منازل الآخرة والمطالب الفاخرة

الشيخ عباس القمي

منازل الآخرة والمطالب الفاخرة

المؤلف:

الشيخ عباس القمي


المحقق: السيد ياسين الموسوي
الموضوع : الأخلاق
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-223-9
الصفحات: ٣٠٨

مِن المنازل المَهوُلة

البَرزَخ

وقد ذكره الحقّ تعالى في سورة ( المؤمنون ) :

( وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (١).

* وقال الامام الصادق عليه‌السلام في حديث :

« ولكني والله اتخوف عليكم من البرزخ.

قلت (٢) : وما البرزخ؟

قال : القبر منذ حين موته الى يوم القيامة » (٣).

* ونقل عن لبّ اللباب للقطب الراوندي قال :

وفي الخبر كان الموتى يأتون في كل جمعة من شهر رمضان فيقفون ، وينادي كلّ واحد منهم بصوت حزين باكياً : يا أهلاه! يا ولداه! وياقرابتاه! اعطفوا علينا بشيء يرحمكم الله ، واذكرونا ولا تنسونا بالدعاء وارحموا (٤) علينا وعلى غربتنا ، فانّا قد بقينا في سجن ضيق ، وغمّ طويل وشدّة ، فارحمونا ، ولا تبخلوا بالدعاء والصدقة لنا لعل الله يرحمنا قبل أن تكونوا مثلنا.

__________________

(١) سورة المؤمنون : الآية ١٠٠.

(٢) الضمير للراوي وهو عمر بن يزيد.

(٣) رواه الكليني في الكافي : ج ٣ ، ص ٢٤٢ ، ح ٣. ونقله عنه المجلسي في البحار : ج ٦ ، ص ٢٦٧ ، ح ١١٦. ونقله المؤلّف في سفينة البحار : ج ١ ، ص ٧١ ، الطبعة الحجرية.

(٤) الظاهر العبارة مصحفة ( وترحموا ).

١٦١

فواحسرتاه (١) قد كنّا قادرين مثل ما أنتم قادرون.

فياعباد الله : اسمعوا كلامنا ولا تنسونا فانّكم ستعلمون غداً فانّ الفضول التي في ايديكم كانت في أيدينا فكنّا لاننفق في طاعة الله ، ومنعنا عن الحقّ ، فصار وبالاً علينا ومنفعةً (٢) لغيرنا. اعطفوا علينا بدرهم أو رغيف أو بكسرة.

ثم ينادون ما أسرع ما تبكون على انفسكم ولا ينفعكم كما نحن نبكي ولا ينفعنا فاجتهدوا قبل أن تكونوا مثلنا (٣).

* ونقل في جامع الأخبار عن بعض الصحابة انّه قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « اهدوا لموتاكم.

فقلنا : يا رسول! وما هدية الأموات؟

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الصدقة والدعاء.

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله :

انّ ارواح المؤمنين تأتي كل جمعة الى السماء الدنيا بحذاء دورهم وبيوتهم ينادي كل واحد منهم بصوت حزين باكين :

يا أهلي ويا ولدي ويا أبي ويا امي ويا أقربائي! اعطفوا علينا يرحمكم الله بالذي كان في ايدينا والويل والحساب علينا والمنفعة لغيرنا.

وينادي كل واحد منهم الى أقربائه : اعطفوا علينا بدرهم ، أو برغيف ، أو بكسوة يكسوكم الله من لباس الجنّة.

ثمّ بكى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبكينا معه ، فلم يستطع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يتكلم من كثرة بكائه. ثمّ قال :

اولئك اخوانكم في الدين ، فصاروا تراباً رميماً بعد السرور والنعيم ، فينادون

__________________

(١) في المستدرك الطبعة الحديثة : ( فواحسرتا ).

(٢) في المستدرك الطبعة الحديثة : ( ومنفعته ).

(٣) مستدرك الوسائل ، النوري رحمه‌الله : ج ٢ ، باب ٣٩ ، ح ١٦٩٧ ، وعنه المؤلّف رحمه‌الله في سفينة البحار : ج ٢ ، ص ٥٥٦ ، الطبعة الحجرية.

١٦٢

بالويل والثبور على انفسهم ، يقولون : ياولينا لو انفقنا ما كان في أيدينا في طاعة الله ورضائه ما كنا نحتاج إليكم.

فيرجعون بحسرة وندامة ، وينادون : اسرعوا صدقة الأموات » (١).

* وروي في هذا الكتاب أيضاً انّه قال :

« ما تصدقت لميت فيأخذها ملك في طبق مِن نور ساطع ضوؤها يبلغ سبع سماوات. ثمّ يقول على شفير الخندق فينادي :

السلام عليكم يا أهل القبور ، أهلكم اهدوا إليكم بهذه الهدية ، فيأخذها ويدخل بها في قبره ، فيوسع عليه مضاجعه.

فقال عليه‌السلام : ألا مَن اعطف لميت بصدقة فله عند الله من الأجر مثل أُحد ، ويكون يوم القيامة في ظل عرش الله يوم لا ظلَّ إلاّ ظل العرش.

وحيٌّ وميتٌ نجى بهذه الصدقة (٢).

* وحكي عن أمير خراسان انّه رأى في المنام بعد موته وهو يقول : ابعثوا اليَّ ما ترمونه الى الكلاب فانّي محتاج إليه (٣).

* وقال العلاّمة المجلسي رحمه‌الله في زاد المعاد (٤).

ولابدّ أن لا يُنسى الأموات لأن ايديهم تقصر عن أعمال الخير ، فانّهم يأملون من أبنائهم وأقربائهم واخوانهم المؤمنين ويترقبون منه احسانهم. خصوصاً في أدعيتهم في صلاة الليل ، ومن بعد الصلاة المكتوبة ، وفي المشاهد المشرفة. ولابدّ أن يدعى للأب وللأم أكثر من الآخرين ، وأن يعمل أعمال الخير لهم.

وفي الخبر : انّ العبد ليكون بارّاً بوالديه في حياتهما ، ثمّ يموتان فلا يقضي عنهما دينهما ولا يستغفر لهما ، فيكتبه الله عزّوجلّ عاقاً ، وانّه ليكون عاقاً لهما

__________________

(١) جامع الأخبار : ص ١٦٩ ، طبعة النجف.

(٢) جامع الأخبار طبعة النجف : ص ١٦٩.

(٣) سفينة البحار : ج ٢ ، ص ٥٥٧.

(٤) زاد المعاد باللغة الفارسية من مؤلفات العلاّمة الشيخ محمّد باقر المجلسي قدس‌سرهم صاحب موسوعة (بحار الأنوار).

١٦٣

في حياتهما غير بارٍ بهما فإذا ماتا قضى دينهما واستغفر لهما فيكتبه الله عزّوجلّ باراً (١).

وأهم الخيرات للأب وللأم وسائر أقربائه أداء دينهم وأن يبرئهم من حقوق الله والخلق ، وأن يسعى في قضاء ما فاتهم من الحجّ وسائر العبادات إما بالإجارة أو بالإجارة أو بالتبرع.

* وروي في الحديث الصحيح أن الامام الصادق عليه‌السلام كان يصلي عن ولده في كل ليلة ركعتين وعن والديه في كل يوم ركعتين وكان يقرأ في الركعة الاُولى انا انزلناه ، وفي الركعة الثانية انا اعطيناك الكوثر (٢).

* ونقل بسند صحيح عن الامام الصادق عليه‌السلام : « انّه (٣) يكون في ضيق فيوسع الله عليه ذلك الضيق ثمَّ يؤتى ، فيقال له : خفف عنك هذا الضيق لصلاة

__________________

(١) رواه الكليني رحمه‌الله في الكافي : ج ٢ ، ص ١٦٣ ، ح ٢١. ورواه الحسين بن سعيد الاهوازي الكوفي في الزهد : ص ٣٣ ، ح ٨٧. ونقله المجلسي في البحار : ج ٧٤ ، ص ٥٩ ، ح ٢١ ، ج ٧٤ ، ص ٨١ ، ح ٨٥.

(٢) يبدو انّ المؤلّف رحمه‌الله نقل الرواية بالمعنى ، وإليك نصها :

في التهذيب للشيخ الطوسي : ج ١ ، ص ٤٦٧ ، ح ١٧٨ ، باب ٢٣ ، بإسناده عن عمر بن يزيد ، والرواية مضمرة :

(قال : كان أبو عبدالله عليه‌السلام يصلي عن ولده في كل ليلة ركعتين ، وعن والديه في كل يوم ركعتين.

قلت : له : جعلت فداك! كيف صار للولد الليل؟

قال عليه‌السلام : لأن الفراش للولد.

قال : وكان يقرأ فيهما (انا انزلناه في ليلة القدر) و (انا اعطيناك الكوثر).

ونقلها الحر في : وسائل الشيعة ، كتاب الطهارة. أبواب الاحتضار ، باب ٢٨ ، ح ٧. ونقلها المجلسي في البحار : ج ٨٢ ، ص ٦٣ ، ح ٥. وفي : ج ٨٨ ، ص ٣١٤ ، ح ٣. وفي ج ٩١ ، ص ٢٢٠ ، ح ٦.

(٣) انّ الرواية ابتدأت :

(وقال عمر بن يزيد : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام أيصلي عن الميت؟

قال : نعم انّه يكون في ضيق ... الرواية).

١٦٤

فلان أخيك عنك.

قال : فقلت له : فاشرك بين رجلين في ركعتين؟

قال : نعم.

فقال عليه‌السلام : انَّ الميت ليفرح بالترحم عليه والاستغفار له كما يفرح الحي بالهدية تهدى إليه » (١).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله يدخل على الميت في قبره الصلاة والصوم والحجّ والصدقة والبر والدعاء ويكتب أجره للذي يفعله وللميت (٢).

* وفي حديث آخر قال صلى‌الله‌عليه‌وآله :

« مَن عمل مِنَ المسلمين عن ميت عملاً صالحاً اضعف له أجره ونفع الله به الميت » (٣).

* وورد في رواية :

(اذا تصدّق الرّجل بنية الميت امر الله جبرئيل أن يحمل الى قبره سبعين ألف ملك في يد كل ملك طبق فيحملون الى قبره ويقولون :

« السلام عليك يا وليَّ الله هذه هدية فلان بن فلان إليك ».

« فيتلألأ قبره ، واعطاه الله ألف مدينة في الجنّة ، وزوجه ألف حوراء ، وألبسه ألف حلّة ، وقضى له ألف حاجة » (٤).

* يقول المؤلّف :

من المناسب هنا أن انقل عدة حكايات نافعة من المنامات الصادقة.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ج ١ ، ص ١١٧ ، ح ٥٥٤. وعنه في البحار : ج ٨٢ ، ص ٦٢ ، ح ١.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ج ١ ، ص ١١٧ ، ح ٥٥٧. وعنه في البحار : ج ٨٢ ، ص ٦٢ ، ح ٢ ، وفي ج ٨٨ ، ص ٣٠٨ ، وفي ج ٨٨ ، ص ٣١١ ، ح ٣.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ج ١ ، ص ١١٧ ، ح ٥٥٦. وفي البحار : ج ٨٢ ، ص ٦٢ ، ح ٢ ، وفي ج ٨٨ ، ص ٣٠٨ ، ح ٣ ، وفي ج ٨٨ ، ص ٣١٤ ، ح ٣.

(٤) وسائل الشيعة كتاب الطهارة : أبواب الاحتضار ، باب ٢٨ ، ح ٩. وفي البحار : ج ٨٢ ، ص ٦٣ ، ح ٧.

١٦٥

واحذرك من عدم الاعتناء بها ، وتتصور انّها من اضغاث الأحلام أو من الأساطير التي تنقل للصبيان ؛ بل تأمّل فيها جيداً ، فالتأمل فيها يوقض المرء ويسلب النوم من العين.

فسانه ها همه خواب آورد ، فسانه من

زجشم ، خواب ربايد فسانه عجبي است

يعني :

جميع الأساطير تنعس واسطورتي

تسلب النوم من عيني ، فيا عجباً من اسطورة!

حكاية :

نقل شيخنا ثقة الاسلام النوري (عطر الله مرقده) في دار السلام :

حدثني السيّد المؤيد الفاضل الأرشد الورع العالم التقي الأمير سيد علي ابن العالم الجليل والفقيه النبيل قدوة أرباب التحقيق ومَن إليه كان يشد الرواحل من كل فج عميق المبرأ من كل شين ودرن الأمير سيد حسن ابن الأمير سيد علي ابن الأمير محمّد باقر ابن الأمير اسماعيل الواعظ الحسني الاصفهاني البسه الله حلل الأمان وحشرهُ مع سادات الجنان قال :

لمّا توفي الوالد العلاّمة كنتُ بالمشهد الغروي مشغولاً بتحصيل العلوم ، وهو الآن فيه وكانت اُموره رحمه‌الله بيد بعض الاخوان ولم يكن لي علم بتفاصليها ولما مضت من وفاته سبعة أشهر توفيت امي ، وحملوا جنازتها الى النجف.

فلما كانت بعض تلك الأيّام رأيت في المنام : كأنّي قاعد في بيتي الذي كنت ساكناً فيه ، اذ دخل عليّ الوالد رحمه‌الله فقمت وسلّمت. فجلس في صدر المجلس ، وتلطف بي في السؤال وتبيّن لي انّه ميت.

فقلت : إنّك توفيت باصفهان ، واراك في هذا المكان؟

فقال : نعم ، انزلونا بعد الوفاة في النجف ومكاننا الآن فيه.

١٦٦

فقلت : انّ الوالدة عندكم؟

فقال : لا.

فتوحشت لذلك؟ فقال : هي أيضاً بالنجف ولكن في مكان آخر.

فعرفت حينئذٍ وجه ذلك ، وانّ العالم محله أرفع من مكان الجاهل.

ثم سألته عن حاله ، فقال : كنت في ضيق ، والآن فالحمد لله في حال حسن ، وخرج ما كان بي من الضيق والشدة.

فتعجبت من ذلك ، فقلت متعجباً : أنت كنت في ضيق؟!

فقال : نعم ، إن الحاج رضا بن آغا بابا الشهير (١) بـ (نعلبند) يطلبني. ومن أجل طلبه ساءت حالي. فزاد تعجبي ، فانتبهت من النوم فزعاً متعجباً ، وكتبت الى أخي الذي كان وصيه رحمه‌الله صورة المنام. وسألته أن يكتب لي : انّ للرجل ديناً عليه ، أم لا؟ فكتب انّي تفحصت في الدفتر فما وجدت اسمه في خلال الديانين ، فكتبت إليه ثانياً : أن اسأله نفسه ، فأجاب بانّي سألته عن ذلك فقال : نعم كان لي عليه ثمانية عشر توماناً لا يعلمه إلاّ الله ، وبعد وفاته سألتك هل وجدت اسمي في الدفتر فأنكرت.

فقلتُ : لو أظهرته لم اقدر على اثباته فضاق صدري لأنّي أقرضته بلا حجّة ولا بينة وثوقاً بانّه يثبته في الدفتر. وانكشف لي انّه تسامح في ذلك ، فرجعت مأيوساً.

فذكر له أخي صورة المنام ، وأراد وفاء دينه ، فقال : انّي قد أبرأت ذمته لأجل اخابره بذلك (٢).

حكاية :

ونقل أيضاً الشيخ الأجل المحدّث المتبحر ثقة الاسلام النوري نور الله مرقده

__________________

(١) يقصد (معروفاً) وفي القصص المذكورة ـ والتي نقلناها مباشرة من دار السلام ـ اخطاء في التعبير لم نغير منها إلاّ تلك التي لا مناص من تغييرها كضمير المؤنث بدل المذكروالضمير المنفصل بدل المتصل.

(٢) دار السلام : ج ٢ ، ص ١٦٤.

١٦٧

في دار السلام عن العالم الفاضل الصالح الورع التقي الحاجّ الملاّ أبي الحسن المازندراني قال :

كان لي صديق فاضل تقي عالم ، وهو المولى جعفر ابن العالم الصالح المولى محمّد حسين من أهل طبرستان من قرية يقال لها (تيلك).

وكان رحمه‌الله في بلده ، فلمّا جاء الطاعون العظيم الذي عمّ البلاد ولهم العباد اتفق انّ خلقاً كثيراً ماتو قبله وجعلوه وصياً على أموالهم ، فجباها كلها ، ومات بعدهم بالطاعون قبل أن يصرف الأموال في محلها. فضاعت كلها.

ولما وفقني الله تعالى لزيارة العتبات ومجاورة قبر مولانا أبي عبدالله عليه‌السلام رأيت ليلة في المنام كأنَّ رجلاً في عنقه سلسلة تشتعل ناراً. وطرفيها بيد رجلين ، وله لسان طويل قد تدلى على صدره ، فلما رأني من بعيد قصدني. فلما دنا مِنّي ظهر انّه المولى المزبور.

فتعجّبت : فلّما هَمَّ أن يكلمني ويستغيث بي جرّا السلسلة الى الخلف ، فرجع القهقرى ، ولم يتمكن من الكلام.

ثمّ دنا ثانياً ففعلا به مثل الاُولى ، وكذلك في المرّة الثالثة. ففرعت من مشاهدة صورته وحالته فزعاً شديداً ، وصحت صيحة عظيمة انتبهت منها ، وانتبه مَن كان نائماً في جانبي من العلماء.

فقصصت عليه رؤياي وكان وقت النداء ، وإعلام فتح أبواب الصحن والحرم الشريفين. فقلت : ينبغي أن نقوم وندخل الحضرة ونزور ونستغفر له ، لعل الله يرحمه إن كانت الرؤيا صادقة.

فقمنا وفعلنا ذلك.

ومضى زمان طويل يقرب من عشرين سنة ولم يتبين لي مِن حاله شيئاً ، وكان في زعمي انّ تلك الحالة للتقصير الذي وقع منه في أيّام الطاعون في أموال الناس.

ولما مَنَّ الله تعالى عليَّ بزيارة بيته وقضيت المناسك ، وقربنا من الرجوع الى المدينة المشرّفة مرضت مرضاً شديداً منعني عن الحركة والمشي. فلما نزلنا قلت

١٦٨

لأصحابي : غسلوني ، وبدلوا ثيابي واحملوني الى الروضة المطهرة لعلّ الموت يحول بيني وبين الوصول إليها. ففعلوا ، ولما دخلت الحضرة أُغمِيَ عليَّ ، فتركوني في جانب ومضوا لشأنهم. فلما افقت حملوني وأتو بي الى قرب الشباك ، فزرت. ثمّ ذهبوا بي الى الخلف عند بيت الصديقة الطاهرة عليها‌السلام ، أحد المواضع التي تزار فيها فجلست وزرت بما بدا لي ، ثمّ طلبت منها الشفاء. وقلت لها : بغلنا مِنَ الآثار كثرة محبتك لولدك الحسين عليه‌السلام ، وانّي مجاور قبره الشريف ، فبحقّه عليك ألا ما شافيتني.

ثمّ خاطبت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وذكرت ما كان لي من الحوائج منها الشفاعة لجتملة من رفقائي الذين حلُّو أطباق الثرى ومزقتهم البلوى ، وعدّدت اسماءَهم الى أن بلغتُ الى المولى جعفر المتقدم ذكره. فذكرت الرؤيا ، فتغيّرت حالي ، فألححتُ في طلب المغفرة له وسؤال الشفاعة منه صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقلت : انّي رأيته قبل ذلك بعشرين سنة في المنام حال سوء ، لا أدري كان صادقاً أم كان من الاضغاث؟

وذكرتُ ما سنح لي مِنَ التضرع والدعاء في حقّه. ثمّ رأيتُ في نفسي خفة ، فقمت ورجعت الى المنزل بنفسي ، وذهب ما كان بي مِنَ المرض من بركة البتول العذراء عليها‌السلام.

ولما اردنا الخروج من البلد اقمنا في (اُحُد) يوماً وكان أول منازلنا. فلمّا نزلنا فيه ، وفرغنا من زيارة الشهداء رقدت فرأيت المولى جعفر المذكور مقبلاً عليّ في زيٍّ حَسَنٍ وعليه ثياب بيض كغرقىء (١) البيض وعلى رأسه عمامة محنّكة وبيده عصاً ، فلما دنا مني سلّم وقال : مرحباً بالأخوة والصداقة ، هكذا ينبغي أن يفعل الصديق بصديقه ، وكنت في تلك المدّة في ضيق وشدة وبلاء ومحنة ، فما قُمتَ مِنَ الحضرة إلاّ وخلصتني منها ، والآن يومان أو ثلاثة ارسلوني الى الحمام وطهروني من الأقذار والكثافات. وبعث اليّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بهذه الثياب والصديقة

__________________

(١) الغرقى بكسر الغين المعجمة : بياض البيض.

١٦٩

الطاهرة عليها‌السلام بهذا العباء ، وصار أمري بحمد الله الى حَسَنٍ وعافية. وجئتُ إليك مشيعاً لك ومبشراً. فطب نفساً انّك ترجع الى اهلك سالماً صحيحاً وهم سالمون.

فانتبهت شاكراً فرحاً (١).

قال الشيخ المرحوم : وعلى الفطن الخبير أن يتأمّل في دقائق تلك الرؤيا فانّ فيها ما يزيل عن القلب العمى وعن البصر القذى (٢).

حكاية :

وفي دار السلام أيضاً نقل الشيخ الأجل الاورع الأكرم الحاجّ ملاّ علي عن والده الماجد الحاجّ ميرزا خليل الطهراني رحمه‌الله قال :

كنتُ في مشهد الحسين عليه‌السلام وامي كانت في مدينة طهران ، فرأيت ليلةً في ما يراه النائم : انّ والدتي جاءت إليّ ، وقالت لي : يا بني انيّ متّ ، وجاؤوا بي إليك ، وهشموا انفي.

فانتبهت من النوم فزعاً مرعوباً. فبقيت كذلك الى أن جاءني كتاب من بعض الاخوان : انّ والدتك توفيت وأرسلناها مع الجنائز :

فلما اتى الجنازون قالوا : خلَّفنا تلك الجنازة في رباط قريب من ذي الكفل لانّا زعمنا (٣) انّك في بلد المشهد (النجف الأشرف).

فبقيت متحيراً في معنى هشموا أنفي.

فلما أتوا بنعش والدتي كشفت عنها ، فرأيت أنفها مكسوراً ، فسألت عن ذلك ، فقالوا : انّ هذه الجنازة كانت موضوعة فوق الجنائز ، فتصادمت الخيول في الرباط ، فطرحتها من أعلى الجنائز ، ولم نعلم غير هذا.

فجئت بها الى ساحة أبي الفضل العباس ابن أمير المؤمنين عليها‌السلام ، فقلت : يا أبا الفضل انّ والدتي لم تحسن الصلاة والصيام وهي دخيلتكَ ، فادفع عنها الأذى

__________________

(١) دار السلام : ج ٢ ، ص ١٥٣ ، ١٥٥ ، وقد عالجنا بعض الكلمات أيضاً.

(٢) دار السلام : ج ٢ ، ص ١٥٥.

(٣) لعلّه يقصد (لانّا توهمنا أو ظننا).

١٧٠

يا سيدي ، وعليّ بضمانك خمسين سنة صوم وصلاة استنيب عنها.

فدفنتها ، وبقيت مدة من الزمان ، فبينا أنا نائمٌ في ليلة من الليالي ، وإذا اسمع ضوضاءاً (١) في باب داري ، فخرجت من الدار ، فرأيت والدتي موثوقة بشجرة وتضرب بالسياط.

فقلت : ما بالها ، وأي ذنب لها حتّى تضرب؟

فقالوا : أمرنا أبو الفضل أن نضربها حتّى تدفع مبلغاً مقدّراً.

فذهبت الى داخل الدار ، وأتيتُ بالدراهم ، وأطلقت والدتي ، وأتيت بها الى داخل الدار ، واشتغلت بخدمتها فلما انتبهت رأيت المقدار الذي أخذوه مني هو مقدار خمسين سنة عبادة.

فأخذتُ ذلك المبلغ وذهبت الى السيّد صاحب الرياض رحمه‌الله وقلت : هذه قيمة خمسين سنة عبادة عن والدتي ، والأمر كيت وكيت (٢).

قال شيخنا الأجل صاحبُ دار السلام (احلَّهُ الله دار السلام) وفي هذه الرؤيا من عِظّم الأمر وخَطَرِ العاقبة وعدَمِ جواز التَّهاونِ بما عاهد الله على نفسه وعلوّ مقام أوليائه المُخبتين ما لا يخفى على مَن تأمّلها بعين البصيرة وَنَظرِ الاعتبار (٣).

حكاية :

ونقل هذا الأجل أيضاً عن والده الصالح :

انّ رجلاً كان في مدينة طهران خادماً في الحمام في مسلخه (٤) ، وكان لا يصلي ولا يصوم ، وجاء يوماً الى المعمار ، وقال : اريد أن أبني حماماً.

فقال له المعمار : أنت بهذه الحالة ، من أين لك الدراهم.

فقال له : خذ ما شئت.

فبنى له حماماً معروفاً باسمه ، وكان اسمه (علي طالب).

__________________

(١) في المصدر : (واذا بضوضاء اسمع).

(٢) دار السلام. ج ٢ ، ص ٢٤٥ ـ ٢٤٦.

(٣) دار السلام. ج ٢ ، ص ٢٤٦.

(٤) أي المنزع.

١٧١

قال والدي :

كنت في النجف الأشرف ، فرأيت فيما يراه النائم انّ علي طالب جاء الى النجف في وادي السلام.

فتعجبت من ذلك.

وقلت له : ما جاء بك الى هذا المكان وأنت لا تصلي ولا تصوم؟

فقال لي : يا هذا ، أنا مت ، فأخذوني بالاغلال ليأخذوني الى العذاب. لكن جزى الله الحاجّ الملاّ محمّد الكرمانشاهي خير الجزاء حيث انّه استأجر فلان نائباً للحجّ ، وهو فلان ، واستأجر فلان للصوم ، والصلاة ، ودفع عني الزكاة والمظالم على يد فلان وفلان. ولم يبق شيء عليَّ الاّ أدّاه. فخلصني من العذاب ، فجزاه الله عني خير جزاء المحسنين.

فاستيقظت من نومي فزعاً ، وتعجبت من تلك الرؤيا ، فتربصت مدة فجاء أُناسٌ من طهران ، فسألت عن أحوال علي طالب ، فاخبروني كما رأيت في الرؤيا بأسماء الرجال وما جرى بعد موته.

فتعجب من صدق تلك الرؤيا ومطابقتها للواقع (١).

(وفي هذه الرؤيا تصديق لما استفاض عن أهل العصمة من وصول ثواب الصوم والصلاة والحجّ وسائر الخيرات والمبرات الى الميت ، وانّه قد يكون في ضيق فيفرج عنه.

وتصديق لما ورد : من انّه ما من مؤمن يموت في شرق الأرض وغربها إلاّ وحشر الله روحه في وادي السلام.

وفي بعضها : أما كأنّي بهم خلق قعود يتحدثون.

والحاج المولى أحمد المذكور من علماء طهران الأخيار والصلحاء الأبرار) (٢).

__________________

(١) دار السلام : ج ٢ ، ص ٢٤٤ ـ ٢٤٥.

(٢) دار السلام : ج ٢ ، ص ٢٤٥.

١٧٢

حكاية :

ونقل عن أربعينات العالم الفاضل والعارف الكامل القاضي سعيد القمّي رحمه‌الله انّه قال :

وصل إلينا من أحد الثقات ومحل الاعتماد عن استاذ اساتيذنا الشيخ بهاء الملة والدين العاملي قدس‌سرهم :

انّه ذهب في أحد الأيّام لزيارة بعض أصحاب الحال ، وكان يأوى في مقبرة من مقابر اصفهان ، فقال ذلك الشيخ العارف للشيخ :

شاهدت قبل هذا اليوم في هذه المقبرة أمراً غريباً. فقد رأيت جماعة جاؤوا بجنازة ودفنوها في هذه المقبرة في الموضع الفلاني. وبعد مضي ساعة شممت رائحة طيبة لم تكن من روائح هذه النشأة ، فبقيت متحيراً ، فنظرت الى يميني وشمالي لاعرف من أين جاءت هذه الرائحة ، فرأيت شاباً جميل الصورة في لباس الملوك وهو يذهب الى ذلك القبر حتّى وصل عنده ، فتعجبت كثيراً مِن مجيئه الى ذلك القبر.

فعندما جلس عند ذلك القبر رأيته قد غاب وكأنّه صار داخل القبر.

فلم يمض زمن من تلك الحادثة حتّى شممت رائحة كريهة انتن من كل رائحة ، فنظرت فرأيت كلباً يذهب بأثر الشاب حتّى وصل الى ذلك القبر واختفى.

فتعجبت لذلك وما كاد تعجبي ينقضي حتّى خرج ذلك الشاب بحال سيئة وهيئة قبيحةٍ وبدن مجروح ، وقد رجع من حيث أتى.

فذهبت وراءه ، ورجوته أن يخبرني بحقيقة الأمر فقال : أنا العمل الصالح لهذا الميت ، وكنت مأموراً أن اصير معه في قبره ، فإذا بذلك الكلب ـ الذي رأيته ـ أتى وهو عمله غير الصالح ؛ فأردت أن اخرجه من القبر لأَفيَ بصحبته فعضني ذلك الكلب بأنيابه ، وجرحني ومزق لحيتي كما ترى ، ولم يتركني أبقى مع ذلك الشاب ، فلم أقدر بعد ذلك أن أبقى معه في قبره ، فخرجت ، وتركته لوحده.

فعندما نقل العارف المكاشف هذه الحكاية للشيخ ، قال الشيخ :

ما قلتَهُ صحيح ؛ فنحن قائلون بتجسم الأعمال وتصورها بالصورة المناسبة

١٧٣

بحسب الأحوال.

* يقول المؤلّف :

ويصدق هذه الحكاية الخبر الذي رواه الشيخ الصدوق في أول أماليه وملخصه :

انّ قيس بن عاصم وفد مع جماعة من بني تميم الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وطلب منه موعظةً نافعة فوعظه صلى‌الله‌عليه‌وآله : ومن جملة ما قال (١) :

« لابدّ لك يا قيس من قرينِ يدفن معك وهو حي وتدفن معه وأنت ميت ، فإن كان كريماً اكرمك وإن كان لئيماً اسلمك ، ثمّ لا يحشر إلاّ معك ولا تبعث إلاّ معه ، ولا تسأل إلاّ عنه ، فلا تجعله إلاّ صالحاً ، فانّه إن صلح أنَستَ به ، وإن فسد لا تستوحش إلاّ منه ، وهو فعلك.

فقال : يا نبي الله احبّ أن يكون هذا الكلام في أبيات من الشعر نفخر به على مَن يلينا من العرب ، وندّخره :

فأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مَن يأتيه بحسان.

قال : (٢) فأقبلت افكر فيما اشبِّه هذه العظة من الشعر ، فاستتب لي القول قبل

__________________

(١) صدر الحديث هو :

(قال قيس بن عاصم : وفدت مع جماعة من بني تميم الى النبي صلى الله عليه وآله ، فدخلت وعنده الصلصال ابن الدلهمس ، فقلت : يا نبي الله عظنا موعظة ننتفع بها فإنا قوم نعبر [نعمر خ. ل] في البرية.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا قيس انّ مع العز ذلاً وانّ مع الحياة موتاً ، وان مع الدنيا آخرة ، وانّ لكل شيء حسيباً ، وعلى كل شيء رقيباً ، وانّ لكل حسنةٍ ثواباً ولكل سيئةٍ عقاباً ولكل أجل كتاباً ... الحديث).

(٢) أقول : في ترجمة الحديث نسب المؤلّف رحمه‌الله القول الى الصلصال وكذا أبيات الشعر ، ولكن في الأمالي المطبوع ليست فيه هذه النسبة. نعم وجدنا ذلك في كتاب (الاصابة في تمييز الصحابة) لابن حجر العسقلاني : ج ٢ ، ص ١٩٣ قال :

(الصلصال بن الدلهمس بن جندلة المحتجب بن الاغر بن الغضنفر بن تيم بن ربيعة بن نزار ؛ أبو الغضنفر ...

وقال المرزباني : يقال انّه انشد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله شعراً.

١٧٤

مجيء حسان. قلت : يا رسول الله ، قد حضرتني أبيات احسبها توافق ما تريد ، فقلت :

تَخَيَّر خليطاً من فِعالِكَ اِنَّما

قَرينُ الفتى في القَبرِ ما كان يَفعَلُ

وَلابدّ بَعدَ المَوتِ مِن أن تعٍدَّهُ

لِيَوم يُنادى المَرءُ فيه فَيُقبلُ

فإن كُنتَ مَشغُولاً بِشَيءٍ فلا تكُن

بِغَير الَّذي يَرضى بِهِ الله تَشغَلُ

فَلَن يَصحَبَ الانسانَ مِن بعد مَوتِه

وَمِن قَبلِهِ إلاّ الَّذي كانَ يَعمَلُ

فَلَن يَصحَبَ الانسانَ مِن بعد مَوتِه

وَمِن قَبلِهِ إلاّ الَّذي كانَ يَعمَلُ

اَلا اِنَّما الانسانُ ضَيفٌ لاِهلهِ

يُقيمُ قليلاً بَينهُمُم ثُمَّ يَرحَلُ (١)

* وروى الشيخ الصدوق قدس‌سرهم عن الامام الصادق عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

« مرّ عيسى بن مريم عليه‌السلام بقبر يُعَذَّبُ صاحبه ثمَّ مرَّ به مِن قابل فإذ هو ليس يعذّب.

فقال : يا ربّ مررتُ بهذا القبر عام أول فكان صاحبه يعذّب ، ثمّ مررت به العام ، فإذا هو ليس يعذّب؟

فاوحى الله عزّ وجلّ اليه :

يا روح الله انّه ادرك له ولد صالح. فأصلح طريقاً وآوى يتيماً فغفرت له بما عمل ابنه » (٢).

* * *

__________________

وذكر ابن الجوزي : ان الصلصاح قدم مع بني تميم وانّ النبي صلى الله عليه وآله أوصاهم بشيء فقال قيس بن عاصم : وددت لو كان هذا الكلام شعراً نعلِّمه أولادنا ، فقال الصلصال : انا انظمة يا رسول الله ، فانشده أبياتاً. واوردها ابن دريد في أماليه عن أبي حاتم السجستاني عن العتبي عن أبيه قال : قال قيس بن عاصم وفدت مع جماعة من بني تميم ، فدخلت عليه وعنده الصلصال بن الدلهمس ، فقال قيس : يا رسول الله عظنا عظة ننتفع بها ، فوعظهم موعظة حسنة ، فقال قيس : احبّ أن يكون هذا الكلام أبياتاً من الشعر نفتخر به على من يلينا وندخرها ، فامر من يأتيه بحسان ، فقال الصلصال : يا رسول الله قد حضرتني أبيات أحسبها توافق ما أراد قيس فقال هاتها فقال : ... الخ).

(١) الأمالي للشيخ الصدوق : ص ١٢ ـ ١٣.

(٢) الأمالي للصدوق : ص ٤١٤.

١٧٥

١٧٦

من منازل الآخرة المهولة

القيامة

١٧٧
١٧٨

من منازل الآخرة المهولة

القيامة

فانّ هولها عظيم ، بل هي أعظم من كل هول. وفزعها الفرع الأكبر.

قال تعالى في وصفها :

( ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ) (١).

* وروى القطب الراوندي عن الامام الصادق عليه‌السلام انّه قال :

« قال عيسى عليه‌السلام لجبرئيل : متى قيام الساعة؟ فانتفض جبرئيل انتفاضة أُغمي عليه منها ، فلما أفاق قال : يا روح الله! ما المسؤول أعلم بها من السائل وله من في السماوات والأرض لا تأتيكم إلاّ بغتة » (٢).

* وروى الشيخ الجليل علي بن ابراهيم القمّي رحمه‌الله عن الامام محمّد الباقر عليه‌السلام :

« بينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جالس وعنده جبرئيل اذ حانت من جبرئيل عليه‌السلام نظرةً قِبَل السماء ، فامتقع لونه حتّى صار كأنه كركمة ، ثمَّ لاذ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فنظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى حيث نظر جبرئيل ، فإذا شيءٌ قد ملأ ما بين الخافقين

__________________

(١) سورة الأعراف : الآية ١٨٧.

(٢) قصص الانبياء للراوندي : ص ٢٧١ ، باب ١٨ ، فصل ٥ ، ح ٣١٩. ونقله المجلسي في البحار : ج ٦ ، ص ٢١٢ ، ح ١١. وفي : ج ٧ ، ص ٦١. وفي : ج ١٤ ، ص ٣٢٣ ، ح ٣٥.

١٧٩

مقبلاً حتّى كان كقاب من الأرض.

ثمّ قال : يا محمّد انّي رسول الله اليك اخبرك أن تكون ملكاً رسولاً احبًّ إليك ، أو تكون عبداً رسولاً؟

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : بل أكون عبداً رسولاً.

فرفع الملك رجله اليمنى فوضعها في كبد السماء الدينا ، ثمَّ رفع الاُخرى فوضعها في الثانية ، ثمَّ رفع اليمنى فوضعها في الثالثة .. ثمَّ هكذا حتّى انتهى الى السماء السابعة ، كل سماء خطوة ، وكلما ارتفع صغر حتّى صار آخر ذلك مثل الذر (١).

فالتفت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : لقد رأيتك ذعراً ، وما رأيتُ شيئاً كان أذعر لي مِن تغير لونك؟!

فقال : يا بني الله لا تلمني ، أتدري من هذا؟

قال : لا.

قال : هذا اسرافيل حاجب الرب ، ولم ينزل من مكانه منذ خلق الله السماوات والأرض (٢) ، فلما رأيتُه منحطاً ظننت انّه جاء لقيام الساعة ، فكان الذي رأيتهُ مِن

__________________

(١) هكذا في المصدر المطبوع (مثل الذر).

وفي نسخة بدل من المصدر ، وفي البحار (مثل الصر).

قال الطريحي في مجمع البحرين : (والصَرّ) عصفور أو طائر في قده أصفر اللون ، سمّي به لصوته من صَرَر : اذا صاح.

ومنه الحديث (اطلع عليّ عليُ بن الحسين عليه‌السلام وأنا انتف صَرّاً) ج ٣ ، ص ٣٦٥ ، الطبعة الحديثة.

وفي مجمع البيان : ج ٣ ، ص ٦٠٣ ـ ٣٠٧ :

(والذّرة بتشديد الراء : النملة الصغيرة التي لا تكاد ترى ويقال انّ المائة منها زنة حبة شعير ، وقيل هي جزء من أجزاء الهباء الذي يظهر في الكوه من أثر الشمس.

(٢) قال المؤلّف رحمه‌الله في الحاشية :

(لعل مراده أنّه لم يأتي لوحده وبدون خبر بهذا النحو الذي جاء به ، حتّى لا يتنافى مع مجيئه مع جبرئيل وميكائيل لاهلاك قوم لوط ... أو نحو ذلك والله العالم).

١٨٠