الملل والنّحل - ج ٢

أبي الفتح محمد بن عبدالكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني

الملل والنّحل - ج ٢

المؤلف:

أبي الفتح محمد بن عبدالكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني


المحقق: أمير علي مهنا و علي حسن فاعور
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٥٨

الباب الرابع

آراء الهند

قد ذكرنا أن الهند أمة كبيرة ، وملة عظيمة ، وآراؤهم مختلفة. فمنهم البراهمة وهم المنكرون للنبوات أصلا. ومنهم من يميل إلى الدهر. ومنهم من يميل إلى مذهب الثنوية ويقول بملة إبراهيم عليه‌السلام ، وأكثرهم على مذهب الصابئة ومناهجها ، فمن قائل بالروحانيات ، ومن قائل بالهياكل ، ومن قائل بالأصنام ، إلا أنهم مختلفون في شكل الهياكل التي ابتدعوها ، وكيفية أشكال وضعوها ، ومنهم حكماء على طريق اليونانيين علما وعملا.

فمن كانت طريقته على منهاج الدهرية والثنوية والصابئة فقد أغنانا حكاية مذاهبهم قبل عن حكاية مذهبه. ومن انفرد عنهم بمقالة ورأي فهم خمس فرق : البراهمة وأصحاب الروحانيات ، وأصحاب الهياكل ، وعبدة الأصنام ، والحكماء ونحن نذكر مقالات هؤلاء كما وجدنا في كتبهم المشهورة.

الفصل الأول

البراهمة

من الناس من يظن أنهم سموا براهمة لانتسابهم إلى إبراهيم عليه‌السلام ، وذلك خطأ ، فإن هؤلاء هم المخصوصون بنفي النبوات أصلا ورأسا. فكيف يقولون بإبراهيم عليه‌السلام؟ والقوم الذين اعتقدوا نبوة إبراهيم عليه‌السلام من أهل الهند فهم الثنوية منهم القائلون بالنور والظلمة على رأي أصحاب الاثنين ، وقد ذكرنا

٣٠١

مذاهبهم ، وهؤلاء البراهمة إنما انتسبوا إلى رجل منهم يقال له براهم ، وقد مهد لهم نفي النبوات أصلا ، وقرر استحالة ذلك في العقول بوجوده :

منها أن قال إن الذي يأتي به الرسول لم يخل من أحد أمرين : إما أن يكون معقولا وإما أن لا يكون معقولا. فإن كان معقولا فقد كفانا العقل التام بإدراكه والوصول إليه ، فأي حاجة لنا إلى الرسول؟ وإن لم يكن معقولا فلا يكون مقبولا ، إذ قبول ما ليس بمعقول خروج عن حد الإنسانية ، ودخول في حريم البهيمية.

ومنها أن قال : قد دل العقل على أن الله تعالى حكيم ، والحكيم لا يتعبد الخلق إلا بما تدل عليه عقولهم. وقد دلت الدلائل العقلية على أن للعالم صانعا عالما قادرا حكيما ، وأنه أنعم على عباده نعما توجب الشكر ، فننظر في آيات خلقه بعقولنا ونشكره بآلائه علينا. وإذا عرفناه وشكرنا له استوجبنا ثوابه. وإذا أنكرناه وكفرنا به استوجبنا عقابه. فما بالنا نتبع بشرا مثلنا؟ فإنه إن كان يأمرنا بما يخالف ذلك كان قوله دليلا ظاهرا على كذبه.

ومنها أن قال : قد دل العقل على أن للعالم صانعا حكيما والحكيم لا يتعبد الخلق بما يقبح في عقولهم ، وقد وردت أصحاب الشرائع بمستقبحات من حيث العقل ، من التوجه إلى بيت مخصوص في العبادة والطواف حوله ، والسعي ورمي الجمار ، والإحرام ، والتلبية ، وتقبيل الحجر الأصم ، وكذلك ذبح الحيوان ، وتحريم ما يمكن أن يكون غذاء للإنسان وتحليل ما ينقص من بنيته ، وغير ذلك ، وكل هذه الأمور مخالفة لقضايا العقول.

ومنها أنه قال : إن أكبر الكبائر في الرسالة اتباع رجل هو مثلك في الصورة والنفس والعقل ، يأكل مما تأكل ، ويشرب مما تشرب ؛ حتى تكون بالنسبة إليه كجماد يتصرف فيك رفعا ووضعا ، أو كحيوان يصرفك أماما وخلفا ، أو كعبد يتقدم إليك أمرا ونهيا ؛ فأي تميز له عليك؟ وأية فضيلة أوجبت استخدامك؟ وما دليله على صدق دعواه؟ فإن اغتررتم بمجرد قوله : فلا تمييز لقول على قول ، وإن انحسرتم

٣٠٢

بحجته ومعجزته فعندنا من خصائص الجواهر والأجسام ما لا يحصى كثرة ، ومن المخبرين عن مغيبات الأمور من ساوى خبره (١) (قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) (٢) فإذا اعترفتم بأن للعالم صانعا وخالقا وحكيما ؛ فاعترفوا بأنه آمر وناه ، حاكم على خلقه ، وله في جميع ما نأتي ونذر ، ونعمل ونفكر ، حكم وأمر ، وليس كل عقل إنساني على استعداد ما يعقل عنه أمره ، ولا كل نفس بشري بمثابة من يقبل عنه حكمه ، بل أوجبت منّته ترتيبا في العقول والنفوس ، واقتضت قسمته أن يرفع ، (بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا* وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (٣) ، فرحمة الله الكبرى هي النبوة والرسالة ، وذلك خير مما يجمعون بعقولهم المختالة.

ثم إن البراهمة تفرقوا أصنافا ، فمنهم أصحاب البددة ، ومنهم أصحاب الفكرة ، ومنهم أصحاب التناسخ.

١ ـ أصحاب البددة

ومعنى «البد» عندهم شخص في هذا العالم لا يولد ، ولا ينكح ، ولا يطعم ، ولا يشرب ، ولا يهرم ، ولا يموت. وأول «بد» ظهر في العالم اسمه «شاكمين» (٤) وتفسيره : السيد الشريف ، ومن وقت ظهوره إلى وقت الهجرة خمسة آلاف سنة. قالوا : ودون مرتبة البد مرتبة «البوديسعية» (٥) ومعناه الإنسان الطالب سبيل الحق ، وإنما يصل إلى تلك المرتبة بالصبر والعطية ، وبالرغبة فيما يجب أن يرغب فيه ، وبالامتناع والتخلي عن الدنيا ، والعزوف عن شهواتها ولذاتها ، والعفّة عن محارمها ، والرحمة على جميع الخلق ، وبالاجتناب عن الذنوب العشرة : قتل كل ذي روح ،

__________________

(١) وفي نسخة «من لا يساويه خبره» وفي نسخة ثانية «من لا يساوي خبره».

(٢) سورة إبراهيم : الآية ١١.

(٣) سورة الزخرف : الآية ٣٢.

(٤) وفي نسخة «شاكين» وفي رواية ثانية «شاكيموني».

(٥) وفي نسخة «البرديسعية».

٣٠٣

واستحلال أموال الناس ، والزنا والكذب ، والنميمة ، والبذاء ، والشتم ، وشناعة الألقاب ، والسفه ، والجحد لجزاء الآخرة ، وباستكمال عشر خصال : إحداها : الجود والكرم ، والثانية : العفو عن المسيء ، ودفع الغضب بالحلم ، والثالثة : التعفف عن الشهوات الدنيوية، والرابعة : الفكرة في التخلص إلى ذلك العالم الدائم الوجود من هذا العالم الفاني ، والخامسة : رياضة العقل بالعلم والأدب ، وكثرة النظر إلى عواقب الأمور ، والسادسة : القوة على تصريف النفس في طلب العليات ، والسابعة : لين القلب وطيب الكلام مع كل أحد ، والثامنة : حسن المعاشرة مع الإخوان بإيثار اختيارهم على اختيار نفسه ، والتاسعة : الإعراض عن الخلق بالكلية والتوجه إلى الحق بالكلية ، والعاشرة : بذل الروح شوقا إلى الحق، ووصولا إلى جناب الحق.

وزعموا أن البددة أتوهم على عدد الهياكل من نهر الكنك ، وأعطوهم العلوم وظهروا لهم في أجناس وأشخاص شتى ، ولم يكونوا يظهرون إلا في بيوت الملوك لشرف جواهرهم ، وقالوا : ولم يكن بينهم اختلاف فيما ذكر عنهم من أزلية العالم ، وقولهم في الجزاء على ما ذكرنا ، وإنما اختص ظهور البددة بأرض الهند لكثرة ما فيها من خصائص التربة والإقليم ، ومن فيها من أهل الرياضة والاجتهاد ، وليس يشبه البد على ما وصفوه إن صدقوا في ذلك إلا بالخضر الذي يثبته أهل الإسلام.

٢ ـ أصحاب الفكرة والوهم

وهؤلاء أعلم منهم بالفلك والنجوم وأحكامها المنسوبة إليهم ، وللهند طريقة تخالف طريقة منجمي الروم والعجم ؛ وذلك أنهم يحكمون أكثر الأحكام باتصالات الثوابت دون السيارات ، وينشئون الأحكام عن خصائص الكواكب دون طبائعها ، ويعدون زحل السعد الأكبر ، وذلك لرفعة مكانه ، وعظم جرمه ، وهو الذي يعطي العطايا الكلية من السعادة ، والجزئية من النحوسة ، وكذلك سائر الكواكب لها طبائع وخواص ، فالروم يحكمون من الطبائع ، والهند يحكمون من الخواص ، وكذلك طبهم ، فإنهم يعتبرون خواص الأدوية دون طبائعها ، والروم تخالفهم في ذلك.

٣٠٤

وهؤلاء أصحاب الفكرة يعظمون الفكر ، ويقولون هو المتوسط بين المحسوس والمعقول ، فالصور من المحسوسات ترد عليه ، والحقائق من المعقولات ترد عليه أيضا. فهو مورد العلمين من العالمين ، فيجتهدون كل الجهد حتى يصرفوا الوهم والفكر عن المحسوسات بالرياضات البليغة ، والاجتهادات المجهدة حتى إذا تجرد الفكر عن هذا العالم تجلى له ذلك العالم ، فربما يخبر عن مغيبات الأحوال ، وربما يقوى على حبس الأمطار ، وربما يوقع الوهم على رجل حي فيقتله في الحال ، ولا يستبعد ذلك فإن للوهم أثرا عجيبا في تصريف الأجسام والتصرف في النفوس.

أليس الاحتلام في النوم تصرف الوهم في الجسم؟ أليست إصابة العين تصرف الوهم في الشخص؟ أليس الرجل يمشي على جدار مرتفع فيسقط في الحال ولا يأخذ من عرض المسافة في خطواته سوى ما أخذه على الأرض المستوية؟.

والوهم إذا تجرد عمل أعمالا عجيبة ، ولهذا كانت الهند تغمض عينها أياما لئلا يشتغل الفكر والوهم بالمحسوسات ومع التجرد إذا اقترن به وهم آخر اشتركا في العمل خصوصا إذا كانا متفقين غاية الاتفاق.

ولهذا كانت عادتهم إذا دهمهم أمر أن يجتمع أربعون رجلا من المهذبين المخلصين المتفقين على رأي واحد في الإصابة ، فيتجلى لهم المهم الذي يهضمهم حمله ، ويندفع عنهم البلاء الملم الذي يكادهم ثقله ، ومنهم البكرنتينية ، يعني المصفدين بالحديد ، وسنتهم حلق الرءوس واللحى ، وتعرية الأجسام ما خلا العورة ، وتصفيد البدن من أوساطهم إلى صدورهم لئلا تنشق بطونهم من كثرة العلم وشدة الوهم وغلبة الفكر. ولعلهم رأوا في الحديد خاصية تناسب الأوهام ؛ وإلا فالحديد كيف يمنع انشقاق البطن؟ وكثرة العلم كيف توجب ذلك(١)؟

__________________

(١) وليس من سننهم أن يعلموا أحد ولا يكلموه دون أن يدخل في دينهم. ويأمرون من يدخل في دينهم بالصدقة للتواضع بها ومن دخل في دينهم لم يصفد بالحديد حتى يبلغ المرتبة التي يستحق بها ذلك ، وتصفيدهم أنفسهم من أوساطهم إلى صدورهم لئلا تنشق بطونهم زعموا من كثرة العلم وغلبة الفكر. (الفهرست لابن النديم ص ٤٨٩).

٣٠٥

٣ ـ أصحاب التناسخ

وقد ذكرنا مذاهب التناسخية. وما من ملة من الملل إلا وللتناسخ فيها قدم راسخ ، وإنما تختلف طرقهم في تقرير ذلك. فأما تناسخية الهند فأشد اعتقادا لذلك ؛ لما عاينوا من طير يظهر في وقت معلوم ، فيقع على شجرة معلومة فيبيض ويفرخ. ثم إذا تم نوعه بفراخه حك بمنقاره ومخالبه ، فتبرق منه نار تلتهب فيحترق الطير ، ويسيل منه دهن يجتمع في أصل الشجرة في مغارة. ثم إذا حال الحول وحان وقت ظهوره انخلق من هذا الدهن مثله طير فيطير ويقع على الشجرة وهو أبدا كذلك. قالوا : فما مثل الدنيا وأهلها في الأدوار والأكوار إلا كذلك.

قالوا : وإذا كانت حركات الأفلاك دورية فلا محالة يصل رأس الفرجار (١) إلى ما بدأ ودار دورة ثانية على الخط الأول ، أفاد لا محالة ما أفاد الدور الأول ، إذ لا اختلاف بين الدورين حتى يتصور اختلاف بين الأثرين ، فإن المؤثرات عادت كما بدأت ، والنجوم والأفلاك دارت على المركز الأول وما اختلفت أبعادها واتصالاتها ومناظراتها ومناسباتها بوجه ، فيجب أن لا تختلف المتأثرات الباديات منها بوجه ، وهذا هو تناسخ الأدوار والأكوار ، ولهم اختلافات في الدورة الكبرى ؛ كم هي من السنين؟ وأكثرهم على أنها ثلاثون ألف سنة، وبعضهم على أنها ثلاثمائة ألف سنة وستين ألف سنة. وإنما يعتبرون في تلك الأدوار سير الثوابت لا السيارات ، وعند الهند أكثرهم : أن الفلك مركب من الماء والنار والريح ، وأن الكواكب فيه نارية هوائية. فلم تعدم الموجودات العلوية إلا العنصر الأرضي فحسب.

__________________

(١) الفرجار : البركار ، يقال خط فرجاري أي مستدير.

٣٠٦

الفصل الثاني

أصحاب الروحانيات

ومن أهل الهند جماعة أثبتوا متوسطات روحانية يأتونهم بالرسالة من عند الله عزوجل في صورة البشر من غير كتاب ، فيأمرهم بأشياء ، وينهاهم عن أشياء ، ويسن لهم الشرائع ، ويبين لهم الحدود.

وإنما يعرفون صدقه بتنزهه عن حطام الدنيا واستغنائه عن الأكل والشرب والبعال (١).

١ ـ الباسنوية

زعموا أن رسولهم ملك روحاني نزل من السماء على صورة بشر ، فأمرهم بتعظيم النار وأن يتقربوا إليها بالعطر والطيب والأدهان والذبائح. ونهاهم عن القتل والذبح إلا ما كان للنار ، وسن لهم أن يتوشحوا بخيط يعقدونه من مناكبهم الأيامن إلى تحت شمائلهم ، ونهاهم أيضا عن الكذب وشرب الخمر ، وأن لا يأكلوا من أطعمة غير ملتهم ولا من ذبائحهم ، وأباح لهم الزنا لئلا ينقطع النسل.

وأمرهم أن يتخذوا على مثاله صنما يتقربون إليه ويعبدونه ويطوفون حوله كل يوم ثلاث مرات بالمعازف (٢) والتبخير والغناء والرقص ، وأمرهم بتعظيم البقرة (٣) والسجود لها حيث رأوها ، وأن يفزعوا في التوبة إلى التمسح بها ، وأمرهم أن لا يجوزوا نهر كنك.

__________________

(١) البعال : النكاح ، ومنه الحديث في أيام التشريق : إنها أيام أكل وشرب وبعال. والمباعلة : المباشرة.

(اللسان مادة بعل).

(٢) المعازف الواحد معزف : وهو آلة طرف كالطنبور والعود والقيثارة.

(٣) فالهندوس يقدسون البقر ، ويتركونه طليقا يجوب أمهات الطرق في غير حصر ، لإجلاله وتقديسه في نفوسهم، وهم يعدون قتل البقرة بل ضربها جرما شنيعا لا يغتفر.

٣٠٧

٢ ـ الباهوديّة

زعموا أن رسولهم ملك روحاني على صورة بشر اسمه باهود ، أتاهم وهو راكب على ثور ، على رأسه إكليل مكلل بعظام الموتى من عظام الرءوس ، ومتقلد من ذلك بقلادة ، وبإحدى يديه قحف (١) إنسان ، وبالأخرى مزراق (٢) ذو ثلاث شعب.

يأمرهم بعبادة الخالق عزوجل وبعبادته معه ، وأن يتخذوا على مثاله صنما يعبدونه ، وأن لا يعافوا شيئا ، وأن تكون الأشياء كلها في طريقة واحدة ؛ لأنها جميعا صنع الخالق عزوجل ، وأن يتخذوا من عظام الناس قلائد يتقلدونها وأكاليل يضعونها على رءوسهم ، وأن يمسحوا أجسادهم ورءوسهم بالرماد ، وحرم عليهم الذبائح والنكاح وجمع الأموال ، وأمرهم برفض الدنيا ، ولا معاش لهم فيها إلا من الصدقة.

٣ ـ الكابلية (٣)

زعموا أن رسولهم ملك روحاني يقال له شب (٤) ، أتاهم في صورة بشر متمسح بالرماد على رأسه قلنسوة من لبود أحمر طولها ثلاثة أشبار ، مخيط عليها صفائح من قحف الناس ، متقلد قلادة من أعظم ما يكون ، متمنطق من ذلك بمنطقه ، متسوّر منها بسوار ، متخلخل منها بخلخال ، وهو عريان ، فأمرهم أن يتزينوا بزينته ، ويتزيوا بزيه ، وسن لهم شرائع وحدودا.

__________________

(١) القحف : العظم الذي فوق الدماغ.

(٢) المزراق من الرماح : رمح قصير وهو أخف من العنزة ، وقد زرقه بالمزراق زرقا إذا طعنه أو رماه به.

(٣) الكابلية : نسبة إلى كابيلا ، مؤسس مذهب ساميكهيا ، وقد عاش في القرن السادس قبل الميلاد. ومعنى كلمة ساميكهيا التعدد لقول كابيلا بالتعدد الذي لا يتناهى في النفوس ، وهو مذهب إلحادي ، لا يعترف بإله مسيطر متصرف في الكون ، وإنما يرى أن هناك روحا عاما أو عالما من الأرواح غير محدد ولا متناه.

(٤) وفي نسخة «شيوا» وهو إله الإبادة ، وإن شئت فقل إله التحول وهو إله الحياة والموت.

٣٠٨

٤ ـ البهادونيّة

قالوا : إن بهادون كان ملكا عظيما أتانا في صورة إنسان عظيم. وكان له أخوان قتلاه وعملا من جلدته الأرض ، ومن عظامه الجبال ، ومن دمه البحار. وقيل : هذا رمز ، وإلا فحال صورة الإنسان لا تبلغ إلى هذه الدرجة ، وصورة «بهادون» راكب على دابة ، كثير شعر الرأس ، قد أسبله على وجهه. وقد قسم الشعر على جوانب رأسه قسمة مستوية ، وأسبله كذلك على نواحي الرأس قفا ووجها ، وأمرهم أن يفعلوا كذلك ، وسن لهم أن لا يشربوا الخمر ، وإذا رأوا امرأة هربوا منها ، وأن يحجوا إلى جبل يدعى جورعن ، وعليه بيت عظيم فيه صورة بهادون. ولذلك البيت سدنة (١) لا يكون المفتاح إلا بأيديهم فلا يدخلون إلا بإذنهم ، وإذا فتحوا الباب سدوا أفواههم حتى لا تصل أنفاسهم إلى الصنم. ويذبحون له الذبائح ويقربون له القرابين ، ويهدون له الهدايا ، وإذا انصرفوا من حجهم لم يدخلوا العمران في طريقهم ، ولم ينظروا إلى محرم ، ولم يصلوا إلى أحد بسوء وضرر من قول وفعل.

الفصل الثالث

عبدة الكواكب

ولم ينقل للهند مذهب في عبادة الكواكب إلا فرقتان توجهتا إلى النيرين الشمس والقمر. ومذهبهم في ذلك مذهب الصابئة في توجههم إلى الهياكل السماوية دون قصر الربوبية والإلهية عليها.

١ ـ عبدة الشمس

زعموا أن الشمس ملك من الملائكة ، ولها نفس وعقل ، ومنها نور الكواكب وضياء العالم ، وتكون الموجودات السفلية ، وهي ملك الفلك ، فتستحق التعظيم

__________________

(١) السدنة ، الواحد سادن : وهو خادم الكعبة وبيت الأصنام.

٣٠٩

والسجود والتبخير والدعاء ، وهؤلاء يسمون الدينيكيتية (١) ، أي عباد الشمس ، ومن سنتهم أن اتخذوا لها صنما بيده جوهر على لون النار ، وله بيت خاص قد بنوه باسمه ، ووقفوا عليه ضياعا وقربانا ، وله سدنة وقوّام ، فيأتون البيت ويصلون ثلاث كرات ، ويأتيه أصحاب العلل والأمراض فيصومون له ويصلون ، ويدعون ويستشفون به.

٢ ـ عبدة القمر

زعموا أن القمر ملك من الملائكة يستحق التعظيم والعبادة ، وإليه تدبير هذا العالم السفلي والأمور الجزئية فيه ، ومنه نضج الأشياء المكتوبة وإيصالها إلى كمالها ، وبزيادته ونقصانه تعرف الأزمان والساعات ، وهو تلو الشمس وقرينها ، ومنها نوره. وبالنظر إليها تكون زيادته ونقصانه ، وهؤلاء يسمون الجندريكينية ؛ أي عباد القمر ، ومن سنتهم أن اتخذوا له صنما على شكل عجل يجره أربعة ، وبيد الصنم جوهر ، ومن دينهم أن يسجدوا له ويعبدوه ، وأن يصوموا النصف من كل شهر ولا يفطروا حتى يطلع القمر ، ثم يأتون صنمه بالطعام والشراب واللبن ، ثم يرغبون إليه وينظرون إلى القمر ويسألونه حوائجهم ، فإذا استهل الشهر علوا السطوح وأوقدوا الدخن ودعوا عند رؤيته ورغبوا إليه ، ثم نزلوا عن السطوح إلى الطعام والشراب والفرح والسرور ، ولم ينظروا إليه إلا على وجوه حسنة ؛ وفي نصف الشهر إذا فرغوا من الإفطار ، أخذوا في الرقص واللعب بالمعازف بين يدي الصنم والقمر.

__________________

(١) وملة الدينكيتية وهم عبدة الشمس ، وقد اتخذوا لها صنما على عجل ، وقوائم العجلة أربعة أفراس ، وبيد الصنم جوهر على لون النار ، ويزعمون أن الشمس ملك الملائكة يستحق العبادة والسجود ، فهم يسجدون لهذا الصنم ويطوفون حوله بالدخن والمزاهر والمعازف. (انظر الفهرست لابن النديم ص ٤٨٨).

٣١٠

الفصل الرابع

عبدة الأصنام

اعلم أن الأصناف التي ذكرنا مذاهبهم يرجعون آخر الأمر إلى عبادة الأصنام ، إذ كان لا يستمر لهم طريقة إلا بشخص حاضر ، ينظرون إليه ويعكفون عليه ، وعن هذا اتخذت أصحاب الروحانيات والكواكب أصناما زعموا أنها على صورتها ؛ وبالجملة وضع الأصنام حيث ما قدروه إنما هو على معبود غائب حتى يكون الصنم المعمول على صورته وشكله وهيأته نائبا منابه وقائما مقامه ، وإلا فنعلم قطعا أن عاقلا ما لا ينحت جسما بيده ويصوره صورة ثم يعتقد أنه إلهه وخالقه ، وإله الكل وخالق الكل ؛ إذ كان وجوده مسبوقا بوجود صانعه ، وشكله يحدث بصنعة ناحته.

لكن القوم لما عكفوا على التوجه إليها ، كان عكوفهم ذلك عبادة ، وطلبهم الحوائج منها إثبات إلهية لها ، وعن هذا كانوا يقولون : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) (١) فلو كانوا مقتصرين على صورها في اعتقاد الربوبية والإلهية لما تعدوا عنها إلى رب الأرباب.

١ ـ المهاكاليّة (٢)

لهم صنم يدعى مهاكال له أربع أيد ، كثير شعر الرأس سبطها ، وبإحدى يديه ثعبان عظيم فاغر فاه ، وبالأخرى عصا ، وبالثالثة رأس إنسان ، وباليد الرابعة قد دفعها وفي أذنيه حيتان كالقرطين ، وعلى جسده ثعبانان عظيمان قد التفّا عليه ، وعلى رأسه إكليل من عظام القحف ، وعليه من ذلك قلادة ، يزعمون أنه عفريت يستحق العبادة لعظمة قدره ، واستجماعه الخصال المحمودة المحبوبة والمذمومة من الإعطاء والمنع والإحسان والإساءة. وأنه المفزع لهم في حاجاتهم ، وله بيوت عظام بأرض الهند ينتابها أهل ملته في كل يوم ثلاث مرات، يسجدون له ويطوفون به ، ولهم

__________________

(١) سورة الزمر : الآية ٣.

(٢) لمزيد من الاطلاع راجع الفهرست لابن النديم ص ٤٨٨.

٣١١

موضع يقال له اختر ؛ فيه صنم عظيم على صورة هذا الصنم ، يأتونه من كل موضع ويسجدون له هناك ، ويطلبون حاجات الدنيا ، حتى إن الرجل يقول له فيما يسأل : زوّجني فلانة ، وأعطني كذا ، ومنهم من يأتيه فيقيم عنده الأيام والليالي لا يذوق شيئا ؛ يتضرع إليه، ويسأله الحاجة حتى إنه ربما ينفق.

٢ ـ البركسهيكيّة

ومن ذلك البركسهيكية ؛ من سننهم أن يتخذوا لأنفسهم صنما يعبدونه ويقربون له الهدايا ، وموضع متعبدهم له أن ينظروا إلى باسق الشجر وملتفه مثل الشجر الذي يكون في الجبال فيلتمسون منها أحسنها وأطولها ، فيجعلون ذلك الموضع موضع متعبدهم ، ثم يأخذون ذلك الصنم فيأتون شجرة عظيمة من ذلك الشجر فينقبون فيها موضعا فيركبونه فيها فيكون سجودهم وطوافهم نحو تلك الشجرة.

٣ ـ الدّهكينية

ومن ذلك الدهكينية ، من سننهم أن يتخذوا صنما على صورة امرأة ، وفوق رأسه تاج ، وله أيد كثيرة ، ولهم عيد في يوم من أيام السنة ، عند استواء الليل والنهار ودخول الشمس الميزان ، فيتخذون في ذلك اليوم عريشا عظيما بين يدي ذلك الصنم ، ويقربون إليه القرابين من الغنم وغيرها ، ولا يذبحونها ، ولكن يضربون أعناقها بين يديه بالسيوف ويقتلون من أصابوا من الناس قربانا بالغيلة حتى ينقضي عيدهم ، وهم مسيئون عند عامة الهند بسبب الغيلة.

٤ ـ الجلهكيّة ، أي عباد الماء

ومن ذلك الجلهكية (١) أي عباد الماء ، يزعمون أن الماء ملك ومعه ملائكة ،

__________________

(١) والهندوس يقدسون الماء وقد جعلوا لكل معبد حوضا مقدسا ، يغطس فيه الرجال والنساء والأولاد. وماء نهر الكنج نفسه هو الماء المقدس في المدن القائمة على ضفافه ، وينزل إلى هذا النهر من درج عال على الدوام لما يطرأ على مستواه من التحول. وتغص تلك الضفاف بالحجيج في الأعياد الدينية ، وتبدو رائعة في الليل بساحر الأنوار. (حضارات الهند ص ٦٧٢).

٣١٢

وأنه أصل كل شيء ، وبه كل ولادة ونموّ ، ونشوء وبقاء ، وطهارة وعمارة ، وما من عمل في الدنيا إلا وهو محتاج إلى الماء.

فإذا أراد الرجل عبادته تجرد وستر عورته ثم دخل الماء إلى وسطه ، فيقيم ساعة أو ساعتين أو أكثر ، ويأخذ ما أمكنه من الرياحين فيقطعها صغارا ويلقي فيه بعضها بعد بعض وهو يسبح ويقرأ ، وإذا أراد الانصراف حرك الماء بيده ، ثم أخذ منه فنقط به رأسه ووجهه وسائر جسده خارجا ، ثم سجد وانصرف.

٥ ـ الأكنواطريّة ، أي عبّاد النار

ومن ذلك الأكنواطرية (١) : أي عباد النار : زعموا أن النار أعظم العناصر جرما ، وأوسعها حيزا ، وأعلاها مكانا ، وأشرفها جوهرا ، وأنورها ضياء وإشراقا ، وألطفها جسما وكيانا. والاحتياج إليها أكثر من الاحتياج إلى سائر الطبائع ، ولا كون في العالم إلا بها ولا حياة ولا نمو ، ولا انعقاد إلا بممازجتها.

وإنما عبادتهم لها أن يحفروا أخدودا مربعا في الأرض ، ويؤججوا النار فيه ؛ ثم لا يدعون طعاما لذيذا ، ولا شرابا لطيفا ، ولا ثوبا فاخرا ، ولا عطرا فائحا ، ولا جوهرا نقيا إلا طرحوه فيها تقربا إليها وتبركا بها ، وحرموا إلقاء النفوس فيها ، وإحراق الأبدان بها خلافا لجماعة أخرى من زهاد الهند.

وعلى هذا المذهب أكثر ملوك الهند وعظمائها ، يعظمون النار لجوهرها تعظيما بالغا ويقدمونها على الموجودات كلها.

ومنهم زهاد وعباد يجلسون حول النار صائمين يسدون منافسهم حتى لا يصل إليها من أنفاسهم نفس صدر عن صدر محرم.

وسنتهم : الحث على الأخلاق الحسنة ، والمنع من أضدادها ، وهي الكذب ، والحسد والحقد ، واللجاج ، والبغي ، والحرص والبطر ، فإذا تجرد الإنسان عنها قرب من النار ، وتقرب إليها.

__________________

(١) ويقال لهم (مك) أي المجوس. (تحقيق ما للهند من مقولة ص ٥٨).

٣١٣

الفصل الخامس

حكماء الهند

كان لفيثاغورس الحكيم اليوناني تلميذ يدعى قلانوس ، قد تلقى الحكمة منه ، وتلمذ له. ثم صار إلى مدينة من مدائن الهند ، وأشاع فيها مذهب فيثاغورس.

وكان برخمنين رجلا جيد الذهن ، نافذ البصيرة ، صائب الفكر ، راغبا في معرفة العوالم العلوية ، قد أخذ من قلانوس الحكيم حكمته ، واستفاد منه علمه وصنعته. فلما توفي قلانوس ترأس برخمنين على الهند كلهم ، فرغب الناس في تلطيف الأبدان ، وتهذيب الأنفس ، وكان يقول : أيّ امرئ هذب نفسه وأسرع الخروج عن هذا العالم الدنس ، وطهّر بدنه من أوساخه ، ظهر له كل شيء ، وعاين كل غائب ، وقدر على كل متعذر. وكان محبورا مسرورا ، ملتذا عاشقا ، لا يمل ولا يكل ، ولا يمسه نصب ولا لغوب (١) ، فلما نهج لهم الطريق واحتج عليهم بالحجج المقنعة ؛ اجتهدوا اجتهادا شديدا ، وكان يقول أيضا : إن ترك لذات هذا العالم هو الذي يلحقكم بذلك العالم حتى تتصلوا به وتنخرطوا في سلكه ، وتخلدوا في لذاته ونعيمه ، فدرس أهل الهند هذا القول ورسخ في عقولهم.

١ ـ اختلاف الهنود بعد وفاة برخمنين

ثم توفي عنهم برخمنين وقد تجسم القول في عقولهم لشدة الحرص والعجلة في اللحاق بذلك العالم ، فافترقوا فرقتين :

فرقة قالت : إن التناسل في هذا العالم هو الخطأ الذي لا خطأ أبين منه ، إذ هو نتيجة اللذة الجسدانية ، وثمرة النطفة الشهوانية فهو حرام ، وما يؤدي إليه من الطعام اللذيذ، والشراب الصافي ، وكل ما يهيج الشهوة واللذة الحيوانية ، وينشط القوة البهيمية فهو حرام أيضا ، فاكتفوا بالقليل من الغذاء على قدر ما تثبت به

__________________

(١) النصب واللغوب : التعب والإعياء.

٣١٤

أبدانهم ، ومنهم من كان لا يرى ذلك القليل أيضا ليكون لحاقه بالعالم الأعلى أسرع ؛ ومنهم من إذا رأى عمره قد تنفس ألقى بنفسه في النار ، تزكية لنفسه ، وتطهيرا لبدنه ، وتخليصا لروحه ، ومنهم من يجمع ملاذ الدنيا من الطعام والشراب والكسوة فيمثلها نصب عينيه لكي يراها البصر وتتحرك نفسه البهيمية إليها فتشتاقها وتشتهيها ، فيمنع نفسه عنها بقوة النفس المنطقية حتى يذبل البدن ، وتضعف النفس ، وتفارق البدن لضعف الرباط الذي كان يربطها به.

وأما الفريق الآخر : فإنهم كانوا يرون التناسل والطعام والشراب وسائر اللذات بالقدر الذي هو طريق الحق حلالا.

وقليل منهم من يتعدى عن الطريق ويطلب الزيادة.

وكان قوم من الفريقين سلكوا مذهب فيثاغورس من الحكمة والعلم فتلطفوا حتى صاروا يظهرون على ما في أنفس أصحابهم من الخير والشر ، ويخبرون بذلك فيزيدهم ذلك حرصا على رياضة الفكر ، وقهر النفس الأمارة بالسوء ، واللحوق بما لحق به أصحابهم.

ومذهبهم في الباري تعالى أنه نور محض ؛ إلا أنه لابس جسدا ما يستتر به لئلا يراه إلا من استأهل رؤيته واستحقها كالذي يلبس في هذا العالم جلد حيوان ، فإذا خلعه نظر إليه من وقع بصره عليه ، وإذا لم يلبسه لم يقدر أحد من النظر إليه ، ويزعمون أنهم كالسبايا في هذا العالم ، فإن من حارب النفس الشهوية حتى منعها عن ملاذها فهو الناجي من دنيات العالم السفلي ، ومن لم يمنعها بقي أسيرا في بدنها ؛ والذي يريد أن يحارب هذا أجمع فإنما يقدر على محاربتها بنفي التجبر والعجب ، وتسكين الشهوة ، والحرص ، والبعد عما يدل عليها ويوصل إليها.

٢ ـ الإسكندر في الهند

ولمّا وصل الإسكندر إلى تلك الديار وأراد محاربتهم صعب عليه افتتاح مدينة أحد الفريقين ، وهم الذين كانوا يرون استعمال اللذات في هذا العالم بقدر القصد

٣١٥

الذي لا يخرج إلى فساد البدن ، فجهد حتى فتحها ، وقتل منهم جماعة من أهل الحكمة ، فكانوا يرون جثث قتلاهم مطروحة كأنها جثث السمك الصافية النقية التي في الماء الصافي ، فلما رأوا ذلك ندموا على فعلهم ذلك بهم ، وأمسكوا عن الباقين.

والفريق الثاني وهم الذين زعموا أن لا خير في اتخاذ النساء والرغبة في النسل ولا في شيء من الشهوات الجسدانية كتبوا إلى الإسكندر كتابا مدحوه فيه على حب الحكمة وملابسة العلم ، وتعظيم أهل الرأي والعقل ، والتمسوا منه حكيما يناظرهم فنفذ إليهم واحدا من الحكماء فنضلوه (١) بالنظر ، وفضلوه بالعمل ، فانصرف الإسكندر عنهم ووصلهم بجوائز سنيّة وهدايا كريمة ، فقالوا إذا كانت الحكمة تفعل بالملوك هذا الفعل في هذا العالم ، فكيف إذا لبسناها على ما يجب لباسها ، واتصلت بنا غاية الاتصال؟ ومناظراتهم مذكورة في كتب أرسطوطاليس.

* * *

ومن سنتهم إذا نظروا إلى الشمس قد أشرقت سجدوا لها وقالوا : ما أحسنك من نور وما أبهاك وما أنورك ، لا تقدر الأبصار أن تلتذ بالنظر إليك ، فإن كنت أنت النور الأول الذي لا نور فوقك فلك المجد والتسبيح ، وإياك نطلب وإليك نسعى لندرك السكن بقربك وننظر إلى إبداعك الأعلى ، وإن كان فوقك وأعلى منك نور آخر أنت معلول له ، فهذا التسبيح وهذا المجد له ، وإنما سعينا وتركنا جميع لذات هذا العالم لنصير مثلك ، ونلحق بعالمك ، ونتصل بساكنك. وإذا كان المعلول بهذا البهاء والجلال ؛ فكيف يكون بهاء العلة وجلالها ومجدها وكمالها؟ فحق لكل طالب أن يهجر جميع الملذات فيظفر بالجوار بقربه ، ويدخل في غمار جنده وحزبه.

* * *

__________________

(١) نضله : سبقه وغلبه في النضال.

٣١٦

هذا ما وجدته من مقالات أهل العالم ، ونقلته على ما وجدته ، فمن صادف فيه خللا في النقل فأصلحه ؛ أصلح الله عزوجل بفضله حاله ، وسدد أقواله وأفعاله ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

والحمد لله رب العالمين ، وصلواته على سيد المرسلين محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين ، وصحابته الأكرمين ، وسلّم تسليما كثيرا.

٣١٧
٣١٨

الفهارس

(١) فهرس الأعلام........................................................... ٦٢١

(٢) فهرس الأحاديث النبوية................................................... ٦٣٥

(٣) فهرس الآيات القرآنية..................................................... ٦٣٧

(٤) فهرس الملل والنحل....................................................... ٦٤٥

(٥) فهرس المصادر والمراجع.................................................... ٦٥٢

(٦) فهرس الموضوعات........................................................ ٦٥٤

٣١٩
٣٢٠