا الباب» وتاريخ الخطيب البغدادي ١١ / ٣٠٤ وفيه «وانهم جربوه بعد ذلك فلم يحمله الا اربعون رجلا» .. الخ ..

(٢) مخاطبة علي (عليه‌السلام) للثعبان ممكنة لا يمكن من يؤمن بالقرآن ردها خصوصا إذا نظر الى ما قصه الله علينا من قصص سليمان بن داود (عليه‌السلام) وكيف ان

٥٢٧

ومنها رفع الصخرة العظيمة عن القليب وذلك انه لما توجه الى صفين مع اصحابه اصابهم عطش عظيم ، فامرهم ان يحفروا بقرب دير فوجدوا صخرة عظيمة عجزوا عن نقلها فنزل علي (عليه‌السلام) فاقتلعها ورمى بها مسافة بعيدة فظهر قليب فيه ماء فشربوا ، ثم اعادها ولما رأى ذلك صاحب الدير اسلم (١).

ومنها محاربة الجن فقد روى ان جماعة من الجن ارادوا وقوع الضرر بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) حين مسيره الى بني المصطلق فرد علي (عليه‌السلام) كيدهم بما آتاه الله سبحانه (٢).

ومنها رد الشمس له لما كان رأس النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في حجره والوحي ينزل عليه وعلي لم يصل العصر ، فما سرى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) الا وقد غربت الشمس فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : (اللهم انه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس) فطلعت الشمس بعد ما غربت فصلى العصر ، قال في اسعاف الراغبين : وحديث ردها صححه الطحاوي والقاضي في الشفاء ، وحسنه شيخ الاسلام ابو زرعة وتبعه غيره ، وردوا على جمع قالوا انه موضوع ، وزعم فوات الوقت بغروبها فلا فائدة لردها في محل المنع لعود الوقت بعودها كما ذكره ابن العماد واعتمده غيره ـ الى ان قال ـ : وعلى تسليم عدم عود الوقت نقول : كما ان

__________________

(الذي عنده علم من الكتاب آتاه) الله ما لم يؤت عفريتا من الجن وعلي باب مدينة علم سيد الأنبياء كما صح ذلك من طرف جمهرة علماء المسلمين ، فلما ذا نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض! على انه لا اثر لأمثال هذه الرواية في ردها وقبولها وصحتها وعدم صحتها في العقيدة الحقة ، والمذهب السليم.

(١) انظر شرح نهج البلاغة ٣ / ٢٠٤ و ٢٠٥.

(٢) محاربة علي (عليه‌السلام) للجن ذكر شيئا منها ابن حجر في الاصابة ٤ / ٢٣٥ والكلام فيها كالكلام في مخاطبته (عليه‌السلام) للثعبان.

٥٢٨

ردها خصوصية كذلك ادراك العصر اداء له خصوصية (١) انتهى.

اقول واعترف بحديث رد الشمس ابن ابي الحديد حتى نظمه في اشعاره في مدح امير المؤمنين (٢) واعترف به القوشجي وبجميع ما ذكرناه وما نذكره من المعاجز ، وقول بعض العامة : لو كانت الشمس طلعت بعد ما غابت لكان ذلك معلوما لكل الناس يشبه قول منكري انشقاق القمر للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بانه لو وقع لعلمه كل الناس ، وما يجيبون به عن هذا هو جوابنا عن ذاك.

ومنها اقتلاعه هبل من أعلى الكعبة ورميه به الى الأرض قال ابن ابي الحديد : وكان عظيما جدا (٣).

ومنها اخباره بالمغيبات وذلك كثير حصره مفصلا يحتاج الى كتاب مفرد كاخباره عن قاتله ووقت قتله ، واخباره عن قتل الحسين (عليه‌السلام) في كربلاء (٤) وقوله في الخوارج : (ان مناياهم دون النهر والله لا يفلت منهم عشرة ولا يقتل منا عشرة) وكإخباره عن ملك بني امية ، وان له مدة يسيرة (٥) وعن ملك بني العباس (٦) واخباره جماعة من اصحابه بما يصيب كل واحد منهم ، وبأي قتلة يقتل كعمرو بن الحمق الخزاعي (٧) وحجر بن عدي

__________________

(١) اسعاف لراغبين ص ١٦٢.

(٢) بقوله.

يا من له ردت ذكاء ولم يفز

بنظيرها من قبل الا يوشع

(٣) شرح نهج البلاغة ١ / ٢١.

(٤) أيضا ٣ / ٦٩ / و ٧ / ٤٨.

(٥) أيضا تكرر ذلك في كلامه وخطبة في نهج البلاغة وغيرها.

(٦) أيضا ٧ / ٤٨.

(٧) أيضا ٢ / ٢٨٩ و ١٠ / ١٥.

٥٢٩

الكندي (١) ورشيد الهجري (٢) وجورية بن مسهر العبدي (٣) وميثم التمار (٤) ومزرع (٥) وقنبر (٦) وغيرهم ، وكاخباره عن الحجاج وما يعمل في الكوفة (٧) واخباره انه يضرب عنق اعشى باهله (٨) واخباره عن خراب البصرة على يد الزنج (٩). وعن غرقها الا الجامع ، وعن واقعة الترك (١٠) وسلامة اهل العراق منهم ، وعن القرامطة ، واخذهم الحجر الأسود من الكعبة (١١) وعن ملك بني بويه وانه مائة سنة (١٢) وغير ذلك من الملاحم والوقائع والحوادث المتفرقة مما يطول تعداده وقد اشتملت كتب المناقب والسير والتواريخ عليه واشتمل كلامه المجموع في نهج البلاغة على كثير منه ، ولنذكر طرفا من الأخبار الواردة في هذا الباب لنزيد بها شرف هذا الكتاب المحتوي على اثبات إمامة اهل بيت النبي الانجاب ، فنقول :

__________________

(١) كان (عليه‌السلام) قال له لما ضربه ابن ملجم : (كيف بك لو دعيت الى البراءة مني فكان كما قال (سلام الله عليه) والقصة مشهورة.

(٢) أيضا ٢ / ٢٩٤.

(٣) أيضا ٢ / ٢٩٠.

(٤) أيضا ٢ / ٢٩١.

(٥) أيضا ٢ / ٢٤٩.

(٦) قنبر مولى علي (عليه‌السلام) قتله الحجاج وكان علي (عليه‌السلام) قد اخبره بذلك.

(٧) شرح نهج البلاغة ٧ / ٤٨.

(٨) أيضا ٢ / ٢٨٩.

(٩) أيضا ٧ / ٤٨ و ٨ / ١٢٥ فما بعدها.

(١٠) أيضا ٨ / ٢١٥ فما بعدها.

(١١) انظر تفصيل ذلك في تاريخ الكوفة للبراقي.

(١٢) شرح نهج البلاغة ٧ / ٤٨.

٥٣٠

قال ابن ابي الحديد : ذكر المدائني في كتاب الخوارج قال : لما خرج علي (عليه‌السلام) الى اهل النهر اقبل رجل من اصحابه ممن كان على مقدمته يركض حتى انتهى الى علي (عليه‌السلام) ، فقال : البشرى يا امير المؤمنين ، قال : ما بشراك؟ قال : ان القوم عبروا النهر لما بلغهم وصولك فابشر فقد منحك الله اكتافهم ، فقال له : الله انت رأيتهم قد عبروا؟ قال : نعم ، فاحلفه ثلاث مرات في كلها يقول : نعم ، فقال علي (عليه‌السلام) : (والله ما عبروه ولن يعبروه وان مصارعهم لدون النطفة ، والذي فلق الحبة وبرا النسمة لن يبلغوا الا ثلاث ولا قصر بوران حتى يقتلهم الله ، وقد خاب من افترى) قال : ثم اقبل فارس آخر يركض فقال كقول الأول ، فلم يكترث علي (عليه‌السلام) بقوله ، وجاءت الفرسان تركض كلها تقول مثل ذلك ، فقام علي فجال في متن فرسه قال : فيقول شاب من الناس والله لأكونن قريبا منه فان كانوا عبروا النهر لأجعلن سنان هذا الرمح في عينيه ، أيدعي علم الغيب؟ فلما انتهى (عليه‌السلام) الى النهر وجد القوم قد كسروا جفون سيوفهم ، وعرقبوا خيلهم ، وجثوا على ركبهم ، وحكموا تحكيمة واحدة بصوت عظيم له زجل ، فنزل ذلك الشاب فقال : يا امير المؤمنين اني كنت شككت فيك آنفا ، واني تائب الى الله وأليك فاغفر لي ، فقال علي (عليه‌السلام) : (ان الله هو الذي يغفر الذنوب فاستغفره) (١) وقال المعتزلي : وروى جميع اهل السيرة ان عليا (عليه‌السلام) لما طحن القوم طلب ذا الثدية طلبا شديدا وقلب القتلى ظهرا لبطن فلم يقدر عليه ، فساءه ذلك ، وجعل يقول : (والله ما كذبت ولا كذبت اطلبوا الرجل وانه لفي القوم) فلم يزل يتطلبه حتى وجده.

قال : وروى ابراهيم بن ديزيل في كتاب صفين عن الأعمش عن

__________________

(١) أيضا ١ / ٢٧١.

٥٣١

زيد بن وهب قال لما شجرهم علي (عليه‌السلام) بالرماح قال : (اطلبوا ذا الثدية) فطلبوه طلبا شديدا حتى وجده في وهدة من الأرض تحت ناس من القتلى فأتى به ، فاذا رجل على ثدية مثل سبلات السنور ، فكبر علي (عليه‌السلام) وكبر الناس معه سرورا بذلك.

وروى في صفه استخراجه غير ذلك روى العوام بن حوشب عن ابيه عن جده يزيد بن رويم قال : قال علي (عليه‌السلام) : (يقتل اليوم أربعة آلاف من الخوارج احدهم ذو الثدية فاتبعه) فلما طحن القوم ورام استخراج ذي الثدية فاتبعه امرني ان اقطع له أربعة آلاف قصبة ، وركب بغلة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وقال : (اطرح على كل قتيل منهم قصبة) فلم ازل كذلك وانا بين يديه وهو راكب خلفي والناس يتبعونه حتى بقيت في يدي واحدة فنظرت إليه فاذا وجهه اربد واذا هو يقول : (والله ما كذبت ولا كذبت) فاذا خرير ماء عند موضع دالية (١) فقال : فتش هذا ففتشته ، فاذا قتيل قد صار في الماء واذا رجله في يدي فجذبتها وقلت : هذه رجل انسان فنزل عن البغلة مسرعا فجذب الرجل الأخرى وجررناه حتى صار على التراب فاذا هو المخدج فكبر علي (عليه‌السلام) باعلا صوته ثم سجد ، فكبر الناس كلهم (٢).

وروى أيضا في استخراجه غير ذلك.

قال وروى ابن هلال الثقفي في كتاب الغارات عن زكريا بن يحيى العطار عن فضيل عن محمد بن علي قال قال لما قال : علي (عليه‌السلام) : (سلوني قبل ان تفقدوني فو الله لا تسألوني عن فئة تضل مائة وتهدي مائة ما

__________________

(١) أيضا ٢ / ٢٦٧ و ٢٧٦.

(٢) شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٧٥.

٥٣٢

ألا انبأتكم بناعقها وسائقها) فقام إليه رجل فقال : اخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر فقال له علي (عليه‌السلام). لقد حدثني خليلي ان على كل طاقة شعر من رأسك ملكا يلعنك وان على كل طاقة من شعر من لحيتك شيطانا يغويك ، وان في بيتك سخلا يقتل ابن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وكان ابنه قاتل الحسين يومئذ طفلا يحبو وهو سنان بن انس النخعي (١).

وروى الحسن بن محبوب عن ثابت الثمالي عن سويد بن غفلة ان عليا (عليه‌السلام) خطب ذات يوم فقام رجل من تحت منبره فقال يا امير المؤمنين اني مررت بوادي القرى فوجدت خالد بن عرفطة قد مات فاستغفر له فقال (عليه‌السلام) والله ما مات ولا يموت حتى يقود جيش ضلالة صاحب لوائه حبيب بن حمار فقام رجل آخر من تحت المنبر فقال يا امير المؤمنين انا حبيب بن حمار واني لك شيعة ومحب فقال انت حبيب بن حمار قال نعم فقال له ثانية والله انك لحبيب بن حمار فقال اي والله قال اما والله انك لحاملها ولتحملنها ولتدخلن بها من هذا الباب واشار الى باب الفيل بمسجد الكوفة قال ثابت فو الله ما مت حتى رأيت ابن زياد وقد بعث عمر بن سعد الى الحسين بن علي (عليه‌السلام) وجعل خالد بن عرفطة على مقدمته وحبيب بن حمار صاحب رايته فدخل بها من باب الفيل (٢).

وروى محمد بن جبلة الخياط عن عكرمة عن زيد الأحمسي ان عليا (عليه‌السلام) كان جالسا في مسجد الكوفة بين يديه قوم منهم عمرو بن حريث اذ اقبلت امرأة مختمرة لا تعرف فوقفت فقالت لعلي (عليه‌السلام) يا من قتل الرجال وسفك الدماء وايتم الصبيان وارمل النساء فقال (عليه‌السلام) وانها

__________________

(١) أيضا ٢ / ٢٨٦.

(٢) أيضا ٢ / ٢٨٧.

٥٣٣

لهي هذه السلقلق الجلعة المجعة (١). وانها لهي هذه شبيهة الرجال والنساء التي ما رأت دما قط قال فولت هاربة منكسة رأسها فتبعها عمرو بن حريث فلما صارت بالرحبة قال لها والله لقد سررت بما كان منك اليوم الى هذا الرجل فادخلي منزلي حتى اهب لك واكسوك فلما دخلت منزلة امر جواريه بتفتيشها وكشفها ونزع ثيابها لينظر صدقه فيما قاله عنها فبكت وسألته ان لا يكشفها وقالت انا والله كما قال لي ركب النساء وانثيان كأنثي الرجال وما رأيت دما قط فتركها واخرجها ثم جاء الى علي (عليه‌السلام) فاخبره فقال ان خليلي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) اخبرني بالمتمردين عليّ من الرجال والمتمردات من النساء الى ان تقوم الساعة.

وروى عثمان بن سعيد عن يحيى التيمي عن الأعمش عن اسماعيل بن رجا قال قام أعشى باهلة وهو غلام يومئذ حدث الى علي (عليه‌السلام) وهو يخطب ويذكر الملاحم ، فقال : يا امير المؤمنين ما اشبه هذا الحديث بحديث خرافة فقال (عليه‌السلام) ان كنت آثما فيما قلت يا غلام فرماك الله بغلام ثقيف ، ثم سكت ، فقام رجال وقالوا : ومن غلام ثقيف يا امير المؤمنين؟ قال : غلام يملك بلدتكم هذه لا يترك لله حرمة الا انتهكها ، يضرب عنق هذا الغلام بسيفه ، فقالوا : كم يملك يا امير المؤمنين؟ قال : عشرين ان بلغها ، قالوا : فيقتل قتلا أم يموت موتا؟ قال : بل يموت حتف انفه بداء البطن يثقب سريره لكثرة ما يخرج من جوفه ، قال اسماعيل بن رجا : فو الله لقد رأيت بعيني اعشى باهلة وقد احضر في جملة الأسرى الذين اسروا من جيش عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بين يدي الحجاج ، فقرعه ووبخه ، واستنشده شعره الذي يحرض فيه عبد الرحمن على الحرب ، ثم ضرب عنقه

__________________

(١) قال ابن ابي الحديد : «السلقلقة : السليطة ، واصله من السلق وهو الذئب ، والسلقة : الذئبة ، والجلعة المجعة : البذية اللسان ، والركب : موضع العانة».

٥٣٤

في ذلك المجلس (١).

روى محمد بن علي الصواف عن الحسين بن سفيان عن ابيه عن شهر بن سدير الأزدي قال : قال علي لعمرو بن الحمق الخزاعي : اين نزلت يا عمرو؟ قال : في قومي قال : لا تنزلن فيهم ، قال : فأنزل في بني كنانة جيراننا ، قال : لا قال : فانزل في ثقيف ، قال : فما تصنع بالمعرة والمجرة ، قال : وما هما؟ قال : عنقان من نار يخرجان من ظهر الكوفة يأتي احدهما على تميم وبكر بن وائل ، فقل ما يفلت منه احد ، ويأتي العنق الآخر فيأخذ على الجانب الآخر من الكوفة فقل من يصيب منهم ، انما تدخل النار فتحرق البيت والبيتين قال : فاين انزل؟ قال : انزل في بني عمرو بن عامر من الأزد ، قال : فقال قوم حضروا هذا الكلام : ما نراه الا كاهنا يتحدث بحديث الكهنة ، فقال : يا عمرو انك لمقتول بعدي وان رأسك لمنقول وهو اوّل رأس نقل في الاسلام ، والويل لقاتلك ، اما انك لا تنزل بقوم الا اسلموك برمتك الا هذا الحي من بني عمر بن عامر من الأزد فانهم لن يسلموك ولن يخذلوك ، قال : فو الله ما مضت الأيام حتى تنقل عمرو بن الحمق في خلافة معاوية في بعض احياء العرب خائفا مذعورا حتى نزل في قومه من بني خزاعة فاسلموه فقتل ، وحمل رأسه من العراق الى معاوية بالشام وهو اوّل رأس حمل في الاسلام من بلد الى بلد (٢).

وروى ابراهيم بن ميمون الأزدي عن حبة العرني قال : كان جويرية بن مصهر العبدي صالحا ، وكان لعلي بن أبي طالب (عليه‌السلام) صديقا ، وكان علي يحبه ، ونظر يوما إليه وهو يسير فناداه : يا جويرية الحق بي فاني اذا رأيتك هويتك ، قال اسماعيل بن ابان فحدثني الصباح عن مسلم العرني قال :

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٨٩.

(٢) أيضا ٢ / ٢٩٠.

٥٣٥

سرنا مع علي (عليه‌السلام) يوما فالتفت فاذا جويرية خلفه فناداه : يا جويرية الحق بي لا أبا لك الا تعلم اني اهواك واحبك؟ قال : فركض نحوه فقال له : اني محدثك بامور فاحفظها ، ثم اشتركا في الحديث سرا فقال له جويرية : يا امير المؤمنين اني رجل نسي فقال : انا اعيد عليك الحديث لتحفظه ، ثم قال له في آخر ما حدثه إيه : يا جويرية احب حبيبنا ما احبنا فاذا ابغضنا فابغضه ، وابغض بغيضنا ما ابغضنا فاذا احبنا فاحبه ، قال : فكان ناس ممن يشك في امر علي (عليه‌السلام) يقولون : أتراه جعل جويرية وصيه كما يدعي هو من وصية رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) قال : يقولون ذلك لشدة اختصاصه به حتى دخل على علي (عليه‌السلام) يوما وهو مضطجع وعنده قوم من اصحابه فناداه جويرية : ايها النائم استيقظ فلتضربن على رأسك ضربة تخضب منها لحيتك ، قال : فتبسم امير المؤمنين (عليه‌السلام) قال : واحدثك يا جويرية بامرك ، اما والذي نفسي بيده لتقبلن الى العتل الزنيم فليقطعن يدك ورجلك وليصلبنك تحت جذع كافر قال : فو الله ما مضت الأيام على ذلك حتى اخذ زياد جويرية فقطع يده ورجله وصلبه الى جانب جذع بن مكعبر ، وكان جذعا طويلا فصلبه على جذع قصير الى جانبه (١).

وروى ابراهيم في كتاب الغارات عن احمد بن الحسن الميثمي قال : كان ميثم التمار مولى علي بن أبي طالب عبدا لامرأة من بني اسد فاشتراه علي (عليه‌السلام) منها واعتقه ، وقال له : ما اسمك؟ فقال : سالم ، فقال : ان رسول الله اخبرني ان اسمك الذي سماك به ابوك في العجم ميثم ، فقال : صدق الله ورسوله وصدقت يا امير المؤمنين فهو والله اسمى ، قال : فارجع الى اسمك ودع سالما فنحن نكنيك به ، فكناه أبا سالم قال : وقد كان

__________________

(١) أيضا ٢ / ٢٩٠.

٥٣٦

قد اطلعه علي (عليه‌السلام) على علم كثير واسرار خفية من اسرار الوصية ، فكان ميثم يحدث ببعض ذلك فيشك فيه قوم من اهل الكوفة وينسبون عليا (عليه‌السلام) في ذلك الى المخرفة والايهام والتدليس ، حتى قال له يوما بمحضر من خلق كثير من اصحابه وفيهم الشاك والمخلص : يا ميثم انك تؤخذ بعدي وتصلب فاذا كان اليوم الثاني ابتدر منخراك وفمك دما حتى يخضب لحيتك فاذا كان اليوم الثالث طعنت بحربة يقضي عليك فانتظر ذلك والموضع الذي تصلب على باب دار عمرو بن حريث انك لعاشر عشرة انت اقصرهم خشبة واقربهم من المطهرة يعني الأرض ولأرينك النخلة التي تصلب على جذعها ثم اراه اياها بعد ذلك بيومين ، وكان ميثم يأتيها فيصلي عندها ويقول : بوركت من نخلة لك خلقت ولي نبت ، فلم يزل يتعاهدها بعد قتل علي (عليه‌السلام) حتى قطعت فكان يرصد جذعها ويتعاهده ويتردد إليه ويبصره ، وكان يلقي عمرو بن حريث فيقول له : اني مجاورك فاحسن جواري ، فلم يعلم عمرو ما يريد فيقول له : أتريد ان تشتري دار ابن مسعود أم دار ابن حكيم؟ قال : وحج في السنة التي قتل فيها فدخل على أمّ سلمة (رضي الله عنها) فقالت له : من انت قال : عراقي ، فاستنسبته فذكر لها انه مولى علي بن ابي طالب (عليه‌السلام) فقالت : انت هيثم قال : بل انا ميثم ، فقالت : سبحان الله ، والله لربما سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) يوصي بك عليا (عليه‌السلام) في جوف الليل فسألها عن الحسين بن علي (عليه‌السلام) ، فقالت : هو في حائط له ، قال : اخبريه اني قد احببت السلام عليه ونحن ملتقون عند رب العالمين إن شاء الله ولا اقدر اليوم على لقائه واريد الرجوع ، فدعت بطيب فطيبت لحيته ، فقال لها : اما انها ستخضب بدم ، فقالت : من انبأك هذا؟ قال : انبأني سيدي ، فبكت أمّ سلمة وقالت له : انه ليس بسيدك وحدك وهو سيدي وسيد المسلمين ، ثم ودعته ، فقدم الكوفة فأخذ وأدخل على

٥٣٧

عبيد الله بن زياد ، وقيل له : هذا كان من آثر الناس عند ابي تراب ، قال : ويحكم هذا الأعجمي ، قالوا : نعم ، قال له عبيد الله : اين ربك ، قال : بالمرصاد ، قال : قد بلغني اختصاص ابي تراب بك ، قال : قد كان بعض ذلك فما تريد؟ قال : وانه ليقال انه قد اخبرك بما سيلقاك ، قال : نعم انه اخبرني ، قال : ما الذي اخبرك اني صانع بك؟ قال : اخبرني انك تصلبني عاشر عشرة وانا اقصرهم خشبة واقربهم من المطهرة ، قال : لأخالفنه ، قال : ويحك كيف تخالفه انما اخبر عن رسول الله ، واخبر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) عن جبرئيل ، واخبر جبرئيل عن الله ، فكيف تخالف هؤلاء؟ اما والله لقد عرفت الموضع الذي اصلب فيه اين هو من الكوفة ، واني لأول خلق الله الجم في الاسلام بلجام كما تلجم الخيل ، فحبسه وحبس معه المختار بن ابي عبيدة الثقفي ، فقال ميثم للمختار وهما في حبس ابن زياد : انك تفلت وتخرج ثائرا بدم الحسين (عليه‌السلام) فتقتل هذا الجبار الذي نحن في حبسه ، وتطأ بقدمك هذا على جبهته وخديه ، فلما امر عبيد الله بن زياد بالمختار ليقتله طلع البريد بكتاب يزيد بن معاوية الى عبيد الله بن زياد يأمره بتخلية سبيله ، وذاك ان اخته كانت تحت عبد الله بن عمر بن الخطاب فسألت بعلها ان يشفع فيه الى يزيد فشفع ، فأمضى شفاعته وكتب بتخلية سبيل المختار على البريد وقد اخرج لتضرب عنقه فاطلق ، واما ميثم فاخرج بعده ليصلب ، وقال عبيد الله : لأمضين حكم ابي تراب فيه ، فلقيه رجل فقال له ما كان اغناك عن هذا يا ميثم فتبسم ، وقال لها خلقت ولي غذيت فلما رفع على الخشبة اجتمع الناس حوله على باب عمرو بن حريث ، فقال عمر : ولقد كان يقول لي اني مجاورك فكان يأمر جاريته كل عشية ان تكنس تحت خشبة وترشه وتجمر بالمجمر تحته ، فجعل ميثم يحدث بفضائل بني هاشم ومخازي بني امية وهو مصلوب على الخشبة ، فقيل لابن زياد : قد فضحكم هذا العبد ، فقال : الجموه ،

٥٣٨

فكان اوّل خلق الله الجم في الاسلام ، فلما كان في اليوم الثاني فاضت منخراه وفمه دما ، فلما كان في اليوم الثالث طعن بحربة فمات ، وكان قتل ميثم قبل قدوم الحسين (عليه‌السلام) العراق بعشرة ايام (١)

قال ابراهيم :

وحدثني ابراهيم بن العباس النهدي قال حدثني مبارك البجلي عن ابي بكر بن عياش قال : حدثني مجالد عن الشعبي عن زياد بن النضر الحارثي قال : كنت عند زياد وقد أتى برشيد الهجري وكان من خواص اصحاب علي (عليه‌السلام) فقال له زياد : ما قال خليلك لك انا فاعلون بك؟ قال : تقطعون يدي ورجلي وتصلبونني ، فقال زياد : اما والله لأكذبن حديثه ، خلوا سبيله ، فلما اراد ان يخرج قال ردوه لا نجد شيئا اصلح مما قال لك صاحبك انك لا تزال تبغى لنا سوءا ان بقيت اقطعوا يديه ورجليه ، فقطعوا يديه ورجليه وهو يتكلم فقال : اصلبوه خنقا في عنقه ، فقال رشيد : قد بقي لي عندكم شيء ما اراكم فعلتموه ، فقال زياد : اقطعوا لسانه فلما اخرجوا لسانه ليقطع قال : نفسوا عني اتكلم كلمة واحدة فنفسوا عنه ، فقال هذا والله تصديق خبر امير المؤمنين (عليه‌السلام) اخبرني بقطع لساني فقطعوا لسانه وصلبوه (٢).

وروي ابو داود الطيالسي عن سليمان بن زريق عن عبد العزيز بن صهيب قال حدثني ابو العالية قال : حدثني مزرع صاحب علي بن أبي طالب (عليه‌السلام) انه قال : ليقبلن جيش حتى اذا كانوا بالبيداء خسف بهم ، قال ابو العالية : فقلت له انك لتحدثني بالغيب! فقال : احفظ ما اقوله لك فانما حدثني به الثقة علي بن ابي طالب (عليه‌السلام) وحدثني أيضا شيئا

__________________

(١) أيضا ٢ / ٢٩١.

(٢) أيضا ٢ / ٢٩٤.

٥٣٩

آخر : (ليؤخذن رجل فليقتلن وليصلبن بين شرفتين من شرف المسجد) فقلت : انك لتحدثني بالغيب! فقال : احفظ ما اقول لك ، قال ابو العالية : فو الله ما اتت علينا جمعة حتى اخذ مزرع فقتل وصلب بين شرفتين من شرف المسجد (١).

وروى محمد بن موسى العنزي قال : كان مالك بن ضمرة الرواسي من اصحاب علي (عليه‌السلام) وممن استبطن من جهته علما كثيرا وكان أيضا قد صحب أبا ذر فاخذ من علمه وكان يقول في ايام بني امية : اللهم لا تجعلني اشقى الثلاثة ، فيقال له : وما الثلاثة فيقول رجل يرمي من فوق طمار ، ورجل تقطع يداه ورجلاه ولسانه ويصلب ، ورجل يموت على فراشه ، فكان من الناس من يهزأ به ويقول : هذا من اكاذيب ابي تراب قال : وكان الذي رمى به من طمار هاني بن عروة ، والذي قطع وصلب رشيد الهجري ، ومات مالك على فراشه (٢).

وقال نصر بن مزاحم : وحدثنا منصور بن سلام التميمي عن ابي عبيدة عن هرثمة بن سليم ، قال : غزونا مع علي (عليه‌السلام) صفين فلما نزل بكربلاء صلى بنا فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها ثم قال : واهالك يا تربة ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب ، قال : فلما رجع هرثمة من غزاته الى امرأته جرداء بنت شمير وكانت من شيعة علي (عليه‌السلام) حدثها هرثمة فيما حدث فقال لها : الا اعجبك من صديقك ابي حسن لما نزلنا كربلاء وقد اخذ حفنة من ترابها فشمها وقال : واها لك ايتها التربة ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب وما علمه بالغيب فقالت المرأة له : دعنا منك ايها الرجل ان امير المؤمنين لم يقل الا حقا ، قال : فلما بعث

__________________

(١) أيضا ٢ / ٢٩٤.

(٢) أيضا ٢ / ٢٩٥.

٥٤٠